غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

لها المتعة ، والمعتمد اختيار المصنف.

فروع :

الأول : مفوضة البضع لها ان تمتنع (٣٨٥) من الدخول حتى يوصلها المهر ويسلم إليها فإن اتفقا على الفرض جاز ، وان اختلفا وترافعا الى الحاكم فرض مهر المثل ما لم يتجاوز مهر السنة فيرد إليها ، وليس له الفرض قبل ان يعلم مهر مثلها.

الثاني : هل يجوز للأجنبي ان يفرضه ويدفعه من ماله؟ يحتمل ذلك ، لأنه يصح قضاؤه عنه ، ويحتمل العدم لعدم ثبوت الولاية والوكالة له ، فلا يجوز ذلك فلا يصح الفرض ولا الدفع ويكون مضمونا عليه (٣٨٦) لأنها قبضته قبضا فاسدا ، وكل من قبض شيئا (٣٨٧) قبضا فاسدا كان مضمونا عليه.

وعلى احتمال الصحة لو طلقها قبل الدخول ، احتمل رجوع النصف الى الزوج ، لأنه ملكه حين قضائه دينا عليه ، لأن الإنسان إذا قضى دين غيره دخل المدفوع في ملك المديون ضمنا آنا (٣٨٨) ، ثمَّ ينتقل الى ملك الديان.

ويحتمل رجوعه إلى الأجنبي ، لأنه قضا ما وجب عليه ، وبالطلاق (٣٨٩) سقط النصف فيرد النصف الى من دفعه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه فيعود اليه ، وفخر الدين منع هذا الحكم من أصله وأبطل فرض الأجنبي ودفعه.

الثالث : لو فرض الزوج فرضا ولم ترض به الزوجة بطل الفرض إذا كان دون مهر المثل ، فلو طلقها قبل الدخول كان لها المتعة دون نصف الفرض الذي فرضه ، لأنها لم تقبله.

__________________

(٣٨٥) «ر ١» : تمنع.

(٣٨٦) «م» «ن» «ر ١» : عليها.

(٣٨٧) من «م» و «ر ١».

(٣٨٨) ليست في «ن».

(٣٨٩) «م» «ن» «ر ١» : وبالبطلان.

١٤١

الرابع : لو كان محجورا عليه ثمَّ فرض أكثر من مهر المثل ضربت بما قابل مهر المثل مع الغرماء ، والزائد عن مهر المثل يتبعه به بعد فك حجره ولا تشارك الغرماء فيه.

الخامس : لو وطي المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها وجب مهر المثل معتبرا بحال العقد.

السادس : لو أبرأته قبل الوطي والفرض والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح ، لأنه إبراء مما لم يجب ، ولو قالت : (أسقطت حقي من طلب الفرض) لم يسقط.

تنبيه : يجب على الفقيه ان يعرف مهر المثل على وجه كلي والولي (٣٩٠) ، لأنه يبحث عنه في أماكن مثل وطي الشبهة ووطي المكرهة ومفوضة البضع والتسمية الفاسدة ، والتقسيط عليه كما لو تزوج امرأتين بمهر واحد ، أو جمع بين النكاح وغيره من العقود وما شابه ذلك ، ويفتقر معرفتهم (٣٩١) الى اعتبار حال المرأة في أمرين :

الأول : النسب ، وهو الركن الأعظم فيه ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط باعتبار حال نسائها من الطرفين كالأم والأخت والعمة والخالة ومن يجري مجراهن ما لم يتجاوز خمس مائة درهم فان تجاوزها رد إليها ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير لاختلاف المهور باختلاف الأحوال من الطرفين ، ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ،

__________________

(٣٩٠) «م» «ن» «ر ١» : قانوني.

(٣٩١) «م» «ن» «ر ١» : معرفته.

١٤٢

ثمَّ دخل بها؟ قال : صداق نسائها» (٣٩٢) والنساء شامل للعصبات وغيرها ، وابن البراج اعتبر نساءها من جهة الأب دون الأم ونساءها من جهتها ، قال : لأن المرأة أم الولد تكون من عرض المسلمين تحت الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما‌السلام ، فيتزوج المرأة من العامة ليس لها نسب ولا حسب ، فالمعتبر من نسائها من كان (من) (٣٩٣) جهة الأب.

وجزم العلامة في القواعد بعدم اعتبار الأم ، قال : لأنها ليست من نسبها ، واستشكل في اعتبار العصبات أو الأقارب ، والمصنف أطلق اعتبار حال نسائها ولم يفرق بين العصبات وغيرها ، وظاهره الاعتماد على قول الشيخ ، وهو المعتمد.

