مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

يزغ قلبك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم تخر كنت كالجبل لا تحركه العواصف وكنت كما قال عليه‌السلام آمن الناس في صحبتك وذات

______________________________________________________

سابقه في هذا الأمر أي سبق الناس إليه ، انتهى.

وقيل : السوابق الخيل التي لا بد من تقديمها ، والسبق إليها في الخلافة والفضيلة ما يوجب الفضل والذهاب بها أخذها والاتصاف بها منفردا ، أو ذهبت بها إلى الآخرة « لم تفلل حجتك » على بناء المجهول من المجرد أو بناء المعلوم من باب التفعل بحذف إحدى التائين في القاموس فله وفلله ثلمة فتفلل وانفل وافتل والقوم هزمهم فانفلوا أو تفللوا وسيف فليل ومفلول : منثلم ، انتهى.

شبه عليه‌السلام الحجة على الإمامة وسائر الأمور الحقة بالسيف القاطع ، وأثبت لها الفلول « ولم يزغ » من باب ضرب أي لم يمل إلى الباطل « ولم تضعف » من باب حسن وكذا لم تجبن « ولم تخر » من الخرور وهو السقوط من علو إلى سفل أو مطلقا والفعل من باب ضرب ونصر ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة من الحيرة ، وفي الإكمال والمجالس وبعض نسخ الكتاب : ولم تخن ، من الخيانة وهو أظهر.

« وكنت كالجبل لا تحركه العواصف » وفي النهج كالجبل لا تحركه القواصف ، وفي الإكمال لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، والقواصف الرياح الشديدة التي تكسر السفن ونحوها ، أو شديدة الصوت كالرعد ، والريح العاصف العاصفة الشديدة ، شبهه عليه‌السلام في قوة الإيمان وشدة اليقين وكمال العزم في أمور الدين وعدم تزلزله فيها بالشكوك والشبهات والأغراض والشهوات بالجبل حيث لا تحركه الرياح الشديدة.

« وكنت كما قال » أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنك « آمن الناس » آمن أفعل التفضيل مأخوذ من الأمانة ضد الخيانة « في صحبتك و » في « ذات يدك » أي كنت أكثر الناس أمانة في مصاحبتك بحيث لا تغش فيها أصلا ، وفي الأموال التي بيدك من بيت المال وغيره أو الأعم منها ومن العلوم والمعارف التي خصه الله بها ، وقيل : في للتعليل والمراد بالصحبة ملازمته للرسول في الخلوات لتعلم الأحكام وبذات يده ما معه من العلوم

٣٠١

يدك وكنت كما قال عليه‌السلام ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله كبيرا في الأرض جليلا عند المؤمنين لم يكن لأحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مغمز [ ولا لأحد فيك مطمع ] ولا لأحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فيما فعلت وقد نهج السبيل وسهل العسير ـ وأطفئت

______________________________________________________

والمعارف ولا يخفى بعده « ضعيفا في بدنك » أي كانوا يرونك ضعيفا بحسب الجسم والبدن أو كنت في أمر رعاية بدنك وتربيتها ضعيفا ، وفي إقامة دين الله والجهاد في سبيله قويا « متواضعا في نفسك » أي عند نفسك متذللا متواضعا.

« لم يكن لأحد فيك مهمز » المهمز والمغمز مصدران أو أسماء مكان من الهمز والغمز وهما بمعنى ، أو الهمز الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم ، والغمز : الإشارة بالعين خاصة أو بالعين والحاجب واليد ، وفي فلان مغمز أي مطعن ، والهماز والهمزة العياب والنفي لظهور الفساد ، والمطمع أيضا مصدر أو اسم مكان ، أي لم يكن أحد يطمع منك أن تميل إلى جانبه بغير حق أو لا تطمع في مال أحد والأول أظهر.

وقال في النهاية : فيه لا يأخذه في الله هوادة ، أي لا يسكن عند وجوب حد لله ولا يحابي فيه أحدا ، والهوادة : السكون والرخصة والمحاباة ، انتهى.

« الضعيف الذليل » أي عند الناس وهو استئناف لبيان نفي الهوادة « حتى تأخذ » تعليل أو غاية للقوة والعزة إذ بعد ذلك هو وسائر الناس عنده سواء « قولك حكم » أي حكمة أو محكم ومتقن ، والحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة « ورأيك علم » أي مبني على العلم لا الظن والتخمين « وعزم » أي تعزم عليه لابتنائه على اليقين « فيما عملت » (١) أي رأيك كذلك في كل ما فعلت ، وفي الإكمال والمجالس « فأقلعت وقد نهج السبيل » وهو الصواب ، أي فمضيت وذهبت عنا وقد وضح سبيل الحق ببيانك ،

__________________

(١) وفي المتن « في ما فعلت ».

