مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-02-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٢٠
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهمالسلام ، فأدخلهم رسول الله صلىاللهعليهوآله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة ، ثمّ قال : اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي ... » (٢).
« بابان ـ عمان ـ سنّي »
فرية خان الأمين :
س : ما رأيكم في الخليفة علي عليهالسلام؟ هل صحيح أنّكم تعتقدون بأنّ جبرائيل عليهالسلام كان عليه أن ينزّل مقام النبوّة لعلي ولكنّه خان وأعطاها إلى محمّد صلىاللهعليهوآله؟
ج : نحن نعتقد بأنّ الإمام علي عليهالسلام عبد الله ، وابن عبده ، وابن أمته ، وهو وصيّ المصطفى ، والإمام بعده ، أوّل مَن آمن بنبوّة النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله ، فهو الخليفة الأوّل لا الرابع ، والأدلّة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنّة.
وأمّا ما ذكرته في المسألة الثانية ، فهو محض افتراء ، افتراه على الشيعة من لا دين له ولا إنسانية ، ونتحدّى كلّ من افترى هذه الفرية أن يذكر لنا ولو شيعياً واحداً يقول بهذه المقولة.
( مايه ـ السعودية ـ ٢٣ سنة ـ طالبة جامعة )
علّة انتخابه خليفة من قبل أهل السنّة :
س : لماذا تمّ اختيار الإمام علي ابن أبي طالب عليهالسلام الخليفة الرابع من قبل
__________________
١ ـ الأحزاب : ٣٣.
٢ ـ الكافي ١ / ٢٨٦.
أهل السنّة؟ علماً بأنّهم كانوا من أشدّ المعاديين له ، وهل كان قبولهم له جعلهم يتّبعون أوامره وينهجون نهجه؟ وفّقكم الله لكلّ خير.
ج : إنّ اختيارهم علياً عليهالسلام رابع الخلفاء لعلّه كان من باب الاضطرار ، فإنّهم لمّا رأوا الشغب والفوضى عمّا البلاد في زمن عثمان ، حتّى قتل نتيجة سوء أعماله ، وسيرة اللذين من قبله ، لم يروا بدّاً من الرجوع في هذا الأمر إلى أهله ، فاستسلموا للحقّ لفترة قصيرة ، ولكن دون التزام قلبي بسيرته وفكره عليهالسلام ، وفي الحقيقة كان هذا عمل قهري رغم أنف البعض منهم.
ويدلّ على ما ذكرنا : إنّ الإمام عليهالسلام كان يتحمّل الكثير من العناء والتعب في سبيل تصحيح خطاياهم الماضية ، ولكن دون جدوى في أكثر المواطن ، حتّى أنّ بعضهم أصبح يكيد ويترّبص الدوائر على حكومته عليهالسلام ، حتّى أدّى بالنتيجة إلى استشهاده عليهالسلام.
( أُسامة ـ المغرب .... )
أوّل من أسلم :
س : لماذا علي عليهالسلام دخل الإسلام قبل أبي بكر ، مع أنّ أبا بكر كان أكبر سنّاً منه؟
ج : إنّ الأدلّة المستقاة من كتب الحديث والتاريخ والسير صريحة في أنّ أوّل من أسلم هو الإمام علي عليهالسلام ، وهذه فضيلة عظمى لأمير المؤمنين عليهالسلام ، اعترف بها حتّى المخالفين له عليهالسلام ، فهو لم يعبد غير الله تعالى ، ولم يشرك به ، بخلاف غيره الذي قضى وقتاً كثيراً من عمره في عبادة الأصنام.
( أُمّ بدر ـ الكويت ـ .... )
تحمّل الأذى لحفظ الإسلام :
س : لماذا لم يشهر الأمام علي عليهالسلام سيفه في مواجهة من اغتصب الخلافة وآذى الزهراء عليهاالسلام؟
ج : إنّ الحكومة في نظر أهل البيت عليهمالسلام ليست هدفاً ، بل هي وسيلة لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ....
أهل البيت لم يريدوا الدنيا للدنيا ، وإنّما أرادوا الدنيا لتكون وسيلة إلى الآخرة ، ليس لأهل البيت عليهمالسلام همّ سوى رضى الله تعالى ، فتحمّلوا ـ كجدّهم المصطفى صلىاللهعليهوآله ـ أنواع الأذى لأجل بقاء الدين ، واستمرار شريعة الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآله.
فكان الناس في بداية إسلامهم ، فتحمّل الإمام علي عليهالسلام كلّ الأذى لأجل الحفاظ على أصل الإسلام ، وذلك بوصية النبيّ صلىاللهعليهوآله له بالصبر.
قال الإمام علي عليهالسلام : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (١).
ومع أنّه لم يشهر سيفاً ، ولم يتّخذ الحرب للمعارضة ، فإنّه عليهالسلام اتخذ طريقة إيصال المفاهيم الحقّة وبيان أحقّيته بالخلافة ، اتخذ هذا طريقاً للمعارضة ، لئلا يلتبس الحقّ ، فقال عليهالسلام : « أما والله ، لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ... » (٢).
