مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (١) أما ترى الناس يسمون الذي يلي السابق في الحلبة مصلي فذلك الذي عنى حيث قال :

______________________________________________________

لا نصلي الصلوات المكتوبة على ما قررها الشرع ، وفي هذا دلالة على أن الإخلال بالواجب يستحق به الذم والعقاب ، لأنهم علقوا استحقاقهم العقاب بالإخلال بالصلاة وفيه دلالة أيضا على أن الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعية ، انتهى.

وقال البيضاوي : سقر علم لجهنم ، ولذلك لم يصرف ، من سقرته النار وصقرته إذا لوحته ، انتهى.

وقيل : اسم عجمي لنار الآخرة ، وقال البيضاوي : أيضا في قوله تعالى : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ » أي الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم (٢) وتوان ، أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات ، أو الأنبياء فإنهم مقدموا أهل الإيمان هم الذين عرفت رأيهم وعرفت ما لهم كقول أبي النجم أنا أبو النجم وشرعي شعري أو الذين سبقوا إلى الجنة أولئك المقربون في جنات النعيم ، والذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم ، انتهى.

والحلبة بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ثم الباء الموحدة الدفعة من الخيل في الرهان ، وخيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من إصطبل واحد ، وهي عندهم عشرة ، لها عشرة أسماء فالسابق هو المقدم على الجميع عند السباق ويقال له المجلي لأنه جلي نفسه أي أظهرها وجلي عن صاحبه وأظهر فروسيته أو جلي همه حيث سبق والثاني المصلي لأنه يحاذي رأسه صلوي السابق وهما العظمان النابتان عن يمين الفرس وشماله والثالث التي لأنه تلاه ، والرابع البارع لأنه برع المتأخر عنه أي فاقة ، والخامس المرتاح كأنه نشط فلحق بالسوابق ، والسادس الحظي لأنه حظي عند صاحبه حيث لحق بالسوابق أي صار ذا حظوة عنده أي نصيب ، أو في مال الرهان ، والسابع العاطف لأنه عطف إلى السوابق أي مال إليها ، أو كر عليها فلحقها ، والثامن المؤمل لأنه

__________________

(١) سورة الواقعة : ١٠.

(٢) تلعثم في الأمر : توقف فيه وتأنّى.

٤١

« لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » لم نك من أتباع السابقين.

______________________________________________________

يؤمل اللحوق بالسوابق ، والتاسع اللطيم لأنه يلطم إذا أراد الدخول إلى الحجرة الجامعة للسوابق ، والعاشر السكيت مصغرا مخففا ويجوز تشديده لسكوت صاحبه إذا قيل : لمن هذا؟ أو لانقطاع العذر عنده ، ويقال له الفسكل بكسر الفاء والكاف أو بضمهما وقيل : هو غير العشرة يجيء آخر الخيل كلها وما ذكره عليه‌السلام من تفسير المصلي تفسير متين وجيه لأن نسبتهم العذاب إلى الإخلال بأصول الدين التي هي العمدة في الإيمان أولى من نسبتهم إلى الإخلال بالفروع ، وقوله : « وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ » أيضا في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام يؤول إلى ذلك ، أي لا نؤدي حقوقهم من الخمس وغيره ، فالمعنى لم نكن نتبع الأئمة ولا نعنيهم كما قال علي بن إبراهيم : لم نك من المصلين ، أي لم نك من أتباع الأئمة ، ولم نك نطعم المسكين ، قال : حقوق آل رسول الله من الخمس لذوي القربى واليتامى وابن السبيل ، وهم آل رسول الله عليهم‌السلام ، انتهى.

ويؤيده ما ذكره الراغب في المفردات ، والصلاة التي هي العبادة المخصوصة أصلها الدعاء وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه وقال بعضهم : أصل الصلاة من الصلا ، قال : ومعنى صلى الرجل أي أنه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلاة الذي هو نار الله الموقدة وبناء صلى كبناء مرض لإزالة المرض ، ثم قال : وكل موضع مدح الله بفعل الصلاة أو حث عليه ذكر بلفظ الإقامة ، نحو : « وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ » (١) و « أَقِيمُوا الصَّلاةَ » (٢) و « أَقامُوا الصَّلاةَ » ولم يقل المصلين إلا في المنافقين نحو قوله : « فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٣) » و « لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى » (٤) وإنما خص لفظة الإقامة تنبيها على أن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط ، ولهذا روي أن المصلين كثير ، والمقيمين لها قليل.

