كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

__________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المتعة زمن خيبر ، فجاء بالغلط البين.

قلت : ولأجل هذا قال القاضي على ما في شرح النووي لصحيح مسلم ج ٩ ص ١٨٠ في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، فقال بعضهم هذا الكلام فيه انفصال ، ومعناه أنه حرم المتعة ولم يبين زمن تحريمها ثم قال : ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة ولم يبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات.

قلت : فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد ، وأين المتعة من تحريم الحمر ، ثم لفظ النهي في الرواية ولو في رواية سفيان لم يذكر الإمرة واحدة ، فلا بد وأن يتعلق الظرف به ، فالذي يقول : « أكرمت زيدا وعمرا يوم الجمعة » لا بدو أن يكون مراده أنه اكرمهما يوم الجمعة ، فإن كان مراده أن إكرامه لعمرو بخصوصه كان يوم الجمعة فلا بد له أن يقول : « أكرمت زيدا وأكرمت عمرا يوم الجمعة ».

هذا وقد عرفت عن المنتفى أن اللفظ للبخاري وأحمد ومسلم في رواية « نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الإنسية » وترى هذا الفظ للبخاري في الذبائح من طريق مالك وفي مسلم من طريق ابن عيينة ، ولأجل تسلم عدم نهى عن المتعة في زمن خيبر التجأ بعض الى ادعاء ان كلمة خيبر تصحيف وكان أصله « حنين » وكذلك رواه النسائي ج ٦ ص ١٢٦ نقلا عن ابن المثنى ، وقال هكذا أحدثنا عبد الوهاب.

وقال في نيل الأوطار : وذكره الدار قطني عن يحيى بن سعيد بلفظ « حنين » ومع ذلك لم يتسلمه علماؤهم بالقبول ، فقد قال في نيل الأوطار بعد ذلك بقليل ، وأما غزوة حنين فهو تصحيف ، والأصل خيبر.

وقال الأمير باشا في سبل السلام ج ٣ ص ١٢٦ خيبر بالخاء المعجمة أوله والراء آخره ، وقد وهم من رواه عام حنين بمهملة أوله ونون آخره أخرجه النسائي والدار قطني ونبه على أنه وهم.

والحاصل ان الرواية بجميع ألفاظها لا يصح انتسابها الى على عليه‌السلام كيف وهي مع ذلك معارضة بما روى عنه عليه‌السلام من طرقهم بجوازها كما قد سمعته في ص ١٤٨ فراجع.

١٦١

الإنسيّة (١) ومنها ما رواه الربيع بن سبرة عن أبيه قال (٢) شكونا العزبة في حجّة الوداع فقال « استمتعوا من هذه النساء » فما بيّن إلّا أن نجعل بيننا وبينهنّ أجلا فتزوّجت امرأة فمكثت عندها تلك اللّيلة ثمّ غدوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائم

__________________

(١) قال النووي في شرح صحيح مسلم : قوله « الإنسية » ضبطوه بوجهين أحدهما كسر الهمزة وإسكان النون ، والثاني : فتحهما جميعا ، وصرح القاضي بترجيح الفتح ، وأنه رواية الأكثرين.

(٢) لم أجد فيما حضرني من الكتب في روايات سبرة ما يوافق مع ما رواه المصنف بلفظه ، والظاهر ان ما رواه المصنف مأخوذ عما رواه ابن ماجة مع حذف واختصار ، وعلى كل فاللفظ لابن ماجة تحت الرقم ١٩٦٢ ص ٦٣١ هكذا :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن عبد العزيز بن عمر بن الربيع بن سبرة عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع فقالوا يا رسول الله ان العزبة قد اشتدت علينا قال فاستمتعوا من هذه النساء فأتيناهن فأبين أن ينكحننا الا ان نجعل بيننا وبينهن أجلا فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اجعلوا بينكم وبينهن أجلا ، فخرجت أنا وابن عم لي معه برد ومعى برد ، وبرده أجود من بردي ، وأنا أشب منه ، فأتينا على امرءة فقالت برد كبرد ، فتزوجتها فمكثت عندها تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله قائم بين الركن والباب وهو يقول انى كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شي‌ء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

وأخرج روايات سبرة مسلم والنسائي وأحمد بن حنبل وأبو داود بألفاظ مختلفة وطرق متعددة وقد سرد أكثرها آية الله المرحوم السيد محسن أمين أعلى الله مقامه في كتابه نقض الوشيعة ص ٣٧٢ ـ ٣٧٧ فراجع ونحن نكتفي بذكر رواية من مسلم ورواية من المسند :

ففي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة أن أباه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكة قال : فأقمنا خمس عشرة ثلاثين بين يوم وليلة فأذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٦٢

بين الركن والمقام وهو يقول « إنّي كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإنّ الله قد حرّمها إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهنّ شي‌ء فليخلّ سبيلها ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا.

ومنها ما روي عن عمر بن الخطّاب (١) أنّه قال اذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المتعة

__________________

في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو أقرب من دمامة مع كل واحد منا برد ، فبردى خلق وأما برد ابن عمى فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطنة فقلنا لها هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت وما ذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منها برده فجعلت تنظر الى الرجلين ويراها صاحبي ينظر الى عطفها فقال ان برد هذا خلق وبردي جديد غض ، فتقول : برد هذا لا بأس به ، قالت مرة أو مرتين ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها رسول الله.

انظر ص ٣٧٢ من نقض الوشيعة ، وهي في صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ١٨٥.

