كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

عن نكاح صحيح أو شبهة أو زنا ، ولا خلاف في الأوّلين ووافق أبو حنيفة أصحابنا في تحريم بنت الزنا لصدق البنت لغة فيتبعه التحريم ، وقال الشافعيّ لا تحرم البنت المخلوقة من الزنا لعدم لحوق نسبها شرعا.

٣ ـ الأخت لأب كانت أو لامّ أولهما.

٤ ـ العمّة وهي أخت الأب ، وكذا إذا علت أي أخت الجدّ لأب كان أو لامّ وليس المراد بعلوّها كونها عمّة العمّة لأنّ عمة العمّة قد لا تحرم فانّ أخت زيد لامّه عمّة لابنه وعمّتها لا تحرم على ابن زيد.

٥ ـ الخالة وهي أخت الأمّ ، وكذا إذا علت أي أخت الجدّة لأب كانت أو لام ، وكذا ليس المراد بعلوّها كونها خالة الخالة لأنّها قد لا تحرم.

٦ ـ بنت الأخ وإن نزلت أي بنت ابنه وبنت بنته وهكذا.

٧ ـ بنت الأخت وإن نزلت أي بنت بنتها وبنت ابنها.

إن قلت : ولد الولد غير ولد حقيقة لصدق النفي إذ يقال ليس ولدي لكنّه ولد ولدي ، وإذا كان كذلك لا يتناوله النص إذ اللّفظ يحمل على حقيقته دون مجازه.

قلت : الإجماع دلّ على اعتبار المجاز هنا ، على أنّا نقول المراد مطلق التولّد أعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة وكذا البحث في جانب العلو على أنّ إيراد ذلك بصيغة الجمع يشعر باعتبار المرتبتين.

١٨١

القسم الثاني

ما يحرم بالرضاع

وهو اثنان :

١ ـ الامّ.

٢ ـ الأخت. للنصّ عليهما ، وأمّا تحريم البنت فبالتنبيه بالأدنى على الأعلى لأنّ الأخت إذا حرمت فالبنت أولى وأما العمّة والخالة فبالسنّة كما يجي‌ء وأمّا الجدّة فأمّ تدخل في إطلاق النصّ فهنا فوائد :

١ ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « يحرم من الرّضاع ما يحرم من النسب (١) » فعلى هذا كل ما تقدّم ذكره من المحرّمات نسبا يحرم مثله من الرّضاع ، فهو نسب ثان.

٢ ـ الرضاع كما يحرّم سابقا كذا يحرم لاحقا ، فلو زوّج رضيعا بامرأة ثمّ ارتضع من أمّها حرمت عليه زوجته ، وانفسخ النكاح وكذا في سائر الفروض.

٣ ـ قال الزمخشريّ : قالوا تحريم الرّضاع كتحريم النسب إلّا في مسئلتين إحداهما أنّه لا يجوز للرّجل أن يتزوّج أخت ابنه من النسب ، والعلّة وطي أمّها (٢) وهذا المعنى غير موجود في الرّضاع ، وثانيتهما لا يجوز للرجل أن يتزوّج أمّ أخته من النسب ويجوز من الرّضاع لأنّ المانع في النسب وطي الأب إيّاها وهذا المعنى غير موجود في الرضاع.

وكذا استثني مسئلتان أخريان إحداهما أمّ الحفدة ، وثانيتهما جدّة الولد فإنّهما محرّمتان من النسب دون الرضاع ، أمّا أم الحفدة ، فلأنّها بنتك أو زوجة

__________________

(١) أخرجه في المستدرك ج ٢ ص ٥٧٢ عن غوالي اللئالي بعين لفظه ولفظ أبى داود : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ، راجع سننه ج ١ ص ٤٧٤.

(٢) في بعض النسخ : إحداهما : أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت ابنه من النسب ويجوز في الرضاع لان المانع في النسب وطى الأب لامها إلخ.

١٨٢

ابنك ، ولو أرضعت أجنبيّة ولد ولدك لم تحرم ، وأمّا جدّه الولد فإنّها أمّك أو أم زوجتك ولو أرضعت أجنبيّة ولدك كانت أمّها جدّة ولدك ، ولم تحرم عليك.

وفي استثناء هذه الصور نظر ، لأنّ النصّ إنّما دلّ على أنّ جهة الحرمة في النسب جهة الحرمة في الرّضاع ، والجهات الّتي في هذه الصور ليست جهات الحرمة في النسب فإنّ جهة أختيّة الابن مثلا لم تعتبر من جهات الحرمة بل المعتبر فيها إمّا كونها ربيبة ، وإمّا كونها بنتا ، وأيّة جهة من هاتين الجهتين لو وجدت في الرّضاع كانت محرّمة.

وتوضيحه أنّ أخت الابن إذا كانت بنتا تكون لها جهتان جهة الأختيّة للابن وجهة البنتيّة لك ، ولا شكّ في تغايرهما والنصّ دلّ على الحرمة من جهة البنتيّة لا من جهة الأختيّة للابن ، وكذا إذا كانت ربيبة كان لها جهتان : جهة الأختيّة للابن ، وكونها ربيبة ، وجهة الحرمة منهما ليست إلّا كونها ربيبة.

على أنّ جهة الحرمة بحسب المصاهرة لا بحسب النسب فلا يصحّ الاستثناء من جهة حرمة النسب.

٤ ـ الرّضاع له شرائط بمعرفتها يتقيّد إطلاق الآية ، وهي إمّا بحسب المقدار فعند الأكثر منّا خمسة عشر رضعة ، أو ما أنبت اللّحم وشدّ العظم أو رضاع يوم وليلة ، لأصالة الحلّ ، وما ذكرناه مجمع على تحريمه النكاح ولتضافر روايات أهل البيت عليهم‌السلام.

واكتفى الشافعيّ وأحمد بخمس لا أقلّ ومن الصحابة من قال بثلاث ، واكتفى مالك وأبو حنيفة بالرّضعة الواحدة.