وقوله : « لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ » أي من أتباع النبيين ،

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٢.

(٢) سورة البقرة : ١٤٣ و٢٧٧.

(٣) سورة الماعون : ٤.

(٤) سورة التوبة : ٥٤.

٤٢

٣٩ ـ أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن موسى بن محمد ، عن يونس بن يعقوب عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » (١) يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي ولاية علي بن أبي طالب والأوصياء عليهم‌السلام.

______________________________________________________

وقوله « فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى » تنبيها على أنه لم يك ممن يصلي أي يأتي بهيئتها فضلا عمن يقيمها.

الحديث التاسع والثلاثون : ضعيف على المشهور وقد مضى بعينه مع الخبر الآتي في باب قبل باب أن الأئمة عليهم‌السلام معدن العلم.

وقال البيضاوي : « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا » أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما « عَلَى الطَّرِيقَةِ » المثلي « لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » لوسعنا عليهم الأرزاق ، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ، وعزة وجوده بين العرب ، انتهى.

ومعلوم أن الطريقة المثلي التي تجب الاستقامة عليها مشتملة على الولاية وهي من عمدتها ، واستعارة الماء للإيمان والعلم شائع ، لكونهما سببان لحياة الأرواح كما أن الماء سبب الحياة الأبدان ، وقال الطبرسي (ره) : في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قول الله : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » (٢) قال : هو والله ما أنتم عليه ، ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ، وعن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : معناه لأفدناه علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة وروى محمد بن العباس بن ماهيار بإسناده عن سماعة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : في قول الله عز وجل « لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ » ، قال : استقاموا على الولاية في الأصل عند الأظلة حين أخذ الله عليه الميثاق على ذرية آدم لأسقيناهم ماء غدقا يعني لأسقيناهم من الماء العذب.

__________________

(١) سورة الجنّ : ١٦.

(٢) يأتي في الحديث الآتي.

٤٣

٤٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » (١) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام استقاموا على الأئمة واحدا بعد واحد « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ».

٤١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » (٢)

______________________________________________________

أقول : وهذا تأويل آخر أي سببنا على طينتهم الماء العذب الفرات ، لا الماء الملح الأجاج كما سيأتي في أخبار الطينة إنشاء الله.

الحديث الأربعون : كالسابق « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ » أي وحدوا الله بلسانهم واعترفوا به وصدقوا أنبياءه « ثُمَّ اسْتَقامُوا » قال المفسرون : على التوحيد أو على طاعته والاستقامة إنما يستقيم بالولاية وإنكارها بمنزلة الشرك « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ » عند الموت كما في تفسير الإمام وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا ، وقيل : تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم بالبشارة من الله ، وقيل : عند الموت وفي القبر وعند البعث.

أقول : ويحتمل أن يكون في الدنيا أيضا ليعلموا ذلك بخبر الصادقين عليهم‌السلام فتحصل لهم البشارة وفي بعض الأخبار أنه مختص بالأئمة عليهم‌السلام ، يسمعون ذلك منهم « أَلاَّ تَخافُوا » العقاب « وَلا تَحْزَنُوا » على فوت الثواب ، أو لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل ومال وولد كما في تفسير الإمام عليه‌السلام.

الحديث الحادي والأربعون : ضعيف على المشهور.

وروى محمد بن العباس في تفسيره عن أحمد بن محمد النوفلي عن يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ

__________________

(١) سورة فصّلت : ٣٠.

(٢) سورة السبأ : ٤٥.

٤٤

فقال إنما أعظكم بولاية علي عليه‌السلام هي الواحدة التي قال الله تبارك وتعالى « إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ».

