تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن محمّد بن وهب الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

ويقال نجوما وهى النجوم التى يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر (وَزَيَّنَّاها) يعنى السماء بالكواكب (لِلنَّاظِرِينَ (١٦)) إليها وهى النجوم التى زينت بها السماء (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧)) ملعون مطرود بالنجوم التى يزجرون بها عن استماع الملائكة ، يعنى الشياطين (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) إلا من اختلس خلسة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨)) يلحقه نجم مضىء حار متوقد (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها على الماء (وَأَلْقَيْنا فِيها) على الأرض (رَواسِيَ) جبالا ثوابت أوتادا لها (وَأَنْبَتْنا فِيها) فى الجبال ، ويقال : فى الأرض (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من النبات والثمار (مَوْزُونٍ (١٩)) مقدور مقسوم معلوم ، ويقال : من كل شىء موزون يوزن ، مثل الذهب والفضة ، والحديد والصفر ، والرصاص وغير ذلك (وَجَعَلْنا) خلقنا (لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) فى الأرض من النبات والثمار وما تأكلون وتشربون وتلبسون (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠)) يقول : ويرزق من لستم له برازقين ، يعنى الطير والوحش ، ويقال : الأجنة فى البطون (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) وما من شىء من النبات والثمار والأمطار (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) مفاتيحه يقول : بيدنا مفاتيحه لا بأيديكم (وَما نُنَزِّلُهُ) يعنى المطر (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)) بكيل ووزن معلوم بعلم الخزائن.

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠))

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) تلقح الشجر والسحاب (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) فى الأرض (وَما أَنْتُمْ لَهُ) للمطر (بِخازِنِينَ (٢٢)) بفاتحين (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) للبعث (وَنُمِيتُ) فى الدنيا (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣)) المالكون على ما فى السموات والأرض بعد موت أهلها ، وقبل موت أهلها (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) يعنى الأموات من الآباء والأمهات ، ويقال : المستقدمين منكم فى الصف الأول (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)) يعنى الأحياء من البنين والبنات ، ويقال :

٤٢١

المستأخرين فى الصف الآخر (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) الأولين والآخرين (إِنَّهُ حَكِيمٌ) حكم عليهم بالحشر (عَلِيمٌ (٢٥)) بحشرهم وثوابهم وعقابهم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعنى آدم (مِنْ صَلْصالٍ) من طين يتصلصل (مِنْ حَمَإٍ) من طين (١)(مَسْنُونٍ (٢٦)) منتن ، ويقال : مصور (وَالْجَانَ) أبا الجن (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) من قبل آدم ، عليه‌السلام (مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)) من نار لا دخان لها (وَإِذْ قالَ) وقد قال (رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) لدين كانوا فى الأرض ، وهم كانوا عشرة آلاف (إِنِّي خالِقٌ) أخلق (بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ) من طين يتصلصل (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨)) من طين منتن (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) سويت خلقه باليدين والرجلين والعينين وغير ذلك (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) جعلت الروح فيه (فَقَعُوا لَهُ) فخروا له (ساجِدِينَ (٢٩)) بالتحية (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) لآدم ، صلوات الله عليه (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)).

(إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠))

(إِلَّا إِبْلِيسَ) رئيسهم (أَبى) تعظم (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)) بالسجود لآدم ، عليه‌السلام (قالَ) الله تعالى : (يا إِبْلِيسُ) يا آيس من رحمتى (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢)) بالسجود لآدم (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) من طين يتصلصل (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)) من طين منتن ، يقول : لا ينبغى لى أن أسجد للطين (قالَ) الله له : (فَاخْرُجْ مِنْها) من صورة الملائكة ، ويقال : من كرامتى ورحمتى ، ويقال : من الأرض (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤)) ملعون مطرود من رحمتى (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) لعنتى ولعنة الملائكة والخلائق (إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)) يوم الحساب (قالَ) إبليس (رَبِ) يا رب (فَأَنْظِرْنِي) فأمهلنى (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦)) من القبور وأراد الملعون أن لا يذوق الموت (قالَ) الله (فَإِنَّكَ مِنَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٤ / ٧٣) ، ومختصره (١ / ٣٦١) ، وزاد المسير (٤ / ٤٤٩) ، وتفسير القرطبى (١٠ / ١٠٨).

٤٢٢

الْمُنْظَرِينَ (٣٧)) من المؤجلين (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)) النفخة الأولى (قالَ رَبِ) يا رب (بِما أَغْوَيْتَنِي) كما أضللتنى عن الهدى (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) لبنى آدم (فِي الْأَرْضِ) الشهوات واللذات (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) لأضلنهم (أَجْمَعِينَ (٣٩)) عن الهدى (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)) المعصومين منى ، ويقال : الموحدين إن قرأت بكسر اللام.