وأمّا بحسب الزمان فهو أن يكون في الحولين لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا رضاع بعد فصال (١) » فلو وقع بعضه في الحولين وبعضه خارجا عنهما لم ينشر حرمة ، وبه قال الشافعي وهو أحد قولي مالك ، والآخر خمسة وعشرون شهرا وقال أبو حنيفة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٤٣ ولفظه : لا رضاع بعد فطام.

١٨٣

ثلاثون شهرا ، وقال زفر ثلاث سنين.

وأمّا بحسب كيفيّة الرّضعة فهو أن يلتقم [ من ] ثدي المرأة الحيّة المنكوحة ويشرب منه لبنا خالصا حتى يروّي ويتركه باختياره ، فلو وجر أو سعط به أو حقن لم ينشر ، وقال الفقهاء ينشر ، وفي الرّضاع مسائل كثيرة تذكر في كتب الفقه.

القسم الثالث

ما يحرم بالمصاهرة

وقد ذكر أربعا والمصاهرة أن يطأ الرّجل امرأة أو يعقد عليها فيحرم عليه نكاح امرءة أخرى أو يحرم نكاحها على غيره فهنا مسائل :

١ ـ أمّ الزّوجة وإن علت تحرم على الزّوج تحريما مؤبدا ويدلّ على تحريم الأمّ العالية صيغة الجمع في الأمّهات وهذه تحرم بمجرّد العقد على بنتها لما يجي‌ء.

٢ ـ بنت الزوجة وإن نزلت أي بنتها ، وبنت بنتها ، وبنت ابنها ، وهكذا وإليهنّ أشار بالرّبائب جمع ربيبة لأنّ الرجل في الأغلب يكون يربّي ابنة زوجته في حجره.

٣ ـ حلائل الأبناء جمع حليلة إمّا من الحلّ ضدّ الحرمة ، لأنّه يحل له وطيها. أو من الحلول ، لأنّها تحل معه في فراشه. أو من الحلّ ضدّ العقد ، لأنّه يحلّ إزارها عند الجماع ، ففعيل ، على الثاني فاعل ، وعلى الثالث مفعول ، وقيّد بكون الابن للصّلب احترازا من الولد المتبنّى ولذلك قيل نزلت ردّا على المنافقين لمّا تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بزينب بنت جحش زوجة زيد ، والأبناء هنا أيضا شامل لولد الولد ، لأنه ولد [ ك ] لكن بواسطة.

٤ ـ الجمع بين الأختين في النكاح والتحريم هنا ليس تحريم عين ، فلو فارق

١٨٤

إحداهما بفسخ أو طلاق أو موت حلّت الأخرى ، ولذلك قيّد التحريم بالجمع وهنا فوائد :

١ ـ المملوكة الموطوءة تحرم أمّها وإن علت لأنّها أيضا من نسائه فتحرم أمّها وكذا بنتها وإن سفلت.

٢ ـ الدخول المشار إليه كناية عن الجماع لا أنه يدخل معها الستر أو الحجلة وعند أبي حنيفة أنّ اللّمس ونحوه ملحق بالجماع ونقل عن عمر أنه خلا بجاريته فجردها فاستوهبها ابنه فقال لا يحل لك وطيها.

وعن عطا : إذا نظر الرجل إلى فرج امرأة فلا ينكح أمّها ولا بنتها والحق ما ذكرناه أوّلا وبه قال ابن عباس وعلماء أهل البيت عليهم‌السلام إلّا من شد كابن الجنيد ومن تابعه لأصالة الحلّ الخالي عن موجب التحريم بغير الجماع ولقوله « فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ » واللّامس والناظر غير داخلين.

٣ ـ بنت الزّوجة تحرم سواء كانت في حجره أو لا ، وسواء ولدتها بعد مفارقته أو قبل نكاحه ، والتقييد للأغلبية كما قلنا. وقال داود الظاهريّ : إنّ التحريم يختص بمن ولدتها بعد مفارقته والإجماع على خلافه.

٤ ـ قوله « اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ » يحتمل أن يكون بيانا « لأمّهات نسائكم » في الجملة الاولى ، وأن يكون بيانا ل « نسائكم » في الثانية وأن يكون بيانا لهما معا ، ولذلك اختلف الصّحابة فيه :

فقال ابن عبّاس وزيد وابن عمر وابن الزبير بالأوّل حتّى أنهم قرأوا « أمّهات نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ » وهي قراءة شاذة وقال عمر وعمران بن حصين بالثاني ، وهو قول أكثر علماء أهل البيت عليهم‌السلام ولذلك حرم عندهم الام بمجرّد العقد على بنتها ، وهو الحقّ وروايات أهل البيت عليهم‌السلام متضافرة به

وروى الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجل تزوّج امرأة ثمّ طلقها قبل أن يدخل بها أنّه قال « لا بأس أن يتزوّج بنتها ولا يحل له أن يتزوّج أمّها (١) » ويؤيّده اعتبار

__________________

(١) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه

١٨٥

القرب في الصّفة الّتي يأتي بعد الجمل المتعدّدة.

لا يقال الربائب غنية عن البيان لأنهنّ لا يكنّ في حجره إلّا بعد الدخول بالأمّ فيكون قوله « مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ » تأكيدا والتأكيد مرجوح بالنسبة إلى التأسيس لأنّا نقول نمنع الأوّل فإنّ التقييد خرج مخرج الأغلبيّة.

وأمّا الثّالث وهو كونه بيانا لهما فضعيف لأنّ « من » إذا تعلّقت بالربائب كانت ابتدائيّة ، وإذا تعلّقت بالأمّهات كانت بيانيّة ، والكلمة الواحدة لا تحمل على معنيين عند جمهور الأدباء مع أنّ هذا قال به بعض علمائنا.

