لأكون مع الصّادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصّادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


المحقق: مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-15-3
الصفحات: ٤٥٥

__________________

من الأحاديث النبويّة الصحيحة التي تبيّن حقيقته وتكشف هويته ، وردت على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق أهل السنّة :

١ ـ حديث : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ».

رواه ابن حبان في كتابه المجروحين ٢ : ١٧٢ قال : أخبرنا الطبري عن محمّد ابن صالح ، ثنا عباد بن يعقوب الرواجني عن شريك بن عاصم ، عن زر عن عبد اللّه بن مسعود.

وسند الحديث حسن ، فعباد بن يعقوب الرواجني ثقة شيعي ، وشريك صدوق ، وعاصم صدوق ، وزر بن حبيش فثقة جليل ، وعبد اللّه بن مسعود صحابي.

وفي الكامل لابن عدي ٦ : ١١٢ قال : حدّثنا على بن سعيد ، حدّثنا الحسين ابن عيسى الرازي ، حدّثنا سلمة بن الفضل ثنا محمّد بن إسحاق ، عن محمّد ابن إبراهيم التيمي ، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا رأيتم فلاناً على المنبر فاقتلوه ».

والإسناد صحيح رجاله ثقات ، فشيخ ابن عدي وهو علي بن سعيد فهو ثقة ثبت. وابن عدي من المتثبتين في الأخذ ، والحسين بن عيسى الرازي فهو صدوق ، كما ذكر ذلك الرازي في الجرح والتعديل ٣ : ٦٨. وأما سلمة بن الفضل الأبرش فهو صدوق قال عنه ابن جرير : ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة بن الفضل.

ومحمّد بن إسحاق صدوق وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة.

ومحمّد بن إبراهيم التيمي فهو ثقة ، وشيخه أبو أُمامة بن سهل بن حنيف فهو معدود من الصحابة ، فالحديث صحيح.

٣٤١

__________________

وغير هذين الإسنادين الصحيحين توجد هناك متابعات تشهد لهما وعليه فالحديث صحيح ويكون معاوية على قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستحقاً للقتل عند إستيلائه دفّة الحكم وزمام أمر المسلمين.

٢ ـ حديث : « لا أشبع اللّه بطنه ».

فقد روى مسلم في صحيحه ٤ : ٢٠١٠ بإسناده عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فصحأني صحأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال فجئت فقلت : هو يأكل!

قال : ثمّ قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل! فقال : « لا أشبع اللّه بطنه ».

قال ابن كثير في البداية والنهاية ٦ : ١٨٩ ـ بعد أن ذكر الخبر ـ : ( قلت : وقد كان معاوية ... لا يشبع بعدها ، ورافقته هذه الدعوة في أيام إمارته ، فيقال : إنّه كان يأكل في اليوم سبع مرّات طعاماً بلحم ، وكان يقول : واللّه لا أشبع وإنّما أعيى ).

وقال البلاذري في فتوح البلدان ٣ : ٨٥٣ بعد أن ذكر الحديث : ( فكان يقول : لحقتني دعوة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل ).

وقد حاول محبّي معاوية من النواصب جعل الحديث منقبة له ، ولكن الذهبي ـ وهو من محبّي معاوية ومن المدرسة الشامية ـ ردّ علهيم قولتهم هذه ، فقال في سير أعلام النبلاء بعد أن ذكر الحديث ٣ : ١٢٣ : ( فسّره بعض المحبيّن قال : لا أشبع اللّه بطنه حتى لا يكون ممّن يجوع يوم القيامة؛ لأنّ الخبر عنه أنّه قال : ( أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة )!

٣٤٢

__________________

قلت [ يعني الذهبي ] : هذا ما صحّ والتأويل ركيك ).

٣ ـ حديث : « لعن اللّه الراكب والقائد والسائق ».

روى البزار في مسنده ٩ : ٢٨٦ : حدّثنا السكن بن سعيد ، قال : حدّثنا عبد الصمد ، قال : حدّثنا أبي ، وحدّثناه حمّاد بن سلمة ، عن سعيد بن جهمان ، عن سفينة أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالساً فمرّ رجل على بعير وبين يديه قائد وخلفه سائق فقال : « لعن اللّه القائد والسائق والراكب ».

