مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-02-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٢٠
وأمّا فرض الصلاة على الأُمّة ، وإن كان بعد مضي فترة وجيزة عن البعثة النبوية الشريفة ، ولكن هذا لا ينافي تعبّد النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام ، أو حتّى بعض آخر بهذه الصلاة ، أو بما يقاربها في الشكل والمضمون في زمان سبق هذا الفرض ، إذ الفرض حكم إلزامي ، ووظيفة مقرّرة لكلّ مسلم ، ولكن النبيّ صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام قد أدّيا هذه العبادة بدون أن يرد عليهما إلزام أو إيجاب.
وهناك احتمال آخر وهو : أن تكون صلاتهما قبل إبلاغ الفرض بشكل خاصّ ، وقد جاء الوحي بإتيانها بالصورة الموجودة في قضية المعراج لمصالح اقتضت تبديل الشكل مع إبقاء المحتوى والمضمون.
( ... ـ ..... ـ ... )
لا غلوّ في حبّه :
س : أُودّ أن افهم مدى الغلوّ في الإمام علي ، وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلىاللهعليهوآله؟ وكيف أنّ الإمام علي عليهالسلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول ».
ج : نودّ إعلامك أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) (١) لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن الله ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن الله ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليهالسلام هو الحبّ الذي يكنّه الشيعة له فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك الله تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، كما عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي عليهالسلام تخلّف عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في خيبر ، وكان به رمد ... فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لأعطين الراية ـ أو قال ـ ليأخذن الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ـ أو قال ـ
__________________
١ ـ المائدة : ٧٧.
يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله عليه » ، فإذا نحن بعليٍ ، وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوآله ففتح الله عليه ) (١).
وروى الحاكم في المستدرك عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : ( قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » ) (٢).
وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كلّ خير ، وفي موالاته كلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلىاللهعليهوآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً؟! أعيذك بالله أن تجعل ما فعله النبيّ صلىاللهعليهوآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع الإمام علي عليهالسلام ، لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلىاللهعليهوآله في حبّه وولايته.
وفي قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٣) قال الحاكم الحسكاني : » ... عن مقاتل عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ ) يعني يحبّ الله ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.
قال ابن عباس : فبدأ الله في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « رحم الله علياً ، اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ».
قال ابن مؤمن ( وهو الشيرازي من علماء أهل السنّة ) : لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي » (٤).
__________________
١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ١٢.
٢ ـ المستدرك ٣ / ١٣٠.
٣ ـ المائدة : ٥٦.
٤ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦.
فإذا كان الأمر في علي عليهالسلام هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليهالسلام؟ فهذه مرويّات أهل السنّة ، تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!
وما ذكرته من س : كيف أنّ الإمام علي روح من الرسول؟ فإنّا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني قبل الخلقة ، وما بعد الخلقة.
أمّا قبل الخلقة ، فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي بن أبي طالب كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق الله آدم ، قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجزء علي بن أبي طالب ، وهذا الحديث نقله علماء أهل السنّة ، كما نقله الشيعة.
فقد روى ابن عساكر عن سلمان ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام » (١).
هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين ، أحدهما النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والآخر علي عليهالسلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.
أمّا بعد الخلقة فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (٢).
فقد نقل السيوطيّ في تفسيره ، ما أخرجه ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن جابر أنّه قال : ( أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة (٣).
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧.
٢ ـ آل عمران : ٦١.
٣ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٣٩.
والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلىاللهعليهوآله للنصارى بقوله : ندعو أبناءنا ـ وهما الحسن والحسين ـ وأبناءكم ، وندعو نساءنا ـ وهي فاطمة ـ ونساءكم ، وندعو أنفسنا ، يعني نفس النبيّ ، الذي هو علي عليهالسلام ، لأنّ الضمير « نا » ، وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي عليهالسلام ، فعلي نفس النبيّ بمقتضى سياق الآية.
وقد ذكر ابن ماجة في سننه عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي » (١).