واستدلّ بحديثين عن الصادق عليه‌السلام قال الشيخ إنهما محمولان على التقيّة لأنّهما مخالفان للكتاب [ والسنّة ] لأنه تعالى عمّم تحريم « أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » وقيّد تحريم الربائب بالدخول بامّهاتهنّ ، فيكون الأوّل على عمومه ، ويؤيّده ما رواه إسحاق بن عمّار عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول في الآية : أبهموا ما أبهم الله (١) وتردّد العلّامة في مختلفة في الاحتمالين ، وبعض المتأخّرين حكم بكراهة أمّ غير المدخول بها والأجود التحريم للاحتياط إذ الفروج مبنيّة على الاحتياط التامّ.

٥ ـ حليلة الابن من الرضاع محرّمة إجماعا ولا دلالة في الآية على المنع بقوله « مِنْ أَصْلابِكُمْ » لما قلنا أنّه لإخراج ولد التبني ، وهل حكم الملموسة والمنظورة بالشهوة حكم الجماع في التحريم؟ قال أبو حنيفة : نعم ، وهو قول أكثر أصحابه كما حكيناه ، وبه قال بعض أصحابنا أيضا لما رواه محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه‌السلام وقد سأله عن الرّجل يكون له الجارية فيقبّلها هل تحلّ لولده فقال بشهوة؟ قلت : نعم ، قال ما ترك شيئا إذا قبّلها بشهوة ، ثمّ قال ابتدءا منه : إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت على أبيه وابنه قلت إذا نظر إلى جسدها؟ قال

__________________

من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في الدر المنثور ج ٢ ص ١٣٥

(١) الوسائل ب ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح ٢.

١٨٦

إذا نظر إلى فرجها وجسدها حرمت عليه (١) وبه قال العلّامة في مختلفة.

٦ ـ الجمع بين الأختين المعقود عليهما حرام إجماعا وهل يحرم الجمع بين الموطوءتين بالملك؟ الحقّ ذلك لظاهر الآية ، وعن عليّ عليه‌السلام وعثمان أحلّتهما آية وهي قوله « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » وحرّمتهما آية وهي هذه ، ورجّح عليّ عليه‌السلام التحريم وعثمان التحليل ، وقول عليّ عليه‌السلام أحقّ أن يتّبع لأنّ الحقّ يدور معه كيف ما دار ، ويؤيّده أيضا أنّ آية التحليل مخصوصة بلا خلاف فلا يكون قاطعة في الاستدلال ، هذا وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله « ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال (٢) ».

٧ ـ لا خلاف في أنّ النسب الحاصل من وطي الشبهة صحيح موجب لحرمة النكاح ، وكذا لا خلاف في أنّ الزنا لا يحصل به التحاق النسب ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد للفراش وللعاهر الحجر (٣) » وهل يحرم النكاح فلا يجوز نكاح بنته ولا أخته من الزنا أم لا؟ تقدّم الخلاف فيه.

٨ ـ أكثر أصحابنا والشافعيّة على أن الوطي بالشبهة ينشر حرمة المصاهرة لحصول النسب به ، ولأنّه أحوط وأمّا الزنا فهل ينشر حرمة المصاهرة فلا يجوز نكاح بنت المزنيّ بها ولا أمّها وتحرم على ابنه وأبيه أم لا؟ فيه خلاف.

قال بعض أصحابنا لا ينشر لعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) وقوله ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ولرواية هشام بن المثنّى عن الصّادق عليه‌السلام قال كنت عنده فقال له رجل : رجل فجر بامرأة أتحل له بنتها أم لا؟ قال نعم إنّ

__________________

(١) المصدر ب ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح ١ وفيه : ثم قال ابتداء منه : ان جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه قلت : إذا نظر الى جسدها ، فقال : إذا نظر الى فرجها وجسدها حرمت عليه.

(٢) أخرجه العلامة المجلسي في البحار ( الطبعة الحديثة ج ٢ ص ١٧٢ ) عن غوالي اللئالي.

(٣) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٧.

١٨٧

الحرام لا يفسد الحلال (١) وقال الأكثر بالتحريم إن كان سابقا لروايات كثيرة عن العيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام وكذا عن منصور بن حازم عنه عليه‌السلام ومحمّد ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٢) ولأنّه أحوط ولأنّه تصدق على المزنيّ بها اسم نسائه إذ الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ككوكب الخرقاء وهذا أجود للاحتياط في الفروج.

والجواب عن الآيتين أمّا الأولى فلأنّها مخصوصة فلا يكون حجّة قاطعة وأمّا الثانية فلأنّ المراد بما طاب ما حلّ ، وعن الرواية أنّ الفجور أعمّ من الزنا واللّمس وغيره ، مع أنّ في قوله « إنّ الحرام لا يفسد الحلال » إشارة إلى ما قلناه.

٩ ـ الوطي بالملك حكمه حكم العقد سواء ، في نشر الحرمة بالمصاهرة ، وكذا الوطي بالعقد المنقطع عندنا.

١٠ ـ لو زنا بعمّته أو بخالته حرمت عليه بناتهما عندنا تحريما مؤبدا ، ولو تزوّج امرأة حرمت عليه بنت أختها وبنت أخيها مع عدم رضاها إجماعا ومع إذنها قال أصحابنا يحلّ عليه إحداهما خلافا لباقي الفقهاء ولو جمع بين الامّ وبنتها في عقد فسد العقد ، وجاز نكاح البنت خاصّة فيما بعد ، ولو جمع بين الأختين في العقد فسد وجاز له استينافه على إحداهما.

وههنا فائدة حسنة جليلة غفل عن التنبيه عليها كثير وهي أنّ الاجتماع مطلوب لله سبحانه وتعالى ، ولذلك ندب الناس إلى الاجتماع في العبادات ليحصل لهم مع عبادة الله الكمال الممكن لهم ، وهو خروج ما بالقوّة إلى الفعل ، فكان بقاء الأشخاص ملزوما لذلك الاجتماع ، وحيث كان بقاء النوع ببقاء أشخاصه كان نوع الإنسان لا يحصل بقاؤه إلّا ببقاء أشخاصه وذلك لا يحصل إلّا بالتناكح ، و

__________________

(١) رواه في التهذيب ج ٢ ص ٢٠٧. الاستبصار ج ٣ ص ١٦٥.

