كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

ولطريقة الاحتياط ولاختصاص آية الوضع بالمطلّقات ، ولو سلّم عمومها فهي مخصوصة بإجماع الإماميّة لدخول المعصوم فيهم.

وقال الجمهور : آية الوضع عمومها بالذات « وأزواجا » عمومها بالعرض وهو وقوعها تبعا للعامّ ، وهو « الّذين » والمحافظة على العموم الأوّل أولى ، ولأنّ الحكم معلّل بالوضع الموجب لنقاء الرّحم من ماء الميّت الّذي تعتدّ لأجله بخلاف آية ( أَزْواجاً ) ولأنّها متأخّرة نزولا فتقديمها تخصيص وتقديم تلك بناء للعامّ على الخاصّ والأوّل أرجح للاتّفاق عليه.

والجواب عن الأوّل بأنّه لا فرق بينهما عند الأصوليّين وعن الثاني بأنّ العلّة حاصلة على قولنا أيضا على أنّا نمنع أنّ الوضع علّة وعن الثّالث بأنّ التخصيص والبناء معا دليلان ، فلا فرق بينهما.

وهنا فوائد تتضمّن أحكاما :

١ ـ أنّها تبين بالوضع بعد الطلاق ولو بلحظة.

٢ ـ أنّه لا يشترط في الوضع التماميّة فلو وضعت علقة بانت بها.

٣ ـ لو كانت حاملا باثنين فوضعت واحدا بانت لكن لا تنكح حتّى تضع الآخر إلّا أن يكون الناكح الزّوج بعقد جديد.

٤ ـ أنّ الوضع للحمل يتساوى فيه الحرّة والأمة ، وأمّا الأشهر فعدّة الأمة فيها النصف.

قوله ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ ) أي من النساء والرّجال في أحكام العدّة يسهّل عليه أموره.

الخامسة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ) (١).

__________________

(١) الأحزاب : ٤٩.

٢٦١

هنا فوائد :

١ ـ أنّ النكاح لم يجي‌ء في القرآن إلّا بمعنى العقد وهو دليل على كونه حقيقة فيه شرعا ، ولأنّه لو استعمل في الوطء لكان تصريحا بكونه حقيقة فيه لغة لا شرعا لأنّ من دأب القرآن التعبير عنه بالملامسة والمماسّة والمقاربة والتغشّي والإتيان والدخول والوطء والكلّ كناية وليس الصّريح فيه لغة إلّا النيك.

٢ ـ أنّ المراد بقوله ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) أي تنيكوهنّ ، وليست الخلوة الخالية عن ذلك قائمة مقامه في إسقاط العدّة واستقرار المهر جملة خلافا لأبي حنيفة.

٣ ـ في قوله ( فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ ) تنبيه على أنّ العدّة حقّ للزّوج لكون الرجوع للزوج فيها لا بعدها والزّوجة وإن كان لها حقّ النفقة والإسكان لكن حقّه أقوى ، لأنّ المنع من التزويج بغيره لأجله لا لها.

٤ ـ قوله ( تَعْتَدُّونَها ) بمعنى تستوفون عددها ، من عددت لهم الدّراهم فاعتدّها ، كقولك كلته فاكتال ووزنته فاتّزن.

٥ ـ أنّ الأمر بالتمتّع إمّا على الندب إذ لا متعة لغير المفروضة عند الأكثر أو المراد به نصف المهر أو الأمر مقيّد بعدم الفرض ، وليس المراد بالسراح هنا الطلاق إجماعا بل المراد به الإخراج من المنزل ، لعدم وجوب العدّة هنا فلا يجب الإسكان وكونه « جميلا » أى من غير إضرار ولا إخلال بحقّ.

والآية صريحة في عدم وجوب العدّة على غير المدخول بها.

السادسة ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (١).

( الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ ) مبتدأ ( يَتَرَبَّصْنَ ) خبر مبتدأ محذوف ، تقديره أزواجهم

__________________

(١) البقرة : ٢٣٤.

٢٦٢

يتربّصن حذف لقرينة قوله تعالى ( وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) وتقدير الكلام والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا أزواجهم يتربّصن ، والمبتدأ الثاني مع خبره خبر للمبتدإ الأوّل.

وقيل : إنّ التقدير أزواج الّذين يتوفّون ، فحذف المضاف وأقيم المضاف » إليه مقامه ، وفيه نظر لأنّه لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله ( وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) لأنّ ذلك يعلم من تأنيث الضّمير. وتأنيث العشر باعتبار اللّيالي لأنّها غرر الشهور والأيّام ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قطّ حتّى أنّهم يقولون صمت عشرا ويدلّ عليه قوله تعالى ( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا عَشْراً ) (١) ثمّ قال ( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا يَوْماً ) إذا عرفت هذا ففي الآية أحكام :

١ ـ أنّها ناسخة للآية الّتي بعدها في الترتيب وهي قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ) فإنّ ذلك كان في أوّل الإسلام أعني العدّة سنة والنفقة والإسكان ، ثمّ نسخ ، وهو قول أبي حنيفة وعند الشافعيّ الإسكان ثابت لم ينسخ ، وقال أبو مسلم الأصفهانيّ إنّ حكمها باق في الحامل.

وقال شاذّ من فقهاء العامّة وهو أبو حذيفة أنّه إن أوصى للزّوجة بشي‌ء وأنفق الورثة عليها فالحول ، وإن لم يوص وامتنع الورثة من الإنفاق كان لها أن يتصرّف في نفسها كيف شاءت بعد أربعة أشهر وعشر ، وهذان القولان انعقد الإجماع على بطلانهما ، نعم تضمّنت الآية الوصيّة للزّوجة فعند فقهاء العامّة أنّها منسوخة أيضا بآية الإرث من الثمن والرّبع ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا وصيّة لوارث » وعندنا الوصيّة جائزة لها وإن كانت وارثة لما يأتي من جواز الوصيّة للوارث.