وقال عليهالسلام : « بايع الناس لأبي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثمّ بايع الناس عمر ، وأنا والله أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ... » (٣).
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١.
٢ ـ نفس المصدر السابق.
٣ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٤.
( أبو ميثم ـ الكويت ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )
روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ :
س : قال الإمام علي أمير المؤمنين : « أنا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة ».
وقال عليهالسلام مخاطباً كميل عندما سأله : يا أمير المؤمنين ما الحقيقة؟
فقال عليهالسلام : « ما لك والحقيقة »؟ فقال : أولست صاحب سرّك يا أمير المؤمنين؟ فقال : « بلى ، ولكن أخاف أن يطفح عليك ما يرشح منّي » ، فقال : أومثلك يخيب سائلاً؟
فقال عليهالسلام : « الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ... » (١).
أرجو توضيح معنى الحديثين ، ثبّتنا الله جميعاً على التسليم في مقاماتهم عليهمالسلام.
ج : إنّ البحث حول الأحاديث التي ذكرتموها يكون من وجوه :
أوّلاً : إنّ إسناد بعض هذه الروايات ليس بذلك الحدّ من الصحّة والتوثيق حتّى يرسل إرسال المسلّمات ، فللبحث عن أسانيدها مجال للمتتّبع.
ولكن هذا لا يعني إلغاء المتن بالمرّة ، بل بمعنى عدم حجيّتها ، أي لا نتيّقن بأنّها بأكملها صدرت عن الإمام عليهالسلام ، فيحتمل أن يكون قد تغيّر بعض ألفاظها أو عباراتها.
ثانياً : بناءً على ما ذكرنا ، فإنّنا نأخذ بالقدر المتيقّن من المعاني والمفاهيم التي اشتملت عليها هذه الروايات ، والتي تؤيّدها سائر النصوص الدينية من الكتاب والسنّة ، ثمّ نطرح ما لا يستقيم ويتوافق مع هذه المسلّمات القطعية الصدور.
ثالثاً : إنّ أمثال هذه الروايات ـ مثل خطبة البيان والطتنجية ـ وإن كان ظهورهما ربما يشمّ منه رائحة الغلوّ ، ولكن يمكن تفسيرها على ضوء القواعد
__________________
١ ـ نور البراهين ١ / ٢٢١ ، شرح الأسماء الحسنى ١ / ١٣١.
العقليّة والكلامية ، والنصوص القرآنية والروائية الصحيحة ، والمعتبرة سنداً ومتناً.
وعلى سبيل المثال ، فرواية كميل يمكن تفسيرها : بأنّ الإمام عليهالسلام يريد أن يوضّح ويبيّن منازل التوحيد ، فيمثّل وينظر ريثما يكون في مستوى السائل ، كما يقال : « المعقول ينظّر بالمحسوس » ، وللبحث فيها مجال واسع.
أو إنّ الرواية الأُولى ، يمكن أن تكون بمعنى أنّ الإمام عليهالسلام لا بديل ولا نظير له في الوجود ، وهذا مطلب صحيح وواضح ، وموافق لكافّة أدلّة إمامته عليهالسلام العقليّة والنقليّة.
والمهمّ في هذا المقام أن لا نقع في أخطاء الصوفية والغلاة في تفسير هكذا روايات بمجرّد نظرة ساذجة لظاهرها.
رابعاً : إنّ منازل الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، لا ينحصر ثبوتها أو إثباتها بروايات وأحاديث معيّنة ، بل إنّ مراتبهم السامية هي أجلّ وأعظم من أن ينالها حتّى المستوى البشري بحسب الأدلّة العقليّة والنقليّة.
فما ذكرناه في هذا المجال ليس إلاّ بحثاً علمياً ، فلا يستنتج منه ـ والعياذ بالله ـ إنكار مقاماتهم المعنوية ، بل صفوة القول : إنّ الاعتدال في تفسير النصوص هو الطريق المستقيم الذي تدعو إليه الأئمّة الهداة عليهمالسلام.
( .... ـ السعودية ـ .... )
سكوته عن مطالبة حقّه بالخلافة :
س : لماذا هذا السكوت من الإمام علي عليهالسلام على المطالبة في حقّه بالخلافة طول هذه المدّة ، أي من خلافة أبي بكر إلى خلافة عثمان؟
ج : أوّلاً : امتناعه عن البيعة لأبي بكر هو مطالبة بالحقّ وإعلان عن عدم أحقّية خلافة أبي بكر.
ثانياً : الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام كان خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيّه في كلّ مقاماته ومنازله إلاّ النبوّة ، والحكومة إنّما هي شأن من شؤون الإمام ، فإن
انقاد الناس وانصاعوا وطلبوا منه القيام بالأمر فحينئذ يجب على الإمام ذلك ، وإلاّ فالناس هم المقصّرون ، ولذا يقول علماؤنا : بأنّ الإمامة وجودها لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا.
