لأكون مع الصّادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصّادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-15-3
الصفحات: ٤٥٥

__________________

ممّا أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يعمله هو وأصحابه ، وقد نقل المؤلّف روايات متعدّدة في هذا المعنى ، مروية في صحاحهم ، فبعد هذا لا معنى للقول بأنّ الشيعة تستخدم السجود على التربة لغرض طائفي ، اللهم إلاّ أن يكون فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فعل طائفي لا يمتّ إلى الإسلام بصلة ، ولا يجرأ مسلم أن يتفوّه بهذا الكلام على صاحب الرسالة المقدّسة.

وأمّا مسألة أنّ السجود على التربة يؤدّي في متطاول الزمن إلى تقديسها ، فهذا أمرٌ لم يحصل ولن يحصل ، إذ إن الشيعة على مدى أربعة عشر قرناً تسجد على التربة واعتقادهم فيها واحد؛ فأهل القرن الرابع عشر يعتقدون نفس اعتقاد أهل القرن الأول والثاني : من أنّ التربة يسجد عليها ولا يسجد إليها ، وأنّها لا تقدّس بحيث يؤدّي تقديسها إلى الإخلال بالتوحيد ، والشيعة من مبدأهم إلى اليوم يرون التربة شيئاً أُمروا بالسجود عليه في الصلاة لا السجود إليه ، هذا اعتقادهم قديماً وحديثاً ولم ولن يتغيّر إلى أن تقوم الساعة.

والعجب منه أنّه ذكر في النقطة (٤) من كتابه أنّ التربة بدأت منذ عهد الصفويين ، وهذا غريب جدّاً ، إذ إنّ الروايات التي نقلها المؤلّف من سجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة على التربة مروية في البخاري ومسلم والترمذي ، وهؤلاء قبل الدولة الصفوية بقرون متطاولة ، فكيف تجرّأ وتكلّم بهذا الكلام؟!

والحقيقة أنّ التعصّب الأعمى يؤدّي بصاحبه في بعض الأحيان إلى التهجّم على خصمه بأشياء كاذبة ، أو مصطنعة يصطنعها من عنديات نفسه ، جرياً وراء الهوى والتعصّب الطائفي ، والواقع أنّه أحقّ بالطائفيّة من الشيعة الذين رماهم بهذا التهمة الشنيعة ، وللّه في خلقه شؤون.

٤٠١
٤٠٢

الرجعة ( العودة إلى الحياة )

هذه المسألة ممّا اختصت الشيعة بالقول بها ، وأنا بحثت في كتب السنّة فلم أجد لها أثر يذكر.

وهم يعتمدون في ذلك على أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار ـ سلام اللّه عليهم ـ في أنّ اللّه سبحانه وتعالى سيُحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء اللّه في الدنيا قبل الآخرة.

ولو صحّت هذه الروايات ، وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة ، فلا تلزم أهل السنّة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها ، ومن ثمّ فإنّهم غير ملزمين بوجوب الاعتقاد بها؛ لأنّ أئمة أهل البيت حدّثوا بها عن جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف في البحث وعدم التعصّب ، فلا نكلّفهم إلاّما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم ، ولأنّ روايات الرجعة لم ترد عندهم ، فهم أحراراً في عدم الأخذ بها ورفضها ، هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات.

٤٠٣

أمّا وأنّ الشيعة لم يفرضوا على أحد أن يقول بالرجعة؛ ولا أنّهم يقولون بكفر من يكذّبها ، فلا داعي لكلّ هذا التشنيع والتهويل على الشيعة ، سيما وأنّهم يفسّرون بعض الآيات بنحو يوافق ذلك ، وذلك كما في قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّة فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (١).

فقد جاء في تفسير القمّي عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي عبداللّه جعفر الصادق عليه‌السلام قال : « ما يقول الناس في هذه الآية ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّة فَوْجاً ) »؟ قلت : يقولون : إنّه في يوم القيامة : قال : « ليس كما يقولون ، إنّها في الرجعة ، أيحشر اللّه في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحَداً ) » (٢).

كما جاء في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمّد رضا المظفر قوله : « إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم‌السلام ؛ إنّ اللّه تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر ، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه

__________________

١ ـ النمل : ٨٣.

٢ ـ الكهف : ٤٧ ، والنص في تفسير القمي ٢ : ١٠٦.

٤٠٤

وعليهم أفضل الصلاة والسلام.

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثمّ يصيرون من بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى اللّه تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت اللّه ، أن يخرجوا ثالثاً لعلّهم يصلحون : ( قَالُوا ربَّـنَا أمَتَّـنَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلَى خُرُوج مِنْ سَبِيل ) (١) » (٢).

