مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

بطاعته « فَلا تُطِعْهُما » ولا تسمع قولهما ثم عطف القول على الوالدين فقال : « وَصاحِبْهُما

______________________________________________________

حدوث الحمل وحدث ، وربما أرادت إسقاط ما في بطنها ولم تسقط ، وهذا معنى قوله : حملته أمه وهنا على وهن ، الثاني : أنها ليست كل أم ترضع ولدها ، والتي ترضع ولدها لا ترضع أكثر من عامين فحق الأم ضعيف لا يقتضي إشراكها بالله في الشكر والمتعارف في مقام تحقير شيء تحقير أكمل أفراده ليقاس عليه سائرها بطريق الأولوية وجملة « إِلَيَّ الْمَصِيرُ » استئناف لدفع اعتراض هو أن « أن » في قوله : « أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ » مفسرة للوصية وليست الوصية مشتملة على الشكر لله وينبغي أن يقال : أن أشكر لوالديك ، والجواب أن مصير شكر الوالدين إلى شكر الله فإنهما خليفتان لله وطاعتهما طاعة الله ، ومعصيتها معصية الله.

وجملة « وَإِنْ جاهَداكَ » للتأكيد وإعظام الأمر بطاعة الوالدين ، فإن ضمير التثنية للرفيقين المصاحبين مطلقا كما هو عادة العرب في محاوراتهم نحو قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل (١) والمعهودين في الضلالة خصوصا هما : عمر وصاحبه « على أن تشرك بي » أي في العبادة كشرك الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، أو في الشكر والمال واحد ، وذكر « ما » في موضع « من » للإشعار بكمال جهل رؤساء الضلالة ، والباء في « به » للسببية ، أي ليس فتواه ولا قضاؤه يورث لك علما ، وضمير « صاحِبْهُما » للوالدين « فِي الدُّنْيا » ، أي في جميع العمر « مَعْرُوفاً » حال عن فاعل صاحبهما ، أي كن معروفا في الناس بمصاحبتهما بأن يكون فيك من التقوى ونحوهما ما إذا رآه الناس علموا فضلهما ومالوا إلى سبيلهما ، فإن من كان كذلك كان معهما في جميع عمره وإن لم يرهما كما أن من كان على ضد ذلك لم يكن معهما وإن رآهما وجاورهما ، فقوله : « وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ » عطف تفسير للإشعار بأن هذا سبيل

__________________

(١) هو مطلع قصيدة لامرء القيس قالها في عنترة وهي من المعلقات السبعة ، وذيله « بسقط اللوى بين الدخول فحومل » راجع جامع الشواهد.

١٠١

فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » يقول عرف الناس فضلهما وادع إلى سبيلهما وذلك قوله : « وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ » فقال إلى الله ثم إلينا فاتقوا الله ولا تعصوا الوالدين فإن رضاهما رضا الله وسخطهما سخط الله.

٨٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن سيف ، عن أبيه ، عن عمرو بن حريث قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : « كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ

______________________________________________________

النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من لدن آدم إلى هذا الزمان.

قوله عليه‌السلام : والدليل على ذلك إشارة إلى مضمون مصير العباد إلى الله الوالدان أي الاكتفاء بذكر الوالدين في « وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ » والخاص والعام عبارة عن كلام منطوقه عام ومنظورة خاص فهو خاص باعتبار ، وعام باعتبار آخر ، وقوله : تقول ، مضارع مخاطب من باب نصر أو باب التفعل بحذف إحدى التائين منصوب « في الوصية » إشارة إلى أن المراد بالإشراك هنا الطعن في وصية الله للوالدين أو وصية الرسول لأمير المؤمنين وأولاده عليهم‌السلام ، فإنه يتضمن الشرك بالله كشرك الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وذلك قوله ، لبيان أن العطف في قوله : « وَاتَّبِعْ » تفسيري كما ذكرنا ، والإنابة إلى الله الرجوع إليه في جليل الأحكام ودقيقها ، انتهى.

وإنما أوردناه بطوله لشدة غرابته.

الحديث الثمانون : صحيح ، والآية في سورة إبراهيم هكذا : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ » وقال الطبرسي قدس‌سره : كلمة طيبة هي كلمة التوحيد ، وقيل : كل كلام أمر الله به وإنما سماها طيبة لأنها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات والبركات « كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ » أي شجرة زاكية نامية راسخة أصولها في الأرض ، عالية أغصانها وثمارها في جانب السماء وأراد به المبالغة

١٠٢

وَفَرْعُها فِي السَّماءِ » (١) قال فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصلها وأمير المؤمنين عليه‌السلام فرعها

______________________________________________________

في الرفعة ، فالأصل سافل والفرع عال ، إلا أنه يتوصل من الأصل إلى الفرع ، وقيل : إنها النخلة وقيل : إنها شجرة في الجنة ، وروى ابن عقدة عن أبي جعفر أن الشجرة رسول الله وذكر نحو هذا الخبر ، ثم قال : وروي عن ابن عباس قال : قال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت الشجرة وعلي غصنها وفاطمة ورقها والحسن والحسين ثمارها وقيل : أراد بذلك شجرة هذه صفتها وإن لم يكن لها وجود في الدنيا لكن الصفة معلومة وقيل : إن المراد بالكلمة الطيبة الإيمان وبالشجرة الطيبة المؤمن « تُؤْتِي أُكُلَها » أي تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها « كُلَّ حِينٍ » أي في كل ستة أشهر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أو في كل سنة ، أو في كل وقت ، وقيل : معناه ما يفتي به الأئمة من آل محمد عليهم‌السلام شيعتهم في الحلال والحرام « مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ » وهي كلمة الشرك ، وقيل : كل كلام في معصية الله « كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ » غير زاكية وهي شجرة الحنظل ، وقيل : أنها الكشوث (٢) وقيل : إنها شجرة هذه صفتها وهو أنه لا قرار لها.

