غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

قال رحمه‌الله : من به السلس ، قيل : يتوضأ لكل صلاة ، وقيل : من به البطن إذا تجدد حدثه في الصلاة ، يتطهّر ويبني.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الذي به السلس ، قيل : يجب عليه الوضوء لكل صلاة ، ولا يجوز له أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والعلامة في كتبه ، لقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (٦١) وهو عام خرج منه من لا حدث عليه ، يبقى الباقي على العموم ، ولأنّه أحوط. وقال في المبسوط : يجوز له ان يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد لأصالة براءة الذمة ، وحمله على المستحاضة قياس.

الثانية : المبطون الذي به البطن ، وهو الذرب ، قيل : يفعل كمن به السلس من تجديد الوضوء لكل صلاة ، لأن الغائط حدث ، فلا يستباح معه إلا الصلاة الواحدة لمكان الضرورة ، أما لو تلبس في الصلاة متطهرا ثمَّ فجأه الحدث ، قال الشيخ : يتطهر ويبني على صلاته ، لما رواه محمد بن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني» (٦٢).

قال العلامة والوجه عندي ان كان عذره دائما لا ينقطع فإنه يبني على صلاته من غير تجدد وضوء ، كصاحب السلس ، وان كان يتمكن من التحفظ بمقدار زمان الصلاة ، فإنه يتطهر ويستأنف الصلاة.

قال رحمه‌الله : ومن جدد وضوءه بنية الندب ثمَّ صلّى وذكر أنه أخلّ بعضو من أحد الطهارتين ، فإن اقتصرنا على نية القربة فالطهارة والصلاة

__________________

(٦١) المائدة : ٦.

(٦٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٣٧ ، كتاب الطهارة ، باب صلاة المريض ، حديث ١١. رواه في الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٩ من أبواب نواقض الوضوء ، حديث ٤ ، باختلاف يسير.

٦١

صحيحتان ، وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما ، ولو صلّى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناء على الأول ، ولو أحدث عقيب طهارة ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، وكذا لو صلى بطهارة ثمَّ أحدث وجدّد طهارة أخرى وذكر أنه أخلّ بواحدة من احدى الطهارتين ، ولو صلى الخمس وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات ، أعاد ثلاثة فرائض ، ثلاثا واثنتين وأربعا ، وقيل : يعيد خمسا ، والأول أشبه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من توضأ وصلى الظهر ، ثمَّ جدد وضوءه بنية الندب ، ثمَّ ذكر أنه أخلّ بعضو من احدى الطهارتين بعد أن صلى العصر ، فان اكتفينا بنية القربة أعاد الظهر خاصة ، لأنّ العضو المتروك إن كان من الطهارة الأولى بطلت وصحت العصر بطهارته ، وإن كان من طهارة العصر صحت الصلاتان بالطهارة الأولى ، فالعصر صحيحة على التقديرين ، وإن أوجبنا نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة وجب عليه الصلاتان معا ، لأنّ الوضوء الثاني لم يحصل به رفع الحدث ولا استباحة الصلاة ، والأول مشكوك فيه فلم يبرأ من عهدة التكليف.

الثانية : لو توضأ وصلّى الظهر ، ثمَّ أحدث وتوضأ وصلّى العصر ، ثمَّ ذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارتين ، وأنه أوقع أحد الفرضين بغير طهارة واشتبه ، أعاد الصلاتين ان اختلفتا عددا ، وإلّا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، لأن إحداهما صحيحة بيقين ، وقيل : الصلاتين ، لأنه ما أدّى واحدة منهما بيقين.

٦٢

الثالثة : لو توضأ لكل صلاة من الخمس وضوءا ، وذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارات ، توضأ وأعاد ثلاثا واثنتين وأربعا مطلقة ، ينوي بها ما في ذمته ، وقال الشيخ يعيد الخمس ، لأنّه ما أدّى إحداها بيقين.

٦٣
٦٤

في الجنابة

قال رحمه‌الله : ولو جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأظهر.

