مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-02-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٢٠
وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ الشيعة في كلّ زمان كانوا يعرفون إمامهم بتلك النصوص التي كانت تصل إليهم بطرق صحيحة ومتواترة ، وبإظهار معاجز أئمّتهم عليهمالسلام.
ولم يدع أحد أنّ الإمام الباقر عليهالسلام قد تولّى الإمامة في الخامسة من عمره ، بل أغلب الظنّ أنّك تريد أن تشير إلى إمامة المهديّ عليهالسلام.
وعلى أيّ حال فالإمامة منصب الهي لا يتوقّف إعطائه على عمر محدّد ، كما هو الأمر من قبل ، فقال تعالى : ( وآتَيناهُ الحُكمَ صَبياً ) (١) ، فصغر السنّ لا يمنع ، كما أنّ الشيخوخة لا تكون دليلاً في المقام.
وأمّا نهج البلاغة ، فهو كتاب قد جمع فيه الشريف الرضي ( قدس سره ) ما استحسنه من خطب وكلمات ، ورسائل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، ولم يلتزم أن ينقل كافّة الروايات والأحاديث المنقولة عن الإمام عليهالسلام ، وعليه فلا دليل للزوم وجود نصّ على إمامة الإمام الحسن عليهالسلام في نهج البلاغة.
( سائل ـ السعودية ـ .... )
كيفية اختيار الإمام :
س : لماذا يختار الله الإمام؟ ويجعله من الأوصياء دون أخيه ، الذي تربّى في نفس البيت؟ ألا ينافي ذلك العدالة الإلهيّة؟
ج : إنّ الله تعالى لا يسأل عمّا يفعل ، لأنّه حكيم وعالم وقادر ، فباعتبار حكمته وعلمه وقدرته يفعل ما يشاء.
فاختيار الله تعالى للإمامة وللنبوّة إنّما هو فعل من أفعال الله التي لا يسأل عنها.
مع هذا نجد هناك نصوصاً تدلّ على سبب الاصطفاء والاختيار ، وهذا لا ينافي العدالة الإلهيّة.
__________________
١ ـ مريم : ١٢.
( حسن السوسوه ـ اليمن ـ .... )
تكون في إمامين ومن نسل الحسين :
س : نرجو من سيادتكم التكرّم بالإجابة على هذين السؤالين.
الأوّل : هل يجوز إمامان في وقت واحد؟
الثاني : لماذا أصبحت الإمامة من نسل الحسين عليهالسلام؟ وليست من نسل الحسن عليهالسلام؟
ج : بالنسبة إلى سؤالك الأوّل فنقول :
نعم يجوز أن يكون هناك إمامان في زمان واحد ، إلاّ أنّ أحدهما تابع للآخر ، ولا يتصرّف في مقابل تصرّفات الآخر ، وهذا واقع وموجود ، كما أنّه كان بين الإمام الحسن وبين الإمام الحسين عليهماالسلام.
وأمّا بالنسبة إلى سؤالك الثاني فنجيب : إن ذلك يرجع إلى تقدير الله تعالى وعلمه وحكمته. وليس من الضروريّ معرفة الحكمة الإلهيّة في هذا الأمر ، المهمّ هم معرفة الأئمة عليهمالسلام وإتباع نهجهم.
( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )
لماذا رفض الأئمّة استلامها :
س : بما أنّ خلافة الإمام علي عليهالسلام والأئمّة الميامين من صلبه نازلة من عند الله تعالى ، فبم تفسّرون ترك الإمام علي عليهالسلام الخلافة في بادئ الأمر؟ وبما تفسّرون تنازل الإمام الحسن عليهالسلام عن الخلافة؟ وسكوت الأئمّة الباقين عن حقّهم في الخلافة؟
ج : إنّ في البداية : يجب الانتباه إلى أمر مهم ، وهو أنّ الإمامة لا تساوي الحكومة السياسية ، بل هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، وبالتالي فإن الحكومة السياسية شأن من شؤون الإمامة لا غير. فيكون الإمام عليهالسلام أحقّ الناس لاستلام الحكم والخلافة ، بما أنّه منصوص ومصرّح به ، هذا في مقام
الواقع والحقيقة ، ولكن في مجال التطبيق والتنفيذ في المجتمع البشريّ ، فمتى لم تؤهلّ الظروف الملائمة ـ ومنها تلقّي الوسط العام بالقبول والانصياع ـ لا يلزم عليه عليهالسلام فرض نفسه على الناس ، وفي هذه الحالة سيكون اللوم عليهم إذ لم يقبلوا إليه عليهالسلام.
وهذه قاعدة جارية في كافّة حالات الأولياء والأوصياء ، وعلى سبيل المثال : فقد ذكر هارون لموسى عليهماالسلام دليل امتناعه من وقوفه في وجه المنحرفين ، بأنّه ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (١) ، أي أنّهم لم يخضعوا للوصاية الحقّة فتركهم في ذلك.
( ... ـ .... ـ .... )
من أدلّتها احتياج الغير إليه :
س : من الأدلّة التي تستدلّ بها الشيعة على إمامة علي عليهالسلام : « احتياج الغير إليه وعدم احتياجه للغير » ، ويردّ عليهم : بأنّ موسى عليهالسلام كان نبيّاً وقد رجع إلى الخضر عليهالسلام.