الثاني : في اعتبار الصفات ، فالمفيد اقتصر على الجمال والشرف ، وزاد أبو الصلاح السن والتحصين ، وقال الشيخ : كل أمر يختلف المهر لأجله فإنه يعتبر ، وقال ابن البراج ، يعتبر سنها وعقلها وحمقها وجمالها وقبحها ويسارها وإعسارها وأدبها والبكارة والثيبوبة. وهذا بالحقيقة تفسير لكلام الشيخ ، وبعضهم اعتبر البلد أيضا ، وأنكره فخر الدين وينبغي اعتبار الأقرب فالأقرب إلى المستحقة لمهر المثل ، لأنهن أشبه بها.

ولو (٣٩٤) فقدت نساءها ، قال ابن البراج : يعتبر نساء أهل بلدها ، فان تعذر ، قال : يعتبر حال نساء أقرب البلدان الى بلدها ، واستشكله العلامة في التحرير.

تنبيه : آخر الاعتبار لمهر المثل المستند الى العقد الفاسد يوم الوطي لا يوم العقد ، فلو عقد عليها عقدا فاسدا ثمَّ وطأها بعد مدة وقد تغيرت أوصافها اعتبر

__________________

(٣٩٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٢ من أبواب المهور ، حديث ٣.

(٣٩٣) من «ن».

(٣٩٤) في الأصل : وقد.

١٤٣

يوم الوطي ، لأن سبب المهر هنا الشبهة والاعتبار (٣٩٥) بوطي الشبهة يوم الوطي ، فإن اتحدت (٣٩٦) الشبهة كالعقد الفاسد والتشبيه بالزوجة وجب مهر واحد وان تعدد الوطي.

ولو زنا بها مكرها لغير شبهة كان عليه لكل وطي مهر ، والفرق اتحاد سبب المهر هناك ، وهو الشبهة الواحدة وتعدد سبب المهر هنا وهو الوطي إكراها.

واستقرب العلامة عدم ردها الى مهر السنة إذا تجاوز مهور نسائها فيما يشبه الجنابة (٣٩٧) ، كالنكاح الفاسد ووطي الشبهة والإكراه ، لأنه قيمة متلف (٣٩٨) فلا تتقدر بمهر السنة ، بخلاف المفوضة فإنه لا يتجاوزه إجماعا لورود النص (٣٩٩) فيه ، وهو جيد.

قال رحمه‌الله : ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول قيل : يسقط المهر ولها المتعة ، وقيل : ليس لها أحدهما ، والأول مروي.

أقول : إذا فوض (٤٠٠) تقدير المهر إلى أحدهما مثل ان تقول : (زوجتك نفسي على ما شئت أو ما شئت أنا) صح النكاح والتفويض ، فلو مات من فوض اليه تقدير المهر بعد الدخول وقبل الفرض وجب مهر المثل ، وان كان قبل الدخول والفرض فيه ثلاثة أقوال :

أ ـ وجوب المتعة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس لما رواه محمد بن مسلم في

__________________

(٣٩٥) «ن» : ولا اعتبار.

(٣٩٦) «ر ١» : تجددت.

(٣٩٧) كذا ، ولعلها : الجناية.

(٣٩٨) «ن» : يختلف.

(٣٩٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢١ من أبواب المهور ، حديث ١.

(٤٠٠) كذا ، ولعلها : فوضت.

١٤٤

الصحيح ، عن الباقر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل ان يدخل بها؟ قال لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها» (٤٠١) وهو المعتمد.

ب ـ لا شي‌ء لها ، لأن المتعة تجب بالطلاق ولم يحصل ، ومهر المثل بالدخول ولم يحصل فلا شي‌ء لها ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج ـ وجوب مهر المثل ، حكاه الشيخ في المبسوط ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأنهما ذكرا مهرا مجهولا ، وقد تعذر تعيينه بموت من اليه التعيين فيرجع الى قيمة البضع ، وهو مهر المثل.

قال رحمه‌الله : إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه ولم يسقط بالدخول ، سواء طالت مدتها أو قصرت طالبت به أو لم تطالب ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : نقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا ان الدخول يهدم المهر ، والى خلاف هذا القول أشار المصنف بقوله : (ولا يسقط بالدخول).

والرواية المهجورة إشارة الى ما رواه محمد بن مسلم (٤٠٢) ، عن أحدهما عليهما‌السلام انها مع الدخول ليس لها المطالبة إذا لم تطالبه أولا.