أقول : إذا كان أهل السنّة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحقّ ، ولكن ليس من حقّهم أن يشنّعوا على من يقول بها لثبوت النصوص عنده ، فليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ، ولا حجّة للجاهل على العالم ، وليس عدم الإيمان بالشي دليل على بطلانه ، فكم من حجّة دامغة عند المسلمين لا يؤمن بها أهل الكتاب من يهود ونصارى.

وكم من اعتقادات وروايات عند أهل السنّة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة

__________________

١ ـ المؤمن : ١١.

٢ ـ كتاب عقائد الإمامية للمظفر : ٩٤ ( العقيدة الثانية والثلاثون ).

٤٠٥

ومنكرة ، ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل على عقيدة أهل السنّة والجماعة.

وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنّة النبوية ، وهي ليست مستحيلة على اللّه الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن الكريم كقوله تعالى :

( أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ ) (١).

أو كقوله سبحانه وتعالى :

( ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ اُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أحْيَاهُمْ ) (٢).

وقد أمات اللّه قوماً من بني إسرائيل ثمّ أحياهم ، قال تعالى :

( وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٣).

وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من

__________________

١ ـ البقرة : ٢٥٩.

٢ ـ البقرة : ٢٤٣.

٣ ـ البقرة : ٥٥ ـ ٥٦.

٤٠٦

ثلثمائة عام : ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزْبَـيْنِ أحْصَى لِمَا لَبِثُوا أمَداً ) (١).

فهذا كتاب اللّه يحكي أنّ الرجعة وقعت في الأُمم السابقة ، فلا يستحيل وقوعها في أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخصوصاً إذا روى ذلك أئمة أهل البيت سلام اللّه عليهم ، فهم الصادقون العالمون.

أمّا قول بعض المتطفّلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين؛ فهو قول ظاهر الفساد والبطلان ، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل على الشيعة؛ إذ أنّ القائلين بالتناسخ لا يقولون بأنّ الإنسان يرجع إلى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه ، إنّما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان.

وهذا كما نعلم بعيد كلّ البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأنّ اللّه يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم.

فليست الرجعة من التناسخ في شيء ، وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين.

__________________

١ ـ الكهف : ١٢.

٤٠٧
٤٠٨

الغلوّ في حبّ الأئمة

لا نقصد بالغلوّ هنا هو الخروج عن الحقّ واتّباع الهوى حتّى يصبح المحبوب هو الإله المعبود ، فهذا كفر وشرك لا يقول به أيّ مسلم يعتقد برسالة الإسلام ونبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد وضع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدوداً لهذا الحبّ عندما قال للإمام علي عليه‌السلام :

« هلك فيك اثنان : محبّ غال ، ومبغضٌ قال » (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ياعلي إنّ فيك مثلاً من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمّة ، وأحبّه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها » (٢).

__________________

١ ـ عوالي اللئالي لابن أبي جمهور ٤ : ٨٦ ح ١٠٥.

٢ ـ مسند أحمد ١ : ١٦٠ وحسّنه المحقّق أحمد محمّد شاكر ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، مسند أبي يعلي ١ : ٤٠٦ ح ٥٣٤ ، أنساب الأشراف للبلاذري : ١٢١ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٩٣ ، المستدرك للحاكم : باب مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام وصحّحه ، الدر المنثور ٢ : ٢٣٨ عن البخاري في تاريخه والحاكم ، البداية والنهاية ٧ : ٣٩٢.

٤٠٩

وهو المعنى المرفوض للغلوّ أن يطغى الحب حتى يؤلّه المحبوب ، وينزله منزلة ليس فيها ، أو أن يطغى البغض حتى يصل إلى درجة البهت والاتهام الباطل.

والشيعة في حبّ عليّ والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوّأهم فيها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي أنّهم أوصياء النبي وخلفاؤه ، ولم يقل أحد بنبوّتهم فضلاً عن اُلوهيّتهم ، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدعون بأنّ الشيعة ألّهوا عليّاً وقالوا بربوبيته ، فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهباً ولا شيعة ولا خوارج.

فما هو ذنب الشيعة إذا كان ربّ العزّة والجلالة يقول : ( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) (١) ، والمودّة كما هو معلوم أكبر من الحب ، وإذا كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه » (٢).

فإنّ المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك.

وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « ياعلي أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك

__________________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ صحيح ابن حبان ١ : ٤٧٠ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٧٥٣ ح ٩٩٤٠ ، مسند أحمد ٣ : ١٧٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٧٦ ح ٢٦٣٤ ، سنن النسائي ٨ : ١١٥.

٤١٠

فقد أبغضني ، وحبيبك حبيب اللّه ، وبغيضك بغيض اللّه ، والويل لمن أبغضك » (١).