٢ ـ أنّها عامّة في المدخول بها وغيرها ، الصغيرة والكبيرة والحامل والحائل لكنّ الحامل بأبعد الأجلين كما تقدّم ، وكذا حكمها ثابت في الدائم والمنقطع

__________________

(١) طه : ١٠٣ و ١٠٤.

٢٦٣

على الأقوى ، وهل حكمها ثابت في الأمة ، كما في الحرّة؟ للأصحاب قولان بعضهم أجرى في الأمة عمومها. وهو قول الشافعيّ والأصمّ وبعض جعل عدّتها النصف من ذلك وهو الأقوى أمّا أمّ الولد يموت سيّدها فحكم الأمة غير ثابت فيها قطعا (١) لكونها حال الاعتداد حرّة.

٣ ـ هذه العدّة ليس فيها إنفاق ولا إسكان ، فلها أن تبيت حيث شاءت نعم يجب فيها الحداد وهو ترك الزينة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت أكثر من ثلاثة أيّام إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا (٢) فهل ذلك واجب على الأمة؟ قيل : نعم ، لعموم الحديث وقيل لا ، لأصالة البراءة والحديث عن الباقر عليه‌السلام كما رواه زرارة « الحرّة تحدّ والأمة لا تحد » (٣) وعليه الفتوى.

٤ ـ العدّة في الطلاق مبدأها وقوعه لأنّه السبب فلا يتأخّر مسبّبه أمّا هذه فمبدؤها للحاضر الموت ، وللغائب بلوغ الخبر ، ولو بخبر واحد فاسق لأنّه تكليف يكفي في ثبوته الظنّ لكن لا تنكح حتّى تثبت الموت بشاهدين عدلين أو بالشياع.

٥ ـ علّل بعضهم التقدير بالأربعة أشهر وعشر بأنّ الجنين في الغالب يتحرّك بثلاثة أشهر إن كان ذكرا ولأربعة إن كان أنثى فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا إذ ربما يضعف حركته في المبادي فلا يحسّ بها.

٦ ـ قوله ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) أي انقضى أجلهنّ ( فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ) من التعرّض للأزواج ، وعدم الحداد وغير ذلك ، إذا فعلن ذلك ( بِالْمَعْرُوفِ ) أي الوجه الّذي لا ينكره العقل ولا الشّرع. دلّ مفهومه على وجوب الإنكار عليهنّ لو فعلن خلاف المعروف.

__________________

(١) فحكم الآية ثابت فيها قطعا خ.

(٢) أخرجه في المستدرك ج ٣ ص ٢١ عن غوالي اللئالي.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٧٠.

٢٦٤

السابعة ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١).

قالت الشافعيّة المراد التطليق الرّجعيّ اثنان لما روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل أين الثالثة فقال عليه‌السلام « أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ » وقال أصحابنا والحنفيّة (٢) المراد

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) الا ان الحنفية قائلون بأنه إذا طلقها في طهر واحد ثنتين أو ثلاثا دفعة واحدة أو متفرقة فعل محرما وعصى وأثم ، الا أن ذلك واقع ، وبه قال مالك أيضا والإمامية قائلون بعدم الوقوع كما سيصرح به المصنف رضوان الله عليه.

وعلى كل ، فكفانا كتاب الله العزيز وقد قال : الطلاق مرتان ـ الى آخر الآية ـ إذ لا يفهم منه الا وقوع الطلاق مرة بعد مرة ، وهذا يقتضي أن تكون تطليقتين متفرقتين لأنهما ان كانا مجتمعتين لم يكن مرتين ، وتعريف الطلاق بالألف واللام أيضا لبيان أن الطلاق المشروع مرتان ، فما جاء على هذا فليس بمشروع.

ثم قوله سبحانه في آخر الآية ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) كالصريح في أن الطلاق الذي يمنع عن الرجوع هو الثالث الواقع بعد المرتين اللتين كان الزوج فيهما مخيرا بين الإمساك والتسريح بإحسان ، أي تركها وشأنها مع الإحسان إليها حتى في هذه المرحلة الأخيرة من حياتهما الزوجية.

قال الزمخشري في تفسير الآية ص ٢٧٨ ج ١ من الكشاف : التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ، ولم يرد بالمرتين التثنية ، ولكن التكرير كقوله ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) أي كرة بعد كرة ، لا كرتين اثنتين انتهى ما أردنا نقله.

أقول : ولأجل ذلك جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلاف ذلك تلاعبا بكتاب الله ففي سنن النسائي ج ٦ ص ١٤٢ :

أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب قال : أخبرني مخرمة عن أبيه قال : سمعت محمود بن لبيد قال : أخبر رسول الله عن رجل طلق امرءته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله؟.

٢٦٥

__________________

قال السندي في شرحه « أيلعب بكتاب الله » يحتمل بناء الفاعل أو المفعول ، أى يستهزء به ، والمراد به قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ـ الى قوله ـ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ) فان معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال مرة واحدة ، ولم يرد بالمرتين التثنية ومثله قوله تعالى ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) اى كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين.

ثم بين معنى الإمساك بمعروف ، ثم قال : وقوله ( لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ) أى بالجمع بين الثلاث ، والزيادة عليها ، فكلاهما لعب واستهزاء ، والحد والعزيمة ان يطلق واحدا ، وان أراد الثلاث ينبغي أن يفرق.

ثم قال : « ألا أقتله؟ » لان اللعب بكتاب الله كفر ، ولم يرد ان المقصود الزجر والتوبيخ وليس المراد حقيقة الكلام.

ثم قال : ثم اختلفوا في الجمع بين الثلاث ، فقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث : هو بدعة ، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور : ليس بحرام لكن الاولى التفريق ، وظاهر الحديث التحريم ، والجمهور على أنه إذا جمع بين الثلاث يقع الثلاث ولا عبرة بخلاف ذلك عندهم أصلا انتهى ما أردنا نقله.

وعلى أى ، فالقرآن الكريم ناطق بعدم وقوع الثلاث كما عرفت ، وإلزام الزوج بما ألزم به نفسه على حد زعمهم اجتهاد في مقابلة النص.