وروى الترمذيّ في سننه أيضاً نفس لفظ الحديث ، إلاّ أنّه زاد : « ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو علي » (٢).
وقوله صلىاللهعليهوآله : « علي منّي وأنا منه » يعني : أنّ « من » التي تفيد التبعيض تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ـ أي امتداد له ـ وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.
على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليهالسلام ومنزلته ، فقد أورد القندوزيّ ما رواه ابن السمّاك : إنّ أبا بكر قال لعلي : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « لا يجوز أحد على الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (٣).
أمّا قولك : إنّ علياً عليهالسلام قال : « أنا عبد من عبيد محمّد » (٤) ، فهذا لا ينافي عبودية علي عليهالسلام لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول الله عبد لله ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني : أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي إنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرو ، فالعبد هنا تابع لسيّده ، ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص عليٍ للنبيّ ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني
__________________
١ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.
٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠.
٣ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٤٠٤.
٤ ـ الكافيّ ١ / ٩٠.
العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده ، لا يشاركه فيها أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.
وبذلك فقد اتّضح ما أُشكل لديك.
( منعم جعفر ـ البحرين ـ .... )
لا يبغضك إلاّ من خبث أصله :
س : لا يبغضك يا علي إلاّ من خبث أصله ، هل هناك دليل عقليّ ونقليّ في الدين الإسلامي على ذلك؟
ج : هناك روايات كثيرة جدّاً ، ربما بلغت حدّ التواتر ، على أنّ علياً عليهالسلام مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيثما دار ، وعلي مثال الكمال ، والحُسْن المتجسّد في رجل ، حتّى أحبّه كلّ إنسان منصف وحرّ ، وإن لم يكن مسلماً ، حيث إنّ المسيحيين يلهجون بالأشعار والقصائد والنظم والنثر في مدح علي عليهالسلام.
ومن المعلوم أنّ الذي يبغض مثل هذه الشخصية المضحّية للإسلام ، بل المجسّدة لجميع قيم الدين الإسلاميّ لدليل واضح على عدم استوائه العقليّ والنفسيّ ، وهو دليل على خبث منبته وأصله.
وليس المقصود من خبث الأصل ابن الزنا ، والمتولّد من الحرام فقط ، بل الأمر أعمّ من ذلك ، فقد يكون من المنافقين أو ابن حيض.
مضافاً إلى أنّه ليس كلّ من كان ابن زنا يبغض علياً عليهالسلام حتّى يقال بالجبر ، وأنّه ما ذنب هذا الإنسان؟ بل إنّ من يبغض علياً ـ والبغض والحبّ بالاختيار ـ كاشف عن سوء سريرته ، وخبث أصله ، وهو أعمّ من ابن الزنا ـ كما قلنا ـ.
ونقل هذا المعنى في كثير من كتب المسلمين ومنها :
ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي (١) وأورد القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع
__________________
١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٣٨٣.
المودّة (١) : إن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال لأمير المؤمنين : « لا يحبّك إلا طاهر الولادة ولا يبغضك إلا خبيث الولادة ».
وروى الشيخ الصدوق في علل الشرائع إن النبي صلىاللهعليهوآله قال لعلي عليهالسلام : « لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمّه وهي طامث » (٢).
وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن عبادة بن الصامت أنه قال : « كنّا نبوّر أولادنا بحبّ علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشده » (٣).
« مصطفى ـ البحرين ـ ٤٠ سنة ـ خرّيج جامعة »
لم يحارب الشيخين :
س : على الرغم من قوّة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، لماذا لم يحارب الشيخين عندما سلبوا منه الولاية وهجموا على داره ، وكسروا ضلع الزهراء عليهاالسلام؟
ج : إنّ الإمام عليهالسلام قدّر الظروف آنذاك أنّها لا تحتمل الحرب ، وأنّ الخوض في الحرب مع المخالفين يؤدّي إلى ضياع الإسلام وهلاك الفريقين ، أو فسح المجال لأعداء الدين ليقضوا على الإسلام ، لهذا غضّ الإمام عليهالسلام عنهم طرفه لحفظ أصل الإسلام.
