كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

١ ـ النهي عن أكل أموال الناس بالسبب الباطل. إن قلت إنّه أضاف الأموال إلى المخاطبين ، فكيف يكون باطلا ، فانّ مال الرّجل حلال له ولا شي‌ء من الحلال بباطل قلت هذا مجاز من باب إطلاق الكلّ على البعض ، والمراد لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل كالنهب والسرقة والتزوير وغير ذلك.

٢ ـ « تُدْلُوا بِها » أي لا تدلوا حذف « لا » اعتمادا على العطف ، ومعناه لا تعطوا الحكّام أموالكم ليحكموا لكم ، وهو مستعار من قولهم أدلى دلوه إذا أرسلها والرشوة ترسل إلى الحكّام. قوله « لِتَأْكُلُوا » علّة غائيّة للادلاء قوله « فَرِيقاً » أي طائفة « مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ » أي بالظلم الّذي هو سبب الإثم ، « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » الواو للحال أي والحال أنّكم تعلمون أنّها باطلة ، وإنّما قيّد الحكم بالعلم ، لأنّ التكليف مشروط بالعلم.

روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لخصمين اختصما عنده : إنّما أنا بشر مثلكم فلعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشي‌ء من حقّ أخيه فإنّما أقضي له قطعة من النار (١).

العاشرة ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) (٢).

قيل نزلت في شأن رجل منافق ورجل يهودي كان بينهما خصومة ، فطلب المنافق المحاكمة إلى كعب بن الأشرف وطلب اليهودي المحاكمة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت « والطاغوت » هنا من يحكم بالباطل ، وسمّي به لفرط طغيانه وقال عليّ عليه‌السلام كلّ حاكم يحكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت وقرء الآية » (٣) وعن أبي بصير

__________________

(١) سنن ابى داود ج ٢ ص ١٧١.

(٢) النساء : ٦٠.

(٣) المستدرك ج ٣ ص ١٧١.

٣٨١

عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال يا أبا محمّد إنّه لو كان لك على رجل حق فتدعوه إلى حاكم أهل العدل فيأبى عليك إلّا أن يحاكمك ويرافعك إلى حاكم الجور فإنّه ممّن حاكم إلى الطاغوت ، وهو قول الله عزوجل « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ » الآية ، وقال وإيّاكم وأن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم قاضيا ، فانّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه وقال عليه‌السلام لما ولّى عليّ عليه‌السلام شريحا اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتّى يعرضه عليه ، وورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة (١).

الحادية عشرة ( وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) (٢).

« وَشَدَدْنا مُلْكَهُ » أي عقدناه عقدا لا يقدر أحد على حلّه ، قيل كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مستلئم يحرسونه وقيل ألقى الله هيبته في قلوب الناس بسبب أنّ رجلا ادّعى على رجل بدعوى ولم يكن له بها بيّنة فرأى داود عليه‌السلام في منامه أن اقتل المدّعى عليه فقال في نفسه إنّه منام ، ولم يقتله حتّى أوحى الله إليه في اليقظة وأعلمه داود عليه‌السلام فاعترف الرّجل أنّه قتل أبا المدّعي وهو سبب هيبته ، فاشتدّ ملكه بذلك وإذا أراد الله أمرا هيّا سببه ، ولعليّ عليه‌السلام أحكام كثيرة تضاهي أحكام داود عليه‌السلام بل أعظم ، وصورها في المطوّلات من كتب الأحاديث ، وفي أحكام داود وعليّ عليهما‌السلام دلالة على جواز حكم الحاكم بعلمه وإن لم يقم بيّنة.

قوله « وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ » هي الزبور ، وقيل كلّ كلام وافق الحقّ ، وامّا « فَصْلَ الْخِطابِ » فقيل هو الكلام الفاصل بين الحقّ والباطل ، والصحيح والفاسد في الحكومات وغيرها ، وقيل هو الفصل في الكلام في موضعه والوصل في موضعه ونقل الزمخشريّ عن عليّ عليه‌السلام هو قوله عليه‌السلام البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى

__________________

(١) ترى روايات الباب في الكافي ج ٧ ص ٤٠٦ و ٤١٢ وهكذا تفسير العياشي ج ١ ص ٢٥٤.

(٢) ص : ١٠.

٣٨٢

عليه وذلك لأنّه فاصل بين المدّعيين ، وأوّل من اوتي هذا الحكم داود عليه‌السلام.

