كنز العرفان في فقه القرآن

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨
الجزء ١ الجزء ٢

عليه المأمون فيه الجواز بالموت أو الطلاق ، لم يجز له تكميل ذلك العدد لأنّه استوفى العدد المباح له ، بخلاف الألفاظ المأتيّ بها فإنّه حينئذ يفيد جواز تكميل ذلك العدد وأنّه لا جناح عليه.

٥ ـ أكثر الفقهاء والمفسّرين على أنّ الواو هنا ليست على حالها ، وإلّا لزم الجمع بين تسع نسوة ، لكون الواو للجمع ، ومن الناس من جعل الواو بحاله وجوّز الجمع بين التسع ، وكلّ ذلك جهل وخبط ، فانّ الجمع في الحكم لا يستلزم الجمع في الزمان لأنك تقول : رأيت زيدا اليوم ، وعمرا أمس ، ولو قال بلفظ « أو » لتوهّم أنّه لا يجوز لمن يقدر على عدد منها أن ينتقل إلى عدد آخر ، وليس كذلك لأنّ من زاد تمكّنه ، فله أن يزيد ما لم يتجاوز الأربع ، ومن نقص تمكّنه فله أن ينقص بلا حرج ، لكون الواو للجمع بخلاف « أو » فافهم ذلك فيجوز للرّجل أن ينكح الأعداد المذكورة في أزمنة متعاقبة.

٦ ـ الحصر في الأربع وعدم جواز الزائد في النكاح الدائم إجماعي ولقول الصادق عليه‌السلام « لا يحلّ لماء الرّجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر (١) » ولمّا أسلم غيلان (٢) وعنده عشرة نسوة قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « أمسك أربعا وفارق سائرهنّ » أي باقيهنّ ونقل عن القاسميّة من الزيديّة جواز التسع لمكان الواو

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢١٨.

(٢) هو غيلان بن سلمة بن معتب أحد وجوه ثقيف ومقدمهم وهو ممن وفد على كسرى وخبره معه عجيب ، قال له كسرى : اى ولدك أحب إليك؟ قال : الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ ، والغائب حتى يقدم ، فقال كسرى : مالك ولهذا الكلام وهو كلام الحكماء وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم ، فما غذاؤك؟ قال : خبز البر ، قال : هذا العقل من البر ، لا من اللبن والتمر.

أسلم بعد فتح الطائف وكان تحته عشر نسوة في الجاهلية أسلمن معه ، فأمره رسول الله أن يختار منهن أربعا ، روى ذلك ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ١٧٢ بإسناده عن عبد الله بن عمر.

١٤١

كما قلنا ، بل يلزمهم جواز ثمانية عشر لأنّ قوله مثنى معناه ثنتين ، وكذا البواقي ، كذا نقل عنهم ولكنّهم ينكرونه (١).

٧ ـ هذا العدد مباح للرّجل في الحرائر ، وأمّا العبد فلا يجوز له نكاح أكثر من حرّتين غبطة أو أربع إماء عندنا ، وقال قوم : إنّه كالحرّ ، وبه قال مالك وداود وأبو ثور ، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد : مباح له ثنتان لا غير حرّتين كانتا أو أمتين ، لنا قوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) نفى المساواة بين السيد وعبده ، وذلك على عمومه إلّا ما خصّ بدليل.

٨ ـ أجمع أصحابنا على جواز نكاح المتعة وأنّه لا حصر لها (٣) في عدد للحرّ

__________________

(١) ذكر في المستمسك ج ١٢ ص ٧٦ انه قد وردنا في هذه الأيام من العلويين في اللاذقية سؤال عن ميت مات عن ثمان ، ولعله لم يكن عن اعتقاد اشتراعه وذكر ابن همام في فتح القريب ج ٢ ص ٣٧٩ أنه حكى عن بعض الناس اباحة أى عدد شاء بلا حصر مستدلين بالعمومات ومنها هذه الآية « فَانْكِحُوا » الآية قالوا : ولفظ مثنى الى آخره تعداد عرفي له لا قيد كما يقال : خذ من البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثا وقد تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعا والأصل عدم الخصوصية.

ثم أجاب عن استدلالهم فقال والحجة عليهم أن آية الإحلال ههنا ، وهي قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) لم تسق الا لبيان العدد المحلل ، لا لبيان نفس الحل لانه عرف من غيرها قبل نزولها كتابا وسنة ، فكان ذكره هنا معقبا بالعدد ، ليس الا لبيان قصر الحل عليه ، أو هي لبيان الحل المقيد بالعدد ، لا مطلقا ، كيف وهو حال من « ما طابَ » فيكون قيدا في العامل وهو الإحلال المفهوم من « فَانْكِحُوا ». انتهى ما أردنا نقله.

(٢) الروم : ٢٨.

(٣) قلت : ليس الحكم إجماعيا عند أصحابنا ، كيف وقد خالفهم ابن البراج على ما نقل عنه العلامة في المختلف والشهيد في الروضة ، مستدلا بعموم ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) وبما رواه عمار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام عن المتعة قال : هي من الأربع.

١٤٢

والعبد ، وسيأتي البحث في جوازها.

٩ ـ أجمع المسلمون على أنّ ملك اليمين لا ينحصر في عدد ، وعموم لفظ الآية يؤيّده فإنّ « ما » من ألفاظ العموم ، وكذا الحديث المتقدّم عن الصادق عليه‌السلام لتقييده بالحرائر ، ولا يرد عليه منع جواز الزائد في المتعة ، لدخولها في الأزواج وإلّا لما كانت مباحة ، والأزواج لا يجوز فيها تعدّي النّصاب ، فلا يجوز في المتعة لأنّا نقول إنّه محمول على الدائم لأغلبيّته.

__________________

وما في الصحيح عن أحمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون عنده المرأة أيحل له أن يتزوج بأختها متعة؟ قال : لا ، قلت حكى زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام انما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء ، قال : لا ، هن من الأربع.

