مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

له بالربوبية ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن

______________________________________________________

كونهم في صلب آدم أو بعد إخراجهم منه كما سيأتي تفصيله في كتاب الإيمان والكفر قال المحدث الأسترآبادي (ره) : إن الأرواح تعلقت ذلك اليوم بأجساد صغيرة مثل النمل ، فأخذ منهم الميثاق بالولاية وغيرها ، انتهى.

وقيل : إنهم لما غفلوا إلا من شاء الله عن تذكره في عالم الأبدان إما لعدم شرط التذكر أو وجود مانع منه ، بعث الأنبياء تكليفا لهم ثانيا لدفع الغفلة وتكميل الحجة.

قوله : والإقرار ، كأنه كان بالإقرار كما سيأتي في آخر الباب عن هذا الراوي بعينه مع اختلاف في أول السند ، وعلى تقدير صحته يمكن عطفه على الذر عطف تفسير أو على الولاية أو هو منصوب على أنه مفعول معه وعامله أخذ ، وقيل : كان فيه إشعارا بأن الإقرار لله بالربوبية حقيقة لم يصدر عن غير الشيعة فإن إقرار غيرهم بها من قبيل الإقرار بالشيء مع إنكار لازمه البين وهو الولاية ، ولذا يسلب عنهم هذا الإقرار اليوم القيامة.

وقال بعض الأفاضل : إنما أخذ الله المواثيق الثلاثة عن الناس أجمعين إلا أنهم أقروا بالربوبية جميعا وأنكر النبوة والولاية بقلبه من كان ينكره بعد خلقه في هذا العالم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : معاينة كان هذا؟ قال : نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ».

الحديث الثاني : ضعيف والظاهر الجعفي مكان الجعفري ، فإنه الموجود في كتب الرجال ، وسيأتي الخبر بعينه في أوائل الإيمان والكفر وفيه الجعفي.

١٦١

صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وعن عقبة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله خلق الخلق فخلق ما أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة وخلق ما أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال فقلت وأي شيء الظلال قال ألم تر إلى

______________________________________________________

« فخلق ما أحب » قيل : « ما » في الأول موصولة وكذا في الثاني ، وفي الثالث مصدرية ، أقول : فيما سيأتي : فخلق من أحب ، وهو أظهر ، ويمكن أن يقدر مضاف أي وكان خلق ما أحب.

واعلم أنه ذهب المحدثون إلى أنه تعالى لما علم أعمال العباد وعقائدهم في الأعيان من الخير والشر خلق أبدان أهل الخير من طينة الجنة وخلق أبدان أهل الشر من طينة النار ، ليرجع كل إلى ما هو أهل له ولائق به ، فأعمالهم سبب لخلق الأبدان على الوجه المذكور دون العكس ، قال المحدث الأسترآبادي (ره) : المراد خلق التقدير على الوجه المذكور دون العكس ، قال المحدث الأسترآبادي (ره) : المراد خلق التقدير لا خلق التكوين ، ومحصول المقام أنه تعالى قدر أبدانا مخصوصة من الطينتين ثم كلف الأرواح فظهر منها ما ظهر ، ثم قدر لكل روح ما يليق بها من تلك الأبدان المقدرة.

« ثم بعثهم في الظلال » الضمير للمخلوقين معا والمراد بالظلال عالم المثال أو عالم الأرواح أو عالم الذر ، وإنما سمي عالم المثال بالظلال لأنه بمنزلة الظل لهذا العالم ، تابع وموافق له ، والتشبيه في الوجهين الآخرين أيضا قريب من ذلك ، أو لما ذكره عليه‌السلام من شباهتها بالظلال في أنه شيء وليس بشيء والمعنى أنه بالنسبة إلى الوجود العيني ليس بشيء أو كناية عن أنها أجسام لطيفة على الأول ، وعلى الثاني إيماء إلى تجردها على القول بالتجرد أو إلى لطافتها على القول بعدمه ، وعلى الثالث كناية عن صغر تلك الذرات التي تعلقت بها الأرواح كأنها ليست بشيء أو عن أنها ليست شيئا معتدا به بل هي حكاية لشيء معتد به.

قال المحدث الأسترآبادي (ره) : يفهم من الروايات أن التكليف الأول وقع

١٦٢

ظلك في الشمس شيء وليس بشيء ثم بعث الله فيهم النبيين يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ » (١) ثم دعاهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ثم دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ » (٢) ثم قال أبو جعفر

______________________________________________________

مرتين مرة في عالم المجرد الصرف ، ومرة في عالم الذر بأن تعلقت الأرواح فيه بجسد صغير مثل النمل ، ولما لم يكن تصل أذهان أكثر الناس إلى إدراك الجوهر المجرد عبروا عليهم‌السلام عن المجردات بالظلال لتفهيم الناس وقصدهم من ذلك أن موجودات ذلك العالم مجردة عن الكثافة الجسمانية كما أن الظل مجرد أنها ، فهي شيء وليست كالأشياء المحسوسة الكثيفة ، وهذا نظير قولهم عليهم‌السلام في معرفة الله تعالى : شيء بخلاف الأشياء الممكنة.