(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)) ثم (قالَ) الله تعالى (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١)) كريم شريف ، ويقال : على ممر من أطاعك وممر من دخل معك ، ويقال : هذا صراط طريق مستقيم قائم برضاه وهو الإسلام ، ويقال : هذا صراط على رفيع إن قرأت بكسر اللام ورفع الياء (إِنَّ عِبادِي) المؤمنين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ملك ولا مقدرة (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) إلا على من أطاعك (مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)) من الكافرين (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) مصيرهم ممن أطاعك (أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) بعضها أسفل من بعض ، أعلاها جهنم وأسفلها الهاوية (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) من الكفار (جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)) حظ ملعوم (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشر والفواحش ، يعنى أبا بكر ، وعمر وأصحابهما (فِي جَنَّاتٍ) فى بساتين (وَعُيُونٍ (٤٥)) ماء طاهر (ادْخُلُوها) يقول الله تعالى لهم يوم القيامة : أدخلوا الجنة (بِسَلامٍ) مع سلام وتحية ، ويقال : بسلامة ونجاة منا (آمِنِينَ (٤٦)) من الموت والزوال (وَنَزَعْنا) أخرجنا (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) وغش وعداوة كانت بينهم فى الدنيا (إِخْواناً) فى الآخرة (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧)) فى الزيارة (لا يَمَسُّهُمْ فِيها) لا يصيبهم فى الجنة (نَصَبٌ) تعب ولا مشقة (وَما هُمْ مِنْها) من الجنة (بِمُخْرَجِينَ (٤٨) * نَبِّئْ عِبادِي) خبر عبادى (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ) المتجاوز (الرَّحِيمُ (٤٩)) لمن مات على التوبة (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)) الوجيع لمن لم يتب ومات على الكفر.

٤٢٣

(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))

(وَنَبِّئْهُمْ) أخبرهم (عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١)) عن أضياف إبراهيم جبريل واثنى عشر ملكا معه (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) على إبراهيم (فَقالُوا سَلاماً) سلموا عليه (قالَ) لهم إبراهيم حين لم يطعموا من طعامه (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢)) خائفون (قالُوا لا تَوْجَلْ) لا تفرق يا إبراهيم منا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) بولد (عَلِيمٍ (٥٣)) فى صغره حليم فى كبره (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي) بالولد (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) بعد ما أصابنى الكبر (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤)) فبأي شىء تبشرون الآن (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) بالولد (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥)) من الآيسين من الولد (قالَ) إبراهيم (وَمَنْ يَقْنَطُ) ييأس (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)) الكافرون بالله أو بنعمته (قالَ) إبراهيم لجبريل وأعوانه (فَما خَطْبُكُمْ) وبما ذا جئتم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨)) مشركين اجترموا الهلاك على أنفسهم بعملهم الخبيث ، يعنون قوم لوطو (إِلَّا آلَ لُوطٍ) ابنتيه زاعورا وريثا وامرأته الصالحة (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) من الهلاك (أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ) واعلة المنافقة (قَدَّرْنا) عليها (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠)) لمن الباقين المتخلفين بالهلاك.

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠))

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ) إلى لوط (الْمُرْسَلُونَ (٦١)) جبريل وأعوانه (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢)) فى بلدنا هذا لم نعرفكم ولم نعرف سلامكم ، فمن أجل ذلك ،

٤٢٤

قال : إنكم قوم منكرون (قالُوا) يعنى جبريل وأعوانه (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣)) يشكون من العذاب (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أى جئناك بخبر العذاب (وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤)) فى مقالتنا أن العذاب نازل عليهم (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) فأدلج بأهلك (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ببعض من آخر الليل عند السحر (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) امش ورائهم نحو صعر (وَلا يَلْتَفِتْ) لا يتخلف (مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا) سيروا (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)) نحو صعر (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أمرناه الإتيان إلى صعر ، ويقال : أخبرناه (أَنَّ دابِرَ) غابر (هؤُلاءِ) قوم لوط (مَقْطُوعٌ) مستأصل (مُصْبِحِينَ (٦٦)) عند الصباح (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) إلى دار لوط (يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧)) بعملهم الخبيث (قالَ) لهم لوط (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي) أى أضيافى (فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨)) فيهم (وَاتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله فى الحرام (وَلا تُخْزُونِ (٦٩)) لا تذلونى فى أضيافى (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ) يا لوط (عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠)) عن ضيافة الغرباء.

