غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

قال رحمه‌الله : لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح ، فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه ، ولو فعل ذلك عبثا ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : يحتمل عدم الفساد ، لعدم قصده الابتلاع فكان كالأكل سهوا ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ويحتمل وجوب القضاء ، لأنه أبلغ من التمضمض للتبرد ، وهو يوجب القضاء في سبق الماء الى الحلق فيه ، فوجوبه بهذا أولى ، لأن التمضمض للتبرد لغرض صحيح ، وهذا ليس لغرض صحيح فيكون أولى بوجوب القضاء.

فرعان :

الأول : لو تمضمض للطهارة فسبق الماء إلى حلقه لم يفطر ، ولا فرق بين أن تكون لصلاة واجبة أو مندوبة على المشهور ، وفي رواية عن الصادق (٢٤) عليه‌السلام وجوب القضاء إن كان لصلاة مندوبة.

الثاني : هل حكم الاستنشاق حكم المضمضة؟ فيه نظر ، من المساواة في العلة ـ وهو كونه مندوبا اليه ـ كالمضمضة ، ومن عدم النص. وظاهر الشهيد عدم الفرق.

قال رحمه‌الله : ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء ، والأشبه القضاء والكفارة ، وفي السهو لا شي‌ء عليه.

أقول : إذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فابتلعه عامدا ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : وجب عليه القضاء ، وقال المصنف بوجوب القضاء والكفارة ، واختاره العلامة ، لأنه تناول المفطر عامدا فوجب

__________________

(٢٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٣٢١

القضاء والكفارة ، كما لو ازدرده من خارج.

قال رحمه‌الله : وقيل : صب الدواء في الإحليل حتى يصل الجوف يفسده ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة لعدم ورود النص عليه ، ومن أنه أوصل إلى جوفه مفطرا فكان كالحقنة بالمائع ، واختاره العلامة في المختلف.

فرع : لو طعن الصائم نفسه طعنة وصلت إلى جوفه ، أو أمر غيره أن يفعل به ذلك ففعل ، قال الشيخ في المبسوط : فسد صومه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه أوصل الجامد إلى جوفه اختيارا فكان كما لو ازدرده.

وقال في الخلاف : لا يفسد ، واختاره ابن إدريس ، لأصالة صحة الصوم وأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء.

قال رحمه‌الله : ما له طعم كالعلك ، قيل : يفسد الصوم ، وقيل : لا يفسده ، وهو الأشبه.

أقول : الإفساد مذهب الشيخ في النهاية ، لأن أجزاء ذي الطعم تشيع في الفم وتتعدى مع الريق إلى المعدة ، وأجيب بأن تخلل الأجزاء غير معلوم ، والريق ينفعل بكيفية ذي الطعم ، والأصل صحة الصوم وعدم وجوب القضاء.

قال رحمه‌الله : وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة ، وإن كان في واحد ، قيل : تتكرر مطلقا ، وقيل :

إن تخلّله التكفير ، وقيل : لا تتكرر ، وهو الأشبه سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، قال الشيخ وابن حمزة بعدم التكرار مطلقا ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الزائد على ما وقع عليه الإجماع ، ولعدم الهتك بالفعل الثاني ، لأنه لم يقع في صوم صحيح ،

٣٢٢

فكما لا يتكرر القضاء لا يتكرر الكفارة ، وقال السيد المرتضى يتكرر بتكرر الوطئ مطلقا ، واختاره الشهيد لما روي عن الرضا عليه‌السلام : «الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ» (٢٥).

وقال ابن الجنيد بالتكرر مع تخلل التكفير ، وعدمه مع عدمه ، وقال العلامة في القواعد والمختلف بالتكرر مع تغاير السبب ، كالأكل والجماع واختاره الشهيد ، لأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات فلا تتداخل مع الاجتماع.

