لأكون مع الصّادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصّادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-15-3
الصفحات: ٤٥٥

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أصحابي اقتدوا بأصحابي؟!

أمّا حديث « يا أصحابي عليكم بالأئمة من أهل بيتي فهم يهدونكم من بعدي » فهو أقرب إلى الحقّ؛ لأنّه له شواهد عديدة تؤيده في السنّة النبوية.

والشيعة الإمامية يقولون بأنّ المقصود بحديث : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » هم الأئمة الاثنا عشر من أئمة أهل البيت سلام اللّه عليهم ، وهم الذين أوجب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أُمّته أن تتمسّك بهم وتتبعهم ، كما تتمسّك وتتبع كتاب اللّه (١).

ولمَّا آليتُ على نفسي فإنّي لا أستدلُّ إلاّ بما يحتجّ به الشيعة من صحاح أهل السنّة والجماعة ، فإنّي قد اقتصرت على ذلك ، وإلاّ فإن في كتب الشيعة أضعاف ذلك وبعبارات أكثر صراحة ووضوحاً (٢).

على أنّ الشيعة لا يقولون بأنّ أئمّة أهل البيت سلام اللّه عليهم لهم حقّ التشريع ، بمعنى أن سنّتهم هي اجتهادٌ منهم ، بل يقولون بأنّ كلّ أحكامهم هي من كتاب اللّه وسنّة رسوله التي علّمها رسول اللّه عليّاً ، وعلّمها عليّ أولاده ، فهو علمٌ يتوارثونه ، ولهم في ذلك أدلّةٌ كثيرة

__________________

١ ـ وذلك لحديث الثقلين الثابت المتواتر.

٢ ـ أضرب لذلك مثلا واحداً : أخرج الصدوق في الإكمال بسنده إلى الإمام الصادق عن أبيه عن جده قال : « قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي » ( المؤلّف ).

٤١

نقلها علماء أهل السُنّة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم.

ويبقى السؤال دائماً يعود بإلحاح : لماذا لم يعمل أهل السنّة والجماعة بمضمون هذه الأحاديث الصحيحة عندهم؟

ثمّ بعد ذلك يختلفُ الشيعة والسنّة في تفسير الأحاديث الثابتة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما سبق لنا توضيحه في فقرة اختلافهم في تفسير القرآن بالنسبة لمعنى الخُلفاء الراشدين الذي ورد في حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحّحه كلٌ من الفريقين ، ولكن يفسّره السنّة على أنّهم الخلفاء الأربعة الذين اعتلوا منصّة الخلافة بعد رسول اللّه ، ويفسّره الشيعة على أنّهم الخلفاء الاثنا عشر ، وهم أئمة أهل البيت سلام اللّه عليهم.

ذلك إنّا نرى هذا الاختلاف شائعاً في كلّ ما يتعلّق بالأشخاص الذين زكّاهم القرآن والرسول أو أمر باتّباعهم ، مثال ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علماء أُمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل » (١) ، أو : « العلماء ورثةُ الأنبياء » (٢).

__________________

١ ـ عوالي اللئالي ٤ : ٧٧ ح ٦٧ ، تاريخ ابن خلدون ١ : ٣٢٥ ، وفي كليهما بلفظ : « علماء أُمتي كأنبياء بني إسرائيل ».

٢ ـ التاريخ الكبير للبخاري ٨ : ٣٣٧ ح ٣٢٢٩ ، وأورده في صحيحه ( كتاب العلم باب ١١ من دون أن يسنده ) ، سنن ابن ماجة ١ : ٨١ ، الكافي ١ : ٣٢

٤٢

فأهل السنّة والجماعة يعمّمون هذا الحديث على كلّ علماء الأُمة ..

بينما يخصّصهُ الشيعة بالأئمة الاثني عشر ، ومن أجل ذلك يفضّلونهم على الأنبياء ماعدا أُولي العزم من الرسل.