وقد أجازه الرسول العزيز أيضا واحدة ففي بداية المجتهد ج ٢ ص ٦١ : انه روى ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : طلق ركانة زوجه ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف طلقتها؟ قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، قال : انما تلك طلقة واحدة فارتجعها.

ونقل قريبا منه في سبل السلام ج ٣ ص ١٧٤ وقال : قد حققنا في ثمرات النظر في علم أهل الأثر ، وفي إرشاد النقاد الى تيسير الاجتهاد عدم صحة القدح في محمد بن إسحاق بما يجرح روايته ، ونقله الجصاص أيضا ج ١ ص ٤٥٩ ، ونقله أيضا في الدر المنثور ج ١ ص ٢٧٩ عن البيهقي عن ابن عباس وقال الشوكانى في نيل الأوطار ص ٢٥٦ ج ٦ : أنه

٢٦٦

__________________

أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه.

ونقل المرحوم العلامة آية الله السيد شرف الدين طاب ثراه في ص ١٤٦ من كتابه النص والاجتهاد عن مجلة المنار ( المجلد الرابع ص ٢١٠ ) : ومن قضاء النبي بخلافه ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس قال : طلق ركانة زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف طلقتها؟ قال : ثلاثا ، قال : في مجلس واحد؟ قال : نعم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت وذكر في ذيله انه ذكره ابن إسحاق في ص ١٩١ من الجزء الثاني من سيرته.

وفي الترمذي الرقم ١١٧٧ وابن ماجه الرقم ٢٠٥١ وأبو داود الرقم ٢٢٠٦ و ٢٢٠٨ القصة بنحو آخر ، واللفظ كما جمعه في تيسير الوصول ج ٣ ص ١٤١ : وعن عبد الله بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله انى طلقت امرأتي البتة فقال ما أردت بها؟ قلت واحدة ، فقال : والله ما أردت بها إلا واحدة؟ قلت : والله ما أردت بها إلا واحدة ، فقال : هو ما أردت فردها اليه ، فطلقها الثانية في زمن عمر ، والثالثة في زمن عثمان ، أخرجه أبو داود والترمذي.

قلت : وليس في الترمذي وكذا في ابن ماجة قصة الطلاق الثاني والثالث.

واستدل به على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ، وأجيب بأن الثابت في رواية في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : ارجعها بعد أن قال له انه طلقها ثلاثا كما قد عرفت وعرفت تصحيحه بهذا الوجه.

وأما باللفظ الأخر ففي سنده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد ، ومع ذلك لا صراحة فيه على وقوع الثلاث عند ارادته.

والثابت عند المحدثين من أهل السنة ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجزه إلا واحدة ومضى على ذلك في عهد أبى بكر وثلاث سنين من خلافة عمر بن الخطاب ، ثم الزم الناس عليه ثلاثا لما رأى تتابع الناس عليه ، فقال : أجيزوه عليهم ، فأقره عمر ثلاثا لان الناس قد التزموا به ، عقوبة لهم بعد أن كان بإجماع المسلمين لا يقع إلا واحدة ، في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وشطرا من الزمن بعده.

فعن ابن عباس من عدة طرق كلها صحيحة قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٦٧

__________________

وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر ، طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب ان الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم. انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٠ ص ٧٠ ، والدر المنثور ج ١ ص ٢٧٩ ، ونقله العلامة آية الله السيد شرف الدين طاب ثراه في النص والاجتهاد ص ١٤٦ عن الحاكم في مستدركة مصرحا بصحته بشرط الشيخين والذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بصحته بشرطهما ص ١٩٦ من الجزء الثاني كتاب الطلاق ، وكذا عن المسند ص ٣١٤ ج ١ والبيهقي ص ٣٣٦ من الجزء السابع من سننه والقرطبي ص ١٣٠ ج ٣ من تفسيره.

قلت : ونقله أيضا في سبل السلام ج ٣ ص ١٧٣ ثم قال ( في سبل السلام ) وقد استشكل أنه كيف يصح من عمر مخالفة ما كان في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم في عصر أبى بكر ثم في أول أيامه ، وظاهر كلام ابن عباس أنه كان الإجماع على ذلك ، ثم ذكر أجوبة ستة وضعفها كلها ثم قال : والأقرب ان هذا رأى من عمر ترجح له كما منع من متعة الحج وغيرها ، وكل أحد يؤخذ ويترك غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكونه خالف ما كان على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو نظير متعة الحج بلا ريب والتكلفات في الأجوبة ليوافق ما ثبت في عصر النبوة لا يليق فقد ثبت عن عمر اجتهادات يعسر تطبيقها على ذلك نعم ان أمكن التطبيق على وجه صحيح فهو المراد.

وعن طاوس قال : ان أبا الصهباء قال لابن عباس : أتعلم انما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله وأبى بكر وثلاثا من أمارة عمر؟ فقال ابن عباس نعم. انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٠ ص ٧١ ، والدر المنثور ج ١ ص ٢٧٩ ، وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٤٥٩ ، وأبا داود الرقم ٢٢٠٠ ، وسنن النسائي ج ٦ ص ١٤٥ عند عنوانه باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة.

وذكر السندي في شرحه : أن هذا الحديث بظاهره يدل على عدم وقوع الثلاث دفعة بل تقع واحدة فأشار المصنف في الترجمة إلى تأويله بأن يحمل الثلاث في الحديث على الثلاث المتفرقة لغير المدخول بها.

ثم قال بعيد ذلك : وعلى هذا اندفع الاشكال عن الجمهور ـ الى أن قال ـ وهذا

٢٦٨

__________________

محمل دقيق لهذا الحديث الا أنه لا يوافق ما جاء في هذا الحديث أن عمر بعد ذلك أمضى الثلاث ، إذ هو ما أمضى الثلاث المتفرقة لغير المدخول بها ، بل أمضى الثلاث دفعة للمدخول بها وغير المدخول بها ، فليتأمل ، ثم قال : فالوجه في الجواب أنه منسوخ ، وقد قررناه في حاشية مسلم وحاشية أبي داود.