ثالثاً : قضية أمير المؤمنين عليهالسلام تشبه تماماً قضية هارون عليهالسلام ، ولذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (١) ، وقد حكى الله تعالى في قصّة هارون أنّه
__________________
١ ـ فضائل الصحابة : ١٣ ، شرح صحيح مسلم ١٥ / ١٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٦١ ، مسند أبي داود : ٢٩ ، المصنّف للصنعانيّ ٥ / ٤٠٦ و ١١ / ٢٢٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ و ٨ / ٥٦٢ ، مسند ابن راهويه ٥ / ٣٧ ، مسند سعد بن أبي وقّاص : ٥١ و ١٠٣ و ١٣٩ ، الآحاد والمثاني ٥ / ١٧٢ ، كتاب السنّة : ٥٥١ و ٥٨٦ و ٥٩٥ و ٦١٠ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٤ و ١٠٨ و ١١٣ و ١٢٠ و ١٢٥ و ١٤٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٨ و ٦٤ و ٧٦ و ٨٠ و ٨٥ و ١١٦ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٨٦ و ٢ / ٦٦ و ٨٦ و ٩٩ و ١٣٢ و ١٢ / ٣١٠ ، أمالي المحامليّ : ٢٠٩ و ٢٥١ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ١٦ و ٣٧١ , المعجم الصغير ٢ / ٢٢ و ٥٤ ، المعجم الأوسط ٢ / ١٢٦ و ٣ / ١٣٩ و ٤ / ٢٩٦ و ٥ / ٢٨٧ و ٦ / ٧٧ و ٨٣ و ٧ / ٣١١ و ٨ / ٤٠ ، المعجم الكبير ١ / ١٤٨ و ٢ / ٢٤٧ و ٤ / ١٨٤ و ٥ / ٢٠٣ و ١١ / ٦٣ و ١٢ / ١٥ و ٧٨ و ٢٤ / ١٤٦ ، نظم درر السمطين : ١٠٧ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ٥ / ٧٢٤ و ٩ / ١٦٧ و ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٣ و ١٣ / ١٠٦ و ١٥٨ و ١٦٣ و ١٩٢ و ١٦ / ١٨٦ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٨٢ ، شواهد التنزيل ١ / ١٩٢ و ٢ / ٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ١ / ٢٦٦ و ٧ / ٢٧٧ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٦٣ و ٨ / ٥٢ و ١١ / ٤٣٠ و ١٢ / ٣٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٣١ و ١٣ / ١٥١ و ٢٠ / ٣٦٠ و ٢١ / ٤١٥ و ٣٠ / ٣٥٩ و ٣٨ / ٧ و ٣٩ / ٢٠١ و ٤١ / ١٨ و ٤٢ / ٤٢ و ٥٣ و ١٠٠ و ١١١ و ١١٥ و ١٣٩ و ١٤٥ و ١٥٢ و ١٥٩ و ١٦٥ و ١٧١ و ١٧٧ و ١٨٢ و ٥٤ / ٢٢٦ و ٥٩ / ٧٤ و ٧٠ / ٣٥ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٣ و ٢٥ / ٤٢٣ و ٣٢ / ٤٨٢ و ٣٥ / ٢٦٣ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٦١ و ٧ / ٣٦٢ و ١٢ / ٢١٤ و ١٤ / ٢١٠ و ١٥ / ٤٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، أنساب الأشراف : ٩٤ ، و ١٠٦ ، البداية والنهاية ٥ / ١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٠ و ٣٧٤ و ٨ / ٨٤ ، جواهر المطالب ١ / ٥٨ و ١٧١ و ١٩٧ و ٢١٢ و ٢٩٦ ، سبل الهدى والرشاد ٥ / ٤٤١ و ١١ / ٢٩١ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ١٥٦ و ١٦٠ و ٣٠٩ و ٤٠٤ و ٢ / ٩٧ و ١١٩ و ١٥٣ و ٢٣٧ و ٣٠٢ و ٣٨٩ و ٣ / ٢١١ و ٣٦٩ و ٤٠٣.
خاطب أخاه موسى قائلاً : ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (١) ، وقضية علي كقضية هارون تماماً.
رابعاً : قد ورد عن الإمام علي عليهالسلام : « الإمام كالكعبة ، يُؤتى ولا يأتي » (٢) ، وهذا إشارة إلى أنّ الإمام عليهالسلام في عصره يجب أن يقصده الناس ، ويأتوه ويطلبوا منه القيام بالحكومة والتصدّي لتطبيق الأحكام والشريعة الإسلامية ، أمّا أن يقصد هو ـ أي الإمام ـ الناس ليحملهم على الانصياع له والإطاعة فهذا ليس وظيفة الإمام عليهالسلام.