والحقيقة إنّ العقل يميل لهذا التخصيص :

أولاً : لأنّ القرآن أورث علم الكتاب للذين اصطفى من عباده ، وهو تخصيص ، كما أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّ أهل بيته بأُمور لم يُشركهم فيها بأحد ، حتى سمّاهم سفينة النجاة ، وسمّاهم أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، والثقل الثاني الذي يعصم من الضلالة.

فظهر من هذا أنّ قول أهل السنّة والجماعة يعارض هذا التخصيص الذي أثبته القرآن والسنّة النبوية ، وأنّ العقل لا يرتاح إليه ، لما فيه من الغموض ، وعدم المعرفة بالعلماء الحقيقيّين الذين أذهب اللّه عنهم الرِّجس وطهّرهم ، وعدم تمييزهم عن العلماء الذين فرضهم على الأُمّة الحكّام الأمويّون والعبّاسيّون.

وما أبعد الفرق بين أُولئك العلماء ، وبين الأئمة من أهل البيت الذين لا يذكر التاريخ لهم أستاذاً تتلمذوا على يديه سوى أن يتلقّى

__________________

ح ٢ ، وقال المناوي في فيض القدير ٤ : ٥٠٤ : « قال في الكشاف : ما سمّاهم ورثة الأنبياء إلاّ لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة ، لأنّهم القوام بما بعثوا من أجله ».

٤٣

الابن عن أبيه ، ومع ذلك فقد روى علماء أهل السنّة في علومهم روايات عجيبة ، وخصوصاً الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الجواد الذي أفحم بعلومه أربعين قاضياً جمعهم إليه المأمون وهو لا يزال صبيّاً.

وممّا يؤكّد تميّز أهل البيت عن غيرهم ما يظهر لنا من اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنّة والجماعة في كثير من المسائل الفقهية ، بينما لا يختلف الأئمة الاثنا عشر من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في مسألة واحدة (١).

__________________

١ ـ كيف يختلفون وقد جعلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد الثقلين وعدل القرآن ، وأوصى بالتمسك بهم ، وأنّهم هم العاصم من الضلال؟! فكما لا اختلاف ولا تناقض في القرآن ، كذلك لا اختلاف ولا تناقض في أقوال العترة عليهم‌السلام ، وهذا ما يدلّ عليه حديث الثقلين الثابت الصحيح عند الفريقين.

قد اعترض صاحب كشف الجاني : ١٤٤ بأنّ روايات الشيعة مختلفة فيما بينها ويوجد فيها التعارض والتضارب ، وأخذ بنقل بعض كلمات العلماء في ذلك.

وهذا الاعتراض لا يرد على الشيعة ، وهو وارد على أئمة السنّة كما ذكر المؤلّف؛ لأن المؤلّف يتكلّم عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وأنّهم لا يختلفون فيما بينهم ، ولا يطعن بعضهم بالبعض ولا يكفّر أو يردّ عليه ، فلم ينقل أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام ردّ أو خطّأ أبيه الإمام الباقر أو جدّه علي بن أبي طالب ، وهكذا بقية الأئمة عليهم‌السلام ، بل كانوا سلسلة ذهبية يكمل بعضها البعض.

وهذا بخلاف أئمة المذاهب الأربعة ، فإنّا نجدهم أنفسهم يختلفون فيما بينهم

٤٤

__________________

فضلا عن اتباعهم ، ونجد أنّ أحدهم يتكلّم على الآخر ويطعن فيه ، فهذا مالك بن أنس يطعن في أبي حنيفة النعمان ، قال الوليد بن مسلم : « قال لي مالك بن أنس : أيذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت : نعم ، قال : ماينبغي لبلدكم أن يسكن » ، العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٤٧.

ونقل البخاري عن سفيان بن عيينة عندما جاءه نعي أبي حنيفة قال : « ما ولد في الإسلام مولود شرٌّ منه » ، الانتقاء : ١٥٠.