قال رحمه‌الله : ومن فعل ما يجب به الكفارة ثمَّ سقط فرض الصوم لسفر أو حيض وشبهه ، قيل : تسقط الكفارة ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم السقوط مذهب الشيخ رحمه‌الله واختاره المصنف والشهيد ، لأنه أفطر عامدا في صوم واجب في رمضان فوجب عليه الكفارة واستقرّت في ذمته ، لأن سببها التهجم على انتهاك حرمة الصوم وقد فعله ، وقيل بالسقوط ، واختاره العلامة وولده (فخر الدين) وأبو العباس في المحرر إذا كان المسقط من جهة الله تعالى ، كالمرض والجنون والإغماء والحيض والنفاس ، أو كان سفرا ضروريا لا اختياريا ، لأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر ، فلا يجب فيه الكفارة وإلا لزم التكليف بالمحال ، لأنه لو كان مكلفا في أول اليوم بالصوم المشروط بالطهارة مثلا في جميع اليوم مع تعذر حصولها في باقيه ، لزم التكليف بالمحال.

فرعان :

الأول : إذا فعل ما يجب معه الكفارة ، ثمَّ أعتق عبدا عنها ، ثمَّ سقط فرض الصوم بالعذر الضروري بطل العتق ، لبطلان موجبه وهو الكفارة.

__________________

(٢٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٣.

٣٢٣

الثاني : لو دفع ستين مدا إلى ستين مسكينا ، ثمَّ سقط فرض الصوم كان له ارتجاعها مع بقاء العين لا مع تلفها ، لأنهم قبضوها صدقة والصدقة لا يتعقبها ضمان ، ويحتمل الضمان لبطلان السبب الموجب لقبضها.

قال رحمه‌الله : وكذا لو كان الإكراه لأجنبية ، وقيل : لا يتحمل هنا ، وهو الأشبه.

أقول : لو أكره أجنبية على الفجور بها ، هل يتحمل عنها كالزوجة؟

قال الشيخ : ليس لأصحابنا فيه نص ، والذي يقتضيه الأصل أن عليه كفارة واحدة ، وحملها على الزوجة قياس لا نقول به ، قال : ولو قلنا إن عليه كفارتين لعظم الإثم كان أحوط ، وهو مذهب العلامة ، واستقربه الشهيد في دروسه ، لأن الكفارة عقوبة على الذنب وهو في الأجنبية أفحش.

فروع :

الأول : حكم الأمة حكم الزوجة ، لمساواتها لها في الحكم ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثاني : لو وطأها نائمة احتمل تحمل الكفارة ، لمساواته للإكراه لعدم رضاها ، ويحتمل العدم ، لأصالة براءة الذمة ، ولإمكان رضاها لو كانت مستيقظة.

الثالث : لو أكره أجنبي الزوجين على الجماع احتمل تحمله عنهما ، لأنه أكرههما على فعل يجب معه الكفارة لو فعلاه اختيارا فيتحملها عنهما مع الإكراه كالزوج ، ويحتمل العدم ، لأصالة البراءة ، وعدم مباشرة المكره للفعل ، ولأن صومهما لم يفسد فلا كفارة.

الرابع : لو أكره المسافر زوجته احتمل تحمله عنها للعموم (٢٦) ، واحتمل

__________________

(٢٦) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٣٢٤

عدم التحمل ، لكونه مباحا له غير مفطر لها.

الخامس : لو أكرهته على الجماع احتمل تحملها عنه لمساواته إكراهه لها ، واحتمل العدم ، لعدم تحقق الإكراه في طرفه ، لأن الخوف يمنع العضو عن الانتشار فلا يتحقق الإكراه.

٣٢٥
٣٢٦

في الزمان الذي يصح فيه الصوم

قال رحمه‌الله : ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه ، وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ في موضع من المبسوط بعدم القضاء ، وبه قال ابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وقال في موضع آخر من المبسوط : يجب القضاء ، لأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ، ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء.

٣٢٧
٣٢٨

في من يصح الصوم منه

قال رحمه‌الله : وقيل : إذا سبقت من المغمى النية كان بحكم الصائم ، والأول أشبه.

أقول : القول المشار إليه هو قول المفيد رحمه‌الله ، لأنه قال : إذا أغمي على المكلف قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثمَّ أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام ، فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل ، فنوى صيامه وعزم عليه ، ثمَّ أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ، ثمَّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصيام بالنية والعزيمة على أداء الفرض.

