موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٢

مركز الأبحاث العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة - ج ٢

المؤلف:

مركز الأبحاث العقائديّة


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-02-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-00-3

الصفحات: ٥٢٠

أقول : ومن البلية أن نجد بين علماء التبرير من هم عثمانيون أكثر من عثمان ، فهذا ابن كثير يذكر هذا الاحتمال البارد الكاسد ، ويريد أن يغمض عيون الناس ، فلا ينظروا إلى قبح مقارفة عثمان.

ومن جناية ابن كثير على الحديث وخيانته أنّه لم يذكره ، كما ورد في صحيح البخاريّ الذي اعتمده ، وإلى القارئ ما ذكره البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك قال : « شهدنا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : « هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة »؟ فقال أبو طلحة ـ زيد ابن سهل الأنصاري ـ : أنا ، قال : « فانزل في قبرها » ، قال : فنزل في قبرها فقبرها ، قال ابن مبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب.

قال أبو عبد الله ـ وهو البخاريّ ـ : ليقترفوا : ليكتسبوا » (١).

أقول : ولشرّاح صحيح البخاريّ وغيرهم في هذا الحديث تشريق وتغريب عجيب في تبرئة ساحة عثمان من مغبّة معنى المقارفة ، على أنّ جماعة من أعلام الحفّاظ قد فسّروا المقارفة بالذنب صراحة ، فقد مرّ عن فليح قوله : أراه يعني الذنب.

ومرّ في تعقيب البخاريّ بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) (٢) ، كما فهمه ابن حجر في فتح الباري (٣) ، وإلى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) (٤).

ولعلّ أجرأ من وقفت على كلامه في تفسيره المقارفة تصريحاً لا تلويحاً هو ابن بطال ، قال : « أراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحرم عثمان النزول في قبرها ، وقد كان

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٩٣.

٢ ـ الأنعام : ١١٣.

٣ ـ فتح الباري ٣ / ١٦٧.

٤ ـ الأنعام : ١٢٠.

١٤١

أحقّ الناس بذلك ، لأنّه كان بعلها , وفقد منها علقاً لا عوض منه ، لأنّه حين قال عليه‌السلام : « أيّكم لم يقارف الليلة » سكت عثمان ، ولم يقل : أنا ، لأنّه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، فلم يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المقارفة ، فحرم بذلك ما كان حقّاً له ، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره ، وهذا بيّن في معنى الحديث.

ولعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان علم بذلك بالوحي ، فلم يقل له شيئاً ، لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله ، حتّى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح ».

وهذا الحديث الذي فيه إدانة عثمان حتّى حرم من حقّ الدفن الذي كان هو الأولى به من أبي طلحة ، وعلم المسلمون المشيّعون يومئذ بذلك ، كيف لا يحاول الأمويّون وأنصارهم إذ لم يمكن تضييعه ، فلا أقلّ من تمييعه ولو عن طريق علماء التبرير في مستقبل الزمان ، وقد مرّ بنا كلام ابن كثير البارد الكاسد.

إذاً ، فليجتهد الأمويّون ومن لفّ لفّهم من بقية أعداء الإمام في خلق حدث أكبر يدينون به الإمام ، فكان حديث خطبة ابنة أبي جهل ، وقد مرّ بنا كيف حال رواته ، وكلّهم من زبانية الأمويّين ، وأعداء الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ولنختم الكلام بما قاله ابن أبي الحديد ـ المعتزلي أُصولاً والحنفي فروعاً ـ في شرح النهج ، قال : « وعندي أنّ هذا الخبر لو صحّ لم يكن على أمير المؤمنين في غضاضة ولا قدح ، لأنّ الأُمّة مجمعة على أنّه لو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمة عليها‌السلام لجاز ، لأنّه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ، لأنّ هذه القصّة كانت بعد فتح مكّة ، وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، ورواة الخبر يوافقون على ذلك.

فلم يبق إلاّ أنّه إن كان هذا الخبر صحيحاً ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رأى فاطمة قد غارت ، وأدركها ما يدرك النساء ، عاتبت علياً عليه‌السلام عتاب الأهل ، كما يستثبت الوالد رأي الولد ، ويستعطفه إلى رضا أهله وصلح زوجته ، ولعلّ

١٤٢

الواقع كان بعض هذا الكلام ، فحرّف وزيد فيه.

