كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

الحجاب لئن مات لأتزوّجنّ فلانة (١).

وعندنا أنّ من فارقها بطلاق أو فسخ كذلك ، سواء دخل بها أو لا ، وللشافعيّة هنا ثلاثة أوجه الأوّل التحريم مطلقا لأنّهنّ أمّهات ، الثاني الإباحة مطلقا وإلّا لم يكن للبينونة فائدة ، الثالث الحلّ في الّتي لم يدخل بها لما روي أنّ أشعث بن قيس تزوّج المستعيذة في أيّام عمر ، فهمّ برجمها فأخبر بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فارقها قبل أن يدخل بها ، فترك (٢) فيكون التحريم ثابتا في المدخول بها.

وكذا لهم هذه الوجوه في سراريه وعموم الآية يدفع هذه الاحتمالات.

الرابعة ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن ابى حاتم عن السدى وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة. كما في الدر المنثور ج ٥ ص ٢١٤.

(٢) أنوار التنزيل ج ٢ ص ٢٧٩ عند تفسير الآية.

(٣) الأحزاب : ٥٠. وفي الآية سؤال عن وجه افراد العم والخال ، وجمع العمة والخالة ، قال الشوكانى في فتح القدير ج ٤ ص ٢٨٨ :

ووجه افراد العم والخال ، وجمع العمة والخالة ، ما ذكره القرطبي : أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز ، وليس كذلك العمة والخالة ، قال : وهذا عرف لغوي ، فجاء الكلام عليه بغاية البيان ، وحكاه عن ابن العربي ، وقال ابن كثير : انه وحد لفظ الذكر لشرفه وجمع الاثنى كقوله : عن اليمين وعن الشمائل ، وقوله : يخرجهم من الظلمات الى النور ، وجعل الظلمات والنور ، وله نظائر كثيرة. انتهى.

وقال النيسابوري : وانما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتهما مع أن لجمع

٢٤١

هذه أيضا تشتمل على ذكر ما هو من خواصّه ، وهو استباحة الوطي بالهبة والدّليل على كونه من خواصّه قوله « خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ » واختلف في أنّ ذلك هل وقع أم لا؟ قال ابن عبّاس لم يكن أحد عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالهبة ، وقال غيره بل وقع وعدوّا أربعا : ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت حزام : أمّ المساكين الأنصاريّة ، وخولة بنت حكيم.

قيل : إنّ هذه لمّا وهبت نفسها له صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت عائشة : ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟ فنزلت الآية ، فقالت عائشة : ما أرى الله إلّا أن يسارع في هواك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّك إن أطعت الله سارع في هواك ، والرابعة قيل أمّ شريك بنت جابر من بني أسد ، عن عليّ بن الحسين وهنا فوائد :

١ ـ جوّز الكرخيّ وقوع النكاح بلفظ الإجارة لقوله ( اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) والأجر يختصّ بالإجارة ، وليس بشي‌ء لجواز أن يكون الأجر مستعارا للمهر وقال أبو بكر الرازيّ لا يجوز بالإجارة ، لأنّ الإجارة عقد موقت وعقد النكاح مؤبّد فهما متنافيان.

٢ ـ قيل يجوز وقوعه أيضا بلفظ الهبة لغير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس بشي‌ء أيضا لقوله تعالى ( خالِصَةً لَكَ ) وهو مذهب أصحابنا والشافعيّة.

٣ ـ أيّ فائدة في القيود الثلاثة وهي ( اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) و ( اللّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ) و ( مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ ) فانّ الإحلال حاصل بدونها؟ قلت فائدتها أنّها

__________________

البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد ، ولم يحسن هذا الاختصار في العمة والخالة لا مكان سبق الوهم الى أن التاء فيهما للوحدة انتهى.

وكل وجه من هذه الوجوه يحتمل المناقشة بالنقض والمعارضة ، وأحسنهما تعليلا تعليل جمع العمة والخالة بسبق الوهم الى أن التاء للوحدة ، وليس في العم والخال ما يسبق الوهم إليه بأنه أريد به الوحدة إلا مجرد صيغة الافراد ، وهي لا تقتضي ذلك بعد إضافتها ، لما تقرر من عموم أسماء الأجناس المضافة ، على أن هذا الوجه لا يخلو عن شوب المناقشة. انتهى ما في فتح القدير.

٢٤٢

كانت حاصلة ولا يلزم من ذكرها عدم إحلال غيرها إلّا بدليل الخطاب وليس حجّة وقيل فائدتها أنّ الله أحلّ له صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو الأفضل ، وفيه نظر لأنّه يقتضي أن لا يحصل الإحلال للمذكورات إلّا بالقيود الثلاثة وليس كذلك وأيضا لو كان كذلك لكان ينبغي أن يأتي بعبارة تدلّ على إرادة الأفضل وقول القاضي يحتمل أن يكون من خواصّه ، ويؤيّده قول أمّ هانئ بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعتذرت إليه فعذرني ثمّ أنزل الله هذه الآية فلم أحلّ له ، لأنّي لم أهاجر معه ، وكنت من الطلقاء ، ضعيف ، لأنّه لم ينقل أنّه من خواصّه ، وقولها فلم أحلّ له فهمته من دليل الخطاب وليس بحجّة ، وقال الطبرسيّ كان ذلك قبل تحليل غير المهاجرات ثمّ نسخ شرط الهجرة في التحليل ، وهو ضعيف لأنّ ذلك وإن تمّ في المهاجرات فلا يتمّ في القيدين الأخيرين فالأولى ما قلناه ، فانّ الوصف كما يكون للتخصيص يكون للتوضيح.

