مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

بسم الله الرحمن الرحيم

باب

فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا ، عن حنان بن سدير ، عن سالم الحناط قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » (١) قال هي الولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام

______________________________________________________

باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية

أقول : النكت جمع نكتة بالضم وهي النقط كناية عن اللطائف والأسرار ، والنتف أيضا كصرد جمع نتفة بالضم وهي ما أخذته بإصبعك من النبت والشعر وغيرهما قال الجوهري : النتفة من النبات القطعة والجمع نتف كغرفة وغرف ، وأفاده نتفة من علم ، أي شيئا نفيسا منه ، انتهى.

والمراد بهما الأخبار المتفرقة الواردة في تفسير الآيات بالولاية ، لا تجمع بعضها مع بعض في عنوان ، فهو شبيه بباب النوادر.

الحديث الأول : مرسل.

« قال هي الولاية » أقول : ظاهر الآية رجوع الضمير إلى القرآن كما ذكره

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٩.

١

.....................................................

______________________________________________________

المفسرون ، وتأويله عليه‌السلام يحتمل وجهين : الأول : أن المراد به الآيات النازلة في الولاية أو هي عمدتها لأن أكثر القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم ، الثاني : أن يكون المراد أن الإنذار الكامل بالقرآن إنما يتم بنصب الإمام لأنه الحافظ للفظه المفسر لمعناه ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ويؤيد الأول ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن حسان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ » (١) قال : الولاية نزلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير.

وقال بعض الأفاضل : لما أراد الله سبحانه أن يعرف نفسه لعباده ليعبدوه وكان لا يتيسر معرفته كما أراد على سنة الأسباب إلا بوجود الأنبياء والأوصياء إذ بهم تحصل المعرفة التامة والعبادة الكاملة دون غيرهم ، وكان لم يتيسر وجود الأنبياء والأوصياء إلا بخلق سائر الخلق ليكونوا أنسا لهم وسببا لمعاشهم ، فلذلك خلق سائر الخلق ثم أمرهم بمعرفة أنبيائه وأوليائه وولايتهم والتبري من أعدائهم ومما يصدهم عن ذلك ليكونوا ذوات حظوظ من نعيمهم فوهب الكل معرفة بنفسه على قدر معرفتهم الأنبياء والأوصياء إذ بمعرفتهم لهم يعرفون الله ، وبولايتهم لهم يتولون الله فكلما ورد من البشارة والإنذار والأوامر والنواهي والنصائح والمواعظ من الله سبحانه إنما هو لذلك ، ولما كان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الأنبياء ووصيه صلوات الله عليه سيد الأوصياء لجمعهما كمالات سائر الأنبياء والأوصياء ومقاماتهم مع ما لهما من الفضل عليهم ، وكان كل منهما نفس الآخر صح أن ينسب إلى أحدهما ما ينسب إليهم لاشتماله على الكل وجمعه لفضائل الكل ولذلك خص تأويل الآيات بهما وبأهل البيت عليهم‌السلام الذين هم منها ذرية بعضها من بعض ، وجيء بالكلمة الجامعة التي هي الولاية فإنها مشتملة على المعرفة والمحبة والمتابعة وسائر ما لا بد منه في ذلك.

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٩٤.

٢

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمار ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً » (١) قال هي ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام

______________________________________________________

الحديث الثاني : مرسل « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » هذه الآية من المتشابهات وقد اختلف في تأويله المفسرون والروايات على وجوه :

الأول : أن المراد بالأمانة التكليف بالأوامر والنواهي ، والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال العرض على أهلها وعرضها عليهم هو تعريفه إياهم إذ في تضييع الأمانة الإثم العظيم ، وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه ، فبين سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك ، فيكون المعنى عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال من الملائكة والإنس والجن « فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها ، والمأثم فيها « وَأَشْفَقْنَ مِنْها » أي أشفقن أهلهن من حملها « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً » لنفسه بارتكاب المعاصي « جَهُولاً » بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها ، فالمراد بحمل الأمانة تضييعها ، قال الزجاج : كل من خان الأمانة فقد حملها ، ومن لم يحمل الأمانة فقد أداها.