٣٠٢

النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإسلام ، فظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، وثبت بك الإسلام والمؤمنون وسبقت سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك تعبا شديدا فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الأنام ، فإِنَّا لِلَّهِ

______________________________________________________

قال الجوهري : الإقلاع عن الأمر الكف عنه يقال : أقلع عما كان عليه وأقلعت عنه الحمى ، ويقال : هم على قلعة أي على رحلة ، وفي القاموس : نهج كمنع وضح وأوضح ، والطريق : سلكه ، وسهل كحسن ، أو مجهول باب التفعيل.

« وأطفئت النيران » أي نيران قتال المشركين والخوارج « واعتدل » أي استقام « بك » أي بسيفك وبيانك « الدين » و « سبقت » أي في الفضائل والكمالات « سبقا بعيدا » لا يمكن لأحد الوصول إليك فيها ، أو سبقت بمضيك إلى الآخرة سبقا بعيدا لا يوصل إليك إلا في القيامة أو الرجعة « وأتعبت من بعدك » أي بمصيبتك أو بأنهم يسعون لأن يصلوا إلى ما وصلت إليه من الكمالات فلا يمكنهم « فجللت عن البكاء » أي أنت أجل من أن تتدارك مصيبتك بالبكاء ، بل قتل الأنفس أيضا قليل في ذلك.

والرزيئة بالهمز وقد تقلب ياءا : المصيبة ، والهد : الهدم الشديد.

« فإِنَّا لِلَّهِ » أي فنصير ونقول هذا الكلام وهي كلمة أثنى الله تعالى على قائلها عند المصائب لدلالتها على الرضا بقضائه والتسليم لأمره ، فمعنى « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه ، فله التصرف فينا بالموت والحياة والمرض والصحة والمالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه واعتراض المملوك عليه جرأة وسفاهة « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار بالبعث والنشور ، وتسلية للنفس بأن الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره والآلام أحسن الثواب كما وعدنا ، وينتقم لنا ممن ظلمنا ، وفيه تسلية من جهة أخرى وهي أنه إذا كان رجوعنا جميعا إلى الله وإلى ثوابه فلا بأس بافتراقنا بالموت ، ولا ضرر على الميت أيضا لأنه انتقل من دار إلى دار أخرى أحسن من الأولى ، ورجع إلى رب كريم هو رب الآخرة والدنيا.

٣٠٣

وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، رضينا عن الله قضاه وسلمنا لله أمره فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا.

كنت للمؤمنين كهفا وحصنا وقنة راسيا وعلى الكافرين غلظة وغيظا فألحقك الله بنبيه ولا أحرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم طلبوه فلم يصادفوه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن صفوان الجمال قال كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد الله عليه‌السلام قال فقال له عامر جعلت فداك إن الناس يزعمون أن أمير المؤمنين عليه‌السلام دفن بالرحبة

______________________________________________________

« لن يصاب » أي في المستقبل لأنه كان أفضل ممن بعده إلى يوم القيامة ، ولا ينافي كون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل منه وكون مصيبته أشد من مصيبته ، وفي القاموس الكهف كالبيت المنقور في الجبل ، والوزر والملجإ ، وقال : القنة بالضم : الجبل الصغير وقلة الجبل ، والمنفرد والمستطيل في السماء ، ولا يكون إلا أسود ، أو الجبل السهل المستوي المستنبط على الأرض ، والراسي : الثابت ، وقيل : هو تميز مثل : لله درة ، أو نعت قنة ، وترك التأنيث في مثله جائز ، قال الجوهري : قوله تعالى « إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » (١) ولم يقل قريبة لأنه أراد بالرحمة الإحسان ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره ، انتهى.

ويجوز كون ما بعد الياء ألفا ممدودة للتأنيث كنافقاء ، وليست هذه الفقرة في الإكمال « وغيظا » أي موجبا لغيظهم « فألحقك الله » جملة دعائية « وبكى » ثانيا على المجرد ورفع « أصحاب » أو على التفعيل ونصب أصحاب ، وفي الإكمال : وأبكي على بناء الأفعال.

الحديث الخامس : صحيح.