قلت : ويضعف ما ذكره من النسخ ما ذكره في سبل السلام عند الكلام في الأجوبة الستة فقال في الجواب بالنسخ : أنه يضعفه قول عمر : ان الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة إلخ ، فإنه واضح في انه رأى محض لا سنة فيه ، ثم قال : وما في بعض ألفاظه عند مسلم انه قال ابن عباس لأبي الصهباء : لما تتابع الناس في الطلاق في عهد عمر فأجازه عليهم.

قلت : ولعله إشارة الى ما أخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي ج ١٠ ص ٧٢ عن طاوس أن أبا الصهباء قال لابن عباس : هات من هناتك ، ألم تكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبى بكر واحدة؟ فقال : قد كان ذلك ، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق ، فأجازه عليهم.

قال النووي في شرحه : كانت لهم فيه أناة : هو بفتح الهمزة أى مهملة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة و « تتابع » هو بياء مثناة من تحت بين الالف والعين هذه رواية الجمهور وضبطه بعضهم بالموحدة ، وهما بمعنى ، ومعناه أكثروا منه وأسرعوا إليه ، لكن بالمثناة إنما يستعمل في الشر ، وبالموحدة يستعمل في الخير والشر. فالمثناة هنا أجود.

وقوله « هات من هناتك » هو بكسر التاء من هات والمراد بهناتك إخبارك وأمورك المستغربة.

والحاصل أن النص القرآنى الصريح والسنة الثابتة عند المحدثين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإجماع المسلمين المتحقق في زمانه وشطرا من الزمن بعد وفاته على أنه لا يتحقق إلا واحدة.

قال ابن القيم الجوزية في ص ٤٤ ـ ٤٦ ج ٣ من أعلام الموقعين : ان قوله تعالى : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) لا يفهم منه الا وقوع الطلاق مرّة بعد مرة ، وأيد ذلك بقوله تعالى ( سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ) وبقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين »

٢٦٩

__________________

فالعرف واللغة لا يفهمان من ذلك الا التعدد ووقوع الفعل مرة بعد اخرى ، وبعد أن ذكر أن الآية لا تدل على البينونة بمجرد قول الزوج لزوجته : أنت طالق ثلاثا قال :

فهذا كتاب الله ، وهذه سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه لغة العرب ، وهذا عرف التخاطب ، وهذا خليفة رسول الله والصحابة كلهم في عصره ، وهم يزيدون على الالف قطعا على هذا المذهب ، ثم استعرض جماعة من التابعين وتابعي التابعين يفتون بوقوعه واحدة.

وقد أطال ابن القيم في إعلام الموقعين القول في المسئلة ، والأحاديث فيها والدلائل وأوضح معنى قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) بالآيات والأحاديث وهو أن معناها أنه يكون مرة بعد مرة.

ثم قال : وما كان مرة لم يملك المكلف إيقاع مراته كلها جملة كاللعان ، فإنه لو قال أشهد بالله أربع شهادات انى لمن الصادقين كان مرة واحدة ، ولو حلف في القسامة وقال : اقسم بالله خمسين يمينا أن هذا قالته كان ذلك يمينا واحدة ، ولو قال المقر بالزنا : أنا أقر أربع مرات أنى زنيت ، كان مرة واحدة ، فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك إلا إقرارا واحدا ، ثم ذكر آيات وأحاديث أخرى كالاستيذان ثلاث مرات.

ثم ذكر أن الصحابة كانوا مجمعين على أنه لا يقع الطلاق بالثلاث مجتمعة إلا واحدة من أول الإسلام إلى ثلاث سنين من خلافة عمر ، وان هذا الإجماع لم ينقضه إجماع بعد.

ثم سمى بعض من أفتى من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وأن الفتوى بذلك تتابعت في كل عصر وكان من أتباع الأئمة من أفتى بذلك فبعد ما ذكر أتباع التابعين قال : فأفتى به داود بن على وأكثر أصحابه وأفتى به بعض الحنفية ، وأفتى به بعض أتباع أحمد.

ثم لما كان ظاهر قضاء عمر في ذلك تلاعبا بكتاب الله وسنة نبيه ، بل وإجماع المسلمين فتأوله ابن القيم الجوزية فبين أن اجازة عمر الثلاث لما تتابع الناس في الطلاق تأديب لهم على مخالفة ما شرعه الله في الطلاق من كونه يوقع المرة بعد المرة ، ليرجعوا إلى السنة ووجه ذلك بالنسبة الى ذلك الوقت وذكر روايات في تأييده.

ثم بين أن المصلحة الان تقتضي الرجوع إلى الكتاب ، وما مضت به السنة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والخليفة الأول ، فرارا من مفاسد التحليل التي هي من أكبر العار على المسلمين ـ الى آخر ما قال.

٢٧٠

__________________

ولابن القيم أيضا بيان مبسوط في المسئلة من ص ٥١ ـ ٦٣ من كتابه زاد المعاد ج ٤ ، من أراد فليراجعه ، وفيه : وأمير المؤمنين عمر رضى الله عنه لم يقل لهم : ان هذا عن رسول الله وانما هو رأى رآه مصلحة للأمة يكفهم بها عن التسارع إلى إلقاء الثلاث ولهذا قال : فلو أنا أمضيناه عليهم ، وفي رواية : فاجيزوهن عليهم ، وساق الكلام الى أن قال : فهذا نظر أمير المؤمنين رضى الله عنه ، ومن معه من الصحابة ، لا انه رضى الله عنه غير أحكام الله وجعل حلالها حراما.

وللشوكانى في نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٤٤ ـ ٢٤٨ تفصيل مقال من أراد فليراجعه وقال في فذلكة البحث. والحاصل ان القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس ، وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف ، والحق أحق بالاتباع ، فان كانت تلك المحاماة لأجل مذهب الاسلاف فهي احقر وأقل من ان تؤثر على السنة المطهرة ، وان كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم اى مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى. انتهى.