والثاني : أن معنى عرضنا عارضنا وقابلنا ، فإن عرض الشيء على الشيء ومعارضته به سواء ، والمعنى أن هذه الأمانة في جلالة موقعها وعظم شأنها لو قيست السماوات والأرض والجبال وعورضت بها لكانت هذه الأمانة أرجح وأثقل وزنا ، ومعنى قوله : فأبين أن يحملنها ، ضعفن عن حملها ، كذلك وأشفقن منها لأن الشفقة ضعف القلب ، ولذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب ، ثم قال : إن هذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة تقلدها الإنسان فلم يحفظها بل حملها وضيعها لظلمة على نفسه ، ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٧١.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والثالث : ما ذكره البيضاوي حيث قال تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة ، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء ، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها « وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ » مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فإن الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين « إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً » حيث لم يف بها ولم يراع حقها ، « جَهُولاً » بكنه عاقبتها ، وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب ، انتهى.

وقال الطبرسي قدس‌سره أنه على وجه التقدير أجرى عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر معناه لو كانت السماوات والأرض والجبال عاقلة ، ثم عرضت عليها الأمانة وهي وظائف الدين أصولا وفروعا عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وشدتها وقوتها ، ولامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها ، ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه ، ولم يخف الوعيد لظلمة وجهله وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات والأرض فامتنعت من حملها.

والرابع : أن معنى العرض والإباء ليس هو على ما يفهم بظاهر الكلام ، بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد ، والعرب تقول : سألت الربع (١) وخاطبت الدار فامتنعت عن الجواب ، وإنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب والسؤال ، وتقول : أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال ، وقال سبحانه : « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٢) وخطاب من لا يفهم لا يصح ، فالأمانة على هذا ما أودع الله سبحانه السماوات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والإنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمة ويرجع إليه ما قيل : المراد بالأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية ، وبعرضها استدعاؤها

__________________

(١) الرَبع ـ كفَلس ـ المنزل ، قال جميل :

« ألم تسمع الربع القواء فينطق

وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق. »

(٢) سورة فصّلت : ١١.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره ، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ، ومنه قولهم : حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها وتبرأ ذمته فيكون الإباء منه إتيانا بما يمكن أن يتأتى منها والظلم والجهالة للخيانة والتقصير.

والخامس : ما قيل : إنه تعالى لما خلق الله هذه الأجرام خلق فيها فهما وقال لها : إني قد فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها ، ونارا لمن عصاني فقلن :

نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ولا نبتغي ثوابا ولا عقابا ، ولما خلق آدم عليه‌السلام عرض عليه مثل ذلك فتحمله ، وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها ، جهولا بوخامة عاقبته.

والسادس : ما قيل : إن المراد بالأمانة العقل والتكليف ، وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن ، وبآبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد ، وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها ، وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية ، وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه ، فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد ، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.

والسابع : أن المراد بالأمانة أداء الأمانة ضد الخيانة أو قبولها ، وتصحيح تتمة الآية على أحد الوجوه المتقدمة.

والثامن : أن المراد بالأمانة والخلافة الكبرى ، وحملها ادعاؤها بغير حق ، والمراد بالإنسان أبو بكر ، وقد وردت الأخبار الكثيرة في ذلك أوردتها في كتاب الإمامة وغيرها من كتاب بحار الأنوار ، كما يدل عليه هذا الخبر ، وقد روي بأسانيد عن الرضا عليه‌السلام قال : الأمانة الولاية من ادعاها بغير حق كفر ، وقال علي بن إبراهيم الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي ، عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يحملنها قال : أبين أن يدعوها أو يغصبوها أهلها ، وأشفقن منها وحملها الإنسان الأول إنه كان ظلوما جهولا ، وعن الصادق عليه‌السلام : الأمانة الولاية والإنسان أبو الشرور المنافق ، وعن الباقر عليه‌السلام : هي الولاية أبين أن يحملنها كفرا وحملها الإنسان والإنسان أبو فلان.

ومما يدل على أن المراد بها التكليف ما روي أن عليا كان إذا حضر وقت الصلاة تغير لونه فسئل عن ذلك فقال : حضر وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.