وفي القاموس : الرحبة بالفتح محلة بالكوفة ، وفي الصحاح : رحبة المسجد ساحته

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.

٣٠٤

قال لا قال فأين دفن قال إنه لما مات احتمله الحسن عليه‌السلام فأتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة فدفنه بين ركوات بيض

______________________________________________________

وفي المصباح : الرحبة البقعة المتسعة بين أفنية القوم ، وكان المراد هنا ميدان الكوفة أو ساحة مسجدها ، وفي القاموس : النجف محركة ـ وبهاء ـ مكان لا يعلوه الماء ، مستطيل منقاد ، ويكون في بطن الوادي ، وقد يكون ببطن من الأرض أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها ، والنجف محركة التل ـ وبهاء ـ موضع بين البصرة والبحرين ، ومسناة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها ومنازلها ، انتهى.

وفي معجم البلدان : النجف بالتحريك بظهر الكوفة كالمسناة يمنع سيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها ، وبالقرب من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقال الجوهري : الغريان هما طربالان يقال هما قبر مالك وعقيل نديمي جذيمة الأبرش ، وسميا غريين لأن النعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج يوم بؤسه ، وفي المغرب : الحيرة بالكسر مدينة كان يسكنها النعمان بن المنذر ، وهي على رأس ميل من الكوفة.

قوله عليه‌السلام : بين ذكوات ، كذا في أكثر نسخ الحديث ، ولعله أراد التلال الصغيرة التي كانت محيطة بقبره صلوات الله عليه شبهها ـ لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها ، لاشتمالها على الحصيات البيض والدراري ـ بالجمرة الملتهبة إذ الذكوة هي الجمرة الملتهبة كما ذكره اللغويون ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد بالذكوات تلك الحصيات ، وقيل : إن أصله ذكاوات جمع ذكاء بمعنى التل الصغير ، ورأيت في بعض نسخ فرحة الغري الركوات جمع ركوة وهي الحوض الكبير ، فالمراد به الحياض التي كان يجمع فيها الماء حول قبره صلوات الله عليه.

واعلم أن سبب هذا السؤال أنه نشأ اختلاف في أول الأمر في موضع قبره الشريف لأنه عليه‌السلام أوصى بإخفاء دفنه خوفا من الخوارج لئلا ينبشوا قبره عليه‌السلام

٣٠٥

قال فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع فتوهمت موضعا منه ثم أتيته فأخبرته

______________________________________________________

فدفنه الحسنان وخواص أقاربه ليلا ، فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه دفن في رحبة الكوفة ، وبعضهم إلى أنه دفن في المسجد ، وقيل : دفن في قصر الإمارة ، وقيل : دفن في بيته ، وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ ، ثم أئمتنا عليهم‌السلام عرفوا موضع قبره بعض خواص الشيعة فاجتمعت الشيعة وتواترت رواياتهم على أنه مدفون في الغري في الموضع المعروف عند الخاص والعام ، وارتفع الخلاف ، وقد كتب السيد النقيب الجليل عبد الكريم بن أحمد بن طاوس كتابا في تعيين موضع قبره عليه‌السلام ورد أقوال المخالفين في ذلك سماه فرحة الغري وأورد فيه أخبارا كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : وروى أبو الفرج الأصفهاني بإسناده عن الأسود الكندي والأجلح قالا : توفي علي عليه‌السلام وهو ابن أربع وستين سنة ، وفي عام أربعين من الهجرة ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان ، وولي غسله ابنه الحسن فكبر عليه خمس تكبيرات ، ودفن بالرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح ، هذه رواية أبي مخنف ، قال أبو الفرج : وحدثني أحمد بن سعيد بإسناده عن الحسن بن علي الحلال عن جده قال : قلت للحسين بن علي عليه‌السلام : أين دفنتم أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ قال : خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث ، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري.

قال ابن أبي الحديد : وهذه الرواية هي الحق وعليها العمل ، وقد قلنا فيما تقدم : أن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب ، وهذا القبر الذي بالغري ، هو الذي كان بنو علي يزورونه قديما وحديثا ، ويقولون : هذا قبر أبينا لا يشك أحد في ذلك من الشيعة ولا من غيرهم أعني بني علي من ظهر الحسن والحسين وغيرهما من سلالة المتقدمين منهم والمتأخرين ، ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه.

٣٠٦

فقال لي أصبت رحمك الله ثلاث مرات

______________________________________________________

وروى أبو الفرج علي بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال : مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروفا إلا قبر أمير المؤمنين ، وهو القبر الذي يزوره الناس الآن.

