لأكون مع الصّادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصّادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-15-3
الصفحات: ٤٥٥

٦ ـ كما أخرج الإمام أحمد من طريق البرّاء بن عازب من طريقين ، قال : كنّا مع رسول اللّه ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين ، فصلّى الظهر وأخذ بيد عليّ ، فقال : « ألستم تعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قالوا : بلى ، قال : « ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ » قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد عليّ فقال : « من كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، قال : فلقيَهُ عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يابن أبي طالب أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (١).

__________________

وأمّا ابن حجر العسقلاني فأيضاً في تهذيب التهذيب ٣ : ٣٥٠ اقتصر على نقل تضعيف أبي حاتم وتوثيق ابن حبّان ولم يضف عليها شيئاً.

نعم ، في تقريب التهذيب ١ : ٣٢٧ حكم بضعفه ، إلاّ أنّ هذا التضعيف لا يمكن الأخذ به ، لنفس الكلام المتقدّم حول تضعيف الذهبي ، ولشيء آخر وهو : إنّ ابن حجر يعتمد على الذهبي كثيراً في المسائل الرجالية ، وعليه فالحديث صحيح لاغبار عليه ولا يمكن الطعن فيه ، مهما حاول أعداء أهل البيت ذلك.

وحديث الغدير من الأحاديث الثابتة التي لا يطعن فيها ، بل هو متواتر قال العلاّمة أحمد شاكر محقّق مسند أحمد ١ : ٥٦ : « وأمّا متن الحديث [ أي حديث الغدير ] فإنّه صحيح ، ورد عن طرق كثيرة ، ذكر المناوي في شرح الجامع الصغير في الحديث ٩٠٠ عن السيوطي أنّه قال : حديث متواتر ... ».

١ ـ مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ، وصرّح محقق الكتاب بصحة الحديث ، وانظر المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٠٣ ح ٥٥.

١٢١

وباختصار ، فقد روى حديث الغدير من أعلام أهل السنّة زيادة عمّن ذكرنا : الترمذي ، وابن ماجة ، وابن عساكر ، وأبو نعيم ، وابن الأثير ، والخوارزمي ، والسيوطي ، وابن حجر ، والهيثمي ، وابن الصباغ المالكي ، والقندوزي الحنفي ، وابن المغازلي ، وابن كثير ، والحمويني ، والحسكاني ، والغزالي ، والبخاري في تاريخه.

على أنّ العلاّمة الأميني صاحب كتاب الغدير ذكر من علماء أهل السنّه والجماعة الذين رووا حديث الغدير وأخرجوه في كتبهم على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم في القرن الأوّل للهجرة وحتى القرن الرابع عشر ، فكان عددهم يزيد عن ثلاثمائة وستّين عالماً ، ولمن أراد التحقيق فعليه بمراجعة كتاب الغدير (١).

أفيمكن بعد كلّ هذا أن يقول قائل بأنّ حديث الغدير هو من مختلقات الشيعة.

والعجب الغريب أنّ أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث الغدير لا يعرفه ، أو قل لمْ يسمع به! والأعجب من هذا كيف يدّعي علماء أهل السنّة بعد هذا الحديث المجمع على صحّته بأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف وترك الأمر شورى بين المسلمين؟!

__________________

١ ـ كتاب الغدير للعلاّمة الأميني في أحد عشر مجلداً ، وهو كتاب قيّم جمع فيه صاحبه كلّ ما يتعلّق بحديث الغدير من كتب أهل السنّة والجماعة ( المؤلّف ).

