مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-02-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٢٠
منها : الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء ، حيث جلّلهم النبيّ صلىاللهعليهوآله به حصراً.
ومنها : إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.
ومنها : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله جاء بأهل بيته للمباهلة ، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.
ومنها : إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة الله بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين ، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.
ومنها : إنّ الأزواج لم يدعين دخولهن فيها ، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.
ومنها : الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة ، كدلالة تغيير الضمير ، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد ، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس ، وإنّ اختلاف المخاطب لا يقدح بورود السياق ، وقد ورد كثيراً في القرآن ، وإنّ الالتزام بوحدة السياق اجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة ، وعدم الالتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه ، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود ، وأنّه هو المنزل ، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة ، وغيرها.
٣ ـ المهمّ إنّ الذين اختاروا اختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق ، وقد عرفت الردّ عليه ، ولكن عندما جوبهوا باختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر ، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّ صلىاللهعليهوآله معهن ، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ ، وهو الاختصاص بالنساء ، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف ، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.
مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيت عليهمالسلام خاصة وجعل الآية واردة في نساء النبيّ ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، وذلك لنفس السبب ، وهو تذكير الضمير ، فراجع أقوالهم ، كابن كثير ، وابن روزبهان ،
بل وابن تيمية ، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّ صلىاللهعليهوآله مع النساء فقط.
وبعبارة أُخرى : إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول الله صلىاللهعليهوآله فقط ، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ فقط بمقتضى السياق ، وكان قولهم تخلّص وتملّص من ورود الإشكال عليهم ، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال ، سوى هذا الادعاء ، ولم يستندوا فيه إلى حديث ، أو قول لغويّ ، أو دليل عقليّ ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ فقط ، ورددناه فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ وحده فقط معهن؟
ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا لماذا أدخل الله النبيّ صلىاللهعليهوآله هنا في هذه الآية بالخصوص ، ولم يدخله في الآيات الأُخر ، التي جاء فيها الضمير مؤنّث ، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا ، لما فيها من ظاهر الضمير ، وظاهر التهديد والوعيد ، المبرأ عنه الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.
٤ ـ فإذا قالوا : أدخله في هذه الآية فقط ، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.
قلنا : إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط ، وإنّما دخل معهن غيرهن ، بمقتضى تذكير الضمير ، وأنّ الاعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.
فإذا كنّا نحن والآية فقط ، نضيف : أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر ، فما هو دليلكم على دخول النبيّ صلىاللهعليهوآله فقط ، فلعلّ معه غيره.
وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء ، وهذا عود من البدء ، وهو دور صريح.
فلا يبقى إلاّ الاعتماد على قرينة من داخل الآية ، وهو المعنى المراد من أهل البيت عليهمالسلام ، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً ، ومنها مدّعاكم ، وقد رددناه بما لا مزيد عليه ، بل إنّ القرينة في الآية تخرج النساء أصلاً ، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد ، واحتمال صدور المعصية منهن ، أو قرينة من خارج الآية من سنّة أو لغة ، وهي معنا كما عرفت سابقاً.
( محمّد علي معلى ـ سورية ـ ٣٨ سنة ـ طالب متوسطة )
قبولهم توبة الغالي :
س : ورد عن أحد الأئمّة الأطهار عليهمالسلام : أنّه بنا يلحق القالي وإلينا يرجع الغالي ، وتوجد تتمّة للحديث ، أنّه لا يقبل الله رجوع الغالي ولا لحوق القالي ، أفيدونا رحمكم الله.
ج : إنّ جميع الروايات التي وردت تنصّ على أنّهم عليهمالسلام إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي بالتاء ، وليس هناك في تلك الروايات أية إشارة إلى عدم قبولهم رجوع الغالي ، أو لحوق التالي ، ما عدا رواية واحدة وردت في أمالي الشيخ الطوسيّ ( قدس سره ) ، تشير إلى عدم قبول رجوع الغالي فقط.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله » ، وقد علّل الإمام عليهالسلام ذلك بقوله : « لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة ، والصيام والحجّ ، فلا يقدر على ترك عادته ، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجلّ أبداً ، وأنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع » (١).