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) ويقال : بنات قومى أنا أزواجكم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١)) متزوجين (لَعَمْرُكَ) أقسم بعمر محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، ويقال : بدينه (إِنَّهُمْ) يعنى قوم لوط (لَفِي سَكْرَتِهِمْ) لفى جهلهم (يَعْمَهُونَ (٧٢)) لا يبصرون (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) بالعذاب (مُشْرِقِينَ (٧٣)) عند طلوع الشمس (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أعلاها أسفلها ، وأسفلها أعلاها (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) على شذاذهم ومساميرهم (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤)) من سماء الدنيا ، ويقال : من سبخ ووحل مطبوخ كالآجر (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآياتٍ) لعلامات وعبرات (لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)) للمتفرسين ، ويقال : للمتفكرين ، ويقال : للناظرين ، ويقال : للمعتبرين (١) (وَإِنَّها) يعنى قريات لوط (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)) طريق دائم يمرون عليها (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى هلاكهم

__________________

(١) معانى القراءات للأزهرى (ص ٢٤٨) ، والمحرر الوجيز لابن عطية (٣ / ٤٠٤).

٤٢٥

(لَآيَةً) لعبرة (لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِنْ كانَ) وقد كان (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قوم شعيب (لَظالِمِينَ (٧٨)) لمشركين (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فى الدنيا بالعذاب (وَإِنَّهُما) يعنى قريات لوط وشعيب (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩)) لبطريق واضح يمرون عليها (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ) قوم صالح (الْمُرْسَلِينَ (٨٠)) صالحا وجملة المرسلين.

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠))

(وَآتَيْناهُمْ) أعطيناهم (آياتِنا) الناقة وغيرها (فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١)) مكذبين بها (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ) فى الجبال (بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢)) من أن تقع عليهم ، ويقال : آمنين من العذاب (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) بالعذاب (مُصْبِحِينَ (٨٣)) عند الصباح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) من عذاب الله (ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)) يقولون ويعملون ويعبدون من دون الله (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (إِلَّا بِالْحَقِ) ليان الحق والباطل والحجة عليهم (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) لكائنة (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)) أعرض عنهم إعراضا جميلا بلا فحش ولا جزع وهى منسوخة بآية القتال (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) الباعث لمن آمن به ولمن لم يؤمن به (الْعَلِيمُ (٨٦)) بثوابهم وعقابهم (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) يقول : أكرمناك بسبع آيات من القرآن تثنى فى كل ركعة وسجدتين وهى فاتحة الكتاب ، ويقال : أكرمناك بأسباع القرآن لأن القرآن كله مثان أمر ونهى ، ووعد ووعيد ، وحلال وحرام ، وناسخ ومنسوخ ، وحقيقة ومجاز ، وحكم ومتشابه ، وخبر ما كان وما يكون ، ومدحة لقوم ومذمة لقوم (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)) يقول : وأكرمناك بالقرآن العظيم الكريم الشريف ، كما أنزلنا التوراة والإنجيل على المقتسمين اليهود والنصارى (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) لا تنظر بالرغبة (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) أعطينا من الأموال (أَزْواجاً مِنْهُمْ) رجالا من بنى قريظة والنضير ، ويقال : من قريش ؛ لأن ما أكرمناك به من النبوة والإسلام والقرآن أعظم مما أعطيناهم من الأموال (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) على

٤٢٦

هلاكهم إن لم يؤمنوا (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)) لين جانبك للمؤمنين ، يقول : كن رحيما عليهم (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩)) الرسول المخوف بلغة تعرفونها من عذاب الله (كَما أَنْزَلْنا) يوم بدر (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠)) أصحاب العقبة وهم : أبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة المخزومى ، وحنظلة بن أبى سفيان ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، وسائر أصحابهم الذين قتلوا يوم بدر.

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)) قالوا فى القرآن أقاويل مختلفة ، قال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : بشعر ، وقال بعضهم : كهانة ، وقال بعضهم : أساطير الأولين ، وقال بعضهم : كذب يختلقه من تلقاء نفسه (فَوَ رَبِّكَ) يا محمد أقسم بنفسه (لَنَسْئَلَنَّهُمْ) يوم القيامة (أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)) يقولون فى الدنيا ، ويقال : عن تركهم لا إله إلا الله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) يقول : أظهر أمرك بمكة (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤)) وهذا منسوخ ، يقول : أظهر أمرك بمكة (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)) رفعنا عنك مئونة المستهزئين.