والمسألة لم تكن مسألة نزاع حقّ شخصيّ ، أو دفاع عن حقّ شخصيّ ، بقدر ما كانت مسألة موازنة ما هو الأصلح للإسلام والرسالة ، والإمام رأى الأصلح للرسالة هو أن يغضّ عنهم ولا يدخل الحرب ، والقوم كانوا يحاولون استدراج الإمام إلى الحرب ، ولكن الإمام ما أراد أن يعطيهم مبرّراً للحرب
__________________
١ ـ ينابيع المودّة١ / ٣١٧.
٢ ـ علل الشرائع ١ : ١٤٥.
٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٨٧.
حتى لا يقال بأنّ علياً هو الذي بدأ بالحرب ، بل الأمر على العكس من ذلك حيث إنّ الإمام لزم الصمت والقعود آنذاك عن القتال من أجل حفظ بيضة الإسلام ، وهذا ما قد صرّح به بقوله عليهالسلام : « والله لأسالمنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور ، إلاّ عليّ خاصّة » (١).
هذا بالإضافة إلى الوصيّة التي كان ملزماً بها من قبل الرسول صلىاللهعليهوآله.
« أُمّ زينب ـ الإمارات »
رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عنه :
س : كما نعلم أنّ سبّ الإمام علي عليهالسلام في عهد بني أُمية دام ما يقارب سبعين سنة ، لذا اطلب من سيادتكم الإجابة عن هذا السؤال : ما هي الحادثة التي بسببها رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عن الإمام علي عليهالسلام؟ ولكم فائق شكري وتقديري.
ج : إنّ عمر بن عبد العزيز ولأغراض سياسية رفع هذا السبّ ، حيث شاهد أنّ هذا السبّ صار سبباً لإيجاد أحقاد من قبل بني هاشم والشيعة ، والمنصفين من أهل السنّة ، وأنّه لو استمرّ فسيولد ثورات ضدّه ، لأنّ الاختناق قد بلغ ذروته ، فلأجل الحفاظ على منصبه ومن باب إيجاد محبوبية له والسيطرة على الاختناق الموجود قام بعدّة أعمال ، منها : رفع السبّ عن الإمام علي عليهالسلام.
« أحمد ـ السعودية »
لم يقتل ابن ملجم مع أنّ الخضر قتل الغلام :
س : من المعروف أنّ الإمام علي عليهالسلام كان يعلم أنّ ابن ملجم قاتله ، لكنّه لم يقتله ، لأنّه لا يجوز معاقبة المجرم قبل أداء جريمته ، لكن القرآن الكريم يحدّثنا بأنّ الخضر عليهالسلام قد قام بقتل الغلام قبل أن يصدر الجرم منه ، أي من غير ذنب؟
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ١٦٦.
ج : إنّ القصاص قبل وقوع الجريمة أمر مستنكر ومذموم ، على ضوء القوانين التشريعية ، ولكن في حوزة القوانين التكوينية ليس الأمر دائماً كذلك ، فقد تكون هناك في إزهاق روح شخص مصلحة إلهية ، لا تتفق مع الأحكام الشرعية المتعارفة ، فإنّ مقام التشريع مقام التزامات العباد ، ولا يجب على الله تعالى أن يتصرّف في الكون بنفس التكاليف الواجبة على الناس.
وفيما نحن فيه ، لا علم لنا بأنّ الخضر عليهالسلام مكلّف بالأحكام التشريعية ، بل أغلب الظنّ أنّه عليهالسلام من الأيادي والوسائط في عالم الخلق والتكوين ـ كالملائكة ـ فلا تشمله تلك الأحكام.
وبالجملة : فقتل الغلام مسألة تكوينية ، ولا تخضع للأوامر والنواهي التكليفية ، وهو يشبه الكوارث الطبيعية من الزلازل ، والسيول والأمراض.
ومنه يظهر عدم ورود النقض في المقام على عدم صحّة المعاقبة قبل وقوع الجريمة.