ومعنى كلام الإمام عليهالسلام : إنّ الغالي إذا أراد أن يرجع ويتوب فإنّنا نقبل توبته ، لكن عليه أن يرجع إلى أداء الصلاة ، ودفع الزكاة ، والإتيان بالحجّ ، وصيام
__________________
١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٥٠.
شهر رمضان ، وإذا لم يقدر على ذلك ـ لأنّه اعتاد على خلافها ـ فإنّا لا نقبله ، لأنّه لم يحقّق شروط التوبة ، فعدم قبولهم عليهمالسلام لرجوع الغالي ، لأنّه لا يقدر على تحقيق شروط التوبة ، وهذا بخلاف المقصّر ، فإنّ تركه لبعض الأعمال لعدم معرفته بها ، وإذا عرف فإنّه يعمل ويطيع.
( هاشم. الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )
اختصاص بعض الآيات بهم :
س : وفّقكم الله وأطال في عمركم في خدمة أهل البيت عليهمالسلام.
هناك آيات قرآنية عديدة فسّرها الأئمّة عليهمالسلام بهم ، كأن يقولوا مثلاً : فينا نزلت ، أو في أمير المؤمنين من هذه الآيات ، قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وقوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ).
فهل نستفيد من هذه الروايات اختصاص هذه الآيات وغيرها بهم؟ أم في كونهم مصداق أعلى لهذه الآيات ، ولكنّها تشمل غيرهم أيضاً؟ وما هو الدليل؟ وفّقكم الله بحقّ محمّد وآل محمّد.
ج : إذا أخذ قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ... ) (١) نفسه مع قطع النظر عن المورد ، ومن شأن القرآن ذلك ـ ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصصّ بنفسه ـ كان القول عامّاً ، من حيث السائل والمسؤول عنه ، والمسؤول منه ظاهراً ، فالسائل كلّ من يمكن أن يجهل شيئاً من المعارف الحقيقيّة والمسائل من المكلّفين ، والمسؤول عنه جميع المعارف والمسائل التي يمكن أن يجهله جاهل.
وأمّا المسؤول منه ، فإنّه وإن كان بحسب المفهوم عامّاً ، فهو بحسب المصداق خاصّ ، وهم أهل البيت عليهمالسلام ، وذلك أنّ المراد بالذكر إن كان هو
__________________
١ ـ النحل : ٤٣.
النبيّ صلىاللهعليهوآله كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر ، وإن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبيّ صلىاللهعليهوآله ولقومه ، فأهل البيت خاصة النبيّ صلىاللهعليهوآله وقد قارنهم صلىاللهعليهوآله بالقرآن ، وأمر الناس بالتمسّك بهم في حديث الثقلين المتواتر (١).
وقد وردت من الأحاديث عنهم عليهمالسلام توضّح أنّهم هم أهل الذكر ، وهم قومه ، وهم المسؤولون ، فعن الإمام الباقر عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر ... ) ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر » (٢).
وقوله عزّ وجلّ : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (٣) ، قال الإمام الباقر عليهالسلام : « نحن قومه ، ونحن المسؤولون » (٤).
وأمّا قوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ) (٥) ، فالمراد بأُولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام ، لأنّ الله أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن من الغلط ، وليس ذلك بحاصل للأمراء والعلماء ، كما قيل : جلّ الله أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والعمل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه (٦).
أمّا قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٧) ، فالآية تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلى الحقّ ، إمّا نبيّ منذر ، وإمّا غيره ، يهدي بأمر الله ،
__________________
١ ـ أُنظر : الميزان في تفسير القرآن ١٢ / ٢٨٤.
٢ ـ الكافي ١ / ٢١٠.
٣ ـ الزخرف : ٤٣.
٤ ـ الكافي ١ / ٢١٠.
٥ ـ النساء : ٥٩.
٦ ـ أُنظر : مجمع البيان ٣ / ١١٤.