وفي مسند الامام أحمد بن حنبل بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقمنا خمس عشرة من بين ليلة ويوم ، فأذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المتعة وخرجت أنا وابن عم لي في أسفل مكة أو قال في أعلى مكة فلقينا فتاة من بنى عامر بن صعصعة كأنها البكرة العنطنطنة وأنا قريب من الدمامة وعلى برد جديد غض وعلى ابن عمى برد خلق فقلنا لها هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ فقالت وهل يصلح ذلك؟ قلنا نعم فجعلت تنظر الى ابن عمى فقلت لها ان بردي هذا جديد وبرد ابن عمى هذا خلق ، قالت برد ابن عمك هذا لا بأس به فاستمتع منها فلم نخرج من مكة حتى حرمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، راجع نقض الوشيعة ص ٣٧٤.

(١) هذا الحديث مما تفرد به ابن ماجة في الجوامع الحديثية الصحاح وفي المنار ج ٥ ص ١٥ ، أنه أخرجه أيضا ابن المنذر والبيهقي ، وفي الدر المنثور ج ٢ ص ١٤١ نقل ما هو بمعناه وعلى كل فالطريق واللفظ في ابن ماجة ج ١ ص ٦٣١ تحت الرقم ١٩٦٣ هكذا :

حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ثنا الفاريابي عن أبان بن أبى حازم عن ابى بكر

١٦٣

__________________

بن حفص عن ابن عمر قال : لما ولى عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : ان رسول الله اذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها ، والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن الا رجمته بالحجارة الا أن يأتيني بأربعة يشهدون ان رسول الله أحلها بعد إذ حرمها.

وذكر محمد فؤاد عبد الباقي في ذيله نقلا عن الزوائد أن أبا بكر بن حفص اسمه إسماعيل الايابى قال : وكان أبوه يكذب.

أقول : الظاهر أنه اشتباه من محمد فؤاد عبد الباقي أو من النساخ ، فان إسماعيل بن حفص هو الابلى ، على ما صرح به في التقريب بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام لا الايابى ، وعلى كل فقال ابن ابى حاتم في ص ١٦٥ من القسم الأول من المجلد الأوّل من كتاب الجرح والتعديل الرقم ٥٥٦ : إسماعيل بن حفص بن عمر بن ميمون الابلى ( وفي الذيل نقلا عن التقريب : عمرو بن ميمون ) روى عن ابى بكر بن عياش وحفص ويحيى بن يمان وغندر ، سمع ابى منه بالبصرة في الرحلة الثالثة وسألته عنه فقال كتبت عنه وعن أبيه ، وكان أبوه يكذب ، وهو بخلاف أبيه ، قلت لا بأس به؟ قال : لا يمكنني أن أقول : لا بأس به.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٢٥ تحت الرقم ٨٦٣ في ترجمته : إسماعيل بن حفص الابلى عن ابى بكر بن عياش ، ونحوه قال أبو حاتم لا بأس به وقال الساجي هو ابن حفص بن عمر بن ميمون الابلى ، لحقه ضعف أبيه.

قلت : قد عرفت أنا أبا حاتم أيضا قال فيه : لا يمكنني أن أقول لا بأس به ، فالحديث غريب ضعيف السند ، ومع ذلك فهو معارض بما استفاض من عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما واضرب عليهما ، ولو كان عنده رواية عن النبي لما أسند النهي إلى نفسه ، والشارح القوشجي لما نقل في شرح التجريد عنه أنه صعد المنبر وقال : « ايها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله أنا أنهى عنهن واحرمهن وأعاقب عليهن : وهي متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل » اعتذر بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل ليس ببدع كما قد عرفته في ص ١٥٨.

ولو صح رواية عن عمر في تحريم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لاستند إليها ولم يحتج

١٦٤

ثلاثا ثمّ حرّمها والله لا أعلم أنّ رجلا تمتّع وهو محصن إلّا رجمته بالحجارة إلّا أن يأتي بأربعة يشهدون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحلّها بعد إذ حرمها (١).

الثالث : الإجماع ، فإنّ فتوى الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار على اختلاف الأعصار على منعها.

والجواب عن الأوّل بالمنع من كونها ليست زوجة أمّا عندنا فبالإجماع ، وأمّا عند الجمهور (٢) فبالرواية المذكورة عن الربيع بن سبرة فإنّه قال : فتزوّجت امرأة

__________________

الى ذكر عذر غير متجه ، فان ما ذكره القوشجي من عدم القدح في مخالفة المجتهد انما هو في مخالفة المجتهدين مع أنفسهم لا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) واستدلوا أيضا بما رواه إياس بن سلمة عن أبيه قال : رخص لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها. أخرجه مسلم كما في ج ٩ ص ١٨٢ من صحيحه بشرح النووي ، وأخرجه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم واللفظ فيه : « ثلاثة أيام ، ثم نهى عنها بعدها » وهو مع انه معارض بما روى سلمة نفسه كما في الصحيح ج ٩ ص ١٨٢ ، وعن جابر قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ان رسول الله قد أذن لكم أن تستمتعوا ـ يعني متعة النساء ـ ليس فيه ظهور في ان النهي كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن المحتمل ان لفظ نهى في الرواية بصيغة المبني للمفعول ، وأريد منه نهى عمر ، واللفظ في صحيح مسلم ـ ثلاثا ـ ومعناه تكرار التصريح بالاذن ثلاث مرات.

(٢) قال الزمخشري في الكشاف عند تفسير سورة المؤمنون : فإن قلت : هل فيه دليل على تحريم المتعة ، قلت لا ، لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح. انتهى.