وسند الحديث صحيح. أما سفينة فهو صحابي ثقة ( تهذيب الكمال ٧ : ٣٨٧ ) ، وسعيد بن جهمان فهو ثقة روى له الأربعة ( تهذيب الكمال ٧ : ١٥٥ ) ، وحمّاد بن سلمة ثقة ( تهذيب الكمال ٥ : ١٧٥ ).

وعبد الصمد بن عبد الوارث ثقة ( تهذيب الكمال ١١ : ٤٧٥ ).

وقد صرّح الهيثمي في مجمع الزوائد ١ : ١٤٨ بوثاقة رجال السند.

ورى الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ٧١ قال : ( حدّثنا يحيى بن زكريا الساجي ، ثنا محمّد بن بشار بندار ، ثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، ثنا عمران بن حدير ، أظنّه عن أبي مجلز قال : قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : إنّ الحسن بن علي عيي ، وإنّ له كلاماً ورأياً ، وإنّه قد علمنا كلامه فيتكلم كلاماً فلا يجد كلاماً!

فقال : لا تفعلوا ، فأبوا عليه ، فصعد عمرو المنبر ، فذكر علياً ووقع فيه! ثمّ صعد المغيرة بن شعبة المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ وقع في علي ( رضي الله عنه ) ثمّ قيل للحسن بن علي : اصعد! فقال : لا أصعد ولا أتكلّم حتى تعطوني إن قلت حقّاً أن تصدّقوني ، وإنّ قلت باطلا أن تكذّبوني! فأعطوه ، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه فقال : ياللّه يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول

٣٤٣

__________________

اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لعن اللّه السائق والراكب » ـ يعني أبي سفيان ومعاوية كما سيتضح ـ أحدهما فلان [ معاوية ]؟ قالا : اللهمّ بلى.

قال : أنشدك يا معاوية وأنت يا مغيرة : أتعلمان أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن عمراً بكل قافية قالها لعنة؟

قالا : اللهمّ بلى!

قال : أنشدك اللّه يا عمرو وأنت يا معاوية بن أبي سفيان : أتعلمان أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن قوم هذا [ أشار إلى المغيرة ]؟

قالا : بلى .. ).

وسند الحديث رواته ثقات :

فزكريا بن يحيى الساجى ثقة ورجالي كبير ( الجرح والتعديل ٣ : ٥٣٤ ).

ومحمّد بن بشّار بندار ثقة ( تهذيب الكمال ٢٤ : ٥١٠ ).

وعبد الملك بن الصباح المسمعي ثقة ( تهذيب الكمال ١٨ : ٣٣١ ).

وعمران بن حدير ثقة ( تهذيب الكمال ٢٢ : ٣١٣ ).

والحديث إسناده صحيح ، وبيّن الإمام الحسن عليه‌السلام فيه أنّ معاوية ملعون هو وأبيه ، وأشهد على ذلك عمرو والمغيرة ، وقد شهدا ، ثمّ بيّن أنّ عمراً ملعون على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشهد على ذلك معاوية والمغيرة ، وقد شهدا ، ثمّ بيّن أنّ المغيرة ملعون على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأشهد على ذلك معاوية وعمراً ، وقد شهدا.

وهناك روايات أُخرى في لعن معاوية وأبيه على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الصحيح والذي يصح للمتابعة.

٤ ـ حديث : « يموت على غير ملّتي ».

٣٤٤

__________________

أخرج الحافظ أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف قال : حدّثني إسحاق ، قال حدّثني عبد الرزاق بن همام ، أنبأنا معمّر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال : كنت جالساً عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يموت يوم يموت على غير ملّتي » قال : وتركت أبي يلبس ثيابه ، فخشيت أن يطلع ، فطلع معاوية ».

وهذا الحديث صحيح الإسناد لأنّ رجاله كلهم ثقات.

فإسحاق بن أبي إسرائيل ثقة ( تهذيب الكمال ٢ : ٢٢٦ ).

وعبد الرزاق الصنعاني ثقة ( تهذيب الكمال ١١ : ٤٤٧ ).

ومعمّر بن راشد ثقة ( تهذيب الكمال ١٨ : ٢٦٨ ).