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) يقولون مع الله آلهة شتى (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦)) ما ذا يفعل بهم ، فأهلكهم فى يوم وليلة ، كل واحد منهم بعذاب غير عذاب صاحبه ، وكانوا خمسة منهم : العاص بن وائل السهمى ، لدغه شىء فمات مكانه أبعده الله ، ومنهم : الحارث بن قيس السهمى ، أكل حوتا مالحا ، ويقال : طريا فأصابه العطش ، فشرب عليه الماء حتى انشق بطنه فمات مكانه أتعسه الله ، ومنهم : الأسود بن المطلب ، ضرب جبريل ، عليه‌السلام ، رأسه على شجرة ، وضرب وجهه بالشوك حتى مات نكسه الله ، ومنهم : الأسود بن عبد يغوث ، خرج فى يوم شديد الحر فأصابه السموم فاسود حتى عاد حبشيا ، فرجع إلى بيته فلم يفتحوا له الباب فنطح رأسه ببابه حتى مات خذله الله ، ومنهم : الوليد بن المغيرة المخزومى ، أصاب أكحله نبل فمات من ذلك طرده الله ، وكلهم كانوا يقولون قتلنى رب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ

٤٢٧

صَدْرُكَ) يا محمد (بِما يَقُولُونَ (٩٧)) من التكذيب ، وبأنك شاعر وساحر وكذاب وكاهن (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فصل بأمر ربك (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)) مع الساجدين ، ويقال : من المطيعين (وَاعْبُدْ رَبَّكَ) استقم على طاعة ربك (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)) يعنى الموت وهو الموقن. (١)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٤ / ١٠٩) ، وزاد المسير (٤ / ٤٨٤).

٤٢٨

سورة النحل

ومن السورة التى يذكر فيها النحل

وهى كلها مكية ، غير أربع آيات نزلت بالمدينة ، قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) إلى آخر الآية ، والآية الثانية : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) الآية ، وقوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) الآية ، وقوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) الآية ، فهؤلاء مدنيات.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩))

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠)) عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) قال : لما نزل قوله : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) إلى آخر الآية ، وقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) إلى آخر الآية ، فمكثوا على ذلك ما شاء الله أن يمكثوا ولم يتبين لهم شىء ، فقالوا : يا محمد ، متى يأتينا ما تعدنا من العذاب فأنزل الله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) أتى عذاب الله وكان النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) جالسا فقام فقال : لا شك أن العذاب قد أتى ، فقال الله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) بالعذاب فجلس النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (وَتَعالى) ارتفع وتبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (١)) به من الأوثان (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) يعنى جبريل ومن معه من الملائكة (بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) بالنبوة وكتاب بأمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعنى محمدا أو غيره من الأنبياء (أَنْ أَنْذِرُوا) خوفوا بالقرآن واقرءوا حتى يقولوا : (أَنَّهُ لا

٤٢٩

إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)) فأطيعونى ووحدونى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) للحق ، ويقال : للزوال والفناء (تَعالى) تبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣)) من الأوثان (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أبى بن خلف الجمحى (مِنْ نُطْفَةٍ) منتنة (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) جدل بالباطل (مُبِينٌ (٤)) ظاهر الجدال لقوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ وَالْأَنْعامَ) يعنى الإبل (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) الإدفاء من الأكسية وغيرها (وَمَنافِعُ) فى ظهورها وألبانها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥)) من لحومها تأكلون (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) منظر حسن (حِينَ تُرِيحُونَ) من الرعى (١)(وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦)) إلى الرعى.

(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) أمتعتكم وزادكم (إِلى بَلَدٍ) يعنى مكة (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) إلا بتعب النفس (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ) بمن آمن (رَحِيمٌ (٧)) بتأخير العذاب عنكم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ) يقول : خلق الخيل والبغال والحمير (لِتَرْكَبُوها) فى سبيل الله (وَزِينَةً) لكم فيها منظر حسن (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨)) يقول : خلق من الأشياء ما لا تعلمون مما لم يسمه لكم (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) هداية الطريق فى البر والبحر (وَمِنْها) من الطريق (جائِرٌ) مائل لا يهتدى به (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)) إلى الطريق فى البحر والبر ، ويقال : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) الهدى إلى التوحيد (وَمِنْها) من الأديان (جائِرٌ) مائل ليس بعادل مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)) لدينه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) ما يستقر فى الأرض فى الركايا والغدران (وَمِنْهُ شَجَرٌ) به ينبت الشجر والنبات (فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠)) ترعون أنعامكم.

(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٤٩٤) ، والمجاز لأبى عبيدة (١ / ٣٦٩) ، وتفسير الطبرى (١٤ / ١١٩) ، وغريب ابن قتيبة (٢٤٩) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ / ٤١٣).