______________________________________________________

أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى » قال : بالولاية ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : إنه لما نصب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام للناس ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اغتابه رجل وقال : إن محمدا ليدعو كل يوم إلى أمر جديد وقد بدأ بأهل بيته يملكهم رقابنا فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك قرآنا فقال : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » فقد أديت إليكم ما افترض ربكم عليكم ، قلت : فما معنى قوله « أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى »؟ فقال : أما مثنى يعني طاعة رسول الله وطاعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأما فرادى فيعني طاعة الأئمة من ذريتهما من بعدهما ، ولا والله يا يعقوب ما عنى غير ذلك ، ورواه فرات بن إبراهيم أيضا بإسناده عن عمرو بن يزيد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن الباقر والصادق عليهما‌السلام في قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » قال : الولاية « أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى » قال : الأئمة من ذريتهما ، وقال البيضاوي « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » ، أرشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه « أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ » وهو القيام من مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والانتصاب في الأمر خالصا لوجه الله تعالى معرضا عن المراء والتقليد « مَثْنى وَفُرادى » متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا ، فإن الازدحام يشوش الخاطر ويخلط القول « ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا » في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به لتعلموا حقيقته « ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ » فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك ، أو استئناف على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه. فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق ووثوق ببرهان ، فيفضح على رؤوس الأشهاد ، ويسلم ويلقي نفسه إلى الهلاك ، كيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة ، وقيل : ما استفهامية والمعنى ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون ، انتهى.

٤٥

٤٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة وعلي بن عبد الله ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ

______________________________________________________

وأما التأويل الوارد في تلك الأخبار فهي من متشابهات التأويلات التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم إن صح صدورها عنهم عليهم‌السلام ، ويمكن تطبيقه على ما في الكتاب على الآية بأن الجنة هي التي كانوا ينسبونها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر أمير المؤمنين حيث كانوا يقولون إنه لمجنون في حبه عليه‌السلام كما روي في تفسير قوله تعالى : « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ » إلى قوله « وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ » (١) والمعنى « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » أي بسبب خصلة واحدة هي الولاية ، وأن تقوموا مفعول ثان لأعظكم أي تقوموا وتتفكروا في أمري فتعلموا أني لست بمجنون في محبته وإنما أنا مأمور بتبليغ ولايته عليه‌السلام بغاية الجهد.

ويحتمل أيضا أن يكون أن تقوموا بدل واحدة بدل اشتمال أي أعظكم بالولاية بأن تتفكروا في أمري فتعلموا أني لست بمجنون في تبليغها ، ويحتمل أن يكون التفسير بالولاية لبيان حاصل المعنى ، فإن هذه إنما كانت لقبول ما أرسل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت العمدة والأصل فيها الولاية.

وعلى ما في سائر الروايات يحتمل أن يكون المعنى إنما أعظكم بخصلة واحدة وبطريقة واحدة للرد على من نسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يأتي كل يوم بأمر غريب موهما أن الأمور التي يأتي بها متخالفة ، وقوله : أن تقوموا بدل من الواحدة ، ولعل قوله مثنى وفرادى حينئذ منصوبان بنزع الخافض أي للإتيان بما هو مثنى وفرادى ، أو صفتان المصدر محذوف أي قياما مثنى وفرادى بناء على أن المراد بالقيام الطاعة والاهتمام بها.

الحديث الثاني والأربعون ضعيف.

والآية في سورة النساء (٢) هكذا : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَ

__________________

(١) سورة القلم : ٥١.

(٢) الآية : ١٣٦.

٤٦

تَوْبَتُهُمْ » (١).

______________________________________________________

كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً » وليس فيها « لن تقبل توبتهم » نعم في سورة آل عمران (٢) : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ » ولعله عليه‌السلام أو الراوي ذكر آية النساء وضم إليها بعض آية آل عمران للتنبيه على أن مورد الذم في الآيتين واحد ، وأن كل واحدة منهما مفسرة للأخرى لأن قوله : « لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ » وقع في موقع « لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ » لإفادته مفاده.

واختلف المفسرون في مورد نزول الآية الأولى ، فقيل : هم الذين آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل وغير ذلك ثم آمنوا بعيسى ثم كفروا به ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : المراد آمنوا بموسى ثم كفروا بعده ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : عنى به طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ثم يقولون عرضت لنا شبهة في أمره ونبوته فيظهرون الكفر ثم ازدادوا كفرا بالثبات عليه إلى الموت ، وقيل : أن المراد به المنافقون ، آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم ، وقال ابن عباس : دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر والبحر.

أقول : ويدل عليه قوله تعالى فيما بعد : « بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ » وقال الطبرسي (ره) « لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ » بإظهارهم الإيمان فلو كانت بواطنهم كظواهرهم في الإيمان لما كفروا فيما بعد ، « وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً » إلى الجنة ، وقال البيضاوي « لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً » إذ يستبعد منهم أن يتوبوا عن الكفر ويثبتوا على الإيمان ، فإن قلوبهم قد ضربت بالكفر وبصائرهم عميت عن الحق لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم تقبل منهم ولم يغفر لهم.