وقد ذكر المعاصر والراوندي في هذه القصّة أشياء لا تعلّق لها بالفقه ، أعرضنا عنها ، نعم ذكرنا في كتابنا المسمّى باللّوامع في علم الكلام قصّة داود عليه‌السلام على وجه مستوفى فليطالع ثمّة ، ومن جملة ما فيها أنّ موضع الخطيئة منه عليه‌السلام قيل هو قوله « لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ » فإنّه وصفه بالظلم قبل التفحّص عن حاله فعوتب عليه ، وعلى هذا ينبغي للحاكم التثبّت في الحكم ، وأن لا يسارع إلى التخطئة والتصويب ، إلّا بعد الاستكشاف.

الثانية عشرة ( وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ) (١).

قيل نزلت في بشر المنافق واليهودي اللّذين تقدّم ذكرهما وقيل كانت المنازعة بين عليّ عليه‌السلام والمغيرة بن وائل في أرض وبناء وأبى المغيرة المحاكمة عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال إنّه يبغضني وأخاف أن يحيف عليّ وقال البلخي أنّ المنازعة كانت بين عليّ عليه‌السلام وعثمان في أرض اشتراها عثمان منه فخرج فيها أحجار وأراد عثمان ردّها بالعيب وأبى علي عليه‌السلام وقال بيني وبينك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الحكم بن أبي العاص : إن حاكمته إلى ابن عمّه حكم له ، فلا تحاكمه فنزلت.

قوله « وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ » ومعناه أنّ هؤلاء المنافقين إذا دعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلموا أنّ الحقّ معهم ، ينقادون إلى المجي‌ء ، وإن علموا أنّهم مبطلون لا يأتونه ، لعلمهم أنّه لا يحكم إلّا بالحقّ ، وفي الآية توبيخ ونعي على من لا يجيب إلى الحكم بالحقّ ، ويأبى عنه ، وأما قصّة الأرض والحجارة فانّ الحقّ كان مع عليّ عليه‌السلام لأنّ الحجارة إذا كانت مخلوقة ولا ضرر على المشتري فلا خيار له.

__________________

(١) النور : ٤٨.

٣٨٣

الثالثة عشرة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (١).

قرئ « فتبيّنوا » أي تفحصوا وقرئ فتثبّتوا أي تثبّتوا إلى أن يتبيّن لكم الحال والفسق لغة الخروج عن الشي‌ء وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من بيتها واصطلاحا الخروج عن طاعة الله تعالى مع الايمان به والنّبإ الخبر ، فان كان الإخبار عن الغير ، فهو شهادة وإلّا فهو إقرار.

قوله « أَنْ تُصِيبُوا » أي كراهة أن تصيبوا « قَوْماً بِجَهالَةٍ » أي جاهلين بحالهم إذا عرفت هذا فهنا فوائد :

١ ـ في الآية دلالة على اشتراط العدالة لأنّها ملزومة لعدم الفسق ، وقد عرّفها الفقهاء بأنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة ، وتزول بمواقعة كبيرة أو إصرار على صغيرة ، إذ بواحد من ذينك يدخل في حيّز الفسق ، ووجه الدّلالة أنّه تعالى أمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق ويلزم منه أن لا يجب التثبّت عند إخبار العدل ، أمّا أوّلا فللإجماع ، وأمّا ثانيا فلأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه وحينئذ نقول إمّا أن تقبل شهادة الفاسق أو لا؟ فان كان الأوّل لزم أن يكون أعظم مرتبة من العدل ، وهو باطل وإن كان الثاني فهو المطلوب.

٢ ـ الكبيرة المشار إليها هنا وفي قوله تعالى « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » (٢) قيل كلّ ذنب رتّب الشارع عليه حدّ أو صرّح بالوعيد فيه ، وقيل ما علم حرمته بدليل قاطع وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّها سبع : الإشراك بالله ، وقتل النفس الّتي حرّم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والربا ، والفرار من الزّحف ، وعقوق الوالدين (٣) ، وعن ابن عبّاس هي إلى سبعمائة أقرب منها

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٧٦ ، باب الكبائر.

٣٨٤

إلى سبع ، وقال بعض أصحابنا الذنوب كلّها كبائر ، وإنّما صغر الذنب وكبره بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته ، فأكبر الكبائر الشرك بالله ، وأصغر الصّغائر حديث النفس وبينهما وسائط يصدق عليها الأمران ، فالقبلة بالنسبة إلى الزّنا صغيرة وبالنسبة إلى النظر كبيرة ، فمعنى التكفير في الآية أنّ المكلّف متى عن له أمران منها ودعته نفسه إليهما بحيث لا يتمالك إلّا أن يكفها عن الأكبر منهما يكفّر عنه ما ارتكب لا للاحباط بل بما استحقّ من الثواب على اجتناب الأكبر.

