كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

__________________

( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ). ( أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) تدل الآيتان على ثبوت القرعة في الشرائع السابقة في الجملة وقد ثبت أنه يعمل بما ثبت في الشرائع السابقة ما لم يعلم نسخه وعليه ابتناء مسائل في الفروع الفقهية يستفاد حكمها بما ثبت في الشرائع السابقة :

مثل استفادة وجوب نية الإخلاص في الواجب من قوله ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ومثل استفادة جواز الجهالة في الجعالة وجواز الضمان ما لم يجب من قوله حكاية عن مؤذن يوسف عليه‌السلام « وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ » ومثل استفادة رجحان التعفف على التزويج من قوله حكاية عن يحيى ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ ) حيث دل على مدح يحيى بكونه حصورا أى ممتنعا عن مباشرة النسوان ومثل استفادة جواز بر اليمين على ضرب المستحق مائة بالضرب بالضغث من قوله تعالى ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) ومثل استفادة حكم من قلع عين ذي العين الواحدة من قوله ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) ومثل استفادة حكم من جعل عمله صداق المرأة من قوله تعالى حكاية عن شعيب ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) وان كان استفادة تمام الأحكام المذكورة من الايات محل تأمل ليس هنا محل البحث عنها.

واما السنة فقد سرد المحقق النراقي في كتاب عوائد الأيام نيفا وأربعين حديثا فيها الصحاح والحسان والموثق فلا وجه لما ذكره في القوامع ص ٥٠٩ من الحكم بضعفها وترى أحد وعشرين حديثا في كتاب الوسائل الباب ١٣ من كتاب القضاء أبواب كيفية الدعوى وأحاديث أخر في سائر الأبواب.

واما الإجماع ، فقال الشيخ في الخلاف ج ٢ ص ٦٣٨ مسئلة تعارض البينتين : إجماع الفرقة على ان القرعة تستعمل في كل أمر مجهول مشتبه وجعلها في ص ٦٤٥ مسئلة تداعى الرجلين في ولد من مقتضيات مذهبنا ، وقال الشهيد في كتاب القواعد ص ٢٧٣ : ثبت عندنا قولهم : « كل أمر مجهول فيه القرعة ». ولا يبقى للفقيه عند تتبع الفتاوى شك في كون العمل بالقرعة من الأصول الشرعية في المجهولات ، فقد عمل بها الأصحاب باتفاق أو خلاف في أئمة الجماعة مع عدم المرجح. وفي اشتباه القبلة عند ابن طاوس. وفي قصور المال عن الحجتين الإسلامية والنذرية. وفي إخراج الواحد من المحرمين للحج نيابة ، وفي اختلاط الموتى في الجهاد. وفي تزاحم الطلبة عند المدرس والمستفتى.

٢١

__________________

أو المترافعين الى المجتهد مع عدم السابق وفي القسمة. وفي التزاحم على مباح أو مشترك كمعدن أو رباط مع عدم قبوله القسمة. وفي المأذونين في شراء كل منهما صاحبه وفي صورة تساوى بينتي الخارجين. وفي تلف واحد من دراهم أحدهما لواحد والباقي للآخر وديعة. وفي تنازع صاحب العلو والسفل في السقف المتوسط. وفي الخزانة التي تحت الدرج. وفي بينتي المتزارعين إذا تعارضا في المدة والحصة. وفي الوصية بالمشترك اللفظي وبالثلث من العبيد أو العدد المبهم وفي الوصية بما لا يسعه الثلث مع العلم بالترتيب والشك في السابق أو مع الشك في السبق والاقتران وفي ابتداء قسمة الزوجات وفي حق الحضانة.

وفي إخراج المطلقة مطلقا أو إذا مات ولم يعين وفي إخراج المنذور عنقه بقوله أول ما تلده فولدت جماعة. وفي إخراج مقدار الثلث مع تعدد المدبر. وفي المتداعيين في الالتقاط أو في بنوة اللقيط. أو في الإقرار. وفي تساوى البينتين في اللقطة ، وفي اشتباه موطوء الإنسان. وفي تعدد السيف والمصحف في الحبوة. وفي ميراث الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة. وفي ميراث الخنثى على قول ومن ليس له فرج على الأشهر.

وغير ذلك مما لا يبقى شك في كونها في الجملة متفقا عليه فاللازم صرف عنان الكلام في عموم حجيتها وضبط مواردها ولا يعجبني اعراض متأخري المتأخرين عن البحث عنها استنادا الى عدم عمل الأصحاب ، كما ترى في أواخر بحث الاستصحاب من الفرائد للعلامة الأنصاري قدس‌سره ، واقتفى أثره المحقق الخراساني في الكفاية والعلامة الحائري في درر الفوائد قدس‌سرهما وعلى كل فنقول :

المضبوط في معاقد الإجماع كما في الخلاف والقواعد وبعض الروايات كالحديث العاشر من روايات الوسائل عن ابن بابويه والسابع عشر عن النهاية ب ١٣ من كتاب القضاء أبواب كيفية الدعوى : « ان القرعة لكل أمر مجهول » وكذا الحديث المتداول في السنة الفقهاء « ان القرعة لكل أمر مشكل أو مشتبه » وان لم أظفر على مستند له.

بل يستفاد العموم من كثير من روايات القرعة وان لم يكن اللفظ فيها أنها لكل أمر مجهول كمرسلة الفقيه ح ١٢ من ب ١٣ من قضاء الوسائل وفيها ما تقارع قوم ففوضوا أمرهم الى الله الا خرج سهم المحق ، وقال : اى قضية أعدل إذا فوض الأمر الى

٢٢

__________________

الله ، وكذا المستفاد من رواية ابن هلال ح ٤ من الباب ٤ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم وجواب زرارة للطيار وصحيحة أبي بصير ومرسلة عاصم ح ٤ و ٥ من ب ١٣ من أبواب كيفية الدعوى ، فان فيها مضمون ان كل قوم فوضوا أمرهم الى الله خرج سهم المحق ، والظاهر من كلها ان كل مقام فرض فيه اختلاف في شي‌ء إذا أقرع فيه فعلى الله ان يبين فيه الواقع ويحكم بالعدل ومقتضاها كون القرعة مميزة بين الحق والباطل بجعل الحكيم على الإطلاق. وكل ما كان كذلك فهو حجة ولا اختصاص بالمتنازعين إذ في كل اختلاف فهناك محق ومبطل يتميزان بمقتضى الروايات المذكورة بالقرعة.