(٢) راجع الكافي ج ٥ ص ٤١٥ باب الرجل يفجر بالمرءة الرقم ١ و ٢ و ٥.

١٨٨

التناكح لا يحصل إلّا بالمحبّة بين الزوجين ، ولذلك جعل سبحانه وتعالى المودّة بينهما من الآيات حيث قال ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (١) والمحبّة لا تحصل إلّا بالإنس والاجتماع ، فكان الانس والاجتماع مطلوبين له.

ولمّا كان النسب موجبا للمودّة والمحبّة ، لم يكن الاجتماع فيه مطلوبا لحصوله ، فلذلك لم يشرع نكاح الأقارب لحصول المودّة والاجتماع بينهم بدون النكاح ، وأمّا الأجانب فحيث فاتهم اجتماع النسب ندب إلى اجتماع السبب النكاحيّ لهم ، ولو ندب الأنساب إلى ذلك لكان ضائعا لا فائدة فيه لحصوله مع حرمان الأجانب [ عن ] ذلك ، فيفوت الاجتماع المطلوب لله من الناس.

ولذلك إذا ضعف الاجتماع النسبي كبنات العمّ والخال ، وبنات العمّة والخالة ، جبر الضعف بالإذن في نكاحهنّ ، ولمّا كان الرضاع موجبا لانفعال المزاج عن لبن المرضعة ولذلك قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « الرضاع يغيّر الطباع » (٢) كان فيه اجتماع أيضا مشابه لاجتماع النسب فكان حكمه حكمه في تحريم النكاح.

ولمّا كانت الطباع تنفر عن المشاركة في الخيرات وتحبّ الاختصاص بها كانت المشاركة ملزومة للتباغض المنافي للمحبّة ، ولذلك حرّم الجمع بين الأختين

__________________

(١) الروم : ٢١.

(٢) أخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٢٩٦ ـ الرقم ٣٨٠٩ في ترجمة صالح بن عبد الجبار ، وقال أتى بخبر منكر جدا ـ ثم ساق الحديث وهكذا أخرجه في لسان الميزان ج ٣ ص ١٧٢ ـ الرقم ٦٩٨ ، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير ج ٤ ص ٥٥ ـ الرقم ٤٥٢٥ ، والسراج المنير ج ٢ ص ٢٩٦ ، نقله عن القضاعي عن ابن عباس وجعل عليه رمز الضعف ، وقال المناوى في شرحه قال شارح الشهاب حديث حسن ، وقال العزيزي في شرح الحديث يعنى أن الرضاع بغير الصبي عن لحوقه بطبع والدية للطف مزاجه ، فينبغي للوالدين طلب مرضعة طيبة الأصل حسنة الأخلاق.

وأخرجه في الوسائل ب ٨٧ من أبواب أحكام الأولاد ح ٥ عن على عليه‌السلام : انه كان يقول : تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح فان الرضاع بغير الطباع.

١٨٩

لئلّا يقع التباغض بينهما ، وتنغص العيش على الرجل.

الثالثة ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) (١).

« الْمُحْصَناتُ » مرفوع عطفا على قوله « أُمَّهاتُكُمْ » أي وحرّمت المحصنات أى المزوّجات ما دمن في نكاح أزواجهنّ فهنّ على غيره حرام وكذلك ما حكمه حكم النكاح كالمعتدّات وقرئ بفتح الصّاد كما قلناه ، وبكسرها على أنّه اسم الفاعل لأنهنّ أحصنّ فروجهنّ بالتزوج ، قوله « إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » استثناء من الإماء المزوّجات ، ثمّ يحدث لهنّ استرقاق إمّا باشتراء أو اتّهاب أو ميراث أو سبي أو غير ذلك ، فانّ المالك الجديد له فسخ النكاح والوطي بعد العدّة ، ويدخل فيه أيضا الأمة المزوّجة بمملوك السيّد ، فانّ له فسخ نكاحها ، فيجوز له وطيها بعد العدّة.

وقال أبو حنيفة : إنّ السبي لا يرفع النكاح ، ولا يحلّ بذلك للسابي ، وإطلاق الآية حجّة عليه ، وكذا خبر أبي سعيد الخدري يدل على ذلك ، وهو أنّ المسلمين أصابوا في غزاة أوطاس سبايا ، ولهنّ أزواج في دار الحرب ، فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا لا توطأ الحبالى حتّى يضعن ، ولا غير الحبالى حتّى يستبرئن بحيضة (٢) وقد أشار الفرزدق (٣) في شعره إلى ذلك بقوله :

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) مجمع البيان ج ٣ ص ٣٠ سنن أبى داود ج ١ ص ٤٩٧.

(٣) هو همام بن غالب بن صعصعة ، ينتهي نسبه الى تميم باثنتي عشرة واسطة ، وتميم أبو قبيلة معروفة ينتهى نسبه الى الياس بن مضر.

وكنيته أبو فراس شهير بالفرزدق شاعر من النبلاء من أهل البصرة عظيم الأثر في اللغة ، وكان يقال : لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب ، وترى ترجمته من ص ٤٩٧ ـ الى ٥٠٠ باب الفاء روضات الجنات ، وص ٦٨ ج ٩ من كتاب الاعلام ، ومن ص ١٦٩ ٢٠٤ ج ٢ من كتاب

١٩٠

__________________

الهجاء والهجاؤن ، والخزانة للبغدادى من ص ١٥٠ ـ ١٥٤ في شرح الشاهد الثلاثين والدرجات الرفيعة ص ٥٤١ ـ ٥٥٦.

ولقد اثنى عليه السيد المرتضى في المجلس الخامس من الأمالي من ص ٤٣ ـ ٤٩ وقال والفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلاغته في الذروة العليا والغاية القصوى ، شريف الإباء ، كريم البيت ، له ولابائه مآثر لا تدفع ولا تجحد.