وقال ابن عبد البرّ : « وقد تكلّم ابن أبي ذئيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره ، وهو مشهور عنه .. وتحامل عليه [ أي على مالك ] الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته ، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر ، وفي كلامه في علي وعثمان ، وفي فتياه بإتيان النساء في الأعجاز » ، جامع بيان العلم وفضله ٢ : ١١٥.

أمّا الشافعي فقد تكلّم فيه يحيي بن معين إمام الجرح والتعديل فقال عنه : « ليس بثقة » المصدر السابق.

وقال ابن عبد البرّ : « وقد صحّ عن ابن معين من طرق أنّه كان يتكلّم في الشافعي » المصدر السابق ٢ : ٣٩٤.

فكلام المؤلّف عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أنّهم لا خلاف بينهم ، بخلاف أئمة مذاهب السنّة. هذا أولا.

وثانياً : يوجد بعض الاختلافات في الروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذا لا يعني أنّ الأئمة اختلفوا فيما بينهم أو أن ذلك عيب

٤٥

ثانياً : لو أخذنا بقول أهل السنّة والجماعة في تعميم هذه الآيات والأحاديث على كلّ علماء الأُمّة ، لوجب أن تتعدّد الآراء والمذاهب على مرّ الأجيال ، ولأصبح هناك آلاف المذاهب ، ولعلّ علماء أهل السنّة والجماعة تفطّنوا لما لهذا الرأي من سخافة وتفريق لوحدة العقيدة ، فأسرعوا إلى غلق باب الاجتهاد منذ زمن بعيد.

أمّا قول الشيعة فهو يدعو إلى الوحدة والالتفاف حول أئمة معروفين ، خصّهم اللّه تعالى والرسول بكلّ المعارف التي يحتاجها المسلمون في كلّ العصور ، فلا يمكن لأيّ مدّع بعد ذلك أن يتقوّل

__________________

في مذهبهم؛ وذلك لأنّ الاختلاف ناشئ من عوامل أُخرى كالكذب عليهم كما كُذِبَ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكالدسّ والوضع ، واختلاف الحكم باختلاف زمانه ومكانه ، وكاستخدام التقية في بعض الأحيان لدفع جور السلطان ، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة.

مضافاً إلى أنّ هذا غير مقصور على الشيعة وحدهم ، فأهل السنّة الخلاف بينهم شاسع والهوّة بينهم كبيرة جداً ، يمكن بأدنى إطلاع ملاحظتها.

ومن هذا يتضح أنّ صاحب كتاب كشف الجاني يخلط في كلامه في الاختلاف بين الأئمة أنفسهم ، ووجود بعض الاختلاف بين الروايات المنقولة عنهم ، والتي هي أمر طبيعي نتيجة بعد الزمن والعوامل الأُخرى المؤثّرة؛ إذ المؤلّف كلامه عن الأمر الأوّل وهم الأئمة ، بينما عثمان الخميس اعترض عليه بالأمر الثاني وهو وجود بعض الاختلافات بين الروايات المنقولة عن الأئمة ، فلاحظ حتى لا يقع خلط في الكلام.

٤٦

على اللّه وعلى الرسول ويبتدع مذهباً يُلزم الناس باتّباعه.

فاختلافهم في هذه المسألة كاختلافهم في المهدي الذي يؤمن به الفريقان ، ولكنّ المهدي عند الشيعة معلوم معروف أبوه وجدّه ، وعند أهل السنّة والجماعة لا يزالُ مجهولاً وسيولد في آخر الزمان ، ولذلك ترى كثيراً منهم ادّعى المهدية ، وقد قال لي شخصياً الشيخ إسماعيل صاحب الطريقة المدنية بأنّه هو المهدي المنتظر ، وقالها أمام صديق لي كان من أتباعه ثم استبصر فيما بعد.