خامساً : نجد في نهج البلاغة وغيره عن أمير المؤمنين عليهالسلام التصريحات الكثيرة ، الدالّة على أنّه عليهالسلام إنّما لم يقم بالأمر لأنّه بقي وحده ، ولم يكن معه إلاّ القلائل الذين بحسب تصريح الإمام عليهالسلام ضنّ ـ أي بخل ـ بهم على الموت.
وأيضاً عليهالسلام يقول في الخطبة الشقشقية المعروفة : « وطفقت أرتئي بين أن أُصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (٣).
وأيضاً عنه عليهالسلام : أنّه رأى أنّ العرب سترجع عن الإسلام وترتدُّ عن الدين ولذلك سكت ، وإلى غير ذلك من التصريحات الموجودة عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
« أياد ـ أمريكا ـ .... »
سيفه ذو الفقار :
س : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي عليهالسلام قد أنزله الله من
__________________
١ ـ الأعراف : ١٥٠.
٢ ـ أوائل المقالات : ٢٧٦.
٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١ ، علل الشرائع ١ / ١٥٠ ، الاحتجاج ١ / ٢٨٣ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٤٨ ، الطرائف : ٤١٨.
السماء؟ وشكراً جزيلاً.
ج : إنّ نزول سيف ذو الفقار من السماء نقله العلاّمة ابن شهر آشوب عن تفسير السدي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ) (١) ، قال : أنزل الله آدم من الجنّة معه ذو الفقار ، خلق من ورق آس الجنّة ، ثمّ قال : ( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ).
وكان به يحارب آدم أعداءه من الجنّ والشياطين ، وكان عليه مكتوب : « لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صدّيق ، حتّى يرثه أمير المؤمنين ، فيحارب به عن النبيّ الأُمي ».
ثمّ قال : وقد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار ، أنزل به من السماء على النبيّ فأعطاه علياً.
وسئل الإمام الرضا عليهالسلام من أين هو؟ فقال : « هبط به جبرائيل من السماء ، وكان حلية [ حليته ] من فضة ، وهو عندي » (٢).
وهذا أحد الأقوال ، إذ ذهب بعضهم إلى أنّ جبرائيل أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يتّخذ سيف ذو الفقار من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي وكسّره ، وعمل منه ذو الفقار.
وقيل : إنّه كان من هدايا بلقيس إلى سليمان عليهالسلام.
نعم ، ورد عن طرق أهل السنّة ، فضلاً عن الشيعة : إنّ جبرائيل قد سمع يقول : « لا سيف إلاّ ذوالفقار ، ولا فتى إلاّ علي » (٣).
__________________
١ ـ الحديد : ٢٥.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٨١.
٣ ـ الكافي ٨ / ١١٠ ، الإرشاد ١ / ٨٤ ، ذخائر العقبى : ٧٤ ، شرح نهج البلاغة ١١ / ٢١٧ و ١٣ / ٢٩٣ ، نظم درر السمطين : ١٢٠ ، تاج العروس ٣ / ٤٧٤ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٦٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٠١ و ٤٢ / ٧١ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٩٧ ، البداية والنهاية ٤ / ٥٤ و ٦ / ٦ و ٧ / ٢٥٠ و ٢٩٣ و ٣٧٢ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٦١٥ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٩٤ و ٤ / ٧٠٧ ، جواهر المطالب : ١٨٩ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٣٤ ، و ٢ / ١٢.
قال الطبري : « حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا حبّان بن علي ، عن محمّد بن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه عن جدّه قال : لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية ، أبصر رسول الله صلىاللهعليهوآله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي : « احمل عليهم » ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.
فقال جبرائيل : « يا رسول الله إن هذه للمواساة » ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إنّه منّي وأنا منه » ، فقال جبرائيل : « وأنا منكما ».
قال : فسمعوا صوتاً : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي » (١).
ولا مانع أن يكون سيف ذو الفقار قد نزل من السماء ، فإنّ به ثبت الدين ، وانهزم المشركون ، وعلت كلمة الحقّ ، فإذا أقررنا شهادة جبرائيل بأن لا سيف إلاّ ذو الفقار ، فتعظيماً لمقام هذا السيف ، وإمعاناً في بيان فضله ومنزلته عند الله لم يكن نزوله من السماء شيئاً مستبعداً.
وقال جميع المفسّرين من الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) وأنّ الحديد أنزله الله مع آدم ، وهي السندان والإبرة والحبل ، وكان كلّها من حديد ، فهذا إقرار منهم بأنّ الله قد أنزل مع آدم هذه الآلات من الحديد ، فإنزال السيف هو الأوفق بسياق الآية ، فإنّ البأس الشديد مع منافع الناس إشارة إلى أنّ البأس الشديد هو محاربة الكفّار ، وتثبيت كلمة الله.