جاء جعفر بن محمد وأبوه محمد بن علي بن الحسين فزاراه ، ولم يكن إذ ذاك قبر ظاهر ، وإنما كان به شيوخ أيضا حتى جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة ، انتهى.

وروي في فرحة الغري بإسناده عن محمد بن الحسن الجعفري قال : وجدت في كتاب أبي وحدثتني أمي عن أمها أن جعفر بن محمد عليه‌السلام حدثها أن أمير المؤمنين أمر ابنه الحسن عليه‌السلام أن يحفر له أربع قبور في أربعة مواضع ، في المسجد ، وفي الرحبة ، وفي الغري وفي دار جعدة بن هبيرة ، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره.

وروي أيضا بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام بإسناد آخر عن أبي عبد الله الجدلي ، أنه أوصى أمير المؤمنين إلى الحسن عليه‌السلام فقال : يا بني إني ميت من ليلتي هذه ، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني بحنوط جدك ، وضعني على سريري ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه ، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر وليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب ، فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر ، ثم تقدم أي بني فصل علي فكبر سبعا فإنها لن تحل لأحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان ، يقيم اعوجاج الحق ، فإذا صليت فحط حول سريري ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا ، ثم شق لي لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح عليه‌السلام ، وضعني في الساجة ثم ضع علي سبع لبنات كبار ثم ارقب هنيئة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال للحسن والحسين عليهما‌السلام : فإنكما

٣٠٧

٦ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن سنان قال أتاني عمر بن يزيد فقال لي اركب فركبت معه فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا ثم مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر فقال انزلوا هذا قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلنا من أين علمت فقال أتيته مع أبي عبد الله عليه‌السلام حيث كان بالحيرة غير مرة وخبرني أنه قبره.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عبد الله بن محمد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عيسى شلقان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن أمير المؤمنين عليه‌السلام له خئولة في بني مخزوم وإن شابا منهم أتاه فقال يا خالي إن أخي مات وقد حزنت

______________________________________________________

تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن محفوظ ، فألحداني وأشرجا علي اللبن وارفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان ، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شيء وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات في المشرق ومات وصيه في المغرب ألحق الله الوصي بالنبي.

وفي رواية أم كلثوم ثم أخذ الحسن المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر قبره نوح النبي عليه‌السلام لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام ، قالت أم كلثوم فانشق القبر فلا أدري أنبش سيدي في الأرض أم أسري به إلى السماء ، إذا سمعت ناطقا لنا بالتعزية : أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه.

وروي بإسناده عن محمد بن السائب الكلبي قال : أخرج به ليلا ، خرج به الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر في عدة من أهل بيته ودفن ليلا في ذلك الظهر ظهر الكوفة ، فقيل له : لم فعل به ذلك؟ قال : مخافة الخوارج وغيرهم.

الحديث السادس : ضعيف.

الحديث السابع : كالسابق.

وقيل : شلقان ، لقب معناه الضارب « له خؤولة » أي كانت إحدى خالاته منهم

٣٠٨

عليه حزنا شديدا قال فقال له تشتهي أن تراه قال بلى قال فأرني قبره قال فخرج ومعه بردة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متزرا بها فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ألم تمت وأنت رجل من العرب قال بلى ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا

______________________________________________________

أو كان هو عليه‌السلام خالا لبعضهم ، فيكون « في » بمعنى « مع » ويؤيد الأخير ما روي أن أم هانئ أخت أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت زوجة هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ ابن عمران بن مخزوم ، وعلى الأول الخئولة جمع الخال ، وعلى الثاني مصدر وكلاهما ورد في اللغة ، يقال : بيني وبينهم خولة ، ويقال : خال بين الخئولة « متزرا بها » أي شدها على وسطه مكان الإزار ، أو التحف بها وليس « متزرا بها » في الخرائج وفيه : معه برد رسول الله السنجاب.