ويكفي في حجية هذه العمومات تلقى الأصحاب لها بالقبول وتمسكهم في الموارد التي عددناها ويظهر من تعليلاتهم كون هذه العمومات مظنونة الصدور عندهم بل مقطوعا بها في الجملة.

ثم نقول : المراد من المشكل والمشتبه على ما هو المتداول في الألسنة والمجهول على ما هو مورد النص أمر واحد وهو كونه من حيث هو كذلك بمعنى كون الشي‌ء مشتبها ومجهولا مطلقا لا سبيل الى رفع ذلك بطريق معتبر شرعا حتى يكون مخرجا للحكم في تلك الواقعة وبالخلاصة كون حكم الشي‌ء مجهولا ومشتبها واقعا وظاهرا فمتى كان له سبيل لم يكن من مورد القرعة في شي‌ء وعليه فلا ريب ان شبهة الحكم ليست داخلة تحت المشكل والمجهول المذكور في رواية القرعة إذ لا إشكال في الأحكام الشرعية بعد ملاحظة أدلتها والأصول المقررة المعتبرة في مقام الشبهات فإنها رافعة لذلك ويكون أدلتها واردة على أدلة القرعة ، فلو كان شي‌ء مشتبها حكمه فلا ريب في انه داخل في عنوان أصالة الإباحة أو البراءة أو الاستصحاب أو قاعدة الاحتياط على مذهب من يعمل به على الإطلاق أو في مقامات خاصة وكذلك الأحكام الوضعية فإنها أيضا منقحة بعد ملاحظة أصالة الفساد أو أصالة العدم أو قاعدة الاشتغال.

وبالجملة لا نجد شيئا يشتبه فيه نفس الحكم الشرعي لا مخرج له من الشرع معتبر يعتمد عليه ، فلا وجه لإعمال القرعة في ذلك لانه ليس بمشكل وليس بمجهول واقعا

٢٣

__________________

وظاهرا حتى يكون مورد القرعة.

وادعى الشهيد قدس‌سره في القواعد ص ٢٠١ الإجماع على أنها لا تستعمل في الفتاوى والأحكام الشرعية والسر فيه ما ذكرناه وليس ذلك تخصيصا لقاعدة القرعة بل انما هو اختصاص وعدم شمول من أصله ، فبذلك ظهر انه لا وجه لقولهم : ان القرعة قد تخصصت في موارد كثيرة وكثرة التخصيص موجبة لوهنها ، وذلك لان الموارد التي لم يعمل بالقرعة انما هو لعدم جهل الحكم الظاهري لا لأجل تخصيص أدلة القرعة ، فلم تثبت كثرة التخصيص فيها الموجبة لوهنها.

ولعلك تقول : أدلة أصل البراءة معلقة على كون الشي‌ء مجهولا أو مما لا يعلم أو مما لا دليل عليه ، فما الفرق بينهما وبين أدلة القرعة؟ ولم يجعل أدلة البراءة مخرجة للفرض من أدلة القرعة وواردة عليها؟! والجواب ان دليل البراءة معلق بما لم يرد فيه أمر ولا نهى ، وبما لا يعلمون ، وهذا غير معنى الاشكال ، ولم يعلق على المجهول أو المشكل أو المشتبه ، ولو تنزلنا لنقول بكون أدلة البراءة أخص مطلقا من دليل القرعة فيقدم عليه على ان الظاهر من الأمر فيما علق حكم القرعة على أمر مجهول ارادة شبهة الموضوع ولو سلم فالإجماع قائم على تقديم دليل البراءة على القرعة كما قد عرفت.

ونقل في البحار ج ١ ص ١٦٩ ط تبريز في باب أن لكل شي‌ء حدا ، عن بصائر الدرجات روايات خلاصتها ان عليا كان إذا ورد عليه أمر لم يجي‌ء به كتاب أو سنة رجم به يعنى ساهم وأصاب ، فاحتمل المجلسي كونها في الأحكام الجزئية واحتمل كونها في الأحكام الكلية وكونها من خصائصهم لأن قرعة الإمام لا يخطئ أبدا. وعلى كل فعدم شرعية الاقتراع لإثبات الاحكام عندهم من المسلمات.

واما الشبهة في الموضوع فان كانت راجعة إلى إجمال اللفظ فهو كالشبهة الحكمية لها طرق شرعية ، وان كانت شبهة الموضوع الصرف ، فان كان مجرى من مجاري الأصول الشرعية ، من أصالة الإباحة أو البراءة ، فلا إشكال في خروجه عن موضوع القرعة لأن موضوعها ما هو مجهول حكمه الواقعي والظاهري من جميع الجهات ، ولا يشمل مجاري الأصول ولا ينتقض بما دلت على اعمال القرعة في شاة موطوءة مشتبهة في قطيع فإنه

٢٤

__________________

مخصص لدليل الاشتغال ، وارد في مورده ، والكلام في أدلة القرعة العامة لا ما ورد في موارد مخصوصا ، وأدلتها العامة لا تشمل ما يكون حكمه معينا ولو بالحكم الظاهري.

نعم لو دعت الحاجة الى معرفة نفس الموضوع بحيث لا يمكن اندفاعها الا بمعرفتها فالحكم هو القرعة ، ولتوضيح المقصود نقول :

لو اشتبهت الأجنبية بأخت الرجل فالحكم الاجتناب من نكاح كل واحد منهما ، وليس من موضوع القرعة في شي‌ء فان مات الرجل وكان الوارث الأخت اعمل القرعة حتى تتميز.