والفرزدق هو الذي قال القصيدة الغراء المعروفة بين الفريقين في مدح سيدنا المظلوم الامام زين العابدين عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام ، أنشدها الكشي أيضا في رجاله انظر ص ١١٨ ـ ١٢١ ( طبع النجف ) ومطلعها :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

وفيه : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق ، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة : فبلغ ذلك على بن الحسين عليه‌السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم ، وقال : أعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك ، فردها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ورسوله ، وما كنت لازرء عليه شيئا ، فردها عليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها.

ـ وفي رواية ابن خلكان قال. مدحته لله لا للعطاء ، فقال : انا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيد ، فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس فبعث إليه فأخرجه.

قال العلامة البهبهاني في حواشيه الرجالية على منهج المقال ص ٢٥٩ قال جدي رحمه‌الله تعالى : وذكر عبد الرحمن الجامى في سلسلة الذهب هذه القصيدة منظومة بالفارسية وذكر أن كوفية رأت في النوم الفرزدق وقالت له : ما فعل الله بك. قال : غفر الله لي بقصيدة على بن الحسين ، قال الجامى وبالحرى ان يغفر الله للعالمين بهذه القصيدة. مع اشتهاره بالنصب والعداوة.

وقد صدع العلامة السيد عليخان المدني الشيرازي في الدرجات الرفيعة بالرد على من زعم أن القصيدة للحزين الليثي قالها في قثم بن العباس ، وان الفرزدق أنشدها في على بن الحسين عليه‌السلام قال قدس‌سره : اما كون القصيدة بتمامها في قثم بن العباس فأمر يشهد بعض

١٩١

وذات حليل أنكحتها رماحنا

حلال لمن يبني بها لم تطلّق (١)

__________________

أبيات القصيدة باستحالته ، كما تراه وأما انشاد الغرزدق لها في علي بن الحسين عليه السلام فقد ذكره كثير من الرواة من الرواة والمؤرخين.

وفي الخزانه قال صاحب العباب قال الليث الفرزدق الرغيف الذي يسقط في التنور ويقال أيضا الفرزدقة قال وقال بعضهم هوفتات الخبز وقال غيره الفرزدق القطعة من العجين واصلها بالفارسية برازده وقال ابن فارس هذه كلمة منحونة من كلمتين من فرز ومن دق لانه دقيق يعجن ثم افرزت منه قطعة فهي من الافراز والدقيق انتهي ثم قال البغدادي فلقب لاحد هذه المعاني وشرح شواهدها كلها فراجع.

(١) أنشده البيضاوي عند تفسير الآية ، وقال الشهاب في شرحه ج ٣ ص ١٢٣ : الحليل : الزوج ، وإسناد الإنكاح الى الرماح مجاز ، وحلال صفة ذات تجرى على إعرابه ، وذكر لانه مصدر أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هي حلال ولمن يبنى بها اى يدخل عليها ، متعلق بحلال ، وهو من شواهد الكشاف أيضا عند تفسير الآية ج ١ ص ٣٩١.

وقال الأفندي في شرحه على شواهد الكشاف ص ١٣٢ : روى انه قيل للحسن وعنده الفرزدق : ما تقول فيمن يقول : لا والله وبلى والله؟ فقال : أما سمعت قولي ذلك ، قال الحسن : ما قلت؟ قال : قلت :

فلست بمأخوذ بلغو تقوله

إذا لم تعمد عاقدات العزائم

فقال الحسن : أحسنت ، ( أقول قد مر هذا البيت فيما استشهد به المصنف قدس‌سره ص ١٢١ فراجع ).

ثم قيل : ما تقول فيمن سبى امرءة ولها حليل؟ فقال : أما سمعت قولي وانشد : وذات حليل إلخ ، فقال الحسن : كنت أراك أشعر ، فإذا أنت أشعر وأفقه أيضا.

وقال الصاوى في شرحه على ديوان الفرزدق ج ٢ ص ٥٧٦ : روى صاحب العمدة أن الفرزدق كان يجلس عند الحسن البصري فجاءه رجل فقال : يا أبا سعيد انا نكون في هذه البعوث والسرايا فنصيب المرأة من العدو ، وهي ذات زوج ، أفتحل لنا من قبل أن يطلقها زوجها؟ فقال الفرزدق : قلت أنا مثل هذا في شعري ، وقال الحسن : وما قلت؟ فأنشده هذا البيت ، وذات حليل إلخ. فقال الحسن : صدق فحكم بظاهر قوله. وقال صاحب العمدة : وما أظن الفرزدق إلا أراد مذهب الجاهلية في السبايا.

وأنشد البيت أيضا الشوكانى في نيل الأوطار ج ٦ ص ١٧٦ فراجع.

١٩٢

قوله « كِتابَ اللهِ » مصدر مؤكّد أي كتب الله عليكم تحريم المذكورات كتابا.

فائدة : الإحصان يقال على معان الأوّل بمعنى العفّة كقوله تعالى « ( أَحْصَنَتْ فَرْجَها ) (١) » الثاني بمعنى الزواج كالمذكور في الآية ، الثالث بمعنى الحرّيّة كقوله ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ ) (٢) على قول تقدّم ، الرابع : بمعنى الإسلام كقوله ( فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ ) (٣) على أحد التفسيرين.

الرابعة ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ ) (٤).

هل اسم المشرك مختصّ بمن ليس بكتابيّ من الكفّار أو هو شامل لكلّ كافر منكر لنبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قيل بالأوّل للعطف على أهل الكتاب في قوله « لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ » (٥) والعطف يقتضي

__________________

(١) الأنبياء : ٩١ ، التحريم : ١٢.

(٢) النساء : ٢٥.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) البقرة : ٢٢١. وتمامه والله يدعو إلى الجنة والمغفرة باذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ، وقد يوجد في بعض النسخ.