« .... ـ .... ـ ... »
لم يقم بالإصلاح :
س : لماذا لم يقم الإمام علي عليهالسلام بالإصلاح في زمانه بينما قام بالإصلاح الإمام الحسين عليهالسلام؟
ج : لقد ذكر السائل عدم قيام الإمام علي عليهالسلام بالإصلاح ، وطرح ذلك طرح المسلّمات ، وهذا ما لا نوافقه عليه ؛ فليس هناك أحد من أئمّة أهل البيت عليهمالسلام إلا وسعى للإصلاح بحسب ما تسمح به الظروف.
إن من الخطأ الفادح أن يتصور أنّ حركة الإصلاح لابدّ أن تكون بالسيف دائماً ، فقد تقتضي الظروف أن تكون حركة الإصلاح بأسلوب آخر ، فرسول الله صلىاللهعليهوآله الذي سعى للإصلاح وهداية الناس في مكّة بصورة سرية ، نفسه يجعل الدعوة علنية ولكن بشكل سلميّ ، ثم يهاجر إلى المدينة ويحارب المشركين في
عدّة مواطن ، ونفسه صلوات الله وسلامه عليه يصالحهم في الحديبية. وكلّ حركة من هذه الحركات هي محاولة وسعي منه عليه الصلاة والسلام للإصلاح ولكن بحسب ما تقتضيه الظروف.
كذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فهو الذي صبر على ما جرى بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وكانت حركته في إصلاح الفساد بشكل سلميّ حتى قال قائلهم : « لولا علي لهلك عمر » هو نفسه يحارب الناكثين والقاسطين والمارقين. كذلك الإمام الحسن عليهالسلام ، فهو البطل الضرغام تحت راية أمير المؤمنين في حروبه مع الظالمين إلا أنك تراه يصالحهم كما صالحهم رسول الله في الحديبية. وكذلك الإمام الحسين عليهالسلام صاحب ذلك الموقف المؤيّد لأخيه الحسن عليهالسلام في صلحه مع معاوية تراه ـ حينما حانت الظروف المناسبة بعد هلاك معاوية للقيام بثورة لها صداها إلى أبد الدهر ـ يقف ذلك الموقف الذي شهد له التاريخ.
إذاً حركة النبيّ صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام هي حركة واحد وهدفها واحد وهو الإصلاح وهداية الناس إلا أنّ الأساليب تختلف بحسب الظروف.
« ... ـ .... ـ .... »
ما شرب الخمر قبل تحريمها :
س : هذا نصّ ما نشر في مجلّة الهداية التي تصدرها وزارة العدل والشؤون الإسلامية بمملكة البحرين ، العدد الثامن والتسعون بعد المائتين ، وهو مقال تحت عنوان : الدين للحياة ، ألا لا يقربن الصلاة سكران ، إعداد سعيد نور الدين.
فيقول : روى الترمذيّ (١) بسنده عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا ، وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منّا ،
__________________
١ ـ الجامع الكبير ٤ / ٣٠٥.
وحضرت الصلاة ، فقدّموني ، فقرأت : ( قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون ) ، فأنزل الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ) (١).
وبعد هذه الفقرة يتطرّق المعد إلى قضية تحريم الخمر ، حتّى يصل إلى هذه الفقرة ، طلب عمر بن الخطّاب الذي حين قرأت عليه آية البقرة تمنّى أن ينزل القرآن بتحريم الخمر ، فتوجّه إلى الله قائلاً : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ... فنزلت الآية من سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ).
ما رأيكم فيما كتبه هذا المُعد؟
ج : في الجواب نذكر بعض النقاط :
١ ـ جاء في المستدرك : « عن أبي عبد الرحمن عن علي عليهالسلام قال : دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر ، فحضرت صلاة المغرب ، فتقدّم رجل فقرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فالتبس عليه ، فنزلت : ( لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ).
قال الحاكم النيسابوريّ : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ، وهي : إنّ الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره ، وقد برّأه الله منها ، فإنّه راوي هذا الحديث » (٢).