١٢٢

فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد اللّه؟

وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرتُ له حديث الغدير ، محتجّاً به على خلافة الإمام عليّ ، فاعترف بصحّته ، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألّفه بنفسه ، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصحّحه ويقول بعد ذلك : « وتزعم الشيعة بأنّ هذا الحديث هو نصّ على خلافة سيّدنا عليّ كرّم اللّه وجهه ، وهو باطل عند أهل السنّة والجماعة ، لأنّه يتنافى مع خلافة سيّدنا أبي بكر الصديق ، وسيّدنا عمر الفاروق ، وسيّدنا عثمان ذي النورين ، فلابدّ من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحبّ والناصر ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم ، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام رضي اللّه تعالى عليهم أجمعين ، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين ، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث؛ لأنّهم لايعترفون بخلافة الخلفاء ، ويطعنون في صحابة الرسول ، وهذا وحده كاف لردّ أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم. انتهى كلامه في الكتاب.

سألته : هل الحادثة وقعتْ بالفعل في غدير خم؟

أجاب : لو لم تكن وقعتْ ما كان ليرويها العلماء والمحدّثون!

قلتُ : فهل يليق برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمع أصحابه في حرّ

١٢٣

الشمس المحرقة ، ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم بأنّ علي محبّكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟

أجاب : إنّ بعض الصحابة اشتكى عليَّاً ، وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه ، فأراد الرسول أن يزيل حقدهم فقال لهم بأنّ علياً محبّكم وناصركم ، لكي يحبّوه ولا يبغضوه (١).

قلتُ : هذا لا يتطلّب إيقافهم جميعاً والصلاة بهم ، وبدأ الخطبة بقوله : « ألستُ أولى بكم من أنفسكم » لتوضيح معنى المولى ، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم عليّاً : إنّه محبّكم وناصركم ، وينتهي الأمر بدون أن يحبس في الشمس تلك الحشود الهائلة ، وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء ، فالعقل لا يقنع بذلك أبداً!

فقال : وهل العاقل يصدّق بأنّ مائة ألف صحابي لم يفهموا مافهمتَ أنتَ والشيعة؟

قلتُ :

أولاً : لم يكن يسكن المدينة المنوّرة إلاّ قليلٌ منهم.

وثانياً : إنّهم فهموا بالضبط مافهمتهُ أنا والشيعة ، ولذلك روى العلماء بأنّ أبا بكر وعمر كانا من المهنّئين لعلي بقولهم : بخ بخ لك

__________________

١ ـ قد تقدّم ذكر هذا الإشكال والإجابة عليه ، فراجع.

١٢٤

يا ابن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولى كل مؤمن.

قال : فلماذا لم يبايعوه إذاً بعد وفاة النبىّ ، أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبي؟ أستغفر اللّه من هذا القول.

قلتُ : إذا كان العلماء من أهل السنّة يشهدون في كتبهم بأنّ بعضهم ـ أعني من الصحابة ـ كانوا يخالفون أوامر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبحضرته (١) ، فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته ، وإذا كان أغلبهم يطعنُ في تأميره أُسامة بن زيد لصغر سنّه ، رغم أنّها سريّة محدودة ولمدّة قصيرة ، فكيف يقبلون تأمير عليّ على صغر سنّه ولمدّة الحياة ، وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهِدتَ أنتَ بنفسك بأنّ بعضهم كان يبغض علياً ويحقد عليه!!

أجابني متحرّجاً : لو كان الإمام عليّ كرّم اللّه وجهه ورضي اللّه عنه يعلَمُ أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه ما كان ليسكتَ عن حقّه ، وهو الشجاع الذي لا يخشى أحداً ويهابه كلّ الصحابة.

قلتُ : سيّدي هذا موضوع آخر لا أُريد الخوض فيه ، لأنّك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظاً عل كرامة السلف الصالح ، فكيف أقنعك بسكوت

__________________

١ ـ صحيح البخاري ومسلم ، إذ أخرجا عدّة مخالفات لهم ، كما في صلح الحديبية ، وكما في رزية يوم الخميس ، وغير ذلك كثير ( المؤلّف ).

١٢٥

الإمام عليّ ، أو باحتجاجه عليهم بحقّه في الخلافة؟

ابتسم الرجل قائلاً : أنا واللّه من الذين يفضّلون سيدنا علياً كرّم اللّه وجهه على غيره ، ولو كان الأمر بيدي لما قدّمتُ عليه أحداً من الصحابة ، لأنّه باب مدينة العلم ، وهو أسد اللّه الغالب ، ولكن مشيئة اللّه سبحانه ، هو الذي يقدّم من يشاء ويؤخّر من يشاء ، لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون.