فان لم يكن مورد مجرى أصل من الأصول العملية ، الا أنه قام الدليل فيه على الأخذ بأحد الطرفين أو الأطراف ، نأخذ بالدليل كما في ترجيح أئمة الجماعة ، وتقديم السابق في المرافعة أو الاستفتاء أو في المزاحمة على المباح ، وفي ترجيح البينات وتقديم قول ذي اليد والعمل ببينة الخارج وما ورد في تفسير الشي‌ء والجزء ونحوهما في الوصية وفي أمارات الخنثى والعمل بالإقرار وغيره من المثبتات شرعا وغير ذلك من الموارد المنتشرة في أبواب الفقه.

فهذا القسم أيضا خارج عن مورد القرعة إذ مع وجود الدليل على الأخذ بأحد الجوانب يخرج الموضوع عن حيز المجهول والمشكل والمشتبه ، ويدخل في الواضحات ويكون أدلة أحكام هذا القسم أيضا واردة على أدلة القرعة كما تقدم.

ثم المجهول والمشتبه قسمان : أحدهما ما كان مجهولا ومشتبها ظاهرا وواقعا كما في أئمة الجماعة إذ لم يدل دليل على استحقاق واحد منهما في الواقع حتى يكون الاشتباه ظاهريا وقصور المال عن الحجتين وتعدد المحرمين نيابة عن واحد والمتزاحمين في مباح أو مشترك عند مدرس أو حاكم ، وفي الوصية بثلث العبيد بالعتق أو العدد المبهم وفي قسمة الزوجات وعوز النفقة على المنفق عليهم وتعدد السيف والمصحف في الحبوة وأمثاله.

القسم الثاني ما كان مجهولا ومشتبها ظاهرا ، معينا واقعا ـ كما في اختلاط الموتى في الجهاد ، والمأذونين في شراء كل منهما صاحبه وفي تعارض البينتين وفي تلف درهم

٢٥

__________________

من الوديعتين وفي الوصية بما لا يسعه الثلث مع العلم بالسبق دون السابق وفي إخراج المطلقة أو المنذور عتقه وفي المتداعيين في بنوة لقيط أو التقاطه وفي الخنثى والممسوح بناء على عدم كونهما طبيعة ثالثة والوصية بالمشترك اللفظي.

وعلى كل فالموجود في كلام بعض الأصحاب وغالبا في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره اختصاص حكم القرعة بالقسم الثاني فإن ادعوا الانصراف الى ذلك نمنعه ، وان ادعوا التخصيص نطالبهم بالدليل ، وان ادعوا عدم لزوم التعيين في القسم الأول وإمكان العمل بالتخيير ، والقرعة فيما لا مخرج له كما تقدم نورد عليهم النقض بموارد التنازع والتداعي.

وفي كثير من موارد النصوص الخاصة ما هو مجهول ومشتبه ظاهرا وواقعا كما في صحيحة محمد بن مسلم في الوصية بعتق ثلث المماليك ح ١ ، الباب ٦٦ من كتاب العتق من الوسائل ( وان أمكن كون الحكم فيها استحبابيا لعدم إشكال في الثلث لانه متواط قاض بالتخيير ) وصحيحة الحلبي ورواية فضالة فيمن قال أول مملوك ملكه فهو حر. فملك مماليك ح ١ و ٢ ، الباب ٥٧ من كتاب العتق من الوسائل ورواية سيابة وإبراهيم بن عمر ح ٢ من الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم.

والإتيان أيضا في القسمين حيث ان الاستهام للمدحض من قبيل القسم الثاني والاستهام لكافل مريم من قبيل القسم الأول.

ثم الحق اختصاص القرعة بالإمام أو نائبه ، فإن إطلاق ما يتوهم منه الإطلاق من أدلة القرعة موهون بأنها مسوقة لبيان المشروعية ، فيقتصر على المتيقن ولو فرض فيها إطلاق يقيدها ما يدل على التقييد كمرسلة حماد ح ٥ من الباب ١٣ ، أبواب كيفية الحكم « القرعة لا تكون إلا للإمام » ورواية يونس ح ١ من الباب ٣٤ من كتاب العتق « ولا يستخرجه إلا الامام » وصحيحة معاوية بن عمار ح ١٣ من الباب ١٣ ، أبواب كيفية الحكم « أقرع الوالي بينهم » والروايات في الخنثى ح ١ و ٣ و ٤ ، الباب ٤ من أبواب ميراث الخنثى وفيها « يجلس الامام ويجلس ناس عنده » وفي ح ٢ صحيحة الفضيل « يقرع عليه الإمام أو المقرع » ويستظهر التقييد أيضا من الروايات في قضاء على عليه‌السلام وفيها : « فأسهم أو يسهم على ».

والقرعة مستلزمة لترتب أحكام مخالفة للأصل ، والأصل عدم لحوقها الا بالمتيقن

٢٦

__________________

مع أن الغالب في المثبتات كالبينة واليمين ونحو ذلك من الشياع ونحوه عند الحاكم فكذلك القرعة.

وللحاكم الشرعي نائبه العام أيضا ذلك ، لعموم أدلة القرعة ، ولفظ الوالي والمقرع في صحيحة معاوية وفضيل وعموم أدلة نيابته.

ثم ان قولنا بالاختصاص بالحاكم انما هو بالنسبة إلى عمومات القرعة ، ولا ينافي ذلك قولنا بعدم لزوم الإمام في موارد مخصوصة كما في القسم بين الزوجات ، وتعيين الموطوء من قطيع أو اقتراع المدرس لتقديم بعض المتعلمين.

ومما اختلفوا فيه في مسألة القرعة ، أنها عزيمة أو رخصة ، والتحقيق أن ما كان للحكم فيه مخرج من الطرق الشرعية ، وورد في مورده القرعة فهي رخصة كما في رواية محمد بن مروان ح ٢ الباب ٦٦ من كتاب العتق في فعل ابى عبد الله عليه‌السلام في عتق ابى جعفر عليه‌السلام ثلث عبيده ، حيث ان الثلث كلى متواطئ الصدق على الافراد ، ومقتضاه التخيير فليس موردا لعمومات القرعة كما قد عرفته ، والنص الوارد يحمل على الندب أو يحمل على أنها كان الثلث معينا واقعا فعرض الاشتباه حيث لا يكون عندئذ مخرج سوى القرعة.