(٥) البينة : ١. وكذا في قوله تعالى « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ » الآية : ٧ ، البينة ، وكذا في قوله تعالى : ( لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً ) ، الآية ١٩٥ آل عمران ، وكذا في قوله تعالى ( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ) الآية ١٥٥ ، البقرة ، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ، الآية ٩٦ البقرة وكذا قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) ، الآية ١٧ ، الحج ، وكذا قوله تعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى )

١٩٣

__________________

الآية ٨٢ ، المائدة ، وقد تقدم كلام لنا في التذييل على المجلد الأول ص ٥٠ فراجع.

ثم انه للعلامة الطباطبائي مد ظله بيان متين في كتابه الميزان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٢١١ ـ ٢١٣ ، حقيق بان ننقله لمزيد الفائدة : قال مد ظله العالي : والمشركات اسم فاعل من الإشراك بمعنى اتخاذ الشريك لله سبحانه ، ومن المعلوم أنه ذو مراتب مختلفة بحسب الظهور والخفاء نظير الكفر والايمان ، فالقول بتعدد الإله واتخاذ الأصنام والشفعاء شرك ظاهر ، وأخفى منه ما عليه أهل الكتاب من الكفر بالنبوة ـ وخاصة ـ انهم قالوا ( عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) أو ( الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) ، وقالوا ( نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ ) وهو شرك ، وأخفى منه القول باستقلال الأسباب والركون إليها وهو شرك ، الى أن ينتهي الى ما لا ينجو منه الا المخلصون وهو الغفلة عن الله والالتفات الى غير الله عزت ساحته فكل ذلك من الشرك ، غير أن إطلاق الفعل غير إطلاق الوصف والتسمية به ، كما أن من ترك من المؤمنين شيئا من الفرائض فقد كفر به لكنه لا يسمى كافرا. قال تعالى : « وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الى أن قال وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » آل عمران ٩٧. وليس تارك الحج كافرا بل هو فاسق كفر بفريضة واحدة. ولو أطلق عليه الكافر قيل كافر بالحج ، وكذا سائر الصفات المستعملة في القرآن كالصالحين والقانتين والشاكرين والمتطهرين ، وكالفاسقين والظالمين الى غير ذلك لا تعادل الافعال المشاركة لها في مادتها ، وهو ظاهر ، فللتوصيف والتسمية حكم ، ولإسناد الفعل حكم آخر.

على أن لفظ المشركين في القرآن غير ظاهر الإطلاق على أهل الكتاب بخلاف لفظ الكافرين بل إنما أطلق فيما يعلم مصداقه على غيرهم من الكفار كقوله تعالى « لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ » البينة ـ ١ وقوله تعالى « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » التوبة ـ ٢٩ وقوله تعالى « كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ » التوبة ـ ٨ وقوله تعالى « وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً » التوبة ـ ٣٧ وقوله تعالى « فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » التوبة ـ ٦. الى غير ذلك من الموارد.

وأما قوله تعالى « وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » البقرة ـ ١٣٥ فليس المراد بالمشركين في الآية اليهود والنصارى ليكون تعريضا بهم بل الظاهر أنهم غيرهم بقرينة قوله تعالى « ما كانَ إِبْراهِيمُ

١٩٤

__________________

يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » آل عمران ـ ٦٧.

ففي إثبات الحنف له عليه‌السلام تعريض لأهل الكتاب ، وتبرئة لساحة إبراهيم عن الميل عن حلق الوسط إلى مادية اليهود محضا والى معنوية النصارى محضا بل هو عليه‌السلام غير يهودي ولا نصراني ومسلم لله غير متخذ له شريكا كالمشركين عبدة الأوثان.

وكذا قوله تعالى « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ » يوسف ـ ١٠٦ وقوله تعالى « وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ » فصلت ـ ٦ وقوله تعالى « إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ » النحل ـ ١٠٠. فان هذه الايات ليست في مقام التسمية بحيث يعد المورد الذي يصدق وصف الشرك عليه مشركا غير مؤمن ، والشاهد على ذلك صدقه على بعض طبقات المؤمنين ، بل على جميعهم غير النادر الشاذ منهم وهم الأولياء المقربون من صالحي عباد الله.

فقد ظهر من هذا البيان على طوله : أن ظاهر الآية أعنى قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) قصر التحريم على المشركات والمشركين من الوثنيين دون أهل الكتاب.

ومن هنا يظهر : فساد القول بأن الآية ناسخة لاية المائدة وهي قوله تعالى « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) الآية » المائدة ـ ٦.

أو أن الآية أعنى قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) ، وآية الممتحنة أعني قوله تعالى « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » الممتحنة ـ ٢٠ ناسختان الآية المائدة ، وكذا القول بأن آية المائدة ناسخة لآيتي البقرة والممتحنة.

وجه الفساد : أن هذه الآية أعنى آية البقرة بظاهرها لا تشمل أهل الكتاب وآية المائدة لا تشمل إلا الكتابية فلا نسبة بين الآيتين بالتنافي حتى تكون آية البقرة ناسخة لاية المائدة أو منسوخة بها ، وكذا آية الممتحنة وان أخذ فيها عنوان والكوافر وهو أعم من المشركات ويشمل أهل الكتاب ، فان الظاهر أن إطلاق الكافر يشمل الكتابي بحسب التسمية بحيث يوجب صدقه عليه انتفاء صدق المؤمن عليه كما يشهد به قوله تعالى : « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ » البقرة ـ ٩٨ الا أن ظاهر الآية كما سيأتي إنشاء الله العزيز أن من آمن من الرجال وتحته زوجة كافرة يحرم عليه الإمساك بعصمتها أى إبقائها على الزوجية السابقة إلا أن تؤمن فتمسك بعصمتها ، فلا دلالة لها على

١٩٥

المغايرة ، وفيه نظر لأنّا نمنع كون العطف يقتضي المغايرة مطلقا بل إذا لم يدع إلى العطف فائدة أمّا معها فلا كقوله « جِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) (١) » و « نَخْلٌ وَرُمّانٌ ) (٢) » مع أنا نقول : إنّ العطف هنا للعامّ على الخاصّ ، وهو موافق للقاعدة ، وهو وجوب مغايرة المعطوف للمعطوف عليه ، والحال هنا كذلك فانّ المشرك أعم من الكتابيّ.