ابتسمتُ بدوري له وقلتُ : وهذا أيضاً موضوع آخر يجرّنا للحديث عن القضاء والقدر ، وقد سبق لنا أن تحدّثنا فيه وبقي كلٌّ منّا على رأيه ، وإنّي لأعجب ياسيّدي لماذا كلّما تحدّثتُ مع عالم من علماء أهل السنّه وأفحمته بالحجّة سرعان ما يتهرّب من الموضوع إلى موضوع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده.

قال : وأنا باق على رأيي لا أغيّره.

ودّعته وانصرفتُ ، وبقيت أفكّرُ مليّاً لماذا لا أجد واحداً من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ، ويوقف الباب على رجله كما يقول المثل الشائع عندنا.

فالبعض يبدأ الحديث وعندما يجد نفسه عاجزاً عن إقامه الدليل على أقواله يتملّص بقوله : تلك أُمّة قد خلتْ لها ما كسبتْ ولكم ما كسبتم ، والبعض يقول : مالنا ولإثاره الفتن والأحقاد فالمهم أنّ السنّة

١٢٦

والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي ، والبعض يقول بإيجاز : يا أخي اتق اللّه في الصحابة.

فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي ، وإنارة السبيل ، والرجوع للحقّ الذي ليس بعده إلاّ الضلال؟

وأين هؤلاء من أُسلوب القرآن الذي يدعو الناس لإقامه الدليل : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) ، مع العلم بأنّهم لو يتوقّفون عن طعنهم وتهجّمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتّى بالتي هي أحسن.

[ ٣ ] ـ آية إكمال الدين تتعلّق أيضاً بالخلافة :

قوله سبحانه وتعالى : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) (٢).

يجمع الشيعة على نزولها بغدير خم بعد تنصيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ خليفة للمسلمين ، وذلك رواية عن أئمة العترة الطاهرة ، وبذلك تراهم يعدّون الإمامة من أُصول الدين.

ورغم أنّ الكثير من علمائنا يروون نزولها في غدير خم بعد

__________________

١ ـ البقرة : ١١١.

٢ ـ المائدة : ٣.

١٢٧

تنصيب الإمام عليّ ، أذكر منهم على سبيل المثال :

١ ـ تاريخ دمشق لابن عساكر ٢ : ٧٥.

٢ ـ مناقب علي أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : ١٩.

٣ ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٨ : ٢٩٠.

٤ ـ الإتقان للسيوطي ١ : ٣١.

٥ ـ المناقب للخوارزمي الحنفي : ٨٠.

٦ ـ تذكره الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٠.

٧ ـ تفسير ابن كثير ٢ : ١٤.

٨ ـ روح المعاني للآلوسي ٦ : ٥٥ (١).

٩ ـ البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ٥ : ٢١٣ (٢).

__________________

١ ـ نسب الآلوسي رواية أبي سعيد الخدري في نزولها في غدير خم إلى الشيعة وقال : « إنّ هذا من مفترياتهم ، وركاكة الخبر شاهدة على ذلك ».

ولكن لا مجال لقبول قوله بعد ما عرفت روايتها عند مصادر أهل السنّة من طرق متعدّدة ليس فيها أبو سعيد الخدري ، فليست الرواية من مفتريات الشيعة ، ولا ركاكة فيها حسب ما يزعم ، فإنّها خالية عن أيّ تعقيد وغموض وتكلّف في البيان ، حالها حال سائر الروايات الصحيحة الواردة عندهم ، وبإمكان أيّ شخص ردّ أيّ خبر لا يهواه بهذه الطريقة غير العلمية.

٢ ـ روى ابن كثير نزولها في غدير خم عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، وقال : « إنّه حديث منكر جداً ،

١٢٨

١٠ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ٣ : ١٩.