وقال الشهيد الثاني في الروضة البهية بعد ذكر أدلة القائلين بعدم الحصر ، وفيه نظر لأن الأصل قد عدل بالدليل الاتى والاخبار المذكورة وغيرها في هذا الباب ضعيفة أو مجهولة السند أو مقطوعة فإثبات مثل هذا الحكم المخالف للاية الشريفة وإجماع باقي فقهاء الإسلام مشكل ولكنه مشهور حتى ان كثيرا من الأصحاب لم ينقل فيه خلافا فان ثبت اجتماع كما ادعاه ابن إدريس ، والا فالأمر كما ترى انتهى.

وقال المصنف نفسه في التنقيح : وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، وأيضا روى زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال ذكر له المتعة أهي من الأربع؟ قال تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات ، ثم قال المصنف ، وقال القاضي : لا يجوز للمتزوج متعة أن يزيد على الأربع من النساء ، قال ، وذكر أن له أن يتزوج ما شاء ، والأحوط ما ذكرناه ، ومستنده رواية البزنطي عن ابى الحسن عليه‌السلام وحملها الشيخ على الاحتياط كما رواه البزنطي أيضا صحيحا عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الأربع ، فقال صفوان بن يحيى على الاحتياط؟ قال : نعم ، انتهى ما في التنقيح.

أقول وما ذكره في الروضة من أنه مخالف لإجماع باقي الفقهاء منقوض بما حكوه مستفيضا من تزوج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبى خالد المكي نحوا من تسعين امرءة بنكاح المتعة ، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ الرقم ١٦٤ ص ١٧٠ قال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : استمتع ابن جريج بتسعين امرأة حتى انه كان يحتقن في الليلة بأوقية من شيرج طلبا للجماع.

١٤٣

١٠ ـ الاقتصار على الواحدة غير مشترط لخوف عدم العدل ، بل يجوز مطلقا وإنّما سوّى بين الحرّة الواحدة ، وبين الإماء ، وإن كثرن ، لأنّهنّ أخفّ مؤنة ولا عدل بينهنّ في القسم ، مع جواز العزل عنهنّ ، ولذلك أطلق إباحتهنّ ولم يقيّدها بعدد ، وفيه دلالة على عدم وجوب القسمة لملك اليمين.

الرابعة ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (١).

أي يضبطونها ويمنعونها عن المباشرة ، واللّام لا يقوّى بها العامل الضعيف عن العمل ، ولذلك لا يؤتى بها في فعل تأخّر عنه مفعوله ، لا يقال ضربت لزيد ، ويقال لزيد ضربت ، وكذا « عمرو لزيد ضارب » لتقدم المفعول على الفعل وكون اسم الفاعل في العمل فرعا على الفعل فقد ضعف بالوجهين معا.

قوله « إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ » إلخ أي لا يضبطونها على أزواجهم وإمائهم ، وعدّاه بعلى كما يقال « حفظت على زيد ماله » استعلاء للحافظ على المحفوظ عليه ، لأنّه متفضّل عليه به.

وذكر الزّمخشريّ أنه في موضع الحال أي إلّا والين على أزواجهم أي إنّهم حافظون في كافّة أحوالهم إلّا في حال تزويجهم وتسرّيهم ، أو أنّهم يلامون إلّا على أزواجهم « فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ » أي فمن طلب نكاح غير الصّنفين ، فهم متجاوزون حدود الله ، وفائدة الفصل ب « هم » الحصر أي لا عادي كاملا في العدوان سواهم ، ولا يلزم من نفي كمال العدوان ، نفي العدوان من غيرهم.

إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :

١ ـ العبارة صريحة في الرّجال لتذكير الضمير ويكون حكم النساء مستفادا من دليل خارج ، كما أنّ حكم أهل عصرنا مستفاد من بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإجماع لقبح خطاب المعدوم وتكليفه وحينئذ لا يلزم جواز نكاح العبد لمالكته.

__________________

(١) المؤمنون : ٥ و ٦.

١٤٤

وقيل : المراد الصنفان معا ، وغلب المذكّر ويلزم حينئذ جواز نكاح العبد لمالكته ، بحكم الاستثناء ، فيحتاج إلى منعه بدليل فكان الأوّل أولى لأنّه استعمال حقيقيّ.

٢ ـ أنّ الآية صريحة في انحصار سبب الإباحة في القسمين المذكورين ، وهما الزواج وملك اليمين ، على سبيل الانفصال الحقيقيّ ، أي إمّا زواج أو ملك يمين بحيث لا يجتمعان ، ولا يرتفعان ، وأكّد ذلك بقوله « فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ».

٣ ـ لمّا حكم أصحابنا بإباحة المتعة ، وتحليل الأمة للغير ، وجب دخولهما في المنفصلة المذكورة ، وإلّا لكانا باطلين ، فالمتعة داخلة في الأزواج وأمّا التحليل فقال بعضهم إنّه داخل في الأزواج ، ويجعل التحليل كالعقد المنقطع ، فيفتقر حينئذ إلى مهر وتقدير مدّة ، والحق خلافه ، بل هو داخل في ملك اليمين ، لأنّ الملك يشمل العين والمنفعة ، والتحليل تمليك منفعة ، ولذلك قال « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ » لأنّها لا يشترط في مدلولها العقل ، ولو أراد ملك العين ، لقال « من ملكت أيمانهم » ويؤيّده روايات الأصحاب المتظافرة وحينئذ نقول : ملك المنفعة أعمّ من أن يكون تابعا لملك الأصل أو منفردا.

إن قلت : يلزم على قولك إباحتها في الإجارة ، وغير ذلك من العقود المملّكة للمنافع؟ قلت : خرج ذلك بالإجماع.