٣ ـ الإصرار على الصّغيرة إمّا فعلي وهو المداومة على نوع واحد منها بلا توبة ، أو الإكثار من جنس الصّغائر بلا توبة ، وإمّا حكميّ وهو العزم على فعل تلك الصّغيرة بعد الفراغ منها أمّا من فعل صغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها فالظاهر أنه غير مصرّ ، ولعلّه مما يكفّره الأعمال الصالحة كما تقدّم توجيهه.

٤ ـ المروّة المشار إليها فيما تقدّم هي تنزيه النفس عن الدناءة الّتي لا يليق بأمثاله كالسخرية والمزاح الكثير ، وكشف العورة الّتي يتأكّد استحباب سترها في الصّلاة والأكل في الأسواق غالبا ، ولبس الفقيه لباس الجنديّ بحيث يسخر منه وبالعكس ، وبالجملة المباحات الّتي يستخفّ بفاعلها ، وليس من ذلك الصنائع الدّنيّة كالكنس والحجامة والحياكة وإن استغنى عنها.

الرابعة عشرة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (١).

يريد كونوا مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته « شُهَداءَ لِلّهِ » أي تقيمون الشهادة لوجه الله وهو خبر كان أو حال « وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ » أي ولو كان ذلك بإقراركم

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

٣٨٥

على أنفسكم (١) لأنّ الشهادة بيان الحقّ سواء كان عليه أو على غيره وسواء كان المشهود له أو عليه غنيّا أو فقيرا فلا تمتنعوا من الشهادة أو لا تجوروا فيها ميلا إلى الغنيّ أو ترحّما على الفقير ، فانّ الله هو المتولّي لهما ، والعارف بمصالحهما ، وتثنية الضّمير في « بِهِما » لرجوعه إلى ما دلّ عليه المذكور ، وهو جنسا الفقير والغنىّ ، لا إليه وإلا لوحّد ، ويدلّ عليه أنّه قرئ شاذّا « فَاللهُ أَوْلى بِهِما ».

قوله « أَنْ تَعْدِلُوا » أي لأن تعدلوا عن الحقّ ، أو كراهة أن تعدلوا ، قوله « وَإِنْ تَلْوُوا » ألسنتكم عن شهادة الحقّ أو حكومة العدل « أَوْ تُعْرِضُوا » عن أدائها « فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » فيجازيكم عليه وفيه نوع تهديد ومبالغة.

إذا عرفت هذا فقد دلّت الآية على أمور :

١ ـ وجوب إقامة العدل في الحكومات مطلقا على نفسه أو على غيره.

٢ ـ وجوب إقرار الإنسان على نفسه بحقّ يكون ثابتا في ذمّته.

٣ ـ وجوب إقامة الشّهادة على الوالدين ، وهو مذهب المرتضى (٢) وابن

__________________

(١) وذلك لان الدعوة والشهادة والإقرار يشترك جميعها في الاخبار عن حق لأحد على أحد ، غير أن الدعوى اخبار عن حق لنفسه على الغير والإقرار للغير على نفسه ، والشهادة للغير على الغير.

(٢) نسبه اليه ابن إدريس في السرائر ، ولكن تردد صاحب الجواهر وغيره في صحة النسبة ، قالوا لان عبارته في الانتصار غير ظاهرة في ذلك ، ونقل عنه في الموصليات انه ادعى الإجماع على عدم القبول وعبارته في الانتصار كذلك :

« ومما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا من غير استثناء لأحد ، إلا ما يذهب اليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يروونه من أنه لا يجوز شهادة الولد على الوالد ، وان جازت شهادته له ».

قلت عبارته كما سمعتها وان لم تكن صريحة الا أنها ظاهرة فيما نسبه ابن إدريس وغيره اليه ثم انها تشعر بكونه مختار عدة من الأصحاب أيضا فتوهن الإجماعات المنقولة على عدم القبول.

٣٨٦

الجنيد (١) ويدل عليه أيضا رواية داود بن الحصين (٢) وغيره (٣) وقال الشيخ وأكثر الأصحاب (٤) لا يقبل شهادة الولد على والده ، لاستلزام ذلك تكذيب والده ، وهو

__________________

(١) نسبته الى ابن الجنيد مشهورة لكن في المسالك : وكثير من المتقدمين كابن الجنيد وابن ابى عقيل لم يتعرضوا للحكم بنفي ولا إثبات ، وفي المختلف ص ٦٨ كتاب القضاء : ولم أقف لابن الجنيد ولا لابن ابى عقيل على شي‌ء من ذلك بالنصوصية.