قال رحمه‌الله : والدخول الموجب للمهر هو الوطي قبلا أو دبرا ، ولا يجب بالخلوة ، وقيل : يجب ، والأول أظهر.

أقول : الموجب لتقرير المهر أمور :

١ ـ الوطي قبلا أو دبرا وان كان مكرها أو حراما كالوطي في الحيض أو

__________________

(٤٠١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢١ من أبواب المهور ، حديث ٢.

(٤٠٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب المهور ، حديث ٦. (ولكن الرواية عن «أبي جعفر عليه‌السلام» وليست عن «أحدهما عليهما‌السلام»).

١٤٥

الإحرام.

٢ ـ ارتداد الزوج.

٣ ـ موته على المشهور بين الأصحاب ، وخالف فيه محمد بن بابويه في المقنع.

٤ ـ موت الزوجة على المشهور أيضا ، وخالف فيه الشيخ وابن البراج في الكامل.

٥ ـ الخلوة التامة ، وهي المعركة العظيمة بين الفقهاء ، والمراد بالتامة إرخاء الستر وإغلاق الباب مع عدم المانع من جهة الزوج كالعنن ، ومن جهة الزوجة كالقرن والرتق ، وغير ذلك كالمرض من أحدهما ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، حكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن قوم من أصحابنا انها قائمة مقام الدخول في تقرير المهر ، ويؤيده رواية زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام «قال : إذا تزوج الرجل المرأة ثمَّ خلا بها فأغلق عليها بابا وأرخى سترا ثمَّ طلقها فقد وجب الصداق» (٤٠٣).

وابن الجنيد اشترط في الخلوة الوطي أو الإنزال بسبب النظر أو التقبيل أو اللمس ، وحكى الشيخ في المبسوط والخلاف أيضا ان وجود الخلوة كعدمها مع عدم الوطي ، والقول قول الزوج في عدمه ، قال : وهو الظاهر في روايات (٤٠٤) أصحابنا.

واختاره المصنف ، والعلامة في أكثر كتبه ، وهو اختيار فخر الدين لما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر

__________________

(٤٠٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٥ من أبواب المهور ، حديث ٣.

(٤٠٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٤ من أبواب المهور ، وباب ٥٥ منه.

١٤٦

الا الوقاع في الفرج» (٤٠٥) وفي معناها رواية حفص بن البختري (٤٠٦) ، وإذا ثبت عدم استقراره بدون الوقاع والأصل (٤٠٧) عدمه ولأصالة براءة الذمة.

وقيل : ان وجود الخلوة كعدمها في نفس الأمر الا انها أمارة دالة على رجحان قبول قول المرأة إذا ادعت الدخول وأنكره الرجل ، فان القول قولها مع يمينها ، لأن الظاهر من حال الصحيح السليم إذا خلى بالزوجة المواقعة ، فيكون القول قولها عملا بالظاهر ولا تستحق في نفس الأمر غير النصف ان كانت كاذبة ، وهذا القول نقله الشيخ عن محمد بن أبي عمير ، عن قدماء الأصحاب ، ثمَّ استحسنه وافتى به ، واختاره أبو العباس في كتابيه.

قال رحمه‌الله : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثمَّ دخل كان ذلك مهرها ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول الا ان تشارطه قبل الدخول على ان المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد الى قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، ومستندهم رواية ابي عبيدة والفضل في الصحيح (٤٠٨) ، عن الباقر عليه‌السلام ، وتوقف المصنف ، لأن مقتضى الأصل مع الدخول وعدم التسمية وجوب مهر المثل ، والذي قدمه قبل الدخول قد يكون مهرا وقد يكون هدية ، وعدم مشارطتها على غيره لا يدل على الرضا به ، ولا دلالة للعام على الخاص.

وقال العلامة : قد كان في الزمن الأول لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم هو العادة فنقول : ان كانت العادة في

__________________

(٤٠٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٤ من أبواب المهور ، حديث ٦.

(٤٠٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٤ من أبواب المهور ، حديث ٧.

(٤٠٧) «م» «ن» «ر ١» : فالأصل.

(٤٠٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب المهور ، حديث ١٣.

١٤٧

بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدم وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها (٤٠٩). هذا آخر كلامه رحمه‌الله ، واستحسنه أبو العباس ، وهو حسن.