ولو تأمّلت أحوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع زوجاته ، وما كان يجري بينه وبينهن من الغضب تارة ، والصلح تارة أُخرى ، والسخط تارة والرضا أُخرى ، حتّى بلغ الأمر إلى الطلاق مرّة ، وإلى الإيلاء مرّة ، وإلى الهجر مرّة ، والقطيعة مرّة ، وتدبّرت ما ورد في الروايات الصحيحة ممّا كنّ يلقينه عليه‌السلام به ، ويسمعنه إيّاه ، لعلمت أنّ الذي عاب الحسدة والشائنون علياً عليه‌السلام به ، بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط.

ولو لم يكن إلاّ قصّة مارية ، وما جرى بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين تينك الامرأتين من الأحوال والأقوال ، حتّى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب ، ويكتب في الصحائف ، وقيل لهما ما يقال للاسكندر ملك الدنيا ، لو كان حيّاً ، منابذاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (١).

ثمّ أردف بعد ذلك بالوعيد والتخويف : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ ) (٢) الآيات بتمامها ، ثمّ ضرب لهما مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً ، وتمام الآية معلوم ، فهل ما روي في الخبر من غضب فاطمة على علي عليه‌السلام وغيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم ، إذا قويس إلى هذه الأحوال وغيرها ، ممّا كان يجري إلاّ كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس ، ولكن صاحب الهوى والعصبية لا علاج له » (٣).

هذا آخر ما أردت بيانه حول نسيج الأفّاكين الذين حاولوا الغضّ من مقام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّه آذى فاطمة وأساء إليها ، تارة لخطبة ابنة أبي جهل ، وأُخرى بخطبة أسماء بنت عميس ، وثالثة بجارية بعث بها إليه أبو بكر ،

__________________

١ ـ التحريم : ٤.

٢ ـ التحريم : ٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٥.

١٤٣

ولكن كشفنا عوارهم ، وزدنا أوارهم ، وإن أغضب ذلك أنصارهم ، انتصاراً للحقّ المهضوم ، ودحضاً للباطل المزعوم.

( البحرين ـ ٣٥ سنة ـ مهندس )

صبر لوصية من النبيّ :

س : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم الله خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم.

أرجو منكم التكرّم بتزويدي بوصية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي عليه‌السلام قبل انتقاله للرفيق الأعلى ، والتي تتعلّق بالبلاء والغدر ، الذي سيحل بأمير المؤمنين عليه‌السلام في بيته وزوجته عليها‌السلام ، وخلافة المسلمين من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله , والتي يأمره فيها بالصبر على كلّ هذا البلاء.

وهذا ما يحتجّ به بعض المذاهب الإسلامية ، ألا وهو سكوت الإمام عليه‌السلام عن حقوقه ، ولكم منّي فائق الاحترام والتقدير.

ج : وردت الوصية بما ذكرت من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام نقلاً عن أمر الله تعالى ، وهو جلّ جلاله العليم الحكيم ، واليك الوصية كما رواها الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : « حدّثني موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أليس كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كاتب الوصية ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المُملى عليه ، وجبرائيل والملائكة المقرّبون عليهم‌السلام شهود؟

قال : فاطرق طويلاً ، ثمّ قال : يا أبا الحسن ـ كنية الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ـ قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر ، نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجّلاً ، نزل به جبرائيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرائيل : يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ، ليقبضها

١٤٤

وتشهدها بدفعكَ إيّاها إليه ضامناً لها ـ يعني عليّاً عليه‌السلام ـ فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراج مَن كان في البيت ما خلا عليّاً عليه‌السلام ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرائيل : يا محمّد ربُّك يقرئكَ السلام ويقول : هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك ، وشرطتُ عليك ، وشهدتُ به عليك ، وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً.

قال : فارتعدت مفاصل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا جبرائيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعودُ السلام ، صَدَق عزّ وجلّ وبرّ ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمرهُ بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : اقرأهُ ، فقرأه حرفاً حرفاً.

فقال : يا علي هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ ، شرطهُ عليَّ وأمانتهُ ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ، فقال علي عليه‌السلام : وأنا أشهدُ لك بأبي وأُمّي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلتَ ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرائيل عليه‌السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين.

فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ، فقال علي عليه‌السلام : نعم ، بأبي أنت وأُمّي عليَّ ضمانُها ، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إنّي أُريدُ أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة.

فقال علي عليه‌السلام : نعم اشهد ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرائيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك ، فقال : نعم ، ليشهدوا وأنا ـ بأبي أنت وأُمّي ـ أُشهدهم ، فأشهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان فيما اشترط عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر جبرائيل عليه‌السلام فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة مَن وإلى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم ، على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك؟

١٤٥

فقال : نعم ، يا رسول الله ... » (١).