وعلى كل فلو ترددوا في النسبة إلى السيد والإسكافي ، فلا ترديد في عبارة الدروس وانه اختار القبول كعدة ممن تأخر عنه كالكفاية والمفاتيح وشرحه والمسالك وشرح الإرشاد وعدة ممن تقدم عليه أيضا كما هو ظاهر التحرير حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر.

بل قد عرفت من ظاهر كلام السيد انه اختيار عدة من الأصحاب أيضا ، وعلى اى فعبارة الدروس على ما حكاه في الجواهر هكذا :

عاشرها انتفاء توهم العقوق فلو شهد الولد على والده ردت عند الأكثر ، ونقل الشيخ الإجماع والآية وخبر داود بن الحصين وعلى بن سويد يعطى القبول واختاره المرتضى وهو قوى ، والإجماع حجة على من عرفه ، وفي حكمه الجد وان علا على الأقرب.

(٢) راجع الوافي الجزء التاسع ص ١٥٢ ، الباب ١٣٩ من كتاب القضاء.

(٣) كرواية على بن سويد السائي ـ نسبة الى ساية من قرى المدينة ـ ومثلها رواية إسماعيل بن مهران كما في الوافي نقلا عن الكافي والتهذيب والفقيه ، راجع الكافي ج ٧ ص ٣٨١.

(٤) ونقل في الجواهر عن موصليات المرتضى والخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه ، وقد عرفت حال الإجماع قبيل ذلك وليس هناك رواية تدل على عدم القبول ، سوى ما في الفقيه ص ٣٩٦ ط ـ طهران وفي خبر آخر انه « لا تقبل شهادة الولد على والده » ومثله في النهاية.

وفي الخلاف ج ٢ ص ٦٢٣ « دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون فيه » وقد سمعت من عبارة السيد في الانتصار « الا ما يذهب اليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يروونه » ولا يخفى عليك ما في التمسك بالخبر المرسل بهذا الحد من الإرسال وتخصيص الكتاب بمثل ذلك الخبر.

٣٨٧

عقوق (١) يمنع قبول الشهادة ، ووجوب الإقامة الّذي هو مدلول الآية لا يستلزم القبول (٢) لأنّ الإقامة صدوع بالحقّ وهو أعمّ من القبول وعدمه ، وهل حكم الجدّ للأب (٣) حكمه؟ الأقرب ذلك أمّا الأم (٤) فيقبل شهادة الولد عليها ولها وكذا للأب

__________________

(١) هذا الاستدلال للعلامة في المختلف ج ٢ ص ١٦٨ ، واستدل أيضا بقوله تعالى « وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » قال وليس من المعروف الشهادة عليه والرد لقوله وإظهار تكذيبه فيكون ارتكاب ذلك عقوقا مانعا عن الشهادة.

قال في المسالك ولا يخفى عليك ضعف هذه الحجة ، فإن قول الحق ورده عن الباطل وتخليص ذمته من الحق عين المعروف كما ينبه عليه قوله « انصر أخاك ظالما أو مظلوما » فقيل يا رسول الله كيف نصره ظالما؟ قال : رده عن ظلمه فذلك نصرك إياه ، ولأن إطلاق النهي عن عصيان الوالد يستلزم وجوب طاعته عند أمره بارتكاب الفواحش وترك الواجبات وهو معلوم البطلان وأضاف في قلائد الدرر ج ٣ ص ٤٤٤ ط النجف قوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعموم لزوم إنكار المنكر.

وعندي أنه ينتقض أيضا بالشهادة على الأم فإنها مقبولة كما سيصرح المصنف به عن قريب.

(٢) واستشكل في المسالك على هذا التقرير بلزوم العبث في إقامتها ، وبأنه معطوف على المقبول وهو الشهادة على نفسه ، ومعطوف عليه المقبول وهو الشهادة على الأقربين فلو كان غير مقبول لزم عدم انتظام الكلام.

وقال في المستند ج ٢ ص ٦٥٥ لزوم العبث ممنوع لانه يمكن أن يصير جزءا لعدد الاستفاضة العلمية ، أو قرينة لإفادة العلم فيما إذا حصلت أمور أخر ، وقال في جواب عدم انتظام الكلام انه لا يلزم تطابق المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأحوال والأوصاف الا ترى انه يقبل الشهادة على النفس مطلقا ، ولا كذلك الشهادة على الوالدين والأقربين فيشترط فيهما العدالة وضم عدل آخر أو اليمين.

(٣) وهو المتراءى من عبارة الدروس التي نقلناها قبيل ذلك ، وفي الكفاية :

والأقرب انه لا يستحب حكم المنع فيمن علا من الإباء ، ونزل من الأبناء.

(٤) قد عرفت أن المستند لرد الشهادة على الأب لو كان هو العقوق لشمل الشهادة على الأم أيضا.