٢ ـ الروايات المروية حول هذه الواقعة فيها العديد من التنافي والتناقض :
ففي بعضها : الذي صنع الطعام هو عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها : علي!! وفي بعضها : رجل من الأنصار.
وفي بعضها : إنّ الذي صلّى بهم إماماً عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها :
__________________
١ ـ النساء : ٤٣.
٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٠٧.
علي!! وفي بعضها : فلان.
وفي بعضها : إنّ الذي قرأ في الصلاة قرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) إلى آخرها ، ثمّ قال : ليس لي دين وليس لكم دين ، وفي بعضها : إنّه قرأ : قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : ونحن عابدون ما عبدتم ......
وفي بعضها : إنّ الحاضرين كانوا ثلاثة أشخاص : علي وعبد الرحمن بن عوف ، ورجل من الأنصار ، وفي بعضها : كانوا خمسة أشخاص : أبو بكر وعمر ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد.
٣ ـ عند المحقّقين : إنّ الخمر قد حرّمت في مكّة قبل الهجرة ، وعن أبي هريرة قال : « حرّمت الخمر ثلاث مرّات » (١) ، والمقصود : إنّ كان أنّها قد حرّمت أوّلاً في مكّة في أوّل البعثة فلا تصحّ الرواية ، وإن كان المقصود أنّها قد حرّمت في سورة البقرة ، ثمّ في سورة النساء النازلتين في أوّل الهجرة فإنّ النحّاس يرى أن سورة النساء مكّية ، وقال بعض الناس : « إنّ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) حيث وقع ، إنّما هو مكّي » (٢).
٤ ـ روى القطّان في تفسيره عن الحسن البصري قال : « إنّ علياً لم يقبل أن يشرب معهم في دار أبي طلحة ، بل خرج من بينهم ساخطاً على ما يفعلون ، قال الحسن : والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما شربها قبل تحريمها ، ولا ساعة قط » (٣).
٥ ـ وأخيراً : فإنّ كلّ ما ذكرناه هو على مباني أهل السنّة ، وأمّا على مباني الشيعة ، فإنّه مرفوض عقلاً ونقلاً ، وذلك بالاستدلال بآية التطهير على العصمة ، وبآيات كثيرة ، وأحاديث متواترة على الإمامة الإلهيّة ، والأحاديث المروية من طرق أهل البيت عليهمالسلام : بأنّ الإمام معصوم من اليوم الأوّل الذي يولد فيه وإلى أن
__________________
١ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٥١.
٢ ـ الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١.
٣ ـ الصحيح من السيرة ٥ / ٣١٣.
يفارق الحياة ، وأنّ فطرة الإنسان وعقله يأبيان أن يقبلا إمامة إمام ، ويقلّداه أمر الدين والدنيا ، وهو في زمان ما كان قد شرب الخمر ، أو ارتكب من أمثال هذه المعاصي ، وكذلك تشمله الآية الكريمة : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١).
فصلوات ربّي وسلامه على رسول الله ، وعلى الأئمّة النجباء الميامين المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ولعنة الله على أعدائهم ، وغاصبي حقوقهم ، والمفترين عليهم ، الذين يُعَدّون من النواصب بلا شكّ ، ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢).
« هادي محمّد ـ الكويت ـ .... »
حول خطبتي البيان والطتنجية :
س : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ، ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.
ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالة ، بل كلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهمالسلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر لو أُريد منها معانيها الظاهرية ، أمثال قولهم عليهمالسلام : « نحن الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ... » وإلى غير ذلك.
فنقول : إنّ الأُمّة الإسلامية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهمالسلام ، من خلال الرجال الثقات والممدوحين.
وعليه ، فكلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً ـ ضمن شروط ذكرت في محلها ـ لا قيمة له ولا حجّية من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نسب ما لم
__________________
١ ـ البقرة : ١٢٤.
٢ ـ التوبة : ٣٢.
يكن محاطاً بقرائن تورث الوثوق بالصدور ، وعليه :
أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل ـ بالمعنى الأعم ـ مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.