وأيضاً يؤيّد ما ذكر ، ما جاء في مصادر أهل السنّة ، فقد روى يونس بن حباب عن أنس بن مالك قال : « كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : « يا رسول الله ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة »! فقال : « إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها » ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال ، ويجيبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أجابه.

ثمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : « ما يبكيك يا رسول الله »؟ قال : « ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني » ، فقال يا رسول الله : « أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم » ، قال : « بل تصبر » ، قال : « فإن صبرت » ، قال : « تلاقي جهداً » ، قال : « أفي سلامة من ديني »؟ قال : « نعم » ، قال : « فإذن لا أبالي » (٢١).

وقد أخبر الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بأنّ الأُمّة ستغدر به من بعده ، فقد روى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن الغنويّ : أنَّ علياً خطب بالرحبة فقال : « أيّها الناس ، إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها! وربّ السماء والأرض ، إنّ من عهد النبيّ الأُميّ إليَّ : إنَّ الأُمّة ستغدرُ بك بعدي ».

قال ابن أبي الحديد بعد روايته لهذا الخبر : « وروى هيثم بن بشر عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه » (٣).

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٢٨١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٦٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٢٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٨ ، المعجم الكبير ١١ / ٦١ ، جواهر المطالب ١ / ٢٢٩.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧ ، المستدرك ٣ / ١٤٢ ، كنز العمّال ١١ / ٢٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٨ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٤٤ و ٧ / ٣٦٠.

١٤٦

ولم يكن أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالصبر من بعده على ما سيجري عليه من بلاء وغدر ، كما صرّح بذلك الإمام علي عليه‌السلام نفسه ، إلاّ للقراءة الكاملة التي كان يقرأها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بما منَّ الله عليه من علم ـ لحال الأُمّة من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١ ـ تفرّق كلمتها ، ورزية يوم الخميس الواردة في صحاح القوم خير شاهد على ذلك.

٢ ـ قلّة الناصرين لأمير المؤمنين عليه‌السلام في مطلب الخلافة ، وزعامة الأُمّة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كانت أحداث السقيفة ، وتقاعس المسلمين ـ من المهاجرين والأنصار ـ عن نصرة الإمام عليه‌السلام بأعذار وتبريرات مختلفة ، تناولها الباحثون عند حديثهم عن تلك الحقبة ، خير دليل على هذا الواقع.

وقد وردت جملة من الروايات تشير إلى هذه الحقائق المتقدّمة ، حيث جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا علي ، إنّك ستلقي بعدي من قريش شدّة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإنّ وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإنّ لم تجد أعواناً ، فاصبر وكف يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنّه قال لأخيه موسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » (١).

وفي المصدر ذاته ، أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يأخذ بيدي الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ويطوف بالبضعة الزهراء عليها‌السلام على بيوت الأنصار والمهاجرين ، وأهل السابقة في الإسلام ، يدعوهم لنصرته ، فلم يستجب له غير أربعة ، هم : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، حتّى قال : « لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل » (٢).

__________________

١ ـ كتاب سليم بن قيس : ١٣٤.

٢ ـ المصدر السابق : ٣٠٢.

١٤٧

وفي تاريخ اليعقوبيّ عند ذكره لأحداث السقيفة وما جرى أيامها : « وكان خالد بن سعيد غائباً ، فأتى علياً فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : « اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس » ، فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر » (١).

الأمر الذي كان يعني بأنّ على الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يسلك أحد الطريقين : إمّا الخروج بالسيف على من ناواه مع قلّة الناصر ، وهذا يعني احتمال موته وموت اتباعه القليلين ، الذين أطاعوا الله والرسول بالتمسّك بالثقلين ـ الكتاب والعترة ـ وفي ذلك تكون الخسارة كبيرة ، وقد لا تعادلها خسارة للأُمّة ، بل وربما تتعرّض الرسالة الإسلامية برمّتها للخطر فيما لو تمّ ذلك.

هذا بالإضافة إلى وقوع خطر الانقسام الشديد في الأُمّة ، الذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربّصين بها من اليهود والنصارى ، وهي فتية عهدها ، وما زالت في دور نشوئها بعد.

والطريق الثاني : وهو طريق السكوت والصبر ، والعمل على تهيئة الأُمّة تهيئة عقائدية روحية ، تستطيع من خلالها أن تتحمّل المسؤولية في نصرة أئمّة الحقّ ، وأن تعي أبعاد الرسالة الإسلامية وأهدافها الطويلة الأمد ، وهو الطريق الذي رسمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقد سار عليه الإمام عليه‌السلام وهيّأ الأُمّة لهذه المرحلة بصبره وعلمه وتقواه ، حتّى أجمعت الأُمّة على مبايعته والامتثال لأوامره فيما بعد ، فقد كانت بيعته عليه‌السلام هي البيعة الوحيدة من بين الذين سبقوه ، ممّا اجمع عليه المهاجرون والأنصار في مدينة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك عندما أحسّت الأُمّة بضرورة قيادته عليه‌السلام لها ، وأنّه

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبيّ ٢ / ١٢٦.