وقيل بالثّاني لقوله « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٣) » ولا شكّ في كراهة أهل الكتاب لنبوّته عليه‌السلام ولقوله تعالى في حقّهم « وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ » إلى قوله « سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ » (٤) ولقول النصارى بالتثليث.

فعلى الأوّل الآية عامّة باقية الحكم ، غير منسوخة اتّفاقا ، فيحرم نكاح المشركة وإنكاح المشرك ، وعلى الثاني قيل : هي أيضا عامّة ولا يحل نكاح الكتابيات أيضا ويؤيّده قوله « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » (٥) فتكون ناسخة للاية

__________________

النكاح الابتدائي للكتابية.

ولو سلم دلالة الآيتين أعنى : آية البقرة وآية الممتحنة على تحريم نكاح الكتابية ابتداء لم تكونا بحسب السياق ناسختين لاية المائدة ، وذلك لان آية المائدة واردة مورد الامتنان والتخفيف ، على ما يعطيه التدبر في سياقها ، فهي آبية عن المنسوخية بل التخفيف المفهوم منها هو الحاكم على التشديد المفهوم من آية البقرة ، فلو بنى على النسخ كانت آية المائدة هي الناسخة.

على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة ، وسورة الممتحنة نزلت بالمدينة قبل فتح مكة ، وسورة المائدة آخر سورة نزلت على رسول الله ناسخة غير منسوخة ولا معنى لنسخ السابق اللاحق. انتهى

(١) البقرة : ٩٨ ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ).

(٢) الرحمن : ٦٨ ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ).

(٣) براءة : ٣٣ ـ الصف : ٩.

(٤) براءة : ٣٠.

(٥) الممتحنة : ١٠.

١٩٦

في المائدة وهي قوله « وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ ] وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) الآية.

وقيل بعدم نسخ آية المائدة لأنّ المائدة آخر ما نزل كما قيل ، ولأنّ الأصل عدم النّسخ فعلى هذا يكون هذه مخصّصة بآية المائدة لما تقرّر في الأصول أن التخصيص خير من النسخ ، فلذلك حكم بعض أصحابنا بتحريم الكتابيّات مطلقا على الأوّل من الثاني ، وبعضهم حكم بحلّ الكتابيّات مطلقا على الثاني منه وهو قول شاذّ ينسب إلى ابن الجنيد.

والمتأخّرون من الأصحاب حكموا بحلّ الكتابيّات متعة لا غير لأنّ آية المائدة لا تدل على إباحة نكاح الدّوام بل نكاح المتعة لقوله تعالى « إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » ولم يقل مهورهنّ ، وعوض المتعة سمّي اجرا لقوله « فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » (٢)

وفي هذا القول نظر أمّا أوّلا فلأنّ آية المائدة منسوخة بقوله « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » كما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام ونمنع كون المائدة آخر القرآن نزولا لعدم الدلالة القاطعة عليه ، وعلى تقديره جاز أن يكون أكثرها هو الأخير نزولا عن جملة السورة ، ويكون هذه الآية ضمّت إليها بعد نسخها ، وتكون من الّذي نسخ حكمه دون تلاوته كآية عدّة الوفاة بالحول وأمّا ثانيا فلأنّا نمنع دلالتها على المتعة فإنّ المهر مطلقا يسمّى أجرا كقوله « عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ » (٣).

ويمكن أن يجاب أمّا عن الأوّل فلأنّها جزء من المائدة قطعا ، وتأخّر المائدة مشهور (٤) وقرائن أحكامها تدل عليه مع أصالة عدم النسخ وأمّا عن الثاني

__________________

(١) المائدة : ٥.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) القصص : ٢٧.

(٤) بل مروي في كتب الشيعة وأهل السنة ، فقد روى العياشي عن زرارة عن ابى

١٩٧

فلأنّ اشتراط إيتاء المهر في الحلّ دليل على إرادة المتعة لعدم اشتراط ذلك في صحّة الدائم نعم الأجود تحريم الكتابيّات اختيارا مطلقا لوجوه :

الأوّل أنّها مشركات ولا شي‌ء من المشركات يحل نكاحهنّ والمقدّمتان تقدّم تقريرهما.

الثاني أنّ الكتابية لا تواد ، وكلّ زوجة تواد ، فلا شي‌ء من الكتابيّة

__________________

جعفر عليه‌السلام قال قال على بن أبى طالب صلوات الله عليه : نزلت المائدة قبل أن يقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهرين أو ثلاثة ، وفي رواية أخرى عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله.

وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن على عليه‌السلام قال : كان القرآن ينسخ بعضه بعضا ، وانما كان يؤخذ من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بآخره ، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة فنسخت ما قبلها ، ولم ينسخها شي‌ء. لقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء ، وثقل عليه الوحي ، حتى وقفت وتدلى بطنها ، حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض ، وأغمي على رسول الله حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي ، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقرأ علينا سورة المائدة ، فعمل رسول الله وعلمنا. ( انظر العياشي ج ١ ص ٢٨٨ ، البحار ج ١٩ ص ٦٩ ، البرهان ج ١ ص ٤٣٠ ).

وروى الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة قال : سمعته يقول : جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم على عليه‌السلام فقال : ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله يمسح على الخفين فقال على : قبل المائدة أو بعدها؟ فقال : لا أدرى فقال على عليه‌السلام : سبق الكتاب الخفين انما نزلت المائدة قبل ان يقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهرين أو ثلاثة ، انظر التهذيب ص ٣٦١ ج ١ ، الرقم ١٠٩١ وفي الرقم ١٠٨٨ و ١٠٩٢ من حديث أبى عبد الله وابى جعفر عليهما‌السلام أيضا حكاية قول على عليه‌السلام « سبق الكتاب الخفين ».