وروى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام أن هذا مثل بني أمية « اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ » أي قطعت واستوصلت واقتلعت جثتها من الأرض « ما لَها مِنْ قَرارٍ » أي من ثبات ولا بقاء ، انتهى.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أصلها ، وفي بعض النسخ ليس « أنا » (٣) ففاعل « فقال » الراوي ، وفاعل « وقال » الصادق عليه‌السلام ، ورسول الله مبتدأ وأصلها خبره ، أي عرقها أو ساقها أو هما معا وعلى الأخيرين المراد بالفرع الأغصان الصغار ، شبه الله تعالى نبيه وأهل بيته عليهم‌السلام وعلومهم وشيعتهم بالشجرة ، وإنما شبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصلها لأن منه ترتفع المواد وتصل إلى الأغصان والثمار ، وبه تقوم تلك وشبه عليا عليه‌السلام بالفرع

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٣.

(٢) الكشوث : نبات طفيلي لا جذر له ولا ورق إنّما له أزهار كروية صغيرة لونه أبيض أو ضارب إلى الحمرة تلتف ساقه على حاضنه ، يضرّ على الأخصّ بمروج القضب.

(٣) كما في المتن.

١٠٣

والأئمة من ذريتهما أغصانها وعلم الأئمة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها هل فيها فضل قال قلت لا والله قال والله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.

______________________________________________________

لأنه فرع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلومه وكمالاته منه ، والأئمة بالأغصان لأنهم فرعهما وعلومهم منهما ، وشبه علومهم التي تصل إلى الخلق بالثمر وشيعتهم بالأوراق لقرب الورق بالثمرة ، ولكونها حافظة لها من الضياع والفساد بالحر والبرد ، كما أن خلص الشيعة حافظون لعلوم أئمتهم عليهم‌السلام ، فالمراد بالشيعة علماؤهم ورواتهم والكاملون منهم ومن ينتفع بالثمرة سائر الشيعة أو مطلق الشيعة ، ولهم جهتان فمن جهة الحفظ والضبط مشبهون بالورق ، ومن جهة الانتفاع بالناس المنتفعين بالثمر ، ولعل الأول أظهر.

« هل فيها » أي في الشجرة « فضل » أي شيء آخر غير ما ذكرنا ، فلا يدخل في هذه الشجرة الطيبة ، ولا يلحق بالنبي غير من ذكر ، فالمخالفون وسائر الخلق داخلون في الشجرة الخبيثة ، وملحقون بها ، وقيل : أي هل في هذه الكلمة فضل عن الحق ، وفي بعض النسخ شوب مكان فضل ، أي هل فيها شوب خطاء وبطلان ، أو شوب حق بالباطل أو خلط شيء غير ما ذكر ، فيرجع إلى الأول.

قوله : فتورق ورقة فيها ، أي كأنه توجد ورقة في المشبه ويصير التشبيه أكمل ، وفوائد الثمرة أعظم ، ويحتمل أن تكون في الجنة شجرة هي المشبه بها ، وتورق الورقة من تلك الشجرة وتسقط منها ، ويمكن أن يستأنس به لإثبات عالم المثال وقد ورد تشبيه الشجرة وأجزائها على وجوه أخرى أوردتها في الكتاب الكبير.

وقد روت العامة أيضا قريبا من ذلك ، كما روى الديلمي في الفردوس والسمعاني بإسنادهما عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا شجرة وفاطمة حملها ، وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرها ، والمحبون لأهل البيت ورقها من الجنة حقا حقا.

١٠٤

٨١ ـ محمد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد الله بن محمد اليماني ، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ » يعني في الميثاق « أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » (١) قال الإقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة قال لا ينفع إيمانها لأنها سلبت.

______________________________________________________

الحديث الحادي والثمانون : مجهول.

والآية في سورة الأنعام هكذا : « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها » الآية ، فعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون المعنى هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض الروح ، أو يأتي ربك لقبضها مجازا ، أو الملائكة للعذاب والرب للقبض ، أو أنهم يقولون لا نؤمن حتى نرى الملائكة أو الرب ، وأما آيات الرب فالمراد بها إما العذاب أو ظهور الإمام عليه‌السلام فإنهم آيات الله ، وعدم نفع الإيمان الذي لم يكن في الميثاق لأن ما لم يكن كذلك لا يكون واقعيا بل ظاهرا للخوف ، أو لأن من آمن في الميثاق لا يؤخر إيمانه إلى ظهور العذاب ، وقبل هذه الآية « سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ » وقد ورد في الأخبار أن الآيات الأئمة عليهم‌السلام ، وقيل : لا ينفع نفسا إيمانها أي بك وبنبوتك « لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ » أي بك « أَوْ كَسَبَتْ » أي أو لم تكن كسبت من قبل « فِي إِيمانِها » بك « خَيْراً » أي أفضل الطاعات وهو الإقرار بالأئمة عليهم‌السلام ، فلفظة « أو » في الآية للتقسيم ، فإن الصادفين عن آيات الله قسمان : الأول : من لم يؤمن بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الثاني : من آمن به ولم يؤمن بالأئمة عليهم‌السلام.