قال رحمه‌الله : ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة ، قيل : كان له نصف القيمة [سليما] ولا يجبر على أخذ نصف العين ، وفيه تردد.

أقول : إذا دفع المهر قبل الدخول ثمَّ طلقها قبله رجع بنصفه ، ولو تعيب هل يجبر على أخذ نصفه معيبا؟ قال الشيخ في المبسوط : يتخير بين نصف العين ونصف القيمة ، وتردد المصنف من عموم قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٤١٠) فليس له غير نصف ما فرض مع نصف أرش النقصان ، لأن الجميع مضمون عليها ، فكذا الأبعاض والصفات ، وهو اختيار العلامة في القواعد.

ومن ان المفروض عين صحيحة وقد صارت معيبة ، والمعيب غير الصحيح ، فلا يجبر على أخذ المعيبة.

قال رحمه‌الله : ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف قيمته من دون الزيادة ولا تجبر المرأة على دفع العين على الأظهر.

أقول : إذا زاد الصداق زيادة منفصلة كانت للزوجة إجماعا ، وان زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعليم الصنعة ، فإن دفعت نصف العين اجبر على قبولها إجماعا ، ولو امتنعت من دفع العين وبذلت القيمة ، فالمشهور قبول ذلك

__________________

(٤٠٩) النسخ مضطربة في نقل عبارة العلامة (قده) ، وقد أثبتنا أقربها إلى المختلف ، لاحظ المختلف : ٥٤٣.

(٤١٠) البقرة : ٢٣٧.

١٤٨

منها ، لأن العين قد نمت في ملكها فيكون النماء لها من دون الزوج ، وهو لا يتميز عن العين ولا يمكن دفع العين بدونه فلا يجب دفعها.

وقال الشيخ في المبسوط بعد ان خيرها بين دفع العين أو القيمة : ويقوى في نفسي ان له الرجوع في نصفه مع الزيادة التي تتميز (٤١١) لقوله تعالى (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٤١٢) وان كان الأول قويا ، والأول هو المعتمد.

فرع : لو زادت العين ونقصت باعتبارين كتعليم صنعة ونسيان أخرى ، فعلى القول بإجبار الزوج على قبول نصف العين معيبة ـ كمذهب القواعد ـ ويكون (٤١٣) الخيار هنا للزوجة لكونها مخيرة في طرفي الزيادة والنقصان ، وعلى القول بتخيره بين نصف العين ونصف القيمة ـ كمذهب الشيخ ، والعلامة في الإرشاد والتحرير ـ فالخيار لهما لحصول موجبه له بالنقيصة ولها بالزيادة ، فإن اتفقا على نصف العين جاز ، وان امتنعت من تسليم نصفها أو امتنع من الرجوع في النصف اعطي الزوج نصف القيمة خالية عن الزيادة والنقصان.

قال رحمه‌الله : ولو كان تعليم سورة قيل : يعلمها النصف من وراء الحجاب ، وفيه تردد.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط والخلاف ، وتردد المصنف من ان الواجب مع الطلاق قبل الدخول نصف المهر المسمى ، وهو قد سمى سورة فيجب ان يعلمها نصفها من وراء الحجاب لتحريم نظرها عليه بعد الطلاق ، ومن ان التنصيف في التعليم غير ممكن لاختلاف الآيات بالسهولة والصعوبة ، والتعليم يختلف باختلاف ذلك ، فلا يجب التعليم ويجب نصف أجرة المثل ، وهو اختيار

__________________

(٤١١) «م» «ن» «ر ١» : لا تتميز.

(٤١٢) البقرة : ٢٣٧.

(٤١٣) كذا ، ولعل الواو زائدة.

١٤٩

العلامة ، وهو المعتمد.

ولا فرق بين تعليم السورة وتعليم الصنعة ، ولو كان الطلاق بعد التعليم رجع بنصف الأجرة.

قال رحمه‌الله : إذا أمهرها مدبرة ثمَّ طلقها صارت بينهما نصفين ، فاذا مات تحررت ، وقيل : بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها ، وهو أشبه.

أقول : إذا جعل المدبرة مهرا هل يبطل التدبير وتملك المرأة رقبة المدبرة أو لا يبطل التدبير وينصرف الأمهار إلى الخدمة وتنعتق بموت المولى ولا سبيل للمرأة عليها بعد موته ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، وسواء طلق أو لم يطلق؟ بالأول قال أكثر الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن التدبير كالوصية ، وهي تبطل بالتصرف ، فكذا التدبير.