وعبد اللّه بن طاووس ثقة ( الجرح والتعديل ٥ : ١٠٥ ).

وطاووس بن كيسان ثقة ( تهذيب الكمال ٩ : ٢١٣ ).

وقد روى البلاذري الحديث بسند آخر : عن عبد اللّه بن صالح ، حدثني يحيى بن آدم عن شريك ، عن ليث ، عن طاووس ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال : وذكر الحديث ... ».

قال العلاّمة المحدّث الشريف محمّد المكّي بن عزوز المغربي ( رحمه الله ) : ( الحديث الأوّل [ الذي جعلناه ثان ] رجاله كلّهم رجال الصحيح حتّى ليث فمن رجال مسلم ، وهو ابن أبي سليم ، وإنّ تكلّم فيه لاختلال وقع له في آخر أمره ، فقد وثّقه ابن معين وغيره ، كما أفاد الشوكاني.

على أنّ الوهم يرتفع بالسند الثاني [ الذي جعلناه الأوّل ] الذي هو حدّثني إسحاق الخ ؛ لأن الراوي فيه عن طاووس عبد اللّه ابنه لا ليث ، والسند متين والحمد للّه ) نقلا عن كتاب تقوية الإيمان لابن عقيل الشافعي : ١٣٨.

٣٤٥

__________________

وقد رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٥: ٢٤٣ بسند صحيح لكن لم يذكر الاسم.

والاسم يتّضح من خلال رواية البلاذري المتقدّمة; لأنّ المتن واحد كما هو واضح لمن يراجع.

وقد ورد الحديث بلفظ: (يموت على غير سنّتي) في كتاب وقعة صفين لنصر ابن مزاحم المنقري ص ٢٢٠.

وممّا يشهد لذلك ما أخرجه الألباني في صحيحته ٤: ٣٢٩ ح ١٧٤٩: "أوّل من يغيّر سنّتي رجل من بني أُميّة" قال: (قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر وهو ابن مخلد أو مخلد ...).

ثمّ حاول تأويل الحديث بشيء بعيد عنه فقال: (ولعلّ المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة ..).

وهو تأويل بعيد بعد ملاحظة الأحاديث الأُخرى وضمّ بعضها إلى بعض، حيث تنتج أنّ معاوية يغيّر السنّة النبوية عموماً لا خصوص نظام الحكم. وقد غيّر معاوية سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من منازعة الأمر أهله كحربه لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتله لعمّار بن ياسر الذي وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قتلته بأنّهم فئة باغية، وقتله الصالحين كحجر بن عدي وأصحابه، وسنّ سبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر، وكترك التلبية في يوم عرفة بغضاً لعلي بن أبي طالب وحباً في مخالفته كما أخرج ذلك النسائي في سننه ٥: ٢٥٣ بشرح السيوطي، وغير ذلك من المخالفات الصريحة للسنة النبوية المطهرة، فلا وجه لتخصيص التغيير بنظام الحكم دون غيره!

وهذا التأويل ينسجم مع نفسية الشيخ الألباني الشامية، فهو دمشقي ودمشق

٣٤٦

يزيد ، وابن زياد ، والحجّاج ، وعبدالملك بن مروان وأضرابهم ، ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملاً ، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل السنّة والجماعة كاف بحمد اللّه.

ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصّة طريفة وقعتْ لي شخصيّاً مع عالم من علماء أهل السنّة التقينا في الطائرة ، وكنّا من المدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا ، وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة ، وكان من دعاة الوحدة ، وأُعجبت به ، غير أنّه ساءني قوله بأنّ على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسببُ اختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض ، وسألتُه : مثل ماذا؟ وأجاب على الفور : مثل المتعة والتقيّة.

وحاولتُ جهدي إقناعه بأنّ المتعة هي زواج مشروع والتقيّة رخصة من اللّه ، ولكنّه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلّتي ، مدّعياً أنّ ما أوردتُه كلّه صحيح ، ولكن يجبُ تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين.

__________________

عاصمة النصب، أسّسها معاوية بن أبي سفيان على ذلك، وبقيت آثارها إلى يومنا هذا، فنشأ المحدث فيها وفيه نصب واضح من الدفاع عن بني أُميّة ومحاولة التنقيص من أهل البيت (عليهم السلام)، وارجع إلى محدّثي الشام كابن تيمية الحراني، والذهبي، وابن كثير، وابن القيّم، والألباني وغيرهم تجد ما ذكرناه واضحاً لا يخفى على أحد.