« ثم بعث الله فيهم النبيين » وفيما سيأتي « منهم » يدعوهم (٣) حال عن الله ، والمستكن عائد إليه والبارز للخلق ، أو هو علة للبعث فالمستكن للنبيين والبارز لغيرهم ، والتقدير لأن يدعوهم وفي بعض النسخ يدعونهم ، فهو حال عن النبيين ومؤيد للمعنى الثاني ، وفيما سيأتي فدعوهم وهو أظهر ، وهو قوله : أي جبل النفوس على الإقرار بالصانع بعد الإعراض عن الدواعي الخارجية بالضرورة الفطرية من أجل تلقينهم المعرفة في ذلك اليوم ، وإقرارهم بها ولو لم يكن ذلك لم يكن هذا ، وقيل : المعنى أن إقرارهم بذلك عند السؤال في أي وقت كان دل على إقرارهم بذلك في ذلك اليوم والأول أظهر « من أحب » أي من أحب الإقرار بها ومن أحبها أو من أحبنا أو من أحبه الله ، وكذا قوله : من أبغض.

« وهو » أي إنكار من أبغض « قوله » أي مدلول قوله والآية في الأعراف « فَما كانُوا » وكان التغيير من النساخ أو نقل بالمعنى ، وفيما سيأتي : ما كانوا ، بدون الواو

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٧.

(٢) سورة يونس : ٧٥.

(٣) وفي المتن « يدعونهم » وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

١٦٣

عليه‌السلام كان التكذيب ثم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن علي بن سيف ، عن العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغمشاني ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما من نبي جاء قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا على من سوانا.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول والله إن في السماء لسبعين صفا من الملائكة لو اجتمع أهل الأرض كلهم

______________________________________________________

أيضا وهو أقرب « لِيُؤْمِنُوا » أي في التكليف الثاني « بِما كَذَّبُوا بِهِ » أي عن النبوة.

والولاية « مِنْ قَبْلُ » أي في التكليف الأول في الميثاق « كان التكذيب ثم » أي كان تكذيب المكذبين من ذلك اليوم وليس بمتجدد أو مناط التكذيب الثاني والعمدة فيه هو الأول ، وكذا الإقرار.

أقول : سيأتي الكلام في هذه الأخبار الموهمة للجبر في كتاب الإيمان والكفر.

الحديث الثالث : كالسابق « ولاية الله » أي ولاية واجبة من قبل الله ، ولا يختص هذه الأمة بل كان أوجب الله سبحانه في كل شريعة ولايتنا أو الحمل على المبالغة.

لبيان أن ولاية الله لا تقبل إلا بولايتنا.

الحديث الرابع : مجهول « إلا بمعرفة حقنا » أي بواجب معرفة حق أهل البيت أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام « على من سوانا » من الأنبياء السابقين والأوصياء وسائر الخلق ، وهذا مما يدل على فضلهم على جميع الخلق.

الحديث الخامس : كالسابق.

١٦٤

يحصون عدد كل صف منهم ما أحصوهم وإنهم ليدينون بولايتنا.

٦ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ولاية علي عليه‌السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه علي عليه‌السلام.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور قال حدثنا يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل نصب عليا عليه‌السلام علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة.

______________________________________________________

« يحصون » جملة حالية « عدد كل صف » أي جميع الصفوف أو واحد منها ، وفي البصائر لسبعين صنفا يحصون عدد صنف منهم وكأنه أظهر ، وما قيل : من أن ضمير منهم راجع إلى أهل الأرض فلا يخفى بعده « ليدينون بولايتنا » أي يعتقدون بها أو يعبدون الله بها أو متلبسا بها.

الحديث السادس : كالسابق « ولن » هنا لتأكيد النفي كما جوزه الزمخشري إذ لا معنى للتأبيد هنا ، وكأنه كان « لم » لكن في البصائر أيضا كذلك.

الحديث السابع : ضعيف.