٤ ـ ظهر ممّا ذكرناه أنّ البضع لا يتبعّض ، فلو ملك بعض أمة لم يحلّ له له العقد على باقيها ، وإلّا لزم التبعيض ، فيستبيح بعضها بالملك ، وبعضها بالعقد وهو باطل ، واختلف الأصحاب في تحليل الشريك له حصّته هل يبيحه الوطي أم لا؟ قال جماعة لا يبيح ، وإلّا لزم التبعيض وقيل : يبيح وهو قول ابن إدريس ، واختاره الشهيد وهو الأقوى عندي. لما قلنا إنّ الإباحة داخلة في الملك ، فيكون مستبيحا لها بالملك ، ولا يضرنا كون بعضه تبعا للعين ، وبعضه منفردا لأنّ الملك له أسباب كالشراء والاتّهاب والإرث ، ومن جملتها التحليل ، إلّا أنّه سبب ملك

١٤٥

منفعة البضع وتبعّض سبب الملك ليس بضارّ ، وإلّا لزم تحريم بعضها إذا كان بعضها بالشراء وبعضها بالإرث ، وليس كذلك اتّفاقا.

٥ ـ دلّ قوله « فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ » على تحريم كلّ إيلاج في غير زوج أو ملك ، حتّى جلد غيره فإنه أيضا ممّا وراء ذلك

٦ ـ حيث إنّ الزواج حكم شرعيّ حادث ، فلا بد له من دليل يدل على حصوله ، وهو العقد اللفظي المتلقّى من النصّ ، وهو إيجاب من المرأة أو من قام مقامها ، وقبول من الزوج أو من قام مقامه ، وألفاظ الإيجاب ثلاثة الأوّل « أنكحتك » لقوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) الثاني « زوّجتك » لقوله « ( زَوَّجْناكَها ) (٢) » الثالث « متعتك » لقوله « ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) (٣) » والقبول كلّ لفظ دالّ عليه.

الخامسة ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٤).

« أحلّ » أي أحلّ الله وقرئ ( أُحِلَّ ) عطفا على « حُرِّمَتْ » ـ « ما وَراءَ ذلِكُمْ » أي ما عدا تلك المحرّمات المذكورة قبل هذه ، وسيجي‌ء و « ما » موصولة بمعنى اللّاتي منصوبة المحلّ على القراءة المشهورة ، وعلى الثانية مرفوعة و « أَنْ تَبْتَغُوا » بدل من « ما وَراءَ ذلِكُمْ » بدل الاشتمال أي أحلّ لكم ابتغاء ما شئتم من الحلائل عدا المحرّمات المذكورة.

وقال الزمخشريّ : مفعول له ، وهو فاسد ، لأنّ المفعول له شرطه أن يكون

__________________

(١) البقرة : ٢٣٠.

(٢) الأحزاب : ٣٧.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) النساء : ٢٤.

١٤٦

فعلا لفاعل الفعل المعلّل ، وليس الابتغاء فعلا لفاعل « أُحِلَّ » والتقدير غير محتاج إليه مع أنّه خلاف الأصل « مُحْصِنِينَ » حال من « أَنْ تَبْتَغُوا » وقال « غَيْرَ مُسافِحِينَ » ولم يستغن بقوله « مُحْصِنِينَ » لانّ المحصن بهند مثلا يمكنه أن يسافح بغيرها و « المسافحة » من السفح ، وهو صب المنيّ ، ومعناها المغالبة في صبّه ، هذا في اللغة ثمّ خصّ شرعا بالزنا لأنّ الزاني لا يحصل له بفعله إلّا صبّ المنيّ في رحم الزانية قال الجوهريّ استمتع بمعنى تمتّع ، والاسم متعة ، وما موصولة ، فقيل : المعنى : الّذي انتفعتم به من النساء ، من الجماع والتقبيل والنظر ، فآتوهنّ أجورهنّ ، وهو فاسد كما يجي‌ء بل المراد نكاح المتعة.

قوله « وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ » إلى آخره إشارة إلى أنّ المتعاقدين بعد انقضاء المدّة (١) إن شاء أرادا في الأجرة والأجل أو تفارقا ، لا أنّ المراد لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من الإبراء (٢) عن المهر والافتداء ، بناء على أنّ المراد به

__________________

(١) كما دلت عليه الاخبار ، ففي الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على الشهر ثم انها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز أن يزيدها في أجرها وتزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ثم يستأنف شرطا جديدا.

ونظيره ما رواه أبو بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام.

ونقل العلامة في المختلف جواز الزيادة في الأجل والمهر قبل انقضاء المدة أيضا وأجازه السدى أيضا ، قال الطبري : فأما الذي قاله السدى فقول لا معنى له لفساد القول بإحلال جماع امرءة بغير نكاح ، ولا ملك يمين.

قلت : المقصود إحلاله بعقد جديد مزدادا في الأجل والمهر.

(٢) كيف ولا يحتاج الإبراء والافتداء والحط إلى التراضي ، وكذا المقام ، والفراق على ما قيل ، وأما الزيادة في المهر فلم يجوزها غير أبي حنيفة ، بل لم يقبل قوله حتى زفر من أصحابه.

قال الإمام الرازي : والدليل القاطع على بطلان هذه الزيادة أن هذه الزيادة لو

١٤٧

العقد الدائم لما يجي‌ء تقريره « إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً » في الأزل بمصالحكم ، ومن جملة ذلك نكاح المتعة « حَكِيماً » واضعا للأشياء مواضعها ، فوضع عقد المتعة لكم لئلا تقعوا في الزنا واللّواط كما قال عليّ عليه‌السلام « لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا الأشقياء (١) ويروى « إلّا شقيّ (٢) ».

__________________

التحقت بالأصل لكان اما مع بقاء العقد الأول أو بعد زوال العقد الأول.

والأول باطل لان العقد لما انعقد على القدر الأول فلو انعقد مرة أخرى على القدر الثاني لكان ذلك تكوينا لذلك العقد بعد ثبوته ، وذلك يقتضي تحصيل الحاصل وهو محال.

والثاني باطل لانعقاد الإجماع على أن عند إلحاق الزيادة ، لا يرتفع العقد الأول فثبت فساد ما قالوه. انتهى. فحكم الآية مختص بالمتعة.

(١) كذا في النسخ ، والظاهر أنها مصحف : « إلا شفى ». وسيأتي وجهه.