٣٤٧

واستغربتُ منه هذا المنطق الذي يأمرُ بترك أحكام اللّه من أجل وحدة المسلمين ، وقلتُ له مجاملة : لو توقّفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أوّل من أجاب.

ونزلنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه ، ولمّا تقدّمنا إلى شرطة المطار سُئل عن سبب قدومه إلى بريطانيا؟ فأجابهم بأنّه جاء للمعالجة ، وادّعيت أنا بأنّي جئت لزيارة بعض أصدقائي ، ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلى قاعة استلام الحقائب ، عند ذلك همستُ له : أرأيت كيف أنّ التقيّة صالحة في كلّ زمان؟ قال : كيف؟ قلت : لأنّنا كذبنا على الشرطة ، أنا بقولي : جئت لزيارة أصدقائي ، وأنت بقولك : جئت للعلاج ، في حين أننا قدمنا للمؤتمر.

ابتسم وعرفَ بأنّه كذبَ على مسمع منّي ، فقال : أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا؟ ضحكت قائلا : أو ليس فيها زيارة لإخواننا؟

أعود إلى الموضوع فأقول : بأنّ التقيّة ليست كما يدّعي أهل السنّة بأنّها ضرب من النفاق ، فالعكس هو الصحيح؛ لأنّ النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر ، بينما التقيّة هي إظهار الكفر وكتمان الإيمان ، وشتان ما بين الموقفين ، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى :

٣٤٨

( وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) (١) فهذا يعني إيمان ظاهر + كفر باطن = نفاق.

أمّا الموقف الثاني أعني التقيّة التي قال في شأنها سبحانه وتعالى :

( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْـتُمُ إيمَانَهُ ) (٢) فهذا يعني كفرٌ ظاهر + إيمان باطن = تقيّة.

فإنّ مؤمن من آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ، ولا يعلم به إلاّ اللّه ، ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنّه على دين فرعون ، وقد ذكره اللّه في محكم كتابه تعظيماً لقدرِه.

وتعال معي الآن أيها القارئ الكريم لتعرف قول الشيعة في التقيّة حتى لا تغتّر بما يقالُ فيهم كذباً وبهتاناً.

يقول الشيخ محمّد رضا المظفّر في كتابه ( عقائد الإماميّة ) ما هذا نصّه :

« وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر ، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة ، وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز أو يجب

__________________

١ ـ البقرة : ١٤.

٢ ـ غافر : ٢٨.

٣٤٩

خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحقّ والتظاهر به نصرةً للدينِ وخدمةً للإسلامِ وجهاد في سبيله ، فإنّه عند ذلك يستهانُ بالأموال ولا تعزّ النفوس ، وقد تحرم التقيّة في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم ، أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كلّ حال ليس معنى التقيّة عند الإماميّة أنّها تجعل منهم جمعية سرّية لغاية الهدم والتخريب ، كما يريد أن يصورّها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الأُمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين وأحكامه سرّاً من الأسرار لايجوز أن يُذاع بمن لايدين به ، كيف وكتب الإماميّة ومؤلّفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين ، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أيّ أُمّة تدين بدينها » (١). انتهى كلامه.

وأنت ترى أنّه ليس هناك نفاق ، ولا غش ، ولا دس ، ولا كذب ،

__________________

١ ـ عقائد الإمامية : ٣٤٤ ، تحقيق محمّد جواد الطريحي.

٣٥٠

ولا خداع كما يدّعيه أعْداؤهم (١).

__________________

١ ـ توهم بعض المتسلفين : في أنّ التقية إذا كانت جائزة وأنّ الأئمة عليهم‌السلام كانوا يؤمنون بها ويعملون عليها ، فعند ذلك كيف نعرف أنّ الكلام الذي صدر منهم والروايات التي صدرت عنهم ، صدرت عن جدٍّ ولم تصدر تقيةً وخوفاً؟!