وعلى كل فعند ما لا مخرج له ، فالظاهر كون القرعة عزيمة لظاهر أعلب النصوص ان لم تعد صريحة مع أنه مع ترك القرعة اما ان يترك الحكم والإفتاء فيلزم الهرج والمرج والتعطيل وتلف الأموال والنفوس وضياع الحقوق ، واما أن يتهجم على أحد الاحتمالين تشهيا فهو قول بما لا يعلم ، وقضاء بغير حق ، مستلزم لإثارة الفتنة والتهمة على الحاكم ، ومفاسد أخر.

ومما تكلموا فيه أنه بعد إعمال القرعة هل يجب العمل بها فلا ينفسخ الا مع العلم بمخالفة الواقع أو لا يجب ، والتحقيق فيه أيضا عدم الوجوب فيما استظهرنا فيه كون حكم القرعة ندبيا كما في ثلث العبيد ، فإن الأصل بقاء التخيير ، بعد إعمال القرعة أيضا وكون الخارج بالقرعة محقا لا ينافي كون غيره أيضا محقا لانه من أفراد المتواطى ، فليس في تغيير القرعة ابطال للحق.

وأما فيما يجب اعمالها فظاهر النصوص لزوم ترتيب الأثر عليها بعد اعمالها وظاهر الأصحاب الإجماع عليه ، مع أنه لو لم يؤخذ بمقتضاها فاما ان يترك الواقعة بغير حكم

٢٧

« أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أراد سفرا يقرع بين نسائه في استصحاب إحداهنّ » (١) فليست من هذا القسم لكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ ذلك باذن من الله ، فالقرعة كاشفة عن معلوم الله وكذا ما يتداولها الأصحاب من الاستخارة في الرقاع والحصى والسبحة وما نستعمله الفقهاء في الأمور المشكلة من القرعة كما نقل عن أهل البيت (٢) عليهم‌السلام « كلّ أمر

__________________

فيلزم التعطيل المحرم ، أو يؤخذ بخلاف ما أخرجته القرعة فيلزم ترجيح المرجوح أو تعاد مرة ثانية ، فيعود الكلام السابق ، وترجيح العمل بالثاني على العمل بالأول فاسد ، فتعين العمل عليها بعد اعمالها.

هذا مجمل الكلام في القرعة ، والمتلخص منه شرعية القرعة لكل ما هو مجهول ومشتبه ظاهرا وواقعا في الشبهات الموضوعية ، وان الاقتراع انما يكون للحاكم ، وأنها عزيمة ويجب العمل بها بعد اعمالها ، ومن أراد التفصيل أكثر مما أوردنا ، فليراجع عوائد الأيام للنراقى من ص ٢٢٢ الى ٢٣٢ وعناوين الأصول للسيد فتاح من ص ١٠٨ الى ص ١١٩ العنوان الحادي عشر ، والخزائن للدربندى في تحقيق الحال في تعارض الاستصحاب والقرعة ، وكتب الفقه المبسوطة في المسائل التي سردنا أول البحث.

ثم انا أعرضنا عن البحث في كيفيتها لان هذه اللفظة من المبينات فكلما يصدق عليه القرعة يشمله الإطلاقات ويجتزى به ، والأصل عدم شرطية شي‌ء آخر ، ولا إجمال في معناها حتى نلتزم بالأخذ بالمتيقن.

نعم الظاهر اشتراط الدعاء لما في رواية يونس من أن له كلاما في وقت القرعة ودعاء ، وصحيحة فضيل المشتملة على الدعاء الظاهرة في بيان أصل الكيفية ، والأجود عدم اعتبار الدعاء المخصوص لاختلاف النصوص لكن الاقتصار على ما في صحيحة فضيل أحوط. راجع ح ٢ من الباب ٤ من أبواب ميراث الخنثى من الوسائل.

(١) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير الرقم ٦٥٥١ ج ٥ ص ٩٥ فيض القدير نقلا عن البخاري ومسلم وأبى داود وابن ماجه واللفظ : كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، ومثله في البحار ج ٦ ص ٥٥١ الباب ٤٩ في قصة الافك عن الزهري ، وكذا في المجمع ج ٧ ص ١٣٠ تفسير الآية ١١ من سورة النور.

(٢) لم أظفر في الجوامع الحديثية على حديث فيه « كل أمر مشكل فيه القرعة » نعم يرسله الفقهاء في الكتب الفقهية ، والوارد في كتب الحديث « كل أمر مجهول فيه

٢٨

مشكل فيه القرعة » وكل ذلك أمر متلقّى من الشارع فلا مطعن فيه وأمّا على الثاني فلأنّه قمار منهي عنه.

٥ ـ كما يحرم استعمال هذه الأمور الأربعة كذا يحرم اقتناء آلاتها بل يجب إتلافها وإخراجها عن صورها وكذا الخمر يجب إهراقه ويحرم اقتناؤه اللهمّ إلّا أن يقصد التخليل ولو بعلاج فانّ ذلك سائغ.

__________________

القرعة » كما تراه في الوسائل ح ١٠ و ١٧ من الباب ١٣ من أبواب كيفية الدعوى وذكر في عناوين الأصول ص ١٢١ انه المنقول عن العامة ، وقد تصفحت كتبهم الحديثية والفقهية وراجعت الأقوال المختلفة في مسائل يذكر فيها القرعة ولم أر من استند أو ذكر رواية عامة مفادها « كل أمر مشكل أو مشتبه فيه القرعة »

وشنع ابن حزم في ج ٩ ص ٢٦٨ من كتابه المحلى على الحنفية حيث لم يجوزوا القرعة في من أوصى بعتق رقيق لا يملك غيرهم استنادا بأنها من القمار والميسر مع ما ورد من أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله فأعتق اثنين وأرق أربعة ، تراه في المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٦ ص ٤٥ عن ابى زيد الأنصاري رواه احمد وأبو داود ومضمونه عن عمران بن الحصين رواه الجماعة إلا البخاري وكذا في الأم للشافعي ج ٨ ص ٤ وفيه : اما قال أوصى عند موته واما قال أعتق عند موته ، ثم نقل ابن حزم عنهم بان « هذا قضاء النبي وليس عموم اسم يتناول ما تحته » فأورد عليهم بأنه كيف قضيتم بجواز الوضوء بالنبيذ في خبر مكذوب ثم هو فعل وليس عموم اسم ، وشدد النكير عليهم لا نطيل الكلام بنقل كل ما ذكره.