٤٣٠

تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠))

(يُنْبِتُ لَكُمْ) بالمطر (بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ) يعنى الكروم (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من ألوان الثمرات (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى ألوان ما ذكرت وفى طعمه (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)) فيما خلق الله لهم (وَسَخَّرَ لَكُمُ) ذلل لكم (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) مذللات (بِأَمْرِهِ) بإذنه (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى تسخير ما ذكرت (لَآياتٍ) لعلامات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)) يعلمون ويصدقون أن تسخيرها من الله (وَما ذَرَأَ) يقول : وما خلق (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أجناسه من النبات والثمار وغير ذلك (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى ألوان ما خلقت (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)) يتعظون بما فى القرآن (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ) ذلل (الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً) يعنى سمكا (طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ) من البحر (حِلْيَةً) زهرة من اللؤلؤ وغيره (تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ) يعنى السفن (مَواخِرَ) مقبلة ومدبرة (فِيهِ) فى البحر تجيء وتذهب بريح واحدة (وَلِتَبْتَغُوا) لكى تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) من عمله ، ويقال : من رزقه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)) لكى تشكروا نعمته (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) الجبال الثوابت (أَنْ تَمِيدَ) لكى لا تميد (بِكُمْ) الأرض (وَأَنْهاراً) وأجرى فيها أنهارا لمنافعكم (وَسُبُلاً) جعل فيها طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥)) لكى تعرفوا الطريق (وَعَلاماتٍ) من الجبال وغير ذلك للمسافرين (وَبِالنَّجْمِ) وبالفرقدين والجدى (هُمْ) يعنى المسافرين (يَهْتَدُونَ (١٦)) بهما فى البر والبحر (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) وهو الله (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) لا يقدر أن يخلق ، يعنى الأصنام (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧)) أفلا تتعظون فيما خلق الله لكم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) لا تحفظوها ، ويقال : لا تشكروها (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (١٨)) لمن تاب (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) من الخير والشر (وَما تُعْلِنُونَ (١٩)) من الخير والشر (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) لا يقدرون أن يخلقوا شيئا كخلقنا (وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠)) ينحتون مخلوقة منحوتة.

٤٣١

(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠))

(أَمُوتُ) أصنام أموات (غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ) يعنى الآلهة (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)) من القبور فيحاسبون ، ويقال : ما يعلم الكفار متى يحاسبون ، ويقال : ما تعلم الملائكة متى يحاسبون (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يعلم ذلك لا الآلهة (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) بالتوحيد (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢)) عن الإيمان (لا جَرَمَ) لا جرم حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) ما يخفون من البغض والحسد والمكر والخيانة (وَما يُعْلِنُونَ) ما يظهرون من الشتم والطعن والقتال (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)) عن الإيمان (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) للمقتسمين (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) ما ذا يقول لكم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من ربكم (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)) كذب الأولين وأحاديثهم (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) آثامهم (كامِلَةً) وافرة (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ) مثل آثام (الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) يصرفونهم عن محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن والإيمان (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم ولا حجة (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥)) بئس ما يحملون من الذنوب ، يعنى المقتسمين (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بأنبيائهم كما مكر المقتسمون بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وهو نمرود الجبار الذى بنى الصرح (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) قلع بنيانهم الصرح (مِنَ الْقَواعِدِ) من الأساس (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ) فوقع عليهم الصرح (مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ) بالهدم (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦)) لا يعلمون.

(ثُمَ) هو (يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) يعذبهم (وَيَقُولُ) الله يوم القيامة (أَيْنَ

٤٣٢

شُرَكائِيَ) يعنى الآلهة التى زعمتم أنهم شركائى (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تخالفون لقبلهم وتعادون أنبيائى لقبلهم (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يعنى الملائكة (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ) العذاب يوم القيامة (وَالسُّوءَ) النار والشدة (عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) قبضتهم الملائكة يوم بدر (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بالكفر (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) ردوا الجواب ، ويقال : خضعوا لله (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) نعبد من شىء من دون الله وما كنا مشركين بالله (بَلى) يقول الله : بلى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)) وتقولون وتعبدون من دون الله (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) مقيمين فيها لا تموتون ولا تخرجون منها (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)) منزل الكافرين جهنم (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الكفر والشرك والفواحش ، عبد الله بن مسعود وأصحابه (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) ما ذا يقول لكم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) من ربكم (قالُوا خَيْراً) توحيدا وصلة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) الجنة يوم القيامة (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) يعنى الجنة (خَيْرٌ) من الدنيا وما فيها (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)) الكفر والشرك والفواحش ، الجنة يوم القيامة.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠))

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) وهى مقصورة الرحمن (يَدْخُلُونَها) يوم القيامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (لَهُمْ فِيها)