٧ ـ الرعد : ٧.
وقد وردت روايات تشير إلى أنّ المنذر هو رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والهادي هو علي عليهالسلام ، ومعنى ذلك أنّ مصداق المنذر هو النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومصداق الهادي هو علي عليهالسلام أو الإمام (١).
وأمّا قوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) ، فالمراد من مفهوم الصادقين كما وضّحه القرآن في سورة الحشر الآية الثامنة ، بأنّهم المؤمنون المحرومون ، الذين استقاموا وثبتوا رغم كلّ المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى الله ، ونصرة رسوله صلىاللهعليهوآله ، وهذا المفهوم واسع.
إلاّ أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة : أنّ المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط ، ففي رواية : أنّ سلمان سأل عن تلك الآية فقال : يا رسول الله عامّة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال : « أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة » (٣).
( تركي عبد الله سعيد ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٣ سنة ـ بكالوريوس )
لا تعارض في أفعالهم ومواقفهم :
س : سؤالي هو إلى العلماء المحترمين : علي اتّقى ظلم أبي بكر وعمر وعثمان على حسب كلامكم ، ولكنّه تقاتل مع معاوية ، والحسن رجع واتّقى معاوية ، والحسين لم يرض بحكم يزيد؟
أنا كمسلم عادي ، ومأمور باتباع أهل البيت ، وهم حجّة عليّ ، كيف أفهم مواقفهم بحيث لا يكون فيها تعارض ، لأنّ في ظاهرها تعارض كامل؟
ج : لا يوجد تعارض في أفعال أهل البيت عليهمالسلام ، لما ثبت عندنا من عصمتهم
__________________
١ ـ أُنظر : الميزان في تفسير القرآن ١١ / ٣٢٧.
٢ ـ التوبة : ١١٩.
٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٧٨.
وتكامل علمهم ، ولكن فهم مواقف أهل البيت عليهمالسلام يحتاج إلى اطلاع شامل ، وموضوعيّ للمرحلة التي عاشها كلّ إمام منهم.
فالظرف الذي قاتل فيه أمير المؤمنين عليهالسلام معاوية يختلف عن الظرف الذي صالح فيه الإمام الحسن عليهالسلام معاوية ، وكذلك محاربة الحسين عليهالسلام ليزيد واتباعه ، فللظروف دخلها الكبير في هذه المواقف ، وهذا يحتاج إلى مراجعة كتب العلماء والمحقّقين الذين تناولوا تلك الفترات.
أمّا الموقف الشرعيّ لأهل البيت عليهمالسلام تجاه هؤلاء الأشخاص الذين حاربوهم أو صالحوهم فهو واحد لا يتغيّر ، وقد نطق بمضمونه النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديثه : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » (١).
وقد علمنا وقف هذا السياق أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قاتل المشركين ، ثمّ صالحهم ، ثمّ دخل عليهم شاهراً سيفه في فتحه لمكّة ، ولا يعني هذا أنّ هناك تناقضاً في أفعال النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ حاشاه ـ إنّما لكلّ ظرف خصوصياته ودوافعه.
( نوفل ـ المغرب ـ ٢٦ سنة )
الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم :
س : ما هو أوثق مرجع تاريخي لمدرسة أهل البيت؟ وشكراً جزيلاً.
ج : إنّ كان من حيث سيرة وتاريخ الأئمّة عليهمالسلام ، فبالإمكان مراجعة كتاب « الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد » للشيخ المفيد ، و « إعلام الورى بأعلام الهدى » للشيخ الطبرسيّ.
أمّا إذا كان المراد من كتب التاريخ التي تعنى بالتاريخ العامّ ، فإنّها كما تعرف كانت تكتب تقرّباً إلى الملوك والسلاطين ، فتذهب بمذاهبهم ، وتورد ما يوافق أفكارهم وغاياتهم ، ولم يكن للشيعة يوماً حكومة إلاّ في فترات قصيرة
__________________
١ ـ ينابيع المودة ٣ / ٣٧٢.