« لأنها سلبت » أي لأن النفس سلبت الإيمان ، لأن إيمانها كلا إيمان ، أو تسلب الإيمان بالرسول أيضا في ذلك الوقت ، لعدم إيمانه بالأوصياء وسائر

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٥٧.

١٠٥

٨٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن يونس ، عن صباح المزني ، عن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله جل وعز : « بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ »

______________________________________________________

الأنبياء.

وقيل : المراد بالميثاق زمان التكليف وإتمام الحجة البالغة وهو بعيد.

الحديث الثاني والثمانون : مجهول.

وما قبل الآية في سورة البقرة في أحوال اليهود : « وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » ، بلى » قال البيضاوي : إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا على وجه أعم ليكون كالبرهان على بطلان قولهم « مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً » قبيحة والفرق بينهما وبين الخطيئة أنها قد يقال فيما يقصد بالذات ، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض ، لأنها من الخطإ والكسب استجلاب النفع ، وتعليقه بالسيئة على طريق قوله : « فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ».

« وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه ، وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره إن لم يكن سوى تصديق قلبه وإقراره لسانه فلم تحط الخطيئة به ، فلذلك قسرها السلف بالكفر.

وتحقيق ذلك أن من أذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله ، والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتى يستولي عليه الذنوب ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي مستحسنا إياها ، معتقدا أن لا لذة سواها ، مبغضا لمن يمنعه عنها ، مكذبا لمن ينصحه فيها ، كما قال تعالى : « ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ » (١).

« فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ » ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازموا أسبابها في

__________________

(١) سورة الروم : ١٠.

١٠٦

قال إذا جحد إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام « فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (١).

٨٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الاستطاعة وقول الناس فقال :

______________________________________________________

الدنيا « هُمْ فِيها خالِدُونَ » دائمون أو لابثون طويلا ، انتهى.

وقال الطبرسي قدس‌سره : اختلف في السيئة فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم : السيئة هيهنا الشرك ، وقال حسن : هي الكبيرة الموجبة ، وقال السدي : هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار ، والقول الأول يوافق مذهبنا ، لأن ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا.

وقوله : « وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » ، يحتمل أمرين : أحدهما : أنها أحدقت به من كل جانب كقوله تعالى : « وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ » (٢) » الثاني : أن المعنى أهلكته ، من قوله : « إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ » ، وقوله : « وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ » ، وقوله : و « أُحِيطَ بِثَمَرِهِ » ، فهذا كله بمعنى البوار والهلكة ، والمراد أنها سدت عليه طرق النجاة انتهى.

وأقول : في الخبر لا يبعد أن يكون المراد أن من جحد إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا داخل في هذه السيئة التي توجب إحاطة الخطيئة بالإنسان والخلود في النار ، فإن الإمامة من أصول الدين ومنكرها كافر ، فكما أن منكر النبوة كاليهود الذين نزلت الآية ظاهرا فيهم كافر ، فكذا منكر سائر الأصول كافر فحكم الآية عام وإن كان مورد النزول خاصا كما حمل عليه القاضي الآية حيث قال : على وجه أعم ليكون كالبرهان على بطلان قولهم فافهم.

الحديث الثالث والثمانون : صحيح.

« عن الاستطاعة » أي هل يستطيع العبد من أفعاله شيئا أم أنها بيد الله « وقول

__________________

(١) سورة البقرة : ٨١.

(٢) سورة التوبة : ٤٩.

١٠٧

وتلا هذه الآية « وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » (١) يا أبا عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول وكلهم هالك قال قلت قوله « إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ » قال هم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله « وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » يقول لطاعة الإمام

______________________________________________________

الناس » يعني اختلافهم في هذه المسألة على أقوال شتى وقد مر تحقيقه في باب الجبر والاختيار وباب الاستطاعة ، والواو في « وتلا » للحالية وقوله : « يا أبا عبيدة » مفعول قال ، والمراد بالناس المختلفون ، والمراد بالإصابة الوجدان والإدراك والتفويض ، والآية في سورة هود هكذا : « وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ ».

وقال الطبرسي (ره) : لجعل الناس أمة واحدة ، أي على ملة واحدة ودين واحد ، فيكونون مسلمين صالحين ، وذلك بأن يلجئهم إلى الإسلام بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لو راموا غير ذلك لمنعوا منه ولكن ذلك ينافي التكليف ويبطل كالغرض بالتكليف ، لأن الغرض استحقاق الثواب ، والإلجاء يمنع من استحقاق الثواب ، فلذلك لم يشأ الله ذلك ، ولكن شاء الله أن يؤمنوا باختيارهم ليستحقوا الثواب « وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ » في الأديان ، وقيل : في الأرزاق والأحوال ، وتسخير بعضهم لبعض « إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ » من المؤمنين فإنهم لا يختلفون ويجتمعون على الحق ، والمعنى ولا يزالون مختلفين بالباطل إلا من رحمهم‌الله بفعل اللطف لهم الذي يؤمنون عنده ويستحقون به الثواب ، فإن من هذه صورته ناج من الاختلاف بالباطل.

« وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » اختلفوا في معناه فقيل : يريد للرحمة خلقهم ولا ينافي ذلك تأنيث الرحمة لأنه غير حقيقي وإذا ذكر فعلى معنى الفضل والإنعام ، وقد قال سبحانه : « هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي » (٢) و « إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ » (٣) وقيل : إن المعنى وللاختلاف خلقهم واللام لام العاقبة ، يريد إن الله خلقهم وعلم أن عاقبتهم يؤول إلى الاختلاف المذموم وقيل : إن ذلك إشارة إلى اجتماعهم على الإيمان ، وكونهم فيه أمة واحدة ولا محالة

__________________

(١) سورة هود : ١١٨.

(٢) سورة الكهف : ٩٨.

(٣) سورة الأعراف : ٥٦.

١٠٨

الرحمة التي يقول : « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » (١) يقول علم الإمام ووسع علمه الذي

______________________________________________________

أن الله سبحانه لهذا خلقهم كما قال تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (٢) انتهى.

وأما ما ذكره عليه‌السلام فيحتمل وجوها كلها مبني على أن الإشارة في قوله : لذلك ، إلى الرحمة أو الرحم ، كما روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد وأتباعهم يقول الله تعالى « لِذلِكَ خَلَقَهُمْ » ، يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين.

الأول : أن قوله : هم شيعتنا تفسير للموصول في قوله : إلا من ، ولرحمته تفسير لقوله : ولذلك ، وقوله : يقول لطاعة الإمام ، تفسير للرحمة ، فحاصل المعنى حينئذ إلا من رحم ربك بأن وفقه بطاعة الإمام ، ولهذه الطاعة خلقهم ، فالرحمة حقيقة هو الإمام من جهة أن الطاعة توجب النجاة وهو رحمة أيضا من جهة علمه الذي انتفع به الشيعة كلهم ووسعهم ، وهما يرجعان إلى معنى واحد لتلازمهما وكون أحدهما علة للآخر ، إذ الطاعة ووجوبها معللة بسعة علمه ، فقوله عليه‌السلام : الرحمة بدل لطاعة الإمام ، أو الإمام ، ففسر الطاعة بالعلم لتلازمهما أو الإمام بالرحمة من جهة أن علمه وسع الشيعة وكفاهم وأغناهم عن غيره ، فقوله : الرحمة التي يقول ، أي الإمام هو الرحمة التي يقولها في قوله : « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » يقول : علم الإمام تفسير للرحمة لبيان أن كونه رحمة من جهة علمه ، ويمكن أن يقرأ علم بصيغة الماضي ، ووسع علمه أي علم الإمام الذي من علمه أي من علم الله ، وفسر عليه‌السلام الشيء بالشيعة لأنهم المنتفعون به فصار لهم رحمة وأما سائر الخلق فإنه وإن كان لهم أيضا رحمة لكن لما لم ينتفعوا به صار عليهم غضبا ، فالمراد بكل شيء إما كل محل قابل وهم الشيعة أو يكون عاما

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٥٦.

(٢) سورة الذاريات : ٥٦.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والتخصيص بالشيعة لعدم انتفاع غيرهم به ، ويحتمل أن يكون المراد بسعة علمه لهم أنه يعرف شيعته من غير شيعته ، كناية عن علمه بحقائق جميع الأشياء وأحوالها وفيه بعد ، هذا هو الذي خطر بالبال في حله.

والثاني : ما ذكره بعض الأفاضل قال : فسر الرحمة بطاعة الإمام لأنها توصل العبد إلى رحمة الله ، وفسر الرحمة الواسعة بعلم الإمام لأنه الهادي إليها « هم شيعتنا » أي كل شيء من ذنوب شيعتنا وسعه رحمة ربنا ، وفي تفسير الرحمة الواسعة بعلم الإمام إشارة إلى أنهم لو كانوا يستندون فيه إلى علمه لما اختلفوا فيما اختلفوا.

الثالث : ما ذكره بعضهم أيضا أن الظرف في قوله : لطاعة الإمام متعلق بيقول ، والرحمة منصوب مفعول يقول ولما فسر عليه‌السلام رحمة الله في سورة هود بطاعة الإمام أراد أن يدفع المناقشة فيه بآية الأعراف ، فإن وسعة طاعة الإمام كل شيء مستبعد عند العوام « يقول » الضمير لله « علم » فعل ماض والإمام فاعله « ووسع » عطف على علم ، وضمير عليه لمن رحم وهو المطيع للإمام « من علمه » من للابتداء أو للتعليل ، وضمير علمه للإمام ، وحاصل الجواب أن علم الإمام يسع كل شيء يحتاج إليه ، وطاعة الإمام يتضمن أخذ العلم بالمشكلات عن الإمام في كل ما يحتاج إليه ، فطاعة الإمام يسع كل شيء ، وقرأ هذا الفاضل هو شيعتنا هو سعتنا ، وقال : أي سعة طاعتنا كل شيء مبني على سعة علمنا.