ج : إنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، والله تعالى يقول : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) ، فاحتياج الغير لعليّ وعدم احتياجه للغير دليل على إنه أحق أن يتبعّ.
وقد كان الإمام علي عليهالسلام هكذا ، وفي الواقع التاريخيّ نرى أنّ الخلفاء احتاجوا إليه ، ولم نجد في مورد أنّه احتاج إليهم فيما يتعلّق بشيء من القضايا الدينية والمسائل العلمية.
وأمّا ما سألتموه عن قصّة الخضر عليهالسلام ، فباختصار نقول : إنّ العلم الذي كان يريد أن يتعلّمه موسى عليهالسلام من الخضر هو خارج دائرة العلوم التشريعية
__________________
١ ـ الأعراف : ١٥٠.
٢ ـ يونس : ٣٥.
المكلّف بها في عالمنا ، وهذا ممّا لابأس به ، بعد أن عرفنا أنّ وظيفة الأنبياء عليهمالسلام هي وظيفة تشريعية ، ورجوع الغير إليهم أوّلاً وبالأصالة رجوع تشريعي.
( عبد المجيد مدن ـ البحرين ـ سنّي )
من أُصول المذهب :
س : أُصول الدين تمتاز بعدّة صفات وهي :
١ ـ كثرة الآيات.
٢ ـ النصوص الصريحة والواضحة للآيات.
٣ ـ الترغيب والترهيب.
فمثلاً الإيمان بوحدانية الله ، أو الإيمان بالرسل ، أو العبادات ، وكذلك باقي أُصول الدين كلّها تمتاز بهذه الصفات في القرآن الكريم.
فكيف يعتبر الشيعة الولاية أحد أُصول الدين ، ولا تمتاز بهذه الصفات المذكورة أعلاه ، وخصوصاً الصفة الثانية؟
وكيف سيحاسبنا الله جلّ جلاله وهو العادل على ولاية آل البيت ، ولم يطلب ذلك من عباده بنصوص صريحة وبالأسماء؟
ج : كما هو معلوم ، فإنّ أُصول الدين هي التي من لم يعتقد بأحدها يخرج عن الدين ، يعني لا يحسب مسلماً ، وعلماء الشيعة وفقاً للأدلّة التي عندهم لا يعتبرون من لم يعتقد بالإمامة خارجاً عن الدين ، وعليه فإنّ الإمامة تكون من أُصول المذهب ، من لم يعتقد بها خرج عن المذهب ، ولم يخرج عن الدين ، هذا أوّلاً.
وثانياً : من قال لك أنّ الإمامة لم ترد فيها الآيات الكثيرة ، والنصوص الصريحة الواضحة ، والترغيب والترهيب؟! وتشكيك البعض في هذه الأدلّة لا يخرجها عن الحجّية ، كما أنّ البعض شكّك في التوحيد والنبوّة وفي أدلّتهما ، فهل هذا يخرجها عن الحجّية ، أو عن كونها من أُصول الدين.
فمن الآيات : آية الغدير ، وآية الولاية ، وآية الإنذار ، وآية المباهلة ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف.
ومن النصوص الواضحة : حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الاثني عشر ، وحديث المنزلة ، وحديث الدار ، وحديث الولاية ، أضف إلى ذلك الأدلّة العقليّة.
( زينب ـ بريطانيا ـ .... )
من صفاتها سلامة الإمام من العاهات :
س : نشكر لكم جهودكم ، ونتمنّى لكم كلّ خير وصلاح.
وهناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه ، وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء الله تعالى أن يبتلي النبيّ أيوب عليهالسلام بالأمراض المعدية؟
ج : إنّ رسل الله تعالى لهم مسؤوليتان ، المسؤولية الأُولى : إبلاغ ما شرّعه الله تعالى لعباده من أحكام ، والمسؤولية الثانية : قيادة الأُمّة. ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ الأُمّة لا تنقاد إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقليّة لا مادّية على من يؤمنون بعلمه.
فالأنبياء والأئمّة عليهمالسلام حيث إنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي إن توفّرت في قائد تنقاد إليه الأُمّة ، وبهذا لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون من حيث النظرة تشمئزّ منه النفوس والأساس تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.
فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فالله تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة من حمى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبتور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ،
فالله تعالى يجنّب وليّه ونبيّه لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.
( غادة ـ الأردن ـ .... )
منصوص عليها عند الشيعة :
س : أخبروني عن رأيكم بكلّ وضوح وصراحة عن سبب اختلافكم مع مذهب أهل السنّة ، وشكراً لكم.
ج : باختصار ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أخبر عن اختلاف أُمّته إلى نيف وسبعين فرقة ، كلّها هالكة إلاّ فرقة واحدة ، وهذا الحديث موجود في مصادر جميع المسلمين.
وعليه ، فالبحث عن الفرقة الناجية أمر حتميّ ، فعلى كلّ مسلم أن يبحث في الأدلّة ليعرف هذه الفرقة ومعتقداتها ، ويعتقد بالعقائد الحقّة.
وأصل الاختلاف بين السنّة والشيعة هو في مسألة الخلافة ، وباقي المسائل تتفرّع على هذا الأصل ، فالشيعة تستدلّ بالعقل والنقل بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يرحل من هذه الدنيا حتّى عيّن الخليفة من بعده بالاسم ، شأنه شأن سائر الأنبياء السابقين الذين عيّنوا أوصياء لأنفسهم.