والمشهور أنه ليس بحكم الصائم ولا يجب عليه القضاء ، سواء كان الاغماء قبل استهلال الشهر أو بعده ، وسواء سبقت منه النية أو لم تسبق ، لأنه غير مكلف بالصوم لعدم حصول شرط التكليف ، وهو العقل.

قال رحمه‌الله : والنذر المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور.

أقول : قد جرت عادة المصنف رحمه‌الله بالإشارة إلى ما استضعف سنده مع عمل الأصحاب به بالمشهور ، كما ذكرناه في مقدمة الكتاب ، وهذه المسألة

٣٢٩

لا خلاف فيها عند علمائنا ، ومستندهم رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام «قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصوم أبدا في السفر والحضر» (٢٧) قال الشيخ رحمه‌الله : يحمل هذا على من نذر يوما معينا وشرط صومه حضرا وسفرا ، واستدل على هذا التأويل برواية علي بن مهزيار ، قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل سبت ، فإن أنا لم أصمه ما الذي يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك» (٢٨) وضعفها من كونها مشتملة على المكاتبة.

قال المصنف في المعتبر : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

قال رحمه‌الله : وهل يصوم مندوبا؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في صوم التطوع في السفر ، قال المفيد : لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة ، الأربعاء والخميس والجمعة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم‌السلام ، وقال الشيخ : يكره صوم النوافل في السفر على كل حال ، وقد وردت رواية (٢٩) في جواز ذلك ، فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا أن الأحوط ما قدمناه.

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب ، وهو صيام ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجائز : وهو ما عدا

__________________

(٢٧) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث ٧.

(٢٨) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٠ من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث ١.

(٢٩) النهاية : ١٦٢.

٣٣٠

ذلك ، وروي كراهة صوم النافلة في السفر ، والأول أثبت (٣٠).

وقال ابن البرّاج : إنه مكروه. واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لقوله عليه‌السلام : «ليس من البر الصيام في السفر» (٣١) ، وهو عام في الفرض والنفل ، والروايات (٣٢) في هذا المعنى كثيرة.

قال الشيخ : لو خلينا وظاهر هذه الأحاديث لقلنا : إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور ، غير أنه ورد (٣٣) فيه من الرخص ما نقلناه من الحظر إلى الكراهية ، قال ابنا بابويه : لا يصام في السفر تطوعا ولا فرضا.

واستثني من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة ، لأن الصوم في السفر منهي عنه ، والنهي يدل على التحريم.

قال رحمه‌الله : ولو استيقظ جنبا بعد الفجر لم ينعقد قضاء صومه عن رمضان ، وقيل : ولا ندبا.

أقول : إذا أصبح الصائم جنبا ولم يعلم بالجنابة من الليل صح صوم رمضان ، والنذر المعين خاصة دون غيره من الواجب والندب ، هذا مذهب الشيخ رحمه‌الله ، والمصنف لم يجزم بغير قضاء رمضان ، لرواية ابن سنان في الصحيح (٣٤) عن الصادق عليه‌السلام المختصة بالقضاء ، وعدم ظفره بدليل

__________________

(٣٠) الوسيلة : ١٤٩.

(٣١) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١ من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث ١٠ و ١١.

(٣٢) راجع الباب المتقدم.

(٣٣) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٢ من أبواب من يصح منه الصوم.

(٣٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٣٣١

موجب للحكم بغيره ، والقول الذي أشار إليه في الندب ـ وهو قول الشيخ ـ نقله عنه العلامة في التحرير ولم نجزم به أيضا ، فعلى قول الشيخ لو أصبح جنبا في صوم الكفارة فسد صوم ذلك اليوم ولم ينقطع به التتابع لعدم تهجمه على انتهاك حرمة الصوم اختيارا.

قال رحمه‌الله : والبلوغ الذي تجب معه العبادات : الاحتلام أو الإنبات ، أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر ، وتسع في النساء.

أقول : لا خلاف في البلوغ بالقسمين الأولين ، ولا فرق فيهما بين الرجال والنساء ، وانما الخلاف في البلوغ بالسنين ، وبالخمس عشرة قال جمهور الأصحاب ، وقال ابن الجنيد ببلوغ أربع عشرة ، والمشهور في النساء البلوغ ببلوغ تسع سنين ، وقيل : عشر سنين.