الرابع : ما قيل : أن الرحمة مبتدأ وعلم الإمام خبر ، وإعادة « يقول » للتأكيد ، والغرض أن الرحمة هنا علم الإمام وقد وسع علمه الذي هو من علم الله تعالى كل شيء ، والمراد بكل شيء الشيعة ، ويحتمل أن يرجع ضمير من علمه إلى الإمام ليوافق الضمير السابق فيفيد أن علمه المحيط بكل شيعة بعض من علومه عليه‌السلام ، وإنما ترك

١١٠

هو من علمه كل شيء هم شيعتنا ثم قال « فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ » يعني ولاية

______________________________________________________

عطف هذه الجملة على السابقة لانقطاعها عنها لأنها مستأنفة فكأن السائل لما سمع أن الرحمة في الآية السابقة عبارة عن طاعة الإمام سئل عن الرحمة التي في هذه الآية بأن الرحمة فيها عبارة عن علم الإمام ، انتهى.

وإنما أوردنا تلك الوجوه لتعلم حسن ما وجهنا به الكلام أولا.

ثم اعلم أن الآية الأخيرة في سورة الأعراف وقعت بعد قصة موسى عليه‌السلام حيث قال : « وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ ، وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ».

أقول : على سياق الآيات السابقة لا يبعد أن يكون العذاب في قوله تعالى : « عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ » ، شاملا للعذاب الصوري وما هو سببه من العذاب المعنوي من الافتتان بأئمة الضلالة والخذلان ، وسلب التوفيق ، وكذا الرحمة شاملة للرحمات الظاهرية والباطنية والصورية والمعنوية ورحماته الظاهرة شاملة لكل شيء في الدنيا والرحمات المعنوية من الهدايات الظاهرة أيضا شاملة لكل شيء لكن المنتفع بها المؤمنون ، والهدايات الخاصة مخصوصة بالمؤمنين والرحمات الأخروية أيضا بعضها عامة وأكثرها خاصة بالمؤمنين ، وعمدة الرحمات الخاصة ومادتها الإمام عليه‌السلام وطاعته

١١١

غير الإمام وطاعته ثم قال « يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ » يعني

______________________________________________________

والعلم المأخوذ منه ، فلذا فسرها عليه‌السلام بها.

ويمكن أن يقال : الرحمات العامة أيضا للمؤمنين بالذات ولغيرهم بالتبع ، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه لو لا الإمام وخواص شيعته لم تمطر السماء ولم تنبت الأرض ولم تبق الدنيا ، فظهر وجه تخصيص الرحمة في كلام الإمام بالمؤمنين بوجوه شتى.

قال الطبرسي (ره) : « عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ » ممن عصاني واستحقه بعصيانه وإنما علقه بالمشيئة لجواز الغفران في العقل « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » قال الحسن وقتادة : إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة ، وقال عطية العوفي : وسعت كل شيء ولكن لا تجب إلا للذين يتقون ، وذلك أن الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن ، فيعيش فيها ، فإذا صار في الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه.

وقيل : معناه أنها تسع كل شيء إن دخلوها ، فلو دخل الجميع فيها لوسعتهم إلا أن فيهم من لا يدخل فيها لضلاله « فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ » أي فسأكتب رحمتي الذين يتقون الشرك أي يجتنبونه ، وقيل : يجتنبون الكبائر والمعاصي « وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ » أي يخرجون زكاة أموالهم لأنه أشق الفرائض ، وقيل : معناه يطيعون الله ورسوله عن ابن عباس والحسن ، وإنما ذهبا إلى تزكية النفس وتطهيرها « وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ » أي بحججنا وبيناتنا يصدقون ، وروي أنه لما نزلت : ورحمتي وسعت كل شيء ، قال إبليس : أنا من ذلك الشيء فنزعها الله من إبليس بقوله : فسأكتبها ، الآية ، فقالت اليهود والنصارى : نحن نتقي ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا ، فنزعها منهم وجعلها لهذه الأمة بقوله : « الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ » الآية.

قال الطبرسي أي يؤمنون به ويعتقدون نبوته « الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ » معناه يجدون نعته وصفته ونبوته مكتوبا عندهم فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ « يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

١١٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي والقائم « يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ » إذا قام « وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ »

______________________________________________________

وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ » يجوز أن يكون هذا مكتوبا في التوراة والإنجيل فيكون موصولا بما قبله وبيانا لمن يكتب له رحمة الولاية والمحبة ، ويجوز أن يكون ابتداء من قول الله تعالى مدحا للنبي والمعروف الحق والمنكر الباطل لأن الحق معروف الصحة في العقول ، والباطل منكر الصحة في العقول ، وقيل : المعروف مكارم الأخلاق وصلة الأرحام ، والمنكر عبادة الأوثان وقطع الأرحام عن ابن عباس ، وهذا القول داخل في القول الأول « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ » أي يبيح لهم المستلذات الحسنة ويحرم عليهم القبائح وما تعافه الأنفس « وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » أي ثقلهم شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل ، وقرأ ابن عامر إصارهم على الجمع « وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ » معناه ويضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم ، وقيل : يعني ما امتحنوا به من التكاليف الشاقة « فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ » أي بهذا النبي وصدقوه في نبوته « وَعَزَّرُوهُ » أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه « وَنَصَرُوهُ » عليهم « وَاتَّبَعُوا النُّورَ » أي القرآن الذي هو نور في القلوب كما أن الضياء نور في العيون ويهتدى به الخلق في أمور الدين كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا « الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » أي أنزل عليه وقد يقوم مع مقام عل وقيل : معناه أنزل في زمانه وعلى عهده « أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » أي الظافرون بالمراد الناجون من العقاب ، والفائزون بالثواب ، انتهى.