والسنّة تقول : بأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله رحل من هذه الدنيا ولم يعيّن ، ولم ينصّ على أحد ، بل ولم يذكر لهم طريقة انتخاب مَن بعده ، بل ترك الأُمّة تفعل ما تشاء.
فعلى كلّ المسلمين البحث في جذور الاختلاف أوّلاً ، وهي مسألة الإمامة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومراجعة أدلّة الطرفين ، كلّ من كتبه ، لا أن يعتمد على من نقل عنهم.
( سعيد سهوان ـ البحرين ـ )
أساس الخلاف بين الفريقين :
س : ما هو الفرق بين الشيعة والسنّة؟ وما هو أساس الاختلاف بينهم؟
ج : كما هو معلوم هناك فروق كثيرة بين الشيعة والسنّة في جانب العقائد والفقه و ….
وأساس الاختلاف بينهما هو في الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فالشيعة الإمامية تعتقد :
١ ـ إنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ.
٢ ـ إنّ الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام هو الإمام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله بلا فصل ، كما نصّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله في مواطن عديدة.
٣ ـ إنّ الأئمّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله هم اثنا عشر إماماً ، كما نصّ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
٤ ـ إنّ الأئمّة عليهمالسلام معصومون.
وأخيراً ، فإنّ الشيعة تأخذ أحكامها من القرآن وأهل البيت عليهمالسلام ، وترى هذا الطريق هو الموصل إلى الله تعالى ، ومبرئ للذمّة ، وذلك عملاً بقول الرسول صلىاللهعليهوآله الذي رواه عنه جميع المسلمين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١).
____________
١ ـ مسند أحمد ٥ / ١٨٢ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٩٦ ، مسند ابن الجعد : ٣٩٧ ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : ١٠٨ ، ما روي في الحوض والكوثر : ٨٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ و ٣٠٣ و ٣٧٦ ، المعجم الصغير ١ / ١٣١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٧٣ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ ، نظم درر السمطين : ٢٣١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٢ ، العهود المحمدية : ٦٣٥ ، كنز العمّال ٥ / ٢٩٠ و ١٣ / ١٠٤ و ١٤ / ٤٣٥ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٢ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٣ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٢٣٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٠ و ٥٤ / ٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٦٥ ، أنساب الأشراف : ١١١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ و ٧ / ٣٨٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٧ و ١٠٠ و ١١٣ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٥٠ و ٣٦٠ و ٢ / ٩٠ و ١١٢ و ٢٦٩ و ٢٧٣ و ٤٠٣ و ٤٣٧ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨.
وهذا ممّا لا يقول به أهل السنّة ، وهناك فوارق أُخرى.
( عبد الحليم نواصر ـ الجزائر ـ .... )
هي أصل الاختلاف :
س : أُودّ الاستفسار عن ميراث النبيّ الأكرم ، وسرّ الاختلاف بين آل بيت الرسول عليهمالسلام والخليفة الأوّل؟
ج : ليس الاختلاف اختلاف ميراث ومال فيما بين أهل البيت عليهمالسلام والخلفاء ، وإنّما الاختلاف اختلاف في مبدأ يبيّن الحقّ من الباطل ، وكما اعترف الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل ) (٢) ، وغيره ، فإنّ أصل الاختلاف في الإمامة بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله : حيث ذهبت الشيعة إلى أنّ الإمامة بالنصّ ، وأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله نصّ على أمير المؤمنين علي عليهالسلام بالإمامة بعده بلا فصل ، وذلك في مواطن ومواقف مختلفة ، من بداية الدعوة حيث جمع عشيرته للإنذار ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٣) ، وإلى آخر ما قاله في مرضه الذي توفّي فيه ، كما أنّ الإمامة إلى أحد عشر إمام بعد علي عليهالسلام نصّ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وأمّا أهل السنّة فوقعوا في خبط شديد :
فتشاهد خلافة أبي بكر لم تكن بشورى حقيقية ، ولا باجتماع أهل الحلّ والعقد عليها ، وذلك لتخلّف بني هاشم ، وبعض كبار الصحابة ، ولما استعمله أبو بكر وأعوانه من تسليط السيف والتهديد على من لم يبايع ، ولأجل هذا قال قائلهم : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة!!
وتشاهد خلافة عمر كانت بالنصّ من أبي بكر عليه.
وتشاهد خلافة عثمان كانت بمسرحية الشورى التي دُبِّر الأمر فيها من ذي قبل.
__________________
١ ـ الملل والنحل ١ / ٢٤.
٢ ـ الشعراء : ٢١٣.
( حسين ـ السعودية ـ .... )
هي بجعل من الله :
س : توضيح أنّ الإمامة جعل من الله.
ج : إنّ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ الإمامة ـ التي هي قيادة الأُمّة الإسلامية ـ منصب الهيّ ، وجعل من الله تعالى ، وأنّها حقّ من حقوق الله تعالى كالنبوّة.
فالمولى تعالى هو الذي ينصب من يكون إماماً للناس ، وهو الذي يختار هذا الإنسان ، ويجعله إماماً دون غيره.
ودليلنا على هذا آيات قرآنية منها :
١ ـ قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١).
٢ ـ قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢).
٣ ـ قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣).