والعجب ممن جعل الآية ناسخة لحكم المتعة كيف وسورة المؤمنون وكذا المعارج مكية ، وسورة النساء مدنية ، وهل ينسخ المدني بالمكي؟ مع ما في رواية ابن مسعود : « ثم رخص لنا أن ننكح بالثوب » وهو تعبير عن المتعة بالنكاح.

قال القاضي عياض : واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل ، ثم

١٦٥

قولهم لو كانت زوجة لثبت لها النفقة إلى آخره ، قلنا نمنع الملازمة لصدق الزوجيّة مع عدم لزوم هذه الأحكام فإنّ النفقة تسقط مع النشوز ، والميراث يسقط مع الرقّ والقتل والكفر ، والإحصان لا يثبت قبل الدّخول بالزوجة ، والقسم لا يجب دائما ويسقط في السفر واللّعان لا يقع بين الحرّ والأمة عند كثير منهم ، فقد انتفت هذه الأمور مع صدق الزوجيّة فكما خصّت تلك العمومات بوجود الدلالة فكذا هنا.

وعن الثاني أمّا الرّواية عن عليّ عليه‌السلام فباطلة لأنّا نعلم بالضرورة من مذهبه ومذهب أولاده خلافها فمحال أن يروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يخالفه ، على أنّ خبر ابن سبرة دلّ على أنّ الاذن في حجّة الوداع ، وخبر عليّ عليه‌السلام في يوم خيبر وحجة الوداع متأخّرة عن خيبر فلو كان النهي الّذي نسب إلى علي عليه‌السلام على التحريم لزم نسخها مرّتين ولا قائل بذلك ، وأيضا خبر ابن سبرة يرفع النهي الّذي تضمنه خبر عليّ عليه‌السلام فسقط الاحتجاج به.

وأمّا خبر ابن سبرة فبالطعن في سنده أوّلا (١) وباختلاف ألفاظه الدالّ على

__________________

قال : وأجمعوا على أنه ان وقع نكاح المتعة الان حكم ببطلانه ، وحكى عن الأوزاعي التعبير بنكاح المتعة ، وقال المازري ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام.

والمراد بالنكاح : الزواج ، فعقد المتعة يحدث زوجية ، فكيف لا تكون داخلة في جملة الأزواج في الآية الشريفة.

(١) إذ الراوي في كل الروايات الربيع بن سبرة عن أبيه ، وسبرة وان كان صحابيا إلا انا لا نرى في المعاجم وما ألف في تراجم الصحابة ما يوجب وثوقنا به ، وليس للبخاري عن سبرة بل ولا عن ابنه الربيع ولا عن ابني الربيع عبد الملك وعبد العزيز رواية ، انظر كتاب الجمع بين رجال الصحيحين الأرقام ٥٢٠ ، ٧٨٣ ، ١١٨٥ ، ترى المذكورين فيه من أفراد مسلم.

وعلى كل فمجرد كون الرجل صحابيا لا يكفي في كونه مأمونا عدلا ما لم نتعاهد حاله ، ويثبت لنا وثاقته كيف وقد قال الله العزيز الحكيم ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ

١٦٦

__________________

يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ ) ، الآية ١٠١ سورة التوبة ، ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً )؟ أنشدكم بالله من المنافقون هل كانوا الا صحابيين؟

وقال الرّسول العزيز وقد شهد له الرب الجليل بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ينطق عن الهوى : أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، انظر الروايات من الرقم ١٤٧٥ ـ الى ١٤٨٧ من كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق فيه الشيخان ، مجموع محمد فؤاد عبد الباقي ج ٣ ص ١٢٣ ـ ١٢٩ والروايات بهذا المضمون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه يحال بينهم وبين رسول الله ، عند ورود الحوض وينادى بهم الى النار مستفيضة.

بل اعترف بتواترها القسطلاني في إرشاد الساري في شرح البخاري كما في ج ٩ ص ٣٢٠ ، حيث أخرج مضمونه البخاري في باب الحوض من سبعة من الصحابة وكذا مسلم وأحمد وابن ماجة والطبراني مسندا عن اثنى عشر من الصحابة.

وقد تضافرت الاخبار عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في التظلم من قريش والعرب الذين هم من وجوه الصحابة ، ليس لإنكارها سبيل ، وهو عليه‌السلام أجل قدرا من أن يقول غير الحق وقد شهد الله العزيز بطهارته وإذهاب الرجس عنه ، ومن أصدق من الله قيلا؟.

وكفاك بخطبته المشهورة بالشقشقية تظلما وتألما وشكوى ، وقد ذكر ابن ابى الحديد عن مصدق بن شبيب أنه سأل عن شيخه ابن الخشاب : أتقول انها منحولة؟ فقال : لا والله وانى لا علم انها له عليه‌السلام ، راجع ج ١ ص ٢٠٥ ( الطبعة الأخيرة ).

فهبني قلت ان الصبح ليل

أيعمى العالمون عن الضياء

قالوا : سوء الظن بالصحابة من الرفض ، قلت فعليه فالفاروق الأعظم عمر بن الخطاب أرفض الناس ، بل امام الروافض ، ألم يأمر بضرب أعناق أهل الشورى ان أخروا فصل حال الأمة؟ ( الكامل ج ٣ ص ٤٣ ).

ألم يقل على جمع حاشد من المسلمين انما كانت بيعة ابى بكر فلتة ولكن وقى الله شرها؟ ( البخاري باب رجم الحبلى ص ١٠٠٩ من طبع كراچى وج ٤ ص ١٨٠ من طبع

١٦٧

__________________

دار احياء الكتب العربية ).