ثانياً : إنّ إعراض الأعلام ـ وخصوصاً مشايخنا العظام ـ موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً إذا كان في مرأى ومسمع منهم.
ثالثاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض ـ الأخبار العلاجية ـ ، مثل ما ورد عنهم عليهمالسلام مستفيضاً من قولهم : « ما خالف كتاب الله فهو : زخرف » ، وفي بعض الروايات : « لم نقله » ، وفي بعضها الآخر : « وأضربه عرض الجدار » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله ، أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.
وأمّا ما يخصّ المقام ، فنقول :
أوّلاً : لقد نسب لبعض علمائنا ( قدّس أسرارهم ) في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهمالسلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للردّ والإبرام ، خصوصاً مع كون حديثنا صعب مستصعب ، وقولهم عليهمالسلام : « ردّوه إلينا ... » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى ، من غير من هو أهل لذلك.
ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كاف لإسقاطها عن الحجّية.
ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.
والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّه مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (١) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ) (٣) وغيرها ، مثلاً وما أكثرها ، فكيف يرد التعبير عنهم عليهمالسلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشم منها الغلوّ والكفر؟ والعياذ بالله.
ولبّ الجواب عليه ـ فضلاً عمّا سلف ـ هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهمالسلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهمالسلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :
أ ـ قوله صلىاللهعليهوآله : « أنا الأوّل والآخر ... » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة ... » (٤).
ب ـ ما جاء في مناقب آل أبي طالب ، حيث عدّ مجموعة من الصفات ثمّ فسّرها عليهالسلام.
وسئل أمير المؤمنين عليهالسلام كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الباطن ، وأنا الظاهر ، وأنا بكلّ شيء عليم ، وأنا عين الله ، وأنا جنب الله ، وأنا أمين الله على المرسلين ، بنا عبد الله ، ونحن خزان الله في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي ، وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ... ».
__________________
١ ـ النجم : ٤٣.
٢ ـ الحديد : ٣.
٣ ـ البقرة : ٢٥٨.
٤ ـ كشف الغمّة ١ / ١٣.
فتعجّب الإعرابي من قوله فقال عليهالسلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر ؛ فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن ؛ بطين من العلم ، وأنا بكلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر الله به نبيّه ، فأخبرني به ، فأمّا عين الله ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب الله ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله .. ومن فرّط فيّ فقد فرّط في الله ، ولم يخبر لنبي نبوّة حتّى يأخذه خاتماً من محمّد صلىاللهعليهوآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيّين سيّد النبيّين ، وأنا سيّد الوصيين ، وأمّا خزّان الله في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول الله ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) » (٢).
ج ـ ما جاء في الاختصاص : روي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون ».
قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار ، فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ».
فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا ، فقال علي عليهالسلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب.
فقال : « ألم أقل لكم : إنّ كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون؟! تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف ، فقهرتكم حتّى أمنتم بالله ورسوله.
__________________
١ ـ آل عمران : ١٦٩.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٠٥.
وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.
أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم.
وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلىاللهعليهوآله ثوبه ودفنه.
وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».
قالوا : فرّجت عنّا فرّج الله عنك (١).
د ـ ما جاء في رجال الكشّي مسنداً عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنا وجه الله ، وأنا جنب الله ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل الله ، وبه عزمت عليه ».
فقال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ (٢).
وعلّق عليه في بحار الأنوار قوله : « وبه عزمت عليه » ، أي بالله أقسمت على الله عند سؤال الحوائج عنه (٣).
« علي الطريحيّ. هولندا ـ ٢١ سنة ـ طالب »
حقّه كحقّ الوالد على الولد :
س : نرجو التكرّم ببيان المصادر في كتب إخواننا السنّة للحديث النبويّ الشريف : « يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ».
ج : روى هذا الحديث الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ ـ المتوفّى سنة ١٢٩٤هـ ـ في كتابه ينابيع المودّة لذوي القربى (٤).
وورد هذا الحديث بعبارات أُخرى ، وهي : قول الرسول صلىاللهعليهوآله : « حقّ علي على المسلمين حقّ الوالد على ولده » (٥).