ونقل في المنار ج ٢ ص ٣٨٥ أن له ـ اى الشوكانى ـ رسالة خاصة في تفنيد أدلة الجمهور واجوبتهم عن الحديث الصحيح ، قال : ولشيخ الإسلام ابن تيمية مؤلف خاص فيها.

وقال في المنار أيضا ج ٢ ص ٣٨٧ عند ذكره ان أكثر القضاة مع اطلاعهم على النصوص في كتب الحديث لا يبالون بها لان العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الا أن محاكم مصر الشرعية قد خالفت مذهب الحنفية بعد استقلال البلاد دون الدولة العثمانية في كثير من أحكام الزوجية ومنها هذه المسئلة.

ولقد أنصف الشيخ الفقيد الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر في المسئلة ، ففي رسالة الإسلام العدد الأول من السنة الحادية عشر ص ١٠٨ :

« لا إنسي أنى درست المقارنة بين المذاهب بكلية الشرق ، فكنت أعرض إيراد المذاهب في المسئلة الواحدة ، وأبرز من بينها مذهب الشيعة ، وكثيرا ما كنت أرجح مذهبهم خضوعا لقوة الدليل ، ولا إنسي أنى كنت أفتى في كثير من المسائل بمذهب الشيعة وأخص

٢٧١

__________________

منها بالذكر ما تضمنه قانون الأحوال الشخصية الأخير ، ومنه على سبيل المثال المسائل الاتية.

أولا : الطلاق الثلاث بلفظ واحد ، فإنه يقع في المذاهب السنية ثلاثا ، ولكنه في مذهب الشيعة يقع واحدة رجعية ، وقد رأى القانون العمل به ، وأصبحت الفتوى بمذهب أهل السنة لا يقام لها وزن في نظر القضاة الشرعي السنة؟؟؟؟.

ثانيا : رأى قانون الأحوال الشخصية في تنظيمه الأخير أن الطلاق المعلق منه ما يقع ومنه ما لا يقع ، تبعا لقصد التطليق أو قصد التهديد ، ولكن مذهب الشيعة يرى أن التعليق مطلقا ـ قصد به التهديد أو التطليق ـ لا يقع به الطلاق ، وقد رجحت هذا الرأي وكثيرا ما أفتيت به ، وكثيرا ما أذعته في أحاديثي المتعلقة بالطلاق وأجوبة السائلين عن إيقاع الطلاق.

والباحث المستوعب سيجد كثيرا في مذهب الشيعة ما يقوى دليله ، ويلتئم مع أهداف الشريعة من إصلاح الأسرة والمجتمع ويدفعه إلى الأخذ به ، والإرشاد إليه. انتهى.

وقال الشيخ شلتوت في كتابه الإسلام عقيدة وشريعة ص ١٨٦ :

واذن فالطلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يقع إلا واحدة ، وكما رسم الإسلام في الطلاق التفريق على هذا الوجه وجعل الجمع لغوا لا يقع به شي‌ء كذلك رسم فيه أن يكون منجزا أى موقعا بالفعل ليس معلقا على شي‌ء بفعل منه أو منها ، كأن يقول : ان فعلت كذا فأنت طالق.

ثم قال : وكذلك رسم فيه أن لا يتخذه يمينا على شي‌ء يفعله أولا يفعله ، كأن يقول : على الطلاق أن هذه السلعة بكذا ، أو : امرأتي طالق إذا لم تكن السلعة من نوع كذا. وهكذا من الايمان التي تجري بين الناس وهم في أسواقهم ومجتمعاتهم دون أن يكون لزوجاتهم شأن بها.

وكذلك رسم أن يكون الطلاق في طهر لم يمسها فيه ، فان طلقها في طهر مسها فيه فإنه يكون لغوا ولا تأثير له على الحياة الزوجية ، وكذلك إذا طلقها في غير طهر وهكذا وضع الإسلام للطلاق الذي مع قيودا بالنظر الى لفظه وبالنظر الى أهلية الزوج ، وبالنظر الى حالة الزوجة؟؟؟؟؟ ضاقت الدائرة التي يقع فيها الطلاق ويكون له تأثير على الحياة الزوجية التي استقرت وأخذت حظها من الوجود.

٢٧٢

__________________

وفي ص ٣١٠ من كتاب الفتاوى له ـ ( للشيخ شلتوت ) عند ذكره فتاوى المفتين للمقلدين وضررها :

هذه ناحية ، أما الناحية الأخرى ، وهي ناحية الفتوى بوقوع الطلاق أو الحكم بوقوعه فقد جرينا نحن المفتين والقضاة على الإفتاء أو الحكم بوقوع الطلاق على مذاهب معينة قد تشهد الحجة القوية لغيرها في عدم وقوعه والرأي أن لا نفتي ولا نحكم بوقوع طلاق إلا إذا كان مجمعا من الأئمة على وقوعه ، فإن الحياة الزوجية ثابتة بيقين ، وما يثبت لا يرفع الا بيقين مثله ، ولا يقين في طلاق مختلف فيه.

وعلى هذا فلا نحكم بوقوع الطلاق إلا إذا كان مرة مرة ، وكان منجزا مقصودا للتفريق في طهر لم يقع فيه طلاق ولا إفضاء وكان الزوج بحاله تكمل فيها مسئوليته. وبهذا لا نحكم بوقوع الثلاث دفعة واحدة إذا قالت : أنت طالق ثلاثا ، ولا نحكم بوقوع الطلاق إذا كان معلقا كأن يقول : ان فعلت كذا فأنت طالق ، وهو لا يحب الطلاق ولا يريده.

ولا بوقوعه في قول اللاعب الهازل مع زوجه أو غيرها أنت طالق أو هي طالق ، ولا في قول البائع علىّ الطلاق أن هذه السلعة بكذا. أو امرأتي طالق إذا لم تكن السلعة من نوع كذا أو علىّ الطلاق لا بد أن تأكل أو تفعل كذا ، ولا يقع والمرأة في حيض أو نفاس أو طهر اتصل بها فيه.