ألم ينتصب لسماع الدعوى واقامة الشهود على المغيرة بن شعبة حيث ادعى عليه بالزنا وأقبل يقول : يا مغيرة ذهب ربعك يا مغيرة ذهب نصفك ، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك حتى اضطرب الرابع فجلد الثلاثة واثنان منهم صحابيان : أبو بكرة وهو من فضلاء أصحابه وحملة الآثار النبوية ، ونافع بن الحارث أخوه؟ ( وفيات الأعيان ترجمة يزيد بن زياد الحميري ج ٢ طبع إيران ص ٤٥٥ ).

فهلا أنكر عمر ذلك ، ولم لم يقل هذا محال وباطل ، هذا صحابي لا يجوز عليه الزنا وهلا قال المغيرة لعمر : كيف تسمع قول هؤلاء وأنا من الصحابة؟

بل كيف درأ الحد عن المغيرة بن شعبة مع أنه جلد صحابين آخرين حد القذف؟

ثم قال للشهود : توبوا الى الله فتاب اثنان وامتنع أبو بكرة أن يتوب.

وهلا درأ الحد عن قدامة بن مظعون لما شرب الخمر ولم يقل إنه صحابي؟ بل قال له لما قرأ عليه الآية ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ) أخطأت التأويل ، أنت إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله ، ( الإصابة الرقم ٧٠٩٠ ج ٣ ص ٢٢٠ ترجمة قدامة ).

بل الصديق الأكبر أبو بكر أيضا رافضي : ألم يقل في مرض موته للصحابة فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي ـ يعني عمر ـ فكلكم ورم أنفه ، يريد أن يكون الأمر له ، لما رأيتم الدنيا ، والله لتتخذن الديباج والصنائد ( السياسة والإمامة ج ١ ص ٢٨ ).

بل عثمان ذو النورين أيضا رافضي حيث فتق بطن عمار وكسر ضلع ابن مسعود ( الإمامة والسياسة ج ١ ص ٣١ ).

وعائشة أم المؤمنين أيضا رافضية حيث خرجت بقميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقول : لم يبل قميص رسول الله وهذا عثمان قد أبلى سننه ، اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ( تاريخ ابى الفداء ، الإمامة والسياسة ، النهاية لابن الأثير كلمة نعثل ). بل في شرح النهج لابن ابى الحديد ج ٢٠ ص ٢٢ : انها لم ترض بذلك حتى قالت : أشهد أن عثمان جيفة

١٦٨

__________________

على الصراط.

بل الصحابة كلهم رافضيون ، ألم يخذلوا عثمان حين حصر ، بل كان من حاصر به أيضا الصحابة وهو من وجوه الصحابة ، ثم من أشرافهم ، وهو مع ذلك امام المسلمين والمختار منهم للخلافة ، وللإمام حق على رعيته.

ونقل ابن ابى الحديد في ج ٢٠ ص ١٢ ـ ٣٤ في شرح كلام أمير المؤمنين على عليه‌السلام من الحكم ٤١٣ لعمار في شأن المغيرة : دعه يا عمار إلخ كلاما من ابى جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في جواب أبي المعالي الجويني في شأن الصحابة يحق لأهل الفضل والانصاف المراجعة اليه ، والمداقة في مضامينه.

وقد صدع أمير المؤمنين بالحق من ذلك في الخطبة ٢٠٣ ج ١١ ص ٣٨ من شرح ابن ابى الحديد الطبعة الأخيرة وبين أن الصحبة غير كافية في قبول الخبر ، حيث قال في جواب السائل عن اختلاف الناس في الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس. ورجل منافق ـ الى أن قال ـ : لكنهم قالوا صاحب رسول الله رآه وسمع منه ، الى آخر الخطبة.

وملخص الكلام انه ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها أهل السنة والخطأ جائز على آحاد الصحابة كما يجوز على آحاد غيرهم ، فليس ينبغي أن نكتفي بكون راوي الحديث صحابيا ما لم نتعاهد حاله ، ولم نر في كتب تراجم الصحابة ما يوجب لنا الاطمئنان بكون سبرة عادلا مأمونا.

سلمنا وأعرضنا عن التكلم في الصحابي ، فالراوي عن سبرة انما هو ابنه الربيع ولم يكن صحابيا ، ولم نر في كتب الرجال ما يوجب لنا الاطمئنان بأحاديثه ، الا انه ابن الصحابي ، كما نرى ان ابن حجر يدافع عن عمر بن سعد ويقول : لا نرى سره الا كونه ابن الصحابي ( التقريب ع م ر ).

ثم الراوي عن الربيع ابناه عبد العزيز وعبد الملك ، قال الذهبي في ترجمة عبد الملك ج ٢ ص ٦٥٤ ، الرقم ٥٢٠٥ ضعفه يحيى بن معين فقط وقال ابن خيثمة سئل ابن معين

١٦٩

__________________

عن أحاديثه عن أبيه عن جده فقال ضعاف ، وقال ابن القطان وان كان مسلم أخرج لعبد الملك فغير محتج به. وفي الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثاني ص ٣٥٠ ـ الرقم ١٦٥٣ سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده فقال : ضعاف.

ومن رواة الحديث عن الربيع عبد العزيز بن عمر ، فان كان المراد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز كما صرح به في ص ١٨٣ ج ٢ من أحكام القرآن للجصاص فذكره في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٦٣٢ الرقم ٥١١٨ وقال : عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي وثقه جماعة وضعفه أبو مسهر وحده ، وان كان المراد عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، فذكر في لسان الميزان ج ٤ ص ٣٦ الرقم ٩٨ ، وقال قال ابن القطان مجهول الحال.