٤ ـ قوله تعالى : ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ) (٤).
٥ ـ قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) (٥).
إذاً فالإمامة جعل من الله تعالى ، وعهد لا يناله من اتصف بالظلم ـ سواء كان ظالماً لنفسه أو لغيره ـ وليس من حقّ الأُمّة أن تختار لها إماماً ، لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
__________________
١ ـ البقرة : ١٢٤.
٢ ـ القصص : ٥.
٣ ـ الأنبياء : ٧٣.
٤ ـ ص : ٢٦.
٥ ـ السجدة : ٢٤.
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (١).
( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )
ليست حكماً وراثيّاً :
س : إنّنا كشيعة اثني عشرية ، نعتقد بأحقّية الإمام علي عليهالسلام بالخلافة بعد الرسول ، ثمّ انتقال الخلافة بعده للحسن عليهالسلام ، ثمّ للحسين عليهالسلام ، ثمّ للأئمّة التسعة من صلبه.
أفلا يعدّ هذا نوع من الحكم الوراثيّ؟ بحيث لا تكون الخلافة الإسلامية شورى بين المسلمين ، بل تكون فرضاً عليهم يجب أن يتقبّلوه ، وحفظكم الله لمصلحة المسلمين.
ج : من المسلّمات عندنا أنّ إمامة الأئمّة الاثني عشر منصوص عليها بهذا الترتيب من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وعليه ، فيجب علينا أن نتقبّلهم كأئمّة وأوصياء لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وطاعتهم واجبة علينا كطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله للنصّ ، فكما نصلّي صلاة الصبح ركعتين ، وصلاة الظهر أربع ركعات للنصّ ، هكذا الحال نقبل إمامة الأئمّة الاثني عشر بهذا الترتيب للنصّ.
وهذا الترتيب لا يلزم منه أن يكون حكمهم عليهمالسلام حكماً وراثياً ، لأنّ النصّ جاء بهذا الترتيب.
ثمّ إنّا آمنّا بالنصّ ، وعليه صريح القرآن والسنّة ، يعني أنّ الله تعالى هو الذي عيّن ، والله تعالى لا يعيّن إلاّ لمصلحة وحكمة ، ولا دخل للحكم الوراثيّ في تعيين الله تعالى.
ثمّ لا يخفى عليك : أنّنا نعتقد أنّ الإمامة لا تكون عن طريق الشورى
__________________
١ ـ الأحزاب : ٣٦.
والمشورة ، والأخذ بأكثر الآراء ، بل تكون عن طريق النصّ ، لأنّ الشورى لا تكون إلاّ في الأُمور الدنيوية التي تتعلّق بحياة الإنسان ، ولا تكون في الأُمور الدينية والتعبّدية ، ومنصب الإمامة والخلافة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله منصب دينيّ كمنصب النبوّة لا يتمّ لزوماً بآراء الأكثرية ، ولعلّ بعض الآيات مثل : ( وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) تشير إلى ذلك.
فكما لا يجوز أن نأخذ بآراء الأكثرية لو اتفقوا على الزيادة أو النقصان في عدد ركعات الصلاة ، كذلك في الإمامة.
( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )
عامّة وخاصّة :
س : هل الإمامة مذكورة في القرآن؟ وهل هي مختلفة عن إمامة الأئمّة عليهمالسلام؟ وهل إمامة الأئمّة موجودة في القرآن؟ ما هي الإمامة العامّة؟ وما هي الإمامة الخاصّة؟ وشكراً.
ج : الإمامة العامة : هي ملاحظة الإمامة وبحثها بغض النظر عن مصاديقها. ومن الآيات التي دلّت على الإمامة العامة : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (١).
و : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٢).
و : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
__________________
١ ـ السجدة : ٢٤.
٢ ـ الأنبياء : ٧٣.
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١).
والإمامة الخاصّة : هي بحث وملاحظة إمامة شخص معيّن ، مثل إمامة إبراهيم عليهالسلام وإمامة علي عليهالسلام. وكمثال النصوص الإمامة العامة المقطع الأول من الآية الأخيرة والذي دلّ على إمامة إبراهيم عليهالسلام. ومثل حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وغيرها ممّا ذكرها الفريقان في مصنّفاتهم الكلامية والحديثية ، والتي دلّت على إمامة علي عليهالسلام.
وبمقتضى الآيات التي تفرض طاعة الرسول صلىاللهعليهوآله مضافاً إلى طاعة الله ، فإنّ الإمامة الخاصّة هي تكون في الحقيقة من المعتقدات والأركان الأساسية في الدين ، التي دعا إليها الوحي والقرآن بمعونة كلام صاحب الوحي صلىاللهعليهوآله.
وهذا نظير عدد الفرائض وركعاتها ، ممّا اتفقت عليه كلمة أهل القبلة ، فهو وإن لم يكن مصرّحاً في القرآن ، ولكن بفضل سيرة الرسول صلىاللهعليهوآله يندرج في المعارف القرآنية ، بما أنّه مورد لطاعته صلىاللهعليهوآله.