أمّا عند الشيعة ، فلا يمكن لأيّ مولود عندهم أن يدّعي ذلك ، وحتّى لو سَمّى أحدهم ابنه بالمهدي فهو تيمُّناً وتبرّكاً بصاحب الزمان ، كما يُسمّي أحدُنا ابنهُ محمداً أو علياً ، وإنّ ظهور المهدي عندهم هو في حدّ ذاته معجزة ، لأنّه وُلِد منذ اثني عشر قرناً وتغيّبَ.

ثم بعد كلّ هذا قد يختلف أهل السنّة والجماعة في معنى الحديث الثابت الصحيح عند الفريقين ، حتى لو كان الحديث لا يتعلّق بالأشخاص ، ومن ذلك مثلاً حديث : « اختلاف أُمّتي رحمة » (١).

__________________

١ ـ أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٧ ، تفسير القرطبي ٤ : ١٥٩ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٤٨ ح ٢٨٨ ، شرح النووي على صحيح مسلم ١١ : ٩١ وقال :

« وقد اعترض على حديث اختلاف أُمتي رحمة رجلان : أحدهما مغموض

٤٧

الذي يفسّره أهل السنة والجماعة : بأنّ اختلاف الأحكام الفقهية في المسألة الواحدة هو رحمة للمسلم الذي بإمكانه أن يختار أي حكم يناسبه ويتماشى مع الحلّ الذي يرتضيه ، ففي ذلك رحمة به ، لأنّه إذا كان الإمام مالك مثلاً متشدّداً في مسألة ما ، فإن بإمكان المسلم أن يُقلّد أبا حنيفة المتساهل فيها.

__________________

عليه في دينه وهو عمرو بن بحر الجاحظ ، والآخر معروف بالسخف والخلاعة وهو إسحاق بن إبراهيم الموصلي » ، ثم ذكر أقوالهما وردها.

وفي كنز العمال ١٠ : ١٣٦ ح ٢٨٨٦ : « عن نصر المقدسي في الحجّة ، والبيهقي في رسالة الأشعرية بغير سنده ، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ، ولعلّه خرج به في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا ».

وفي فيض القدير للمناوي ١ : ٢٧١ قال : « وروى من أنّ مالكاً لما أراده الرشيد على الذهاب معه إلى العراق ، وأن يحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن؛ فقال مالك : أمّا حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه؛ لأنّ الصحابة ـ رضي اللّه تعالى عنهم ـ افترقوا بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمصار فحدّثوا ، فعند كلّ أهل مصر علم ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختلاف أُمتي رحمة ».

ومن هذا يتضح أنّ ما ذكره صاحب كتاب كشف الجاني من أنّ المؤلّف افترى على أهل السنّة ونسب الحديث إلى مصادرهم وهو غير موجود ، ما هو إلاّ غفلةٌ ناشئة عن قلّة الاطلاع ومراجعة الكتب ، فإنّ المصادر السنّية أوردت هذا الحديث كما قدمناه آنفاً.

٤٨

أمّا عند الشيعة فهم يفسّرون الحديث على غير هذا المعنى ، ويروون أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام لمّا سُئل عن هذا الحديث : « اختلاف أُمّتي رحمة »؟ قال : صدق رسول اللّه ، فقال السائل : إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم نقمة؟ فقال الصادق : ليس حيثُ ذهبت ويذهبون ـ يعني في هذا التفسير ـ إنّما قصد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختلاف بعضهم إلى بعض ، يعني يسافر بعضهم إلى بعض وينفر إليه ويقصده لأخذ العلم عنه ، واستدلّ على ذلك بقول اللّه تعالى : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَـتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُـنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١).

ثمّ أضاف قائلاً : فإذا اختلفوا في الدين صاروا حزب إبليس (٢).

وهو كما ترى تفسير مقنعٌ؛ لأنّه يدعو لوحدة العقيدة ، لا للاختلاف فيها (٣).