(٢) روى الطبري في تفسيره ج ٥ ص ١٣ عن شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية « وَالْمُحْصَناتُ ـ الى ـ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ » أمنسوخة هي؟ قال : لا ، قال الحكم قال على رضى الله عنه : لو لا أن عمر رضي‌الله‌عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

وأخرجه الإمام الرازي عن ابن جرير ص ٥٠ ج ١٠ ( الطبعة الأخيرة ) والنيسابوري ج ١ ص ٤٢١ طبع إيران وأخرجه في الدر المنثور ج ٢ ص ١٤٠ عن عبد الرزاق وابى داود في ناسخه وابن جرير.

وذكر ابن ابى الحديد ج ١٢ ص ٢٥٣ في شرح الخطبة ٢٢٣ من النهج نقلا عن السيد المرتضى قدس‌سره أنه قال : وروى عمر بن سعيد الهمداني عن حبيش بن المعتمر قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول لو لا ما سبق من ابن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي ، وروى أبو بصير قال : سمعت أبا جعفر محمد بن على الباقر عليه‌السلام يروى عن جده أمير المؤمنين عليه‌السلام لو لا ما سبق به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي.

قلت : وترى الرواية مع تغيير يسير من طريق الإمامية في الوسائل ب ١ من أبواب المتعة ح ٢ و ١٨ و ٢٣ وفي الحديث ٢٤ ما زنى مؤمن ، واللفظ في روايات أهل السنة من كلام على عليه‌السلام « الا شقي » بالقاف ، نعم في روايات ابن عباس « إلا شفى » بالفاء.

١٤٨

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ الآية تدل صريحا على إباحة عقد المتعة من وجوه :

١ ـ أنّ اللفظ الشرعيّ يحمل إذا ورد على الحقيقة الشرعيّة كما تقرّر في الأصول ، ولا خلاف في أنّ النكاح المشروط بالأجل والمهر ، يسمّى متعة ، وفاعله متمتّع ، ويؤيده ما نقلناه عن الجوهريّ وقد تقدّم.

إن قلت : لم لا يجوز أن يراد به الدائم هنا لأنّه يحصل به الانتفاع فيسمّى متعة بذلك الاعتبار ، ويؤيّد هذا صدر الآية فإنّه يتضمّن انتفاء الإحصان ، ومعلوم أنّ المتعة لا تحصن عندكم.

قلت : الجواب عن الأوّل قد بيّنّا أنّ ذلك حقيقة في المتعة فلو دلّ على غيره لزم المجاز أو الاشتراك ، وهما خلاف الأصل ، ولو دلّ على القدر المشترك لم يفهم أحدهما بعينه ، وعن الثاني بالمنع من إرادة الإحصان الّذي يثبت معه الرّجم بل معنى التعفّف ويؤيّده قوله « غَيْرَ مُسافِحِينَ » سلّمنا لكن بعض أصحابنا حصّن به.

٢ ـ لو لم يكن المراد المتعة المذكورة ، لم يلزم شي‌ء من المهر من لا ينتفع

__________________

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه في مرآت العقول ج ٣ ص ٤٩١ : وصححه ابن إدريس في السرائر إلا شفى ، بالفاء وكذلك نقله في قلائد الدرر ج ٣ ص ٦٧ عن ابن إدريس في السرائر بالفاء.

وقال الجزري في النهاية ، وفي حديث ابن عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد ، لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا الا شفا أى قليلا من الناس ، من قولهم : غابت الشمس إلا شفى ، الى الا قليلا من ضوئها ، عند غروبها ، وقال الأزهري قوله : « إلا شفى » أي الا ان يشفي يعنى يشرف على الزنا ولا يواقعه ، فأقام الاسم وهو الشفاء مقام المصدر الحقيقي وهو الاشفاء على الشي‌ء. انتهى.

أقول : والمضبوط في كثير من كتب أهل السنة عن ابن عباس قبل قوله « ما كانت المتعة » : « رحم الله عمر ». انظر الجصاص ج ٢ ص ١٧٩ وبداية المجتهد ج ٢ ص ٥٨ ، والدر المنثور ج ٢ ص ١٤١ وغيرها والمضبوط في بعضها « إلا شقي » وفي بعضها « إلا شفى » والضبط في بداية المجتهد : « ولو لا نهى عمر عنها ».

١٤٩

من المرأة الدائمة بشي‌ء ، واللّازم باطل فكذا الملزوم ، أمّا بطلان اللّازم ، فللإجماع على أنّه لو طلّقها قبل أن يراها وجب نصف مهرها.

وأمّا بيان الملازمة ، فإنّه علّق وجوب إيتاء الأجرة بالاستمتاع ، فلا يجب بدونه.

إن قلت : لم لا يجوز أن يراد المهر المستقر ومعلوم أنّه لا يستقر إلّا مع الدخول فعبّر بالاستمتاع عن الدّخول.

قلت : لم يتعرّض في الآية للاستقرار ، بل لوجوب الإيتاء ، على أنّا نقول الاستمتاع أعمّ من الدّخول وعدمه ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ ، ويكون حينئذ تقدير الآية : فالذي استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ مجموع أجورهنّ ، لأنّ الأجرة في الكلّ حقيقة وفي بعضه مجاز ، فكان يجب الاستقرار ولو بتقبيله أو نظرة بشهوة وهو باطل.

٣ ـ قرأ ابن عبّاس (١) وابن جبير وأبيّ بن كعب وابن مسعود وجماعة

__________________

(١) راجع تفسير الطبري ج ٥ ص ١٢ ، تفسير الإمام الرازي ج ١٠ ص ٥١ ، أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٨ وغيرها من كتب التفسير ، بل الكتب الفقهية ، وأرسل الزمخشري في كشافه هذه القراءة عن ابن عباس إرسال المسلمات ، وقال الإمام الرازي بعد نقلها عن ابى بن كعب وابن عباس. والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة ، فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة ، هذا نص كلامه.