ولو أوقع عليها طلاقا في طهر لم يتصل بها فيه ثم أوقع عليها طلقة أخرى في الطهر نفسه لا تقع تلك الطلقة الثانية ، وكذلك لا يقع طلاق وهو في حالة سكر أو غضب يملك عليه اختياره.

ثم قال : والذي يؤسف له انه على الرغم من أن قانون المحاكم الشرعية الحالي ألغى وقوع الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث وجعله واحدة رجعية ، وألغى وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به الحمل على شي‌ء أو تركه ، فان أكثر العلماء أو أكثر المتصدين لفتوى الناس لا يفتون الا بمذاهبهم الخاصة التي تعلموها ودانوا بها فضلا عن الحالات التي لم يأخذ بها القانون ( وترى المذاهب الأخرى عدم الوقوع فيها تضييقا لدائرة الطلاق بقدر الإمكان ).

وكانت النتيجة لموقف هؤلاء المفتين أن يأخذ المطلق الفتوى بالوقوع عن لسانهم

٢٧٣

__________________

ويذهب مؤمنا لها إلى المأذون فيحكي أنه طلق امرأته ثلاثا فيبادر إلى إخراج قيمة الطلاق وفيها : حضر فلان وأقر بأنه طلق زوجته ثلاثا مكملا للثلاث ، وبهذه الورقة الرسمية تبين الزوجة من زوجها ، ويقع الزوجان في ارتباك ، وتتمثل أمامها مشاهد التشرد المولم للأبناء ، وقد أدركهما سوء الحظ بالتزام الإفتاء على المذهب المعين ، ثم ان هذه الورقة الرسمية قد لا يكون لها واقع صحيح.

وقال أيضا في ص ٣١٣ من الفتاوى الفقهية :

شرع الإسلام الطلاق حينما تشتد الخصومة بين الزوجين وتسوء بينهما العشرة إلى حد لا تجدي فيه محاولة الإصلاح ، وبه تسير الحياة الزوجية نارا تلتهم مزايا الزواج الاجتماعية من السكن والمودة والرحمة والتعاون على تكوين أسره يصان فيها الحقوق وتترعرع في احضانها الأطفال الذين يكونون بعد رجالا عالمين في الحياة.

ولهذا شرع الإسلام وقد عرف الناس الطلاق من قديم غير أنهم كانوا بأهوائهم وبطغيانهم على المرأة وأذلالها كثيرا ما يقصدون به إيذاءها واضرارها ، فكان الرجل يطلق زوجتها ثم يراجعها قبل انقضاء العدة ، ثم يطلقها الى غير حد : تطليق فمراجعة تطليق فمراجعة ، وهكذا ، لا تتركها تتزوج غيره فتستريح ، ولا يثوب الى رشده فيحسن عشرتها فتستريح وانما يتخذها ألعوبة بيده يطلقها متى شاء على حسب ما يهوى ويشتهي.

فأنزل الله انقاذا للمرءة من هذا السوء قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) والمعنى أن الطلاق المشروع عند تحقق ما يبيح الطلاق أن يكون على مرتين مرة بعد مرة اى دفعة بعد دفعة.

فإذا ما طلق الرجل المرة الأولى أو الثانية كان عليه اما ردها الى عصمته مع إحسان عشرتها فتستمر الحياة بينهما طيبة سعيدة ، وذلك هو الإمساك بالمعروف ، واما تركها حتى تنقضي عدتها وتنقطع علاقتها به ويزول سلطانه عليها فتتزوج غيره ان شاءت وذلك هو التسريح بالإحسان.

فإن عاد الزوج بعد أن راجعها من الطلاق الثاني وطلقها ثالثة حرمت عليه ، ولا يملك مراجعتها إلا إذا تزوجت بغيره زواجا صحيحا مقصودا به ما يقصد بالزواج وهو العشرة

٢٧٤

التطليق الشرعيّ تطليقة بعد تطليقة على التفريق كقوله تعالى ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) (١) أي كرّة بعد كرّة ومثله لبّيك وسعديك ، ولذلك قالوا : الجمع بين الطّلقتين أو الثلاث بدعة ، واحتجّ أصحابنا بعد أخبارهم الّتي رووها عن أهل البيت عليهم‌السلام بما روي في حديث ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إنّما السنّة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلّقها لكلّ قرء تطليقة » (٢) وبأنّ هذا الكلام أعني « الطلاق

__________________

الدائمة بالسكن والمودة ، لا يجدى في ذلك ما اخترعه بعض الناس من الزواج بغيره على قصد التحليل ، فان هذا منكر واحتيال لا تحل به للاول ، وقد لعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعله وسماه التيس المستعار.

وقد تضمن ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية « فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ » ومن هذا يتبين ان الطلاق الثلاث مرة واحدة ليس مشروعا ، وأن الطلاق المشروع انما هي الطلقة الاولى والثانية ، أما الطلقة الثالثة فإنه لا يملك مراجعتها ولا تحل له الا إذا تزوجت غيره زواجا غير مقصود منه التحليل ثم يطلقها ذلك الغير أو يموت عنها وتمضي عدتها منه وعندئذ فقط تحل لزوجها الأول بعقد جديد ومهر جديد ، وهذا هو معنى الآية وما بعدها. انتهى.

والمقصود أن أعلام أهل السنة المتأخرين أيضا تنبهوا لما هو الحق في المسئلة وأن الطلاق بلفظ الثلاث لا يقع إلا واحدة.

(١) الملك : ٥.

(٢) أخرجه الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٢٢٦ المسئلة الثالثة من كتاب الطلاق قال : وروى ابن عمر قال : طلقت زوجتي وهي حائض فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هكذا أمرك ربك ، إنما السنة ان تستقبل بها الطهر فتطلقها في كل قرء تطليقة ، وكذلك لفظ الحديث في تفسير الإمام الرازي ج ٣ ص ٣٠ الطبعة الأخيرة ، والكشاف ج ٣ ص ٢٤٠.