ونجيب على هذا المتوهّم : بأنّ هذا الكلام يسقط إذا راجعنا تعريف التقيّة ، والشروط اللازم توفّرها لتحقيق موضوع التقيّة ، وبالتالي تكون جائزة ، فالتقيّة : هي إبراز خلاف ما يعتقده الإنسان عند الخوف أو الضرر الذي لا يتحمّل ، فهي بالتالي تجوز ضمن هذه الشروط ، ولا تجوز مطلقاً وفي أيّ حال من الأحوال ، وعنده نفهم أنّ التقيّة هي الحالة الشاذّة والنادرة في حياة الإنسان ، وأنّ الحياة الطبيعية ليس فيها تقيّة ، أو اضطرار لأن يبرز الإنسان خلاف معتقده ، بل مقتضى الطبع البشري أنّه مختار وعندما يتكلّم يكون كلامه عن قصد ومبرزاً لما يعتقده في قلبه حقّاً ، وأنّ الظلم والجور المؤدّي لأن يبرز الإنسان خلاف معتقده حال نادرة وفريدة في حياة الإنسان.

ومن هنا نعرف أنّ كلمات الأئمة ورواياتهم لم تكن كلها تقيّة ، بل هناك الواضح والعامّ منها صدر لبيان الواقع ومراد لهم ، لعدم توفّر شروط التقيّة حتى يكونوا مضطرّين للكلام بخلافه.

فما ذكره صاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية : ١٣٨ ناشئ عن عدم فهم التقيّة وحدودها الشرعيّة المسوغة لها.

٣٥١
٣٥٢

المتعة أو الزواج المؤقت

والمقصود بها نكاح المتعة ، أو الزواج المنقطع ، أو الزواج المؤقت إلى أجل مسمّى ، وهي كالزواج الدائم لا تصحّ إلاّ بعقد يشتمل على قبول وإيجاب ، كأن تقول المرأة للرجل : زوّجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدّة كذا ، فيقول الرجل : قبلت.

ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإماميّة كوجوب تعيين المهر والمدّة ، فيصح بكلّ ما يتراضى عليه الطرفان ، وكحرمة التمتع بذات محرم كما في الزواج الدائم.

وعلى المرأة المتمتّع بها أن تعتدّ بعد انتهاء الأجل بحيضتين ، وبأربعة أشهر وعشرة أيام في حالة وفاة زوجها.

وليس بين المتمتعين إرثٌ ولا نفقة ، فلا ترثه ولا يرثها (١) ، والولد

__________________

١ ـ مسألة إرث الزوجة المتمتع بها من المسائل الخلافية في المذهب الإمامي ، وليس هناك إجماع على عدم إرث المتمتع بها ، بل هناك آراء متعددة في مسألة ، قال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في أصل الشيعة وأصولها ٢٥٦ في معرض ردّه على الآلوسي : « عدم إرث المتمتع بها ممنوع ، فقيل :

٣٥٣

من الزواج المؤقّت كالولد من الزواج الدائم تماماً في حقوق الميراث والنفقة وكل الحقوق الأدبية والمادية ، ويلحق بأبيه.

هذه هي المتعة بشروطها وحدودها وهي كما ترى ليست من السفاح في شيء كما يدّعيه الناس.

وأهل السنّة والجماعة كإخوانهم الشيعة متفقون على تشريع هذا الزواج من اللّه سبحانه وتعالى في الآية ٢٤ من سورة النساء بقوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ إنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (١).

__________________

بأنها ترث مطلقاً ، وقيل : ترث مع الشرط ، وقيل : ترث إلاّ مع شرط العدم ، والتحقيق حسب قواعد صناعة الاستنباط ومقتضى الجمع بين الآيتين : إن المتمتع بها زوجة ، تترتب عليها آثار الزوجية ، إلاّ ما خرج بالدليل القاطع ».

١ ـ النساء : ٢٤.

وفي هذه الآية قولان :

أحدهما : أنّها في النكاح الدائم.

والثاني : أنّها في المتعة أو النكاح المنقطع.

قال القرطبي في تفسيره للآية : « وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ».

وهناك من قرأها بإضافة : « إلى أجل مسمّى » ، حتى إنّ ابن عباس حلف أنّها نزلت كذلك حيث قال : « واللّه لأنزلها اللّه كذلك » ، كما في الدر المنثور في تفسير هذه الآية من سورة النساء.