ومما يدل على كون المراد بها الإمامة المعروفة ما في نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين : ثم أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها ، أنها عرضت على السماوات المبنية والأرض المدحوة ، والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ولا أعرض ولا أعظم منها ، ولو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن وهو الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.

وعن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول : ابتع لي ثوبا فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال : لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ « الآية ».

والحق أن الجميع داخل في الآية بحسب بطونها كما قيل : إن المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها ، والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكل عبد بحسب استعداده لها ، وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ثم تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها ، وعدم ادعاء منزلتها لنفسه ، ثم سائر التكاليف ، والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال النظر إلى استعدادهن لذلك ، وبآبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة ، وتحمل الإنسان إياها تحمله لها من غير استحقاق تكبرا على أهلها أو مع تقصيره بحسب وصف الجنس باعتبار الأغلب ، وهذه معانيها

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلية ، وكل ما ورد في تأويلها في مقام يرجع إلى هذه الحقائق كما يظهر عند التدبر والتوفيق من الله سبحانه.

قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في أجوبة المسائل العكبرية حيث سئل عن تفسير هذه الآية : إنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال بقول صريح أو دليل ينوب مناب القول ، وإنما الكلام في هذه الآية مجاز أريد به الإيضاح عن عظم الأمانة ، وثقل التكليف بها وشدته على الإنسان ، وإن السماوات والأرض والجبال لو كانت مما تقبل لأبت حمل الأمانة ولم يؤد مع ذلك حقها ، ونظير ذلك قوله تعالى : « تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » (١) ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان ، ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون وتفوه به الضالون وأقدم به المجرمون من الكفر بالله تعالى ، وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات والأرض والجبال وأن الوزر به كذلك ، وكان الكلام في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه ، ومثل ذلك قوله تعالى : « وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ » (٢) الآية ومعلوم أن الحجارة جماد لا يعلم فيخشى أو يحذر أو يرجو ويؤمل وإنما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية الله تعالى وما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله وقد بين الله ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ » (٣) الآية ، فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظم قدره وعلو شأنه ، وأنه لو كان كلام يكون به ما عده ووصفه لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلام.

وقد قيل : إن المعنى في قوله : « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » عرضها على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال ، والعرب تخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم

__________________

(١) سورة مريم : ٩٠.

(٢) سورة البقرة : ٧٤.

(٣) سورة الرعد : ٣١.

٧

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل [ و ] « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » (١) قال بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

باسمه قال الله تعالى : « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ » (٢) يريد أهل القرية وأهل العير ، وكان العرض على أهل السماوات وأهل الأرض ، وأهل الجبال قبل خلق آدم ، وخيروا بين التكليف لما كلفه آدم وبنوه فأشفقوا من التفريط فيه واستعفوا منه فاعفوا ، فتكلفه الإنسان ففرط فيه ، وليست الآية على ما ظنه السائل أنها هي الوديعة وما في بابها ولكنها التكليف الذي وصفناه ، ولقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى الإمامة جواب تعلقوا به من جهة بعض الأخبار وهي أن الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنما عرضت قبل خلق آدم على السماوات والأرض والجبال ليأتوا بها على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها ، وكلفها الناس فتكلفوها ولم يود أكثرهم حقها ، انتهى.

وأقول : إذا عرفت هذه المعاني وأحطت بما حققنا سابقا يمكن حمل الخبر على أن المراد مطلق التكليف ، وإنما خص عليه‌السلام الولاية بالذكر لأنها هي العمدة في التكاليف والشرط في صحة باقيها وصونها وحفظها والله يعلم.

الحديث الثالث : ضعيف.

والآية في سورة الأنعام وتمامها : « أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » (١) وقال الطبرسي (ره) : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، معناه عرفوا الله تعالى وصدقوا به وبما أوجبه عليهم ولم يخلطوا ذلك بظلم والظلم هو الشرك عن ابن عباس وأكثر المفسرين ، وروي عن أبي بن كعب أنه قال : ألم تسمع قوله سبحانه : « إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » (٣) وهو المروي عن سلمان وحذيفة ، وروي عن ابن مسعود قال

__________________

(١) سورة الأنعام : ٨١.