« تلملمت » في أكثر نسخ الكتاب بتقديم اللام على الميم أي انضمت شفتاه أو تحركت كناية عن التكلم ، يقال كتيبة ململمة وملمومة أي مجتمعة مضمومة بعضها إلى بعض ، ولملم الحجر : أداره والململم بفتح لاميه : المجتمع المدور المضموم ، وفي الخرائج وغيره من الكتب بتقديم الميم على اللام ، وفي بعضها بعكسها وهو أظهر ، قال في القاموس : تململ تقلب والململة السرعة وفي المصباح ركض الرجل ركضا من باب قتل : ضربه برجله وفي الخرائج : فخرج من قبره وهو يقول رميكا بلسان الفرس ، وروي أيضا برواية أخرى عن الصادق عليه‌السلام قال : كان قوم من بني مخزوم لهم خئولة من علي عليه‌السلام فأتاه شاب منهم يوما فقال : يا خال مات ترب لي (١) فحزنت عليه حزنا شديدا قال : فتحب أن تراه؟ قال : نعم ، فانطلق بنا إلى قبره فدعا الله وقال : قم يا فلان بإذن الله ، فإذا الميت جالس على رأس القبر وهو يقول : ونيه ونيه سألا ، معناه لبيك لبيك سيدنا ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما هذا اللسان؟ ألم تمت وأنت رجل من

__________________

(١) الترب : من ولد معك.

٣٠٩

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لما قبض أمير المؤمنين عليه‌السلام قام الحسن بن علي عليه‌السلام في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إنه كان لصاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل لا ينثني حتى يفتح الله له والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يشتري بها خادما لأهله والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصي موسى يوشع بن نون والليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم والليلة التي نزل فيها القرآن.

٩ ـ علي بن محمد رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لما غسل أمير المؤمنين

______________________________________________________

العرب؟ قال : نعم ولكني مت على ولاية فلان وفلان فانقلب لساني إلى السنة أهل النار.

الحديث الثامن صحيح.

« ما سبقه » أي في الفضل والعلم والكمالات ، والأولون الأنبياء السابقون وأوصياؤهم ، والآخرون من يأتي بعده من الأوصياء وغيرهم لأنه عليه‌السلام كان أفضل منهم فهم لا يدركونه في الفضل ، وفي رواية أخرى في مجالس الصدوق : والله لا يسبق أبى أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة ولا من يكون بعده.

« أن كان » أن مخففة « لا ينثني » أي لا ينعطف ولا يرجع ، والبيضاء الفضة والحمراء الذهب ، والخادم الجارية « أنزل فيها القرآن » أي إلى البيت المعمور ويدل على كون الحادية والعشرين ليلة القدر لقوله تعالى : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وسيأتي تحقيقه في كتاب الصوم إنشاء الله تعالى.

الحديث التاسع مرفوع.

٣١٠

عليه‌السلام نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه.

١٠ ـ عبد الله بن جعفر وسعد بن عبد الله جميعا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ولدت فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بعد مبعث رسول الله بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما.

١١ ـ سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول لما قبض أمير المؤمنين عليه‌السلام أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتى

______________________________________________________

« نودوا » النداء من الملائكة وسماعه لا يدل علي النبوة لعدم رؤية الشخص كما مر « كفيتم » على بناء المجهول أي تحمله الملائكة.

الحديث العاشر حسن.

وكأنه كان من الباب الآتي فاشتبه على النساخ وكتبوه هنا ، وربما يتكلف بأن مناسبته للباب لأجل أنه يشتمل على أن الظلم لأمير المؤمنين عليه‌السلام واستقرار عصب حقه إنما كان لقرب وفاة فاطمة من وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روى البخاري في صحيحه في بحث غزوة خيبر ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية محضر عمر بن الخطاب ، فقال عمر لأبي بكر : والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : ما عسى هم أن يفعلوا.

ولا يخفى ما في هذا التوجيه من التعسف.

الحديث الحادي عشر مرسل كالموثق بل كالصحيح.

ولعل المراد بالرجلين الآخرين محمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر كما يظهر

٣١١

إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم ثم أخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا.

باب

مولد الزهراء فاطمة عليها‌السلام

ولدت فاطمة عليها وعلى بعلها السلام بعد مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس سنين

______________________________________________________

من بعض الأخبار ، وفي بعضها أن صعصعة بن صوحان كان معهم « وسووا قبره » أي جعلوه مستويا بالأرض ولم يرفعوه ولم يجعلوا له علامة.

باب مولد الزهراء فاطمة عليها‌السلام

قوله (ره) « ولدت » إلى آخره ، هذا موافق لما مر من رواية السجستاني واختلفت الخاصة والعامة في تاريخ ولادتها ووفاتها وعمرها الشريف علي أقوال كثيرة قال الشيخ في المصباح : في يوم العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة عليها‌السلام في بعض الروايات وفي رواية أخرى سنة خمس من المبعث ، والعامة يروي أن مولدها قبل المبعث بخمس سنين ، وقال : في الثالث من جمادى الآخرة كانت وفاة فاطمة عليها‌السلام سنة إحدى عشرة ، وقال أيضا في اليوم الحادي والعشرين من رجب وفاة الطاهرة فاطمة عليها‌السلام في قول ابن عياش.

وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : كان مولد فاطمة عليها‌السلام قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة ، وكان تزويج علي بن أبي طالب عليه‌السلام إياها في صفر بعد مقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزاة بدر ولها يومئذ ثماني عشرة سنة ، حدثني بذلك الحسن بن علي بإسناده عن إسحاق بن عبد الله عن جعفر بن محمد بن علي عليهم‌السلام وكانت وفاة فاطمة صلوات الله عليها بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمدة يختلف في مبلغها فالمكثر يقول ثمانية أشهر ، والمقلل يقول : أربعين يوما إلا أن الثبت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر ، حدثني بذلك الحسن بن علي عن الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن أبي

٣١٢

وتوفيت عليها‌السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما وبقيت بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما.

______________________________________________________

جعفر عليه‌السلام.

وروى الطبرسي في كتاب دلائل الإمامة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن همام عن أحمد بن محمد البرقي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نجران عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ولدت فاطمة عليها‌السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس وأربعين من مولد النبي فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وبعد أبيها خمسا وسبعين يوما وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء الثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة صلوات الله عليها.

وقال في كشف الغمة : ذكر ابن الخشاب عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة وأنزل عليه الوحي بخمس سنين ، وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعين يوما ، وفي رواية صدقة : ثمانية عشرة سنة وشهر وخمسة عشر يوما ، وكان عمرها مع أبيها بمكة ثمان سنين وهاجرت إلى المدينة مع رسول الله عليه‌السلام فأقامت معه عشر سنين ، وكان عمرها ثمان عشرة سنة وشهر وعشرة أيام.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب : قال الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة لبثت فاطمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أشهر وقال ابن شهاب : ستة أشهر ، وقال الزهري : ستة أشهر ، ومثله عن عائشة وعروة بن الزبير ، وعن أبي جعفر عليه‌السلام خمسا وسبعين ليلة في سنة عشر ، وقال ابن قتيبة في معارفه مائة يوم ، وقيل : ماتت في سنة إحدى عشرة ليلة الثلاثاء لثلاث ليال من شهر رمضان ، وهي بنت تسع وعشرين سنة أو نحوها ، وقيل : ولدت قبل النبوة بخمس سنين ، انتهى.

وروي في كتاب مصباح الأنوار عن أبي جعفر عن آبائه عليهم‌السلام : أن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاشت بعد النبي ستة أشهر ما رئيت ضاحكة ، وقال الخوارزمي في مناقبه

٣١٣

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن فاطمة عليها‌السلام مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان يأتيها جبرئيل عليه‌السلام فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك.

______________________________________________________

قال محمد بن إسحاق توفيت ولها ثمان وعشرون سنة ، وقيل : سبع وعشرون سنة ، وفي رواية أنها ولدت علي رأس سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون سنها علي هذا ثلاثا وعشرين ، والأكثر علي أنها كانت بنت تسع وعشرين أو ثلاثين عليها‌السلام وذكر وهب بن منبه عن ابن عباس أنها بقيت أربعين يوما بعده ، وفي رواية ستة أشهر انتهى.

وأقول : إذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أنه يشكل التطبيق بين أكثر تواريخ ولادتها ووفاتها وبين مدة عمرها الشريف ، وكذا بين تواريخ الوفاة وبين ما ورد في الخبر واختاره المصنف من أنها عليها‌السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما ، إذ لو كانت وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى ، ولو كان في ثاني عشر ربيع الأول كما اختاره العامة كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى ، وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه‌السلام من كون مكثها عليها‌السلام بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأن يكون عليه‌السلام أسقط الأيام الزائدة لقلتها كما هو الشائع في التواريخ والمحاسبات من إسقاط الأقل من النصف وعد الأكثر منه تاما ، والله يعلم.

الحديث الأول صحيح ، وقد مر مضمونه في باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ، وفي القاموس : العزاء : الصبر أو حسنة كالتعزوة ، عزي كرضى عزاءا فهو عز وعزاه يعزيه كيعزوه ، انتهى.