٣٨٨

ويقبل أيضا شهادة الأب للولد وعليه ، لعموم أدلّة وجوب الإقامة (١) ووجوب القبول من غير معارض.

٤ ـ وجوب الإقامة على الأقارب كلّهم وكذا لهم ، من غير فرق بينهم ، وخالف الفقهاء في ذلك (٢) لما فيه من التهمة المانعة من القبول ، ولأنّ الولد بعض الوالد

__________________

(١) اتفقت الإمامية على قبول شهادة الوالد لولده وعليه ، ومن الولد لوالده والأخ لأخيه بل الزوج لامرءته والزوجة لزوجها وقيد الشيخ في النهاية وكذا ابن البراج وابن حمزة على ما في المختلف ص ١٦٨ كتاب القضاء بما إذا كان معه غيره من أهل الشهادة وقال ابن إدريس والمفيد وأبو الصلاح بالإطلاق وكذا الشيخ في الخلاف والمبسوط.

وعلى اى فالدليل على الحكم العمومات وخصوص المستفيضة كالصحاح للحلبي وعمار بن مروان والموثقين لسماعة ورواية السكوني ، ففي الوافي الجزء ٩ ص ١٤٧ عن الكافي والتهذيب عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : تجوز شهادة الرجل لامرءته والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها وتجوز شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه.

وعن الكافي والتهذيب والفقيه عن عمار بن مروان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أو قال سأله بعض أصحابنا عن الرجل يشهد لامرءته؟ قال : إذا كان خيرا جازت شهادته ، وعن الرجل يشهد لأبيه أو الأب يشهد لابنه أو الأخ لأخيه قال : لا بأس بذلك إذا كان خيرا جازت شهادته لأبيه ، والأب لابنه والأخ لأخيه.

وعن الكافي والتهذيب عن سماعة عن ابى بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده والأخ لأخيه فقال : تجوز.

وعن التهذيب عن سماعة قال سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده والأخ لأخيه قال : نعم ، وعن شهادة الرجل لامرءته قال : نعم ، والمرأة لزوجها قال : لا ، الا أن يكون معها غيرها.

وعن التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام ان شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيا ومعه شاهد آخر.

(٢) وخلاصة الكلام ملخصا من الخلاف ج ٢ ص ٦٢٣ ، والانتصار المطبوع مع الجوامع الفقهية وبداية المجتهد ج ٢ ص ٤٥٢ و ٤٥٣ والمغني لابن قدامة ج ٩

٣٨٩

لكونه مخلوقا من نطفته ، والوالد مادّة للولد ، فهو كالجزء منه ، فيكون كل واحد منهما شاهدا لنفسه ، وكذا الكلام في الأقارب والحقّ خلاف ذلك أمّا أولا فلنصّ الآية الكريمة ، وأمّا ثانيا فلأنّ التهمة مدفوعة بالعدالة ، فلا تكون معارضة للأدلة العامّة ، وأمّا ثالثا فلأنّ البعضيّة ليست حقيقة بل مجازا ، ولكلّ واحد منهما حكم نفسه ، ولذلك قد يكون أحدهما حرّا وإن كان الآخر رقّا.

__________________

ص ١٩١ ـ ١٩٤ ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة المطبوع بحاشية الميزان للشعراني ج ٢ ص ٢١٤ ، ونيل الأوطار ج ٨ ص ٣٠٣ ، والبحر الزاخر ج ٥ ص ٣٥ و ٣٦ ، والام للشافعي ج ٧ ص ٤٦ والمحلى لابن حزم ج ٩ ص ٥٠٦ ـ ٥١٠ ، والاحكام في أصول الأحكام له أيضا ص ٧٥٥ واعلام الموقعين لابن القيم الحوزية ج ١ ص ١١١ ـ ١١٨ ، وأحكام القرآن لابن العربي ص ٢٥٥ و ٥٠٥ ـ ٥٠٨ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٦٠٥ ـ ٦٠٧ ، وشرح فتح القدير لابن الهمام الحنفي ج ٦ ص ٣١ ـ ٣٣.

ان هنا مسائل أربع الأولى شهادة الوالد لولده والولد لوالده فأجازه عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وابن حزم ، بل جميع الظاهرية وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وإياس بن معاوية وعثمان البتي والمزني وأبو سليمان وأبو ثور على رواية والأوزاعي على رواية وإسحاق بن راهويه وعن الشافعي روايتان والمشهور منه المنع وهو المذكور في الأم ج ٧ ص ٤٦.