(٢) سورة يوسف : ٨٢.

(٣) سورة لقمان : ١٣.

٨

من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان فهو الملبس بالظلم

______________________________________________________

لما نزلت هذه الآية شق على الناس وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال عليه‌السلام : ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح : « يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » وقال الجبائي والبلخي : يدخل في الظلم كل كبيرة تحط ثواب الطاعة « أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ » من الله بحصول الثواب والأمان من العقاب « وَهُمْ مُهْتَدُونَ » أي محكوم لهم بالاهتداء إلى الحق والدين وقيل : إلى الجنة ، انتهى.

واختلف في تأويلها في أخبارنا فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » الزنا منه؟ قال : أعوذ بالله من أولئك ، لا ولكنه ذنب إذا تاب تاب الله عليه ، وقال : مدمن الزنا والسرقة وشارب الخمر كعابد الوثن.

وعن يعقوب بن شعيب عنه عليه‌السلام قال : الضلال فما فوقه ، وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : « بِظُلْمٍ » أي بشك ، ويظهر من بعضها أن المراد جميع المعاصي ويمكن حمله في الخبر على جميع ما يخرج من الدين ، ويكون تخصيص الولاية لأنها العمدة والأهم والمختلف فيه بين المسلمين.

قوله : وهو الملبس بكسر الباء المشددة فالضمير راجع إلى الرجل الذي خلط ولاية الحق بالباطل أو بفتحها ، فالضمير راجع إلى الإيمان الملبس ، وفي القاموس : لبس عليه الأمر يلبسه خلطه وألبسه غطاه وأمر ملبس وملتبس مشتبه ، والتشبيه ، التخليط والتدليس ولا تقل ملبس ، انتهى.

ويظهر من الخبر أنه يأتي الملبس على بعض الوجوه ، وقال بعضهم : الملبس بكسر الميم وسكون اللام اسم آلة والمراد أن قوله لم يلبسوا من قبيل الكناية ، فإن الخلط آلة اللبس وملزوم له ، ولا يخفى بعده.

٩

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن قول الله عز وجل « فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » (١) فقال عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم عليه‌السلام وهم ذر.

٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله عز وجل « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » (٢)

______________________________________________________

الحديث الرابع : حسن والآية في سورة التغابن هكذا : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » والتقديم إما من النساخ أو كان في مصحفهم عليهم‌السلام هكذا ، ونقل بالمعنى من الراوي ، وسيأتي هذا الخبر بعينه بهذا السند في أواخر الباب مع زيادة موافقا لما في المصاحف ، فالظاهر أنه هنا من النساخ ، وقيل : إنما قدم الكافر لأنهم أكثر والمعنى أنه يصير كافرا أو في علم الله أنه كافر والظاهر أن تأويله عليه‌السلام يرجع إلى الثاني أي في تكليفهم الأول وهم ذر كان يعرف من يؤمن ومن لا يؤمن فكيف عند خلق الأجساد ، وعلى هذا يقرأ عرف على بناء المجرد ، ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل فالمراد بالخلق خلق الأجساد ، فالمعنى أنه حين خلقكم كان بعضكم كافرا لكفره في الذر وبعضكم مؤمنا لإيمانه في الذر ، والذر بالفتح جمع ذرة صغار النمل مائة منها بوزن حبة شعير ، ويطلق على ما يرى في شعاع الشمس النافذة من الكوة.

قوله : في صلب آدم ، أي حين كونهم أجزاء من صلب آدم وإن خرجوا منه حين الميثاق ، وكما سيأتي في كتاب الإيمان والكفر وإن احتمل أن يكون الميثاق مرتين ، مرة حين كونها في الصلب ومرة بعد خروجها.

الحديث الخامس : مجهول.

« يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » قال في القاموس : نذر على نفسه ينذر وينذر نذرا ونذورا

__________________

(١) سورة التغابن : ٣.

(٢) سورة الدهر : ٥.

١٠

الذي أخذ عليهم من ولايتنا.