__________________

(١) راجع الشرح.

(٢) الآية : ٩٠.

٤٧

قال نزلت في فلان وفلان وفلان « آمَنُوا » بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أول الأمر و « كَفَرُوا » حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فهذا علي مولاه « ثُمَّ آمَنُوا » بالبيعة لأمير المؤمنين عليه‌السلام « ثُمَّ كَفَرُوا » حيث مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يقروا بالبيعة « ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً » بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء

٤٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى » (١) فلان وفلان وفلان ارتدوا عن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : آمنوا بالنبي في أول الأمر المراد بالإيمان في الموضعين الإقرار باللسان فقط ، وبالكفر الإنكار باللسان أيضا.

قال علي بن إبراهيم في تفسيره : نزلت في الذين آمنوا برسول الله إقرارا لا تصديقا ، ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر إلى أهل بيته أبدا فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه‌السلام آمنوا إقرارا لا تصديقا ، فلما مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفروا وازدادوا كفرا « لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ » بأخذهم من بائعه بالبيعة لهم ، المستتر في بايعه راجع إلى الموصول والبارز إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أي أخذوا الجماعة الذين بايعوا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير بالبيعة لأبي بكر وأخويه عليهم اللعنة ، ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أمير المؤمنين عليه‌السلام فيكون المستتر راجعا إلى أبي بكر والبارز إلى الموصول ، أي أخذوا من بائعه أبو بكر يوم الغدير بأن يبايع لهم وهو بعيد ، ولو كان بايعوه كما في تفسير العياشي لكان هذا أظهر.

الحديث الثالث والأربعون كالسابق.

« إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى » تمامها في سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ

__________________

(١) سورة محمّد (ص) : ٢٥.

٤٨

الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت قوله تعالى « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ » (١) قال نزلت والله فيهما وفي أتباعهما وهو قول الله عز وجل الذي نزل به جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ » في علي عليه‌السلام « سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ » قال دعوا بني أمية إلى ميثاقهم ألا يصيروا الأمر فينا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يعطونا من الخمس

______________________________________________________

اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ » قال البيضاوي « إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ » إلى ما كانوا عليه من الكفر « مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى » بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة « الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ » سهل لهم اقتراف الكبائر « وَأَمْلى لَهُمْ » ومد لهم في الآمال والأماني ، أو أمهلهم الله ولم يعاجلهم بالعقوبة « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ » أي قال اليهود الذين كفروا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما تبين لهم الهدى للمنافقين ، أو المنافقون لهم ، أو أحد الفريقين للمشركين « سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ » أي في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالعقود عن الجهاد ، والموافقة في الخروج معهم أن أخرجوا والتظافر علي الرسول « وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ » ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم ، انتهى.

« فلان وفلان » هذه الكنايات تحتمل وجهين : الأول : أن يكون المراد بها بعض بني أمية كعثمان وأبي سفيان ومعاوية فالمراد بالذين كرهوا ما أنزل الله أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إذ ظاهر السياق أن فاعل قالوا الضمير الراجع إلى الذين ارتدوا ، الثاني : أن يكون المراد بهذه الكنايات أبو بكر وعمر وأبا عبيدة ، وضمير « قالوا » راجعا إلى بني أمية ، والمراد بالذين كرهوا الذين ارتدوا فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، ويؤيده عدم وجود الكناية الثالثة في بعض النسخ.

قوله عليه‌السلام : نزلت والله فيهما ، أي في أبي بكر وعمر وهو تفسير للدين كرهوا وقوله : وهو قول الله تفسير لما نزل الله أو بيان لأن الآية نزلت هكذا ، وضمير دعوا راجع إليهما وأتباعهما ، وقوله : أن لا يصيروا بدل ميثاقهم « وقالوا » أي أبو بكر وعمر

__________________

(١) سورة محمّد (ص) ٢٨.