وبالثاني قال الشيخ وابن البراج ، وهو بناء على ان التدبير لا يبطل الا بصريح الرجوع.

قال رحمه‌الله : وكذا لو شرط ان لا يفتضها لزم الشرط ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع ، وهو تحكم.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على خمسة أقوال :

أ ـ صحة العقد والشرط واباحة الافتضاض مع الاذن في الدائم والمنقطع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، وأبو العباس في المقتصر لأصالة صحة العقد ، ووجوب الوفاء بالشرط ، واما تسويغه بعد الإذن ، لأنه بالعقد ملك الاستمتاع ، وانما وجب الامتناع لوجوب الوفاء بالشرط ، وقد زال برضاها ، ولرواية سماعة بن مهران ، عن الصادق عليه‌السلام

١٥٠

«قال : قلت له : في رجل جاء الى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على ان تلمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها الا ما اشترط» (٤١٤).

وعن إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : قلت : رجل تزوج بجارية عاتق عانس (٤١٥) على ان لا يفتضها ، ثمَّ أذنت له بعد ذلك؟ قال : إذا أذنت له فلا بأس» (٤١٦).

ب ـ بطلان الشرط خاصة ، وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وله ان يفتضها وان لم ترض ، وهو مذهب ابن البراج وابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، ووجهه كون الشرط فاسدا لمنافاته للعقد ، لأن العقد يقتضي إباحة النكاح ، وهذا الشرط يقتضي تحريمه فيكون شرطا فاسدا ، وفساد الشرط لا يقتضي فساد العقد ، كما لو شرط ان لا يتزوج عليها أو لا يتسرى.

ج ـ مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو بطلان العقد والشرط إذا وقع في الدائم ، وصحتها إذا وقع في المنقطع ، ونسبه المصنف الى التحكم ، لأنه لا دليل عليه.

د ـ مذهب ابن حمزة ، وهو بطلان الشرط دون العقد في الدائم ، وصحتهما في المنقطع.

ه ـ مذهب العلامة في المختلف ، وهو بطلانهما في الدائم والمنقطع ، لأنه شرط يمنع المقصود من العقد فكان باطلا ، فيبطل العقد لعدم الرضا بدون سلامة

__________________

(٤١٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٦ من أبواب المهور ، حديث ١.

(٤١٥) ليست في النسخ والا المصدر.

(٤١٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٦ من أبواب المهور ، حديث ٢.

١٥١

الشرط.

قال رحمه‌الله : إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها ، قيل : يلزم ، وهو المروي ولو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأقل منه ان لم تخرج معه فأخرجها إلى بلد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد وان أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما ، وفيه تردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ ـ في جواز اشتراط أن لا يخرجها من بلدها وبجوازه قال الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأغراض تتعلق باللبث في المنازل والبلدان التي حصل فيها المربي ، وهو أمر مطلوب للعقلاء ، سائغ في نظر الشرع ، فجاز جعله شرطا في عقد النكاح توصلا الى تحصيل الأغراض المباحة ولرواية أبي العباس ، عن الصادق عليه‌السلام «في الرجل يتزوج امرأة وتشترط ان لا يخرجها من بلدها؟ قال : يفي لها بذلك ، أو قال يلزمه ذلك (٤١٧)».

وقال في المبسوط والخلاف بصحة العقد وبطلان الشرط ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، لأن اقتضاء النكاح وجوب طاعة الزوج والخروج معه اين شاء ، وتسلط الزوج على الزوجة بالإسكان والاستمتاع في كل مكان ، وهذا الشرط يخالفه فكان باطلا.

ب ـ إذا شرط لها مائة دينار مثلا ان أخرجها إلى بلاده ، وخمسين ان لم يخرجها من بلادها ، قال المصنف : (إن أخرجها إلى بلاد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد ، وان أخرجها إلى بلاد الإسلام كان الشرط لازما) ثمَّ تردد في ذلك ، وما حكاه هو قول الشيخ رحمه‌الله في النهاية وقول ابن البراج.

__________________

(٤١٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤٠ من أبواب المهور ، حديث ١.

١٥٢

فان قيل : كيف تستحق المئة مع عدم الخروج إذا طلب إخراجها إلى بلد الشرك ، وهو لم يجعل المئة الا على الخروج معه ، فكيف يلزمه مع عدم الخروج؟!