الخامسة ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً ) (١).

الإرجاء التأخير ، يقال أرجأت بالهمزة ، وأرجيت بغير همز لغتان ، بمعنى واحد ، وقرئ في الآية بالهمز وعدمه ، والعبارة تحتمل وجوها :

١ ـ تطلّق من تشاء وتترك طلاق من تشاء.

٢ ـ تدعو من تشاء إلى الفراش ، وترجئ من تشاء ، فلا تدعوها.

٣ ـ ترجئ من تشاء فلا تقسم لهنّ ، وتؤوي إليك من تشاء ، فتقسم لهنّ فأرجأ سودة ، وجويرية ، وصفيّة ، وميمونة ، وأمّ حبيبة ، وكان يقسم بينهنّ

__________________

(١) الأحزاب : ٥١.

٢٤٣

ما شاء ، وآوى عائشة ، وحفصة ، وأمّ سلمة ، وزينب ، فكان يقسم بينهنّ ، فاستدلّ به من قال بعدم وجوب القسمة عليه ، وأنّ ذلك من خواصّه وإنّما كان ما يفعله من القسمة تفضّلا منه ، وطلبا للعدل ، وأن لا ينسب إليه الجور ، وهذا هو المشهور عند أصحابنا.

٤ ـ أنّ ذلك راجع إلى الواهبات ، أي ترجئ من تشاء من الواهبات وتؤوي إليك من تشاء منهنّ.

قوله ( وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ) أي إنّ المعزولات لك أن تؤويهنّ وبعد ابتغائك إيّاهنّ وإيوائك لهنّ. لك أيضا أن ترجئ من تشاء منهنّ وتؤوي ، ولا جناح عليك في ذلك كلّه.

قوله ( ذلِكَ أَدْنى ) إشارة إلى أنّ التخيير بين إيواء من تشاء ، وتأخير من تشاء ، أقرب إلى قرّة أعينهنّ ، وعدم حزنهنّ ورضاهنّ ، لأنّه حكم كلّهنّ يتساوين فيه ، ثمّ إن سوّيت بينهنّ وجدن ذلك تفضّلا وإحسانا منك ، وإن رجّحت بعضهنّ على بعض علمن أنّه بحكم الله فتطمئنّ قلوبهنّ.

وقيل : إنّ ذلك إشارة إلى جواز ردّ المعزولات إليك ، فإنّهنّ إذا علمن بذلك علمن أنّهنّ غير مطلّقات ورجون أنّك ترجعهنّ إليك وباقي الآية معلوم.

السادسة ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ رَقِيباً ) (١).

قيل : إنّها منسوخة بقوله ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ ) (٢) الآية وهو فتوى أصحابنا وقيل بقوله ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ ) على الوجه الأوّل ، فإنّهما وإن تقدّمتا قراءة فمتأخّرتان نزولا كآية العدّة فإنّه أبيح له بعد ذلك تزويج ما شاء ، وروي عن عائشة أنّها قالت : ما فارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى حلّل له ما أراد من النساء ، وقيل بعدم ذلك

__________________

(١) الأحزاب : ٥٢.

(٢) الأحزاب : ٥٠.

٢٤٤

فإنّها باقية الحكم لأصالة عدم النسخ.

ثمّ اختلف في تأويلها بسبب قوله « مِنْ بَعْدُ » على وجوه الأوّل من بعد التّسع اللّاتي كنّ عنده ومات عنهنّ وقد تقدّم أسماؤهنّ وأنّ التّسع في حقّه كالأربع في حقّنا ، الثاني من بعد النساء اللّاتي ذكرن في الآية المتقدّمة ، وهي ( إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ ) وهي ستّة أجناس غير المملوكات ، فعلى هذا يباح له فوق التّسع ، إذ الجمع من كلّ جنس أقلّه ثلاثة ، الثالث روي عن الصادق عليه‌السلام أنّ المراد بعد المحرّمات في سورة النساء (١) فعلى هذا لا يكون فيها شي‌ء من خواصّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأوّل لا يجوز له طلاق واجدة منهنّ ، ولا التبدّل بها لو ماتت ، و « من » في قوله ( مِنْ أَزْواجٍ ) زائدة ، للاستغراق.

قوله ( وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) أي ليس لك أن تطلّق بعضهنّ وتتزوّج بدلها وإن كان البدل أحسن ( إِلّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) فإنّه لا حصر فيهنّ ، وقيل إنّه استثناء من النساء ، لأنّه يتناول الأزواج والإماء ، وعلى ما قلنا من رأي أصحابنا إنّها منسوخة ، كلّ هذه الوجوه لا فائدة فيها إلّا الوقوف عليها والرواية المذكورة عن الصادق عليه‌السلام ضعيفة لمخالفتها الحكم المجمع عليه من جواز تبديله لنسائه وجواز تبديل أمته بالطلاق والفسخ.

السابعة ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) (٢).

__________________

(١) الكافي باب ما أحل للنبي من كتاب النكاح تحت الرقم ١ ـ ٤ و ٧. راجع ج ٥ ص ٣٨٧ ـ ٣٩١ من الطبعة الحديثة.

(٢) الأحزاب : ٣٧.

٢٤٥

روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب زينب بنت جحش الأسديّة وكانت أمّها أميمة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله لزيد بن حارثة ، وعندها أنّه يخطب لنفسه فلمّا علمت أنّه لزيد أبت وأنكرت ذلك لعلوّ نسبها ، فنزلت ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (١) فقالت : رضيت يا رسول الله فأنكحها لزيد ، فدخل بها وساق إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة دنانير وستّين درهما مهرا ، وخمارا ، وملحفة ، ودرعا وإزارا ، وخمسين مدّا من الطعام ، وثلاثين صاعا من تمر.

وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٢) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان شديد الحبّ لزيد ، وكان إذا أبطأ عليه زيد أتى إلى منزله فيسأل عنه ، فأبطأ عليه يوما فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منزله فإذا زينب جالسة في وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الباب فلمّا نظر إليها قال « سبحان الله خالق النّور تبارك الله أحسن الخالقين » ورجع ، فجاء زيد فأخبرته زينب بما كان ، فقال لها : ولعلّك وقعت في قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهل لك أن أطلّقك حتّى يتزوّجك رسول الله؟ فقالت أخشى أن تطلّقني ولا يتزوّجني ، فجاء زيد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إنّ زينب تتكبّر عليّ وتؤذيني بلسانها ، فأريد أن أطلّقها ، فقال « أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ » ثمّ طلّقها بعد ذلك. وروي أنّها لمّا اعتدّت قال لزيد ما أجد في نفسي أحدا أوثق منك اخطب لي زينب فقال فجئت إليها وهي تخمر عجينها فلمّا رأيتها عظمت في نفسي حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرها ، فولّيتها ظهري وقلت : يا زينب أبشري إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطبك ، ففرحت بذلك ، وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي ، فقامت إلى مسجدها فنزلت الآية فتزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها : ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللّحم حتّى اشتدّ النهار.

__________________

(١) الأحزاب : ٣٦.

(٢) تفسير القمي ص ٥١٤.

٢٤٦

إذا عرفت هذا فنقول قوله ( اتَّقِ اللهَ ) نهي تنزيه لا تحريم ، لأنّ الطّلاق ليس بحرام ، بل مبغوض لله ، لأنّه ضدّ النكاح المندوب إليه ، وقيل : معناه لا تذمّها بسبب تكبّرها وأذى زوجها.

ثمّ اختلف فيما أخفاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوه الأوّل أنّ الله أعلمه أنّها من نسائه ، وأنّ زيدا سيطلّقها ، فلمّا جاء زيد وأراد أن يطلّقها قال له أمسك عليك زوجك فقال له سبحانه لم تقول له أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنّها تكون من أزواجك عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام وهذا مطابق للآية لأنّه تعالى أعلمه أنه يبدي ما أخفاه ولم يظهر غير التزويج فقال ( زَوَّجْناكَها ) ولو كان غير ذلك لأبداه ، فعاتبه الله على ذلك.

الثاني : أنّه الميل الطبيعيّ إليها وذلك لا يوصف بالإباحة والتحريم ، لكونه بغير الاختبار لكنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كره إظهاره للناس لبشاعته وربّما كان المنافقون يقولون إنّه قد عشق وأذن الله في تزويجه بما عشقه ، وذلك مناف لما هو بصدده من تبليغ الرّسالة وهداية الخلق ، ولم يعلموا أنّ ذلك أمر جبلّيّ غير مقدور.

الثّالث : أنّه أضمر أنّه إن طلّقها زيد يتزوّجها من حيث إنّها ابنة عمّه فأراد ضمّها إلى نفسه لئلّا يصيبها ضيعة ، كما يفعل الرّجل بأقاربه ، وليكون جبرا لقلبها حيث زوّجها مولاه أوّلا مع كراهتها مع أنّه قال ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ).

الرّابع : أنّه كان يريد نكاحها مع مفارقة زيد ليكون مبطلا لستّة الجاهليّة في تنزيل الأدعياء منزلة الأبناء ، لكنّه عزم على عدم ذلك مخافة أن يطعنوا عليه بأنّه تزوّج امرأة ابنه فأنزل الله الآية لكيلا يمتنع عن فعل المباح خشية الناس ولذلك عقّب الكلام بقوله ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ).

قوله ( وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) أي تخشى مقالتهم واعتراضهم عليك بغير حقّ ، والله أحقّ أن تخشاه في إيقاع أوامره الحقّة ، قوله ( فَلَمّا قَضى زَيْدٌ ) إلى آخره أي فرغ من إرادته لها وإعطاء شهوته منها مقتضاها.

قوله ( وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ) أي ما أراد الله أن يكون من فعله لا بد أن

٢٤٧

يقع ، لوجود الداعي ، وعدم الصارف ، بخلاف ما أراد الله من فعل غيره فإنّه قد وقد.

إذا تقرّر هذا فقد استفيد من هذه القصّة أحكام :

١ ـ أنّ التساوي في النسب غير شرط في النكاح فانّ زينب كانت أشرف من زيد ولهذا زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطلّب ابن عمّه بالمقداد ابن عمرو ، وهو عاميّ النسب (١).

٢ ـ وجوب الإنفاق على الزوجة وكيفيّة الكسوة ، من الدّرع وهو القميص والخمار ، وهو المقنعة ، والملحفة وهو الإزار ، ويمكن أن يعنى به السراويل وضمّ الأدم إلى القوت كضمّ التمر إلى الطعام ، لأنّ ذلك وقع في بيان الواجب فيكون واجبا.

٣ ـ وجوب مفارقة زوج المرأة لها إذا رغب فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤ ـ عدم جواز الخطبة في العدّة لأنّه لمّا انقضت عدّتها أمر زيدا بخطبتها ويدلّ عليه من الكتاب قوله ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) (٢) وقد تقدّم (٣).

٥ ـ كون النكاح يقع بلفظ التزويج ، ووجوب كونه بصيغة الماضي.