رجعنا إلى تفسير الحديث قوله عليه‌السلام : يعني ولاية غير الإمام ، بيان لمفعول يتقون المحذوف أي الذين يكفون أنفسهم عن ولاية غير الإمام المنصوب من قبل الله وهو لا ينافي تفسيره بالشرك فإنه أيضا من الشرك فالغرض بيان الفرد الأخفى ، والحاصل أن المتقين هم المؤمنون ، ولا ريب في أن من لا يعرف إمامه وتولى إماما ليس من الله فهو ليس من المتقين ، ولا ريب في أن من لا يعرف إمامه وتولى إماما ليس من الله فهو ليس من المتقين ، ويحتمل أن يكون المراد خصوص ذلك أيضا.

قوله عليه‌السلام : يعني النبي والوصي والقائم ، لعل المعنى أنه ذكر في ضمن نعته المذكور في الكتابين أن له أوصياء أولهم على وآخرهم القائم يقوم بإعلاء كلمتهم

١١٣

والمنكر من أنكر فضل الإمام وجحده « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ » أخذ العلم من أهله « وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ » والخبائث قول من خالف « وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ » وهي

______________________________________________________

فهو بيان للوجدان ، أي يجدونه بتلك الأوصاف والخصوصيات ، وضمير يأمرهم راجع إلى القائم ، والغرض بيان أن الأمر والنهي المنسوبين إلى النبي ليس المراد به صدوره عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخصوصه بل يشمل ما يصدر عن أوصيائه عليهم‌السلام ، والذي يتمكن في هذين على وجه الكمال هو القائم لنفاذ حكمه وجريان أمره ، ويحتمل أن يكون المراد بالذين يتقون أصحاب القائم عليه‌السلام فإنه كتب وقدر لهم الرحمة والغلبة ، وضمير يأمرهم راجعا إلى رئيسهم وهو القائم عليه‌السلام ، لكنه بعيد ، ولا حاجة إليه ، وقيل : « يعني » تفسير لضمير الجمع في يجدونه ، والمراد بالنبي موسى وعيسى ، وبالوصي يوشع وشمعون وهو غريب.

ثم إن المعروف كل أمر حسن يجد العقل السليم حسنه ويأمر الله به لذلك والمنكر كل ما لا ترضيه العقول السليمة ، فعلى هذا أشرف المعروفات وأعظمها ولاية الحق وطاعته ، وأفظع المنكرات إنكار إمام الحق ومخالفته واختيار غيره عليه ، فقوله عليه‌السلام : والمنكر بفتح الكاف من أنكر فضل الإمام أي إنكار من أنكر ، كما في قوله تعالى : « وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى » (١) وقيل : المنكر بكسر الكاف والمراد أن المنكر بالفتح هنا إنكار فضل الإمام ولا يخفى ما فيه.

وكذا الطيبات كلما تستطيبه العقول السليمة وله جهة حسن ، والخبائث كل ما تستقذره النفوس الطيبة وله جهة قبح ، وهكذا نفهم الآية فإنه امتنان على العباد ووصف لكمال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضل شريعته ، بأن كل ما يحله فهو طيب واقعا وكل ما يحرمه فهو خبيث واقعا كما فهمه أكثر أصحابنا ، بأن المراد بالطيب ما تستلذه طباع أكثر الخلق ، وبالخبيث ما تستقذره طباعهم فاستدلوا به على حرمة ما تستنكف منه الطباع فإن أكثر المحرمات مما تميل إليه الطباع ، وأكثر المحلات

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

١١٤

الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام « وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ » والأغلال ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام فلما عرفوا

______________________________________________________

بل الواجبات مما تستكرهه طباع أكثر الخلق ، فعلى هذا تشمل الطيبات العلوم الحقة المأخوذة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم ، والخبائث العلوم الباطلة المأخوذة عن أئمة الضلالة ، مع أن كل ما ورد في الأغذية الجسمانية فهو في بطن القرآن مأول بالأغذية الروحانية كما عرفت مرارا.

قوله : هي الذنوب التي كانوا فيها ، أي ذنب ترك الولاية أو الأعم منه ومما يتبعه من الخطإ في الأقوال والأفعال ، والأول أظهر ، لأن غير ترك الولاية داخل في الأغلال كما قال : « والأغلال ما كانوا يقولون مما لم يكونوا أمروا به » من أصولهم الفاسدة ، شبه آرائهم الناشئة عن ضلالتهم وجهالتهم بالأغلال لأنها قيدتهم وحبستهم عن الاهتداء إلى الحق ، أو لأنها لزمت أعناقهم مع أو زارها لزوم الغل.