٤٣٣

فى الجنة (ما يَشاؤُنَ) ما يشتهون ويتمنون (كَذلِكَ) هكذا (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)) الكفر والشرك والفواحش (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) قبضتهم الملائكة (طَيِّبِينَ) طاهرين من الشرك (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) من الله (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) بإيمانكم واقتسموها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)) وتقولون من الخيرات فى الدنيا (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظرون أهل مكة إذ لا يؤمنون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) عذاب ربك بهلاكهم (كَذلِكَ) كما فعل بك قومك كذبوك وشتموك (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل قومك بأنبيائهم كذبوهم وشتموهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣)) بالشرك وتكذيب الرسل (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) عقوبة ما عملوا وقالوا من المعاصى (وَحاقَ بِهِمْ) دار ونزل بهم ووجب عليهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤)) عقوبة استهزائهم بالأنبياء ، ويقال : العذاب الذى كانوا به يستهزءون.

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله الأوثان ، يعنى أهل مكة (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من الأصنام (نَحْنُ وَلا آباؤُنا) قبلنا (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ) من دون الله (مِنْ شَيْءٍ) من البحيرة والسائبة ، والوصيلة والحام ، ولكن حرم الله وأمرنا بذلك (كَذلِكَ) كما فعل كذب قومك على الله بتحريم الحرث والأنعام (فَعَلَ) كذب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) على الله (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ) ما على الرسل (إِلَّا الْبَلاغُ) عن الله رسالة الله (الْمُبِينُ (٣٥)) بلغة تعلمونها ظاهرة (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ) إلى كل قوم (رَسُولاً) كما أرسلنك إلى قومك (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) اتركوا عبادة الأصنام ، ويقال : الشيطان ، ويقال : الكاهن (فَمِنْهُمْ) من أرسلنا إليهم الرسل (مَنْ هَدَى اللهُ) لدينه فأجاب الرسل إلى الإيمان (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ) وجبت (عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) فلم يجب الرسل إلى الإيمان (فَسِيرُوا) سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) فاعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)) آخر أمر المكذبين بالرسل (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) على توحيدهم (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لدينه (مَنْ يُضِلُ) خلقه عن دينه ولا يكون أهلا لدينه (وَما لَهُمْ) لكفار مكة (مِنْ ناصِرِينَ (٣٧)) من مانعين من عذاب الله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) حلفوا بالله جهد أيمانهم ، وإذا حلف الرجل بالله فقد حلف جهد يمينه (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) بعد الموت (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ) على الله (حَقًّا) كائنا واجبا أن يبعث من يموت (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٣٨)) ذلك ولا يصدقون (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ)

٤٣٤

لأهل مكة (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) يخالفون فى الدين (وَلِيَعْلَمَ) لكى يعلم (الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والقرآن ، ويوم القيامة (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩)) فى الدنيا بأن لا جنة ولا نار ، ولا بعث ولا حساب (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ) أمرنا لقيام الساعة (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)).

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) فى طاعة الله من مكة إلى المدينة (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) من بعد ما عذبهم أهل مكة ، يعنى عمار بن ياسر ، وبلالا ، وصهيبا وأصحابهم (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا) لننزلهم فى المدينة (حَسَنَةً) أرضا كريمة آمنة ذات غنيمة حلال (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) ثواب الآخرة (أَكْبَرُ) أعظم من ثواب الدنيا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)) وقد كانوا يعلمون (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أذى الكفار (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)) لا على غيره ، يعنى عمارا وأصحابه (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد الرسل (إِلَّا رِجالاً) آدميا مثلك (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بالأمر والنهى والعلامات (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل التوراة والإنجيل (١)(إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣)) أن الله لم يرسل إلا إنسيا (بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (وَالزُّبُرِ) خبر كتب الأولين (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) جبريل بالقرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ما أمر لهم فى القرآن (وَلَعَلَّهُمْ

__________________

(١) اختلف العلماء فى هذه الآية أمنسوخة هى أم محكمة ، وقد ذكر القرطبى فى جامعه (١٠ / ٢٠٠) : أن الآية محكمة من جهة العصاة من الموحدين ، ومنسوخة بالقتال فى حق الكافرين. انظر : الإيضاح لمكى (ص ٢٩١) ، الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٨٠). وابن البارزى (٢٩٥).