( حمدي ـ سوريا ـ ٢٦ سنة ـ طالب جامعة )
دورها :
س : ما أُودّ طرحه لا يحيّرني فحسب ، وإنّما يؤرّقني ، وأنا بحاجة ماسّة إلى الجواب ، حتّى أنّني أتمنى أحياناً أنّ يظهر لي الإمام المهديّ عليهالسلام ويخلّصني ممّا احتواه قلبي من شكوك ، لأنّني عندما أدقّق بموضوعية في ما نحن عليه ، لا أستطيع أن أطمئن أنا على قناعة كاملة بفساد مذهب العامّة وعدم صحّته ، ولا أشكّ بهذا أبداً ، لكن هل نحن نمتاز عنهم ، إنّنا نمتلك معظم ثغراتهم.
إنّ نظرية الإمامة عندنا قائمة من الناحية الفلسفيّة ، على أنّه من غير الممكن ترك النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله الأُمّة في حال من الاختلاف والحيرة ، إن كان
__________________
١ ـ البقرة : ١٢٤.
فيمن يرعى شؤونها ، أو من ترجع إليه في أحكامها الشرعية ، ونقول : إنّه يجب أن يترك لنا النبيّ شخصاً معصوماً كي يعطينا الحكم الشرعي الإلهيّ ، وكأنّ النبيّ موجود.
فلنفرض أنّ النبيّ عيّن إماماً غير معلوم ، وغير ظاهر ، فما الحاجة به ـ صدقني أقول هذا وأنا مؤمن بوجود الإمام المهديّ عليهالسلام لكن الحيرة تقطعني ـ إذ ولمجرد عدم ظهوره وعلومه تتّجه الأُمّة نحو تعيين رئيس من قبلها ، وهذا الرئيس غير معصوم طبعاً ، فالأُمّة منطقياً بحاجة إلى رئيس ، وتشترك بذلك جميع الشعوب والأُمم ـ بغض النظر أكان معصوماً أو غير ذلك ـ إنّها حاجة فطرية.
ولكن مع وجود المعصوم الظاهر ، تقام الحجّة على الأُمّة ، وتكون آثمة إذا رضيت برئيس غيره ، ولكن مع عدم ظهوره أو العلم به ، ولفترة طويلة جدّاً كـ ( ١٢٠٠ ) سنة ، فنظرية الإمامة كلّها إذاً ، والتي يمكن أن نقبل بضرورتها لمدّة ( ٢٥٠ ) سنة ـ ولاحظ الفرق بين الزمنين ـ بحاجة إلى مراجعة وإيضاح وتفسير للوصول إلى حقيقة الأمر ، ليكون الأساس الذي نبني عليه عقائدنا وفقهنا أساساً متيناً غير متأرجح ، فما معنى أن نفسّر الآية الكريمة ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) بأنّها خاصّة بالإمام علي وخلفه من الأئمّة عليهمالسلام فقط؟
ومن ثمّ وبعد الغيبة بـ ( ١٢٠٠ ) سنة ، نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه بعض براهينها ، وهنا حتّى المؤمنين الفقهاء الأتقياء الفضلاء ، هم غير معصومين ، وبالتالي يمكن أن يمارسوا الظلم بشكل من الأشكال ، فهل نظرية الإمامة صالحة فقط لـ ٢٥٠ سنة؟ والدنيا سائرة إلى ما شاء الله ، فيمكن أن تمتدّ الدنيا عشرة آلاف سنة أُخرى ، فما تأثير ٢٥٠ سنة أمام ١٠٠٠٠ سنة ، وبالتالي تصبح مدّة الـ٢٥٠ سنة أمام هذا الزمن الضخم مثل ٢٣ سنة فترة نبوّة النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله.
وعندما نقول : بأنّ دور الأئمّة عليهمالسلام هو تبليغ الرسالة ، ونقلها بالشكل
__________________
١ ـ المائدة : ٥٥.
الصحيح والسليم ، فالإمام المهديّ غاب ، وبدأنا نأخذ المعلومات والأحاديث عنهم ، من رواة فيهم التقي والمنافق والكذّاب ، فأصبح حالنا مثل حال العامّة ، الذين نفتخر بالتميّز عنهم.
نتميّز عنهم بماذا؟ بأنّنا أخذنا علومنا من أهل البيت ، إنّنا لا نأخذ من أهل البيت ، بل من رواة نقلوا عن أهل البيت ، مثلما يأخذون هم عن رواة نقلوا عن الرسول ، في رواياتهم الكثير الكثير من الكذب ، وفي رواياتنا مثل ذلك ، ونحن نقول : إنّ الرسول وأهل البيت كلامهم واحد فالمصدر نفسه ، وحالنا مثل حالهم ، فماذا يميّزنا نحن كشيعة في هذا الزمن؟
إذا كان الجواب بأنّنا عرفنا الكاذب من الصادق من الصحابة ، فهذا يمكن بدون نظرية الإمامة ، بحيث مثلاً أنّ من ظلم واحداً من أهل البيت عليهمالسلام تسقط عدالته ، ونحن عندنا مشكلة الصحابة أكبر ، لأنّنا يجب أن ندقّق ونفحص حياة وسيرة كلّ صحابي من أصحاب الأئمّة أيضاً ، فإذا كان في أصحاب النبيّ كذّابون ، أفلا يكون في أصحاب الأئمّة نفس الشيء؟ فالمشكلة عندنا أكبر وأعقد ، فصحابة النبيّ الذين رووا حديثه معروفون على الأغلب ، ويمكن تمييز الصادق من الكاذب لأنّ سيرتهم معروفة.