٦ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

______________________________________________________

أوجبه ، والنذر ما كان وعدا على شرط ، وما ذكره عليه‌السلام من تأويل الإيفاء بالنذر بالوفاء في عالم الأجساد بما أوجب على نفسه من ولاية النبي والأئمة صلوات الله عليهم في الميثاق بطن من بطون الآية ، فلا ينافي ظاهره من الوفاء بالنذر والعهود المعهود في الشريعة ، وما ورد أنها نزلت في نذر أهل البيت عليهم‌السلام الصوم لشفاء الحسنين عليهما‌السلام كما رواه الصدوق في مجالسه وغيره.

ويمكن أن يكون المراد بالنذر مطلق العهود مع الله أو مع الخلق أيضا وخصوص سبب النزول لا يصير سببا لخصوص الحكم والمعنى ، واكتفى عليه‌السلام هنا بذكر الولاية لكونها الفرد الأخفى ويؤيده أن سابق الآية مسوقة لذكر مطلق الأبرار وإن كان المقصود الأصلي منها الأئمة الأطهار.

وأقول : سيأتي في آخر الباب رواية كبيرة عن محمد بن الفضيل باختلاف في أول السند ، قلت : قوله : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ »؟ قال : يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا ، فهنا إما سقط أو اختصار مخل.

الحديث السادس : مجهول كالصحيح.

والآية في المائدة هكذا : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ » وإقامة التوراة والإنجيل ترك تحريفهما لفظا ومعنى ، وإذاعة ما فيهما من البشارة بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغير ذلك والقيام بأحكامهما ، وما أنزل إليهم قبل يعني سائر الكتب المنزلة ، فإنها من حيث إنهم مكلفون بالإيمان بها كالمنزل إليهم القرآن.

وقوله عليه‌السلام : الولاية ، الظاهر أنه تفسير لما أنزل إليهم ، وعلى الثاني ظاهر

١١

وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ » (١) قال الولاية.

٧ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن زرارة ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (٢) قال هم الأئمة عليهم‌السلام

______________________________________________________

فإن الولاية داخلة فيما أنزل إليهم في القرآن بل أكثره فيها كما مر أو هو تفسير لإقامة ما أنزل إليهم فإن إقامة القرآن لفظا ومعنى لا يتم إلا بولاية الأئمة عليهم‌السلام لأنهم الحافظون له والعالمون بمعناه ، وعلى الأول أيضا صحيح لأن ولاية الرسول وأهل بيته عليهم‌السلام داخلة فيما أنزل الله على جميع الرسل كما ورد في أخبار كثيرة ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يكون تفسيرا لإقامة التوراة والإنجيل أيضا.

وأما الأكل من فوقهم ومن تحت أرجلهم فقيل : المعنى لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات السماء والأرض أو يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزرع أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجتنونها من رأس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض.

وأقول : يمكن أن يراد به الأغذية الروحانية مما نزل من السماء ، ومما يستنبطونه بأفكارهم من المعارف ، كما مر في قوله تعالى : « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ » (٣) قال عليه‌السلام : علمه الذي يأخذه عمن يأخذه.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » قد مر الكلام في هذه الآية وأنها نازلة في مودتهم عليهم‌السلام ، وقد اعترف المخالفون أيضا بذلك ، قال البيضاوي :

« قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ » أي على ما تعاطاه من التبليغ والبشارة « أَجْراً » نفعا منكم « إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » أن تودوني لقرابتي منكم أو تودوا قرابتي ، وقيل : الاستثناء منقطع ، والمعنى لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة و « فِي الْقُرْبى » حال منها ، روي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء؟ قال : علي وفاطمة وابناهما

__________________

(١) سورة المائدة : ٦٥.

(٢) سورة الشورى : ٢٢.

(٣) سورة عبس : ٢٤.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً » ومن يكتسب طاعة سيما حب آل الرسول.

وروى الفخر الرازي إمامهم أخبارا كثيرة في ذلك قد أسلفنا بعضها في باب نص الرسول على الأئمة واحدا بعد واحد ، وذكر دلائل كثيرة على أن المراد بذوي القربى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، ثم قال : وروى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال : علي وفاطمة وابناهما.