لم يتسنّ كتابة هكذا تاريخ فيها ، وإن كان هناك بعض الكتب فإنها ذهبت مع ما ذهب من كتب الشيعة نتيجة القمع والملاحقة ، تستطيع أن تعرفها لو راجعت كتب التراجم.
نعم كتب اليعقوبيّ والمسعوديّ اللذين يعتبران من الشيعة كتب في التاريخ العامّ للدول والملوك ، ولكن كتبوا في زمن تسلّط مخالفيهم ، فشابها الكثير من التقية وعدم التصريح ، والاكتفاء بالأحداث العامّة وتواريخ الوقائع.
( أبو جعفر ـ الكويت ـ .... )
معناه اللغويّ :
س : وفّقكم الله ، إخواني الكرام القائمين على هذا الموقع العظيم ، وجعله في ميزان أعمالكم ، ورزقنا الله وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد عليهمالسلام.
أمّا بعد ، من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم ، لاحظت أمراً يتعلّق بآية التطهير : أنّه هل يمكن أن نستفيد من نفس الآية حصراً بغضّ النظر عن الأدلّة الأُخرى ، وهو اختلاف المراد من ( بيوتكن ) و ( أهل البيت ) ، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيت عليهمالسلام؟
ج : في مقام التعليق على ما ذكرت ، نقدّم أُموراً :
١ ـ يحدّد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها ، فأهل القرى : سكّانها ، وأهل الكتاب : أتباعه ، وأهل الرجل : عشيرته وذوو قرباه (١) ، أخصّ الناس به (٢) ، من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين (٣).
وأهل بيت الرجل : ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيم عليهالسلام وأولاد أولاده ، قال تعالى : ( رَحْمَتُ اللهِ
__________________
١ ـ القاموس المحيط ٣ / ٤٥٣.
٢ ـ لسان العرب ١١ / ٢٩.
٣ ـ المفردات في غريب القرآن : ٢٩.
وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (١).
وهناك فرق بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل ، فقد عُبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته ، قال الزبيدي : « ومن المجاز : الأهل للرجل زوجته » (٢).
أمّا أهل بيت الرجل : فهم من يجمعه وإيّاهم نسب ، وتعورف في أسرة النبيّ صلىاللهعليهوآله.
٢ ـ من الواضح أنّ أهل البيت متكوّنة من لفظتين هي : « أهل » التي ذكروا أنّها ولفظة « آل » بمعنى واحد ، وذكروا لهما معان متعدّدة بين الضيق والسعة ، يرجع إليها في البحث المتعلّق بمعنى « الآل » ، وهل هم أقرباء النبيّ صلىاللهعليهوآله أو أتباعه أو غير ذلك؟
واللفظة الأُخرى فهي « البيت » ، فهل المراد منها المعنى الموضوع لها ـ وهو مكان السكن المتكوّن من الطين والخشب ، أي البيت المادّي ـ أو المراد منها هنا المعنى الاستعمالي ـ وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة ـ أي بيت النبوّة؟
مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة ما هو المعنى المراد من استعمال أهل البيت إذا جاءا معاً عند العرب ، وبالتالي لا فرق بين تعيين أيّ من المعنيين ، ولكن المعنيين المذكورين أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية.
٣ ـ من الواضح أنّ المقصود من البيوت في قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٤) هي البيوت
__________________
١ ـ هود : ٧٣.
٢ ـ تاج العروس ٧ / ٢١٧.
٣ ـ الأحزاب : ٣٣.
٤ ـ الأحزاب : ٣٤.
المبنية من الطين والخشب ، وكذا في قوله تعالى : ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) (١) ، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي « أهل البيت » ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة ، سواء قلنا إنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب ، أو بيت الذروة والشرف ، وذلك واضح من الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢).
أمّا إذا قلنا : إنّ المراد من « البيت » فيها هو بيت الطين والخشب ، فلأنّه قد أضاف جمع البيوت في ( فِي بُيُوتِكُنَّ ) إلى النساء ، وفي ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) إلى النبيّ ، وهنا عرّف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الاستغراقية كما هو واضح ، فإنّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت.