٣٥٤

كما أنّهم متّفقون في أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن بها ، واستمتع الصحابة على عهده.

إلاّ أنّهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها ، فأهل السنّة والجماعة يقولون بنسخها ، وأنّها حُرّمت بعد أن كانت حلالاً ، وأنّ النسخ وقع بالسنّة لا بالقرآن.

والشيعة يقولون بعدم النسخ ، وأنّها حلال إلى اليوم القيامة (١).

__________________

١ ـ وذلك لأنّ مقتضى القاعدة هو بقاء الحليّة واستمرارها ، إلاّ أن يقوم دليل قطعي أو حجّة شرعية على النسخ أو التحريم ، فإنّ استصحاب عدم النسخ هو أحد الأُمور المسلّمة عند فقهاء المسلمين.

وهناك الكثير من الصحابة والتابعين لم يعتقدوا حرمتها :

ذكر القرطبي في تفسيره للآية : « قال أبو بكر الطرطوسيّ : ولم يرخّص في نكاح المتعة إلاّ عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت ... وقال أبو عمر : أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس ، وحرّمها سائر الناس ».

وفي نيل الأوطار للشوكاني ٦ : ١٤٣ بعدما ذكر الأقوال ورجّح القول المشهور قال : « قال ابن بطال : روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة ، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة ، وإجازة المتعة عنه أصح ، وهو مذهب الشيعة ».

وقال ابن حزم في المحلى ٩ : ٥١٩ مسألة ١٨٥٤ : « ولا يجوز نكاح المتعة .. وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من السلف ، منهم من

٣٥٥

إذاً فالبحث يتعلّق فقط في نسخها أو عدمه ، والنظر في أقوال الفريقين حتّى يتبين للقارئ جلية الأمر ، وأين يوجد الحقّ فيتبعه بدون تعصّب ولا عاطفة.

أمّا من ناحية الشيعة القائلين بعدم النسخ وحلّيتها إلى يوم القيامة ، فحجّتهم هي : لم يثبت عندنا أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها ، وأئمتنا من العترة الطاهرة يقولون بحليتها ، ولو كان هناك نسخ من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمه الأئمة من أهل البيت وعلى رأسهم الإمام عليّ ، فأهل البيت أدرى بما فيه ، ولكن الثابت عندنا أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرّمها اجتهاداً منه ، كما يشهد بذلك علماء السنّة أنفسهم ، ونحن لا نترك أحكام اللّه ورسوله لرأي واجتهاد عمر بن الخطاب.

هذا ملخّص مايقوله الشيعة في حليّة المتعة ، وهو قول سديد

__________________

الصحابة : أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ، وجابر بن عبد اللّه ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد ابنا أُميّة بن خلف ، ورواه جابر بن عبد اللّه عن جميع الصحابة مدّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر ، واختلف في إباحتها عن ابن الزبير ... ومن التابعين : طاووس ، وعطاء ، وسعيد ابن جبير ، وسائر فقهاء مكة أعزها اللّه ، وقد تقصيّنا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالإيصال ».

٣٥٦

ورأي رشيد ؛ لأنّ كلّ المسلمين مطالبون باتّباع أحكام اللّه ورسوله ، ورفض ما سواهما مهما علت مكانته إذا كان في اجتهاده مخالفة للنصوص القرآنية أو النبويّة.

أمّا أهل السنّة والجماعة فيقولون بأنّ المتعة كانت حلالاً ، ونزل فيها القرآن ، ورخّص فيها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفعلها الصحابة ، ثمّ بعد ذلك نسخت ، ويختلفون في الناسخ لها ، فمنهم من يقول بأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها قبل موته ، ومنهم من يقول بأنّ عمر بن الخطاب هو الذي حرّمها ، وقوله حجّة عندنا لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين بعدي عضّوا عليها بالنواجذ » (١).

أمّا القائلين بتحريمها لأنّ عمر بن الخطاب حرّمها وأنّ فعله سنّة ملزمة ، فهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا بحث؛ لأنّه محض التعصّب

__________________

١ ـ قال ابن القيّم الجوزية في زاد المعاد ٣ : ٤٦٣ في معرض كلامه عن المتعة ، ومتى حرّمت ، وماهو الصحيح في ذلك : « فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه قال : »كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه وأبي بكر حتّى نهانا عنها عمر في شأن عمرو بن حريث « ، وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه أنا أنهى عنهما متعة النساء ومتعة الحج؟ قيل : الناس في هذا طائفتان؛ طائفة تقول : إنّ عمر بن الخطاب هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول اللّه باتباع ما سنّه الخلفاء الراشدون ».