« علما » بالتحريك وهو ما ينصب في الطريق ليهتدي به ، وقيل : علامة الرشد والغي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فمن عرفه » أي عرف ولايته وأقر بها « ومن أنكره » أي أنكر إمامته بعد العلم أو التمكن منه « ومن جهله » أي لم يتم عليه الحجة من المستضعفين فهو ضال ولله فيه المشية ، أو المراد بالجاهل الشاك الذي لا ينكر ولا يقر « ومن نصب معه شيئا » بأن يعتقد إمامته ويقدم عليه أهل الضلال كأكثر الخلق من المخالفين فهو في حكم المشرك ومخلد في النار « ومن جاء بولاية » بلا فصل بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سائر الأئمة إذ يستلزم ولايته والعلم بإمامته كما حقه ، العلم بإمامة أوصيائه « دخل الجنة » وظاهره أن غير هؤلاء لا يدخلون الجنة ، فالضالون إن لم يدخلوا النار فهم أهل الأعراف.

١٦٥

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن عليا عليه‌السلام باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى لي فيهم المشيئة.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بكير بن أعين قال كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة وعرض الله جل وعز على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم « فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ».

______________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« إن عليا عليه‌السلام » أي ولايته « باب » ، أي باب رحمة الله وإسراره ومعارفه وباب علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكمه كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلى بابها ، وكل ذلك على الاستعارة والتمثيل « فمن دخله » أي قبل ولايته وقال بإمامته وإنما قسم عليه‌السلام في هذا الخبر ثلاثة أقسام لأن الخروج أعم من الإنكار مطلقا أو التشريك في الإمامة فعد هنا قسمين قسما واحدا « قال الله » أي في قوله : « وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » (١).

الحديث التاسع : حسن.

« في الطين » أي حين كان الرسول في الطين أو أمته أو هما معا ، أي قبل خلق أجسادهم « وهم أظلة » أي أرواح بلا أجساد أو أجساد مثالية « وعرضهم عليه » أي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا هو العرض الأول أو عرض آخر قبله كما مر « وعرفهم رسول الله » أي جعلهم عارفين بالرسول وبأمير المؤمنين صلوات الله عليهما أو جعلهما عارفين بهم وهو أظهر.

قوله : في لحن القول ، إشارة إلى قوله تعالى : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

__________________

(١) سورة التوبة. ١٠٦.

١٦٦

باب

في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو مع أصحابه فسلم عليه ثم قال له أنا والله أحبك وأتولاك فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام كذبت قال بلى والله إني أحبك وأتولاك فكرر ثلاثا فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام كذبت ما أنت كما قلت إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثم عرض علينا المحب لنا فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض فأين كنت فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه.

وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان في النار.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمار بن مروان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنا لنعرف الرجل

______________________________________________________

أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ ، وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ » (١) قال البيضاوي لحن القول أسلوبه أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية ومنه قيل : للمخطئ لاحن لأنه يعدل الكلام عن الصواب.

باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم

الحديث الأول : ضعيف.

« خلق الأرواح » المشهور بين المتكلمين عدم تقدم خلق الأرواح على الأبدان والأخبار المستفيضة تدل على تقدمها ولا مانع منه عقلا والدلائل النافية مدخولة وسيأتي القول في ذلك في كتاب الإيمان والكفر إنشاء الله « كان في النار » أي في أهل النار وكانت طينته في طينتهم.

الحديث الثاني : مختلف فيه.

__________________

(١) سورة محمد : ٢٩ ـ ٣٠.

١٦٧

إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق.

٣ ـ أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود فقال نعم وذلك أن رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأول ثم سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين ثم قال هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغير حساب وهكذا هي في قراءة علي عليه‌السلام قال قلت أصلحك الله فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام قال سبحان الله أما تسمع الله يقول : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (١)

______________________________________________________

« بحقيقة الإيمان » أي الإيمان الواقعي الحق الذي لا يشوبه نفاق وذلك الذي يحق أن يسمى إيمانا أو كناية عن أن الإيمان كأنه حقيقة المؤمن وماهيته أو بالحقيقة والطينة التي تدعو إلى الإيمان وكذا الكلام في حقيقة النفاق.

الحديث الثالث : مجهول كالحسن.

« وذلك أن رجلا » الظاهر أنه كلام عبد الله لبيان سبب سؤاله السابق ، والتقدير ذلك السؤال لأن رجلا سأله ويحتمل أن يكون من كلام الإمام ، فضمير سأله لسليمان عليه‌السلام لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : وهكذا هي ، أقول : لم تذكر هذه القراءة في القراءات الشاذة وكأنه على هذه القراءة المن بمعنى القطع أو النقض وحمله على أن الترديد بين العطاء مع المنة وبدونها بعيد عن سياق الخبر ، وعلى القراءة المشهورة المن بمعنى الإعطاء ، وقد مضى في باب أن المتوسمين هم الأئمة عليهم‌السلام تأويل قوله تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » وقد مضى في باب التفويض أن أحد معانيه تفويض بيان العلوم والأحكام بما أرادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقول الخلق

__________________

(١) سورة الحجر. ٧٥.