ثم إنّ الحديث بمفهوم أهل السنّة والجماعة غير معقول ، لأنّه يدعو للاختلاف والفُرقة وتعدّد الآراء والمذاهب ، وكلّ هذا يعارض

__________________

١ ـ التوبة : ١٢٢.

٢ ـ نحوه في معاني الأخبار للصدوق : ١٥٧.

٣ ـ البسملة في الصلاة مكروهة عند المالكية ، وواجبة عند الشافعية ، ومستحبة عند الحنفية ، والحنابلة قالوا بإخفاتها إذا صلّى في الصلاة الجهرية ( المؤلّف ).

٤٩

القرآن الكريم الذي يدعونا للوحدة والالتفاف حول شيء واحد ، يقول سبحانه : ( وَإنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (١).

ويقول ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢).

ويقول : ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) (٣).

فأيّ نزاع وأيّة تفرقة هي أكبر من تقسيم الأُمّة الواحدة إلى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضاً ، ويسخر بعضهم من بعض ، بل ويكفّر بعضهم بعضاً ، حتى يستحلّ بعضهم دم البعض الآخر ، وهو ما وقع بالفعل على مرّ العصور ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.

هذا ، وقد حذّرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أُمّتنا إذا تفرّقت ، فقال سبحانه : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ ) (٤) ، ( إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء ) (٥) ، ( وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ

__________________

١ ـ المؤمنون : ٥٢.

٢ ـ آل عمران : ١٠٣.

٣ ـ الأنفال : ٤٦.

٤ ـ آل عمران : ١٠٥.

٥ ـ الأنعام : ١٥٩.

٥٠

فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (١).

وتجدر الإشارة هنا بأنّ معنى ( شيعاً ) لا علاقة لها بالشيعة كما توهّم بعض البُسطاء عندما جاءني ينصحني على زعمه قائلاً : يا أخي باللّه عليك دعنا من الشيعة ، فإن اللّه يمقُتهم وحذّر رسوله أنْ يكون منهم.

قلتُ : وكيف ذلك؟

قال : ( إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء ).

وحاولتُ إقْناعهُ بأن « شِيَعاً » معناها أحزاباً ولا علاقة لها بالشيعة ، ولكنّه ومع الأسف الشديد لم يقتنع ، لأنّ سيّده إمام المسجد هكذا علّمه وحذّره من الشيعة ، فلم يعدْ يتقبّل غير ذلك!

أعود إلى الموضوع فأقول : بأنّي كنتُ في حيرة قبل استبصاري عندما أقرأ حديث : « اختلاف أُمّتي رحمة » ، وأُقارنه مع حديث « ستفترق أُمّتي إلى اثنتين وسبعين فرقة ، كلّها في النار إلاّ واحدة » (٢).

__________________

١ ـ الروم : ٣١ ـ ٣٢.

٢ ـ سنن ابن ماجة ( كتاب الفتن ) ٢ : ٤٩٣ : ح ٣٩٩٣ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٠ ، والترمذي في كتاب الإيمان ، باب ١٨ ما جاء في افتراق هذه الأُمة ، وكتاب السنّة لابن أبي عاصم ح ٦٤ ، وصرّح محقّق الكتاب الشيخ محمد الألباني

٥١

__________________

بصحته قائلا : « الحديث أخرجه ابن ماجة ٣٩٩٣ باسناد المصنّف هذا ، وصححه البوصيري ، والحديث صحيح قطعاً؛ لأنّ له ستّ طرق أُخرى عن أنس ، وشواهد عن جمع من الصحابة .. وقد خرجته في الصحيحة ٢٠٣ من حديث أبي هريرة و ٢٠٤ من حديث معاوية ».