ثمّ أردف قوله تعالى بعد ذلك : ( وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ) إشارة إلى أنّ النصر لا يتأتى إلاّ بآلات الحرب ، ومنها السيف ، فمناسبة النصر والبأس الشديد لا تكون إلاّ ما يناسبها وهو السيف ، ولا معنى للاقتصار على الإبرة والسندان وغيرها ، فإنّ الآية في مقام البأس الشديد ، والانتصار لله ولدينه ، فلا يناسبها
__________________
١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٩٧.
إلاّ السيف ، وذكر الإبرة والسندان يناسب قوله : ( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ).
فبمقتضى المقابلة بأس شديد يقابلها السيف ، ومنافع للناس يقابلها الإبرة والسندان ، فلا منافاة إذاً من الجمع بين السيف وبين ما ذكره عامّة المفسّرين من الشيعة والسنّة.
( منى ـ الكويت ـ .... )
قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق :
س : لقد سمعت عن قصّة الإمام علي عليهالسلام في معركة الخندق أنّه خرج إلى المسلمين أحد كبار أبطال الكفّار ، وخاف أن يبارزه أحد ، فخرج إليه الإمام علي عليهالسلام ، فألقى إليه بأبيات شعرية ، وقتله.
الرجاء أُريد معرفة هذه القصّة بالتفصيل ، وما هي الأبيات الشعرية التي قالها الإمام؟
ج : لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامريّ في معركة الخندق ( الأحزاب ) ، ونادى هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المسلمين ، فقال الإمام علي عليهالسلام : « أنا له يا رسول الله » ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنّه عمرو » ، فسكت ، فكرّر عمرو النداء ثانية ، وثالثة ، والإمام علي عليهالسلام يقول : « أنا له يا رسول الله » ، والرسول صلىاللهعليهوآله يجيبه : « إنّه عمرو » ، فيسكت ، وفي كلّ ذلك يقوم علي عليهالسلام فيأمره النبيّ صلىاللهعليهوآله بالثبات ، انتظاراً لحركة غيره من المسلمين ، وكأن على رؤوسهم الطير لخوفهم من عمرو.
وطال نداء عمرو بطلب المبارزة ، وتتابع قيام أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « يا علي امض لشأنك » ، ودعا له ، ثمّ قال : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » (١).
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٦١ و ٢٨٥ و ١٩ / ٦١ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨١.
فسعى الإمام علي عليهالسلام نحو عمرو حتّى انتهى إليه ، فقال له : « يا عمرو ، إنّك كنت تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلاّ قبلتها ، أو واحدة منها » ، قال : أجل ، قال عليهالسلام : « إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأن تسلم لربّ العالمين ».
قال : يا بن أخي أخّر هذا عنّي ، فقال عليهالسلام : « أما أنّها خير لك لو أخذتها » ، ثمّ قال عليهالسلام : « ها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليهالسلام : « ترجع من حيث أتيت » ، قال : لا ، تتحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبداً ، فقال عليهالسلام : « فها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليهالسلام : « أُبارزك وتبارزني ».
فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي ، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك نديماً لي ، فقال عليهالسلام : « وأنا كذلك ، ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحقّ ».
فحمى عمرو ، ونزل عن فرسه ، وضرب وجهه حتّى نفر ، وأقبل على أمير المؤمنين عليهالسلام مصلتاً سيفه ، وبدره بضربة ، فنشب السيف في ترس الإمام عليهالسلام ، فضربه أمير المؤمنين عليهالسلام.
قال جابر الأنصاريّ عليهالسلام : وتجاولا ، وثارت بينهما فترة ، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ، ولا سمعت لهما صوتاً ، ثمّ سمعنا التكبير ، فعلمنا أنّ علياً عليهالسلام قد قتله ، وسرّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سروراً عظيماً ، لمّا سمع صوت أمير المؤمنين عليهالسلام بالتكبير ، وكبّر وسجد لله تعالى شكراً ، وانكشف الغبار ، وعبر أصحاب عمرو الخندق ، وانهزم عكرمة بن أبي جهل ، وباقي المشركين ، فكانوا كما قال الله تعالى : ( وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً ) (١).
ولمّا قتله الإمام علي عليهالسلام احتزّ رأسه ، وأقبل نحو النبيّ صلىاللهعليهوآله ووجهه يتهلّل ، فألقى الرأس بين يدي النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقبّل النبيّ رأس علي ووجهه ، وقال له
__________________
١ ـ الأحزاب : ٢٥.
عمر بن الخطّاب : هلاّ سلبته درعه ، فما لأحد درع مثلها؟
فقال : « إنّي استحييت أن أكشف سوأة ابن عمّي » ، وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا : ( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ـ بعليّ ـ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ).