٦ ـ استحباب الوليمة عند الزفاف ، ولذلك قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا وليمة إلّا في خمس : عرس أو خرس أو ختان أو وكاز أو ركاز ». والخرس : النفاس ، والوكاز : بناء الدار ، والركاز : قدوم الحاجّ.

__________________

(١) رواه في الكافي ج ٥ ص ٣٤٤ في حديثين.

(٢) البقرة : ٢٣٥.

(٣) راجع ص ٢٣٦.

٢٤٨

النوع السادس

( في روافع النكاح )

وهي أقسام :

القسم الأول

( الطلاق )

وفيه آيات :

الاولى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (١).

الطلاق لغة اسم للتطليق أو الإطلاق بمعنى إزالة القيد ، وشرعا إزالة قيد النكاح وهو إمّا من قبيل التخصيص أو النقل ، والأوّل أولى لما تقرّر في الأصول ولا يقع عندنا إلّا بلفظه الصّريح الدالّ على الجملة بالمواطاة ، لما تقدّم من قول الباقر عليه‌السلام و « إنّما » (٢) للحصر كقولك أنت أو هذه أو فلانة طالق ، فخرج ما لا يكون منه كسائر الكنايات كخليّة وبريّة وغيرهما ، وما يكون من لفظه ، و

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) اى قوله كما نقل فيما سبق ص ٢٣٩ انما الطلاق أن تقول لها : أنت طالق.

٢٤٩

لكن لا تدلّ بالمواطاة كقوله أنت طلاق أو الطلاق أو من المطلقات وغير ذلك من العبارات المختلفة ، وللمخالفين هنا أقوال ليس هنا موضع ذكرها ، إذا عرفت هذا فهنا أحكام يتبعها فوائد :

١ ـ قيل : خصّ الخطاب بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمّ الحكم ، لأنّه إمام أمّته ، فنداؤه كندائهم ، وقيل لأنّ الحكم يعمّه ، وهم تابعون له ، وعن الجبائيّ تقديره : قل إذا طلّقتم ، وهذا أحسن الوجوه ، ولا يلزم خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحكم على هذا الوجه لأنّه إنّما جعله صلى‌الله‌عليه‌وآله آمرا تنزيها له عن فعل المكروه لغير داع يدعو إليه ، فإنّ الطلاق من غير داع مكروه ، لكونه خلاف النكاح المطلوب ، ولما رواه الثعلبيّ في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال « تزوّجوا ولا تطلّقوا فانّ المطلق يهتزّ منه العرش » (١) وعن ثوبان يرفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « أيّما امرأة سألت من زوجها الطلاق من غير ما به بأس فحرام عليها رائحة الجنّة » (٢) وعن أبي موسى الأشعريّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا تطلّقوا النساء إلّا من ريبة إنّ الله لا يحبّ الذوّاقين والذوّاقات (٣) وعن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلّا منافق (٤).

٢ ـ قوله ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أي لوقت عدّتهنّ ، فانّ اللام للتأقيت وفيه دلالة على وجوب إيقاع الطّلاق في طهر لأنّ الأقراء هي الأطهار لما يجي‌ء ، وهو مذهب أصحابنا والشافعيّ لكن عندنا لو فعل خلاف ذلك بطل ، وعند الشافعيّ وباقي الفقهاء فعل حراما وصحّ طلاقه (٥) أمّا الحرمة ، فلأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٤ ، عن تفسير الثعلبي.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ٥١٦ باب في الخلع. ورواه أحمد والترمذي وابن ماجة والدارمي كما في مشكاة المصابيح ص ٢٨٣.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٤ ، عن تفسير الثعلبي.

(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٤ ، عن تفسير الثعلبي.

(٥) وقد أفصح الشيخ في الخلاف عن البحث في ذلك راجع ج ٢ ص ٢٢٦ ولابن القيم الجوزية أيضا بيان مبسوط في إثبات بطلان الطلاق في زاد المعاد ج ٤ ص ٤٣ ـ ٥١ فراجع.

٢٥٠

النهي عن ضدّه ، وأمّا الصحّة فلأنّ النهي لا يستلزم الفساد ، ونحن نمنع الثانية فإنّ النهي عن نفس الطلاق وقد تقدّم أنّ عند المحقّقين أنّ النهي عن الشي‌ء نفسه أو جزئه أو لازمه يدلّ على الفساد وقال أبو حنيفة إنّ الأقراء هي الحيض ، فتقدير الكلام عنده لمستقبل عدّتهنّ ، وقبل عدّتهنّ.

ثمّ إنّ هذا العموم مخصوص بأمرين أحدهما غير المدخول بها ، وثانيهما الغائب عنها زوجها غيبة يعلم انتقالها من طهر إلى آخر ، أو خرج عنها في طهر لم يقربها فيه بجماع ، فانّ هاتين يصحّ طلاقهما من غير تحريم ، وعلى ذلك إجماع أصحابنا وتضافر أخبارهم ، ويدلّ على الأوّل آية الأحزاب وسيأتي.

٣ ـ قوله ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) أي اضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء ، وقيل : عدّوا أوقات الأقراء لتطلّقوا للعدّة ، فعلى الأوّل فائدة الأمر بالإحصاء أنّها يتعلّق بها حقوق النّكاح أمّا للزّوجة ، فالنفقة والسكنى ، وأمّا للزّوج فالرّجوع إذا شاء مع بقائها لا مع خروجها ، ولذلك له منعها من الأزواج ، وأيضا إلحاق النسب لو أتت بولد يمكن إلحاقه به في العدّة وتحريم الخطبة فيها تصريحا إلى غير ذلك.