٣١٤

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال إن فاطمة عليها‌السلام صديقة شهيدة

______________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

والصديقة فعلية للمبالغة في الصدق والتصديق ، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت صادقة في جميع أقوالها مصدقة أقوالها بأفعالها ، وهي معنى العصمة ، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصة والعامة والروايات المتواترة من الجانبين ، وأما دلالة الآية على العصمة فلان المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتى يكون الكلام في قوة أن يقال : إنما أذهب الله عنكم الرجس أو الإرادة المحضة حتى يكون المراد أمركم الله يا أهل البيت باجتناب المعاصي ، فعلى الأول ثبت المدعى وأما الثاني فباطل من وجوه :

الأول : أن كلمة إنما تدل على التخصيص والإرادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار لاشتراك الجميع في التكليف وقد قال سبحانه : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (١) فلا وجه للتخصيص بهم عليهم‌السلام.

الثاني : أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه ، حيث جللهم بالكساء ، ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد ذكر إذهاب الرجس ، والمصدر بعد الفعل منونا بتنوين التعظيم.

وقد أنصف الفخر الرازي في تفسيره حيث قال : في قوله تعالى : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَكُمْ » لطيفة هي أن الرجس قد يزول عينا ولا يطهر المحل فقوله : ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب « وَيُطَهِّرَكُمْ » أي يلبسكم خلع الكرامة انتهى.

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا مدح ولا تشريف فيما دخل فيه الفساق والكفار ، فإن قيل : إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته فدلت الآية على ثبوت الرجس والمعصية فيهم وأنتم قد قلتم بعصمتهم عن الذنوب من أول العمر إلى انقضاء الأجل؟ قلنا : إن الإذهاب والصرف وما يؤدي هذا المؤدي كما يستعمل في إزالة الأمر الموجود يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له ، قال الله تعالى : « وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ » (١) وقال في يوسف عليه‌السلام : « كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » (٢) وتقول في الدعاء : صرف الله عنك كل سوء ، وأذهب عنك كل محذور ، وبناء الكلام في مثلها على التخييل الذهني بفرض المحل متصفا بالأمر لكونه مظنة له بخصوصه ، أو لكون الغالب اتصاف أمثاله بذلك الأمر ، والعبد لما كان في الغالب مظنة لارتكاب المعصية قد يسمى تأييد الله إياه بالعصمة عن ارتكابها إذهابا لها وتطهيرا منها ، وليس الغرض اتصافه بها كما أنه ليس المراد في الآيتين السابقتين الصرف بعد الإصابة.

على أنا نقول : إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفانا في المقصود ، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للإجماع المركب وهو واضح فثبت عصمتهم مطلقا.

ومما يدل على عصمتها صلوات الله عليها الأخبار الدالة على أن إيذاءها إيذاء الرسول ، وأن الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، كما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، وهو على المنبر إنه قال في سياق حديث فاطمة : فإنما هي بضعة مني يربيني ما رابها ، ويؤذيني من آذاها.

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فاطمة بضعة مني يؤذيني

__________________

(١) سورة النور : ٤٣.

(٢) سورة يوسف : ٢٤.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ما آذاها.

وفي صحيح الترمذي عن ابن الزبير قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.

وروي في المشكاة عن المسور بن مخرمة أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.

وروى ابن شهرآشوب عن مستدرك الحاكم بإسناده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فاطمة شجنة (١) مني يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها ، وعن أبي سعيد الواعظ في شرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي عبد الله العكبري في الإبانة ، ومحمود الإسفرائيني في الديانة رووا جميعا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.

وروى صاحب كشف الغمة عن مجاهد قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد فاطمة عليها‌السلام فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ورواه أيضا عن الثعلبي عن مجاهد ، والأخبار من طرقنا في ذلك أكثر من أن يحصى.

وأما وجه دلالتها على المدعى فهو أنه إذا كانت فاطمة عليها‌السلام ممن يقارف الذنوب لجاز إيذاؤها بل إقامة الحد والتعزير عليها لو فعلت ، والعياذ بالله ما يوجبها ، ولم يكن رضاها رضى الله سبحانه إذا رضيت بالمعصية ، ولا من سرها في معصية سار الله سبحانه ومن أبغضها بمنعها عن معصية مبغضا له جل شأنه ، وكل ذلك يناقض عموم الأخبار السالفة.