وألّف محمّد بن إسماعيل الصنعاني كتاباً بعنوان ( افتراق الأُمة ) ، وقال فيه : « له طرق عديدة ساقها ابن الأثير ... في جامع الأُصول » ، ثمّ قال : « إذا عرفت هذا ، فالحديث قد استشكل من جهتين :

الجهة الأُولى : ما فيه من الحكم على الأكثر بالهلاك ، وذلك ينافي الأحاديث الواردة في الأُمة بأنّها أُمة مرحومة ، وبأنّها أكثر الأُمم في الجنّة ..

الجهة الثانية : من جهة الاشكال في تعين الفرقة الناجية ، فقد تكلّم الناس فيها كلّ فرقة تزعم أنّها هي الفرقة الناجية .. « افتراق الأُمّة : ٤٦ ـ ٧٨.

وقد تعرّض الشيخ الألباني إلى هذا الإشكال ـ أيضاً ـ وحاول الإجابة عليه نقلا عن غيره ، لكن دون جدوى ، راجع الصحيحة ١ : ٤٠٢ و ٤١٤.

وإذا تدبّر المسلم في هذا الحديث الذي نطق به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبر بأنّ أُمته ستفترق كما افترقت الأُمم السابقة عليها ، مع ما يلمسه المسلم بأُم عينيه من اختلاف المسلمين فيما بينهم ، ومن أنّ كلّ فرقة أو طائفة ترى أنّها هي الحقّ ، وأنّها الفرقة الناجية ..

إذا تأمّل المسلم هذا يعرف أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابد وأن ينصب طريقاً ينجو من الضلال ويخلص عباد اللّه من جحيم النار ، بحيث يكون هذا الطريق علماً ومناراً وحافظاً لما أُنزل من القرآن والسنة النبوية المطهرة.

وهذا الطريق قد بيّنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين المتواتر الذي قال

٥٢

وأتسائل : كيف يكون اختلاف الأُمة رحمة ، وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟

وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام لهذا الحديث زالت الحيرة وانحلّ اللغْزُ ، وعرفتُ بعد ذلك بأنّ الأئمة من أهل البيت هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وهم بحقّ ترجمان القرآن والسنّة ، وحقيق بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول في حقّهم : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » (١) ، و « لا تتقدّموهم فتهلكوا ، ولا تتخلّفوا عنهم فتهلكوا ،

__________________

فيه : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا » ، وحديث السفينة الذي ذكره المؤلّف؛ فإن أهل البيت هم المنجون من الضلال والتيه المؤدي إلى النار كما في حديث الافتراق.

١ ـ مستدرك الحاكم ٢ : ٣٤٣ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » ، المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٣٩ و ٢ : ٢٢ ، المعجم الأوسط ٤ : ١٠ و ٥ : ٣٥٥ و ٦ : ٨٥ ، المعجم الكبير ٣ : ٤٥ ـ ٤٧ و ١٢ : ٢٧ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٥٣٣ ح ٨١٦٢ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤٥ وقال : « وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً » ، الدر المنثور عن المستدرك ٣ : ٣٣٤ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٩ : ١٦٨ ، الشيخ صالح المقبلي في كتاب العلم الشامخ : ٥٢٠.

ومن حكم بضعف الحديث كصاحب كتاب « منهج أهل البيت في مفهوم

٥٣

ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم » (١).

وكان حقيق بالإمام علي عليه‌السلام أن يقول : « أُنظروا أهل بيت نبيكم ، فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا » (٢).

وقال عليه‌السلام في خطبة أُخرى يعرّف بها قدر أهل البيت عليهم‌السلام : « هم عيش العلم وموتُ الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حكم منطقهم ، لايخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ الى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة

__________________

المذاهب الإسلامية » ص ٣٤ ـ ليس لحكمه قيمة علمية ما دام لم يبتنِ على الأُسس العلمية والموضوعية.

١ ـ هذا الحديث ورد في ذيل حديث الثقلين ، لكن بلفظ التثنية لا الجمع ، إلاّ في الفقرة الأخيرة ، انظر : المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٦٧ ، وعنه في الدر المنثور للسيوطي ٢ : ٦٠ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٩ الآية الرابعة من الآيات النازلة فيهم و ٢ : ٦٥٣ ( باب وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بآل البيت ).