وأما في المنتقى على ما في ص ٢٤١ ج ٦ من نيل الأوطار فلفظ الحديث هكذا :

وعن الحسن قال حدثنا عبد الله بن عمر انه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد

٢٧٥

مرّتان » ليس إخبارا وإلّا لزم الكذب ، بل بمعنى الأمر أي ليكن الطّلاق مرّتين مثل قوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (١) أي يجب أن تؤمنوه.

ثمّ إنّ الأصحاب لمّا حكموا بتحريم الثلاث المرسلة ، والثنتين المرسلتين ، وأنّ ذلك بدعة اختلفوا في أنّه هل يقع واحدة بقوله « أنت طالق » وتلغو الضميمة والتفسير؟ أم لا يقع شي‌ء؟ قال جماعة بالأوّل وهو الحق (٢) لأنّ قصد الكلّ

__________________

أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرئين فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى : انك أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء.

وقال : فأمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فراجعتها ، ثم قال : إذا هي طهرت فطلق عند ذلك ، فقلت يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها قال : لا كانت تبين منك وتكون معصية رواه الدارقطنى.

قلت ومثله في أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٤٥١.

قال في نيل الأوطار : وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط ، بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل ( يعنى يحتمل بالتفاريق ).

وقال الشيخ في الخلاف المسئلة الثانية من كتاب الطلاق ( ج ٢ ص ٢٢٦ ) فأما قول النبي حين سأله « لو طلقتها ثلاثا؟ قال : بانت امرأتك وعصيت ربك » ليس في ظاهره أنه قال : « لو طلقتها ثلاثا وهي حائض » بل لا يمتنع انه أراد لو طلقها ثلاثا للسنة بانت منه وعصى ربه إذا كان الطلاق مكروها بأن تكون الحال حال سلامة ، وارتكاب المكروه يقال فيه أنه عصى ربه كما بين في غير موضع.

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) ولأن صيغة الطلاق بعد أن وقعت من الزوج ، لا يكون الضميمة موجبة لبطلانها بل تكون مؤكدة لها ، أو لغوا من القول ، وقد وردت الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك ، ففي صحيحة جميل بن دراج عن أحدهما أنه سئل عن الذي طلق في حال الطهر في مجلس واحد ثلاثا ، قال عليه‌السلام : هي واحدة ، راجع الوافي الجزء الثاني عشر ص ١٥٩ ح ١ و ٢ ، وأخبار أخر تجدها فيه وفي الوسائل وغيرهما من كتب الاخبار.

٢٧٦

قصد لكلّ واحد من أجزائه ، فالواحدة إذن مقصودة صادرة من أهلها في محلّها فيكون واقعة وهو المطلوب.

وقال جماعة بالثاني (١) للنهي عن الجملة فتكون فاسدة قلنا النهي عن الجملة ليس نهيا عن كلّ فرد ، وقد حقّق في الأصول.

فائدة : قوله ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) يدلّ على مشروعيّة الرجعة لأنّ طلاق المطلقة غير متصوّر عقلا لأنّه إزالة قيد النّكاح ، ولا نكاح هنا ، وهو مثل الأمر بالعتق المتوقّف على الملك ، فهو من باب دلالة الاقتضاء ، قوله ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) أي على وجه سائغ ، وهو كناية عن ردّها إلى النكاح إمّا بالرّجعة إن كانت العدّة باقية ، أو باستيناف العقد إن انقضت.

واختلف في معنى التسريح بالإحسان ، فقيل هي الطلقة الثالثة ، لما تقدّم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال السّدى والضحّاك هو ترك المعتدّة حتّى تبين بانقضاء العدّة وهو المروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وهو الأصحّ لأنّ الطّلاق لا يقع عندنا بالكناية بل بالتصريح.

الثامنة ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٢).

__________________

(١) وهم السيد المرتضى قدس‌سره في المحكي عن انتصاره ، قال في الجواهر ج ٥ ص ٢٩٢ ( ط ـ حاج محمد حسن ) وان كنا لم نتحققه ، وابنا أبى عقيل وحمزة وسلار ، ويحيى بن سعيد على ما في الجواهر.

أقول : قال السيد في الانتصار عند ما يبحث عن المسئلة في آخر كلام له : « فإن المطلقة ثلاثا بلفظ واحد يقع تطليقة واحدة على الصحيح من مذهبنا » فعده من القائلين بالوجه الثاني وهم.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

٢٧٧

هذه إشارة إلى الطّلقة الثالثة ، وبه قال الباقر والصادق عليهما‌السلام والسدّى والضحّاك والنظّام وقال مجاهد : هو تفسير قوله ( أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) فإنّ ذلك عنده هو الثالثة ، وبه قال الطبريّ والحقّ الأوّل إذا تقرّر هذا فهنا أحكام :

١ ـ مدلول الآية أنّه إذا طلّقها الزّوج عقيب الطّلقتين الأوليين ، والإمساك بعدهما ، طلقة ثالثة ، حرمت عليه حتّى تنكح زوجا غير ذلك المطلق ، وهذا الحكم عند أصحابنا مخصوص بما عدا طلاق العدّة ، فإنّ ذلك تحرم في التاسعة أبدا وطلاق العدّة هو أن يطلّق المدخول بها على الشرائط ثمّ يراجعها في العدّة ويطأها ثمّ يطلّقها مرّة ثانية ويفعل كما فعل أوّلا ثمّ يطلّقها ثالثة فإذا فعل ذلك ثلاثة أدوار حرمت عليه عندهم أبدا.

٢ ـ يشترط في الزّوج الثاني شروط :

الأوّل أن يطأها بالعقد الدّائم فلو وطئ بالمنقطع (١) أو بالملك أو بالتحليل لم يفد إباحة.