وعن أحمد أربع روايات أحدها المنع والثانية تقبل شهادة الأب له ، لان مال الابن في حكم مال الأب ، وروى ذلك عن الحسن والشعبي وابن ابى ليلى وسفيان الثوري أيضا والثالثة تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه ما لم تجر اليه نفعا وهي إحدى الروايتين عن الحسن والشعبي والرابعة لا تقبل من الأب للابن ، ولا من الابن للأب ، ولكن تقبل من الجد وله ، ونسب هذا القول إلى الأوزاعي والثوري وابى عبيد وعن شريح روايتان أشهرهما الجواز.

ومنعه أبو حنيفة ومالك وقالا : لا تقبل شهادة الوالدين للولدين ولا شهادة الولدين للوالدين ، الذكور والإناث ، بعدوا أو قربوا ، ونسب هذا القول الى الحسن والشعبي

٣٩٠

__________________

أيضا والى شريح والثوري وابى ثور وإسحاق وابى عبيد وزيد بن على والامام يحيى.

وروى عن الزهري انه قال : لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده ولا الأخ لأخيه ، ولا الزوج لامرءته ، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم إذا كان من قرابة وصار ذلك من الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة لم يتهم هؤلاء إلا في آخر الزمان.

وهذه الرواية كما ترى شهادة من الزهري بإجماع الصحابة على الجواز.

المسئلة الثانية : شهادة الأخ لأخيه فأجمع أهل العلم الا مالكا على جوازها ، وقال مالك لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النسب ، وتجوز في الحقوق ، ونقل عنه أنه قال لا تجوز شهادة الأخ لأخيه إذا كان منقطعا إليه في صلته وبره ، لانه متهم في حقه وحكى عن ابن المنذر عن الثوري انه قال : لا تقبل شهادة كل ذي رحم محرم ، وحكاه في بداية المجتهد ، والبحر الزاخر عن الأوزاعي أيضا.

المسئلة الثالثة : شهادة أحد الزوجين للآخر فمنعها مالك وأشهر الروايتين عن أحمد وعنه رواية بالجواز ، وأجازها الشافعي وأبو ثور والحسن وعن الشافعي أيضا رواية على عدم الجواز والمشهور منه الأول وهو الموجود في الأم.

وقال ابن ابى ليلى : تقبل شهادة الزوج لزوجته ، ولا تقبل شهادتها له ، وبه قال النخعي ، وحكاه ابن حزم عن سفيان الثوري ، قالوا : لان لها حقا في ماله لوجوب نفقته وتقبل شهادة الزوج لعدم التهمة.

المسئلة الرابعة شهادة أحد الصديقين للآخر ، إذا كان بينهما مهاداة ، وأنها تقبل في قول عامة أهل العلم الا مالكا فقال : لا تقبل شهادة الصديق الملاطف لانه يجر الى نفسه بها نفعا فهو متهم.

وعلى اى حال فعمدة مستندهم للمنع في المسائل الأربع حصول التهمة وهذه التهمة انما أعملها الشرع في الفاسق ومنع إعمالها في العادل ، ولا تجتمع العدالة مع التهمة ، ولذلك ترى في أحاديث الشيعة عند سرد الامام « الظنين والخصم والمتهم » في من يرد

٣٩١

__________________

شهادته يسأله الراوي عن الفاسق والخائن فيجيبه الإمام بأن كل هذا يدخل في الظنين راجع الوافي الباب ١٣٤ ج ٩ ص ١٤٧.

وقد روى في الموطإ عن عمر : لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ، انظر الرقم ١٤٦٤ في ج ٣ ص ٣٨٨ من شرح الزرقانى على الموطإ ، وقد عرفت ان عمر بن الخطاب كان يرى قبول شهادة الأقرباء ، فليس ذلك إلا لأن شهادة القريب مع عدالته ليس من شهادة الظنين عنده.

ولهم حديث آخر تراه في الترمذي ج ٢ ص ٥٣ طبع دهلي عن قتيبة عن مروان بن معاوية الغزاري عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا مجلودة ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرب شهادة ولا القانع أهل البيت لهم ، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة.

قال الفزاري : القانع : التابع ، وتراه في عدة من الكتب الفقهية لهم بألفاظ مختلفة قريبة المضمون ، كلها عن يزيد بن ابى زياد عن الزهري.

قال السيد قدس‌سره في الانتصار : ان الساجي قد قال في هذا الخبر انه رواية غير ثابتة عند أهل النقل ، وراوي هذا الخبر عن الزهري يزيد بن ابى زياد وحكى أن شعبة قال : ان يزيد كان رفاعا اى يرفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لا أصل له ، وضعف هذا الحديث من وجوه معروفة.