ونقل القاضي عياض عن المازري كما في ج ٩ ص ١٧٩ من صحيح مسلم بشرح النووي أن ابن مسعود قرأ « فما استمتعتم به منهن إلى أجل » وصرح عمران بن حصين كما في تفسير الرازي بنزول هذه في المتعة ، وأنها لم تنسخ حتى قال رجل فيها برأيه ما شاء ، قال الإمام الرازي : يريد به عمر ، ونص على نزول الآية في المتعة مجاهد والسدى فيما أخرجه الطبري فراجع ص ١٢ ج ٥.

وترى القراءة كذلك من طرق الإمامية في البرهان ح ٢٩ و ١٠ و ١١ نقلا عن الامام عليه‌السلام وفي ح ٨ نقلا عن ابن عباس.

فلو أن أحدا قال : يلزم من ذلك تحريف القرآن ، وقد صرح الأساطين الاعلام من

١٥٠

كثيرة « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهنّ فريضة » وذلك صريح في إرادة المتعة المذكورة وقد روى الثعلبي عن جبير بن أبي ثابت قال أعطاني ابن عبّاس مصحفا فقال هذا على قراءة أبيّ فرأيت فيه « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ».

__________________

أهل السنة والشيعة الإمامية على عدم التحريف في القرآن ، وما أحسن ما أفاده امام المتبحرين الشيخ جعفر كاشف الغطاء نور الله مضجعه في البحث الثامن من كتاب القرآن في كتابه كشف الغطاء حيث قال :

لا ريب أن القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان إلى آخر ما أفاده قدس‌سره الشريف.

قلنا : ان هذا لزيادة من أقسام اختلاف القراءات ، وقد ثبت هذه القراءة عن عدة من الصحابيين كما قد عرفته ومنهم ابن عباس حبر الأمة الصحابي الجليل القدر ، فالإجماع حاصل على صحة هذه القراءة كما أفاده الإمام الرازي ، ولابن قتيبة في ص ٢٨ و ٢٩ من كتابه مشكل القرآن بيان في وجوه اختلاف القراءات ننقله بعين عبارته قال :

وقد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها على سبعة أوجه أولها الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها ، بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ، ولا يغير معناها نحو قوله تعالى ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) و « أطهر لكم » و « هَلْ نُجازِي » و « هل يجازى الا الكفور » و « يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ » و « بالبخل » « فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » و « الى ميسرة ».

والوجه الثاني أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغير معناها ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب ، نحو قوله تعالى ( رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ) و « ربنا باعد بين أسفارنا » و ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) وتَلقونه بألسنتكم و ( ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) و « بعد امة ».

والوجه الثالث أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولا يزيل صورتها نحو قوله « وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها » و « ننشرها » ونحو

١٥١

إن قلت : إنّ ذلك وإن أثبته هؤلاء ، فقد أنكره غيرهم ، على أنّه لو ثبت لكان قرآنا والقرآن لا يثبت بالآحاد.

قلت : الجواب عن الأوّل أنّ المثبت يقدّم على النافي ، إذ قد يخفى على إنسان ما يظهر لغيره ، ولأنّه فيه صيانة للمسلم الظاهر العدالة عن الكذب ، وعن الثاني أنّه إذا لم يثبت قرآنا فما المانع أن يثبت به الحكم ، ونحن نقنع بخبر الواحد

__________________

قوله « حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ » و « فرغ ».

والوجه الرابع أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله « ان كانت الا زقية واحدة » و « صيحة » و « كالصوف المنفوش » و « كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ».

والوجه الخامس أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله « وطلع منضود »

في موضع « وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ » والوجه السادس ان يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله « وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ » وفي موضع آخر « وجاءت سكرة الحق بالموت ».

والوجه السابع أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو قوله « وما عملت أيديهم » « وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ » ونحو قوله « إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » و « ان الله الغنى الحميد » وقرأ بعض السلف : « ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى » و « ان الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لكم ».

ثم قال : وكل هذه الحروف كلام الله نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونقله ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٢٧ بعد نقله نظيره عن ابى الفضل الرازي واستحسن ما ذكره ابن قتيبة ، الا انه جعل الأحسن في تمثيله بطلع منضود ، وطلح منضود التمثيل بقوله « بِضَنِينٍ » بالضاد ، و « بظنين » بالظاء ، و « أَشَدَّ مِنْكُمْ » و « أشد منهم ».

ثم قال : انه قد فاته كما فات غيره أكثر أصول القراءات كالادغام والإظهار والإخفاء والإمالة والتفخيم وبين بين المد والقصر وبعض أحكام الهمز على اختلاف أنواعه ، وكل ذلك من اختلاف القراءات وتغاير الألفاظ مما اختلف فيه أئمة القراء ثم قال : ويمكن أن يكون

١٥٢

في هذه الصورة ، خصوصا مع تأكّده بإجماع أهل البيت ورواياتهم ، والخصم يحتجّ بأضعف من رواية هؤلاء المعظّمين ، بل منهم من ينسخ به الأحكام الثابتة ، هذا تقرير الآية ويدل أيضا على إباحة هذا العقد وجوه أخر :

١ ـ إجماع أهل البيت عليهم‌السلام ورواياتهم به مشهورة ، مذكورة في كتب أحاديثهم ولو لا خوف الإطالة لذكرت نبذة منها ، وإجماعهم حجّة كما تقرّر في الأصول ، و

__________________

هذا من القسم الأول فيشمل الأوجه السبعة.

والمقصود أن الاختلاف بالزيادة والنقصان من وجوه اختلاف القراءة ، وليس من التحريف بشي‌ء ، كيف وصدور القراءة مما تسلمه القوم كما قد عرفت ، وقد استدل فقهاؤهم بنظائره مع عدم كون القراءة فيها بذلك التسلم.