٤٣٥

يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)) لكى يتفكروا فيما أمر لهم (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) الشرك بالله (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ) أن لا يغور الله (بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ) أو لا يأتيهم (الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥)) بنزوله.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ) أو لا يأخذهم (فِي تَقَلُّبِهِمْ) فى ذهابهم ومجيئهم فى التجارة (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦)) بفائتين من عذاب الله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ) أو لا يأخذهم (عَلى تَخَوُّفٍ) على تنقص رؤسائهم وأصحابهم (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)) لمن تاب ، ويقال : بتأخير العذاب (أَوَلَمْ يَرَوْا) أهل مكة (إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) من الشجر والدواب (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) يتقلب ظلاله (عَنِ الْيَمِينِ) غدوة (وَالشَّمائِلِ) عشية (سُجَّداً لِلَّهِ) يسجدون لله وظلالهم غدوة وعشية أيضا تسجد لله (وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)) مطيعون (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم (وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) من الدواب والطيور (وَالْمَلائِكَةُ) فى السماء يسجدون لله (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩)) عن السجود لله (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) الذى فوقهم على العرش (وَيَفْعَلُونَ) يعنى ويقولون (ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)) يعنى الملائكة.

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠))

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا) لا تعبدوا (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) نفسه والأصنام (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)) فخافون فى عبادة الأصنام (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق والعجائب (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) دائما ، ويقال : خالصا (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢)) تعبدون (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) فمن قبل الله لا من قبل الأصنام (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) أصابتكم الشدة (فَإِلَيْهِ) إلى الله (تَجْئَرُونَ (٥٣)) تتضرعون وتدعون (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ) رفع الشدة (عَنْكُمْ إِذا

٤٣٦

فَرِيقٌ) طائفة (مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤)) الأصنام (لِيَكْفُرُوا) حتى يكفروا (بِما آتَيْناهُمْ) أعطيناهم من النعيم فيقولوا بشفاعة آلهتنا هذا (فَتَمَتَّعُوا) فعيشوا فى الكفر والحرام (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)) ما ذا يفعل بكم (وَيَجْعَلُونَ) ويقولون (لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) حظا للرجال دون النساء ، ويقال : لما لا يقولون ولا يعلمون يعنى الأصنام (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الحرث والأنعام ، ويقولون الله أمرنا بهذا (تَاللهِ) والله (لَتُسْئَلُنَ) يوم القيامة (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦)) تكذبون على الله (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) يقولون الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧)) ما يختارون من الذكور (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) بالجارية (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) صار وجهه مسودا من الغم (وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)) مكروب يتردد الغم فى جوفه (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) يكتم من قومه (مِنْ سُوءِ) من كره (ما بُشِّرَ بِهِ) بالأنثى كراهية الإظهار (أَيُمْسِكُهُ) أيحفظه (عَلى هُونٍ) على هوان ومشقة (أَمْ يَدُسُّهُ) يدفنه (فِي التُّرابِ) حيا (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩)) بئس ما يقضون لأنفسهم الذكور ، ولله البنات (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (مَثَلُ السَّوْءِ) يعنى النار (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) الصفة العليا الألوهية والربوبية بلا ولد ولا شريك (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (٦٠)) أمر أن لا يعبد غيره.

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩) وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) بشركهم (ما تَرَكَ عَلَيْها) على ظهر الأرض (مِنْ

٤٣٧

دَابَّةٍ) من الجن والإنس أحدا (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) يؤجلهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت هلاكهم (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) وقت هلاكهم (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) لا يتركون عن الأجل قدر ساعة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)) لا يهلكون قبل الأجل (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) يقولون لله البنات ما لا يرضون لأنفسهم (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) يقولون بألسنتهم الكذب (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) يعنى الذكور ، ويقال : أن لهم الحسنى ، يعنى الجنة ، ويقال : أن لهم الحسنى من أين لهم الجنة (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)) متروكون ، ويقال : منسيون ، ويقال : مفرطون بالقول والفعل ، وإن قرأت بكسر الراء (تَاللهِ) والله (لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) دينهم فلم يؤمنوا (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) فى الدنيا وقرينهم فى النار (وَلَهُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣)) وجيع (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) جبريل والقرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا) خالفوا (فِيهِ) فى الدين (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)) به.