١٦٨

وهم الأئمة « وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » لا يخرج منها أبدا ثم قال لي نعم إن الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو إن الله يقول : « وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ » (١) وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم.

______________________________________________________

وإفهامهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالحكم الواقعي وبعضهم بالتقية ويبينون تفسير الآيات وتأويلها ويبدلون المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل ، وأيضا لهم أن يجيبوا ولهم أن يسكتوا بحسب المصالح.

« وعرف لونه » أي ما يدل عليه لونه أو اللون بمعنى النوع من المؤمن والمنافق وكذا قوله : وعرف ما هو ، أي نوع هو ، وعلى أي صفة « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ » على تأويله عليه‌السلام المعنى أن في الألسن المختلفة والألوان المتنوعة آيات وعلامات للعلماء الربانيين وهم الأئمة عليهم‌السلام يستدلون بها على إيمانهم ونفاقهم ونجاتهم وهلاكهم.

__________________

(١) سورة الروم : ٢١.

١٦٩

(أبواب التاريخ)

(باب)

( باب مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته )

ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال وروي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة وحملت به أمه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى وكانت في منزل عبد الله بن

______________________________________________________

باب (١) التاريخ

تاريخ مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته

« لاثنتي عشرة » اعلم أنه اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم على أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في سابع عشر شهر ربيع الأول ، وذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه ، واختاره المصنف رحمه‌الله إما اختيارا أو تقية والأخير أظهر ، لكن الدلائل الحسابية على الأول أدل كما سنشير إليه ، وذهب بعضهم إلى الثامن وبعضهم إلى العاشر من الشهر المزبور ، وذهب شاذ منهم إلى أنه ولد في شهر رمضان فأما يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا أنه كان يوم الجمعة ، والمشهور بين المخالفين يوم الاثنين ، ثم الأشهر بيننا وبينهم أنه ولد بعد طلوع الفجر ، وقيل : عند الزوال وقيل : آخر النهار ، وقال صاحب العدد القوية كانت خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل بسبع بقين من ملك أنوشيروان ، ويقال : في ملك هرمز بن أنوشيروان وذكر الطبرسي أن مولده كان لاثنتي وأربعين سنة من ملك أنوشيروان ، وهو الصحيح لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان.

قوله : عند طلوع الفجر ، أي بعده بقليل « قبل أن يبعث » متعلق بولد.

قوله : وحملت به أمه ، اعلم أن هيهنا إشكالا مشهورا أورده الشهيد الثاني

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « أبواب » بلفظ الجمع.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

رحمه‌الله وجماعة وهو أنه يلزم على ما ذكره الكليني رحمه‌الله من كون الحمل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيام التشريق وولادته في ربيع الأول أن يكون مدة حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما ثلاثة أشهر أو سنة وثلاثة أشهر ، مع أن الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر ، ولا أكثر من سنة ، ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجواب أن ذلك مبني على النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وقد نهى الله تعالى عنه ، وقال : « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ » قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد : كان المشركين يحجون في كل شهر عامين يحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين وكذلك في المشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ، ثم حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة ، فقال في خطبته : ألا وإن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنتي عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ، ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضربين جمادى وشعبان أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء ، انتهى.

إذا عرفت هذا فقيل : إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جمادى الأولى لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ودورة النسيء أربعة وعشرون سنة ضعف عدد الشهور ، فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامس عشر ابتداء الدورة لأنه إذا نقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون يبقى أربعة عشر ، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة ، واثنتان قبلهما الشوال وهكذا ، فتكون الأوليان منها لجمادى الأولى ، فكان الحج عام مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عام الفيل في جمادى الأولى ، فإذا فرض أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حملت به أمه في الثاني عشر

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

منه ، ووضعت في الثاني عشر من ربيع الأول ، تكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيدة ولا نقيصة.

أقول : ويرد عليه أنه قد أخطأ رحمه‌الله في حساب الدورة وجعلها أربعة وعشرين سنة ، إذ الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة وعشرين سنة ، إذ في كل سنتين يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسيء ، وفي كل خمسة وعشرين سنة تحصل أربعة وعشرون حجة تمام الدورة ، وأيضا على ما ذكره يكون مدة الحمل أحد عشر شهرا إذ لما كان عام مولده أول حج في جمادى الأولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني ، فالصواب أن يقال : كان في عام حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحج في جمادى الأولى ، وفي عام مولده في جمادى الثانية ، فعلى ما ذكرنا تتم من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دورتان في الحادية والخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى الثانية وتكون للشهر حجتان إلى أن ينتهي إلى الحادية والستين والثانية. والستين ، فيكون الحج فيهما في ذي القعدة ويكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة فتكون مدة الحمل عشرة أشهر.