فاستدلوا بقراءة سعد بن ابى وقاص : « وله أخ أو أخت من أم » في المسئلة المعروفة بالحمارية لجعل الثلث لإخوة الأم كما ذهب إليه أبو حنيفة وأحمد بن حنبل وداود ، واستدلوا بقراءة « أو تحرير رقبة مؤمنة » في كفارة الحنث باشتراط الايمان فيها كما ذهب إليه الشافعي أو جعلوها مؤيدة لما ذهبوا اليه ، انظر النشر ج ١ ص ٢٨ مع أن هذه القراءات ليست بمتواترة قطعا وأما قراءة ابن عباس « إلى أجل مسمى » فلعلها تعد من المتواترات ، وقد ادعى الإمام الرازي الإجماع على صحة هذه القراءة.

ولو قيل : ان الصحابة ربما كانوا يدخلون التفسير في القراءة إيضاحا وبيانا ، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرآنا ، آمنون من الالتباس ، وربما كان بعضهم يكتبه معه.

قلنا : مع أن المنقول ان ابن مسعود كان يكره ذلك ويمنع منه فروى مسروق عنه كما في النشر ج ١ ص ٣٢ انه كان يكره التفسير في القرآن ، وروى غيره عنه : جردوا القرآن ولا تلبسوا به ما ليس منه ، ليس ذلك بمخل فيما نحن بصدده ، من الاستدلال على أن الآية وردت في المتعة فإن الصحابيين كابن عباس وهو حبر الأمة وابن مسعود لا يدخلون فيه تفسيرا غير مطمئنين بكونه المقصود ، وغير متعلقين من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حاشا وهل هذا الاسوء الظن بمثل هؤلاء الصحابيين؟ كيف وقد ثبت أنهم فعلوا المتعة مستندين بالاية المتلقاة مع البيان منه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٥٣

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا (١).

٢ ـ نقل الخاصّة والعامّة عن ابن عباس (٢) أنّه كان يفتي بها ويعمل و

__________________

(١) الحديث أخرجه أكابر علماء المذاهب قديما وحديثا في كتبهم الصحاح والسنن والمسانيد والتفاسير والتواريخ واللغة ، فلعله يعد من المتواترات. وسرد السيد هاشم البحراني قدس‌سره في الباب ٢٨ من كتابه غاية المرام ص ٢١١ ـ ٢١٧ تسعة وثلاثين حديثا من طرق أهل السنة في نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب التمسك بالثقلين ، وفي الباب ٢٩ ص ٢١٧ ـ ٢٣٥ ، اثنين وثمانين حديثا من طرق الشيعة الإمامية.

وقد خص العلامة آية الله مير سيد حامد حسين أعلى الله مقامه الشريف المجلد الثاني عشر من المنهج الثاني من كتابه عبقات الأنوار بتحقيق هذا الحديث وقد طبع بلكهنو جدد طبعه بايران في ١١٥٩ صفحة في ستة مجلدات ، فرواه عن جماعة تقرب من مائتين من أكابر علماء المذاهب من المائة الثانية ، إلى المائة الثالثة عشرة ، ومن الصحابة والصحابيات أكثر من ثلاثين رجلا وامرءة كلهم رووا هذا الحديث الشريف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وللفاضل الشيخ محمد قوام الدين القمي الوشنوي دامت بركاته رسالة موجزة في تحقيق حديث الثقلين مستوعبة جميع رواة الحديث وأسانيده نشرها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية وفي القاهرة رجب ١٣٧٣. فراجع.

(٢) بل عليه غيره أيضا من الصحابة وغيرهم ، قال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٦٣٣ وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من السلف منهم :

من الصحابة رضى الله عنهم : أسماء بنت ابى بكر الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومعاوية بن ابى سفيان ، وعمرو بن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف.

ورواه جابر بن عبد الله من جميع الصحابة مدة رسول الله ومدة أبي بكر وعمر ، الى قرب آخر خلافة عمر ، واختلف في إباحتها عن ابن الزبير ، وعن على فيها توقف ، وعن عمر بن الخطاب انه انما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وإباحتها بشهادة عدلين

ومن التابعين : طاوس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وسائر فقهاء مكة ـ اعزها الله ـ وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا المرسوم بالإيصال وصح تحريمها عن ابن عمر

١٥٤

مناظرته مع عبد الله ابن الزبير في ذلك مشهورة (١) وقول ابن عباس في ذلك حجّة

__________________

وابى عمرة الأنصاري ، واختلف فيها عن على وعمرو ابن عباس وابن الزبير.

وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من المتأخرين أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو سليمان وقال زفر يصح العقد ويبطل الشرط انتهى ما أردنا نقله.

وقال برهان الدين في العناية المطبوع مع فتح القدير ج ٢ ص ٣٨٥ : وقال مالك رحمه‌الله : هو جائز لأنه كان مباحا فيبقى الى أن يظهر ناسخه ، قلنا ثبت النسخ بإجماع الصحابة ، وفي شرح العناية بهامش فتح القدير : وقيل في نسبة الجواز الى مالك نظر لانه روى الحديث في الموطإ عن ابن شهاب عن عبد الله والحسين ابني محمد بن على بن ابى طالب ان رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وقال في المدونة : ولا يجوز النكاح إلى أجل قريب أو بعيد ، وان سمى صداقا ، وهذه المتعة ، وأقول : يجوز أن يكون شمس الأئمة الذي أخذ منه المصنف قد اطلع على خلاف ما في المدونة وليس كل من يروى حديثا يكون واجب العمل به لجواز أن يكون عنده ما يعارضه أو يرجح عليه.

ونقل نسبة الجواز الى مالك عن الزرقانى في شرح مختصر أبى الضياء والتفتازاني في شرح المقاصد والعسقلاني في فتح الباري ، ونسب ابن كثير جوازها عند الضرورة إلى أحمد بن محمد بن حنبل في رواية ج ١ ص ٤٧٤ ، وقد سمعت ما نقله الذهبي في تذكرة الحفاظ الرقم ١٦٤ في ص ١٤٣ ، فراجع.

(١) ففي صحيح مسلم عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم نهانا عنهما عمر ، فلم نعدلهما ، راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ١٨٤.