واما من طرق أهل السنة ، فقد نقل الشوكانى في عدة روايات بطرق مختلفة تدل على كون المائدة آخر القرآن نزولا ، وفي بعضها « لم تنسخ منها الا آية القلائد » وفي بعضها إلا آية القلائد ، وقوله « فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ ».

وقد نص المصنف أيضا ـ رحمه‌الله ـ بكونها آخر القرآن نزولا في ص ٨ ج ١ من هذه الطبعة ، وسبق منا كلام في ص ١٨ و ١٩ من ج ١ فراجع.

١٩٨

بزوجة أمّا الصغرى فلقوله « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١) » وهي محادّة وأمّا الكبرى فلقوله تعالى « وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً » (٢).

الثالث أنّها كافرة ولا شي‌ء من الكافرة بذات عصمة أمّا الصغرى فظاهرة ، وأمّا الكبرى فلقوله « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » (٣) والنكاح عصمة وهو ظاهر وأمّا حال الاضطرار وهو حصول المشقّة بالترك ، وخوف الوقوع في العنت ، فيجوز المتعة بهنّ وعليه يحمل آية المائدة فيكون مخصّصة لما تقدّم ، وكذا تحمل الروايات الواردة بالإباحة.

واعلم أنّ ملك اليمين هنا كالمتعة في الجواز عند الصرورة وأمّا حال الاختيار فحكمه كالعقد في المنع وأطبق فقهاء العامّة على إباحة الكتابيّات مطلقا وهنا فوائد :

__________________

(١) المجادلة : ٢٢ ، ولا يخفى عليك أن الظاهر من الآية موادة المحاد من حيث المحادة لتعلقها على الوصف الظاهر في العلية ، ولا يصح الحمل على اللوازم لجواز صلة المحاد لقوله تعالى « وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل كبد حراء أجر ، ولا ريب في تحريم الموادة من حيث المحادة ، بل منافاتها للايمان.

فالظاهر أن الغرض من هذا الحكم نفى الايمان عن الذين كانوا يدعون الايمان ويضمرون الموادة للكفار المعلنين بالكفر وهم المنافقون الذين كان يعرفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلحن القول وإشارات الوحي ، وترك التصريح لان الكناية أبلغ من التصريح وادعى الى الرجوع الى الحق ، وأمنع من تظاهرهم بالأمر ولحوقهم بالكفار.

(٢) الروم : ٢١. وفيه منع كون التزويج موادة ، فإنه ربما كان للحاجة دون المودة والآية محمولة على الغالب لتحقق النشوز والشقاق المنافيين للمودة ، مع ما قد عرفت بما لا مزيد عليه ، أن المودة المنهي عنها انما هو موادة المحاد من حيث المحادة.

(٣) الممتحنة : ١٠ ، ولا يخفى عليك ان المتبادر من الآية ولفظ الإمساك : النهي عن البقاء على نكاح الكوافر واستدامته ، كما نص عليه المفسرون ، وقد أجمع الفقهاء على بقاء النكاح إذا أسلم زوج الذمية دونها كما سيصرح به المصنف ، فالاية مخصوصة بالكوافر غير الكتابيات ، ولا يمكن أن تكون ناسخة لحل الكتابيات ، ولا يجدى أولوية المنع عن الابتداء ، بعد انتفاء حكم الأصل.

١٩٩

١ ـ قال الراوندي : في الآية دلالة على جواز نكاح الأمة مطلقا من غير شرط عدم الطول وخشية العنت ، وفيه نظر لأنّ المطلق يحمل على المقيّد مع المعارضة كما تقرّر في الأصول.

٢ ـ في الآية إشارة إلى اشتراط الايمان في النكاح لوجهين أحدهما قوله « وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ». « وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ » وثانيهما تعليله بأنّ « أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ » ولا شبهة أنّ المخالف يدعو إلى النار فلا يجوز نكاحه وإنكاحه نعم لما كانت المرأة سريعة الانفعال ضعيفة العقل ، جاز نكاح المؤمن المخالفة دون العكس ، ولهذا قيل : المرأة تأخذ من دين بعلها.

٣ ـ في تعليله بأنّ « أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ » إشارة إلى كونه كبيرة وأيضا فإنّ النكاح يستلزم إرادة دوامه ولا صغيرة مع الإصرار.

٤ ـ قيل : النهي في الآية لا شكّ في إفادته التحريم لكن نمنع إفادته الفساد لما تقرّر أنّ النهي في غير العبادات لا يفسده أجيب : قد تقرّر في الأصول أنّ النهي في المعاملة إن كان عن الشي‌ء لذاته أو لجزئه أو للازمه ، أفاد الفساد كبيع الحصاة والملاقيح والرّبا وحينئذ نقول : وإن كان النكاح حقيقة في العقد أو الوطي أو مشتركا فالنهي متوجّه إلى الشي‌ء لذاته أو للازمه ، فيكون مفيدا للفساد وهو المطلوب.

٥ ـ أنه لا خلاف في أنّ الذميّ إذا أسلم فهو باق على نكاحه ، فيكون مخصّصا لعموم « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ». « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ » بالإجماع والنّصّ الحديثيّ.

٦ ـ لقائل أن يقول إنّ « خيرا » في قوله « خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ » و « خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ » أفعل التفضيل ، المستلزم للمشاركة ، فيفيد زيادة خيريّة نكاح المؤمنة وإنكاح المؤمن ، فيكون في خلافهما خيريّة مّا ، فلو كان فاسدا لما كان كذلك فيجاب بأنّ الخيرية في هذه ليست باعتبار صحّة النكاح وفساده ، بل لمّا كان الجمال والحسب والمال بواعث على النكاح ، وتلك خيرات دنيويّة ، فهي مشاركة للخيرات الدينيّة الحاصلة في نكاح المؤمنين ، في مطلق الخيريّة ، لكن الخيارات الدّينيّة

٢٠٠