قلت : المراد ان العقد وقع على مائة وشرط الخمسين على تقدير الامتناع من الخروج معه ، فحينئذ ان أراد إخراجها إلى بلاده وهي بلاد الكفر لم يجب إجابتها له لوجوب الهجرة عن بلاد الشرك ، فلا يعقل وجوب الهجرة إليها ولا ينقص من المهر الذي وقع عليه العقد شي‌ء ، وان أرادها (٤١٨) إلى بلاد الإسلام وجبت اجابته ، فان لم يفعل نقص من المهر بمقدار ما اقتضاه الشرط ، ومستند الحكم حسنة علي بن رئاب ، عن الكاظم عليه‌السلام «قال : سئل ـ وانا حاضر عنده ـ عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على ان تخرج معه الى بلاده ، فان لم تخرج فمهرها خمسون دينارا أرأيت ان لم تخرج معه الى بلاده؟ فقال : ان أراد ان يخرجها الى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار الذي أصدقها إياها ، وان أراد ان يخرجها الى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترطه عليها ، والمسلمون عند شروطهم» (٤١٩) وتردد المصنف مما تضمنته الرواية ، ومما قاله الشيخ في المبسوط والخلاف وقول ابن إدريس من فساد الشرط ، ونقل أبو العباس عن بعض الأصحاب فساد المهر لعدم تعيينه ، ثمَّ استضعفه واعتمد على ما تضمنته الرواية.

قال رحمه‌الله : الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين ولها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه ، فإذا طلق الزوج عاد اليه النصف وبقي للمرأة النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تملك المرأة لجميع الصداق بنفس العقد ، وهو المشهور بين

__________________

(٤١٨) «م» «ن» «ر ١» : أراد إخراجها.

(٤١٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤٠ من أبواب المهور ، حديث ٢.

١٥٣

الأصحاب لقوله تعالى (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (٤٢٠) أمر باتيانهن كله ، ولم يفرق قبل الدخول أو بعده ، ولما رواه عبيد بن زرارة في الموثق ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : قلت له : رجل تزوج امرأة وأمهرها مهرا ، فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عبيدها ، وطلقها قبل الدخول بها؟ قال : ان كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وان كن حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد» (٤٢١) لأن الصداق بدل البضع فاذا ملك الزوج البضع بنفس العقد ملكت الزوجة بدله.

وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها كذلك ، لأنه لو ملكته بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها الا بسبب ناقل كالبيع والهبة ، ولما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر الا الوقاع في الفرج» (٤٢٢) والأول هو المعتمد.

الثانية : في جواز التصرف فيه قبل القبض ، فالشيخ في الخلاف منع من ذلك ، واستدل بالإجماع على جواز تصرفها فيه بعد القبض ، ولا دليل على جواز التصرف فيما قبله وللنهي عن بيع ما لم يقبض.

والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنها ملكته بالعقد فلها التصرف فيه ، والنهي محمول على الكراهية.

__________________

(٤٢٠) النساء : ٤.

(٤٢١) التهذيب ٧ : ٣٦٨ ، حديث ٥٤ ، وفي الوسائل باب ٣٤ من أبواب المهور حديث ١.

(٤٢٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٤ من أبواب المهور ، حديث ٦.

١٥٤

فرعان :

الأول : إذا طلق الزوج قبل الدخول ، هل تملك نصف المهر بغير اختياره كالإرث أو يملك ان اختار التملك؟ قال الشيخ بالأول ، وجزم به العلامة في القواعد ولم يجزم في التحرير بل نقله عن الشيخ ، ثمَّ قال : ويحتمل انه يملك ان تملك فيه ويتفرع (٤٢٣) على ذلك النماء فعلى قول الشيخ نماء النصف من حين الطلاق للزوج وعلى الاحتمال فهو للمرأة إلى حين اختيار التمليك ، والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تلف النماء المتجدد بعد الطلاق في يدها فان كان بتفريطها ضمنته قطعا ، وان كان بغير تفريطها فان كان بعد المطالبة والمنع من التسليم ضمنته أيضا قطعا ، وان كان قبل المطالبة احتمل الضمان أيضا ، لأنه تولد من أصل مضمون فيكون مضمونا.

ويحتمل العدم ، لأنه امانة في يدها ، ولا يلزم من ضمان الأصل ضمان النماء ، لأن الأصل قبضته لنفسها فكان مضمونا عليها ، والنماء قبضته لا لنفسها ، بل لغيرها فهو أمانة ، حكمه حكمها ، اما لو تلف الأصل أو تعيب فهو مضمون عليها.

قال رحمه‌الله : فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج ، وكذا لو عفى الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الولي كالأب والجد للأب ، وقيل : أو من توليه المرأة عقدها (الى آخر البحث).