وأما الخنثى فإن أمنى من الفرجين حكم ببلوغه ، وكذا ان أمنى من فرج الرجال وحاض من فرج النساء ، ولو امنى من فرج واحد احتمل الحكم ببلوغه ، لاشتراك الذكور والإناث في البلوغ بالمني ، ويحتمل العدم ، لأن الحكم بالبلوغ مع خروج المني هو المني المتحقق خروجه من فرج الرجل أو المرأة ، وهو في الخنثى غير متحقق ، لأن أحد الفرجين زائد بيقين وهو غير معلوم ، فيحتمل كونه هو الذي خرج منه المني ، فيكون خروج المني من غير الفرج ، وهو ليس معتبرا ، فلا يحكم بالبلوغ مع الشك بسببه.

٣٣٢

في شهر رمضان

قال رحمه‌الله : أو يرى رؤية شائعة ، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان ، قيل : لا تقبل ، وقيل : تقبل مع العلة ، وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر

أقول : القبول مطلقا هو قول السيد وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس وقبول العدلين مع العلة ، ومع العدم لا يقبل إلا القسامة مذهب أبي الصلاح ، ومستند الجميع الروايات (٣٥).

فروع :

الأول : إذا رأى الهلال عدلان ولم يشهدا عند الحاكم ، أو شهدا وردّت شهادتهما لعدم معرفته بهما ، وجب الصوم على من سمع شهادتهما إذا عرف عدالتهما ، وكذا يجب الإفطار ، لقوله عليه‌السلام : «إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا» (٣٦).

الثاني : إذا صاموا بشهادة العدلين ، فان رؤي الهلال ليلة إحدى وثلاثين

__________________

(٣٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٣٦) راجع المصدر المتقدم. وبمضمونه أحاديث كثيرة ، ولم نعثر عليه بلفظه.

٣٣٣

فلا بحث ، وإن لم ير فيها ، قال أكثر العلماء بالإفطار ، لأنهما لو شهدا ابتداء على هلال شوال لوجوب الإفطار ، فيكون الإفطار على ما أثبتاه أولا بشهادتهما أولى.

وذهب مالك الى عدم الإفطار ، لأنا اتبعنا قولهما على الظن ، وقد تبيّنا خلافه فلا يجوز الإفطار.

ويتفرع على هذا ما إذا شهدا بهلال شوال وأفطرت الناس ثمَّ لم ير بعد ثلاثين من شهادتهما ، قضي أول يوم أفطر فيه الناس لظهوره من رمضان ، ولا كفارة للشبهة.

الثالث : لو اختلف الشاهدان في الاستقامة والانحراف بطلت شهادتهما بالنسبة إلى غيرهما ، ولو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة قبلت لعدم التضاد.

الرابع : لا يكفي قول الشاهد : (اليوم الصوم أو الفطر) ، لاحتمال استناده الى عقيدته ، بل يجب على الحاكم استفساره. وهل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ يحتمل ذلك لوجوب قبول قوله في جميع الأحكام ما لم يعلم الخطأ ، وهو هنا غير معلوم ، واختاره الشهيد في دروسه ، ويحتمل العدم ، لعموم (٣٧) عدم ثبوت الهلال بقول الواحد على غير مذهب سلّار ، فإنه قبل قول الواحد في رمضان خاصة احتياطا للصوم ، هذا إذا قال : (اليوم الصوم أو الفطر).

أما إذا قال : (رأيت الهلال) ، لم يقبل وحده ، لكونه شاهدا حينئذ ، وهو لا يثبت بشهادة الواحد ، وهل يجب استفساره على السامع؟

يحتمل الوجوب مطلقا ، لاحتمال استناده إلى عقيدته مع احتمال مخالفتها عقيدة السامع.

__________________

(٣٧) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٣٣٤

ويحتمل العدم مطلقا ، لقبول قول الحاكم ووجوب اتباعه على ما ثبت عنده من الاحكام وان لم يثبت عند غيره.