١٤٨

الوحيد القادر على إنقاذها في تلك المرحلة الخطرة من تاريخها.

ولا يعني صبره عليه‌السلام وعدم خروجه بالسيف على من ناواه في حقّ الخلافة أنّه سكت عن حقّه ، ولم يطالب به ، بل كانت مطالبته عليه‌السلام بحقّه دائمة ومستمرّة ، إذ لم يترك الإمام عليه‌السلام مجالاً سلميّاً يمكن أن يطالب فيه بحقّه إلاّ وسلكه ، وقد ذكرت كتب السير والحديث والتراجم تلك المقالات التي كان الإمام عليه‌السلام يجاهر بها بالمطالبة بحقّه ، وأنّ القوم اغتصبوا حقّاً هو له دونهم.

ومحاججته لأبي بكر وبقية الأصحاب الذين أبرموا بيعة السقيفة ، وقوله عليه‌السلام : « لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً »؟! (١).

وهناك نصوص مختلفة في نهج البلاغة ، يذكر فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام مطالبته بحقّه ، منها ما ورد في يوم الشورى : « وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين ، هب كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به ... » (٢)!

( يحيى زكريا ـ قطر ـ سنّي ـ ٣٩ سنة ـ مهندس )

مواصفات الإمامة تنطبق عليه :

س : لقد كان القرآن واضحاً وصريحاً ولا غموض فيه في جميع شؤون الحياة الدنيا والآخرة ، لدرجة أحكام الحيض.

__________________

١ ـ الإمامة والسياسية ١ / ٢٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ٣٠٥.

١٤٩

حسب هذا المفهوم ، ومن وجهة نظركم ، أليس أولى من حكم الحيض أن يكون القرآن قد أمر باتباع الأئمّة بشكل واضح وصريح ودون لبس ، حتّى لا يكون هناك أدنى شكّ لما تؤمن به الشيعة؟

فحسب فهمي للقرآن ليس هناك أيّ آية تدعو إلى اتباع علي ، أو أيّ من أبنائه بشكل مباشر ، ولن أقبل أي تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا وكذا.

فعندما أمرنا الله باتباع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قالها صريحة وواضحة ودون إشارات : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (١).

أمّا في المقابل ، فإنّ الله لم يأمر في كتابه لا بولاء علي ، أو أيّ من أبنائه ، ولم يذكر أيّ منهم في كتابه ، وإن كان شأنهم أعلى من أنبياء الله ـ كما تزعمون في مذهبكم ـ لكان أولى ذكرهم بأسمائهم ، كما ذكر آدم ونوح وإبراهيم ، وإلى آخر من ذكر من أنبياء الله في القرآن العظيم.

وهل يعقل أن يذكر الله اسم سيّدنا « زيداً » في كتابه ، حتّى يبيّن لنا حكماً هامّاً من أحكام الله ، ولم يذكر اسم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، إذا كان اتباعه وولايته من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركناً من أركان الإسلام ، كما يدّعي علماء الشيعة؟

أرجو أن يكون جوابكم مقنعاً وبعيداً عن الفلسفة العقليّة ، بل بالنصوص الأكيدة.

ج : قولك بأنّك لن تقبل أيّ تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا ، فإنّ تفسير القرآن لا يكون بالإشارة ، وإنّما يكون بالأدلّة اللازمة ، سواء عقليّة أو نقليّة ، ولكنّي أقول لك هلا طبّقت هذه القاعدة ـ لو سلّمنا معك بقبولها وصحّتها ـ على كلّ أحكام الإسلام؟

ولنرمي السنّة خلف ظهورنا ، كما أراد عمر بن الخطّاب ، عندما قال : إنّ النبيّ ليهجر ، يكفينا كتاب الله ، وإن لم تقبل ، ولا اعتقد أنّك تقبل ، لأنّه

__________________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

١٥٠

سوف يذهب الإسلام ، فأقول : لماذا تطالب بذلك عند الكلام عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتريد نصّاً من القرآن ، ولا تقبل بالظاهر منه والتفسير ، والأحاديث الموضّحة له ، ولا تريد ذلك في غيره من عقائد وأحكام الإسلام ، فهل هو إلاّ الهوى والتعصّب!!