٢ ـ نهج البلاغة ١ : ١٨٩ ، الخطبة : ٩٦ من كلام له في أصحابه وأصحاب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥٤

العلم كثير ورعاته قليل » (١).

نعم ، صدق الإمام علي فيما بيّنه ، فهو باب مدينه العلم (٢) ، فهناك

__________________

١ ـ نهج البلاغة٢ : ٢٣٢ ، الخطبة : ٢٣٧.

٢ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » ، أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك ٣ : ١٢٦ ، وقال : « هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ».

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات ص ٩٥ : « والحديث حسن لا صحيح ولا كذب ».

وذكر المناوي في فيض القدير ٣ : ٦٠ الحديث وشرحه وردّ على من طعن فيه فقال : ( ٢٧٠٥ ـ « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب » ، فإنّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها ، أو لابدّ للمدينة من باب ، فأخبر أنّ بابها عليّ كرم اللّه وجهه ، فمن أخذ طريقه دخل الجنّة ، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى.

وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف ...

قال الحراني : قد علم الأولون والآخرون أنّ فهم كتاب اللّه منحصر إلى علم عليّ ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب الذي من ورائه يرفع عن القلوب الحجاب حتى يتحقّق اليقين الذي لا يتغيّر بكشف الغطاء ...

وتعقّبه جمع أئمة ، منهم الحافظ العلائي فقال : من حكم بوضعه فقد أخطأ ، والصواب أنه حسن باعتبار طرقه ، لا صحيح ولا ضعيف ...

وقال الزركشي : الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفاً ...

٥٥

فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية ، وبين من عقله عقل سماع ورواية.

والذين يسمعون ويروون كثيرون ، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم ، فيتغيّر معنى الحديث ، وقد يؤدّي إلى العكس الذي

__________________

وفي لسان الميزان : هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصلا ، فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع.

ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش ... ثمّ قال : قال القاسم : سألت ابن معين عنه فقال : هو صحيح ...

وأفتى بحسنه ابن حجر ، وتبعه البخاري فقال : هو حديث حسن ).

وقد أفرد العلماء رسائل خاصة في هذا الحديث ، منها : ( كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ ) للحافظ أحمد بن الصديق الغماري ، وكتاب ( رفع الارتياب عن حديث الباب ) لعليّ بن محمّد العلوي ، وقد ورد هذا الحديث في مصادر كثيرة نذكر منها :

مسند أبي يعلى ٢ : ٥٨ ، المعجم الكبير ١١ : ٥٥ ، نظم درر السمطين ١١ : ١١٣ ، الجامع الصغير ١١ : ٤١٥ ، كنز العمال ١١ : ٦٠٠ و ١٣ : ١٤٧ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٦ ، تهذيب الكمال ١٨ : ٧٧ ، تاريخ بغداد ١١ : ٤٩ ، ينابيع المودة ٢ : ٥٨ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٢٦ ، أُسد الغابة ٤ : ٢٢.

وبعد الإيضاح المتقدم ، فمن يحكم بكذب هذا الحديث كصاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية : ٣٤ ، يكون حكمه جزافاً ناشئاً من التعصّب وإغماض الجفون عن رؤية الحق.

٥٦

قصده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد يؤدّي بعض الأحيان إلى الكفر ، لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي (١).

__________________

١ ـ مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » * ، ولكن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أوضح الأمر فقال : إن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع رجلين يتسابان ، فقال أحدهما للآخر : قبح اللّه وجهك ووجه من يشبهك ، فقال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن اللّه خلق آدم على صورته » أي إنّك بسبّك من يشبهه قد سببت آدم لأنّه يشبهه ( المؤلّف ).