٤٩

شيئا وقالوا إن أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شيء ولم يبالوا أن يكون الأمر فيهم فقالوا سنطيعكم في بعض الأمر الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ألا نعطيهم منه شيئا وقوله « كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ » والذي نزل الله ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم فأنزل الله « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً

______________________________________________________

وأتباعهما « أن لا يكون الأمر فيهم » كذا في بعض النسخ (١) وفيه دلالة على كمال عداوتهم لأهل البيت عليهم‌السلام حيث قصدوا مع غصب الخلافة منهم كسر قلوبهم بضيق المعيشة وفي بعضها ولم يبالوا إلا أن يكون الأمر فيهم ، أي كانت همتهم حينئذ مقصورة في أخذ الخلافة لحصول أسبابه لهم لأن الناس يرغبون إلى الأموال لا سيما إذا كانت مجتمعة مع النص والقرابة والفضل وسائر الجهات «فقالوا» أي بنو أمية وإنما خصوا الإطاعة بمنع الخمس لأنهم لم يجتروا على أن يبايعوهم في منع الولاية أو كانوا آيسين من ذلك للنص الصريح أو لأنهم علموا أنهم لا يفوضونها إليهم ويتصرفون فيها ، وأما الخمس فكانوا يعلمون أن يعطوا حصته منه ، وعلى جميع الوجوه ثم بعد ذلك أطاعوهم في الأمرين جميعا لما عرض من الأمور التي صارت أسبابا لطمعهم في الخلافة بعد هؤلاء ولا يبعد أن تكون كلمة في على هذا التأويل للسببية أي نطيعكم بسبب الخمس لتعطونا منه شيئا.

وقوله : كرهوا ما نزل الله ، إعادة للكلام السابق لبيان أن ما أنزل الله في علي هو الولاية إذ لم يظهر ذلك مما سبق صريحا ، ولعله زيدت الواو في قوله : والذي من النساخ ، وقيل : قوله ، بالرفع عطف على قول الله ، من قبيل عطف التفسير ، فإنه لا تصريح في المعطوف عليه بأن النازل فيهما وفي أتباعهما « كرهوا » أم « قالوا ».

وأبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجراح من رؤساء المنافقين ، وكان كاتب الصحيفة الملعونة التي كتبوها ودفنوها في الكعبة ، وكان فيها ميثاقهم أن لا يصيروا الأمر في علي بعد النبي ، وهذا هو المراد بإبرامهم أمرا ، والآية في سورة الزخرف وما قبلها هكذا : « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ

__________________

(١) وفي المتن « أن يكون ... ».

٥٠

فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ » الآية.

٤٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ » (١) قال نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه‌السلام فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليه « فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ».

______________________________________________________

وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ، وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ ، لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ، أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » وأم منقطعة بمعنى بل ، وقال البيضاوي « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً » في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته « فَإِنَّا مُبْرِمُونَ » أمرا في مجازاتهم أو أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم بالرسول فإنا مبرمون كيدنا بهم ، ويؤيده قوله « أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ » ، حديث نفسهم بذلك « وَنَجْواهُمْ » وتناجيهم ، « بَلى » نسمعها « وَرُسُلُنا » والحفظة مع ذلك « لَدَيْهِمْ » ملازمة لهم « يَكْتُبُونَ » ذلك ، انتهى.

وأقول : سيأتي في الروضة أن أصحاب الصحيفة كانوا ستة هم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة ، والمغيرة بن شعبة ، وقيل : بإسقاط الأخير ، وفي بعض الروايات أربعة بحذف الرابع أيضا.

الحديث الرابع والأربعون : كالسابق.

« وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ » أي في المسجد الحرام المتقدم ذكره في الآية السابقة ، حيث قال : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ » إلخ ، قال البيضاوي : مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول بإلحاد عدول عن القصد وظلم بغير حق ، وهما حالان مترادفان ، والثاني بدل عن الأول بإعادة الجار أو صلة أي ملحدا بسبب الظلم كالإشراك واقتراف الآثام « نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ » جواب لمن ، انتهى.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال الطبرسي (ره) : المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ، وقيل : عين المسجد الذي يصلي فيه الناس ، واختلف في معنى الإلحاد هيهنا ، فقيل : هو الشرك وعبادة غير الله ، وقيل : هو الاستحلال للحرام والركوب للآثام ، وقيل : هو كل شيء نهى الله عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم ، وقيل : هو دخول مكة بغير إحرام ، انتهى.

وما ذكره عليه‌السلام مورد نزول الآية ومصداقها الأعظم لأنه متضمن للشرك والكفر بآيات الله وظلم الرسول وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم ويظهر منه نكتة ، إيراد الظلم بعد الإلحاد ، وبعدا منصوب بتقدير حرف النداء.