وهناك شيء آخر : كأنّك تعني أنّ الله جلّ جلاله لم ينزل كلّ الأحكام التي تحتاجها الأُمّة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الرسالة ناقصة غير كاملة على الأقل في هذا المورد ، فأنّك تدّعي بأنّه لا يوجد نصّ في القرآن على حكم الإمامة ، هل هي بالنصّ أو بالاختيار من الأُمّة؟ وأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبيّن لنا في ذلك شيء؟

فإن قلت : إنّي لم أنكر النصّ على حكم الإمامة في القرآن ، وإنّما أنكرت النصّ على علي عليه‌السلام صريحاً في القرآن.

فنقول : هو كذلك ، لم ينصّ على علي عليه‌السلام صريحاً في القرآن ، ولكنّه نصّ على حكمها فيه ، وإنّ الإمامة بالنصّ لا بالاختيار ، وإنّ لها أفراداً مخصوصين موصوفين بمواصفات خاصّة مذكورة في القرآن.

فإن قلت : لا ، إنّه نصّ على حكمها في القرآن بأنّها حقّ للأُمّة ، وهي تختار إمامها ، فهي شورى.

قلنا : أوّلاً ، لا نسلّم ذلك من أنّ المستفاد من آية الشورى أنّها في الإمامة ، ثمّ ما بالك تمسّكت هنا بالإشارة دون النصّ ، وتطالب في علي عليه‌السلام بالنصّ دون الإشارة!!

فإن قلت : قد بيّن ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه وضّح المراد ممّا جاء بالقرآن ، وأوضح في أحاديثه أنّ الأمر للأُمّة.

قلنا : ما عدا ممّا بدا ، ألم نقل نحن ذلك ، وقلنا : إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بيّن القرآن ، وأوضح أنّ المراد بالآيات المتعلّقة بالإمامة هو علي عليه‌السلام ، فلم تنكر علينا ما تقبله أنت!

١٥١

ثمّ إنّ الكلام في الأحاديث التي ادعيت أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أوضح أنّ الأمر يعود للأُمّة ، فنحن لا نسلّم بمثل هذه الأحاديث ، أو لا وجود لها في البين ، فتأمّل!!

فإذا تبيّن أنّ الرسالة كاملة ، وأنّه لا يمكن أن يترك الله الناس دون أن يبيّن لهم الأمر في الإمامة ، هل هي بالنصّ أم بالاختيار ، وأنّه لابدّ لها في الإسلام من حكم ، وعرفنا أنّ الله أنزل كلّ شيء في القرآن ، ولكن فيه المحكم والمتشابه ، وقد بيّن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المتشابه لنا.

فالأحكام بصورة كلّية نأخذها من القرآن والسنّة ، لا يبقى لنا مجال للاعتراض على الله تعالى ، بأنّه لماذا لم يذكر هذا الحكم أو ذاك الحكم صريحاً في القرآن؟ بعد أن بيّنه لنا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوضح لنا ما تعلّق به من القرآن المتشابه ، فالله لا يُسأل عمّا يفعل ، وله الحكمة في كلّ ذلك ، وعلينا السمع والطاعة ، سواء جاءنا الأمر من القرآن أو من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو قول الشيعة الإمامية ، فإنّهم يقولون : إنّه يوجد في القرآن آيات تخصّ الإمامة وتبيّن مصاديقها ، بعضها محكمة وبعضها متشابه بيّنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد فسّر لنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلا القسمين من الآيات صريحاً ، وذكر لنا الأسماء التي هي مصاديق هذه الآيات ، فليس لنا إلاّ الطاعة والقبول والتسليم ، وهذا هو الإيمان ، والإسلام الصحيح.

( عماد ـ الكويت ـ ٣٧ سنة ـ بكالوريوس هندسة )

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار :

س : سمعت بعض علماء السنّة يتحدّث عن سيرة الإمام علي عليه‌السلام ، مع أنّه كان غامضاً وغير صريح ، كان يقول : بأنّ العباس بن عبد المطّلب قال لأمير المؤمنين : أطلب الخلافة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الإمام رفض ذلك!! فهل هذا صحيح؟ فإنّني أُريد التأكّد فقط لا غير ، وشكراً.

ج : ما يقول هذا مأخوذ من كتبهم ولا أظن أنّ هذا يصحّ حتى من طرقهم ،

١٥٢

فمن المعلوم مدى تأثير الحكّام في وضع مثل تلك الأحاديث فيها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الإمام عليه‌السلام جاء عليه النصّ بالخلافة من يوم الدار ، عندما أنذر الرسول عشيرته الأقربين ، وقبل الإمام ذلك ، فما الداعي لطلب ما قد حصل عليه مسبقاً ، إذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم : « أيّكم يكون أخي ووصييّ ووارثي ، ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ... ، فقلت ـ أي علي عليه‌السلام ـ : أنا يا رسول الله ، فقال : يا بني عبد المطّلب هذا أخي ووارثي ووصييّ ووزيري ، وخليفتي فيكم بعدي ... » (١).