__________________

* ـ ذكر عثمان الخميس في كشف الجاني ص : ١٤٥ أن التيجاني دلّس في الحديث ولم يذكر صدر الحديث وهو : « إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإنّ اللّه خلق آدم على صورته ».

وهذا الإشكال ناشئ من قلّة تتبّع عثمان الخميس ، فإنّ الرواية وردت بعدّة صيغ عن أبي هريرة ، فمنها الصيغة المتقدّمة ، ومنها ما رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنّة : ٢١٠ عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على صورته » ، وصرّح الألباني بصحة الحديث ، ومنها : « لا يقولنّ أحدكم قبح اللّه وجهك ولا وجه من أشبه وجهك ، فإنّ اللّه خلق آدم على صورته » السنّة : ٢٩.

مع أنّ الإتيان بصدر الرواية لا يؤثّر على التجسيم الذي يؤمن به عثمان الخميس في شيء ، فهؤلاء علماء السلفية يفتون بأن للّه صورة لأجل هذه الرواية ، قال ابن تيمية في نقض أساس التقديس : « لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أنّ الضمير عائد إلى اللّه ، فإنه مستفيض من طرق

٥٧

__________________

متعدّدة عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدلّ على ذلك ».

وقال في موضع آخر منه : « علماء الأُمة لم تنكس إطلاق القول بأن اللّه خلق آدم على صورة الرحمن بل كانوا متفقين على إطلاق مثل هذا » نقلاً عن رسالة القول المبين : ٤٩.

وقال أحمد بن حنبل : « من قال إن اللّه خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي ، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه » بطلان التأويلات لأبي يعلى ١ : ٨٨.

وقال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : « قال رجل لأبي : إنّ فلاناً يقول في حديث رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « إن اللّه خلق آدم على صورته » فقال على صورة الرجل قال أبي : كذب هذا ، هذا قول الجهمية وأيّ فائدة في هذا « إبطال التأويلات ١ : ٨٨.

وقد ألّف أحد دعاة السلفية ـ وهو سليمان بن ناصر العلوان ـ كتاباً بعنوان « القول المبين في إثبات الصورة لربّ العالمين » ، قال ابن باز في فتاويه ١ : ٣١٤ : « ثبت عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيحين أنّه قال عليه الصلاة والسلام : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » ، وجاء في رواية أحمد وجماعة من أهل الحديث : « على صورة الرحمن » ، فالضمير في الحديث الأوّل يعود إلى اللّه تعالى ... ».

بينما أئمة أهل البيت وشيعتهم ينزّهون اللّه سبحانه وتعالى عن ذلك ويرجعون الضمير إلى الإنسان ، والمعنى : لا تضرب أخاك فإنّ اللّه خلق آدم على صورة أخيك ، وينزّهون اللّه عن التشبيه بخلقه صورة كانت أو وجهاً أو قدماً.

كما أنّ حديث الثقلين يثبت الأعلمية والمرجعية لأهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول

٥٨

أمّا الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جدَّاً ، وقد يُفني الإنسانُ عمره في طلب العلم ولايحصل منه إلاّ على اليسير ، وقد يتخصّص في باب من أبواب العلم أو فنّ من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكلّ أبوابه ، ولكنّ المعروف أنّ أئمه أهل البيت عليهم‌السلام كانوا مُلمّين وعارفين بشتّى العلوم ، وهذا ما أثبته الإمام عليّ كما يشهد المؤرخون ، وكذلك محمّد الباقر ، وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يديه آلاف الشيوخ في شتى العلوم والمعارف : من فلسفة وطب وكيمياء وعلوم طبيعية وغيرها.

__________________

اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم معصومون مطهّرون من الخطأ والنسيان وغيره كما ثبت بآية التطهير ، فهم الأعلم بسنّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرهم ، يتعين على المسلم أخذ السنّة منهم؛ لمرجعيّتهم المطلقة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٩
٦٠