فإن قلت : على ما قررت من أن في كل دورة تتأخر سنة ففي نصف الدورة تتأخر ستة أشهر ومن ربيع الأول الذي هو شهر المولد إلى جمادى الثانية التي هي شهر الحج نحو من ثلاثة أشهر فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟ قلت : تاريخ السنة محسوبة من شهر الولادة فمن ربيع الأول من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث وستين تتم اثنان وستون ، ويكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث والستين وفي شهر العاشر من تلك السنة أعني ذا الحجة وقع الحج الحادي والستون وتوفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل إتمام السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما ، فصار عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا وستين إلا تلك الأيام المعدودة.

وأما ما رواه سيد بن طاوس في كتاب الإقبال نقلا من كتاب النبوة للصدوق

١٧٢

عبد المطلب وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار وقد أخرجت الخيزران ذلك البيت فصيرته مسجدا

______________________________________________________

رضي الله عنهما ، أن الحمل بسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة وقع الحج في جمادى الثانية ومن سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع وستون سنة ، وفي الخمسين تمام الدورتين وتبتدئ الثالثة من جمادى الثانية ، ويكون في حجة الوداع ، والتي قبلها الحج في ذي الحجة ولا يخالف شيئا إلا ما مر عن مجاهد أن حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة ، وقوله غير معتمد في مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبرا ، وتكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلا يوما فيوافق ما هو المشهور في مدة حمله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند المخالفين.

وقوله : عند الجمرة الوسطى أي في بيت كان قريبا منها ، وكان البيت لعبد الله أو موضع نزوله إذ كانت لأهل مكة في منى منازل وبيوت ينزلونه في الموسم ، ويحتمل أن يكون المراد بالمنزل الخيمة المضروبة له هناك ، وقال بعض الأفاضل في دفع الإشكال المتقدم : التشريق الخروج إلى ناحية المشرق ، وكانت أشراف قريش يخرجون من مكة مع أهاليهم في الصيف إلى الطائف ، وهو في ناحية المشرق وكانوا يسمون تلك الأيام أيام التشريق وينزلون منى في بعض تلك الأيام ، والقرينة على أنه ليس المراد بأيام التشريق ما في موسم الحج أن المكان الذي هو عند الجمرة الوسطى لا يخلو في موسم الحج. « وكانت » أي حين إقامتها بمكة ، ولو كان المراد حين كونها في منى لم يحتج إلى زيادة لفظ : وكانت ، انتهى.

ولا يخفى غرابته ولا أدري من أين أخذ رحمه‌الله هذا الاصطلاح لأيام التشريق ، وأي مناسبة لمني مع الطائف.

والشعب بالكسر : ما انفرج بين جبلين ، وشعب أبي طالب معروف بمكة وهو

١٧٣

يصلي الناس فيه وبقي بمكة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين ثم قبض عليه‌السلام لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول يوم الإثنين

______________________________________________________

الموضع الذي كان فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو طالب وسائر بني هاشم فيه عند إخراج قريش إياهم من بينهم ، وكتب الكتاب بينهم في مهاجرتهم ومعاندتهم.

قوله : في دار محمد بن يوسف ، المشهور في السير أن هذه الدار كانت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالميراث ، ووهبها عقيل بن أبي طالب ثم باعها أولاد عقيل بعد أبيهم محمد بن يوسف أخا الحجاج فاشتهرت بدار محمد بن يوسف فأدخلها محمد في قصره الذي يسمونه بالبيضاء ثم بعد انقضاء دولة بني أمية حجت خيزران أم الهادي والرشيد من خلفاء بني العباس فأفزرها عن القصر وجعلها مسجدا ، والقصوى مؤنث أقصى أي الأبعد ، والمكان بهذا الوصف موجود الآن يزوره الناس.

وأما إقامته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة بعد البعثة فالمشهور أنه ثلاثة عشرة سنة كما ذكره المصنف ، وقيل : خمس عشرة سنة ، وقيل : ثمان سنين وهما متروكان ، ولا خلاف في أن مدة إقامته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة كانت عشر سنين.