وعن أبي نضرة أيضا قال : قلت : ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر بها قال ـ يعنى جابرا ـ على يدي جرى الحديث ، تمتعنا مع رسول الله ، ومع ابى بكر فلما ولى عمر خطب الناس فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الرسول ، وان القرآن هذا القرآن ، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرءة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة ، نقلها آية الله

١٥٥

كما قال [ رسول الله ] صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّه كنيف ملي‌ء علما (١) » ودعوى الخصم رجوعه عن ذلك ممنوع (٢).

٣ ـ اشتهرت الروايات عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : متعتان كانتا على عهد

__________________

العلامة الخويي مد ظله في البيان ص ٢٢١ عن سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٦ باب نكاح المتعة.

ونقل مناظرته مع ابن الزبير ابن ابى الحديد ج ٢٠ ص ١٣٠ ، وكذا ابن عبد البر ج ٢ ص ٣٢٠ في فرش كتاب المجنبة في الأجوبة ، مجاوبة بنى هاشم لابن الزبير ، وفيه : أول مجمر سطح في المتعة مجمر آل الزبير وسيأتي كلام فيه بعد ذلك.

(١) لم أظفر على هذا الحديث في شأن ابن عباس ، نعم في النهاية لابن الأثير : ومنه حديث عمر أنه قال لابن مسعود : « كنيف ملي‌ء علما » وهو تصغير تعظيم للكنف وفي القاموس : وكزبير : علم ككانف ولقب ابن مسعود لقبه عمر تشبيها بوعاء الوحي.

(٢) لم يخرج حديث رجوع ابن عباس من أصحاب الصحاح الستة الا الترمذي صرح به محمد فؤاد عبد الباقي في تذييله على الحديث. والحديث في سنن الترمذي بالرقم ١١٢٢ ج ٣ ص ٤٣٠ من الطبعة الأخيرة هكذا :

حدثنا محمود بن غيلان حدثنا سفيان بن عقبة أخو قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال : اما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم ، فتحفظ له متاعه وتصلح شية حتى إذا نزلت الآية « إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ » قال ابن عباس فكل فرج سوى هذين فهو حرام.

وفي حواشي الترمذي طبع دهلي ج ١ ص ١٣٣ في لفظ « تصلح شية » نقلا عن اللمعات : هكذا يوجد هذا اللفظ في هذه النسخ بفتح المعجمة وتشديد التحتية ، ولا يدرى صريح المراد به الا ان يجعل من الشواء يقال شوى اللحم شيئا فاشتوى ، فيكون الشي‌ء بمعنى المشوي ، والمراد طعامه ومأكوله ، والظاهر أنه مخفف مهموز ، اى تصلح أشياءه وأمواله ، وهكذا في النسخة من حديث الترمذي مصححة بخط العرب. انتهى.

وكفى يكون موسى بن عبيدة في طريق الحديث ضعفا ، ففي التاريخ الكبير للبخاري القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢٩١ الرقم ١٢٤٢ أنه منكر الحديث ، قاله احمد بن

١٥٦

__________________

حنبل ، وقال على بن المديني عن القطان قال : كنا نتقيه تلك الأيام ، وفي القسم الأول من المجلد الرابع من الجرح والتعديل لابن ابى حاتم الرازي الرقم ٦٨٦ بسط كلام في تضعيفه فتقل عن أحمد بن حنبل أنه قال : نتقيه ، وقال : لا يشتمل به وقال : لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة ، ونقل عن ابن معين أيضا أنه : قال : موسى بن عبيدة لا يحتج بحديثه ، وقال : موسى بن عبيدة ضعيف ، ونقل عن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال منكر الحديث ، وعن أبى زرعة أنه قال : ليس بقوي الحديث ، ونقل أيضا تضعيفه عن على بن المديني بنحو ما ذكره البخاري. وصرح بضعف حديث الترمذي بموسى بن عبيدة أيضا الشوكانى في نيل الأوطار ج ٦ ص ١٤٤.

وفي طريق الحديث أيضا سفيان بن عقبة وفي القسم الأول من المجلد الثاني من كتاب الجرح والتعديل الرقم ٩٨٥ حدثنا عبد الرحمن انا يعقوب بن إسحاق فيما كتب الى قال أنا عثمان بن سعيد قال : سألت يحيى بن معين عن سفيان بن عقبة قال : لا أعرفه ، ونظيره ما في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٦٨ ، الرقم ٣٣٢٥.

ومع ذلك كله فهو مضطرب المتن ، إذ فيه نسخ حكم المتعة بآية « إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ » وهي في سورة المؤمنون والمعارج ، وهما مكيتان ، ويبعد غفلة مثل ابن عباس حبر الأمة عن انه لا تصلح المكية لإثبات نسخ حكم المتعة.

على انه معارض بما رواه مسلم ج ٩ ص ١٨٨ من صحيحه بشرح النووي عن عروة بن الزبير ان عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال : ان ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فقال انك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له ابن الزبير فو الله لان فعلتها لأرجمنك بأحجارك ، ورواه النسائي أيضا.

ولا تردد في ان ابن عباس هو الرجل لمعرض به فالظاهر بقاؤه على حل المتعة في زمن عبد الله الزبير في زمان كف بصره أواخر عمره ، وتنبه لذلك أيضا ابن الهمام في فتح القدير ج ٢ ص ٣٨٦ ويبعد رجوعه في تلك المدة القليلة ولم يك بين قيام عبد الله بن الزبير سنة ٦٤ ( مع ما نقل ابن ابى الحديد عن المدائني انه كان سنة ٦٥ ) ووفاة ابن عباس سنة ٦٨ كما هو الأصح أكثر من أربع سنوات ، أو ثلاث

١٥٧

رسول الله أنا محرّمهما ومعاقب عليهما : متعة الحجّ ومتعة النساء (١)

وروى الطبري عنه في كتاب المستنير أنّه قال : ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا محرّمهنّ ومعاقب عليهنّ : متعة الحجّ ومتعة النساء ، وحيّ على خير العمل في الأذان (٢) فهذه شهادة منه أنّها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعلوم

__________________

ونقل نظير ما في صحيح مسلم ابن ابى الحديد عند شرح الرقم ٤٥٨ من الحكم ج ٢٠ ص ١٣٠ ما زال الزبير رجلا منا إلخ.