٣٥٧

والتكلّف ، وإلاّ كيف يترك المسلم قول اللّه وقول الرسول ويخالفهما ويتبع قول بشر مجتهد يُخطي ويصيب!! هذا إذا كان اجتهاده في مسألة ليس فيها نصّ من الكتاب والسنّة ، أمّا إذا كان هناك نصّ فلا مجال للاجتهاد ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِيناً ) (١).

ومن لا يتفق معي على هذه القاعدة ، فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ، ودراسة القرآن الكريم والسنّة النبويّة ، فالقرآن دلّ بذاته في الآية المذكورة أعلاه ـ ومثلها في القرآن كثير ـ على كفر وضلال من لا يتمسّك بالقرآن والسنّة النبوية.

أمّا الدليل من السنّة النبويّة الشريفة فكثير أيضاً ، ولكن نكتفي بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة » (٢).

فليس من حقّ أحد أن يحلّل أو يحرّم في مسألة ثبت فيها نصّ وحكم من اللّه أو من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

١ ـ الأحزاب : ٣٦.

٢ ـ بصائر الدرجات : ١٦٨ ح ٧ ، الكافي ١ : ٥٨ ح ١٩ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٣٥٨

ولكلّ ذلك نقول لهؤلاء الذين يريدون إقناعنا بأنّ أفعال الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم ملزمة لنا ، نقول : ( أتُحَاجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَـنَا أعْمَالُنَا وَلَكُمْ أعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ) (١).

على أنّ هؤلاء القائلين بهذا الدليل يوافقون الشيعة على دعواهم ، ويكونون حجّة على إخوانهم من أهل السنّة والجماعة.

فبحثنا يتعلّق فقط مع الفريق القائل بأنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرّمها ، ونسخ القرآن بالحديث.

وهؤلاء مضطربون في أقوالهم ، وحجّتهم واهية لا تقوم على أساس متين ، ولو روى النهي عنه مسلم في صحيحه؛ بأنّه لو كان هناك نهي من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتّعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه ، كما روى ذلك مسلم في صحيحه (٢).

قال عطاء : قدم جابر بن عبداللّه معتمراً فجئنا في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر (٣).

فلو كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة لما جاز للصحابة أن

__________________

١ ـ البقرة : ١٣٩.

٢ ـ صحيح مسلم ٤ : ١٣١ ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة.

٣ ـ المصدر نفسه.

٣٥٩

يتمتّعوا على عهد أبي بكر وعمر كما سمعت.

فالواقع أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينهَ عنها ولا حرمها ، وإنّما وقع النهي من عمر بن الخطّاب كما جاء في ذلك في صحيح البخاري عن مسدّد حدّثنا يحيى عن عمران أبي بكر ، حدّثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي اللّه تعالى عنه ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ، ففعلناها مع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يُنزل قرآنٌ يحرّمه ولم ينْهَ عنها حتى مات قال رجل برأيه ماشاء ، قال محمّد : يقال إنّه عمر (١).

فأنت ترى أيّها القارئ أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه عنها حتى مات ، كما صرّح به هذا الصحابي ، وتراه ينسب التحريم إلى عمر صراحة وبدون غموض ، ويضيف أنّه قال برأيه ماشاء.

وها هو جابر بن عبداللّه الأنصاري يقول صراحة : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهانا عنها عُمرُ في شأن عمرو بن حُريث (٢).

وممّا يدلّنا على أنّ بعض الصحابة كانوا على رأي عمر ، وهذا ليس غريب إذ تقدّم في بحثنا خلال رزية يوم الخميس أنّ بعض الصحابة كانوا على رأي عمر في قوله بأنّ رسول اللّه يهجر وحسبنا

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٥ : ١٨٥ ، كتاب التفسير ، باب ٣٣ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج.

٢ ـ صحيح مسلم ٤ : ١٣١ ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة.

٣٦٠