الثاني أنّ العقد بمجرّده غير كاف عن الوطء لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) لزوجة رفاعة (٣)

__________________

(١) وبه الروايات ، انظر الوافي ص ٤٧ ج ١٢ ، الباب ٤٤ من أبواب بدو النكاح باب تحليل المطلقة لزوجها ، واستدل الامام عليه‌السلام بالاية ، ففي الرواية الثالثة من الباب المذكور عن التهذيب عن الصيقل عن أبى عبد الله عليه‌السلام قلت : رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فتزوجها رجل متعة ، أتحل للاول ، قال : لا ، لان الله تعالى يقول ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها ) والمتعة ليس فيها طلاق.

(٢) أخرج الحديث في المنتقى ج ٦ ص ٢٦٨ من نيل الأوطار عن عائشة ، وفيه رواه الجماعة لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين.

أقول : واللفظ في صحيح مسلم كما في ج ١٠ ص ٢ بشرح النووي : « فتبسم رسول الله وقال : أتريدين » إلخ ، قال النووي في شرحه : قال العلماء : ان التبسم للتعجب من جهرها وتصريحها بهذا الذي تستحي النساء منه في العادة ، أو لرغبتها في زوجها الأول وكراهة الثاني.

(٣) قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة ، وقيل أميمة ، ورفاعة القرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة الى بني قريظة.

٢٧٨

لمّا حلّلها عبد الرّحمن بن الزّبير بفتح الزاء (١) فقالت إنّ له هدبة كهدبة الثوب (٢) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك (٣) » والآية مطلقة قيّدتها السنّة الشريفة.

__________________

(١) قال النووي في شرح صحيح مسلم ج ١٠ ص ٢ : هو بفتح الزاء وكسر الباء بلا خلاف ، ابن باطاء ويقال باطياء ، وكان عبد الرحمن صحابيا والزبير قتل يهوديا في غزوة بني قريظة ، وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطاء القرظي هو الذي تزوج امرءة رفاعة القرظي هو الذي ذكر أبو عمر بن عبد البر والمحققون ، وقال ابن مندة وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة : انما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن أوس ، والصواب الأول. انتهى.

(٢) في النسخة المطبوعة « كهدبة الثور » وهو تصحيف والصحيح ما في الصلب وفاقا للنسخ المخطوطة التي عندنا والهدبة بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة ، هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن ، هكذا في الفتح ، وفي القاموس : الهدب بضم وبضمتين شعر أشعار العين ، وخمل الثوب واحدتها بهاء ، وكذا في مجمع البحار ، نقلا عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار.

واستدل به على أن وطء الزوجة الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول الا ان كان حال وطئه منتشرا ، فلو لم يكن كذلك ، أو كان عنينا أو طفلا لم يكف على الأصح من قولي أهل العلم انتهى ما في نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٦٩.

أقول : وقد وردت الرواية من أهل البيت على عدم كفاية غير البالغ كما ستعرف.

(٣) قال في نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٧٠ : العسيلة مصغرة في الموضعين ، واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل ، لان العسل مؤنث جزم بذلك القزاز؟ قال : وأحسب التذكير لغة ، وقال الأزهري يذكر ويؤنث ، وقيل لان العرب إذا حقرت الشي‌ء أدخلت فيه هاء التأنيث ، وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة الى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغيب الحشفة في الفرج ، وقيل معنى العسيلة النطفة ، وهذا يوافق قول الحسن البصري.

وقال جمهور العلماء : ذوق العسيلة كناية عن الجماع ، وهو تغيب حشفة الرجل

٢٧٩

واقتصر ابن المسيّب على مجرّد العقد عملا بإطلاقها ، والإجماع على خلافه ويمكن تفسير النّكاح هنا بالإصابة ، ويكون العقد مستفادا من لفظ الزّوج.

الثالث : أن يطأها وهو بالغ مسلم (١) فلو وطئ صبيّا أو حال ارتداده لم تحلّل.

الرّابع : الوطي في القبل وهو مستفاد من ذوق العسيلة (٢) نعم لا يشترط الإنزال إذ المراد بالعسيلة اللّذة ، وهي تحصل من دونه.

فرعان :

ألف ـ لو وطئ حراما بعد عقد صحيح كالوطي صائما أو مع الحيض هل يحلّل أم لا؟ إشكال من أنّه منهيّ عنه فلا يكون مأمورا به ، ومن صدق الوطي بعقد صحيح

__________________

في فرج المرأة ، وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك ، وزاد الحسن البصري حصول الانزال ، قال ابن بطال : شذ الحسن في هذا ، وخالف سائر الفقهاء ، وقالوا : يكفى ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ، ويفسد الحج والصوم وقال أبو عبيدة : العسيلة : لذة الجماع ، والعرب تسمى كل شي‌ء تستلذه عسلا.

(١) أما البلوغ فاشتراطه مروي ، انظر الباب ٨ من أبواب أقسام الطلاق من الوسائل واما الإسلام ، فصرح الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٢٥٠ بعدم الاشتراط ، وهو الحق لعدم دليل صالح عليه ، ولا طلاق ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) مثال المسئلة ذمية مطلقة تزوجت بذمي فطلقها فتحل للاول عند من أجاز العقد عليهن ، وقد قدمنا أنه الأصح.

(٢) واستدل بعض بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك وان انزل هو ، قلت : ليس في اخبار الشيعة قيد ذوقها عسيلته ، وانما هي قيد ذوق عسيلتها ، انظر الوسائل الباب ٧ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ ـ ٣ ، وفي الاخبار تصريح بعدم كفاية غير البالغ والخصى ، الباب ٨ ـ ١٠ ولعل السر عدم ذوقه عسيلتها مع الخصاء أو عدم البلوغ ، ولذلك قال الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٢٤٩ بكفاية تزويج المراهق الذي ينتشر عليه ويعرف لذة الجماع مستدلا بقوله « حتى يذوق عسيلتها » وهذا قد ذاق ، قال : ولا يلزم عليه غير المراهق لانه لا يعرف العسيلة.

٢٨٠