__________________
١ ـ الاختصاص : ١٦٣.
٢ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٧١.
٣ ـ بحار الأنوار ٣٩ / ٣٤٩.
٤ ـ ينابيع المودّة ١ / ٣٧٠.
٥ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩١.
وقول الرسول صلىاللهعليهوآله : « يا علي ، حقّك على المسلمين كحقّ الوالد على ولده » (١).
وقوله صلىاللهعليهوآله : « حقّ علي على هذه الأُمّة كحقّ الوالد على ولده » (٢).
« السيّد أحمد السيّد نزار ـ البحرين .... »
مع اليهوديّ عند القاضي شريح :
س : هناك قصّة نسمعها كثيراً ، ولكن لي بعض الملاحظات عليها ، وأرجو أن تجيبوني عليها ، إذا كانت القصّة صحيحة متناً وسنداً.
ومضمون القصّة كالتالي : في أحد الأيام والإمام علي عليهالسلام يسير ، سقط درعه فلم ينتبه له ، وفي أحد الأيام رأى درعه مع يهوديّ ، فقال له : « هذا درعي ».
فقال اليهوديّ : لا هذا درعي أنا.
فقال له الإمام علي عليهالسلام : « تعال نتقاضى عند القاضي » ، فذهبا إلى القاضي شريح ، فاحتكما عنده ، فقال شريح : يا أبا الحسن ، فقال له الإمام : « عاملني مثله ، واحكم بالعدل ».
فقال شريح لأمير المؤمنين : هل عندك شهود؟ فقال : « لا » ، فقال لليهوديّ : احلف أنّ الدرع لك ، فحلف اليهوديّ ، فقال شريح : إنّ الدرع لليهوديّ.
فقال له الإمام : « لقد حكمت بشرع » ، فلمّا رأى اليهوديّ الموقف ، قال : إنّ الدرع للإمام ، وأنّه فعلاً درعه ، وشهد الشهادتين وأسلم ، هذه خلاصة القصّة ، والملاحظات هي كالآتي :
١ ـ كيف يحكم شريح ضدّ أمير المؤمنين؟ ويطلب من الإمام شهوداً؟ أهناك أعظم من شهادة الله ورسوله؟ حيث قال الرسول في حقّ الإمام : « علي مع الحقّ
__________________
١ ـ مناقب الإمام علي : ٩٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٩.
٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٠ و ٢ / ٧٦ و ٢٣٨.
والحقّ مع علي » (١).
٢ ـ كيف يقول الإمام لشريح : لقد حكمت بالشرع ، هل الشرع يقول بخلاف العقيدة الاثني عشرية بعصمة الإمام؟
صحيح أنّ القصّة تحمل الكثير من الدروس والعبر في ذهاب الإمام إلى القاضي ، مع أنّه كان باستطاعته أن يأخذ الدرع رغماً على اليهوديّ ، وفي حكم القاضي ضدّ الإمام إلى صالح اليهوديّ الضعيف ، ولكن هذا لا يلغي الملاحظات الآنفة الذكر.
ج : إنّ هذه الرواية واردة بسند ضعيف لوجود عمرو بن شمر وعامر الشعبيّ ، ولو سلّمنا أنّها واردة بسند قويّ ، فطلب شريح القاضي من الإمام عليهالسلام شهوداً من باب أنّ الطرف الآخر ـ وهو اليهوديّ ـ لا يلتزم بغير ذلك ، بمعنى لا يلتزم بإمامة أمير المؤمنين عليهالسلام وعصمته ، نعم يلتزم بالقواعد القضائية التي منها : إحضار البيّنة.
فأراد أمير المؤمنين عليهالسلام وقاضيه إظهار هذه الصورة العظيمة للإسلام ، والتي لم تكن تظهر بهذا الشكل بل على عكس ذلك لو استدل شريح أو غيره بعصمة الإمام عليهالسلام لأجل الحكم له ، خصوصاً وأن أمير المؤمنين كان الخليفة السياسي حينها.