وذكر أنّ عمرواً قال في المعركة أبياتاً ، هي :
ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز |
|
ووقفت إذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز |
وكذاك إنّي لم أزل متترعاً قبل الهزاهز |
|
إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز |
فأجابه علي عليهالسلام :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز |
|
ذو نبهة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز |
إنّي لأرجو أن أُقيم عليك نائحة الجنائز |
|
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز (١) |
وقال صاحب مستدرك الصحيحين : لما قتل علي بن أبي طالب عليهالسلام عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه ، فقالت :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله |
|
بكيته ما أقام الروح في جسدي |
لكن قاتله من لا يعاب به |
|
وكان يدعى قديماً بيضة البلد (٢) |
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٧٩ ، البداية والنهاية ٤ / ١٢١ ، المستدرك ٣ / ٣٣ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٢٠٤ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ٣٧٨.
٢ ـ لمستدرك ٣ / ٣٣.
( علي المنير ـ الأردن ـ .... )
قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين :
س : أُريد تزويدي بالأحاديث التي قالها الرسول صلىاللهعليهوآله بأنّ علياً عليهالسلام يقاتل القاسطين والمارقين والخارجين.
ج : روى هذا الحديث عدّة من الصحابة والتابعين عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد ذكرت هذا الحديث عدّة من مصادر الفريقين ، نذكر لك بعض الروايات من كتب أهل السنّة :
١ ـ روى الحاكم بإسناده عن عقاب بن ثعلبة : « حدّثني أبو أيوب الأنصاريّ في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » (١).
٢ ـ وروى بإسناده عن أبي أيوب الأنصاريّ قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول لعلي ابن أبي طالب : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات » ، قال أبو أيوب : قلت : يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : « مع علي بن أبي طالب » (٢).
٣ ـ روى الحموينيّ بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله ، أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من نقاتلهم؟ قال : « مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمّار بن ياسر » (٣).
٤ ـ وروى بإسناده عن عتاب بن ثعلبة قال : « حدّثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمرني النبيّ صلىاللهعليهوآله بقتال الناكثين والقاسطين
__________________
١ ـ المستدرك ٣ / ١٣٩.
٢ ـ نفس المصدر السابق.
٣ ـ فرائد السمطين ١ / ٢٨١.
والمارقين مع علي بن أبي طالب » (١).
٥ ـ وروى بإسناده عن عبد الله قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من بيت زينب ، فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين » (٢).
٦ ـ وروى بإسناده عن عمرو بن مرّة قال : « سمعت عمرو بن سلمة يقول : سمعت عمّار بن ياسر يوم صفّين ـ شيخاً آدم طويلاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد ـ قال : والذي نفسي بيده ، لو ضربونا حتّى بلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنّنا على الحقّ وهم على الضلال » (٣).
٧ ـ وروى بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليهالسلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان » (٤).
٨ ـ روى الخوارزمي بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليهالسلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : الناكثين والقاسطين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرناهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان » (٥).
٩ ـ روى ابن المغازليّ بإسناده عن علي عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا؟ قال : لا ، قال عمر : فأنا؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل » ـ يعني عليّا ـ (٦).
__________________
١ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٢.
٢ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٣.
٣ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٥.
٤ ـ المصدر السابق ١ / ٢٨٥.
٥ ـ المناقب : ١٩٤.
٦ ـ مناقب الإمام علي : ٩٩.
١٠ ـ روى البلاذريّ بإسناده عن حكيم بن جبير قال : « سمعت إبراهيم يقول : سمعت علقمة قال : سمعت علياً يقول : « أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » ، وحدّثت أنّ أبا نعيم قال لنا : الناكثون أهل الجمل ، والقاسطون أصحاب صفّين ، والمارقون أصحاب النهر » (١).
١١ ـ روى الكنجيّ بإسناده عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأُمّ سلمة : « هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، يا أُمّ سلمة ، هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، ووعاء علمي ، ووصييّ ، وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدنيا والآخرة ، ومعي في المقام الأعلى ، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين ».
وفي هذا الحديث دلالة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وعد علياً بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث ، وقول الرسول صلىاللهعليهوآله حقّ ، ووعده صدق ، وقد أمر صلىاللهعليهوآله علياً بقتالهم.
روى ذلك أبو أيوب عنه ، وأخبر أنّه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين ، وأنّه سيقاتل المارقين » (٢).
١٢ ـ وروى بإسناده عن مخنف بن سليم قال : « أتينا أبا أيوب الأنصاريّ وهو يعلف خيلاً له ، قال : فقلنا عنده فقلت له : يا أبا أيوب ، قاتلت المشركين مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟
قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أمرني بقتال ثلاثة ، الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقد قاتلت الناكثين والقاسطين ، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات ، وما أدري أين هو »؟ (٣).
١٣ ـ قال محمّد بن طلحة الشافعي : » ... عن ابن مسعود قال : خرج رسول الله
__________________
١ ـ أنساب الأشراف ٢ / ١٣٨ ح ١٢٩.
٢ ـ كفاية الطالب : ١٦٨.
٣ ـ المصدر السابق : ١٦٩.
صلىاللهعليهوآله فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ».