وممن صرح بضعف السند في أحاديث سبرة ، ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٢ ص ١٨٤ قال :

فان قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث ، وفيما ثبت عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحج.

قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : ان عمر هو الذي حرمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون ، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح فإنه من رواته عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده ، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة اليه ، وكونه أصلا من أصول الإسلام ، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به.

قالوا : ولو صح حديث سبرة ، لم يخف على ابن مسعود حتى يروى أنهم فعلوها

١٧٠

اضطراب روايته ثانيا (١) وبمعارضته بأخبار أهل البيت عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإباحة ثالثا ، وبأنّه خبر واحد فيما يعم به البلوى رابعا ، وأمّا قول عمر فلا حجّة فيه

__________________

ويحتج بالاية ، وأيضا لو صح لم يقل عمر انها كانت على عهد رسول الله وانما أنهى عنها وأعاقب عليها ، بل كان يقول : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله حرمها ونهى عنها ، قالوا : ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا.

والطائفة الثانية رأيت صحة حديث سبرة ، ولو لم يصح فقد صح حديث على ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرم متعة النساء ، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر بفعلها لم يبلغه التحريم ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر فلما وقع فيه النزاع ظهر تحريمها واشتهر قال : وبهذا تألف الأحاديث الواردة فيها. انتهى ما في زاد المعاد.

قلت : قد عرفت الكلام على حديث على عليه‌السلام وكان مقصودنا من نقل هذا الكلام بطوله أن ضعف احاديث سبرة مسلم عند أهل السنة أيضا.

(١) فان راويها عنه شخص واحد وهو ابنه الربيع بن سبرة ، وهي متحدة في أكثر الخصوصيات مثل خروجه مع رجل ، وعرضهما أنفسهما على المرأة ، ورفيقه دميم أكبر منه سنة ، وهو جميل شاب ، وتردد المرأة بينهما لذلك. واختيارها الشاب ، وكونها من بنى عامر ، وكونها مثل البركة العنطنطنة أو العيطاء التي هي بمعناها ، فهي حكاية لواقعة واحدة مع شخص واحد. ثم نرى أنها مختلفة في تاريخ الإباحة والنسخ ، ففي بعضها من روايات مسلم وابن حنبل أنهما كانا يوم الفتح ، وفي بعضها من روايات ابن حنبل وابن ماجة أنها كانا في حجة الوداع ، وفي بعضها من روايتيهما لم يعين الوقت.

ثم نرى ان مفاد بعضها ان سبرة كان جميلا وبرده خلق وصاحبه من قومه كان قريبا من الدمامة وبرده جيد ، وان الذي تمتع بها هو سبرة دون صاحبه وبعضها ان القريب من الدمامة هو سبرة وبرده جديد غض وبرد ابن عمه خلق وان الذي تمتع بها هو ابن عمه لا هو ، ثم في بعضها ان الاذن كان بعد خمسة عشر يوما من دخول مكة ، وفي بعضها أن الترخيص كان حين دخول مكة.

١٧١

فإنّه رجوع إلى قول صحابيّ وهو معارض بقول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما.

وعن الثالث بالمنع من تحقّق الإجماع مع مخالفة الشيعة بأجمعها وفيهم فضلاء أهل البيت وساداتهم عليهم‌السلام.

__________________

ثم في بعضها ان سبرة خرج مع رجل من قومه ابن عم له ، وفي بعضها خرج مع صاحب له من بنى سليم وسبرة من جهينة ولا يتوهم متوهم عالم بالأنساب ان بنى سليم من جهينة ، فإن جميع العرب يرجعون الى عدنان وقحطان وقضاعة وجهينة أبو بطن من قضاعة ، وسليم ان كان سليم بن منصور فهو بطن من مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وان كان سليم بن فهم فهو أبو بطن من دوس ، ودوس فرقة من غسان بطن من قحطان وان كان سليم بن نمرة فهو أيضا من قحطان انظر ص ٢٦١ و ٣٧٩ و ٤٠٨ و ٤٤٤ من جمهرة أنساب العرب لابن حزم وسائر كتب الأنساب يتضح لك ما بيناه.

وما ذكرناه من كون قضاعة جذما مستقلا مثل جذم قحطان وعدنان هو قول أكثر النسابين ولو فرض اختيار القولين الآخرين أحدهما أن يكون ابن معد بن عدنان والثاني ان يكون ابن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فمع ضعفهما أيضا لا يمكن كون الجهني سليميا ، ولا يصح تعبير الجهني عن السليمى بابن العم الا بضرب من التأويل البعيد ، من جهة الاتصال بعدنان أو قحطان ، وعليه فيمكن التعبير عن كل احد بابن العم باعتبار اتصال النسب بآدم ، وهو بعيد في استعمال العرف غاية البعد.

ثم ان في بعض روايات سبرة انه تمتع بامرأة من بنى عامر ببرد واحد وفي بعضها ببردين أحمرين فكل الروايات يكذب بعضها بعضها بل في بعض الروايات ما يكذب نفسها فان فيها ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلن التحريم خطيبا بين الركن والمقام ، أو بين الباب والمقام ، وكيف يمكن هذا بجمع حاشد من المسلمين لا يسمعه ولا يرويه غير سبرة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا يلتقطون كل شاردة وواردة ، من أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفعاله ، ويهتمون بحفظ إشارات يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعينه ، ثم يحتاج عمر إلى اسناد التحريم الى نفسه ، ولا يكون معه دليل على كونه من إعلان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٧٢

السادسة ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١).