ثالثاً : لو سلّمنا بوجود مثل هكذا كلام ، فإنّه لا يمتنع أن يريد العباس سؤاله عمّن يصل الأمر إليه ، وينتقل إلى يديه ، لأنّه قد يستحقّه من لا يصل إليه ، وقد يصل إلى من لا يستحقّه ، فعبارة العباس كانت هكذا : اذهب بنا إلى رسول الله نسأله فيمن هذا الأمر.

« حمد العمانيّ ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ موظّف »

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه :

س : ورد في الروايات : إنّ الإمام علي عليه‌السلام عندما يصلّي ينتزعون شظايا الحرب من بدنه الشريف.

س : ما حكم الصلاة ، وفي البدن الشريف شيء من الدم؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد وردت هذه الروايات في سياق الإشارة إلى شدّة ارتباط الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بربّه أثناء العبادة ، وسموّ روحه العالية في العشق الإلهيّ ، الذي ينسيه آلام الجسد ، ويجعل للقوى الروحية السامية السيطرة الكاملة على حال ووضع الإمام علي عليه‌السلام أثناء العبادة.

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٧٠.

١٥٣

ودم القروح والجروح التي لم تبرأ معفيّ عنها في الصلاة ، وإن أصاب دمها الثياب ، وقد ذكر بعض العلماء : أنّه حكم إجماعيّ ، وفيه روايات كثيرة ، فراجع.

( عيسى ـ الإمارات ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

كان حاضراً يوم الرزية :

س : هل كان الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام موجوداً في أثناء مرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله , أو بالأخصّ هل كان حاضراً أثناء رزية يوم الخميس؟ ـ كما أطلق عليها ابن عباس ـ وماذا كان دوره عليه‌السلام في تلك الحادثة؟

الرجاء توضيح هذه المسألة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : ذكر الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « أنّ الإمام علي عليه‌السلام كان حاضراً في يوم الرزية ، وكان من ضمن الباقين بعد إخراج القوم المتنازعين عنده ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يفارق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه إلاّ للضرورة ».

وذكر الشيخ المفيد أيضاً : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لخاصّة أهل بيته : « أنتم المستضعفون بعدي » ، وأصمت ، فنهض القوم وهم يبكون ، قد آيسوا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) ، ولم يذكر أهل الحديث دور مخصوص للإمام علي عليه‌السلام في تلك الواقعة.

ولكن من سياق الأحداث التي عرفناها من الروايات عن تلك الحادثة ، ومن مجمل سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام نعرف أنّه لا يسبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقول أو بعمل ، فهو يده اليمنى ، والمنفّذ الحاضر دائماً ، والتابع المطلق للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن المستبعد له أن يقول ، أو أن يفعل شيئاً في تلك الحادثة ، يسبق بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يصدر عن غير أمره ، خاصّة وأنّ المقصود والمجابه في تلك الحادثة كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

__________________

١ ـ الإرشاد ١ / ١٨٤.

١٥٤

( أبو يوسف ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب )

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية :

س : هناك بعض الروايات تقول : بأنّ الإمام القائم عليه‌السلام سيخرج ومعه مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والذي لا يختلف عن قرآننا هذا ، سوى أنّ الآيات مرتّبة كما في نزولها ، ووجود بعض التوضيحات التي دوّنها من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أمّا السؤال فهو : ما الفائدة من خروج الإمام عليه‌السلام بهذا القرآن الغير مختلف عن قرآننا الحالي؟ وماذا نستفيد من ترتيب الآيات حسب نزولها؟

ووفق نصّ حديث الثقلين الذي ينصّ على أنّ القرآن الكريم لن يفترق عن أهل البيت عليهم‌السلام فكيف يكون القرآن موجود بيننا والإمام إلى الآن غائب؟ ألا يستلزم أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير القرآن الذي لدى أهل البيت عليهم‌السلام؟ ودمتم سالمين.

ج : إنّ مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يختلف عن قرآننا ، إلاّ أنّ فيه تفسير وتأويل للآيات القرآنية ، وأنّ فيه توضيح المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، وأسباب النزول.