فالنبيّ ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة ، صرّح بأنّ علياً يقاتلهم بعده ، وهم الناكثون والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها صلىاللهعليهوآله قد سمّاهم بها ، مشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفة منها في الفرق المختصّة بها علّة لقتالهم مسلّطة عليه.
وهؤلاء الناكثون : هم الناقضون عقد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه محقّاً ، فإذا نقضوا ذلك ، وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا قتاله بغياً وعناداً كانوا ناكثين باغين ، فيتعيّن قتالهم ، كما اعتمده جمع ممّن تابع علياً وبايعه ، ثمّ نقض عهده وخرج عليه ، وهم أصحاب واقعة الجمل ، فقاتلهم علي عليهالسلام فهم الناكثون.
وأمّا القاسطون : فهم الجائرون عن سنن الحقّ ، الجانحون إلى الباطل ، المعرضون عن اتباع الهدى ، الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته ، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة تجمّعوا واتبعوا معاوية ، وخرجوا لمقاتلة علي عليهالسلام على حقّه ، ومنعوه إيّاه فقاتلهم ، وهي وقائع صفّين ، وليلة الهرير ، فهؤلاء هم القاسطون ....
وأمّا المارقون : فهم الخارجون عن متابعة الحقّ ، المصرّون على مخالفة الإمام المفروض طاعته ومتابعته ، المصرّحون بخلعه ، وإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده أهل حروراء والنهروان ، فقاتلهم علي عليهالسلام ، وهم الخوارج.
فبدأ علي عليهالسلام بقتال الناكثين ، وهم أصحاب الجمل ، وثنّى بقتال القاسطين ، وهم أصحاب معاوية وأهل الشام بصفّين ، وثلّث بقتال المارقين ، وهم الخوارج أهل حروراء والنهروان ... » (١).
__________________
١ ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ١ / ١١٧.
( أبو الزين ـ الأردن ـ .... )
رسول الله نام بينه وبين عائشة :
س : أسيادنا الأعزّة ، الرواية في بحار الأنوار : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « سافرت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ليس له خادم غيري ، وكان لحاف ليس له غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ، ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل ، يحطّ بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ، حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتنا » (١).
تعليقكم على الرواية المستغلّة للإساءة إلى مصادرنا الحديثية.
ج : نلفت نظركم للنقاط التالية :
أ ـ إنّ نظرة الشيعة للمصادر الحديثية تختلف عن نظرة أهل السنّة إليها ، فحيث تعتقد أنّ الكتب الستة صحيحة ، أو يعتقدون بصحّة البخاريّ ومسلم فقط ، فإنّ الشيعة لا تنظر إلى مجاميعها الروائية هذه النظرة ، بل تعتقد بإخضاع كافّة الروايات والأحاديث للبحث السندي والدلالي ، وهذه من مميّزات الفكر الشيعيّ في كافّة الجهات.
وعلى هذا ، فإنّ ورود حديث ما في مجموعة لا تدلّ بالملازمة على قبوله ، بل يجب البحث عن سنده أوّلاً ، ودلالته ثانياً.
ب ـ إنّ العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) ـ صاحب بحار الأنوار ـ بنفسه كان لا يلتزم بصحّة كلّ ما ورد في كتابه ـ فضلاً عن الآخرين ـ ويستفاد هذا الموضوع من مقدّمته على بحار الأنوار ، إذ يصرّح أنّه جمع كل ما في وسعه من الأحاديث من دون إبداء رأيه ، لكي تكون هناك موسوعة كبيرة يتمكّن الباحث من المراجعة إليها.
ويشهد لهذا أيضاً ، أنّه وفي مقام البحث السندي لا يرى صحّة مجموعة من
__________________
١ ـ بحار الأنوار ٤٠ / ٢.
أحاديث الكافي ـ الذي هو أمتن الكتب الحديثية عند الشيعة ـ في كتابه مرآة العقول.
ج ـ إنّ الرواية المنقولة عن بحار الأنوار هي في الحقيقة وردت في احتجاج الشيخ الطبرسيّ (١) ، نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي (٢) ، وأيضاً نقلها ابن شهر آشوب ـ بصورة مرسلة ـ في مناقبه (٣) ، وجاءت عنه في بحار الأنوار (٤).
فسند الحديث ليس مقطوعاً به ، حتّى يصبح حجّة لنا أو علينا.
د ـ توجد هناك أحاديث كثيرة منقولة في الجوامع الروائية لأهل السنّة مخالفة للعقل والنقل القطعي ، وتمسّ الجوانب الأساسية للعقيدة ، ومع هذا يرتضون بها ، ويؤوّلونها بتأويلات سخيفة ، حفظاً منهم لهذه الكتب ، ولو كان المجال واسعاً لأوردنا بعض الأمثلة لذلك ، ولكن حرصاً على الإجمال في الجواب ، نوكل هذا الموضوع إلى البحوث المستقلّة في هذا المضمار ، والتي تتولّى دراسة أحاديث الصحاح الستّة وغيرها ، حتّى يتبيّن للمنصف المتوخّي للحقيقة مدى قباحة بعض منقولات أهل السنّة وركاكتها.