وعلى الثاني ففائدته العلم بزمان الحيض وزمان الطّهر ، ومع الدم يعلم مع الضبط وقت الحيض ، فلا يقع فيه طلاق ، ووقت الاستحاضة فيقع فيه ، إلى غير ذلك.

وأمر سبحانه وتعالى بالتقوى في ضبط العدّة ، بحيث لا يخالف في ذلك أوامره ويحتمل تعلّقه بما بعده أي بقوله ( لا تُخْرِجُوهُنَّ ).

٤ ـ أنّه لمّا ذكر سبحانه العدّة ذكر بعض أحكامها وهي أنّه لا يجوز إخراج المرأة المطلقة من البيت الّذي طلّقت فيه ، والإضافة هنا للاختصاص كقولك : جلّ الفرس ، وكذلك لا يجوز لها أيضا الخروج وإن لم يخرجها الزّوج لقوله ( وَلا يَخْرُجْنَ ) كلّ ذلك في عدّة الطلاق الرّجعيّ ، بخلاف البائن ، فإنّه يجوز خروجها وإخراجها ، واستثنى سبحانه من ذلك إتيانهنّ بالفاحشة فقيل : هي الزنا ، فتخرج

٢٥١

لإقامة الحدّ عليها ، وعن الباقر والصادق عليهما‌السلام هي البذاءة على أهله وأذاهم وشتمهم ، وعن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه روايتان إحداهما كقول السيّدين والأخرى أنّ كلّ معصية لله فهي فاحشة فيحتمل كون الاستثناء من الأوّل كما قلناه ، ويحتمل أن يكون من الثاني أي قوله ( لا يَخْرُجْنَ ) للمبالغة في النهي ، أي أنّ خروجها فاحشة وفيه قوّة لو لا النقل.

٥ ـ ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ الأحكام المذكورة أمور محدودة مقدّرة واجبة الوقوع وأنّ مخالفها يستحقّ الذمّ والعقاب ، لقوله ( فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) وذلك ملزوم لهما.

٧ ـ قوله ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) أي بعد الطلاق أمرا هو الرّغبة في المطلقة ، والرّجوع عن عزمه الأوّل على المفارقة ، وهو كالتعليل لعدم الإخراج والخروج من البيت ، وفيه دلالة على كون المراد بذلك الطلاق الرجعيّ لا البائن.

٨ ـ روى البخاريّ ومسلم عن قتيبة عن ليث بن سعد عن نافع عن عبد الله ابن عمر أنّه طلّق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر وتحيض عنده حيضة أخرى ، ثمّ يمهلها حتّى تطهر من حيضها فإذا أراد أن يطلّقها فليطلّقها حين تطهر ، من غير أن يجامعها ، فتلك العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق بها النساء (١).

وروى البخاري عن سليمان بن حرب وروى مسلم عن عبد الرّحمن بن بشير عن فهر وكلاهما عن شعبة عن أنس بن سيرين قال : سمعت أنّ ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : مره فليراجعها وإذا طهرت فليطلّقها إن شاء (٢).

وفي هذه الرواية إشارة إلى أنّه يشترط الطهر في الطلاق وفي الأوّل إشارة

__________________

(١) رواهما في مشكاة المصابيح ص ٢٨٣ وقال متفق عليه ، راجع صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٦٨ ، سنن أبى داود ج ١ ص ٥٠٤.

(٢) رواهما في مشكاة المصابيح ص ٢٨٣ وقال متفق عليه ، راجع صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٦٨ ، سنن أبى داود ج ١ ص ٥٠٤.

٢٥٢

إلى أنه يشترط أن لا يقربها فيه بجماع.

واحتجّ الفقهاء من الجمهور على وقوع طلاق الحائض وإن كان حراما بهذين الحديثين من حيث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « مره فليراجعها » في الثاني وفي الأوّل « أمر أن يراجعها » فالمراجعة تدلّ على وقوع الطلاق.

وفيه نظر فإنّه لا دلالة في ذلك لأنّه كما يحتمل الأمر بالمراجعة وقوع الطلاق يحتمل أيضا أن يراد بالمراجعة التمسّك بمقتضى العقد ، وبقاء الزوجيّة فانّ من طلّق طلاقا فاسدا وظنّ أنّه واقع فاعتزل زوجته صحّ أن يقال له راجعها فيكون المراد حينئذ المراجعة اللغويّة لا الاصطلاحيّة بمعنى بعد الطلاق.

الثانية ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١).

المراد بالأجل هنا العدّة ، ومراده ببلوغه مقاربته ومشارفة انقضائه ، لا انقضاؤه ، وإلّا لما كان للزّوج رجوع وهنا حكمان :

١ ـ جواز الرّجوع في العدّة وإليه أشار بقوله ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) أي بحسن عشرة وإنفاق مناسب وقوله ( أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) بأن تتركوهنّ حتّى يخرجن من العدّة فيبنّ منكم لا بغير معروف بأن يراجعها ثمّ يطلّقها تطويلا للعدّة وقصدا للمضارّة.

٢ ـ قوله ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) قيل : هو راجع إلى الرّجعة قاله الشافعيّة ، وذلك عندهم على الندب ، ونقل عن الشافعيّ وجوبه ، وقال أصحابنا : هو راجع إلى الطّلاق ، وذلك على الوجوب وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام لكون الكلام في الطلاق فيكون ذلك قرينة دالّة على رجوعه إليه.

__________________

(١) الطلاق : ٢.