وأما ما ذكره من يوم وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد بناه على ما هو المشهور بين المخالفين أيضا ، والمشهور بيننا ما ذكره الشيخ في التهذيب وغيره في كتبهم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة ، والأصوب أن وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت سنة إحدى عشرة من الهجرة ليتم عشر سنين منها كما ذكره المسعودي وغيره ، لكن لما ذكره الشيخ أيضا وجه ، إذ لو حوسب التاريخ من المحرم الذي هو مبدء التواريخ بعد الهجرة ، فالوفاة في الحادية عشرة ، وإن حوسب من وقت الهجرة فالوفاة قبل تمام العشرة على المشهور ، وعنده على قول الكليني ، قال في جامع الأصول : مات سنة إحدى عشرة ، فقيل : كان يوم الاثنين مستهل ربيع الأول ، وقيل : لليلتين خلتا ، وقيل : لاثنتي عشرة وهو الأكثر ، انتهى.

وقال صاحب كشف الغمة من تاريخ أحمد بن أحمد الخشاب عن أبي جعفر الباقر

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه‌السلام قال قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة في سنة عشر من الهجرة ، فكان مقامه بمكة أربعين سنة ، ثم نزل عليه الوحي في تمام أربعين ، وكان بمكة ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر إلى المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، فأقام بالمدينة عشر سنين ، وقبض عليه‌السلام في شهر ربيع الأول يوم الاثنين لليلتين خلتا منه ، وروي لثماني عشرة ليلة منه ، رواه البغوي ، وقيل : لعشر خلون منه ، وقيل : لثمان بقين رواه ابن الجوزي والحافظ أبو محمد بن حزم وقيل : لثمان خلون من ربيع الأول ، انتهى.

واعلم أن الذي يدل على صحة ما ذهب إليه الكليني قدس‌سره من تاريخ الولادة هو أنه من أول ربيع الأول الذي ولد فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أول ربيع الأول الذي هاجر فيه إلى المدينة ثلاث وخمسون سنة تامة قمرية ، لأن مدة مكثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها بعد الهجرة كانت عشر سنين كما عرفت ، ومدة حياته ثلاث وستين سنة أو أقل منها بعشرين يوما ، على رواية أنه ولد في السابع عشر من ربيع الأول ، وقبض في آخر صفر ولا اختلاف في ولادته باعتبار الشهر بين الشيعة ، فمن أول المحرم المقدم على ميلاده الشريف الذي هو رأس سنة عام الفيل إلى أول المحرم المقدم على هجرته الذي هو مبدء التاريخ الهجري أيضا ثلاث وخمسون سنة تامة قمرية ، فلما ضربنا عدد السنين التامة القمرية المذكورة في ثلاثمائة وأربعة وخمسين عدد أيام سنة تامة قمرية وحصلنا الكبائس وزدناها عليها على القانون المقرر عندهم ، حصل ثمانية عشر آلاف وسبعمائة وأحد وثمانون وكان أول محرم سنة هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخميس بالأمر الأوسط كما ذكروه في الزيجات ، وعليه مدار عملهم.

قال العلامة الرازي وأولها وهو أول المحرم يوم الخميس بالأمر الأوسط وقول أهل الحديث يوم الجمعة بالرؤية وحساب الاجتماعات نعمل عليه ، وأرخ منهما في مستأنف الزمان ، انتهى.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا طرحنا من المبلغ سبعة سبعة عدد أيام الأسبوع لم يبق شيء فظهر أن أول المحرم في عام الفيل الذي هو عام مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا يوم الخميس بالأمر الأوسط فأول شهر صفر من هذا العام يوم السبت ، وأول ربيع الأول يوم الأحد بالأمر الأوسط ، ولما كان أول الشهور يختلف بحسب الأمر الأوسط في الأكثر بيوم ، فأوله بالرؤية يوم الاثنين ، واليوم الثاني عشر منه يوم الجمعة ، وأما اليوم السابع عشر منه فيوم الثلاثاء بالأمر الأوسط ، ولا يختلف أول الشهور بالأمر الأوسط والرؤية بأكثر من يومين ، لأن أكثر المتوالية من الشهور التامة بالرؤية أربعة أشهر ، لا يزيد عليها وأكثر المتوالية من الناقصة ثلاثة أشهر لا غير ، والشهور الوسطية شهر تام وشهر ناقص إلا في سنة الكبيسة ، فإن شهرين متواليين فيها يكونان تأمين وهما ذو الحجة والمحرم ، فعلى تقدير تقدم أول الشهر بالرؤية بيومين على الأمر الأوسط وتأخره كذلك عنه ، فالسابع عشر إما الخميس أو الأحد ، والجميع متفقون على أن ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في يوم الجمعة وهو يبطل كونها في السابع عشر ، ويثبت الثاني عشر ، فالقول المشهور متهافت يناقض بعضها بعضا ، وكونها يوم الجمعة تنافي كونها في السابع عشر.