ثم قال : فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه :

الأول : قوله تعالى : « إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ووجه الاستدلال به ما سبق.

الثاني : لما ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب فاطمة ، قال عليه‌السلام : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، وثبت بالنقل المتواتر عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يحب عليا والحسن والحسين عليهم‌السلام وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله تعالى : « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » (١) ولقوله تعالى : « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ » (٢) ولقوله تعالى : « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » (٣) ولقوله : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (٤).

الثالث : أن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلوات ، وهو قوله : اللهم صلى على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.

وقال الشافعي :

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٥٨.

(٢) سورة النور : ٦٣.

(٣) سورة آل عمران : ٣١.

(٤) سورة الأحزاب : ٢١.

١٣

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في ولاية علي و [ ولاية ] الأئمة من بعده « فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً » (١) هكذا نزلت.

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان رفعه إليهم في قول الله عز وجل : « وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ » (٢) في علي والأئمة : « كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا » (٣)

______________________________________________________

متنحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« هكذا نزلت » ظاهره أن الآية كانت هكذا ، وربما يأول بأن معناه ذلك أو هي العمدة في ذلك ، إذ الإطاعة في سائر الأمور لا تتم إلا بذلك ، ويؤيده أنها وردت بعد قوله سبحانه : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » وقد مر أنها في الإمامة.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

وضمير « إليهم » راجع إلى الأئمة عليهم‌السلام وهذا كأنه نقل للآية بالمعنى ، لأنه قال تعالى في سورة الأحزاب : « وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً » وقال بعد ذلك بفاصلة : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا » فجمع عليه‌السلام بين الاثنين وأفاد مضمونها ، ويحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم‌السلام كذلك لكنه بعيد ، ويمكن أن يكون إيذاء موسى أيضا لوصيه هارون ، قال البيضاوي « فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا » فأظهروا (٤) براءته من

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٧٠.

(٢) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٣) سورة الأحزاب : ٩.

(٤) كذا في النسخ والظاهر « فأظهر ».

١٤

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن السياري ، عن علي بن عبد الله قال سأله رجل عن قوله تعالى : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » (١) قال من قال بالأئمة واتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم.

١١ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله رفعه في قوله تعالى : « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ. وَوالِدٍ وَما وَلَدَ » (٢) قال

______________________________________________________

مقولهم يعني مؤداه ومضمونه ، وذلك أن قارون عرض امرأة على قذفه بنفسها ، فعصمه الله تعالى كما مر ، واتهمه ناس بقتل هارون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك فحملته الملائكة ومروا بهم حتى رأوه غير مقتول ، وقيل : أحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءته أو قذفوه بعيب في بدنه من برص أو أدرة لفرط تستره حياءا فأطلعهم الله على أنه بريء منه.

الحديث العاشر : كالسابق.

والضمير كأنه للجواد أو الهادي عليهما‌السلام ، والآية في سورة طه هكذا : « قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً ». « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » فالمراد بالهدي الرسول والكتاب النازلان في كل أمة ، واتباع الهداية إنما يكون بمتابعة أوصيائهم ومصداقه في هذه الأمة الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ومتابعتهم ، فمن قال بهم واتبع أمرهم ولم يتجاوز عن طاعتهم فلا يضل في الدنيا عن طريق الحق ، ولا يشقي في الآخرة باستحقاق العقوبة ، والهدى مصدر بمعناه أو بمعنى الفاعل للمبالغة ويستوي فيه الواحد والجمع.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

« لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » قيل : لا للنفي إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أو أقسم ولا مزيدة للتأكيد ، أو لأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء ، أو « لا » رد لكلام يخالف المقسم عليه ، قال البيضاوي : أقسم سبحانه بالبلد الحرام

__________________

(١) سورة الحجّ : ١٢٢.

(٢) سورة البلد : ١ ـ ٣.