أمّا أصحاب الأئمّة ، ففيهم من لا نعرف عنه إلاّ الاسم ، حتّى أحياناً يكون الاسم موهناً بعض الشيء ، وهذا كلّه أدّى بمراجعنا إلى الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وحتّى في العقائد نسبة لاختلاف الروايات ، فإذا كان عندهم حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي ، فعندنا أضعاف ما عندهم ، فإذا كان من أكبر ضرورات وجود الإمام المعصوم هو حسم الاختلاف ، ونحن كشيعة مؤمنون بذلك ، فلماذا نحن مختلفون؟ بماذا نحن متميّزون؟
آسف على الإطالة ، ولكن أرجو أن أطمئن لديني ومذهبي على يدكم ، شكراً لكم على إتاحة الفرصة لسؤالكم.
ج : في الجواب نقول : إنّ نظرية الإمامة لها منبعان ، أو مصدران ، فالإمامة ليست بدعاً عقليّاً كي نوردها ونحصرها في هذا المضمار بالخصوص ، ثمّ نورد عليها النقوضات والإيرادات ، بل نظرية الإمامة طرحها الأوّليّ ومصدرها الأصليّ
هو القرآن الكريم ، الشرعية الإسلامية هي المصدر الأوّل لنظرية الإمامة ، وهي متمثّلة بالقرآن ، والسنّة النبوية :
فأوّل طرح شرعي للإمامة قوله تعالى مخاطباً إبراهيم بقوله : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، ومن الواضح أنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة التي كان يتمتّع بها إبراهيم عليهالسلام ، وذلك :
١ ـ إنّ هذه الإمامة جاءت بعد ابتلاء إبراهيم عليهالسلام ، ومن ضمن ابتلاءات إبراهيم هي ذبح ولده إسماعيل عليهالسلام ، وإبراهيم عليهالسلام رزق بالأبناء في سنّ الشيخوخة ـ أي بعد نبوّته ـ وبعد ما جاءت الملائكة لإنزال العذاب على قوم لوط عليهالسلام.
٢ ـ إنّ إبراهيم عليهالسلام طلبها لذرّيته ، ومن الواضح أنّ هذا الكلام يعطي أنّ إبراهيم عليهالسلام كانت له ذرّية ، فلذلك طلب لها هذا المقام ، والذرّية لم يرزقها إبراهيم إلاّ بعد نبوّته كما تقدّم.
٣ ـ إنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة ، وخصوصاً على مباني أهل السنّة ، وذلك لأنّهم يجوّزون على النبيّ عليهالسلام المعصية الصغيرة ، والمعصية ظلم لأنّها طاعة للشيطان ، وطاعة الشيطان ظلم ، كما يقول القرآن الكريم ، قال تعالى : ( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) (٢) ، بسبب عصيانهما أمر الله تعالى ، فحكما على أنفسهما بالظلم ، والآية ذيّلت منصب الإمامة بجوابها لإبراهيم عليهالسلام بأنّه : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، فعليه لابدّ أن يكون الإمام معصوماً عن تعدّي حدود الشريعة ، لأنّ ذلك ظلم ، والظالم ليس بإمام.
وفي الحقيقة هذا من الإشكالات المطروحة على الفكر السنّي ، لأنّهم يفسّرون الإمامة بالنبوّة ، فيردّ عليهم غير ما تقدّم من الكلام في النقطة الأُولى والثانية هذا : وهو أنّكم تجوّزون المعصية في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والآية تقول : بأنّ
__________________
١ ـ البقرة : ١٢٤.
٢ ـ الأعراف : ٢٣.
الظالم لا يستحقّ هذا المنصب ـ منصب الإمامة الذي هو النبوّة عند أهل السنّة ـ والمعصية ظلم فكيف يوفّق بين ذلك؟!
إذ أمّا تلتزمون بعصمة النبيّ ، وأمّا أن تؤمنوا بأنّ الإمامة غير النبوّة ، كما هو الصحيح.
فإذاً ، فكرة الإمامة طرحها القرآن الكريم ، وأنزلها الله على نبيّه من ضمن الأُمور التي يجب تبليغها للناس ، بل نجد أنّ السنّة النبوية أوّل أمر تطرحه إلى جنب توحيد الله تعالى هو الإمامة ، فلمّا نزل قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) دعا النبيّ صلىاللهعليهوآله بني عمومته ، وبشّرهم بأنّه مبعوث من الله تعالى ، وأنّ معه مؤازر ومناصر ويكون خليفته من بعده ، وذلك الخليفة هو علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وهذا ممّا رواه السنّة والشيعة على حدٍ سواء ، وصحّحه السنّة والشيعة ، فتجده في تفسير القرآن العظيم تحت تفسير هذه الآية ، وتجده في خصائص الإمام علي عليهالسلام للنسائيّ (٢) بسند صحيح ، وغيرها من المصادر ، فالمسألة قرآنية قبل أن يأتي بها العقل المقدّس ، وهناك الكثير من الآيات والروايات الشريفة التي تثبت الإمامة ، هذا أوّلاً.
وثانياً : البحث في العقل له بحثان :
أ ـ البحث الفلسفيّ.
ب ـ البحث الكلاميّ.
والأوّل مبنيّ على مسائل جمّة ، كواسطة الفضل والإنسان الأكمل ، أو الموجود الأشرف ، وقضية الارتباط الإلهيّ بينه وبين عباده.