ويقول أيضاً : « حبّ علىٌّ إيمان وبغضه نفاق » (٢).

ويقول : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنة ... » (٣).

__________________

١ ـ المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٨ وصحّحه ، نظم درر السمطين : ١٠١ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٩٢ ، المناقب للخوارزمي : ٣٢٧ ح ٣٣٧.

٢ ـ بهذا اللفظ في بشارة المصطفى : ٢٧١ ، وفي صحيح مسلم ١ : ٦١ ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان عن عليّ بلفظ : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأُمي إليَّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ».

وأخرجه الألباني في صحيحته ٤ : ٢٩٨ تحت رقم ١٧٢٠ « إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » ، وقال : « أخرجه مسلم ١ : ٦١ ، والنسائي ٢ : ٢٧١ ، والترمذي ٢ : ٣٠١ ، وابن ماجه : ١١٤ ، وأحمد ١ : ٨٤ و ٩٥ و ١٢٨ ، والخطيب في التاريخ ١٤ : ٤٢٦ ... ».

٣ ـ تفسير القرطبي ١٦ : ٢٣ ، تفسير الفخر الرازي ٩ : ٥٩٥ سورة الشورى ، تفسير آية ٢٣ عن الكشاف للزمخشري.

٤١١

وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبّون رجلاً قال فيه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ويحبّهُ اللّهُ ورسولهُ » (١).

فحبيب عليّ هو حبيب اللّه ورسوله وهو مؤمن ، وبغيض علي هو بغيض اللّه ورسوله وهو منافق.

وقد قال الإمام الشافعي في حبّهم :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٢)

وقد قال فيهم وفي حبّهم الفرزدق في ميميته المشهورة :

__________________

١ ـ حديث الراية حديث صحيح متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه ٥ : ٧٦ ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب ، وصحيح مسلم ٥ : ١٩٥ ، في نفس الموضع ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٥٩٤ ح ١٣٧٩ ، صحيح ابن حبان ١٥ : ٣٧٧ ، المعجم الكبير للطبراني ٧ : ١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ١٦ ، المناقب للخوارزمي : ١٠٨.

٢ ـ أوردها ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٥ الآية الثانية من الآيات الواردة فيهم نقلا عن الشافعي.

٤١٢

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم (١)

فالشيعة أحبّوا اللّه ورسوله ، وحبّهم للّه ورسوله هو الذي فرض حبّ أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، والأحاديث في هذه المعنى كثيرة لا تحصى ، وقد أخرجها علماء أهل السنّة والجماعة في صحاحهم ، وقد ذكرنا البعض منها دوماً للاختصار.

وإذا كان حبّ عليّ وأهل البيت بصفة عامة هو حبّ لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعلينا أن نعرف مدى هذا الحب المطلوب من المسلمين حتى نعرف إن كان هناك غلو كما يزعمون.

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » (٢).

__________________

١ ـ انظر : تاريخ دمشق ٤١ : ٤٠٢ ، تهذيب الكمال للمزي ٢٠ : ٤٠١ ، البداية والنهاية ٩ : ١٢٧.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ٩ ، كتاب الإيمان ، باب حب الرسول من الإيمان ، صحيح مسلم ١ : ٤٩ ، كتاب الإيمان ، باب وجوب محبة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين.

٤١٣

وعلى هذا الأساس فلابدّ أن يحبّ المسلم عليّاً وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد ، ولا يتمّ الإيمان إلاّ بذلك؛ لأنّ رسول اللّه قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه ... » الحديث.

فالشيعة أذاً لا يغالون وإنّما يعطون كلّ ذي حقّ حقّه ، وقد أمرهم رسول اللّه أن ينزلوا عليّاً بمنزلة الرأس من الجسد ، وبمنزلة العينين من الرأس ، فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه؟

ولكن في المقابل هناك مغالاة عند أهل السنّة والجماعة في حبّ الصحابة وتقديسهم في غير محلّه ، وإنّما يبدو أنّها ردّ فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين ، فكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطّون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلّوا على محمّد وآله أضافوا إليهم : وعلى أصحابه أجمعين؛ لأنّ في الصلاة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق ، فأرادوا أن يرفعوا الصحابة إلى تلك الدرجة العلية ، وغفلوا عن أنّ اللّه سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلّوا على محمّد وعليّ وفاطمة والحسنين ، ومن لم يصلِّ عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها اللّه إذا اقتصرت على محمّد

٤١٤

وحده ، كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم (١).

وإذا قلنا بأنّه غلّو في الصحابة ذلك لأنّ أهل السنّة يتعدّون حدود المنطق عندما يقولون بعدالتهم أجمعين ، وقد شهد اللّه ورسوله بأنّ فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين.