أقول : روى ابن بابويه (٦٣) : عدم إيجاب الغسل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية لأصالة براءة الذمّة ، ولرواية أحمد بن محمد البرقي (٦٤) ، والوجوب مذهب السيّد المرتضى ، والشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة وأبو العباس لقوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (٦٥) ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل» (٦٦) ، وللاحتياط.

تنبيه : حكم الدبر حكم القبل إلّا في أماكن :

__________________

(٦٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٤٧ باب ١٩ ، صفة غسل الجنابة ، حديث ١٨٥. أورده في الوسائل كتاب الطهارة ، باب ١١ من أبواب الجنابة ، حديث ١.

(٦٤) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٢ من أبواب الجنابة ، حديث ٢.

(٦٥) المائدة : ٦.

(٦٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٦ من أبواب الجنابة ، حديث ١.

٦٥

الأول : الإحصان فلا يثبت به.

الثاني : استنطاقها في النكاح ، لتعلق الحكم بالبكارة وهي باقية.

الثالث : عدم التحليل به.

الرابع : عدم الفئة من المولى.

الخامس : إجبار الزوج على الوطء بعد الأربعة ، ولا يكفي لو كان يطأ في الدبر.

السادس : لو حلف أن لا يطأها في الدبر ، لم يكن إيلاءا.

قال رحمه‌الله : لو وطء غلاما فأوقبه ، قال المرتضى : يجب الغسل معولا على الإجماع المركب ولم يثبت.

أقول : الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، قال : المرتضى :

يجب به الغسل ، واختاره المصنف (٦٧) والعلامة ، لأنه أولج في فرج مشتهى طبعا ، وللإجماع المركب ، لان كل قائل بوجوبه في دبر المرأة ، قائل بوجوبه في دبر الغلام.

قوله : (ولم يثبت) أي لم يثبت الإجماع لوجود المخالف في دبر المرأة ، فيثبت الخلاف في دبر الغلام.

ولا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغسل.

فروع :

الأول : إذا أولج في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغسل ، وإن أولج في قبله لم يجب ، لجواز كونه رجلا فيكون ذلك عضوا زائدا فلا

__________________

(٦٧) كلمة : (المصنف) ليست في «ن».

٦٦

يجب الغسل الا مع الإنزال ، فيكون (٦٨) كالتفخيذ ، وقيل : يجب لقوله عليه‌السلام : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (٦٩) ، والمعتمد الأول.

الثاني : إذا أولج الخنثى في فرج امرأة ، فلا شي‌ء عليهما ، لجواز كونه زائدا على الأول.

الثالث : إذا أولج الصبي أو وطئات الصبية ، هل يتعلق بهما حكم الجنابة؟ قيل : نعم ، بمعنى أنه يمنع من المساجد ، ومس كتابة القرآن والصلاة تطوّعا ، إلّا مع الغسل ، واكتفى به العلامة عند البلوغ ، والأحوط الإعادة.

الرابع : لو أولج مقطوع الحشفة ، وجب الغسل إن غيّب الباقي ، أو بقدر الحشفة.

الخامس : لا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الغسل مع الإنزال ، فلو احتلمت ، أو حصل لها بمباشرة يدها أو عبث الزوج تلذذ وفتور ، وجب الغسل إن خرج المني ، ولا يكفي انتقاله من الترائب ما لم يخرج إلى ظاهر الفرج كالرجل ، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة ، «قالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء» (٧٠).

قال رحمه‌الله : إذا غسل بعض أعضائه ثمَّ أحدث قيل : يعيد الغسل من رأس ، وقيل : يقتصر على إتمام الغسل ، وقيل : يتمه ويتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

__________________

(٦٨) في «ر ١» : لأنه.

(٦٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٦ من أبواب الجنابة ، حديث ٢.

(٧٠) مستدرك الوسائل ١ : ٤٥٤ ، باب ٤ من أبواب الجنابة ، حديث ٥.

٦٧

أقول : الإعادة من رأس قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لان الحدث الأصغر ناقض للطهارة فلأبعاضها اولى ، وإذا انتقض ما فعله وجب اعادة الغسل ، وهو المعتمد.