و « من » في قوله : من ترك ، تعليلية ويحتمل البيانية ويحتمل كون الأفعال داخلة في الأصر ، والأقوال والعقائد في الأغلال ، ولعله أظهر ، وفي القاموس : الإصر الكسر والحبس والعطف ، وبالكسر : العهد والذنب والنقل ويضم ويفتح في الكل والجمع آصار وأصران ، والإصار حبل صغير يشد به أسفل الخباء ، ووتد الطنب ، انتهى.

فقوله : وهي الإصار ، يحتمل وجوها : الأول : أن يكون بصيغة الجمع ويكون قراءتهم عليهم‌السلام موافقة لقراءة ابن عامر ، أو يكون المعنى أن المراد بالمفرد هنا الجمع والمراد جميع ذنوبهم.

الثاني : أن يكون الإصار بالكسر ، والمعنى أن الإصر مأخوذ من الإصار الذي يشد به الخباء كما قيل : لعل المعنى أن الذنب يشد به رجل المذنب عن القيام بالطاعة كما أن الإصار يشد به أسفل الخباء.

الثالث : ما قيل أن ضمير « هي » للأغلال والآصار بصيغة الجمع ، والمراد

١١٥

فضل الإمام وضع عنهم إصرهم والإصر الذنب وهي الآصار ثم نسبهم فقال « فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ » يعني بالإمام « وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » يعني الذين اجتنبوا الجبت و « الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها » والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان والعبادة طاعة الناس لهم ثم قال « أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا

______________________________________________________

أن الأغلال عمدة أثقالهم وذنوبهم.

« ثم نسبهم » الضمير راجع إلى الشيعة المذكورين في صدر الحديث ، أي ذكر أصلهم الذين ينتسبون إليه كما ينتسب الرجل إلى الآباء والأمهات ، والمراد ذكر صفتهم وحليتهم ومثوباتهم.

« فقال الذين آمنوا » نقل بالمعنى ، وفي القرآن : فالذين آمنوا « يعني بالإمام » أي هو داخل في الإيمان وعمدة فيه ، والإيمان بالرسول لا يكون إلا بالإيمان بالإمام وقد ورد في الأخبار أن المراد بالنور أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « يعني الذين اجتنبوا » لعله تفسير لقوله : واتبعوا النور ، فإن اتباع القرآن أو الإمام لا يستقيم إلا بالبراءة من أعدائهم ، أو المعنى أن المؤمنين المذكورين في هذه الآية هم المذكورون في الآيات الأخرى المبشرين فيها.

واعلم أن هذه المضامين في الآيات ليست متصلة بالآيات السابقة ، فإنها في سورة الأعراف وفي سورة الزمر : « وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ » وفي سورة النساء : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ » وفي سورة الزمر بعد ما مر بفاصلة : « وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ » وفي صورة يونس : « الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ».

١١٦

لَهُ » (١) ثم جزاهم فقال « لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ » (٢) والإمام يبشرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم وبالنجاة في الآخرة والورود على محمد صلى الله

______________________________________________________

فجمع عليه‌السلام بين مضامين الآيات لبيان اتحاد مواردها ، واتصال بعضها ببعض في المعنى ، فالتي في الزمر شرط البشارة فيها باجتناب الطاغوت وهو كل رئيس في الباطل ، وطاعة الطاغوت عبادتها كما قال تعالى : « لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » (٣) وقال : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » (٤).

وروى محمد بن العباس عن أبي بصير عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام أنه قال أنتم الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأضاف عليه‌السلام الجبت إلى الطاغوت لاتحاد مضمونهما واقترانهما في سائر الآيات إشارة إلى أن في سائر الآيات أيضا مؤولة بالأول والثاني والثالث ، بل مع سائر أئمة الجور ، وفسر العبادة بطاعة الناس لهم كما مر ، وكأنه عليه‌السلام فسر الإنابة إلى الرب والإسلام بقبول الولاية ، لأن من لم يقبلها رد على الله ولم يسلم له.

ويؤيده أن بعد هذه الآية : « وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » قال علي بن إبراهيم : من القرآن. وولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام ، والدليل على ذلك قول الله : « أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ » قال : في الإمام ، لقول الصادق عليه‌السلام نحن جنب الله.

ثم جزاهم إلى أثابهم وبين جزائهم ، حيث قال : « الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى » وفي آيات الأعراف أيضا وصفهم بالإيمان والتقوى ، فالبشارة متعلقة بهم ، ويظهر من الخبر أن البشارة بشارة الإمام ، وقوله « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ »

__________________

(١) سورة الزمر : ٥٥.

(٢) سورة يونس : ٦٤.

(٣) سورة يس : ٦٠.

(٤) سورة التوبة : ٣١.

١١٧

على محمد وآله الصادقين على الحوض.