١١ ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ١١٥.

١٢ ـ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ١ : ١٥٧ (١).

أقول : رغم ذلك لابدّ لعلماء أهل السنّة من صرف هذه الآية إلى مناسبة أخرى ، وذلك للحفاظ على كرامة السلف الصالح من الصحابة ، وإلاّ لو سلّموا بنزولها في غدير خمّ لاعترفوا ضمنياً بأنّ

__________________

بل كذب ، لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت يوم الجمعة يوم عرفة ... ».

ويرد عليه أولا : إنّ رجال الحديث الذي رواه كلّهم ممن روى عنه أصحاب الصحاح عند أهل السنّة ، فسنده صحيح لا غبار عليه ، كما حقّقه العلاّمة الأميني في الغدير ١ : ٦٩٤ ، فراجع.

ثانياً : إنّ معارضته بما ورد عن عمر من نزولها بعرفة لا يجعل الحديث منكراً أو كذباً ، ولا أدري بأيّ مرجّح رجّح أحد الصحيحين على الآخر.

ولو سلّمنا ـ جدلا ـ نزولها بعرفة ، لكن قد تكون من الآيات التي نزلت مرّتين ، كما ذهب إلى ذلك سبط ابن الجوزي في تذكرته : ٣٠.

١ ـ وممّن روى نزولها في غدير خم كما ذكرهم العلاّمة الأميني في الغدير ١ : ٤٤٧ : الطبري في كتاب الولاية ، والحافظ ابن مردويه ، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب ما نزل من القرآن في عليّ ، والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتاب الولاية ، وأبو الفتح النطنزي في كتاب الخصائص العلوية ، وشيخ الإسلام الحمّوئي الحنفي في فرائد السمطين في الباب الثاني عشر ، والبدخشي في مفتاح النجا.

١٢٩

ولاية علي بن أبي طالب هي التي أكمل اللّه بها الدين وأتمّ بها على المسلمين نعمته ، ولتبخّرت خلافة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه ، ولتزعزعت عدالة الصحابة ، ولذابت أحاديث كثيرة مشهورة كما يذوب الملح بالماء.

وهذا أمر مستحيل وخطبٌ فادحٌ! لأنه يتعلّق بعقيدة أُمّة كبيرة لها تاريخها وعلماؤها وأمجادها ، فلا يمكن لنا تكذيب أمثال البخاري ومسلم الذين يروون بأنّ الآية إنّما نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة.

وبمثل ذلك تصبح الروايات الأُولى مجرّد خرافات شيعيّة لا أساس لها من الصحّة ، ويصبح الطعن على الشيعة أولى من الطعن على الصحابة ، فهؤلاء معصومون عن الخطأ (١) ولا يمكن لأيّ إنسان أن ينتقد أفعالهم وأقوالهم ، أمّا أولئك الشيعة فهم مجوس ، كفّار ، زنادقة وملحدون ، ومؤسّس مذهبهم هو عبداللّه بن سبأ (٢) ، وهو

__________________

١ ـ لأنّهم يعتقدون بأنّ الصحابة كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ( المؤلّف ).

٢ ـ اقرأ كتاب عبداللّه بن سبأ للعلاّمة العسكري لتعرف بأنّه لا وجود له ، وهو من مختلقات سيف بن عمر التميمي المشهور بالوضع والكذب ، واقرأ كتاب الفتنه الكبرى لطه حسين ، وإن شئت فاقرأ كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفى كامل الشيبي لتعرف بأن عبداللّه بن سبأ هذا ليس غير سيّدنا عمار بن ياسر رضي اللّه تعالى عنه ( المؤلّف ).

١٣٠

يهودي أسلم في عهد عثمان ليكيد للمسلمين وللإسلام.

وهذا أسهل بكثير للتمويه على الأُمة التي تربّت على تقديس واحترام الصحابة .. ـ أي صحابي كان ولو شاهد النبي مرّة واحدة ـ.