(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَحْيا بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قحطها ويبوستها (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى إحياء ما ذكرت (لَآيَةً) لعلامة (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥)) يطيعون ويصدقون (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ) نخرج (لَبَناً خالِصاً سائِغاً) شهيا (لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) يعنى الكروم (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) مسكرا وهذا منسوخ ، ويقال : طعاما (وَرِزْقاً حَسَناً) حلالا من الخل والدبس والزبيب وغير ذلك (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت لكم (لَآيَةً) لعلامة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)) يصدقون (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ألهم ربك النحل (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) فى الجبال مسكنا (وَمِنَ الشَّجَرِ) وفى الشجر أيضا (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨)) يبنون (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من ألوان كل الثمرات (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) فادخلى طرق ربك (ذُلُلاً) مذللا مسخرا لك (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) من بطون النحل (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) الأحمر والأصفر والأبيض (فِيهِ) فى العسل (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) من الداء ، ويقال : فيه فى القرآن شفاء بيان للناس (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)) فيما خلقت (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) يقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أسفل العمر (لِكَيْ لا يَعْلَمَ) حتى لا يفقه (بَعْدَ عِلْمٍ) العلم الأول (شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بتحويل الخلق (قَدِيرٌ (٧٠)) على تحويلهم من حال إلى حال.

٤٣٨

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠))

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) نزلت هذه الآية فى أهل نجران حين قالوا المسيح ابن الله فنزل قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فى المال والخدم (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) بالمال والخدم (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) هل يعطون مالهم (عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) لعبيدهم وإمائهم (فَهُمْ) يعنى المالك والمملوك (فِيهِ) فى المال (سَواءٌ) شرع قالوا لا نفعل ذلك ، ولا نرضى ، فقال الله : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١)) أفترضون لى ما لا ترضون لأنفسكم ، وتكفرون بوحدانية الله (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) آدميا مثلكم (أَزْواجاً) نساء (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) من نسائكم (بَنِينَ وَحَفَدَةً) يعنى ولد الولد ، ويقال : خدما وعبيدا ، ويقال : أختانا (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) جعل أرزاقكم ألين وأطيب من رزق الدواب (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أفبالشيطان والأصنام يؤمنون ويصدقون (وَبِنِعْمَتِ اللهِ) بوحدانية الله ودينه (هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ) ما لا يقدره (لَهُمْ) يعنى الأصنام (رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات (شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣)) لا يقدرون على ذلك (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فلا تصفوا الله ولدا ولا شريكا ولا شبيها (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) أن لا ولد ولا شريك له (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤)) ذلك يا معشر الكفار ، ثم

٤٣٩

ضرب مثل المؤمن والكافر ، فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) بين الله صفة عبد مملوك (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من النفقة والإحسان وهو مثل الكافر لا يجىء منه خير (وَمَنْ رَزَقْناهُ) أعطيناه (مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) مالا كثيرا (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا) فيما بينه وبين الله (وَجَهْراً) فيما بينه وبين الناس فى سبيل الله ، وهذا مثل المؤمن المخلص (هَلْ يَسْتَوُونَ) فى الثواب والطاعة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله والوحدانية لله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) كلهم (لا يَعْلَمُونَ (٧٥)) أمثال القرآن ، ويقال : نزلت هذه الآية فى عثمان بن عفان ، ورجل من العرب ، يقال له : أبو العيص بن أمية.

ثم ضرب مثله ومثل الأصنام ، فقال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) بين الله صفة (رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أخرس (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من الكلام وهو الصنم (وَهُوَ كَلٌ) ثقل (عَلى مَوْلاهُ) على وليه وقرابته عيال على عائله (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) ويدعوه من شرق أو غرب (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) لا يجيب من يدعوه بخير وهذا مثل الصنم (هَلْ يَسْتَوِي) فى النفع ودفع الضر (هُوَ) يعنى الصنم (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بالتوحيد (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)) يدعو إلى طريق مستقيم وهو الله (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب عن العباد (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) أمر قيام الساعة فى السرعة (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) كطرف البصر (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) بل هو أقرب (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من البعث وغيره (قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) من الأشياء ، ويقال : كل شىء (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) تسمعون بها الخير (وَالْأَبْصارَ) تبصرون بها الخير (وَالْأَفْئِدَةَ) يعنى القلوب تعقلون بها الخير (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)) لكى تشكروا نعمته وتؤمنوا به (أَلَمْ يَرَوْا) ألم تنظروا يا أهل مكة حتى تعلموا قدرة الله ووحدانيته (إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ) مذللات (فِي جَوِّ السَّماءِ) فى وسط السماء أى بين السماء والأرض يطرن (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) بعد الطيران (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى إمساكهن من الهواء (لَآياتٍ) لعلامات لوحدانية الله (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩)) يصدقون أن إمساكهن من الله.

ثم ذكر نعمته لكى يشكروا بذلك ويؤمنوا به ، فقال : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيوت المدر (سَكَناً) مسكنا وقرارا (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ) من أصوافها وأوبارها وأشعارها (بُيُوتاً) يعنى الخيام والفساطيط (تَسْتَخِفُّونَها) تستخفون حملها (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) يوم سفركم (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) يوم نزولكم (وَمِنْ

٤٤٠