هـ ـ وأخيراً : كيف يخاف من علي عليهالسلام وهو مع القرآن؟! وكيف يخاف منه وهو مع الحقّ ، بل هو راعي الدين والإسلام؟!
وعلى فرض صحّة الرواية ، فإنّها تدلّ على ثقة الرسول التامّة في علي عليهالسلام.
ولم ينقل عن الإمام علي عليهالسلام أنّه نظر إلى امرأة من نساء النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما نقل عن عمر أنّه كان يتعرّض لنساء رسول الله صلىاللهعليهوآله وهن خارجات للتبرّز قبل الحجاب.
فكان عمر يغار على زوجاته ، ويأمر الرسول بأن يحجّبهن ، والرسول لا
__________________
١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.
٢ ـ كتاب سليم بن قيس : ٤٢٢.
٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٥٩.
٤ ـ بحار الأنوار ٣٨ / ٢٩٧.
يهتمّ بذلك ، ولا يفعل ما يأمره به عمر!! إلى أن وافق الله عمر ، وأمر الرسول بما أمره به عمر!!
ففي صحيح البخاريّ : « حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا الليث قال : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآله كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ـ وهو صعيد افيح ـ ، فكان عمر يقول للنبي صلىاللهعليهوآله : احجب نساءك ، فلم يكن رسول الله يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبيّ ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصاً على أن ينزل الحجاب ، فأنزل الله الحجاب » (١).
وعلي عليهالسلام أطهر من أن يشكّ فيه أحد ، وهل من أحد أعرف بعلي من رسول الله؟! ولكن الإشكال في قول عمر لرسول الله : من أنّ نساءه يدخل عليهنّ في بيته البرّ والفاجر ، وهنّ فيه.
ففي صحيح البخاريّ : حدّثنا مسدّد ، عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربّي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى ، وقلت : يا رسول لله يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت أُمّهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبيّ صلىاللهعليهوآله بعض نسائه ، فدخلت عليهن ، قلت : إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله رسوله خيراً منكن ، حتّى أتيت إحدى نسائه ، قالت : يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتّى تعظهن أنت ، فأنزل الله : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ... ) (٢).
فليس يحتمل في علي عليهالسلام الرجس ليخاف منه رسول الله.
مع أنّ الرواية في بحار الأنوار وجدت في كتاب سليم ، فقد ذكر أنّ النسخة التي عنده بالوجادة ، ولابدّ من وجودها في نفس كتاب سليم المسند لا المرسل.
__________________
١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ٤٥.
٢ ـ التحريم : ٥.
وهنا لابأس أن نشير إلى أنّه لا يوجد أمر مريب في مدلول الرواية يبعث القلق ، إذ جاء التصريح فيها بوجود المانع الذي هو اللحاف المنحطّ بين الإمام وعائشة.
( .... ـ سنّي ـ .... )
صلّى في بداية البعثة والصلاة لم تفرض بعد :
س : لي سؤال بسيط ، أرجو منك التوضيح ، جزاك الله خيراً ، وذلك في هذا الحديث : عن جابر ، قال : بُعِث النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم الاثنين ، وصلّى علي يوم الثلاثاء.
السؤال هو : كيف صلّى علي عليهالسلام في اليوم التالي من البعثة؟ والصلاة لم تفرض إلاّ بعد فترة من البعثة النبوية الشريفة ، وذلك في قصّة الإسراء والمعراج.
ج : إنّ مسألة صلاة أمير المؤمنين عليهالسلام مع النبيّ صلىاللهعليهوآله في بدء البعثة أمر مسلّم ، ولا مجال للشكّ أو الترديد فيها ، بعد ما أطبقت عليها الروايات والسير من الفريقين (١).
وإمّا كيفية صلاته عليهالسلام ، فهي تتبع موضوع تعبّده في المقام ، وبما أنّ عبادته وصلاته كانت بدعوة النبيّ صلىاللهعليهوآله له عليهالسلام ، فالظاهر أنّهما كانا يعبدان الله تعالى ، إمّا مطابقاً لشريعة إبراهيم عليهالسلام ، أو غيره ممّن تقدّمه من الأنبياء عليهمالسلام ، وإمّا موافقاً لما قرّر لعامّة الناس فيما بعد.
__________________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ١ / ٢٩٧ ، المستدرك ٣ / ١١٢ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٦٠ ، المعجم الكبير ١ / ٣٢٠ ، نظم درر السمطين : ٨٢ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٢ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٥٥ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٦ و ٧ / ٣٦٩ ، جواهر المطالب ١ / ٤٣ و ٥٠ ، سبل الهدى والرشاد ٢ / ٣٠٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٧.