« من » شرطية و « يستطع » مجزوم بلم لفظا وبمن محلّا ، ولم يعكس لقرب « لم » والقريب أولى باللّفظ من البعيد و « من » في « منكم » للتبعيض وتركيب « طولا » كيف استعمل ، للزيادة لكن مع استعماله في المقادير فمصدره الطّول بضمّ الطاء ، والصّفة طويل وفي غير المقادير مصدره الطّول بفتحها والصفة طائل ومراده من لم يكن له زيادة مال لنكاح الحرائر فلينكح الإماء بعقد عليهنّ لأنّهنّ أخف مئونة من الحرائر. والفتيات المملوكات ، لقول العرب للأمة فتاة وللعبد فتى ، والمراد بالمحصنات هنا العفيفات أي أحصنّ أنفسهنّ بعقلهنّ التامّ وكذا المراد بقوله « مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ » والأخدان الأصدقاء أي آخذات أصدقاء تنكحوهنّ سرّا ، والفرق بينهنّ وبين مسافحات فرق ما بين العامّ والخاصّ ، فانّ المسافحات يكنّ جهرا وسرّا ، ومتّخذات الأخدان يكنّ سرّا وقوله « فَإِذا أُحْصِنَّ » أي تزوّجن وصرن محصنات بالأزواج.

وفسّر الزّمخشري « المحصنات » في أوّل الآية بالحرائر لأنّه أثبت عند تعذّر نكاحهنّ نكاح الإماء ، فلا بدّ أن يكون المراد منهن كالضدّ ، وسمين محصنات

__________________

(١) النساء : ٢٥.

١٧٣

لاحصانهنّ عن أحوال الإماء من الابتذال والامتهان وفيه نظر لأنّه عدول عن ظاهر اللّفظ ، وجعل الموصوف محذوفا أي الحرائر المحصنات أولى.

إذا تقرّر هذا فهنا أحكام :

١ ـ ظاهر الآية أنّ إباحة نكاح الإماء بالعقد مشروطة بعدم الطّول وخشية العنت واحتجّ به الشافعيّ على تحريم نكاحهنّ بدون الشرطين ، وخالف أبو حنيفة وجعل ذلك على الأفضل لا أنّه يكون محرّما بدونهما وجوّز نكاحهنّ للغنيّ ، وبالأوّل قال بعض أصحابنا محتجّا بالشرطيّة المذكورة ، ويقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن الرّجل يتزوّج المملوكة قال : إذا اضطرّ إليها فلا بأس (١) والحقّ الثاني لعموم قوله « وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ » (٢) وقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٣).

والجواب عن الآية بالمنع من دلالتها على التحريم بل هي دالّة على جواز نكاحهنّ عند عدم الاستطاعة ، وليس لها تعرض لعدم الجواز إلّا بدليل الخطاب ، وليس بحجّة عندنا ، وعلى تقدير حجّيّته ليس دلالتها على التحريم بأولى من دلالتها على الكراهية ، ويؤيّد الكراهية قوله « وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ » وكذا الجواب عن الرواية.

فههنا فروع :

ألف ـ على القول بالتحريم ، يجوز نكاح الواحدة قطعا ، وتحرم الثانية لانتفاء أحد الشرطين وعلى القول بالكراهية تباح الثانية.

ب ـ يقبل قول الزّوج في عدم الطّول ، وخوف العنت ، ولو كان في يده مال وادّعى أنّه ليس له أو عليه دين بقدره ولا يملك غيره قبل.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ باب الحر يتزوج الأمة الرقم : ١.

(٢) النور : ٣٢.

(٣) البقرة : ٢٢١.

١٧٤

ج ـ لو تجدّد عدم الشرطين بعد النكاح لا ترتفع الإباحة ، ولو كان السابق العقد خاصّة.

د ـ قال بعض المحرّمين : إنّ التحريم راجع إلى الوطي والعقد يتبعه ، وقال بعضهم بل يرجع إلى العقد أيضا بالذات لكن لا يحرم.

هـ ـ لو تزوّج أمتين دفعة على القول بالتحريم قيل يتخيّر واحدة والحقّ البطلان لأنّ العقد نسبة إليهما على السواء فلا يصح في إحداهما دون الأخرى وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح.

٢ ـ اختلف في تفسير الطّول فقيل الزيادة في المال ، وقيل ليس له حدّ معيّن بل الإنسان أعرف بنفسه وما يكفيه له ولعياله ، فان عرف العجز عن ذلك ، جاز له نكاح الأمة ، وقال محقّقوا أصحابنا هو مهر الحرّة ونفقتها ووجودها ، وإمكان وطيها قبلا ، فعلى هذه الأقوال يكون قوله « أن ينكح » إما مفعول فعل محذوف وهو صفة طولا أي يبلغ به أن ينكح أو يكون مجرورا بلام جرّ مقدّرة ، قبل « أن » لأنّها تحذف كثيرا قبلها تقديره ومن لم يستطع منكم طولا لأن ينكح.

وقال أبو حنيفة : الطول القوّة والفضل ، وجعل قوله « أن ينكح » « أن يطأ » وجعله بدلا عن « طولا » بدل الكلّ لأنّ النكاح قوّة وفضل ، فيكون معنى الآية على قوله من لا يملك وطي الحرّة وفراشها ، فلينكح أمة ، فإذا كان الشخص غنيّا ولا يكون في فراشه حرّة جاز له أن ينكح أمة.