وفيه ذكر جواب ابن عباس له : وأما المتعة فسل أمك إذا نزلت عن بردي عوسجة وفيه : فلما عاد ابن الزبير سألها عن بردي عوسجة فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس وعن بنى هاشم فإنهم كعم الجواب إذا بدهوا ، فقال : بلى وعصيتك ، فقالت : يا بني احذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الانس والجن.

وعزى إلى البخاري رواية عن أبي حمزة قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص ، فقال له مولى له : انما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم.

فقد أنكر العزو بعض ، نقله الشوكانى في نيل الأوطار ج ٦ ص ١٤٤ عن الحافظ في التلخيص ونقل عنه أنه استغفر به ابن الأثير في جامع الأصول فعزاه الى رزين وحده ثم مع صحة العزو ، فليس فيه قوة دلالة على رجوعه ، وليس فيه تصريح بالمنع في غير حال الشدة.

(١) قد ذكرنا في ج ١ ص ٢٩٣ و ٢٩٤ من هذا الكتاب مصادر كلامه وأن قوله ذلك مشهور مستفيض أضف الى ذلك شرح ابن ابى الحديد فقد ذكر كلامه في ج ١ ص ١٨٢ ( الطبعة الأخيرة ) في شرح الخطبة الشقشقية أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا محرمها ومعاقب عليها : متعة النساء ومتعة الحج. ثم قال : وهذا الكلام وان كان ظاهره منكرا فله مخرج وتأويل ، وقد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم.

ونقله في ج ١٢ ص ٢٥١ شرح الخطبة ٢٢٣ ولفظه : متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. فراجع.

(٢) كما ذكره القوشجي في شرحه على تجريد الكلام ص ٤٠٨ طبع إيران في سنة ١٣٠١ وسيوافيك منا نقل عبارته.

١٥٨

أنّ عمر ليس له تحليل ولا تحريم (١).

٤ ـ أنّه لا نزاع ولا خلاف في أنّها كانت مشروعة ، والخصم يقول إنّها نسخت قلنا المشروعيّة دراية ، والنسخ رواية ، ولا تطرح الدراية بالرّواية.

٥ ـ أنّها منفعة خالية من جهات القبح ، ولا نعلم فيها ضررا عاجلا ولا آجلا وكل ما هذا شأنه فهو مباح ، فالمتعة مباحة أمّا الكبرى فإجماعيّة وأمّا الصغرى فلأنّا نتكلّم على تقديره ، ولأنّه لو كان فيها شي‌ء من المفاسد لكان إمّا عقليا وهو منتف اتّفاقا وإمّا شرعيا وليس ، وإلّا لكان أحد متمسّكات الخصم ، ولكن ليس فليس.

احتجّوا بوجوه :

الأوّل بقوله ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) والمتمتّع بها ليست زوجة ولا ملكا أمّا الثاني فاتّفاقي وأمّا الأوّل فلأنّها لو كانت زوجة لثبت لها النفقة والإرث والقسم ، ولوقع بها طلاق ، وغير ذلك من أحكام الزّوجات ، واللّازم باطل باتّفاق الإماميّة فكذا الملزوم.

الثاني الرّوايات منها ما رواه عبد الله والحسن ابنا محمّد بن عليّ عن أبيهما عن عليّ عليه‌السلام (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن الحمر

__________________

(١) قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه في مرآت العقول ج ٣ ص ٤٨١. وما أحسن ما وجدته في كتب الجمهور ان رجلا كان يفعلها ، فقيل له : عمن أخذت حلها؟ فقال : عن عمر ، فقالوا : كيف ذلك وعمر هو الذي نهى وعاقب على فعلها ، فقال : لقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرمهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء فأنا أقبل روايته في شرعيتها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما اقبل نهيه من قبل نفسه.

ونقل نظير ما ذكره المجلسي قدس‌سره في الجواهر ص ١٣٣ ج ٥ طبع حاج محمد حسين الكاشاني ، عن محاضرات الراغب.

(٢) قال في المنتقى على ما في ص ١٤٣ ج ٦ من نيل الأوطار بعد ذكر الرواية بلفظيها متفق عليهما بمعنى أنه أخرجهما أحمد والبخاري ومسلم ، واللفظ في أحدهما : « نهى

١٥٩

__________________

عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر » والثاني : « نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية ».

قال السهيلي في روض الأنف ج ٢ ص ٢٣٨ : فصل : ومما يتصل بحديث النهي عن أكل الحمر تنبيه على اشكال في رواية مالك عن ابن شهاب فإنه قال فيها : « نهى النبي عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية » وهذا شي‌ء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر ، ان المتعة حرمت يوم خيبر.

وقال في نيل الأوطار ج ٦ ص ١٤٦ : وروى ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة ان النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر ، قال ابن عبد البر : وعلى هذا أكثر الناس ، وقال أبو عوانة في صحيحه : سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على انه نهى يوم خيبر عن لحموم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها ، وانما نهى يوم الفتح. انتهى.

ونقل نظير ذلك أيضا ابن القيم الجوزية في ج ٢ ص ١٨٣ من زاد المعاد ثم قال الصحيح أن المتعة إنما حرمت عام الفتح ، لانه قد ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح باذنه ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثله فيها.

وأيضا فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات ، وانما كن يهوديات ، واباحة نساء أهل الكتاب لم يكن يثبت انما ابحن بعد ذلك في سورة المائدة « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » الآية ، وهذا فمتصل بقوله ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وبقوله ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ) وهذا كان آخر الأمر بعد حجة الوداع أو فيهما ، فلم تكن اباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر ، ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح وبعد الفتح ، استرق من استرق منهن وصرن إماء للمسلمين.

ثم وجه الرواية بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، فتوهم بعض الرواة أن يوم خيبر ظرف لتحريمهن فرواه حرم رسول الله المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال حرم

١٦٠