٢٥٣

لا يقال : إنّه راجع إلى الإمساك المراد به المراجعة ، لأنّه أقرب من الطّلاق لأنّا نقول الأقربيّة لو كانت مرجّحة لكان عوده إلى الفراق لكونه أقرب أولى.

إن قلت : إنّ الفراق هنا ترك الرّجعة ، وترك الشي‌ء لا يحتاج إلى الإشهاد لكونه أصلا بعد وقوع الطّلاق فلهذا الوجه لا يرجع إلى الفراق ، قلت : إنّ ما ذكرتم من اعتبار القرينة هو عين مرادنا ، إذ هو خروج عن دعوى كون القرب مرجّحا ورجوع إلى القرينة ، وإذا كان الاعتبار بالقرينة فهي حاصلة في الطلاق لاحتياجه إلى الإشهاد غاية الاحتياج ، لجواز وقوع النزاع في وقوعه وعدمه ، فيحتاج إلى طريق في إثباته لو ادّعى وقوعه ، وذلك بالإشهاد إذ ليس غيره إلّا اعتراف الزوجة ، فيجوز عدمه ، أو يمينها فيجوز أيضا عدم علمها ، أو ردّ اليمين على الزّوج فيجوز موته ، ويكون النزاع مع ورثته.

ولا يستبعد رجوعه إلى الطلاق وإن كان بعيدا مع وجود القرينة وعدم الفصل بكلام أجنبيّ ، فإنّ القصّة واحدة ، ونظيره في الكلام أن يقول الرّجل لوكيله « اشتر من فلان سلعة كذا ، وبع على فلان سلعة كذا ، واقبض الثمن ، وسلّمه إلى البائع ، وأهد السلعة إلى فلان ، وأشهد عليه ذوي عدل » في أنّ الإشهاد يعود إلى ما يحتاج إلى الإشهاد هذا مع أنّه يمكن عود الأمر بالإشهاد إليهما معا.

إن قلت : عوده إليهما يستلزم تساوي الطّلاق والرّجعة في وجوب الإشهاد واستحبابه ، وأنتم لا تقولون به ، بل بالوجوب في الطلاق والاستحباب في الرّجعة.

قلنا فحينئذ يكون من المجملات الّتي بيّنها العترة الطاهرة بتفصيل أحكامها بأن يكون لمطلق الرجحان ، فمع قيد عدم جواز الترك يكون في الطّلاق ومع قيد جوازه يكون في الرّجعة ، ثمّ إنّه تعالى أمر بإقامة الشهادة لله لا لرغبة أو رهبة وأخبر بأنّ ذلك المنتفع بالأمر هو المؤمن بالله واليوم الآخر.

الثالثة ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ

٢٥٤

بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١).

استفيد من هذه أحكام :

١ ـ أنّ عدّة مستقيمة الحيض ثلاثة أقراء ، وهو ليس على عمومه بل مخصوص بالمدخول بهنّ ، لما يأتي أنّ غير المدخول بها لا عدّة عليها ، وكذا الآئسة والصّغيرة وكذا الحكم يختصّ بالحرّة ، فانّ الأمة عدّتها قرءان ، إذا كانت مستقيمة الحيض ولمّا كان القرء مشتركا بين الحيض والطّهر لإطلاقه عليهما أمّا على الحيض فلقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعي الصّلاة أيّام أقرائك (٢) وأمّا على الطهر فلقول الأعشى (٣)

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) خطابه صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة بنت أبى حبيش ، راجع مشكاة المصابيح ص ٥٧ ، الوسائل.

(٣) الأعشى في اللغة من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار ، وعدة من هو أعشى من الشعراء سبعة عشر شاعرا سردهم الآمدي في المؤتلف والمختلف من ص ١٠ ـ ١٢١ وأبو أحمد العسكري في كتاب شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ٤٣٣ ـ ٤٣٦.

وقائل البيتين هو أعشى قيس : ميمون بن قيس الوائلى المكنى بابى بصير ، ذكر نسبه التبريزي في شرح القصائد العشر الى عدنان ص ٢٨٨ وترى ترجمته في الخزانة للعبدي ص ١٢٠ ـ ١٢٢ في شرح الشاهد الثالث والعشرين ، وفي الإعلام للزركلى ص ٣٠٠ ج ٨ وبلوغ الارب ج ٣ ص ١٢٩ ـ ١٣٣ ، والشعر والشعراء ص ٧٩ ـ ٨٤.

كان شاعرا جاهليا أدرك الإسلام ، ولما يسلم حتى سقط من بعيره فمات ، كان من فحول شعراء الجاهلية ، سلك في شعره كل مسلك ، يفد على الملوك ، وفي الخزانة : قال المفضل : من زعم أن أحدا أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر ، وقال الآلوسي في بلوغ الارب عند ترجمة زهير ابن ابى سلمى ج ٣ ص ٩٧ هو أحد الأربعة الذين وقع عليهم الاتفاق على أنهم أشعر العرب ، وهم امرؤ القيس ، وزهير ، والنابغة ، والأعشى ، فاما الاختلاف

٢٥٥

وفي كلّ عام أنت جاشم غزوة

تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا

مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا (١)

اختلف هل المراد هنا الطهر أو الحيض؟ قال أصحابنا والشافعيّة إنّها الطّهر لوجوه الأوّل : قوله تعالى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) وقد تقدّم أنّ الطّلاق المشروع لا يكون في الحيض ، الثاني قضيّة ابن عمر ، وقد تقدّم ذكرها

__________________

في تفضيل بعضهم على بعض فقائم على ساق ، وكان يقال أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب وزهير إذا رغب ، والنابغة إذا رهب ، والأعشى إذا طرب.