والمقصود انه لو كان عندهم رواية عامة بلفظ « القرعة لكل أمر مشكل » لذكرها واستند إليها ، ونقل الآلوسي في ج ٣ من كتاب بلوغ الارب ص ٦٩ و ٧٠ بعض ما استدل به ابن قيم الجوزية على صحة القرعة في كتابه الطرق الحكمية ، ولم يذكر رواية عامة كذلك ، وفي كتاب الأم للشافعي ج ٨ ص ٣ ـ ٩ بحث مبسوط في مسئلة القرعة وفيه الاستدلال بالآيتين والاخبار في القرعة ولم يذكر حديثا عاما باللفظ المذكور فراجع.

٢٩

السادسة ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (١).

استدلّ الفقهاء بهذه الآية على جواز التصرّف بالأكل لا غير من بيوت الأقارب المذكورين باعتبار رفع الجناح المستلزم للإباحة لكن يشترط عدم كراهة الملّاك وعدم الإسراف في التصرف ، سواء كان الملّاك حاضرين أو غائبين وبعضهم شرط في الإباحة كون الملّاك أمروهم بالحضور في بيوتهم وظاهر الآية عدم التقييد بأمرهم بالدّخول وبعضهم وهو الجبائيّ جعلها منسوخة بقوله « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس منه » (٢) والمنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام استثناء هذه من العموم بالشرط المذكور ويكون من باب تخصيص السنّة بالكتاب.

وهنا سؤال تقريره : إذا كان شرط الإباحة عدم كراهة الملّاك فأيّ فرق بين بيوت المذكورين ، وبين بيوت غيرهم؟ جوابه الفرق هو أنّ بيوت غيرهم يشترط العلم بعدم الكراهة أي العلم بالرّضى ، وأمّا بيوت الأقارب المذكورين فيكفي عدم العلم بالكراهة وكفى بذلك فرقا.

ولنتمّم الكلام في الآية بفوائد :

__________________

(١) النور : ٦١ ـ ٦٢.

(٢) راجع مجمع البيان ج ٧ ص ١٥٦.

٣٠

١ ـ ذكر ذوي الأعذار الثلاثة هنا ، عن ابن المسيّب أنّ جماعة خرجوا إلى الغزاة فسلّموا بيوتهم لهؤلاء فكانوا يتحرّجون من الأكل [ والشرب ] من تلك البيوت فنزلت وهذا أجود ما قيل في سببها وقيل بل كان ذووا القرابات يستصحبونهم إلى بيوت قراباتهم إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ثمّ تحرّجوا من ذلك فنزلت وقيل : كانوا يتوقّون مؤاكلتهم خوف انظلامهم أو كراهة ذلك طبعا فنزلت (١).

٢ ـ أنّه لم يذكر الأولاد ، قيل لأنّ ذلك معلوم بالمفهوم لأنّ مدلولها جواز الأكل من بيت الأبعد فمن بيت الأقرب أولى ، وقيل إنهم المرادون من « بيوتكم » لأنّ بيوتهم بيوت آبائهم لأنّ مال الولد مال الوالد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنت ومالك لأبيك » ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أطيب ما أكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه (٢) » ولذلك لم يثبت الربا بينهما لكون مالهما واحدا وكذا البحث في الزّوج والزوجة.

٣ ـ قيل : المراد ب « ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ » بيوت المماليك وليس بشي‌ء لأنّ العبد لا يملك لأنّ ماله لسيّده ، وقيل المراد الوكيل في حفظ البيت أو البستان يجوز له أن يأكل منه لأنّه كالأجير الخاص الّذي نفقته على مستأجره ، والمفاتح قيل هي الخزائن كقوله ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ) (٣) وقيل جمع مفتاح.

٤ ـ « أَوْ صَدِيقِكُمْ » أي بيوت صديقكم بحذف المضاف ، عن الصادق عليه‌السلام « هو والله الرجل يدخل في بيت صديقه فيأكل طعامه بغير إذنه (٤) وحكي عنه عليه‌السلام « أيدخل أحدكم يده إلى كمّ صاحبه أو كيسه فيأخذ منه؟ فقالوا لا قال فلستم بأصدقاء (٥) » والأصل أنه إذا تأكّدت الصداقة علم الرضا وبالأكل فيقوم العلم مقام الإذن.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ٥٨.

(٢) سنن أبى داود ج ٢ ص ٢٥٩ من حديث عائشة.

(٣) الانعام : ٥٩.

(٤) مجمع البيان ج ٧ ص ١٥٦.

(٥) أصول الكافي ج ٢ ص ١٧٤. قال أبو جعفر عليه‌السلام : أيجي‌ء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فلا شي‌ء إذا ، قلت فالهلاك إذا؟ فقال : ان القوم لم يعطوا أحلامهم بعد.

٣١

وعن ابن عبّاس أنّ الصداقة أقوى من النسب فإنّ أهل النار لا يستغيثون بالآباء ولا الأمّهات بل بالأصدقاء ، فيقولون ( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (١).

٥ ـ كانوا يتحرّجون أن يأكلوا وحدانا كما كان دأب العرب وربما قعد الرجل ينتظر من يأكل معه من الصباح إلى الرواح فإذا أيس أكل للضرورة فنزل ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) وعن عكرمة : نزلت في قوم من الأنصار كانوا إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلّا معه ، فنزلت رخصة لهم أن يأكلوا كيف شاؤا.