قلت وضعفه الترمذي نفسه أيضا عند إخراجه وبالغ ائمة الرجال في التشنيع على يزيد بن [ ابى ] زياد ، راجع ميزان الاعتدال ج ٤ ص ٤٢٥ ، الرقم ٩٦٩٦ ، والتاريخ الكبير للبخاري القسم الثاني من المجلد الرابع ص ٣٣٤ ، الرقم ٣٢٢١ ، والجرح والتعديل لابن ابى حاتم الرازي القسم الثاني من المجلد الرابع ص ٢٦٢ ، الرقم ١١٠٩.

وذكر ابن حزم بعد ذكر ضعف الحديث أنه لو صح لكانوا أول مخالف لتفريقهم بين الأخ والأب وبين العم وابن الأخ وبين الأب والابن ، وكلهم سواء ، إذ هم متقاربون

٣٩٢

الخامسة عشرة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) (١)

أمر سبحانه وتعالى بجعل الحركات وكالأفعال كلّها له أي لوجهه ، بحيث لا يكون فعل من الأفعال إلّا ويوقع إخلاصا لله ، وأمر أيضا بإيقاع الشهادة بالعدل إذ به قوام الدّنيا والآخرة ، قوله « وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ » أي لا يحملنكم بغض قوم على

__________________

في التهمة بالقرابة.

وعلى اى فأكثرهم لا يعتمد على الرواية ، ويستندون للحكم بحصول التهمة ، وقد عرفت حاله ، واستند الشافعي في الأم بحصول البعضية في الأب والابن ، وجوابه مضافا الى ما سيذكره المصنف أن هذه البعضية لا توجب أن تكون كبعضه في الاحكام لا في أحكام الدنيا ولا في أحكام الثواب والعقاب ، فلا يعاقب أحدهما بذنب الأخر ، ولا يثاب بحسناته ولا يجب عليه الزكاة ولا الحج بغني الأخر والاملاك بينهما متميزة ، والأيدي متحيزة : كل يد في حيز غير حيز الأخر.

وقد اجمع الناس على صحة بيعه منه وإجارته ومضاربته ومشاركته ، فلو امتنعت شهادته له ، لكونه جزءه فيكون شاهدا لنفسه كما ذكره الشافعي في الأم لانتفت هذه العقود إذ يكون عاقدا لنفسه.

واستدل من خص المنع بشهادة الأب للابن ، بما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنت ومالك لأبيك » قال ابن حزم : فنحن كلنا لله وقد أمرنا بالشهادة لله ، واللام في الحديث ليس للملك قطعا.

واستدل من رد شهادة الزوجين بارث أحدهما من الأخر ، فكان جرا للنفع ، قلت : ويلزمهم رد شهادة العصبة ، ولا يقولون به.

(١) المائدة : ١٢.

٣٩٣

ترك العدل فيهم ، وذلك مستلزم للعدل ، لكن لمّا كانت دلالة المطابقة أقوى من دلالة الالتزام ، أمر بالعدل ثانيا ، وقوله « هُوَ » أي العدل « أَقْرَبُ لِلتَّقْوى » أي إليها ، وفي ذلك مبالغة عظيمة في العدل حيث جعله أقرب إلى حصول مفهومها.

هذا وفي الآية أيضا تأكيد للأمر بإقامة الشهادة ، رعاية لمصالح عباده كما قال وليّ الله أمير المؤمنين عليه‌السلام « فرض الله الشهادات استظهارا على المجاحدات » (١) وقال عليه‌السلام إذا كان الغدر طباعا فالثقة إلى كلّ أحد عجز.

ولنقطع الكلام حامدين لله على جميل إحسانه شاكرين له على توفيقه وامتنانه

__________________

(١) هذه من جملة ما في الرقم ٢٤٩ من باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة ، وشرحه ابن ابى الحديد ج ١٩ ص ٨٦ ـ ٩٠ الطبعة الأخيرة ونحن نختم الكلام بذكر تمام بيان الامام ، ليكون المسك له الختام قال عليه‌السلام :

فرض الله الايمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقوية للدين ، والجهاد عزا للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، واقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاحدات وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والامانة نظاما للأمة ، والطاعة تعظيما للإمامة.

يقول العبد ابن محمد محمد باقر المدعو بشريف زاده گلپايگاني قدوقع الفراغ في الرابع عشر من شهر جمادي الاولى سنة ١٣٨٥ هجرية وانى والله معترف بقصر الباع وكثرة الزلل ولكن فضل الله وكرمه لايعلل شئ من العلل فأسأله من فضله أن يجعلها في حيز القبول فأنه كريم يعطي خيرمأمول.