وقصة الصحيفة التي أشير إليها في هذه الرواية والرواية السابقة وردت في أخبار كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير ، فمنها : ما رواه السيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه من كتاب النشر والطي بطرق المخالفين عن عطية السعدي قال : سألت حذيفة بن اليمان عن إقامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام يوم الغدير كيف كان؟ قال : إن الله أنزل على نبيه : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ » فقالوا : يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق منا بأنفسنا؟ فقال عليه‌السلام : السمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم فقلنا : سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا » (١) فخرجنا مع النبي في حجة الوداع فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : أنصب عليا علما للناس ، فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اخضلت لحيته وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري! قال : فصعد جبرئيل وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليا عليه‌السلام إلى اليمن فوافى مكة ونحن مع الرسول ، ثم توجه علي يوما نحو الكعبة يصلي فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه

__________________

(١) سورة المائدة : ٧.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فأنزل الله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » إلى قوله : « وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (١) فكبر رسول الله وقرأ علينا ، ثم قال : قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها ، فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل فقال : من أين جئت؟ قال : من عند هذا المصلي تصدق علي بهذه الحلقة وهو راكع ، فكبر رسول الله ومضى نحو علي عليه‌السلام فقال : يا علي ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل ، فكبر ثالثة ، فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة ، فنسأل رسول الله أن يبدله لنا فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروه بذلك فأنزل الله قرآنا وهو : « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » (٢) الآية ، فقال جبرئيل : يا رسول الله أتمه فقال : حبيبي جبرئيل قد سمعت ما تؤامروا به! فانصرف رسول الله الأمين جبرئيل فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله عليه : « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ » إلى آخرها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعيت إلى نفسي ، فجاء إلى مسجد الخيف فدخله ونادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر خطبته عليه‌السلام ثم قال فيها : أيها الناس إني تارك فيكم الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل ، طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ، وجمع بين سبابتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى ، فتفضل هذه على هذه ، فاجتمع القوم وقالوا : يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج منهم أربعة ودخلوا الكعبة فكتبوا فيها بينهم إن أمات الله محمدا وقتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته فأنزل الله تعالى : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » إلى آخر الحديث الطويل.

وقد روى الديلمي في إرشاد القلوب في حديث طويل عن حذيفة بن اليمان أنه قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام بغدير خم للإمامة وأمرهم أن يبايعوه

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٥.

(٢) سورة يونس : ١٥.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ورحل منه ، وقف أربعة عشر من المنافقين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية وعمرو بن العاص على العقبة لينفروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناقته ، وحفظه الله من ذلك ، فلما نزلوا من العقبة دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلاة الفجر فلما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلاته نظر إلى أبي بكر وعمر يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر ، وارتحل بالناس من منزل العقبة ، فلما نزل المنزل الآخر رأي سالم مولى حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم ، وقال : أليس قد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر واحد والله لتخبروني فيما أنتم وإلا أتيت رسول الله أخبره بذلك منكم ، فأخذوا منه العهد والميثاق على الكتمان ، ثم قالوا : قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما عرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب قال سالم : وأنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا نخالفكم عليه ، وإنه والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلى من بني هاشم ، ولا في بني هاشم أبغض إلى ولا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم ، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا. فلما أراد رسول الله المسير أتوه فقال لهم : فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى؟ فقالوا : يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا! فنظر إليهم النبي مليا ثم قال : أنتم أعلم أم الله ، « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » ، ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعا وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الأمر ، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج عنهم ، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا أصحاب العقبة وثلاثون رجلا آخر ، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها.

قال حذيفة : حدثتني أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك وأسماء تسمعهم حتى اجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب لهم الصحيفة باتفاق منهم.

وكانت نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتفقوا جميعا بعد أن أجهدوا رأيهم وتشاوروا في أمرهم وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم للإسلام وأهله على غابر الأيام وباقي الدهور ليقتدي بهم من يأتي من المسلمين من بعدهم ، أما بعد فإن الله بمنه وكرمه بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فأدى من ذلك وبلغ ما أمره الله به وأوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا بعده ، وجعل الاختيار إلى المسلمين يختاروا لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه ، وإن للمسلمين في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة ، قال الله تعالى : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ » وإن رسول الله لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد فيكون إرثا دون سائر المسلمين ، ولئلا يكون دولة بين الأغنياء منهم ولئلا يقول المستخلف أن هذا الأمر باق في عقبه من والد إلى ولد إلى يوم القيامة والذي يحب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح في أمورهم فمن رأوه مستحقا لها ولوه أمورهم ، وجعلوه القيم عليهم ، فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة ، فإن ادعى مدع من الناس جميعا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف رجلا بعينه نصبه الناس ونص عليه باسمه ونسبه فقد أبطل في قوله ، وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخالف على جماعة المسلمين ، وإن ادعى مدع أن خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرث وأن رسول الله يورث فقد أحال في قوله لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ، وإن