وأنّى لنا أن نقنعهم بأنّ تلك الروايات ليست خرافات شيعية ، وإنّما هي من أحاديث الأئمة .. الاثني عشر الذين نصّ رسول اللّه على إمامتهم ، الذين نجحت الحكومات الإسلامية في القرن الأوّل في غرس حبّ واحترام الصحابة مقابل التنفير من عليّ وبنيه ، حتى لعنتهم على المنابر ، وتتبّعت شيعتهم بالقتل والتشريد ، فنشأ من ذلك بغض وكراهية لكلّ الشيعة ، لما روّجتْهُ وسائل الإعلام في عهد معاوية من إشاعات وخزعبلات وعقائد فاسدة ضدّ الشيعة ، وهم ـ الحزب المعارض ـ كما يسمّى عندنا اليوم ، لعزلهم والقضاء عليهم.

ولذلك نجد حتّى الكُتاب والمؤرّخين في تلك العصور يسمّونهم الروافض ، ويكفّرونهم ويستبيحون دماءهم تزلّفاً للحكّام.

ولمّا انقرضت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العبّاسية ، نسج بعض المؤرّخين على منوالهم ، وعرف البعض حقيقة أهل البيت (١) ، فحاول التوفيق والإنصاف ، فألحقَ علياً بالخلفاء الراشدين ، ولكن لم يجرأوا

__________________

١ ـ ذلك لأنّ الأئمة من أهل البيت فرضوا أنفسهم بأخلاقهم وعلومهم التي ملأت الخافقين وبزهدهم وتقواهم والكرامات التي حباهم الله بها ( المؤلّف ).

١٣١

على التصريح بأحقّيته ، ولذلك تراهم لا يخرجون في صحاحهم إلاّ النزر اليسير من فضائل علي ، والتي لا تتعارض مع خلافة الذين سبقوه.

والبعض منهم وضع كثيراً من الأحاديث في فضل أبي بكر وعمر وعثمان على لسان عليّ نفسه ، حتى يقطع بذلك ـ على زعمه ـ الطريق على الشيعة الذين يقولون بأفضليته.

واكتشفْتُ خلال البحث بأنّ شهرة الرجال وعظمتهم إنّما كانت تقدّر ببغضهم لعليّ بن أبي طالب ، فالأمويون والعباسيون كانوا يُقرّبون ويُعظّمون كل من حارب الإمام عليّ ، أو وقف ضدّه بالسيف أو باللسان ، فتراهم يرفعون بعض الصحابة ويضعون آخرين ، ويغدقون الأموال على بعض الشعراء ويقتلون آخرين ، ولعلّ عائشة أمّ المؤمنين لم تكن لتحظى بتلك المنزلة عندهم لولا بغضها (١)

__________________

١ ـ ورد في الطبقات لابن سعد ٢ : ١٧٩ باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قالت عائشة : ... فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين ابن عباس ـ تعني الفضل ـ ورجل آخر ، قال عبيد اللّه : فأخبرت ابن عباس بما قالت ، قال : فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة؟ قال : قلت : لا. قال ابن عباس : هو عليّ ، إنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخير ... ».

وأورده البخاري في صحيحه ( كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن

١٣٢

وحربها لعليّ.

ومن ذلك أيضاً تجد العباسيين يعلون من شأن البخاري ومسلم والإمام مالك؛ لأنّهم لم يخرجوا من فضائله إلاّ القليل ، بل نجد صراحة في هذه الكتب بأنّ عليّ بن أبي طالب لا فضل له ولا مزيّة.

فقد روى البخاري في صحيحه في ( باب مناقب عثمان ) عن ابن عمر قال : كنّا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نعدِلُ بأبي بكر أحداً ، ثم عُمرَ ، ثم عثمانَ ، ثم نترك أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نفاضل بينهم (١).

__________________

مع بتر ذيله.

وفي تاريخ الطبري ٣ : ١٨٩ : « لكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع ».

وفي مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني : ٥٤ : « أنّها لمّا سمعت بقتل عليّ سجدت ».