والاقتصار على الإتمام مذهب ابن إدريس ، لأن الحدث الأصغر لا يوجب الغسل إجماعا ، فلا معنى لإيجاب الإعادة.

والإتمام مع الوضوء قول السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لان الحدث الأصغر لو حصل بعد إتمام الطهارة لأوجب الوضوء ، فكذا قبل إتمامها ، فلا وجه للإعادة.

تنبيه : هذا إذا كان غسل الجنابة ، فإذا كان غيره وحصل الحدث في أثنائه لم يلتفت ، فان كان قد قدم الوضوء أعاده بعد إكمال الغسل ، وان لم يكن قدمه لم يكن لحصول الحدث في الأثناء أثر ، إذ لا بد من الوضوء بعد الغسل ، ويحرم قبل الوضوء مشروطه خاصة كالصلاة والطواف الواجب ، ويجوز قبله وقبل غسل المس ما ليس مشروطا بالوضوء ، كالصوم ودخول المساجد وقراءة العزائم والطواف المندوب ، والغسل المندوب لا يبطل بتخلل الحدث ولا تقدمه ولا تعقبه إذا كان للزمان ، وان كان للمكان بطل بتخلله وتعقبه دون تقدمه ، وكذا ما كان للفعل.

ولو اجتمعت أغسال مندوبة فإن نوى الجميع كفى غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه ، قاله صاحب التذكرة.

٦٨

في الحيض

قال رحمه‌الله : وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.

أقول : قال الشيخ إذا اشتبه الحيض بدم القرح أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ، فإن كان خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان خارجا من الأيسر فهو دم حيض ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقال ابن الجنيد : دم الحيض أسود غليظ تعلوه حمرة تخرج من الجانب الأيمن وتحسّ المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق تعلوه صفرة من الجانب الأيسر ، وقد روى الشيخ عن محمد بن يحيى رفعه ، عن أبان بن مالك ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها ، والدم سائل ، لا تدري من دم القرحة أم دم الحيض؟ قال : مرها فلتستلقي على ظهرها ، وترفع بطنها وتستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» (٧١).

__________________

(٧١) الوسائل ، كتاب الطهارة باب ١٦ من أبواب الحيض ، حديث ٢ وفيه تفاوت : في الوسائل : (فرجها) (فرجها) بدل (جوفها) وبدل (سائل) في بعض النسخ «يتسايل» ، وفي الوسائل : (ثمَّ ترفع رجلها) بدل (بطنها) ، هذا مع تقديم الجانب الأيسر على الجانب الأيمن بالذكر ، ومتن الحديث المذكور مطابق لما رواه الكليني دون ما رواه الشيخ. لاحظ تعليقة صاحب الوسائل في المقام.

٦٩

قال رحمه‌الله : وهل يشرط التوالي في الثلاثة أو يكفي كونها في جملة العشرة؟ الأظهر الأول.

أقول : أقلّ الحيض ثلاثة أيام بلياليها متتالية بحيث لا يخلو من الفرج في آن من آنات الثلاثة ، وان قلّ تارة وكثر اخرى ، هذا مذهب الشيخ في الجمل وابني بابويه وابن إدريس ، لأن الصلاة ثابتة في الذمة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا بيقين السبب المسقط ، ولا يقين مع عدم التتالي.

وقال في النهاية : لا يشترط بل يكفى كونها في جملة عشرة ، واحتج برواية يونس (٧٢).

فرع : لو خرج الدم من غير الرحم في أدوار الحيض بشرائطه مع انسداد الرحم كان حيضا ، كما حكي أن امرأة في زمان الشهيد كان يخرج الدم في أيام حيضها من فيها.

قال رحمه‌الله : وقيل في غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين سنة.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلّامة في أكثر كتبه ، وفي النهاية (٧٣) حدّه بخمسين مطلقا.

قال رحمه‌الله : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا ، وفي المبتدأة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.

أقول : ترك العبادة برؤية الدم مذهب الشيخ واختاره العلامة في

__________________

(٧٢) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٢ من أبواب الحيض ، حديث ٢.