٣ ـ قيل : الآية ظاهرة في تحريم نكاح غير المؤمنات من الكتابيات وغيرهنّ من الحرائر والإماء لتكرار الوصف فيهما وبه قال أهل الحجاز وقال أهل العراق الأفضل نكاح المؤمنات وترك نكاح الكتابيّات ، والحقّ عندنا الأوّل وسيأتي تحقيقه.

٤ ـ قوله « وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ » فيه إشارة إلى الاكتفاء بظاهر الايمان وأنه لا يجب أن يكون على التحقيق فيجوز نكاح المنافق حينئذ وفيه دلالة على أنّ

١٧٥

الكفاءة يكفي فيه التساوي في الايمان بين الغنيّ والفقير والحرّ والرقّ ، ولذلك عقّبه بقوله « بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ » أي الجميع منكم ومن أقاربكم ، من نسل آدم عليه‌السلام لا مزيّة لأحدكم على رقيقه.

٥ ـ قوله « فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ » فيه دلالة على عدم استقلال الأمة بالعقد على نفسها بل لا بدّ من إذن السيّد ، لأنّها مملوكة عينها ومنافعها للسيّد ، ومن جملتها منفعة البضع ، فلا يصحّ التصرّف فيها إلّا بإذنه أو برضاه بعده العقد على خلاف في صحّة عقد الفضوليّ ، وليس فيه دلالة على قول أبي حنيفة بجواز مباشرتهنّ العقد حتّى يحتجّ له به.

واعلم أنّه لا فرق بين العبد والأمة في ذلك ، وكذا لا فرق بين كون السيّد رجلا أو امرأة ، ولا بين كون النكاح دائما أو منقطعا.

٦ ـ قوله ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) أي مهورهنّ ، وسمّى المهر أجرا ، لأنّ الأجر يقال في عوض والبضع منفعة قوله « بِالْمَعْرُوفِ » أي بسهولة وطيب نفس من غير مطل ولا سوء خلق.

وهنا سؤال وهو أنّ المهر ملك السيّد ، فهلّا قال : فآتوا مواليهنّ أجورهنّ.

جواب قيل الأداء إليهنّ أداء إلى السادات لأنّهن وما في أيديهنّ ملك السادات أو أنّ المضاف محذوف ، أي فآتوا مواليهنّ وفيهما نظر ، أمّا الأوّل فلأنّ كونهنّ ملكا لهم مسلّم لكن كون التسليم إليهنّ تسليما إلى الموالي ممنوع ، وأمّا الثاني فلأنّ المضاف لا يحذف مع الاشتباه والاشتباه موجود هنا.

والأولى في الجواب أنّه كان من عوائدهم مهور الأزواج ، فيكون الاذن في النكاح مستلزما للإذن في قبض المهر.

٧ ـ في ذكر الإحصان بمعنى العفّة ونفي السّفاح ، دلالة على المنع من نكاح الزانية إمّا تحريمها على قول من يحرّمه أو كراهة على الأقوى ، وسيأتي تحقيقه ، وقوله « مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ » محال منهنّ أي فانكحوهنّ حال إحصانهنّ وعدم سفاحهنّ.

٨ ـ « فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ » أي فإذا تزوّجن ثمّ أتين بالزنا فعليهنّ

١٧٦

نصف حدّ الحرائر « والعذاب » هو الحد بدليل قوله « وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » وغير ذلك ، والمراد به الجلد خاصّة لا الرّجم للإجماع ولأنّه إهلاك أموال وهنّ أموال لمواليهنّ فلا يجوز إضرارهم بذنب غيره ولأنّ الرجم لا ينتصف كما ينتصف الجلد.

إن قيل فما الفائدة في قوله « فَإِذا أُحْصِنَّ » لأنّ الجلد واجب عليهنّ مطلقا إذا زنين وإن لم يحصن قلت : ذهب قوم إلى عدم وجوب الجلد عليهنّ إلّا مع الإحصان لهذه الشبهة ، والأكثر على خلافه لأنّه لا دلالة له على عدم الحدّ إلّا بدليل الخطاب وليس بحجّة على أنّه لا يلزم من عدم دلالة الآية على وجوب الحدّ عليهنّ عدم الوجوب لأنهنّ يدخلن في آية « الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » (١) فتكون هذه الآية مخصّصة لتلك بالأحرار والحرائر واعلم أنّ الإجماع انعقد على أنّه لا فرق بين العبد والأمة في تنصيف الحدّ.

٩ ـ قوله « ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ » ذلك إشارة إلى نكاح الإماء ، فظهر به أنّه مشروط بشرطين واختلف في تفسير « العنت » قيل الوقوع في الزنا لأنّه في الأصل انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكلّ مشقّة وضرر ولا ضرر أعظم من الوقوع في الإثم بأفحش القبائح وقيل الحد.

١٠ ـ قوله « وَأَنْ تَصْبِرُوا » أي عن نكاح الإماء « خَيْرٌ لَكُمْ » وإنّما كان خيرا قيل لئلّا يجي‌ء الولد رقا كما هو مذهب الشافعيّ وليس بشي‌ء لأنّ الولد يتبع أشرف الطرفين. والحريّة أشرف ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يرقّ ولد حرّ » (٢) وقيل لئلّا يتبع سادتها وأهلها ولئلّا يفرق السيّد بينهما بوجه ، والأولى أنّه خير لئلّا يعيّر الولد بأنّه ولد أمة الغير ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله « الحرائر صلاح البيت والإماء

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) لم نظفر بلفظ الحديث ، نعم في الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ، أحاديث متعددة عن أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك فراجع.