فتحصّل : أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء ، وإلاّ فما هو المرجّح بينها ، وإنّما هو بيت آخر غيرها معهوداً بين المتكلّم والمخاطب صلىاللهعليهوآله ، قد يكون بيت علي عليهالسلام ، كما ذكر ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله عندما أشار إليه أبو بكر ، وقال : هل هذا البيت منها؟ أي من البيوت التي أذن الله أن ترفع كما جاء في الآية ، فأجابه صلىاللهعليهوآله : « نعم من أفضلها » (٣) ، وبيت علي هو بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله بلا إشكال.
وهذا فيما لو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى ، أي المصنوع من الطين والخشب ، وهو مورد الشبهة التي جاءت عند العامّة ، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سقفه ، فالأزواج من أهله ، وقد عرفت الجواب مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين : « أهل » و « البيت » هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة فلاحظ.
وأمّا إذا أُريد من البيت هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة ، وأنّ المراد منه
__________________
١ ـ الأحزاب : ٥٣.
٢ ـ الأحزاب : ٣٣.
٣ ـ الصراط المستقيم ١ / ٢٩٣.
كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل الله ، فعند ذلك لا يصحّ الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والاستعداد الكامل ، الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل الله تعالى ، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة ، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب ، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه ، فجاءها الجواب بالنفي ، وهذا البيت هو المراد منه ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ... ) (١) ، كما تقدّم سابقاً في جواب النبيّ لأبي بكر.
وورد أيضاً : أنّ قتادة لمّا جلس أمام الإمام الباقر عليهالسلام قال : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر الباقر عليهالسلام : « ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ) فأنت ثمّ ونحن أولئك » ، فقال قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (٢).
ولعلّ هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه « أهل البيت » كما نقلنا عن أصحاب اللغة.
٤ ـ وبعد كلّ ما تقدّم ، فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي « أهل البيت » فيما إذا وردتا معاً ، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ فافترق المسلمون إلى أقوال ، ونحن نستدلّ بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ، إضافة إلى ما تقدّم كلّه.
__________________
١ ـ النور : ٣٦.
٢ ـ خصائص الوحي المبيّن : ١٨.
فإذا تقرّر ذلك : نرجع إلى سؤالك فنقول : من الواضح أنّ المراد في ( بُيُوتِكُنَّ ) هو بيت الطين والخشب ، وهو يجمع إذ لو كان لشخص معيّن عدّة زوجات ، وكلّ منها اسكنها في بيت ، فيقال : هذه بيوت هذا الرجل ، أو بيوت زوجاته ، وأنّ المراد من « أهل البيت » معنى آخر هو ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، ولا تجمع لفظة « البيت » فيه بهذا المعنى ، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا « أهل بيوت النبيّ » ، ويراد به هذا المعنى المتقدّم ، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة ، فإنّهم يقال لكلّ أولاده : أهل بيت الرجل ، نعم قد يستعمل أهل بيوت الرجل ، لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته ، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل.
فإذا نظرنا إلى الآية ، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء ، وأنّها جاءت مفرداً عندما عرّفت بالألف واللام ، وتعلّقت بالأهل ، فتعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا ، فيمكن أنّ تكون إشارة لطيفة بلاغية على الاختلاف ، نظراً لإبدال التعبير من الجمع إلى المفرد ، ثمّ إلى الجمع في نفس الآيات ، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً ، وذلك لأنّا قلنا : إنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم أهل البيت ، سواء من اللغة أو القرآن أو السنّة.
فاختلاف المعاني المرادة من البيت لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في أهل البيت ، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أنّ النساء داخلات في « أهل البيت ».
نعم ، نعود ونقول إنّه مؤيّد ، وإشارة لطيفة تتمّ إذا ادعى مدعٍ أنّ المراد من البيت في « أهل البيت » في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب ، وتتأكّد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا ، إذا لاحظنا العودة إلى جمع البيوت مرّة أُخرى في آية ( واذكرن ) بعد آية التطهير ، فكأنّها تؤكّد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت ، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع ، والإضافة إليهن بعد الإفراد والتعريف بالألف واللام العهدية.
( أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )
ما يتعلّق بخبائثهم :
س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع.
ليس في بول الأئمّة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة ، بل هما كالمسك الأذفر ، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرّم الله عليه النار ، واستوجب دخول الجنّة ، « أنوار الولاية للآخوند ملاّ زين العابدين الكلبايكاني : ٤٤٠ ».
وروي عن أبي جعفر : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من إمامه ، ونجوه كريح المسك » ، الكافي ١ / ٣١٩ كتاب الحجّة ـ باب مواليد الأئمّة ».
أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.
ج : وردت رواية مرسلة في الكافي بهذا المعنى في بيان أنّ للإمام علامات عشر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً ، مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول الله صلىاللهعليهوآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه » (١).
قال المازندراني في شرح أُصول الكافي : « قوله : « ونجوه كرائحة المسك » هذه علامة سابعة ، وفيه حذف أي رائحة نجوه ، والنجو ما يخرج من ريح أو غائط ، وذلك لأنّ باطنه كظاهره طاهر مطهّر ، ممّا يوجب التأذّي والتنفّر منه.
__________________
١ ـ الكافي ١ / ٣٨٨.
قوله : « والأرض موكّلة بستره وابتلاعه » هذه علامة ثامنة ، وذلك إمّا لتشرّفها به ، كما شرب الحجّام دمه صلىاللهعليهوآله للتشرّف والتبرّك ، أو لأنّه وإن لم يكن له رائحة إلاّ أنّ صورته كصورة نجو غيره ، ومشاهدة ذلك يوجب التنفّر منه في الجملة ، فأمرت الأرض بابتلاعه إكراماً له عليهالسلام » (١).
ونحن بغضّ النظر عن سند الرواية نقول : إنّ متن الرواية لا منافاة فيه ، لما دلّ الدليل عليه من الأدلّة العقليّة من وجوب اتصاف الإمام المنصوب من قبل الله سبحانه بأفضل الصفات وأعلاها ، وأن لا يكون فيه ما هو منفرّاً للناس ، سواء كان ذلك بالطباع أو بالتكوين ، لأنّه يعدّ نقضاً لغرض تنصيبه من قبل الله سبحانه.
وأيضاً قد دلّت الأدلّة المتضافرة في كتب الفريقين : أنّ الأئمّة عليهمالسلام قد خُلقوا من طينة رسول الله صلىاللهعليهوآله النورانية ، وأنّ طباعهم طباعه ، وسنخهم سنخه.
روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خطبنا ذات يوم ، فقال : أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، ... ثمّ بكى.
فقلت : يا رسول الله ، ما يبكيك؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضبت منها لحيتك.
فقلت : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك.
ثمّ قال صلىاللهعليهوآله : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني في النبوّة
__________________
١ ـ شرح أُصول الكافي ٦ / ٣٩٢.
واختارك في الإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي » (١).
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهمي وعلمي ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي » (٢).
وإذا علمنا هذا ، أي أنّ الأئمّة عليهمالسلام خُلقوا من طينة رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي طينة نورانية ذات سنخ ملكوتيّ خاصّ ، كما أثبتت ذلك الروايات المتقدّمة وغيرها.
وعلمنا من الحوادث أنّ هناك من شرب دم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : « لا تمسّك النار » (٣).
وبعضهم شرب بول رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد قال لشاربه ـ وكانت امرأة تخدم أُمّ حبيبة جاءت معها من الحبشة ـ : « صحّة يا أُمّ يوسف » (٤).
وأيضاً أخرج سعيد بن منصور من طريق عمر بن السائب : أنّه بلغه أنّ مالكاً والد أبي سعيد الخدريّ لمّا جرح النبيّ صلىاللهعليهوآله مصّ جرحه حتّى أنقاه ولاح أبيض ، فقيل له : مجّه ، فقال : لا والله لا أمجّه أبداً ، ثمّ أدبر فقاتل.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا » ، فاستشهد (٥).