(٧٣) المراد : نهاية الشيخ الطوسي رحمه‌الله.

٧٠

المختلف ، لرواية معاوية بن عمار الصحيحة (٧٤) ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ورواية حفص بن البختري (٧٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا ، واشترط العلامة كون الدم جامعا لصفات الحيض.

وعدم الترك إلّا بعد تجاوز الثلاثة مذهب السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، للاحتياط للعبادة ، ولأن الأصل عدم الحيض.

قال رحمه‌الله : وتسجد لو تلت السجدة ، وكذا إن استمعت على الأظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب السجود على قارئ العزائم ومستمعها ، والاستحباب للسامع ، سواء في ذلك الطاهر والجنب والطاهرة والحائض ، لورود الأمر بالسجود مطلقا ، ولصحيحة علي بن رئاب (٧٦) ، عن ابي عبيدة الحذّاء.

ومنع في النهاية من سجود الحائض ، لقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلا بطهارة» (٧٧) ، والسجدة جزء ، ولرواية عبد الرحمن (٧٨) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل ، فإن وطئ عالما عامدا وجبت عليه الكفارة ، وقيل : لا تجب ، والأول أحوط.

__________________

(٧٤) تراجع الرواية ، فإنها لا تدل على المدعى (الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣ من أبواب الحيض حديث ١) ، وراجع المختلف ص ٣٧ المسألة ٢.

(٧٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣ من أبواب الحيض ، حديث ٢.

(٧٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٦ من أبواب الحيض ، حديث ١.

(٧٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١ من أبواب الوضوء ، حديث ١ وحديث ٢.

(٧٨) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١ من أبواب الوضوء ، حديث ١ وحديث ٢.

٧١

أقول : للشيخ هنا قولان :

أحدهما الاستحباب ، قاله في النهاية واختاره العلامة وأبو العباس ، لأصالة البراءة ، ولأن شغل الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم (٧٩) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وقال في الجمل بالوجوب ، وهو مذهب السيّد المرتضى ، واختاره ابن إدريس ، للاحتياط ، ولهم عليه روايات (٨٠).

فروع :

الأول : إذا وطئ الحائض مستحلا كفر ، وغير المستحل يفسق ويعزر.

الثاني : إذا أخبرته بالحيض فان كانت ثقة ، وجب عليه الامتناع ، لوجوب قبول قولها ، لقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) (٨١) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول ، كما في الشهادة ، وإن كانت متهمة بمنع حقه لم يجب حينئذ الامتناع ما لم يتحقق.

الثالث : لا كفارة على المرأة وان غرته لعدم النص على ذلك.

الرابع : الخلاف في وجوب الكفارة في الوطئ في النفاس ، كالخلاف في الحيض ، لان دم النفاس هو دم الحيض ، وانما احتبس مدة الحمل ، لانصرافه الى غذاء الولد ، فاذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان يجري الدم فيه الى الولد ، خرج الدم من الفرج كالحيض.

قال رحمه‌الله : ولو تكرر منه الوطئ في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم

__________________

(٧٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٢٩ من أبواب الحيض ، حديث ١.

(٨٠) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٢٨ من أبواب الحيض ، حديث ٤ ، وتلاحظ بقية أحاديث الباب.

(٨١) البقرة : ٢٢٨.

٧٢

تتكرر ، وقيل : تتكرر ، والأول أقوى.

أقول : لو كرر الوطئ في الحيض عامدا عالما ، قال الشيخ في المبسوط :

لا نص لأصحابنا فيه بمعين ، وعموم الأخبار يقتضي ان عليه بكل (٨٢) دفعة كفارة ، ثمَّ قال : ولو قلنا انها لا تتكرر ، لأنه لا دليل عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، كان قويا ، ونحوه قال ابن إدريس ، واختار العلامة عدم التكرار ، إلّا أن تختلف الأوقات كأوّله وأوسطه وآخره ، أمّا التكرار مع التغاير ، فلأنّهما فعلان مختلفان في الحكم ، فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات على الأفعال المختلفة.