وأنّ الإمام المهديّ عليه‌السلام عندما يظهر ذلك المصحف يظهر كلّ تلك المعاني والتفاسير ، التي غابت عن الناس قبل ظهوره ، يظهرها من ذلك المصحف ، ولا يخفى ما لإظهار تلك المعاني والتفاسير من فائدة ، لفهم الكثير من الحقائق ، التي لم يأن الأوان لإظهارها ، إضافة للمعلومات التي سنعرفها ، والتي تدرّس في علوم القرآن.

ثمّ إنّ ما في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام من تغيّر في ترتيب السور والآيات ـ كما يظهر من بعض الروايات ـ فائدة في معان أُخرى للآيات القرآنية ، لا تتمّ إلاّ بذلك الجمع ، وهذا لا يتعارض مع ما موجود عندنا من معان للقرآن على هذا الترتيب ، لأنّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام قد أقرّوا بصحّة الاستفادة من هذا القرآن على ما هو عليه الآن ، وبهذا الترتيب ، بل هي معان إضافية يظهرونها في وقتها.

١٥٥

وعدم الافتراق الذي نقوله للإمام مع القرآن ، لا يعني عدم الافتراق المكاني ، فإنّ هذا الافتراق حاصل منذ أوّل يوم جمع فيه القرآن على شكل مصحف ، فكم مرّة يكون الإمام في مكان ، وكتاب القرآن في مكان آخر ، وإنّما عدم الافتراق الذي نقوله إنّ أعمال الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام لا تخالف مضامين القرآن الكريم ، فكلّ عمل يصدر منهم هو مطابق للقرآن ، وكلّ ما في القرآن هم ممّن عمل به ، وصدّقه وآمن به ، وهو معنى العصمة الذي نستفيده من الملازمة.

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله :

س : قرأت روايات في بعض الكتب تقول : إنّ الخليفة الأوّل قام بالتشاور مع عمر لقتل الإمام علي عليه‌السلام أثناء الصلاة ، بواسطة خالد بن الوليد ، ثمّ ندم الخليفة الأوّل ، أو خاف ، فقال أثناء الصلاة وهو يخاطب خالد : لا تفعل.

فهل هذه الرواية صحيحة وثابتة؟ وبارك الله فيكم ، وجزاكم خيراً ، وأسألكم الدعاء.

ج : التآمر على الفتك بالإمام علي عليه‌السلام في حال الصلاة على يد خالد بن الوليد مرويّ في عدّة مصادر بتفاوت في الإجمال والتفصيل ، وفي الإسناد والإرسال ، ممّا يوحي إجمالاً بصحّة القضية ، وإليك أسماء المصادر التي وردت فيها ذكر ذلك ، وإن كان المتأخّر منها ينقل عن المتقدّم ، وهي :

تفسير القمّيّ (١) ، المسترشد (٢) ، شرح نهج البلاغة (٣) ، وغيرها (٤).

__________________

١ ـ تفسير القمّيّ ٢ / ١٥٨.

٢ ـ المسترشد : ٤٥٢.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣٠١.

٤ ـ أُنظر : الاحتجاج ١ / ١٢٤ ، تفسير نور الثقلين ٤ / ١٨٨ ، بحار الأنوار ٢٩ / ١٣١ ، بيت الأحزان : ١٣٥ ، مدينة المعاجز ٣ / ١٥١ ، علل الشرائع ١ / ١٩١ ، الصراط المستقيم ١ / ٣٢٣.

١٥٦

( باقر الهاشميّ. الإمارات ـ ٢٣ سنة ـ طالب حوزة )

معنى أنّه هاجر الهجرتين :

س : ما الهجرتين اللتين هاجرهما الإمام علي عليه‌السلام كما ورد ذلك في خطبة الإمام زين العابدين عليه‌السلام.

أفيدونا جزاكم الله خيراً ، ونسأل العليّ القدير وحده لنا ولكم التوفيق والسداد ، ونسألكم الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ج : المقصود من الهجرتين التي هاجرهما الإمام علي عليه‌السلام ، هي أحد المعاني الآتية :

الأوّل : المتبادر عند المسلمين عن ذكر الهجرتين ، هي هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، والمعلوم أنّ الإمام عليه‌السلام قد هاجر إلى المدينة ، ولكن لم يثبت عندنا أنّ الإمام عليه‌السلام هاجر إلى الحبشة ، فلابدّ إذاً أن لا يكون هذا المعنى مراداً للإمام عليه‌السلام.

الثاني : قد ذكر ابن عباس أنّ الإمام عليه‌السلام قد هاجر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هجرتيه ، والمعلوم أنّ الرسول قد هاجر إلى الطائف لأيّام قليلة وإلى المدينة ، فمعنى قول الإمام زين العابدين المأخوذ من قول الإمام علي عليه‌السلام في إحدى خطبه : « أنا صاحب الهجرتين » أي أنا صاحب هجرة الطائف وصاحب هجرة المدينة ، وهذا يتمّ إذا تمّ اعتبار الأيّام القليلة مع الرسول في الطائف هجرة.