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ادعى مدع أن الخلافة لا يصلح إلا لرجل واحد من بين الناس جميعا وأنها مقصورة فيه ولا تنبغي لغيره لأنها تتلو النبوة فقد كذب لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وإن ادعى مدع أنه مستحق الخلافة والإمامة بقربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم هي مقصورة عليه وعلى عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ولا ينبغي أن يكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض فليس له ولا لولده وإن دنا من النبي نسبته ، لأن الله يقول وقوله القاضي على كل أحد : « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » وقال رسول الله : إن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ، وكلهم يد على من سواهم ، فمن آمن بكتاب الله وأقر بسنة رسول الله فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب ، ومن كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحق والكتاب ، وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه فإن في قتله صلاحا للأمة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من جاء إلى أمتي وهم جميع ففرقهم فاقتلوه واقتلوا الفرد كائنا من كان من الناس فإن الاجتماع رحمة والفرقة عذاب ، ولا تجتمع أمتي على ضلال أبدا وإن المسلمين يد واحدة على من سواهم ، وأنه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق ومعاند لهم ومظاهر عليهم أعداءهم ، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله.

وكتب سعيد بن العاص باتفاق ممن أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين وسلم.

ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح ، فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها ، وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين لما توفي عمر ، فوقف به وهو مسجى بثوبه فقال : ما أحب إلى أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى.

ثم انصرفوا وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبي عبيدة فقال له : بخ بخ من مثلك

٥٦

٤٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ

______________________________________________________

وقد أصبحت أمين هذه الأمة؟ ثم تلا : « فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ » لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ، ثم قال : لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة وإن الله تعالى يمهلهم وليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيب ولو لا أنه سبحانه أمرني بالإعراض عنه للأمر الذي هو بالغه لقد متهم فضربت أعناقهم.

قال حذيفة : فو الله لقد رأينا هؤلاء النفر عند قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه المقالة وقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم من نفسه شيئا ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك اليوم أن رسول الله إياهم عنى بقوله ، وضرب لهم تلك الأمثال بما تلا من القرآن ، إلى آخر ما أوردنا بطوله في كتابنا الكبير.

وفي كتاب سليم بن قيس أن معاذ بن جبل أيضا كان منهم ، واختلاف عددهم في الأخبار محمول على أن الأربعة كانوا أصل هذه الفتنة وكان الباقون داخلين في ذلك على اختلاف مراتبهم في المدخلية لعنة الله عليهم أجمعين.

الحديث الخامس والأربعون ضعيف على المشهور.

« فَسَتَعْلَمُونَ » الآية في سورة الملك هكذا : « قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » وظاهر الخبر أنه كان في مصحفهم عليهم‌السلام هكذا « فستعلمون يا معشر المكذبين إلى آخره ، وأول بأنها نزلت هكذا تفسيرا للآية كما مر ، والمعنى فستعلمون عند الموت أو بعده أو الأعم يا معشر المكذبين لرسالتي من أجل أني أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي والأئمة من بعده « مَنْ

٥٧

هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » (١) يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم رسالة ربي في ولاية علي عليه‌السلام والأئمة عليهم‌السلام من بعده من هو في ضلال مبين كذا أنزلت وفي قوله تعالى : « إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا » (٢) فقال إن تلووا الأمر وتعرضوا عما أمرتم به « فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما

______________________________________________________

هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » نحن أم أنتم ، لأنهم كانوا ينسبون الضلالة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في محبة علي وتبليغ إمامته ، وأنه إنما يقول ذلك من تلقاء نفسه ، وكان ذكر الإيمان في صدر الآية على هذا التأويل للإشعار بأن من لم يؤمن بالولاية فهو غير مؤمن بالله.

قال السيد في الطرائف روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى وقد ذكر حديثا طويلا إلى أن قال : ثم نزل « فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » في أمر على « إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وإن عليا لعلم للساعة وذكر لك ولقومك وسوف تسألون عن علي بن أبي طالب ، هذا آخر الحديث ، وكان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضه قرآن وبعضه تأويل ، انتهى.