وليس موضع الاستدلال فيها لفظة البضعة بالفتح وقد يكسر أي القطعة من اللحم ،

__________________

(١) الشجنة : الشعبة من كلّ شيء.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أو الشجنة بالضم والكسر أي الشعبة من غصون الشجر ، حتى يجاب بما أجاب به صاحب المواقف وتبعه غيره من أنه مجاز لا حقيقة.

بل الاستدلال بعموم من آذاها ، ومن سرها ، ومن أغضبها ، ونحو ذلك.

فإن قيل : لعل المراد من آذاها ظلما ومن سرها في طاعة ومثل ذلك لشيوع التخصيص في العمومات؟

قلنا : أولا : لا ريب في أن التخصيص خلاف الأصل ولا يصار إليه إلا لدليل ، وثانيا : أنها صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تخص بخاصة في تلك الأخبار ، ولا كان فيها مدحة ولا تشريف ، ولا يريب عاقل في أن سياق هذه الأخبار مشتملة على مدحها وتشريفها وتفضيلها ، لا سيما مع التفريع على قوله : بضعة مني ، ولذا ذكرها العامة والخاصة في باب مناقبها وفضائلها ، وعلى هذا الاحتمال يكون بالذم أشبه بالمدح كما لا يخفى على من شم رائحة الإنصاف.

ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة صلوات الله عليها كانت شهيدة وهو من المتواترات وكان سبب ذلك أنهم لما غصبوا الخلافة وبايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ليحضر للبيعة ، فأبى فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم وأرادوا الدخول عليه قهرا ، فمنعتهم فاطمة عند الباب فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة عليها‌السلام فكسر جنبيها وأسقطت لذلك جنينا كان سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محسنا ، فمرضت لذلك وتوفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض.

فقد روى الطبري والواقدي في تاريخيهما أن عمر بن الخطاب جاء إلى علي عليه‌السلام في عصابة فيهم أسيد بن الحصين وسلمة بن أسلم فقال : اخرجوا أو لأحرقنها عليكم ، وروى ابن حزانة في غرره قال : قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع على وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت أو لأحرقنه ومن فيه ، قال : وفي البيت على وفاطمة والحسن والحسين

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجماعة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت فاطمة : أتحرق على ولدي؟ فقال : أي والله أو لتخرجن وليبايعن.

وروى الطبرسي (ره) في الاحتجاج عن عبد الله بن عبد الرحمن في رواية ذكر فيها قصة السقيفة قال : إن عمر احتزم (١) بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس (٢) ويبايعون فعرف إن جماعة في بيوت مستترين فكان يقصدهم في جمع فيكبسهم ويحضرهم في المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقن على ما فيه ، فقيل له : إن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وولد رسول الله وآثاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، وأنكر الناس ذلك من قوله ، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك! إنما أردت التهويل ، فراسلهم علي عليه‌السلام : أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم (٣) الدنيا عنه وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم فوقفت علي الباب ثم قالت : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم لم تؤامرونا ولم تروا لنا حقا كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم! والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة.

وعن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل إن عمر قال لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد غيره وغير هؤلاء الأربعة معه وهم سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام؟ وكان أبو بكر أرأف الرجلين وأدهاهما وأرفقهما

__________________

(١) احتزم : شدّ وسطه.

(٢) تناثل القوم إليه : انصبوا.

(٣) أي شغلتكم.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأبعدهما غورا والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما ، فقال : من ترسل إليه؟ فقال : أرسل إليه قنفذا وكان رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني تميم ، فأرسله وأرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن فأبى علي عليه‌السلام أن يأذن له ، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد ، والناس حولهما ، فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه ، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها‌السلام : أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن ، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا : إن فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها بغير إذن.

فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم عمر ، فجعلوه حول منزله وفيه على وفاطمة وابناها عليهم‌السلام ، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا عليه‌السلام : والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لأضرمن عليك بيتك نارا ، قال : فلما أخرجوه حالت فاطمة عليها‌السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها ودفعها ، فكسر ضلعا من جنبها ، وألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها ولعنة الله على من ظلمها.

وروى العياشي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده أنه لما أرسلوا مرارا إلى علي عليه‌السلام فأبى أن يأتيهم قال عمر : قوموا بنا إليه ، فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى حذيفة وقنفذ ، فقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب ورأتهم فاطمة أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخل عليها أحد إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره ثم دخلوا فأخرجوا عليا عليه‌السلام ملببا ، فخرجت فاطمة عليها‌السلام فقالت : يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي ، الخبر.

٣٢٠