فرع : لا يكفي القيمة في كفارة وطي الحائض ولا دينار قيمته أقل من عشرة دراهم شرعية ، وكذا في النصف والربع ، فلا بد ان يكون قيمة النصف نصف العشرة ، والربع ربعها.

ومحلها الفقير المؤمن ، ولا بأس ان يشتريه من الفقير بعد الإخراج عليه من غير شرط لا معه ، ولا يكفي الإخراج حينئذ وإن ترك شراءه لوقوعه فاسدا ولا يملكه الفقير ان علم الفساد ، ويرجع عليه به وان تلف في يده لتصرفه تصرفا غير مشروع ، ومع عدم علمه بالفساد يرجع مع بقاء العين ، لا مع تلفها.

__________________

(٨٢) في «ن» : لكل.

٧٣
٧٤

في الاستحاضة

قال رحمه‌الله : أو يكون مع الحمل على الأظهر.

قال : الدم الذي تراه الحامل هل يكون حيضا أو استحاضة؟ قيل : يكون حيضا ، وهو مذهب محمد بن بابويه والسيّد المرتضى والعلامة ، وبه قال أبو العباس ، ودليلهم الروايات (٨٣).

وقال المفيد ، وابن إدريس : يكون استحاضة واختاره المصنف ، لرواية السكوني (٨٤) ، وقال في الخلاف : انها تحيض قبل ان يستبين حملها ، فاذا استبان لا تحيض.

قال رحمه‌الله : فالمبتدأة ترجع الى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط ان يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ، فإن كان لونا واحدا أو لم يحصل فيه شريطتا التمييز رجعت الى عادة نسائها. إلى آخره.

__________________

(٨٣) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٠ من أبواب الحيض.

(٨٤) المصدر السابق ، حديث ١٢.

٧٥

أقول : المبتدأة إذا تجاوز دمها العشرة عملت على التمييز إن حصل ، وحكمها في الدور الأول ترك العبادة بعد مضي ثلاثة أيام إلى تمام العشرة ، فإذا تجاوز اعتبرت التمييز فيما مضى من العشرة ، فما كان منها بصفة الحيض قضت صومه خاصّة ، وقضت الصوم والصّلاة فيما عداه.

وشروط التمييز اختلاف لون الدم ، وأن لا ينقص ما بصفة الحيض عن ثلاثة أيام ولا يزيد عن عشرة ، وأن لا ينقص ما بصفة الاستحاضة منه عن عشرة ، ومع فقد التمييز ترجع إلى عادة نسائها ، كأمّها وعمّتها وخالتها ، ومع فقدهنّ أو اختلافهنّ ترجع إلى عادة أسنانها من أهل بلدها ، وتقضي صوم عادة نسائها أو أسنانها من تلك العشرة والصوم والصلاة فيما عدا ذلك ، ومع فقد الأنساب والأقران (٨٥) ترجع إلى الرّوايات (٨٦) ، فاذا جاء الدور الثاني عملت على التمييز أو عادة النساء أو الأقران أو الروايات في ظرف العشرة ، قاله (٨٧) الشهيد ، وتتعبد فيما عدا ذلك.

واختلف الأصحاب في حكم الراجعة إلى الروايات ، قال الشيخ في المبسوط : تترك الصوم والصلاة ثلاثة أيام في الشهر الأول ، وعشرة في الثاني ، أو في كل شهر سبعة أيام ، لأن في ذلك روايتين لا ترجيح لإحداهما على الأخرى ، وله فيه قول آخر ، وهو أن تجعل عشرة أيام حيضا ، وعشرة أيام طهرا دائما ، وقال ابن بابويه : أكثر جلوسها عشرة في كل شهر ، وإليه أشار المصنف بقوله : (وقيل : عشرة) ، وقال ابن الجنيد : إذا دام عليها الدم تركت العبادة إلى عشرة أيام وعملت عمل المستحاضة ، وتترك الصلاة في كل شهر

__________________

(٨٥) في «م» : الأقربين.

(٨٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٨ من أبواب الحيض.

(٨٧) في «ن» : قال.