والغرض من إيراده أنه رحمه‌الله حمل تلك الأخبار على التأويل والله يعلم.

« وفي قوله تعالى « وَإِنْ تَلْوُوا » الآية في سورة النساء هكذا : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » قال المفسرون « فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا » أي لأن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا من العدل ، « وَإِنْ تَلْوُوا » أي تلووا أنفسكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل « أَوْ تُعْرِضُوا » عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها ، وقرأ أن تلووا أو تعرضوا بمعنى كتمتم الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها وكأنه عليه‌السلام فسر الآية هكذا « إِنْ تَلْوُوا » أي تصرفوا الخلافة عن موضعها وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام « أَوْ تُعْرِضُوا » عما أمرتم به من ولايته « فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً » فيعاقبكم عليه.

__________________

(١) سورة الملك : ٢٩.

(٢) سورة النساء : ١٣٤.

٥٨

تَعْمَلُونَ خَبِيراً » وفي قوله « فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » بتركهم ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام « عَذاباً شَدِيداً » في الدنيا « وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ » (١).

٤٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن منصور ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ذلِكُمْ

______________________________________________________

« فَلَنُذِيقَنَ » الآية في حم السجدة : « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ، فَلَنُذِيقَنَ » إلى آخرها.

وقال البيضاوي « الْغَوْا فِيهِ » أي عارضوه بالخرافات وارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القاري « لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » أي تغلبونه على قراءته.

وعلي تأويله عليه‌السلام كأنه قولهم ذلك في الآيات النازلة في الولاية ، ولما كان أكثر الآيات فيها فكان كفرهم بالقرآن كفرا بها ، فأوعدهم الله بقوله : « فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » بتركهم ولاية أمير المؤمنين « عَذاباً شَدِيداً » في الدنيا بالمصائب والقتل والأسر سيما في زمان القائم عليه‌السلام « وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ » في الآخرة « أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ » أي بأقبح الجزاء على أقبح أعمالهم وهو ترك الولاية.

ويؤيده أنه قال سبحانه بعد ذلك : « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ » وفسر في الأخبار بأبي بكر وعمر ، وبعد ذلك أيضا :

« الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » وقد مر أنها فيهم عليهم‌السلام.

الحديث السادس والأربعون ضعيف على المشهور.

وقبل الآية في سورة المؤمن (٢) : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ، ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ » إلخ ، والظاهر أن تغيير « ذلكم » بذلك من النساخ.

« ذلكم » أي ما أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي الله وحده.

__________________

(١) سورة فصّلت : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) الآية : ١٢.

٥٩

« بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ » وأهل الولاية « كَفَرْتُمْ » (١).

٤٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. لِلْكافِرينَ » بولاية علي « لَيْسَ لَهُ دافِعٌ » (٢) ثم قال هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

« وأهل الولاية » يحتمل التنزيل والتأويل ، وعلى الثاني مبني على أن الشرك كما يكون باتخاذ الأصنام كذلك يكون بالعدول عن الخليفة الذي نصبه الله تعالى إلى غيره ، فكأنهم أشركوا خلفاء الجور مع الله ، حيث أطاعوهم من دون الله ، ولذا أول في كثير من الأخبار الشرك بترك الولاية أو الإشراك فيها ، فقوله : وأهل الولاية تفسير للتوحيد ، فإن التوحيد الكامل إنما يكون بالولاية.

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تبارك وتعالى : « إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ » الآية يقول : إذا ذكر الله وحده بولاية من أمر الله تعالى بولايته كفرتم ، وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنوا بأن له ولاية.

الحديث السابع والأربعون : ضعيف.

« بولاية علي » تنزيلا كما هو الظاهر ، أو تأويلا على احتمال بعيد ، وقد مر في شرح الحديث السابع والثلاثين ما يؤيد ذلك.

وروى محمد بن العباس بن مروان في تفسيره بإسناده عن الحسين بن محمد قال : سألت سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل : « سَأَلَ سائِلٌ » فيمن نزلت؟ فقال : يا بن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن مثل الذي قلت ، فقال : أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال : لما كان يوم غدير خم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخذ بضبعيه (٣)

__________________

(١) راجع الشرح.

(٢) سورة المعارج : ٢ ـ ٣.

(٣) الضبع : العَضُد. الإبط.

٦٠