وفي الطبري ٥ : ١٥٠ والكامل لابن الأثير ٣ : ٣٩٤ : « أنّها لما سمعت بقتله قالت :

فألقت عصاها واستقرّت النوى كما قرّ عيناً بالإياب المسافر

فلمّا علمت باسم قاتله قالت :

فإن يك نائياً فلقد نعاه غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب ابنة أبي سلمة : ألعليّ تقولين هذا؟ فقالت : إنّي أنسى ، فإذا نسيت فذكروني ».

١ ـ كما روى البخاري في صحيحه ٤ : ١٩٥ رواية تُنسب إلى محمّد بن

١٣٣

فعلىّ عنده كسائر الناس ـ إقرأ واعجب ـ!!

كما أنّ في الأمّة فِرقاً أخرى ـ كالمعتزلة والخوارج وغيرهم ـ ممّن لا يقول بمقالة الشيعة ، ولأنّ إمامة علي وأولاده من بعده تقطع عليهم الطريق للوصول للخلافة ، والتحكّم في رقاب الناس ، والتلاعب بمصيرهم وممتلكاتهم ، كما فعل ذلك بنو أميّة وبنو العباس في عهد الصحابة ، وعهد التابعين وإلى يوم الناس هذا.

لأنّ حكّام العصر الذين وصلوا إلى الحكم ـ سواء بالوراثة كالملوك والسلاطين ، أو حتّى الرؤساء الذين انتخبتهم شعوبهم ـ لا يعجبهم هذا الاعتقاد ، أعني أن يعتقد المؤمنون بخلافة أهل البيت ، ويضحكون من هذه الفكرة التيوقراطية ، التي لا يقول بها إلاّ الشيعة ، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الشيعة قد بلغوا من سخافة العقل وسفاهة الرأي أنهم يعتقدون بإمامة المهدي المنتظر الذي سيملأ أرضهم قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً.

ونعود الآن لمناقشة أقوال الطرفين في هدوء وبدون تعصّب ، لنعرف ما هي المناسبة وما هو سبب نزول آية « إكمال الدين » ، حتّى

__________________

الحنفية : « قال : قلتُ لأبي : أىّ الناس خيرٌ بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : أبو بكر ، قلتُ : ثم مَنْ؟ قال : ثم عُمرُ ، وخشيتُ أنْ يقولَ عثمانُ ، قلتُ : ثم أنتَ؟ قالَ : ما أنا إلاّ رجلٌ من المسلمين » ( المؤلّف ).

١٣٤

يتضّح لنا الحقّ فنتبعه ، وما علينا بعد ذلك من رضى هؤلاء أو غضب أولئك مادمنا نتوخّى قبل كلّ شيء رضى اللّه سبحانه والنجاة من عذابه يوم لاينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم.

( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١).

مناقشة القول بأنّ الآية نزلت يوم عرفة

أخرج البخاري في صحيحه (٢) قال : حدّثنا محمّد بن يوسف ، حدّثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : إنّ أناساً من اليهود قالوا : لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فقال عمر : أَيَّةُ آية؟ فقالوا : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ).

فقال عمر : إنّي لأعلم أيّ مكان أُنزِلتْ ، أُنزِلتْ ورسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقفٌ بعرفة.

وأخرج ابن جرير عن عيسى بن حارثة الأنصاري ، قال : كنّا

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٦ ـ ١٠٧.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ : ١٢٧ ، كتاب المغازي ، باب ٧٩ في حجّة الوادع ، الدر المنثور ٢ : ٢٥٨ تفسير سورة المائدة ، الآية الثالثة.

١٣٥

جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام ، لقد أُنزِلتْ عليكم آية لو أُنزِلتْ علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعه عيداً ما بقي منّا اثنان ، وهي ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فلم يجبه أحد منّا ، فلقيتُ محمّد بن كعب القرطني فسألته عن ذلك ، فقال : ألا رددتم عليه؟ فقال عمر بن الخطاب : أنزلتْ على النبي وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة ، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين مابقي منهم أحد (١).