(١) أنشد البيتين كما في المتن أبو الفتوح الرازي عند تفسير الآية من سورة البقرة ج ٢ ص ٢٢٥ ، والجصاص في أحكام القرآن ج ١ ص ٤٣١ ، والكامل ص ٢٣٨ ، وأنشد البيت الأخير كما في المتن ابن دريد في الجمهرة ج ٢ ص ٢٧٦ ، العمود الثاني ، وكذا البيضاوي.

وأنشدهما الطبري في ج ٢ ص ٤٤٤. وضبط الشطر الثالث « وفي الذكر رفعة » وضبط في مجمع البيان ج ٢ ص ٣٢٥ والتبيان ج ١ ص ٢٤١ ط إيران « وفي الأرض رفعة » وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة ج ١ ص ٧٤ « وفي الأصل رفعة » كما في الصحاح ـ ق رء ـ وفيه البيت الأخير فقط وضبط الشطر الأول في حاشية الشهاب على البيضاوي ج ٢ ص ٣١١ « جاشم رحلة » والشطر الثالث « وفي المجد رفعة ».

وضبط البيتين في شرح شواهد الكشاف للافندى المطبوع في آخر الكشاف ص ١٣٨ هكذا.

أفي كل عام أنت جاشم غزوة

تشد لا قصاها عظيم عزاتكا

مؤثلة ما لا وفي الحي رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا

ثم قال في شرحه : الشاعر هو الأعشى يخاطب جارا له غازيا ويقول له : تجشم لتكلف نفسك كل عام غزوة ، وتوثق عليها عزيمة الصبر ، لتكثر فيها مال الغنيمة ، وتريد الرفعة في الحي لما ضاع في تلك الأيام من عدة نسائك.

أراد أنه يخرج في كل سنة الى الغزو ولا يغشى نساءه فتضيع أقراؤهن. واللام في « لما » كما في قوله تعالى ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) وتوجيه الاستدلال أن المراد بالقروء : الاطهار ، لأنها هي الضائعة على الزوج ، إذ الزوجة في محل الاستمتاع بخلاف الحيض.

٢٥٦

دلّت على أنّه الطهر ، الثالث أنّه قال « ثَلاثَةَ قُرُوءٍ » وإلحاق التاء بالعدد يراد به المذكّر ، والطهر مذكّر والحيض مؤنّثة.

الرابع روى أصحابنا عن زرارة قال سمعت ربيعة الرأي يقول إنّ من رأيي أنّ الأقراء هي الأطهار بين الحيضتين ، وليس بالحيض فدخلت على الباقر عليه‌السلام فحدّثته بما قال فقال عليه‌السلام « كذب لم يقل برأيه وإنّما بلغه عن عليّ عليه‌السلام » فقلت أصلحك الله أكان عليّ عليه‌السلام يقول ذلك؟ قال نعم كان يقول إنّما القرء الطهر يقرء فيه الدّم فيجمعه فإذا جاء الحيض قذفته ، قلت أصلحك الله رجل طلّق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين ، قال إذا دخلت في الحيضة الثّالثة فقد انقضت عدّتها وحلّت للأزواج قال قلت إنّ أهل العراق يروون عنه عليه‌السلام أنّه كان يقول : هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، قال كذبوا (١).

وقال أبو حنيفة إنّه الحيض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان (٢) وأجيب بأنّه غير معلوم الصحة.

٢ ـ أنّه يرجع إلى قول المرأة في طهرها وحيضها لأنّه قال سبحانه ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ) فلو لم يكن القول قولها لما حرّم عليها كتمانه ، فقيل : المراد الحيض وقيل الحمل ، وقيل هما معا وهو أولى لعموم اللّفظ لهما ولقول الصادق عليه‌السلام قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة الحيض والطّهر والحمل (٣) ، وإنّما لم يحلّ لهنّ كتمان ذلك لأنّ فيه إبطالا لحقّ الزوج.

٣ ـ أنّ الزّوج أحقّ بالرّجعة ما دامت في العدّة لقوله ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) لكن مع كون الطّلاق رجعيّا للآية الّتي تتلوها فالضّمير أخصّ من المرجوع إليه وهو المطلقات الّذي هو من صيغ العموم ، ولا امتناع في ذلك كما لو كرّر الظّاهر ثمّ خصّصه ، وهل يتخصّص العامّ بذلك؟ خلاف ، وتحقيقه في

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١١٤ تحت الرقم ٣٥١ من سورة البقرة.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ٥٠٦.

(٣) راجع مجمع البيان ج ٢ ص ٣٢٦.

٢٥٧

الأصول وقوله ( إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً ) ليس شرطا للرّجعة ، بل حضّا للزّوج على إرادة الإصلاح للنّساء ، وعدم المضارّة لهنّ.

٤ ـ أنّ لكلّ واحد من الزّوجين حقّا على الآخر لقوله ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) والمماثلة في الوجوب لا الجنس ، وأمّا حقّ المرأة فالمهر والنفقة والإسكان والكسوة ، وعدم إضرارها ، وأمّا حقّه عليها فالطاعة له وعدم التبرّم لحوائجه ، وأن لا تدخل فراشه غيره ، وأن تحفظ ماءه ، ولا يحتال في إسقاطه.

روي أنّ امرأة معاذ قالت يا رسول الله ما حقّ الزّوجة على زوجها؟ قال أن لا يضرب وجهها ، ولا يقبحها ، وأن يطعمها ممّا يأكل ويلبسها ممّا يلبس ولا يهجرها (١) ».