وإذا تقرر ذلك فلننظر في وقت وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا قد عرفت أن أول المحرم سنة الهجرة يوم الخميس فأول صفر يوم السبت ، وأول ربيع الأول يوم الأحد ، وإذ قد عرفت أن أول ربيع الأول الذي ولد فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الأحد وما بين ربيع الأول الذي في خلال سنة هجرته وبينه ثلاث وخمسون سنة تامة قمرية كما مر ، فإذا جعلت السنين أياما وطرحت منها سبعة سبعة لم يبق شيء ، فظهر أن أول ربيع الذي في خلال سنة هجرته أيضا يوم الأحد.

فنقول : ما بين أول ربيع الأول الذي خلال سنة هجرته ، وأول ربيع الأول الذي قبض فيه عشر سنين تامة قمرية فإذا ضربنا عدد السنين في عدد أيام السنة القمرية وزدنا عليه الكبائس بلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعا وأربعين ، فإذا طرحنا من المبلغ

١٧٦

وهو ابن ثلاث وستين سنة وتوفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله

______________________________________________________

سبعة سبعة يبقى اثنان ، فإذا جمعنا هما مع الأحد أول ربيع الأول الذي هاجر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، يظهر أن أول الربيع الأول الذي قبض فيه يوم الثلاثاء بالأمر الأوسط فالثاني عشر منه بالأمر الأوسط يوم السبت ، وبالرؤية يوم الاثنين ، وقد عرفت أنه قد يتقدم أول الشهر بحسب الرؤية عليه ويتأخر عنه بالأمر الأوسط بيومين وإذا كان أول الربيع بالأمر الأوسط يوم الثلاثاء يكون أول شهر صفر بالأمر الأوسط يوم الاثنين ، والسابع والعشرون منه يوم السبت ، فيمكن أن يكون الاختلاف لأجل اختلاف الرؤية ، والأمر الأوسط بأن يكون أول الشهر بالرؤية يوم أربعاء فينطبق الثامن والعشرون من شهر صفر على يوم الاثنين ، فلا يظهر ترجيح من هذا الوجه لأحد القولين على الآخر.

أقول : وقد أوردنا في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار وجوها أخرى حسابية لتقوية ما اختاره ثقة الإسلام (ره) ومع ذلك كله يشكل رد الخبر المعتبر الدال علي كون الولادة الشريفة في السابع عشر لابتناء تلك الوجوه على ما ظهر لأهل الهيئة من الأرصاد المختلفة في الكسور والكبائس ، ويظهر من اختلافها في الأزمنة المتطاولة اختلاف كثير ، وأيضا كون الولادة في يوم الجمعة ليس شهرتها بين الإمامية كشهرة السابع عشر ، فيمكن أن يكون الاشتباه في الأول دون الثاني.

مع أن ما ورد في الأخبار مبني علي الرؤية الشرعية فيمكن أن يكون الرؤية أيضا متأخرة عن هذا الحساب في ذلك الشهر الغيم أو نحوه ، والله يعلم حقائق الأمور.

قوله (ره) : وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقال بعض العامة : ابن خمس وستين ، وعلى الأول اتفق أصحابنا وهو المشهور بينهم أيضا.

وأما نسبه الشريف على ما ذكره الأكثر هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن

١٧٧

وهو ابن شهرين وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وهو عليه‌السلام ابن أربع سنين ومات عبد المطلب وللنبي

______________________________________________________

أدي بن أدد بن اليسع بن شروع بن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه‌السلام بن تارخ بن تاخور بن شروع بن أرغو بن غالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن مالك بن متوشلخ بن أخنوخ بن البارذ بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهم‌السلام. (١) فإلى عدنان اتفق الأكثر وبعده اختلفوا اختلافات كثيرة أوردناها في الكتاب الكبير.

قوله : عند أخواله ، قال الراوندي في القصص : أن أباه توفي وأمه حبلى ، وقدمت أمه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عدي النجار بالمدينة ، ثم رجعت به حتى إذا كانت بالأبواء ماتت وأرضعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى شب حليمة بنت عبد الله السعدية.

وقال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب : توفي أبوه وهو ابن شهرين ، الواقدي وهو ابن سبعة أشهر ، الطبري : توفي أبوه بالمدينة ودفن في دار نابغة ، ابن إسحاق : توفي أبوه وأمه حامل به ، وماتت أمه وهو ابن أربع سنين ، الكلبي : وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا ، محمد بن إسحاق : توفيت أمه بالأبواء منصرفة إلى مكة ، وهو ابن ست ورباه عبد المطلب ، وتوفي عنه وهو ابن ثمان سنين وشهرين وعشرة أيام ، فأوصى به إلى أبي طالب فرباه.