لذلك كان لهذا الموقف أثره البالغ في نفس ذلك النصرانيّ أو اليهوديّ حيث أسلم على إثره.
وتجدر الإشارة إلى عدم وجود عبارة « لقد حكمت بالشرع » في الرواية ، نعم نقلت بعض المصادر السنية عبارة : « أصاب شريح ». وهذا لا يتنافى مع ما ذكرنا من تفسير ، فتأمّل.
__________________
١ ـ تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٩ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٣٤٣ ، كشف الغمّة ١ / ١٤٤.
( أبو علي ـ الكويت .... )
معنى الأنزع البطين :
س : هل صحيح أنّ أمير المؤمنين علي عليهالسلام كان أصلعاً وبديناً ، كما يروى في الكتب؟ قرأت هذا في وصفه بعدّة كتب من كتبنا ، ولكن لم يدخل إلى عقليّ أيّ منها.
أرجو منكم الإفادة ، سائلاً المولى تعالى أن يوفّقكم لما فيه مصلحة دين الله الحقّ ، وهو مذهب أهل البيت عليهمالسلام.
ج : من ألقاب الإمام علي عليهالسلام المعروفة : الأنزع البطين.
فالبعض فسّر هذا اللقب على ظاهره اللغوي ، والبعض فسّره بأنّ الأنزع كناية عن امتناع الشرك فيه ، والبطين كناية عن كثرة العلم والإيمان واليقين ، لا ضخامة البطن ، والدليل على ذلك روايات كثيرة ، وردت في كتب الفريقين في هذا المجال.
منها قوله صلىاللهعليهوآله : « يا علي ، إنّ الله قد غفر لك ولذرّيتك ، ولشيعتك والمحبّي شيعتك ، والمحبّي محبّي شيعتك ، فابشر فإنّك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، مبطون من العلم » (١).
ولو حملنا الأنزع البطين على معناه الظاهريّ فلا أجد في ذلك ما يتنافى مع العقل ، نعم العقل يحكم بأن يكون شكل النبيّ أو الإمام وظاهره مألوفاً بحيث لا تنفر منه النفوس ، وكم أنزع بطين تألفه النفوس وتنجذب إليه ، وكم من شخص لا يتصف بهذين الوصفين تبغضه النفوس ولا ترغب في رؤيته الأعين ، فتأمل.
وتجدر الإشارة إلى عدم التلازم بين كون الإنسان بطيناً وبين كثرة الأكل ، حيث أن ذلك تابع لطبيعة خلقة الشخص ، فتجد شخصاً نحيفاً ولا يؤثر كثرة
__________________
١ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٥٢ ، مسند زيد بن علي : ٤٥٦ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٥٢.
الطعام على وضعه ، وتجد العكس ، فلا يتنافى هذا التفسير مع زهد الإمام وقد ورد عنه عليهالسلام : « ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ـ ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ـ أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة |
|
وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ |
أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة ، شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عما يراد بها ، أو أترك سدى ... » (١).
« محمّد العجمي ـ عمان ـ .... »
زواجه لا يدلّ على مشروعية الخلفاء :
س : هل كانت حروب الردّة غير شرعية؟ إذا كانت شرعية فخلافة أبو بكر شرعية ، وإذا كانت غير شرعية ، فلماذا يتزوّج الإمام علي عليهالسلام من سبيهم؟ فهو تزوّج خولة والدة محمّد بن الحنفية ، كما زوّج ابنه الحسين عليهالسلام من سبي فارس ، في عهد الخليفة عمر ، أرجو الإفادة ... ولكم جزيل الشكر.
ج : أنت تعلم أنّ شرعية الأمر متأتّية من شرعية القائمين به ، وعلى هذا يمكنك أن تجعل هذه القاعدة منطبقة على موردنا هذا ، فحروب الردّة تتبع في عدم شرعيتها إلى فقدان شرعية القائمين عليها ، وإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين تأتي شرعية هذه الحروب؟ ولا يمكن القول بعد ذلك بشرعيتها ، لعدم توفّر شرعية الخليفة.
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٨٧.