أوَّلاً : نلاحظ من خلال هذه الروايات أنّ المسلمين كانوا يجهلون تاريخ ذلك اليوم المشهود ولا يحتفلون به ، مّما دعا اليهود مرّة والنصارى أُخرى أن يقولوا لهم : لو أنّ هذه الآية فينا أُنزلت لاتخذنا يومها عيداً ، ممّا حدا بعمر بن الخطاب أن يسأل أيةُ آية؟ ولمّا قالوا : ( اليوم أكملتُ لكم دينكم ) قال : إنّي لأعلم أيّ مكان أُنزلتْ : أُنزلتْ ورسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقف بعرفة.

فإنّنا نشمّ رائحه الدسّ والتعتيم من خلال هذه الرواية ، وأن الذين وضعوا هذا الحديث على لسان عمر بن الخطاب في زمن البخاري أرادوا أن يوفّقوا بين آراء اليهود والنصارى في أنّ ذلك اليوم هو يوم عظيم يجب أنّ يكون عيداً ، وبين ما هم عليه من عدم الاحتفال بذلك

__________________

١ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ : ٢٥٨ سورة المائدة ، الآية الثالثة.

١٣٦

اليوم ، وعدم ذكره بالمرّة حتى تناسوه ، والمفروض أن يكون من أكبر الأعياد لدى المسلمين ، إذ أنّ اللّه سبحانه أكمل لهم فيه دينهم ، وأتمَّ فيه نعمته عليهم ، ورضي لهم الإسلام ديناً.

ولذلك ترى في الرواية الثانية قول الرواي ـ عندما قال له النصراني : يا أهل الإسلام ، لقد أُنزلت عليكم آية لو أُنزلتْ علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً مابقي منّا اثنان قال الرواي : فلم يُجبْهُ أحدٌ منّا؛ وذلك لجهلهم بتاريخ وموقف ذلك اليوم وعظمته ، ويبدو أنّ الراوي نفسه استغرب كيف يغفل المسلمون عن الاحتفال بمثل ذلك اليوم ، ولهذا نراه يلقى محمّد بن كعب القرطني فيسأله عن ذلك ، فيردّ هذا الأخير بأنّ عمر بن الخطاب روى أنّها أُنزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة.

فلو كان ذلك اليوم معروفاً لدى المسلمين على أنّه يوم عيد لما جهله هؤلاء الرواة ، سواء أكانوا من الصحابة أم من التابعين ، لأنّ الثابت المعروف لديهم أنّ للمسلمين عيدين اثنين ، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى ، حتّى أنّ العلماء والمحدّثينَ كالبخاري ومسلم وغيرهما ـ تراهم يخرجون في كتبهم : كتاب العيدين ، صلاة العيدين ، خطبة العيدين .. ، إلى غير ذلك من المتسالم عليه لدى خاصّتهم وعامّتهم ، ولا وجود لعيد ثالث.

١٣٧

وأغلبُ الظنّ أنّ القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة ومؤسّسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خمّ بعد تأمير الإمام عليّ ، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل على القائلين به؛ لأنّ يوم الغدير جمع مائة ألف حاج أو يزيدون ، وليس هناك مناسبة في حجّة الوداع أقرب إلى الغدير من يوم عرفة في المقارنة ، إذ أن الحجيج لم يجتمعوا على صعيد واحد إلاّ فيهما ، فالمعروف أن الناس يكونون متفرّقين جماعات وأشتاتاً في كلّ أيام الحجّ ، ولا يجتمعون في موقف واحد إلاّ في عرفة.

ولذلك نرى أنّ القائلين بنزولها يوم عرفة يقولون بنزولها مباشرة بعد خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهيرة والتي أخرجها المحدّثون.