٧٦

ثلاثة أيّام وتصلي سبعة وعشرين يوما ، وتقضي من شهر رمضان عشرة أيّام ، من غير العشر الذي أفطرت فيه ثلاثة أيّام ، وإليه أشار بقوله : (وقيل : ثلاثة أيّام) ، ودليل الجميع الروايات (٨٨).

قال رحمه‌الله : وذات العادة تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمييز ، قيل : تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل : تتخير ، والأول أظهر.

أقول : إذا اتفق العادة والتمييز فلا كلام ، وانما البحث إذا رأت زمان العادة بصفة الاستحاضة ، وفي غير ذلك الزمان بصفة الحيض ، وتجاوز المجموع العشرة ، قال الشيخ في الجمل : ترجع إلى العادة ، وهو مذهب السيّد ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال في النهاية : ترجع الى التمييز ، والقول بالتخيير لم أعلم قائله (٨٩).

تنبيه : حكم التمييز جعل القوي حيضا والضعيف استحاضة ، والقوة تعتبر بثلاثة أشياء :

الأول : اللون ، فالأسود أقوى من الأحمر والأحمر أقوى من الأشقر ، والأشقر أقوى من الأصفر ، والأصفر أقوى من الكدر.

الثاني : الرائحة ، فالمنتن أقوى من غير المنتن.

الثالث : الثخن ، فالثخين أقوى من الرقيق.

فلو اتصف أحدهما بصفتين ، والآخر بصفة فذو الصفتين أقوى ، وذو الثلاث أقوى منه.

__________________

(٨٨) الوسائل ، كتاب الطهارة باب ٨ من أبواب الحيض.

(٨٩) القائل به ابن حمزة في الوسيلة : ٦٠.

٧٧

قال رحمه‌الله : والمضطربة العادة ترجع الى التمييز فتعمل عليه ، ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد ثلاثة أيام على الأظهر.

أقول : الخلاف في المضطربة كالخلاف في المبتدأة ، وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه‌الله : الأولى : لو ذكرت العدد ونسيت الوقت ، قيل : تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه ، وتقضي صوم عادتها.

أقول : إذا قالت : كان حيضي عشرة من الشهر ، وهي إحدى العشرات وما صرت أعلمها ، هل هي الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ قال الشيخ : هذه ليس لها حيض بيقين ولا طهر بيقين ، فتجعل زمانها زمان الطهر ، فتصلي من أول الشهر إلى آخره بعد ان تفعل فعل المستحاضة ، وتغتسل في آخر كل عشرة لاحتمال انقطاع دم الحيض فيه ، وقال العلامة : تتحيّض بقدر أيام عادتها فتتخيّر بالتخصيص ، واختاره الشهيد (٩٠).

هذا إذا علمت انحصاره في إحدى العشرات.

أما إذا قالت : كنت أحيض في كل شهر عشرة أيام ، ولا أعلم مكانها منه ، فهذه أيضا ليس لها حيض بيقين ، ولا طهر بيقين ، فعلى ما اختاره الشيخ تفعل ما تفعله المستحاضة لكل صلاة في العشر الأول ، ثمَّ تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلا إذا كانت تعلم أنها تطهر في وقت معلوم فتغتسل في كل يوم في ذلك الوقت وتفعل فعل المستحاضة ومنقطعة الحيض في العشرين الأخيرين ، وفي العشرة الأولى فعل الحائض والمستحاضة.

والفرق بين عالمة انحصاره في إحدى العشرات وغيرها : أن العالمة

__________________

(٩٠) في «ي ١» : (وان منع الزوج) بدل : (واختاره الشهيد).

٧٨

قطعت على أن ابتداء حيضها من أول إحدى العشرات ، فوجب عليها الغسل في آخر كل عشر ، اما غير العالمة بانحصاره في إحدى العشرات ، لم تعلم أول حيضها ، فجاز أن يكون الأول أو الثاني ، أو الثالث ، وهكذا ، وإنما أوجبنا عليها الغسل عند كل صلاة بعد العشر الأولى ، لجواز انقطاع حيضها عند ذلك ، فهذا فرق بينهما.

٧٩
٨٠