والغلوّ ظاهر عندما يقولون بأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطئ ويصوّبه صحابي ، أو أنّ الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنّه يهرب من عمر!!

والغلوّ واضح في قولهم : لو أصاب اللّه المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول اللّه ، لم يكون ينج منها إلاّ ابن الخطاب!

والغلوّ أوضح في إلغائهم لسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتباع سنّة الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين! وقد أوقفناك على البعض من ذلك ، وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمّل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٢ : ١٦ ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صحيح البخاري ٦ : ٢٧ ، كتاب التفسير ، سورة الأحزاب آية ٥٦.

٤١٥
٤١٦

المهدي المنتظر

وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنّة والجماعة على الشيعة ، وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء ، إذ أنّهم يستبعدون أو قل يعتقدون استحالة أن يبقى بشر طيلة اثني عشر قرناً حياً ومخفياً عن أنظار الناس ، حتى قال بعض الكتّاب المعاصرين : « بأنّ الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم ، وذلك لكثرة ما لاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان ، فسلّوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، وينتقم لهم من أعدائهم ».

وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة ، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر ، فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كلّ مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي ، وهل هي حقيقة ولها وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟

٤١٧

ورغم ماكتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً (١) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث ، ورغم اتصال كثير من السنّيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ، ومحادثات في شتى المواضيع العقائدية؛ يبقى هذا الموضوع من الألغاز عند الكثير منهم ، لأنّهم ما تعوّدوا سماع أمثال هذه الروايات.

فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟

والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : يتعلّق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنّة.

والقسم الثاني : يتعلّق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.

أمّا في البحث الأول : فالشيعة والسنّة متّفقون على أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشَّرَ به ، وأعلم أصحابه بأنّه سيظهره اللّه سبحانه وتعالى في آخر الزمان ، وقد أخرج أحاديث المهدي عليه‌السلام كلّ من الشيعة والسنّة وفي صحاحهم ومسانيدهم.

وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدّت به في كلّ أبحاث الكتاب لا أستدلّ إلاّ بما هو ثابت وصحيح عن أهل السنّة والجماعة.

__________________

١ ـ كالشهيد محمّد باقر الصدر في كتابه « بحث حول المهدي » ( المؤلّف ).

٤١٨

فقد جاء في سنن أبي داود (١) : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ».

وجاء في سنن ابن ماجة (٢) :

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً شديداً ، وتطريداً ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون ، فيعطون ماسألوا : فلا يقبلونه ، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً ».

وقال ابن ماجة في سننه : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي منّا أهل البيت ، المهدي من ولد فاطمة » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يكون في أُمّتي المهدي ، إن قصر فسبع ، وإلاّ فتسع ، تنعم فيها أُمّتي نعمة لن تنعم مثلها قط ؛ تأتي أُكلها ولا تدّخر منه

__________________

١ ـ سنن أبي داود ٤ : ٨٧ ح ٤٢٨٢ كتاب المهدي ، المعجم الأوسط ٢ : ٥٥ ، والكبير ١٠ : ١٣٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٤٣٨ ح ٧٤٩٠ ، الدر المنثور ٦ : ٥٨.

٢ ـ سنن ابن ماجة ٢ : ٥٢٩ ح ٤٠٨٢ ، ونحوه في المستدرك للحاكم ٤ : ٤٦٤ ، والمعجم الأوسط ٦ : ٢٩.

٣ ـ المصدر نفسه ٢ : ٥٣١ ح ٤٠٨٥ و ٤٠٨٦.

٤١٩

شيئاً ، والمال يومئذ كدوس ، فيقوم الرجل فيقول : يامهدي أعطيني ، فيقول : خذ » (١).

وجاء في صحيح الترمذي : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، ولم لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يلي » (٢).

وقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (٣).

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (٤) : قال : حدّثنا بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ، أن أبا هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ».

وقال صاحب غاية المأمول : « اشتهر بين العلماء سلفاً وخلفاً أنّه

__________________

١ ـ المصدر نفسه ٢ : ٥٣٠ ح ٤٠٨٣ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٥٥٨ ، مجمع الزوائد ٧ : ٣١٧ وقال : « رجاله ثقات ».

٢ ـ سنن للترمذي ٣ : ٣٤٣ ح ٢٣٣٢ ، وعنه في كنز العمال ١٤ : ٢٦٤ ح ٣٨٦٦١.

٣ ـ المصدر نفسه ٣ : ٣٤٣ ح ٢٣١٣ ، مسند أحمد ١ : ٣٧٧.

٤ ـ صحيح البخاري ٤ : ١٤٣ ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب نزول عيسى بن مريم.

٤٢٠