٦ ـ « فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً » قيل المتقدّمة وقيل : المساجد والعموم أولى وعن الصادق عليه‌السلام « هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثمّ يردّون عليه فهو سلامكم على أنفسكم (٢) » وعن الحسن : ليسلّم بعضهم على بعض ، والمراد أنّ الداخل ذا سلّم على صاحب المنزل فردّ عليه ، فيكون سلامه سببا للردّ لأنّ فاعل السّبب فاعل المسبّب قوله « تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ » فإنّه الآمر بها أو أنّها دعاء وإجابة الدعاء من عند الله ، وهي مصدر من غير لفظ التسليم ، ووصفها بالبركة لأنّها تغرس المحبّة في القلوب وتوجب البسط وحسن الخلق ، وتؤذن بالأمن من شرّ الملاقي.

وعن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « متى لقيت من أمّتي أحدا فسلّم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلّم عليهم يكثر خير بيتك (٣) ».

٧ ـ أنّه تعالى بيّن في هذه الآية مكارم الأخلاق تنزيلها لهم عن رذيلة البخل وعدم الايتلاف فقال ( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ).

__________________

(١) الشعراء ١٠١.

(٢) مجمع البيان ج ٧ ص ١٥٧.

(٣) أخرجه البيهقي في شعب الايمان عن أنس في حديث كما في الدر المنثور ج ٥ ٦٠.

٣٢

كتاب البيع

وفيه آيات :

الاولى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) (١).

الخطاب عام والمراد لا تأكلوا أموال بعضكم ، فحذف المضاف للعلم به ، ويحتمل عدم الحذف وتكون الإضافة لا للتمليك بل لمطلق الاختصاص كقوله ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (٢) هذا.

وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على ثلاثة أحكام :

١ ـ النهي عن أكل الأموال بالباطل أي بالسبب الباطل فيعمّ كلّ ما لم يبحه الشارع من الغصب والسرقة والخيانة والعقود الفاسدة ، سواء اشتملت على الربا أو لا بل يكون فسادها بسبب آخر كما هو مذكور في الكتب الفقهيّة ويدخل في الباطل أيضا ما لم يكن بعقد كالقمار وأجر الزانية وغير ذلك ، وبالجملة هذا من المجملات المفتقرة إلى بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام وخصّ الأكل لأنه أعظم المنافع ، أو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللّازم وهو التصرّف فيعم سائر التصرّفات.

٢ ـ إباحة ما كان بسبب التجارة ، والاستثناء هنا منقطع والمراد بالتجارة التملّك بعقد معاوضة ماليّة محضة ، وخص التجارة لأنّها الأغلب في طرق الكسب ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الرزق عشرة أجزاء تسعة منها في التجارة » (٣).

__________________

(١) النساء : ٢٨.

(٢) البقرة : ٢٩.

(٣) تراه في الوسائل أبواب مقدمات التجارة باب ١ ح ٤ و ٥.

٣٣

وهنا فروع :

١ ـ شرط في التجارة كونها عن تراض ، أي صادرة عن تراض من المتعاقدين فيخرج ما لم يكن كذلك عن الإباحة.

٢ ـ قال مالك وأبو حنيفة : المراد تراضي المتعاقدين حال العقد فإذا حصل تمّ البيع ولزم ، فلا خيار قبل التفرق عندهما وقال الشافعي : المراد التفرّق عن تراض فلهما الخيار قبل التفرق ، وهو مذهب الأصحاب لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا (١) ».

٣ ـ عقد المكره باطل : نعم لو أجاز فيما بعد صحّ لحصول الرّضا [ به ].

٤ ـ الرضا يراد به المعتبر شرعا فلا اعتبار برضى الصبيّ والمجنون والسكران والسفيه والمفلّس ، فلا يصحّ عقودهم ، ولو أجازوا بعد زوال المانع ، والفرق بينهم وبين المكره اعتبار عقده لو لا الإكراه ، فالإكراه مانع الحكم لا مانع السبب.

٥ ـ الرّضا شرط في سائر العقود للإجماع على عدم الفرق ، نعم خيار المجلس مختصّ بالبيع.

٦ ـ لا يكفي في التملّك حصول الرضا من غير عقد سواء كان المبيع جليلا أو حقيرا ، لاشتراطه في الإباحة حصول التجارة الصادرة عن التراضي ، والتجارة تستلزم العقد ، فلا يكون الرضا بمجرّدة كافيا ، وقال أبو حنيفة : يكفي في المحقّرات الرضا وحده ، والأصح عند أصحابه الاكتفاء به مطلقا.

٧ ـ حصول الرضا بعقد الفضوليّ بعده كاف عند جماعة منّا ، وهو المشهور عندهم ، وعليه الفتوى وقال جماعة : لا يكفي بعده لقبح التصرّف في مال الغير عقلا ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا تبع ما ليس عندك » وقوله « لا بيع إلّا فيما تملك (٢) » ويعضد الأوّل قضيّة عروة البارقيّ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقرّر على الباطل ، والنهي في المعاملات لا يقتضي البطلان ، ونفي الحقيقة يراد به نفي صفة من صفاتها أي لا بيع لازم

__________________

(١) راجع الكافي ج ٥ ص ١٧٠.

(٢) أخرجه النوري في المستدرك ج ٢ ص ٤٦٠ عن غوالي اللئالى.

٣٤

وإلا لما صحّ بيع الوليّ والوكيل ، ولو حمل على ظاهره فيكون المراد لا بيع إلّا فيما هو ملك أو كالملك ، بسبب الرضا أو الاذن ، واشتراط التقدم ممنوع يحتاج مثبتة إلى دليل.

٨ ـ ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) فإنّه إذا قتل غيره قتل به قصاصا فصار هو القاتل لنفسه ، أو المضاف محذوف أي أنفس غيركم فحذف لعدم الاشتباه ، وقيل الكلام على ظاهره لأنّه تعالى كلّف بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ليكون القتل توبة لهم عن ذنوبهم ، فرفع ذلك عن امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة لهم ، ولذلك قال ( إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ).