١٧٧

هلاكه » قوله « وَاللهُ غَفُورٌ » عمّا سلف من خلاف هذه الأحكام « رَحِيمٌ » بالرّخصة في نكاح الإماء.

النوع الثاني

في أسباب التحريم(١)

وفيه آيات :

الاولى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ) (٢).

قال الطبري : مراده ولا تنكحوا نكاح آبائكم أي مثله من الأنكحة الفاسدة ويكون « ما » مصدريّة والأولى خلاف ذلك ، بل مراده ولا تنكحوا منكوحات آبائكم ويكون « ما » موصولة وضمير المفعول محذوف تخفيفا لأنّه هو المتبادر إلى الفهم والاستثناء هنا قيل منقطع تقديره لكن ما قد سلف ، فإنّه لا مؤاخذة فيه وليس ببعيد وقيل متّصل والاستثناء من اللفظ تقديره إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحلّ لكم غيره ، وذلك غير ممكن والغرض المبالغة في التحريم وسدّ الطريق إلى إباحته كما تعلّق بالمحال للتأبيد في قولهم حتّى يبيضّ القادر.

والأجود : أنه استثناء من محذوف أي لا تنكحوا ما نكح آباؤكم ، فإنّه قبيح حرام معاقب عليه ، إلّا ما قد سلف في الجاهليّة ، فإنّكم معذورون فيه ، ونفّر عن فعله زيادة على النهي بتوصيفه بثلاثة أوصاف :

الأوّل كونه « فاحِشَةً » مبالغة في قبحه فإنّه مناف لما يجب من تعظيم الآباء بالتهجّم على فراشهم ، وأتى بكان إيذانا بأنّه لم يكن حلال في ملّة سالفة.

الثاني كونه « مَقْتاً » أي موجبا لمقت الله أو ممقوتا فانّ ذوي المروءات منهم

__________________

(١) في المحرمات. خ ل.

(٢) النساء : ٢٢.

١٧٨

كانوا يمقتون فاعل ذلك أي يبغضونه ، ويسمّون الولد الحاصل منه بالمقتيّ.

الثالث كونه « ساءَ سَبِيلاً » أي بئس طريقا فعلى هذا ، الضمير راجع إلى نكاح منكوحات الآباء ، وإن لم يجر له ذكر ، لكون الكلام دالا عليه ، وعلى قول الطبريّ : الضمير راجع إلى نكاح الجاهليّة المشبّه به ، والأجود ما قلناه فهنا أحكام :

١ ـ إن جعلنا النكاح حقيقة في العقد كما هو المشهور ، فيكون النهي صريحا في المعقود عليها سواء دخل بها أو لا ، ولا تدخل من وطئت لا بعقد إلّا بدليل خارجيّ وإن جعلناه حقيقة في الوطي دخل كل موطوءة بعقد وغيره ، وكذا إن قلنا أنّه مشترك ، والعمل بهذا أحوط ، وإن كان الأوّل أقوى ، لما تقرّر في الأصول من وجوب حمل اللّفظ على الحقيقة الشرعيّة.

٢ ـ الأجود دخول الموطوءة بالشبهة لما تقرّر عند الأكثر أنّ حكم الشبهة كالصحيح في أغلب الأحكام فهنا كذلك.

٣ ـ قيل لا تدخل المزنيّ بها في الآية إمّا لأنّ النكاح حقيقة في العقد ، وهذه ليست معقودا عليها ، أو لأنّ الزنا لا حرمة له ، ولهذا تنكح وهي حامل بعد مضيّ أربعة أشهر وعشر ، وتنقضي عدّتها بالأشهر أو الإظهار من غير اعتبار بوضع حملها ، فلا تكون محرّمة بالنّسبة إلى ولد الزاني ، والحقّ التحريم إلّا مع سبق عقد الابن فإنّه لا يحرم.

٤ ـ تحرم منكوحة الجدّ ، وإن علا لقوله « آباؤُكُمْ » والجد أب هنا ، وكذا تحرم موطوءة الجدّ للامّ ومن عقد عليها.

٥ ـ كل من قال بتحريم المعقود عليها على ابن العاقد ، قال بتحريم الموطوءة بالملك ، فهي إجماعيّة من سائر الفقهاء ، وكذا عندنا من عقد عليها متعة أو وطئها بالتحليل.

١٧٩

الثانية ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) (١).

المضاف هنا مقدّر أي نكاح أمّهاتكم ، فحذف لقرينة استحالة تحريم الذّوات لكونها غير مقدورة فلا بدّ من تقدير فقدّر ما يراد منهنّ وهو النكاح كما قدّر في « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ » أي أكله لأنّ المراد من اللّحم الأكل وكذا نظائره ، وذهب قوم وهم بعض الأصوليين إلى أنّ الآية مجملة وليس بشي‌ء لسبق المراد إلى الفهم كما قلناه والمجمل لا يسبق إلى فهم الإنسان شي‌ء من معانيه.

وقد ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية محرّمات تنقسم أقساما ثلاثة :

القسم الأول

ما يحرم بالنسب

وهو سبعة :

١ ـ الأم وإن علت ، أي امّه وأم أبيه وأم جدّه وأمّ امّه وأم أبيها سواء كان النسب صحيحا أو فاسدا.

٢ ـ البنت وإن نزلت أي بنته ، وبنت بنته ، وبنت ابنه ، سواء كان الولادة

__________________

(١) النساء : ٢٣.

١٨٠