١٥

أمير المؤمنين وما ولد من الأئمة عليهم‌السلام.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ومحمد بن عبد الله ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى » (١) قال

______________________________________________________

وقيده بحلول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه إظهارا لمزيد فضله وإشعارا بأن شرف المكان لشرف أهله ، وقيل : حل مستحل بعرضك فيه كما يستحل بعرض الصيد في غيره ، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح « وَوالِدٍ » عطف على هذا البلد ، والوالد آدم أو إبراهيم عليهما‌السلام « وَما وَلَدَ » ذريته أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتنكير للتعظيم وإيثار « ما » على « من » بمعنى التعجب كما في قوله تعالى : « وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ » (٢) انتهى.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كانت قريش تعظم البلد وتستحل محمدا فيه ، فقال : لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ، يريد أنهم استحلوك فيه فكذبوك وشتموك ، وكانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه ويتقلدون لحاء شجر الحرام (٣) فيأمنون بتقليدهم إياه ، فاستحلوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يستحلوا من غيره ، فعاب الله ذلك عليهم.

وعنه عليه‌السلام في قوله : « وَوالِدٍ » آدم « وَما وَلَدَ » من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم وأول عليه‌السلام الوالد في هذا الخبر بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وما ولد بالأئمة عليهم‌السلام وهو أحد محامل الآية وبطونها ، أقسم بهم لبيان تشريفهم وتعظيمهم.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

« وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ » قيل : المراد به غنائم دار الحرب ، وقيل :

يدخل فيه كل فائدة من أرباح التجارات والصناعات والزراعات فإن الغنيمة اسم

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٠.

(٢) سورة آل عمران : ٣٦.

(٣) لحا الشجر : قشر عوده.

١٦

أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ

______________________________________________________

للفائدة وقد دلت عليه أخبار كثيرة ، وتفصيله مذكور في محله ، وقوله : من شيء ، بيان لما للتعميم « فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ » قيل : مبتدأ خبره محذوف أي فثابت أن لله خمسه.

والمشهور بين أصحابنا أنه يقسم ستة أقسام ثلاثة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وبعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السهام الثلاثة للإمام ، وحكي قول نادر عن بعض الأصحاب بأنه يقسم خمسة أقسام سهم الله لرسوله وسهم ذي القربى لهم ، والثلاثة الباقية ليتامى بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وهو مذهب أكثر العامة وذهب ابن الجنيد إلى عدم اختصاص سهم ذي القربى بالإمام ، بل هو لجميع بني هاشم وهو نادر ، وسيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

« يَهْدُونَ بِالْحَقِ » أي يهدون الخلق بالحق الذي هو دين الإسلام وحدوده وأحكامه و « بِهِ » أي بدين الحق « يَعْدِلُونَ » أي يحكمون بالعدل والقسط « قال هم الأئمة » قال الطبرسي (ره) في تفسير هذه الآية : روى ابن جريج عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : هو لأمتي بالحق يأخذون وبالحق يعطون ، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها « وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » وقال الربيع بن أنس : قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية فقال : إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم.

وروى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : والذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » فهذه التي تنجو ، وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله

١٧

وَبِهِ يَعْدِلُونَ » (١) قال هم الأئمة.

١٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ » (٢) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة « وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ » قال فلان وفلان « فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ » أصحابهم وأهل

______________________________________________________

عليهما‌السلام أنهما قالا : نحن هم ، انتهى.

واستدل بها على حجية الإجماع ولا يخفى ما فيه ، بل يدل على أنه في كل عصر إمام عالم بجميع الأحكام عامل بها وهو الإمام عليه‌السلام ، أو هو وأتباعه التابعون له قولا وفعلا ، وأما الإجماع فلا دليل على تحققه في كل عصر ، ولو سلم فيكون أهل الإجماع محقين فيما أجمعوا عليه لا في جميع أمورهم ، وظاهر سياق الآية عموم الأحوال والأحكام والأمور.