٨٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ » (١) فقال الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة وهم والله يا عمار درجات للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع الله لهم الدرجات العلى

______________________________________________________

ظرف لمتعلق البشارة أي يبشرهم بما يكون لهم من السعادة في الحياة الدنيا عند قيام القائم عليه‌السلام ، وفي الآخرة ، وهذا أحد تأويلات الآية ، وقيل : البشارة في الدنيا ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة ، وقيل : بشارة الملائكة للمؤمنين عند موتهم ، وقيل : أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه ، أو ترى له ، وفي الآخرة بالجنة عند خروجهم من القبور وفي القيامة إلى أن يدخلوا الجنة ، يبشرونهم لها حالا بعد حال ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام وسيأتي الأخبار في بشارة الأئمة عليهم‌السلام المؤمن عند الموت في كتاب الجنائز.

الحديث الرابع والثمانون : ضعيف على المشهور.

« أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ » قال المفسرون : أي في العمل بطاعته « كَمَنْ باءَ » أي رجع « بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ » في العمل بمعصيته « وَمَأْواهُ » أي مصيره ومرجعه « جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » أي المكان الذي صار إليه « هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ » شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب ، أو هم ذوو درجات.

أقول : على تفسيره عليه‌السلام ضمير « هم » راجع إلى الموصول باعتبار المعنى ، والحمل على المبالغة ، أو بتقدير ذوو أي هم أصحاب درجات مختلفة هي ولايتهم بالنظر إلى المؤمنين ، وبقدر شدة ولايتهم ترتفع درجاتهم في الدنيا والآخرة ، والعلى جمع العليا تأنيث الأعلى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٣.

١١٨

٨٥ ـ علي بن محمد وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القندي ، عن عمار الأسدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ

______________________________________________________

الحديث الخامس والثمانون : ضعيف على المشهور.

والظاهر أن قوله : ولايتنا تفسير للعمل الصالح ، فالمستتر في قوله : يرفعه راجع إليه ، والبارز إلى الكلم ، والمراد به كلمة الإخلاص والدعاء والأذكار كلها ، وبصعوده بلوغه إلى محل الرضا والقبول أي العمل الصالح وهو الولاية يرفع الكلم الطيب ويبلغه حد القبول.

ويحتمل أن يكون تفسيرا للكلم الطيب وإشارة إلى أن المراد به الولاية والإقرار به ، إما خصوصا أو في ضمن جميع العقائد الإيمانية ، وحكم الضميرين حينئذ بعكس ما سبق وهو أنسب بآخر الخبر ، وبما ذكره علي بن إبراهيم حيث قال : قوله : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ » إلخ قال : كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض والولاية ، يرفع العمل الصالح إلى الله ، وروي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : الكلم الطيب هو قول : لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وخليفته حقا ، وخلفاؤه خلفاء الله « وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » فهو دليله ، وعمله اعتقاده الذي في قلبه بأن هذا الكلام صحيح كما قتله بلساني.

وقال الطبرسي قدس‌سره : الكلم جمع الكلمة ، يقال : هذا كلم وهذه كلم ، فيذكر ويؤنث ، وكل جمع ليس بينه وبين واحدة إلا الهاء يجوز فيه التذكير والتأنيث ومعنى الصعود هيهنا القبول من صاحبه والإثابة عليه ، وكلما يتقبل الله سبحانه من الطاعات يوصف بالرفع والصعود ، لأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ويرفعونها إلى حيث شاء الله ، وهذا كقوله : « إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ » (١) وقيل : معنى إليه يصعد : إلى سمائه ، حيث لا يملك الحكم سواه ، فجعل صعوده إلى سمائه صعودا إليه تعالى ، كما يقال : ارتفع أمرهم إلى السلطان ، والكلم الطيب الكلمات الحسنة

__________________

(١) سورة المطففين : ١٨.

١١٩

الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » (١) ولايتنا أهل البيت وأهوى بيده إلى صدره فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا.

٨٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » قال : الحسن والحسين « وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً

______________________________________________________

من التعظيم والتقديس ، وأحسن الكلم لا إله إلا الله.

« وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » قيل فيه وجوه : أحدها : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله ، فالهاء في يرفعه يعود إلى الكلم ، والثاني : على القلب من الأول ، أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، والمعنى أن العمل الصالح لا ينفع إلا إذا صدر عن التوحيد عن ابن عباس ، والثالث : أن المعنى أن العمل الصالح يرفعه الله لصاحبه أي يقبله ، وعلى هذا يكون ابتداء إخبار لا يتعلق بما قبله ، انتهى.

قوله : وأهوى ، هو كلام الراوي والباء للتعدية يقال : هوى الشيء وأهوى إذا سقط أي حط عليه‌السلام يده إلى صدره مومئا إلى نفسه وأضرابه من الأوصياء ، وفي بعض النسخ : وأومأ.

الحديث السادس والثمانون : مجهول.

والآية في سورة الحديد هكذا : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ » قال الطبرسي قدس‌سره : أي يعطكم نصيبين من رحمته ، نصيبا لأيمانكم بمن تقدم من الأنبياء ونصيبا لأيمانكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » قيل : النور القرآن ، وفيه دلالة على كل حق والبيان لكل خير ، وبه يستحق الضياء الذي يمشي به يوم القيامة عن ابن عباس ، انتهى.

وقيل : المراد بالنور الهدي الذي يمشون به في ممشاهم العقلاني إلى جناب

__________________

(١) سورة الفاطر : ١١.

١٢٠