وعن الباقر عليه‌السلام « قال جاءت امرأة فقالت يا رسول الله ما حقّ الزّوج على المرأة؟ فقال تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدّق بشي‌ء من بيتها إلّا باذنه ، ولا تصوم تطوّعا إلّا باذنه ، ولا تمنعه نفسها ، وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السّماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع ، قالت من أعظم الناس حقّا على المرأة؟ قال زوجها قالت فمالي من الحقّ مثل ماله عليّ؟ قال : لا ولا من كلّ مائة واحدة قالت والّذي بعثك بالحقّ لا يملك رقبتي رجل أبدا (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (٣).

قوله ( وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) أي زيادة في الحقّ ، وفضل فيه ، لأنّهم يشاركونهنّ في غاية النكاح ، ويختصّون بزيادة وجوب المهر والإنفاق والرعاية وغير ذلك.

٥ ـ استفيد من ذكر الحقّ أنّه يجب على المرأة عقيب مراجعة الزّوج الانقياد

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٢٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ورواه في الفقيه عن الباقر عليه‌السلام.

(٣) مشكاة المصابيح ص ٢٨٣ قال رواه أبو داود وأحمد.

٢٥٨

له والدخول في طاعته وذلك سبب ذكره هنا.

٦ ـ إن قلنا باجتماع الحيض مع الحمل فالآية مخصوصة بمن عدا الحامل وإلّا فلا يكون الآية شاملة للحامل لانتفاء شرط حكمها وهو حصول القرء.

الرابعة ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) (١).

روي أنّه لمّا نزلت الآية السابقة في عدّة ذوات الأقراء قيل فما عدّة اللّائي لم يحضن؟ فنزلت هذه الآية ، واختلف في أيّ شي‌ء وقعت الرّيبة؟ قيل في كون انقطاع حيضهنّ لكبر أم لعارض ، وقيل في حكمهنّ فلا تدرون ما الحكم فيهنّ والأوّل موافق لمذهب أكثر الأصحاب من كون الآئسة لا عدّة لها لما رواه جماعة منهم عبد الرحمن بن الحجّاج « عن الصادق عليه‌السلام ثلاث يتزوّجن على كلّ حال الّتي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال قلت وما حدّها؟ قال إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والّتي لم يدخل بها والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض قال قلت وما حدّها؟ قال إذا كان لها خمسون سنة (٢).

فعلى هذا تكون العدّة المذكورة أعني الأشهر الثلاثة لمن هي في سنّ من تحيض وانقطع منها الحيض لعارض ، من مرض أو رضاع أو غير ذلك سواء كان ذلك الانقطاع مع الشكّ في سنّها أو لا معه؟ بل الشّكّ في سبب الانقطاع وهو المشار إليه بقوله ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) أو لا للشكّ بل مع القطع بانقطاعه والجزم بسببه ، وهو المشار إليه بقوله ( وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ).

فعلى هذا يكون المراد بقوله ( وَاللّائِي يَئِسْنَ ) أي حصل لهنّ صفة الآئسات

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨٥.

٢٥٩

وهو انقطاع الحيض إمّا مع الريبة أو مع القطع ، فعدّتهنّ ثلاثة أشهر ، ولا يكون حينئذ في الآية دليل على عدم العدّة في اليائسة والصّغيرة ولا على وجودها نعم الحقّ أن لا عدّة عليهما لأنّ الغاية والحكمة في شرعيّتها العلم باستبراء الرّحم وهو منتف فيهما.

والثاني هو قول أكثر المفسّرين وبه قال السيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه : أنّ الارتياب في وجوب العدّة لا في السّنّ ، وأنّ المراد باللّائي لم يحضن أي لم يبلغن سنّ الحيض ، عدّتهن ثلاثة أشهر حذف الخبر لدلالة ما تقدّم عليه واحتجّ بوجهين الأوّل سبب النّزول وهو أنّ أبيّ بن كعب قال يا رسول الله إنّ عددا من عدّة النساء لم تذكر في الكتاب الصّغار والكبار وأولات الأحمال فنزلت. الثاني أنّه لو أراد ما ذكره الأصحاب من الشكّ في ارتفاع الحيض لقال إن ارتبتنّ لأنّ المرجع في الحيض إليهنّ والجواب عن الأوّل أنّه لو كان المراد ما ذكره لقال إن جهلتم ولم يقل إن ارتبتم لأنّ سبب النزول كما ذكر يوجب ذلك لأنّ أبيّا لم يشكّ في عدّتهنّ بل جهل وعن الثّاني أنه أتى بالضّمير مذكّرا لكون الخطاب مع الرّجال لقوله ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ ) ولأنّ النساء يرجعن في تعرّف أحكامهنّ إلى رجالهنّ وإلى العلماء ، فكان الخطاب لهم لا للنساء ، لأنّهنّ يأخذن الحكم منهم.

قوله ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ ) أي أجلهنّ مدّة وضع الحمل فإنّ « أن » مع الفعل في تقدير المصدر ، وهذا لا خلاف فيه في الطلاق ، وهل هو كذلك في الوفاة ، بمعنى أنّه لو تقدّم الوضع على أربعة أشهر وعشر ، يكون العدّة منقضية بذلك أم لا؟

قال أصحابنا لا بل عدّتها أبعد الأجلين وهو قول عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس وقال الفقهاء الأربعة والأوزاعي بالأوّل محتجّين بعموم الآية.

واحتجّ أصحابنا بدخولها في عموم قوله ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) فقد دخل تحت عامّين ، ولا وجه للجمع بينهما إلّا بالقول بأبعد الأجلين

٢٦٠