الثالث : إنّ المراد بالهجرتين هي هجرة المدينة ، والهجرة إلى الكوفة ، فالأُولى هجرة النبوّة ، والثانية هجرة الإمامة ، فكلّ مسافر إلى طلب الدين يسمّى مهاجراً ، فالذين هاجروا إلى المدينة هاجروا للالتحاق بالنبوّة ، والمهاجر إلى الكوفة يهاجر لطلب الإمامة الحقّة.

وقد ورد عن الإمام علي عليه‌السلام في إحدى خطبه قوله : « والهجرة قائمة على حدّها الأوّل ، ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأُمّة ومعلنها ، لا يقع

١٥٧

اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض » (١).

وقد شرح العلاّمة التستري ذلك بقوله : « وإنّما قال عليه‌السلام ذلك مقدّمة لغرضه من كون الهجرة إلى الإمام كالهجرة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ ففي عصره عليه‌السلام وإن كان الإسلام فتح الأرض شرقاً وغرباً ، إلاّ أنّه لمّا كان رجال قاموا على خلافه من يوم وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر عمره عليه‌السلام صار الأمر مثل أوّل الإسلام » (٢).

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٠١.

٢ ـ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ٣ / ٣٩٢.

١٥٨

الإمام الحسن عليه‌السلام :

( أبو حسن ـ البحرين ـ .... )

لم يكن كثير الزواج والطلاق :

س : تحية طيّبة وبعد ، أشكر الإخوة الأعزاء على هذا الموقع الأكثر من رائع ، ولكم دوام الموفّقية إن شاء الله.

هناك بعض الأخبار تقول : بأنّ الإمام الحسن كان كثير الزواج والطلاق ، حتّى في بعض المصادر الشيعيّة ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ أرجو التفصيل.

ج : إنّ الروايات الواردة عن كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن عليه‌السلام جميعها مردودة عقلاً ونقلاً.

وأمّا ما ورد منها في مصادرنا ، فتشتمل في السند على مجهولين ومهملين ، أو غير موثّقين ، فلا حجّية في إسنادها ، فضلاً عن قبولها.

وأمّا ما جاء في مصادر العامّة بهذا الشأن فهو مقطوع البطلان ، إذ ورد فيه علي بن عبد الله المدائني ، ومحمّد بن علي بن عطية ، والمنصور الدوانيقي ، وكلّهم مجروحون عند أصحاب الرجال ، مضافاً إلى ثبوت عداء بعضهم لأهل البيت عليهم‌السلام كالمنصور ، أو مودّة بعضهم الآخر لبني أُمية كالمدائني ، فهكذا أحاديث تفوح منها رائحة الوضع والتدليس.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالموضوع غير مقبول عقلاً ، إذ كيف يعقل أن يعرّف أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنه الإمام الحسن عليه‌السلام بهذه الكيفية ، وهو عليه‌السلام يريد أن ينصّبه للناس إماماً من بعده؟ أليس ذلك ـ والعياذ بالله ـ يعدّ تنقيصاً في إمامته عليه‌السلام؟!

١٥٩

فالتحقيق : إنّ أعداء أهل البيت عليهم‌السلام من بني أُمية وغيرهم قد وضعوا هذه الأحاديث ودسّوها في الكتب للنيل من شخصية الإمام الحسن عليه‌السلام.

( معاذ التل ـ الأردن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب جامعة )

موقف عائشة ومروان عند دفنه :

س : تروي بعض كتب التاريخ : إنّه حينما أراد الإمام الحسين عليه‌السلام دفن الإمام الحسن عليه‌السلام بجنب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استأذن عائشة ، فوافقت على ذلك ، ولكن مروان بن الحكم وجماعته هم الذين منعوه بالقوّة.

في حين قرأت لأحدهم على الإنترنت : إنّ عائشة أتت للقبر ، وقالت : لا يدفن مع زوجي من لا أُحبّ ، فما مدى صحّة ذلك ، وما هي المراجع؟

ج : قد روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « لما أحتضر الحسن بن علي عليهما‌السلام ، قال للحسين عليه‌السلام : يا أخي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي في البقيع ، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها ، وعداوتها لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قبض الحسن عليه‌السلام ، وضع على سريره ، وانطلقوا به إلى مصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّي على الحسن عليه‌السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر.

وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهما‌السلام ليدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجابه.

١٦٠