والمرجو ممن اطلع عليها ان يدعو لقليل البضاعة بالخير والمباعدة عن كل شر وضير وأن يقيل العثرات ويعفو عن التساهلات. وما توفيقنا الا بالله ، عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٣٩٤

قائلين ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا ، ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنّا ، واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على أكرم المرسلين وأشرف الأوّلين والآخرين محمّد خاتم النبيين وآله الطيّبين الطاهرين.

٣٩٥

فهرس الكتاب

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

كتاب المكاسب

الضمان

البحث عن الاكتساب بقول مطلق

١

أحكام الضمان وشرائطه

٦٥

البحث عن أشياء يحرم التكسب بها

١١

الصلح

في تحريم الخمر والميسر

١٥

أحكام الصلح

٦٧

البحث في القرعة وأن حكمها ثابت بالكتاب والسنة والاجماع

٢١

الوكالة

كتاب البيع

أحكام الوكالة

٦٩

أكل الأموال بالباطل

٣٣

كتاب فيه جملة من العقود

الربا

٣٥

وجوب الوفاء بالعقد

٧١

ايفاء الكيل

٤١

الإجارة. الشركة

٧٣

الاحتكار

٤٣

المضاربة

٧٤

كتاب الدين وتوابعه

الابضاع

٧٥

جواز الاستدانة

٤٥

الايداع

٧٦

استدانة الولي للمولى عليه

٤٩

العارية

٧٨

الاستشهاد عند المبايعة والدين

٥١

السبق والرماية

٨٠

شرائط الشهادة

٥٣

الشفعة

٨١

إنظار المعسر وإبراء ذمته

٥٧

اللقطة

٨٢

الرهن

الغصب

٨٣

أحكام الرهن وشرائطه

٥٩

الاقرار

٨٥

الوصية وأحكامها

٨٩

٣٩٦

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

الاشهاد على الوصية

٩٦

أقسام الولاية

٢٠٩

أحكام الحجر

١٠١

الرجال قوامون على النساء

٢١١

الوقف والسكنى والصدقة والهبة

١١٣

النشوز وبعث الحكمين

٢١٣

النذر وأحكامه

١١٤

توابع النكاح

العهد وأحكامه

١١٦

حفظ الفروج والحجاب

٢٢٠

اليمين وأحكامه

١١٨

استيذان العبيد

٢٢٤

العتق وتوابعه

١٢٦

النكاح في الدبر

٢٢٩

كتاب النكاح

أحكام الرضاع

٢٣١

أقسام النكاح

١٣٤

فيما يتعلق بنكاح النبي وأزواجه صلى الله عليه وآله

٢٣٧

في عدد الأزواج

١٣٩

روافع النكاح

الزواج وملك اليمين

١٤٥

الطلاق وأحكامه

٢٤٩

في إباحة المتعة

١٤٩

الطلاق الثلاث

٢٦٥

نكاح الإماء

١٧٣

في التحليل

٢٧٩

في أسباب التحريم

الخلع والمبارات

٢٨٤

نكاح الأمهات

١٧٨

الظهار

٢٨٨

ما يحرم بالنسب

١٨٠

الايلاء

٢٩٢

ما يحرم بالرضاع

١٨٢

اللعان

٢٩٣

ما يحرم بالمصاهرة

١٨٤

الارتداد

٢٩٧

نكاح المحصنات

١٩٠

كتاب المطاعم والمشارب

نكاح المشركات

١٩٣

أصل الإباحة

٢٩٨

نكاح الكتابيات

١٩٩

ما يحرم على التعيين : الميتة والدم ولحم الخنزير

٣٠٠

لوازم النكاح

المهر والصداق والنفقة

٢٠١

٣٩٧

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

الخمر والميسر

٣٠٤

حد المحارب

٣٥١

في أشياء من المباحات

٣٠٨

كتاب الجنايات

كتاب المواريث

قتل النفس

٣٥٣

ميراث النسب والولاء

٣٢٣

دية المرأة والرجل

٣٥٩

طبقات الوراث

٣٢٦

قتل الخطاء

٣٦٩

ميراث الأبوين

٣٢٩

القصاص

٣٧١

ميراث الأزواج

٣٣١

دية الجنين

٣٧٥

ميراث الكلالة

٣٣٢

كتاب القضاء والشهادات

العول والتعصيب

٣٣٥

الحكم بغير ما أنزل الله

٣٧٦

كتاب الحدود

حكم داود وسليمان في الغنم

٣٧٩

حد الزناء

٣٣٨

تحريم الرشوة

٣٨١

حد القذف

٣٤٥

وجوب الانقياد للحكم

٣٨٣

حد السرقة

٣٤٨

الشهادة بالعدل

٣٨٥

شهادة القريب للقريب وعليه

٣٨٧

٣٩٨