أقول : المطلقة اما ان تكون بالغة رشيدة أو غير بالغة ، فان كانت بالغة رشيدة كان العفو بيدها ، فان كان المهر دينا في ذمة الزوج جاز عفوها عنه ، قال الشيخ في المبسوط بألفاظ ستة : العفو والتمليك والهبة والاسقاط والترك والإبراء ، قال وهل تفتقر الى قبوله؟ فيه وجهان (والأولى ان تقول) (٤٢٤) تفتقر الى قبوله ،

__________________

(٤٢٣) من «م» «ن» «ر ١» وفي الأصل : فرع.

(٤٢٤) كذا في الأصل ، وفي «ن» : (الأول) بدل ما بين القوسين.

١٥٥

والمعتمد عدم الافتقار الى القبول ، لأنه إبراء وإسقاط ، فهو كالعتق والطلاق فلا تفتقر الى القبول.

ولو قبضته المرأة ثمَّ تلف في يدها كان للزوج العفو بهذه الألفاظ ، ولو كان عينا مشخصة قائمة في يد الزوج أو المرأة وأراد العفو من ليس هو في يده جاز بلفظ العفو والهبة والتمليك ، ويشترط هنا القبول ولا يشترط مضي زمان يمكن فيه القبض ، ولو كان العافي من هو في يده صح بلفظ الهبة والتمليك دون غيرها ، وافتقر الى القبول والقبض ، وان كانت صغيرة كان العفو بيد الأب والجد له ، لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح ، وليس لغيرهما العفو ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : للذي توليه أمرها العفو كما هو للأب والجد له ، وفيه روايات (٤٢٥) ، والمعتمد هو المشهور بين الأصحاب.

وأصل هذا الحكم قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٤٢٦) فحينئذ يشترط في عفو الولي كون المرأة صغيرة ، وكونه بعد الطلاق وقبل الدخول ، وكونه عن بعض النصف لا عن جميعه.

قال رحمه‌الله : لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع (الى آخره).

أقول : قد سبق (٤٢٧) البحث في هذه المسألة.

قال رحمه‌الله : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل الى آخره.

أقول : قد سبق (٤٢٨) البحث في هذه المسألة في باب أولياء العقد فليطلب من

__________________

(٤٢٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٢ من أبواب المهور.

(٤٢٦) البقرة : ٢٣٧.

(٤٢٧) ص ١٤٠.

(٤٢٨) ص ١٤٠.

١٥٦

هناك.

قال رحمه‌الله : لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثمَّ طلق الولد رجع الولد بنصف المهر ولم يكن للوالد انتزاعه لعين ما ذكرناه في الصغير وفي المسألتين تردد.

أقول : المراد بالمسألتين هذه المسألة والمسألة السابقة عليها ، وهي إذا زوج الوالد ولده الصغير ثمَّ دفع المهر من مال نفسه عن ولده ثمَّ بلغ الولد وطلق قبل الدخول ، قال المصنف : يرجع النصف الى الولد دون الأب ، لأن دفعه عنه يجري مجرى الهبة له ، ثمَّ تردد في الصورتين ، ومنشؤه من ان التبرع بقضاء الدين عمن هو عليه يجري مجرى الهبة للمديون ، فلا بد ان يدخل في ملك المديون أولا قهرا ، ثمَّ ينتقل عنه في ثاني الحال الى الديان ، وإذا ثبت دخوله في ملكه فاذا عاد بعد ذلك عاد اليه دون المتبرع لانتقاله عنه.

ومن ان الدفع انما كان قضاء عن الواجب عليه ، وبالطلاق سقط عنه النصف فلم يسقط بالدفع واجب (٤٢٩) عمن قضاه عنه ، فيرجع الى ملك الدافع ، والأول هو المعتمد ، وكذا لو عاد جميع المهر لردّة الزوجة قبل الدخول أو الفسخ قبله بأحد العيوب الموجبة للفسخ.

قال رحمه‌الله : إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه ولا أشكال قبل الدخول لاحتمال تجرد العقد عن المهر ، لكن الاشكال لو كان بعد الدخول ، فالقول قوله أيضا.

أقول : هذا هو المشهور أيضا بين الأصحاب ، وهو مبني على أن العقد لا يستلزم ثبوت المهر ، لأن ذكر ذلك المهر ليس بشرط في صحته لقوله تعالى :

__________________

(٤٢٩) «م» : وأوجب.