والثاني مبنيّ على التفريق بين قضيتين ، قضية وجود معصوم ، أو إنسان كامل في الكون ، وقضية الوصول إلى الإنسان الكامل ، أو المعصوم.
__________________
١ ـ الشعراء : ٢١٣.
٢ ـ خصائص أمير المؤمنين : ٨٦.
وبتعبير آخر : مسألة الوجود والظهور ، فمثلاً عند الاستدلال بقاعدة اللطف لإثبات إمامة المعصوم ، وأنّه لابدّ من وجود المعصوم في كلّ زمان ، يقولون : وجود المعصوم لطف ، وتصرّفه لطف آخر (١) ، فليست المسألة مقصورة على دليل عقليّ واحد ، أو قاعدة عقليّة.
ثمّ عند التنزّل وفرض أنّ العقل يحكم بلزوم وجود المعصوم ، لكن حكم العقل على نحو الاقتضاء ، أي العقل يدرك ذلك لا بنحو العلّة التامّة ، وإنّما بنحو اللزوم الناقص ، فإذا قام الدليل الشرعي القطعي على وجود مانع من ظهور المعصوم فيرتفع حكم العقل بلزوم ظهوره ، ويبقى فقط مدركاً للزوم وجوده.
وبتعبير آخر : العقل يدرك الهيكلية العامّة للنظام الكوني ، وأنّ النظم الشرعية تبتني على وجود رابطة بين عالم الغيب والشهادة ، وإلاّ فسدت الغاية التي من أجلها خلق الكون.
إلاّ أنّ تفاصيل ذلك ، وكون فلان هو الرابط ، وفي أي زمن ، وهل هو ظاهر أم لا؟ وإذا منع مانع من ظهوره يمكن أو لا؟
فهذه لا ربط للعقل بها بتاتاً ، لأنّها قضايا خارجة عن النظام العقليّ المدرك للهيكلية الوجودية العامّة.
نعم ، يدرك العقل لزوم التنظيم وبقاء نظام خاصّ بين الأرض والسماء ، وهذا ما حدث فعلاً بعد انتهاء حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله الدنيوية تكلف بهذا الارتباط ، وإرساء التنظيم بين الله وعباده خليفته علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وبعده الحسن ، وبعده الحسين ... إلى الحسن العسكريّ عليهالسلام ، وبعده وصل الأمر إلى الإمام المهديّ المنتظر عليهالسلام.
واقتضت حكمة الغيب أن يغيب ، كما اقتضت حكمة الغيب أن يغيب الخضر عليهالسلام ، ويغيب عيسى عليهالسلام ، إذ بينما حركة النبوّة تبتني على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله
__________________
١ ـ تجريد الاعتقاد : ٢٢١.
يموت ثمّ يبعث الله نبيّاً ، إلاّ أنّنا نجد أنّ هذا النمط من الحركة فقد بالنسبة لعيسى عليهالسلام ، ولم يمت ورفع إلى السماء ، فهكذا في الإمام المهديّ عليهالسلام ، فنجد أنّ الظرف فيه اختلف لأُمور لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، وما يذكر في سرّ غيبته كحكمة لا أكثر.
والإمام المهديّ عليهالسلام لم يترك وظيفته سدى ، بل عيّن من بعده وكلاء أربعة ، ثمّ بعد الوكلاء الأربع أرجع الأُمّة إلى فقهائها ، ومن له تضلّع في العقيدة الإسلامية ، والشرع المقدّس ، فجعلهم نوّاباً عنه ، يديرون ما تحتاج له الأُمّة إلى ظهوره عليهالسلام.
فلذلك ليس هناك صناديق اقتراع ولا غيرها ، لأنّ التسلسل محفوظ من الله إلى النبيّ إلى الإمام إلى وكلائه ، ورئيس الجمهورية لا يصلح للقيام بقيادة الأُمّة إلاّ بأخذ شرعيته من الوكيل ، ويكون دوره كمنفّذ لما يقوم به لا أكثر ، فلا يشرّع ولا يسنّ ولا غير ذلك.
وصناديق الاقتراع هي وليدة النظرية الشوروية ، أو وليدة السقيفة ، فإنّ الأُمّة المقابلة للأُمّة الشيعيّة ، بعد ضربها لإمامها عرض الحائط ، وفتح الباب الاقتراع ـ إن كان ، وإلاّ فأبو بكر وليد الدكتاتورية ، وليس وليد صناديق الاقتراع ـ بدأت نظريّتها من القرشي الصالح لقيادة الأُمّة العادل ، إلى أن وصلت إلى جواز تولّي الكافر ، إذا استطعنا تحت ظلّه ممارسة الشرع الإسلامي ، كما إذا راجعت الأحكام السلطانية للماوردي ، وظهر لنا باب الانتخاب ، وإلاّ فليس في شرع الإسلام الحقيقيّ انتخاب ، وليس هناك صندوق ، ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٢) ، لا إلى الصندوق ، ولا إلى
__________________
١ ـ المائدة : ٥٥.
٢ ـ النساء : ٥٩.
أهل الحلّ والعقد ، ولا إلى العبد ، ولا إلى الفاسق ، ولا إلى الكافر ، بل المرجع هو الله والرسول وأُولي الأمر ، وهم الأئمّة عليهمالسلام.