ويحتمل أن يكون المراد لا تهلكوا أنفسكم بارتكاب الإثم في أكل المال بالباطل ، وهو وجه حسن ليكون الكلام بعضه آخذا بحجزة بعض.

الثانية ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (١).

كان الرجل في الجاهلية إذا حل له مال على غيره وطالبه به ، يقول له الغريم : زد لي في الأجل حتّى أزيدك في المال ، فيفعلان ذلك ويقولان سواء علينا الزيادة في أوّل البيع بالربح أو عند المحلّ لأجل التأخير ، فردّ الله عليهم بقوله « لا يَقُومُونَ » أي من قبورهم إلّا قياما كقيام المصروع ، زعمت العرب أنّ المصروع يخبطه الشيطان فيصرعه ، والخبط حركة على غير النحو الطبيعيّ وعلى غير اتّساق كخبط العشواء « مِنَ الْمَسِّ » أي من مسّ الشيطان والجار متعلّق ب « لا يَقُومُونَ » أي لا يقومون من المسّ الّذي بهم إلّا كما يقوم المصروع : بمعنى أنّ نهوضهم و

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٣٥

قيامهم كقيام المصروع ، لأنّه تعالى أربى في بطونهم ما أكلوه ، فأثقلهم فهو سيماهم الذي يعرفون بها يوم البعث ، والموعظة دليل التحريم ، قوله ( وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) أي يجازيه على أعماله بحسب ما علم منه في صدق نيّته في الانتهاء.

إذا عرفت هذا فهنا فوائد :

١ ـ الرّبا لغة هو الزيادة ، وشرعا هو الزيادة على رأس المال من أحد المتساويين جنسا ممّا يكال أو يوزن فقيل يحرم الزيادة لا غير ، وقيل : هي مع المزيد عليه وهو الصحيح خصوصا مع عدم التميز ، ولا يحصل الملك لما اقتضاه العقد من العوضين لما تقرّر أن العقد الفاسد لا يترتّب عليه أثره.

٢ ـ المراد بالجنس هنا هو الحقيقة النوعيّة ، ويتحقّق ذلك بكون الأفراد يشملها اسم خاصّ ، والزيادة قد تكون عينيّة وهو ظاهر ، وحكميّة كبيع أحد المتجانسين بمساويه قدرا نسيئة ، والمراد بالكيل والوزن ما كان حاصلا في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلما علم له حال بني عليه وما لم يعلم يرجع فيه إلى العادة ، فلو اختلفت [ البلدان ]؟ قيل : لكلّ بلد حكم نفسه ، وقيل : يغلب التحريم احتياطا وهو أولى.

٣ ـ الربا يثبت في النسيئة إجماعا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّما الربا في النسيئة (١) » واقتصر عليه ابن عبّاس للحصر المذكور ، وقال الباقون بعمومه للنقد أيضا وهو الحقّ والحصر للمبالغة.

واعلم أنّ الإجماع حصل على وقوع الربا في ستّة نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها هي : الذهب ، والفضّة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والملح.

واختلف العامّة بعد ذلك في العلّة فيما عداها فقال أبو حنيفة الجنسيّة والتقدير وقال الشافعيّ مع ذلك الطعم والثمنيّة وقال مالك : القوت والادّخار ، وعن أحمد روايتان إحداهما كأبي حنيفة ، والأخرى الكيل والمأكوليّة ، ولا يكفي الوزن

__________________

(١) أخرجه في مشكاة المصابيح ص ٢٤٥ من حديث أسامة بن زيد ولفظه : « الربا في النسيئة وفي رواية قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ربا فيما كان يدا بيد ».

٣٦

عنده ، وأمّا أصحابنا فقد عرفت رأيهم.

٤ ـ هل المراد بقوله « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا » أنّهم قاسوا الربا على البيع أم لا؟ قيل بالأوّل لأنّهم قالوا يجوز أن يشتري الإنسان شيئا يساوي درهما لا غير بدرهمين ، فيجوز أن يبيع درهما بدرهمين ، فردّ الله عليهم بالنصّ على تحليل البيع وتحريم الربا ، إبطالا لقياسهم ، فانّ القياس المخالف للنصّ باطل اتّفاقا.

قيل : فعلى هذا كان ينبغي أن يقال « إنّما الربا مثل البيع » لأنّ الربا محل الخلاف أجيب أنّه جاء مبالغة في أنّه بلغ من اعتقادهم في حلّ الربا أنّهم جعلوه أصلا يقاس عليه.

وقيل بالثاني لجواز أن يكون قوله ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) من تتمّة كلامهم على وجه الردّ ، أي إنّ الله فرّق بين المتساويين ، وذلك غير جائز ، وسبب غلطهم الجهل بحكم الربا.

ووجه الجواب المنع من المساواة فإنّ تحريم الربا معلّل بعلّة غير حاصلة في البيع.

تذنيب : في قوله « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ » دلالة على إباحة سائر أقسامه ، من النقد والنسيئة والسلف ، وأنواعه من بيع المرابحة والمواضعة والتولية والمساومة وأنواع المبيعات من الثمار والحيوان والصرف وغير ذلك ممّا ورد به البيان النبوي.

٥ ـ قيل في قوله « فَلَهُ ما سَلَفَ » دلالة على أنّه لا تجب إعادة الربا مع الجهل بتحريمه بل يكفي مع ورود العلم الانتهاء وهو التوبة لا غير ، وفيه نظر لجواز أن يكون المراد به سقوط الإثم بالتوبة لا سقوط حقّ الغير لأنّه لا يسقطه إلّا أداؤه.

٦ ـ الربا من الكبائر للتوعّد عليه بالنار في آخر الآية ، ولقول الصادق عليه‌السلام « درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام » (١) وقال أيضا عليه‌السلام « إنّما شدّد الله في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف قرضا ورفدا (٢) » وقال عليّ عليه‌السلام « لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الربا خمسة : آكله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٤٤. تحت الرقم ٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٤٤. تحت الرقم ٧.