__________________
١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٥٥.
٢ ـ كنز العمّال ١٢ / ١٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٢٨.
٣ ـ سنن الدارقطنيّ ١ / ٢٣٤ ، كنز العمّال ١٣ / ٤٦٩ و ٤٧٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٠ / ٢٣٣ و ٢٨ / ١٦٢ ، الإصابة ٤ / ٨١ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٦٨ و ٣٧٧ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٥٥.
٤ ـ نيل الأوطار ١ / ١٠٦ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٥٥ ، تلخيص الحبير ١ / ١٨٢.
٥ ـ تلخيص الحبير ١ / ١٨١.
نقول : فأيّ ضير بمن يكون من طينة رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تكون له تلك المزايا والصفات في فضلات جسمه ، كما لرسول الله صلىاللهعليهوآله بعد أن كانت الإمامة بالجعل الإلهيّ هي الامتداد الطبيعي للرسالة شكلاً ومضموناً من حيث صيانة التبليغ والحفاظ عليه ، كما يشير إليه الحديث الشريف الوارد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا من تفدون » (١).
____________
١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤١.
أهل السنّة :
( أبو يحيى درويش ـ اليمن ـ ٢٤ سنة. طالب كليّة الشريعة )
وجه تسميتهم بهذا الاسم :
س : هل من طريق إلى معرفة السرّ في تسمية أهل السنّة والجماعة بهذا الاسم؟ وما الدليل؟
ج : هي تسمية أطلقتها المذاهب الإسلامية الأُخرى على نفسها ، تمييزاً عن شيعة أهل البيت عليهمالسلام ، فالحديث المروي والمتواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فيه دلالة صريحة على وجوب تبعية أهل البيت عليهمالسلام ، فهم مع كونهم يروون الحديث متواتراً ، إلاّ أنّهم حرّفوه إلى سنّتي بدل عترتي ، وقالوا : نحن أتباع سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولسنا اتباع أحدٍ من عترته ، وبذلك عرفوا بأهل السنّة والجماعة ، تمييزاً عن أتباع العترة ـ وهم شيعة أهل البيت ومواليهم ـ وهكذا صار هذا المصطلح متعارفاً في أدب المذاهب الإسلامية الأُخرى.
( ... ـ ... ـ ..... )
هم مسلمون :
س : لدي استفسارات مهمّة أرجو أن تجيبوا عليها إجابة واضحة شافية.
أوّلاً : أخبرنا الشريف عمر بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي ، ... وأبو غالب
سعيد بن محمّد بن أحمد الثقفي الكوفي بها ، قالا : أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي قال : أخبرنا زيد بن جعفر بن محمّد ابن حاجب قال : حدّثنا أبو العباس محمّد بن الحسين بن هارون قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الحسني قال : حدّثنا محمّد بن مروان الغزال قال : حدّثنا عامر بن كثير السراج ، عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له بمكّة ، أو بمنى : يا بن رسول الله ما أكثر الحاجّ؟
قال : « ما أقلّ الحاجّ ، ما يغفر إلاّ لك ولأصحابك ، ولا يتقبّل إلاّ منك ومن أصحابك » (١).
س : هل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟
وهل ما جاء فيه ينطبق فقط على الزمن الذي كان فيه الإمام أبو جعفر عليهالسلام؟ أم أنّه كذلك لا يقبل الحجّ حتّى في زماننا هذا إلاّ من الشيعة الإمامية؟ وما قول العلماء المعاصرين في هذه المسألة؟
ثانياً : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري الحسيني قال : حدّثنا محمّد بن الفضل بن حاتم المعروف بأبي بكر النجار الطبري الفقيه قال : حدّثنا محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا داهر بن محمّد بن يحيى الأحمري قال : حدّثنا المنذر بن الزبير ، عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تضادّوا بعلي أحداً فتكفروا ، ولا تفضّلوا عليه أحداً فترتدّوا » (٢).