فهناك فارق لا يقاس بين النظريتين الإسلام الحقيقيّ ، والسقيفة ، لا يلتقيان بشيء البتّة حتّى في التوحيد ، فضلاً عن الحكومة التي هي مسألة فرعية مرتبطة بالنظم لا أكثر.
ونحن نفسّر الولاية بأنّها لله وللرسول وللإمام لا غير ، ولا تشمل حتّى الفقهاء الذين عيّنهم المعصوم نوّاباً علينا ، ولم يقل شخص شيعي بأنّ الذين آمنوا كلّ المؤمنين ، وإنّما النظرية السقيفية هي التي تفسّر الذين آمنوا بعامّة المؤمنين.
وأعجب من قولكم الشريف : ثمّ بعد الغيبة بـ ١٢٠٠ نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه في بعض براهينها!!
إذ ما ذكره الشيخ النراقيّ ، والشيخ الجواهريّ ، والشيخ الأنصاريّ ، ليس فيه ما ذكرتم البتّة ، وأساس النظرية يقوم على ركنين : الفقاهة والدرك للأُمور لا أكثر ، ولم أر في كتاباتهم ما تفضّل به جنابكم الشريف ، لأنّ أساس النظرية يبتني على تقليص عمومية الفقاهة إلى فقيه واحد لا أكثر ، وليس فيها تقشير أو تنازل عن شرط الفقاهة ، بحيث جعلها عامّة لكلّ فرد تسمّى بكونه مؤمناً.
وهذا الفقيه دوره حفظ الشريعة بإقامة دولة يستطيع من خلالها المؤمنون العيش فيها ، وإقامة الحكم الإلهيّ عليها ، وعليه فما تفضّلتم به في كلامكم اللاحق حول ظلم الفقيه وإمكان ذلك منه ، إذ إنّ في هذا الكلام يحتاج إلى مراجعة القواعد والأسس التي أتيت عليها مسألة ولاية الفقيه.
فهنا الفقيه لا يريد أن يشرّع ، ولا أن ينسخ حكم ويأتي بحكم آخر ، وإنّما وظيفة الفقيه ـ باعتباره وكيل الإمام ـ تنفيذ أمر الموكّل وهو الإمام المعصوم ، كأيّ وكالة طبيعية تناط بشخص في عصرنا الحاضر ، والموكّل نفسه وهو المعصوم قد أرسى القواعد الكلّية ، وبيّن حدود الشريعة كاملة ، حتّى لو بقيت
آلاف السنين ، باعتبار شمولية الرسالة ، وخاتمية الوحي بعد رحيل النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأناط للفقيه مسألة تطبيق الضوابط الكلّية ، التي أرسى قواعدها للفقيه ، فهنا الفقيه دوره التطبيق لا أكثر ، ويستخرج الأُمور الجزئية من القواعد الكلّية ، كما لو قال الوكيل للموكّل : أُريد أن أنمّي ثروتي المالية من خلال المشاريع ، من دون أن يحدّد مشروعاً معيّناً ، فهنا الوكيل إذا عرف أن تنمية هذا المال تحصل من خلال الاتجار بالأجهزة الكمبيوترية ، لرواج سوقها وكثرة الطلب عليها ، فينفذ المال في هذا المشروع ، والتصرّف صحيح ونافذ ، مع أنّا إذا لاحظنا هذه العملية ، نستطيع أن نقول : بأنّ الموكّل لم يأمر بها ، وأيضاً يمكن أن نقول : بأنّ الموكّل أمر بها ، إذا أنّه لم يأمر بها باعتبار أنّه لم يقل له اتجر في عالم الكمبيوتر ، وأمره بها باعتبار غاية الوكالة ، وهو إنماء الثروة المالية ، فكذلك الفقيه وظيفته سحب الهيكلية العامّة التي طرحها المعصومون من النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى الحجّة عليهالسلام ، إلى كافّة مجالات الحياة ، وإنفاذها في جميع مشارب المسار البشريّ على الصعيد الفرديّ أو الاجتماعيّ ، لا فرق في ذلك ، انطلاقاً من شمولية النظرية الإسلامية ، وخصوصاً المشارب المستجدّة في الحياة ، بعد توالي الأزمان وانقضاء السنون.
نعم ، نقع في إشكالية ضمان صحّة تطبيق الهيكلية العامّة على المورد الجزئيّ من الفقيه ، باعتبار افتقاد حلقة العصمة في الفقيه.
وهذا الإشكال يتغلّب عليه من خلال نفس المعصوم ، وصاحب الهيكلية العامّة ، حيث أفاد بأنّ الخطأ لا عن تقصير في التطبيق لا يضرّ ، أو من خلال أنّ نفس عملية الفقاهة ليست شرعاً لكلّ واحد وبسيطة إلى هذا الحدّ ، بل هي ذاتاً تبتني على مسار خاصّ وقيود وضوابط ، عند ممارستها تخفّف من احتمال الخطأ إلى درجة ضئيلة ، تحفظ بعمومها الهيكلية العامّة ، كمثال الوكالة المتقدّم ، حيث إنّ طبيعة الوكالة يتوفّر فيه عنصر إضاعة الثروة بدل إنمائها ، والموكّل غالباً ملتفت إلى هذه المسألة ، إلاّ أنّ الذي يدفعه إلى المجازفة ـ إن صحّ