٣٧

وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه (١).

٧ ـ أنّه تعالى لم يكتف في النهي عن الربا والتنفير عنه بوعيد النار حتّى أخبر أنّه لا خير [ فيه ] ولا بركة فيه وأنه يذهب ويذهب لقوله تعالى فيما بعد ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) (٢) فانّ المحق هو نقصان الشي‌ء ، حتّى يذهب ثمّ قال ( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ ) تغليظا لشأن الربا فانّ آخذه بمنزلة الكافر والأثيم : الكثير الإثم ، وكذا في حكمه بخلود العائد في النار الّذي هو من أحكام الكفّار.

الثالثة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٣).

عن الباقر عليه‌السلام أنّ الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهليّة ، وبقي له بقايا على ثقيف ، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت ، وقيل كان العبّاس وخالد شريكين في الجاهليّة يسلفان في الربا ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة فأنزل الله الآية « فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا إنّ كلّ ربا في الجاهلية موضوع ، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطلب وكلّ دم في الجاهليّة موضوع وأوّل دم أضعه دم ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب (٤) » وهنا فوائد :

١ ـ « ذَرُوا ما بَقِيَ » أي اتركوا وقوله « إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » مبالغة اخرى

__________________

(١) الوسائل ب ٤ من أبواب الربا ، ح ٣ و ٤. ومثله في سنن ابى داود ج ٢ ص ٢١٩ من حديث عبد الله بن مسعود.

(٢) البقرة : ٢٨٠.

(٣) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٤) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٩٢ ، سنن ابى داود ج ٢ ص ٢١٩. سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٦٠٣ في خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣٨

في تشديد أمر الربا أي إن كنتم آمنتم بما انزل على محمّد فالتزموا (١) بأحكام الإيمان الّذي من جملتها تحريم الربا ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون الكافر مكلّفا بتحريم الربا ، لأنّ الكافر لا يطالب حال كفره بأحكام الايمان أوّلا بل به.

٢ ـ ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ ) أي اعلموا بها من أذن بالشي‌ء إذا علم به وقرء حمزة وأبو بكر « فآذنوا » أي أعلموا غيركم ، وهو من الاذن وهو الاستماع وحرب الله هو حرب رسوله ، وقيل حرب الله بالنار وحرب الرسول بالقتال ، وإنّما لم يقل بحرب الله لأنّ المراد : بنوع من الحرب عظيم لكون التنوين للنوعيّة وفي هذا الكلام أيضا مبالغة زائدة على ما تقدّم.

٣ ـ ( وَإِنْ تُبْتُمْ ) إلى آخر الآية قال الزمخشريّ والقاضي إن لم يتب يكون مصرّا على التحليل ، فيكون مرتدّا وماله في‌ء ، وليس بشي‌ء لأنّا نمنع أنّه إذا لم يتب يكون مرتدّا الجواز أن يفعله ويعتقد تحريمه والحقّ أنّه يجب ردّه على مالكه ، أمّا مع العلم بتحريمه فبالإجماع ، تاب أو لم يتب ، فان جهل صاحبه وعرف الربا تصدّق به ، وإن عرفه وجهل الربا صالح عليه ، وإن مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدّق بخمسه وأمّا مع الجهل فقد تقدّم الكلام فيه.

٤ ـ لا ريب في أنّ قوله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) وقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) صريحتان في أنّه لا يجب ردّ الربا السابق على نزول التحريم ، ونحن قد قرّرنا أنه يجب ردّ الربا مع العلم والجهل ، فما وجه الجمع بين الكلامين؟

فنقول : وجه الجمع أنّه لا يجب على الكافر رد ما أخذه حال كفره إلّا أن يكون عينه موجودة ، فإذا أسلم حرم عليه أخذ ما بقي له عند معامليه ، وأمّا المسلم فيجب عليه ردّ الربا مطلقا ، سواء علم بالتحريم أو لم يعلم على الأصحّ لأنّ الموعظة جائت إليه ، وعدم علمه ليس عذرا لتمكّنه من العلم.

__________________

(١) نص : فلتؤمنوا.

٣٩

قوله « لا تَظْلِمُونَ » أي بأخذ ما هو زائد على رؤوس أموالكم ، ( وَلا تُظْلَمُونَ ) بنقص حقّكم.

الرابعة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١).

فيها تصريح بالنهي عن أكل الربا زيادة على ما تقدّم ، وكان الرجل إذا حلّ له الدين زاد فيه وأخّره إلى أجل آخر ، ثمّ إذا حلّ زاد فيه أيضا وأخّره وهكذا ، فكان يستغرق بالشي‌ء الطفيف مال المديون ، فنهاهم عن ذلك ، وقيل معنى الاضعاف المضاعفة أي لا تزيدوا به أموالكم فتصير أضعافا مضاعفة ، وخصّ النهي بالأكل وإن كان المراد سائر التصرّفات ، لأنّه المقصود غالبا من التناول وباقي مقاصد الآية ظاهر.

تذنيب : أجمعت الإماميّة على أنّ آيات تحريم الربا مخصوصة ليست على عمومها لما ثبت عندهم عن أئمتهم عليهم‌السلام من إباحة الربا بين الوالد وولده ، والزّوج وزوجته والسيد وعبده ، والمسلم والحربي.

الخامسة ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (٢).

التطفيف البخس في الكيل والوزن ، لأنّ ما يبخس شي‌ء طفيف أي حقير و « على » هنا إمّا بمعنى « من » أي اكتالوا من الناس أو يتعلّق ب « يستوفون » قدّم للاختصاص أي يستوفون على الناس خاصّة وأمّا أنفسهم فيستوفون لها أو يكون التقدير : اكتالوا ما على الناس. كلّ ذلك محتمل.

( وَإِذا كالُوهُمْ ) أي كالوا للناس أو وزنوا لهم فحذف الجارّ كقوله :

__________________

(١) آل عمران : ١٣٠.

(٢) المطففين : ١ ـ ٣.

٤٠