وقال الكازروني في المنتقى : ولد عبد الله لأربع وعشرين سنة مضت عن ملك كسرى أنوشيروان فبلغ سبع عشرة سنة ، ثم تزوج آمنة ، فلما حملت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي وذلك أن عبد الله بن عبد المطلب خرج إلى الشام في عير من عيرات قريش ، يحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله يومئذ مريض ،

__________________

(١) في ضبط بعض تلك الأسماء اختلاف في النسخ وما أثبتناه هنا موافق لما هو موجود في الأصل ، وعلى الباحث المحقق الرجوع إلى السير والتواريخ الموسوعة.

١٧٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله نحو ثمان سنين وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها

______________________________________________________

فقال : أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا : خلفناه عند أخواله بني عدي وهو مريض ، فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده الحارث ، فوجده قد توفي في دار النابغة ، فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وجدا شديدا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة ، وروي أنه توفي بعد ما أتى على رسول الله ثمانية وعشرون شهرا ، ويقال : سبعة أشهر والأول أصح ، انتهى.

قوله : وتزوج خديجة ، قال القرطبي : تزوجها قبل النبوة ثيبا بعد زوجين ، بعد أبي هالة التميمي ، وبعد عتيق المخزومي ، ثم تزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي بنت أربعين سنة وأقامت معه أربعا وعشرين سنة ، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر ، وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين تزوجها إحدى وعشرون سنة ، وقيل : خمس وعشرون ، وقيل : ثلاث وثلاثون ، وقال بعضهم : أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم كانت خديجة تحت أبي هالة بن زرارة التميمي ، فولدت له هندا وهالة وهما ذكران ثم تزوجها عتيق بن عائذ المخزومي ، فولدت له جارية اسمها هند ، وبعضهم يقدم عتيقا على أبي هالة ، ثم تزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولها يومئذ من العمر أربعون سنة وبعض أخرى ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس وعشرون سنة ، وقيل : إحدى وعشرون ، والأول أصح ولم ينكح النبي قبلها امرأة ولم ينكح عليها حتى ماتت وهي أول من آمن من النساء.

قال ابن شهرآشوب رحمه‌الله في المناقب : تزوج أولا بمكة خديجة بنت خويلد قالوا : وكانت عند عتيق بن عائذ المخزومي ثم عند أبي هالة ، وروى أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والمرتضى في الشافي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج بها وكانت عذراء ، ويؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة ، انتهى.

١٧٩

قبل مبعثه عليه‌السلام القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له بعد المبعث الطيب

______________________________________________________

ثم اعلم أنه اختلف في عدد أولاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال القرطبي : اجتمع أهل النقل علي أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام وهاجرن ، زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ، وأجمعوا أنها ولدت له ولدا سماه القاسم وكان به يكنى واختلف هل ولدت له ذكرا غيره ، فقيل : ولدت ثلاثا عبد الله والطيب والطاهر ، والخلاف في ذلك كثير ومات القاسم بمكة صغيرا قبل أن يمشي ، وقيل : إنه لم يعش إلا أياما يسيرة ، ولم يكن له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير خديجة ولد غير إبراهيم عليه‌السلام ولدته مارية القبطية ، ولدته بالمدينة وبها توفي وهو رضيع ، وتوفي جميع أولاده في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها ، فإنها توفيت بعده بستة أشهر.

وروى الصدوق (ره) في الخصال بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ولد لرسول الله عليه‌السلام من خديجة القاسم والطاهر وهو عبد الله ، وأم كلثوم ورقية وزينب وفاطمة وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة عليهما‌السلام ، وتزوج أبو العاص بن الربيع وهو رجل. من بني أمية زينب وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم ، فماتت ولم يدخل بها ، فلما ساروا إلى بدر زوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقية ، وولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إبراهيم من مارية القبطية وهي أم إبراهيم أم ولد.

ونحو ذلك روى الحميري في قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب : ولد من خديجة القاسم وعبد الله وهما الطاهر والطيب ، وأربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وهي آمنة ، وفاطمة وهي أم أبيها ، ولم يكن له ولد من غيرها إلا إبراهيم من مارية ، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم ، ويقال ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ، ومات بها ، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام وقبره بالبقيع.

وفي الأنوار والكشف واللمع وكتاب البلاذري إن زينب ورقية كانتا ربيبته من

١٨٠