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

ولعل المراد أن ما نزل في أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة عليهم‌السلام من الآيات محكمات ، والذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابهات من الآيات فيأولونها في أئمتهم مع أن تأويل المتشابهات لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، وهم الأئمة عليهم‌السلام أو يكون في هذا البطن من الآية ضمير منه راجعا إلى من يتبع الكتاب أو المذكور فيه ، أو يكون كلمة من ابتدائية أي حصل بسبب الكتاب ونزوله الفريقان ، فيحتمل حينئذ أن يكون ضمير تأويله راجعا إلى الموصول في قوله : « ما تَشابَهَ » أي يأولون أعمالهم القبيحة وأفعالهم الشنيعة ، ولا يبعد أيضا أن يكون المراد تشبيه الأئمة بمحكمات الآيات وشيعتهم بمن يتبعها ، وأعدائهم بالمتشابهات لاشتباه أمرهم على الناس ، وأتباعهم بمن يتبعها طلبا للفتنة ومتاع الدنيا ، وطلبا لتأويل قبائح أعمالهم ، ولعل

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٨٠.

(٢) سورة آل عمران : ٧.

١٨

ولايتهم « فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة عليهم‌السلام.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى « أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً » (١) يعني بالمؤمنين الأئمة عليهم‌السلام لم يتخذوا الولائج من دونهم

______________________________________________________

الأول أظهر الوجوه وهو من متشابهات الأخبار ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

وقال في القاموس : وليجة الرجل بطانته ودخلاؤه وخاصته ومن تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك ، وقال الطبرسي (ره) : الوليجة الدخيلة في القوم من غيرهم والبطانة مثله ، ووليجة الرجل من يختص بدخلة أمره دون الناس ، الواحد والجمع فيه سواء أي ولم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله ورسوله والمؤمنون بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم ، انتهى.

ولا يخفى أن تأويله عليه‌السلام أوفق بالآية إذ ضم المؤمنين إلى الله والرسول يدل على أن المراد بالوليجة أمر عظيم من أمور الدين من الموالاة والمتابعة ، وليس أهل ذلك إلا الأئمة عليهم‌السلام وهم الكاملون في الإيمان والمستحقون لهذه الصفة على الحقيقة وقال البيضاوي : « أَمْ حَسِبْتُمْ » خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال ، وقيل : للمنافقين و « أم » منقطعة ومعنى همزتها التوبيخ على الحسبان « أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ » ولم يتبين المخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم ، نفي العلم وأراد نفي المعلوم للمبالغة فإنه كالبرهان عليه من حيث أن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه « وَلَمْ يَتَّخِذُوا » عطف على جاهدوا وداخل في الصلة ، وما في لما في معنى التوقع منيه على أن تبين ذلك متوقع.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٥.

١٩

١٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها » (١) [ قال ] قلت ما السلم قال الدخول في أمرنا.

١٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » (٢) قال يا زرارة أولم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان

______________________________________________________

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ » الجنوح الميل ، يقال : جنح فلان إذا مال ويعدى باللام وبإلى ، والسلم بالكسر والفتح الصلح ، وتأنيث الضمير باعتبار أن السلم يذكر ويؤنث كما صرح به في المغرب ، وقال في القاموس : السلم بالكسر السالم والصلح يفتح ويؤنث والسلم والإسلام ، وقيل : تأنيثه بحمل السلم على نقيضه فيه وهو الحرب ، وقيل : هي من الآيات المنسوخة وقيل : ليست بمنسوخة ، ولكنها في موادعة أهل الكتاب ، وعلى تأويله عليه‌السلام يمكن أن يكون الضمير راجعا إلى المنافقين أي إن قبل المنافقون المنكرون لولاية علي عليه‌السلام ولايته ظاهرا فاقبل منهم وإن علمت من باطنهم النفاق والبغض له عليه‌السلام ، ولا ينافي ذلك كون الآية في سياق آيات أحوال المشركين فإن ذلك في الآيات كثير ، مع أنه من بطون الآيات.

الحديث السابع عشر : صحيح.

« أو لم تركب » الهمزة للاستفهام الإنكاري ، والواو للعطف على مقدر « طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » أي كانت ضلالتهم بعد نبيهم مطابقة لما صدر من الأمم السابقة من ترك الخليفة واتباع العجل والسامري وأشباه ذلك ، كما قال علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية : يقول حالا بعد حال ، يقول : تركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة لا تخطئون طريقتهم ولا يخطئ شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٦.

(٢) سورة الإنشقاق : ١٨.

٢٠