س : عن صحّة هذا الحديث أيضاً؟ وما المقصود بـ « لا تضادّوا »؟ وإذا كان صحيحاً ، هل يعني هذا أنّ العامّة من أهل السنّة حين يفضّلون الشيخين على علي أنّهم مرتدّون؟ وهل يعني الارتداد هنا عن الإسلام؟ أي أنّهم كفّار وغير مسلمين مهما فعلوا؟
أرجو أن يكون الجواب مدعماً كذلك بقول العلماء المعاصرين.
____________
١ ـ بشارة المصطفى : ١٢٣.
٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٣.
ج : إنّ الحديث الأوّل ليس نقي السند بالشكل الذي يؤخذ به ، ففيه من المهملين والمجهولين ، أو غير الموثقين بحيث لا يمكن الاعتماد عليه ، والأمر فيه موكول إلى علم الرجال.
ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالرواية في مجال بيان شرطية موضوع الولاية في قبول الأعمال ، وقد وردت أحاديث كثيرة تصرّح بأنّ الفاقد للولاية ومنكرها لا يقبل الله عزّ وجلّ منه أعماله يوم القيامة ، وإن صلّى وصام وحجّ و .. ، فالولاية شرط في صحّة العمل.
نعم ، ينبغي أن نتعامل مع غيرنا بالظواهر ، فنحكم بإسلام كلّ من اعتقد بأُصول الدين ، وعمل بالأركان ، حتّى وإن كان اعتقادنا بأنّ منكر الولاية سوف تذهب أعماله هباءً يوم القيامة.
والحديث الثاني يشتمل على رواة مجهولين أو مهملين وضعفاء ، فلا يمكن الركون إليه ، ولا تتمّ به الحجّة.
ثمّ على فرض حجّية السند لا أشكال في جانب دلالته ، إذ إنّ الكفر والارتداد المذكورين هنا بمعنى الانحراف ، والعدول عن الخطّ المستقيم الذي رسمه النبيّ صلىاللهعليهوآله للأُمّة.
وعليه ، فلا سبيل لتكفير الآخرين ، بمعنى الحكم عليهم بخروجهم عن الإسلام ، وإن كان المنكر لإمامة علي عليهالسلام سيحاسب على عقيدته ـ إن لم يكن مستضعفاً ـ.
وهذا هو رأي علماء الشيعة ، حيث يفتون بإسلام أهل السنّة ، وإن كانوا يرونهم منحرفين عن خطّ الإمامة والولاية.
( عبد الله ـ ... ـ ..... )
إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة :
س : من الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟
ج : قال الدكتور التيجاني السماوي في كتابه : « لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتفقوا على تسمية العامّ الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة ، وذلك أنّ الأُمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي ، وأتباع معاوية.
ولما استشهد الإمام علي عليهالسلام ، واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح ، الذي أبرمه مع الإمام الحسن عليهالسلام ، وأصبح معاوية أمير المؤمنين ، سمّي ذلك العام بعامّ الجماعة.
إذاً ، فالتسمية بأهل السنّة والجماعة دالّة على اتباع سنّة معاوية ، والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنّة رسول الله ، فالأئمّة من ذرّيته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأهل مكّة أدرى بشعابها ، ولكننا خالفنا الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واتبعنا أعداءهم.
ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول الله اثني عشر خليفة كلّهم من قريش ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة ، ولعلّ معاوية الذي سمّانا بأهل السنّة والجماعة ، كان يقصد الاجتماع على السنّة التي سنّها في سبّ علي ، وأهل البيت التي استمرت ستين عاماً ، ولم يقدر على إزالتها إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وقد يحدّثنا بعض المؤرّخين : أنّ الأمويّين تآمروا على قتل عمر بن عبد العزيز ـ وهو منهم ـ لأنّه أمات السنّة ، وهي لعن علي بن أبي طالب » (١).
( أبو الزين ـ الأردن ـ .... )
ليسوا أولاد بغايا :
س : ورد عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا
____________
١ ـ ثمّ اهتديت : ٢٠٣.