وإذا كان النص بالخلافة على عليّ بن أبي طالب قد صرفوه عن حقيقته وباغتوا الناس ـ بمن فيهم عليّاً نفسه والذين كانو منشغلين معه بتجهيز الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه ـ بالبيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة على حين غفلة ، وضربوا بنصوص الغدير عرض الجدار ، وجعلوه نسياً منْسيَّاً ، فهل يمكن لأيّ أحد بعد الذي وقع أن يحتجّ بنزول الآية يوم الغدير؟

فليست الآية أوضح في مفهومها من حديث « الولاية » ، وإنّما تحمل في معناها إكمال الدين ، وإتمام النعمّة ورضى الربّ ليس إلاّ ،

١٣٨

وإن كانت تنطوي على إشعار بحصول هنات لهم في ذلك اليوم هو الذي سبب كمال الدين.

ومّما يزيدنا يقيناً بصحة هذا الاعتقاد : ما رواه ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال : قال كعب : لو أنّ غير هذه الأُمّة نزلتْ عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أُنزلتْ فيه عليهم فاتّخدوه عيداً يجتمعون فيه ، فقال عمر : وأيّ آية ياكعب؟ فقال : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فقال عمر : لقد علمتُ اليوم الذي أُنزلتْ والمكان الذي نزلتْ فيه ، نزلتْ في يوم جمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد اللّه لنا عيد (١).

ثانياً : على أنّ القول بنزول الآية : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في يوم عرفة يتنافى مع آية البلاغ : ( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) والتي تأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإبلاغ أمر مهمّ لا تتمّ الرسالة إلاّ به ، والتي سبق البحث وتبينّ نزولها بين مكة والمدينة بعد حجّة الوداع ، وهو مارواه أكثر من مائة وعشرين صحابياً ، وأكثر من ثلاثمائة وستّين من علماء أهل السنّة والجماعة (٢) ، فكيف يكمل اللّه الدين

__________________

١ ـ الدر المنثور للسيوطي ، في تفسير الآية ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، سورة المائدة.

٢ ـ ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ آية البلاغ وحديث الغدير وآية الاكمال سبب

١٣٩

ويتمّ النعمة في يوم عرفه ، ثمّ بعد أسبوع يأمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو راجع إلى المدينة بإبلاغ شيء مهم لا تتمّ الرسالة إلاّ به ، كيف يصحّ ذلك يا أُولي الألباب؟!

ثالثاً : إنّ الباحث المدقّق إذا أمعن في النظر في خطبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

نزولهن أمرٌ واحد ، وهو أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ الناس الولاية لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأن فصل الرواة والمحدّثين بينها لأجل الاختصار أو تقطيع الأخبار أو غير ذلك من الأسباب ، ومن هذا الباب جاء كلام المؤلّف حول عدد رواة آية البلاغ ، لأنه نظر إلى مجموع القضايا الثلاث كقضية واحدة كما هي في واقعها.

ومن هذا يعرف أنّ ما أشكل به صاحب كتاب كشف الجاني : ١٥٤ ناشئ من عدم فهم كلام المؤلّف ، والنظر إلى حادثة الغدير وآية البلاغ والإكمال كقضايا متعدّدة لا يرتبط بعضها ببعض ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، كما هو واضح لمن يرجع إلى الروايات وأسباب نزول الآيات.

أضف إلى ذلك أنّ كلام المؤلّف في آية البلاغ وليس في آية الإكمال ـ بناءً على الفصل بينهما ـ فلا وجه للخلط بين الأمرين.

وأمّا ما ذكره في الحاشية من أنّ كتاب الغدير كتاب تكرار وبدون فائدة ، فهو كلام مضحك للثكلى وناشئ عن التعصب المقيت والمذموم؛ إذ أنّ موسوعة الغدير قام مؤلّفها بجمع طرق رواة الحديث ، واعتمد في ذلك على مصادر أهل السنّة المعتبرة ، فيكف يكون مثل هذا العمل تكراراً وبلا فائدة؟!

اللهمّ إلاّ أن تكون المصادر السنيّة التي ذكرها صاحب الغدير مصادر غير معتبرة ولا قيمة لها ، وبذلك يكون عثمان الخميس قد طعن بمصادره المعتبرة التي يعتمد عليها في عقيدته وشرعه.

١٤٠