١٥٧

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (٤٣٠) دلت هذه الآية على جواز العقد بغير مهر ، فاذا جاز خلو العقد من المهر كان القول قوله في عدم ذكره ، لأن الأصل عدمه.

هذا إذا كان قبل الدخول ، واما إذا وقع الاختلاف بعده فكذلك عند المصنف وغيره ممن تقدمه ، ووجهه عدم استلزام الدخول لوجوب المهر في ذمة الزوج ، بل قد يكون في ذمة غيره ، كما لو زوج الأب ولده الصغير المعسر ، وكما لو زوج المولى عبده ثمَّ أعتقه فإن المهر في ذمة الأب قطعا ، وفي ذمة المولى على الصحيح من المذهب ، وإذا ثبت ان الدخول لا يستلزم وجوب المهر في ذمة الداخل في بعض الصور كان القول قوله استنادا إلى البراءة الأصلية.

قال العلامة رحمه‌الله ـ ونعم ما قال ـ : والتحقيق انه ان أنكر التسمية صدق باليمين ، لكن يثبت عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة ، ومع الدخول مهر المثل ، والأقرب ان دعواها ان قصرت عنهما ثبت ما ادعته ، ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها التسمية فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله ، وهو مشتمل على قبول إنكار التسمية وعدم قبول إنكاره الاستحقاق ، وقبول دعواها ان قصرت عما يستحقه بالطلاق أو الدخول مع عدم التسمية ، ومراده رحمه‌الله في ذلك إذا وقع الاختلاف بعد الطلاق أو بعد الدخول لا قبلهما ، لأنه إذا قبل قوله في عدم التسمية لم يستحق شيئا قبل الدخول أو الطلاق ، ولو مات قبلهما لم يثبت لها شي‌ء من المهر ولو ادعى قبلها عدم الاستحقاق قبل قطعا وان لم يقبل عنده إذا وقع بعد أحدهما ، لأن الطلاق موجب للمتعة مع عدم التسمية ولنصف المسمى معها ، والأمر لا يخلو عن أحد القسمين فهو يستحق أخذهما ، فلما كان الأصل عدم التسمية كان عليه المتعة ، والدخول

__________________

(٤٣٠) البقرة : ٢٣٦.

١٥٨

موجب لاستقرار المهر قطعا مطلقا ، والأصل عدم تعلقه بذمة غير الداخل فيقبل قوله في عدم التسمية ، ويرجع فيه الى مهر المثل ، فان نقصت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق أو عن مهر المثل إذا كان الاختلاف بعد الدخول كان لها ما ادعت ، لأنه أقل ما ثبت لها ، وقد اعترفت بالرضا به فليس لها غيره ، وان زادت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق ردت إليها ، وكذا ان زادت عن مهر المثل إذا كان بعد الدخول فإنها ترد اليه (٤٣١) ، ولو كان قبلهما لم يثبت لها شي‌ء هذا تحقيق كلام العلامة رحمه‌الله ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا خلا بها فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة ـ بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا وكانت بكرا ـ فلا كلام ، وإلا كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم المواقعة وهو منكر لما تدّعيه. وقيل : القول قول المرأة عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل ، والأول أشبه.

أقول : سبق (٤٣٢) البحث في ذلك فلا وجه لإعادته.

قال رحمه‌الله : إذا أقامت المرأة بينة انه تزوجها في وقتين بعقدين فادعى الزوج تكرار العقد الواحد ، وزعمت المرأة أنهما عقدان ، فالقول قولها ، لأن الظاهر معها ، وهل يجب عليه مهران؟ قيل : نعم عملا بمقتضى العقدين ، وقيل : يلزمه مهر ونصف ، والأول أشبه.

أقول : جزم الشيخ في المبسوط بوجوب المهرين ، ثمَّ نقل عن بعضهم وجوب مهر ونصف ، ثمَّ قواه وهو يدل على تردده ، واختار المصنف وجوب المهرين ، واختاره العلامة في القواعد ، وتردد في التحرير : من ان العقد يوجب المهر كملا ، والأصل بقاؤه ما لم يعلم المسقط ، وهو غير معلوم ، والتحقيق انه ان

__________________

(٤٣١) «ن» : إليها.

(٤٣٢) ص ١٤٧.

١٥٩

ادعى عدم الإصابة في الأول قبل قوله ، لأن الأصل عدمها ، وان اعترف بها أو سكت لزمه مهران لثبوت موجبهما ، والأصل عدم المسقط.

١٦٠