ويحتمل وجوب الاستفسار على المجتهد دون غيره ، إذ غير المجتهد فرضه التقليد وقد أفتاه الحاكم فيجب عليه العمل بما أفتاه به ، والمجتهد لا يجوز له التقليد ، فلو لم يستفسره عن وجه الصوم أو الإفطار لينظر في وجه الحكم ، ويعمل على ما يثبت صحته عنده لكان مقلدا للحاكم مع تحريم التقليد عليه ، فوجب استفساره.

الخامس : لو حصل الشياع بقول النساء أو الفسّاق ثبت الهلال ، لأن الشياع لا يشترط فيه أن يكون ممن يقبل شهادته.

قال رحمه‌الله : ولو صام بنية رمضان لأمارة ، قيل : يجزيه ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نوى صوم يوم الشك من شهر رمضان لأمارة مثل قول المنجمين ، أو شهادة الواحد العدل على القول بعدم وجوب العمل بمذهب سلّار ، أو شهادة الفساق ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، احتمل الإجزاء هنا ، لأنه نوى الواجب في نفس الأمر مستندا إلى ظن قد انكشف صدقه فيخرج به من العهدة ، ويلزم ابن أبي عقيل وابن الجنيد العمل به ، لأنهما قالا بالاجزاء من غير أمارة فمع الإمارة أولى ، وكذا الشيخ في الخلاف فإنه أفتى بالاجزاء.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنه اعتقد وجوب ما ليس بواجب عليه ظاهرا حالة النية وإنما تكليفنا بالظاهر ، واعتقاد وجوب غير الواجب ظاهرا قبيح وإن كان واجبا في نفس الأمر ، والقبيح منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد فيفسد صومه ، وهو مذهب معظم الأصحاب.

قال رحمه‌الله : ولو غمت شهور السنة عدّ كل شهر منها ثلاثين ، قيل :

٣٣٥

ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط ـ وحكاه عن قوم من أصحابنا ـ قال : ومتى غمّت شهور السنة كلّها عدّها ثلاثين ثلاثين ، فإن مضت السنة ولم يتحقق فيها هلال شهر واحد ففي أصحابنا من قال : يعد الشهور كلها ثلاثين ثلاثين ، قال : ويجوز عندي العمل على هذه الرواية التي وردت بأنه يعد من السنة الماضية خمسة أيام ، ويصوم اليوم الخامس ، لأن المعلوم أن لا تكون الشهور كلها تامة (٣٨).

وهي رواية عمران الزعفراني قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وعد منه خمسة ، وصم اليوم الخامس» (٣٩) وبه قال العلّامة في المختلف لقضاء العادة بعدم تمام شهور السنة ، ولا يجوز السند على ما يعلم انتفاؤه ، وانما يبنى على مجاري العادات ، والعادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة ، واختاره في تحريره أيضا ، وقال في القواعد : وإذا غمت شهور السنة فالأقرب العمل بالعدد ، وقال في الإرشاد : فالأولى العمل بالعدد.

واختلف في تفسير العدد ، قال في التذكرة : ولا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية ذهبوا إلى انه معتبر وأن شهور السنة قسمان : تام وناقص ، ورمضان تام ابدا وشعبان ناقص ، وبهذا التفسير فسره صاحب الدروس ، والظاهر أن مراد العلامة في اختياره العمل بالعدد غير هذا العدد الذي نقله في

__________________

(٣٨) المبسوط ١ : ٢٦٨.

(٣٩) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث ٣.

٣٣٦

التذكرة عن الحشوية ، وذكره صاحب الدروس ، لأن هذا لم يعمل به أحد من الأصحاب ، بل يحتمل أمرين.

الأول : ما ذكره المصنف وهو اعتبار عدد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الشهر جملة من الزمان محفوفة بهلالين أو ثلاثين يوما ، وإذا تعذر علمه بالأهلّة لم يبق غير العدد ، والأصل عدم النقيصة ، ويكون موافقا لما نقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

والآخر : رواية الخمسة ، وعليه شرح فخر الدين في إيضاحه ، لأنه مذهب والده في المختلف والتذكرة والتحرير ، ثمَّ قال في آخر بحثه : والأقوى عندي ما قواه المصنف في الدرس ، وهو العمل بالعدد أعني كل شهر ثلاثين ثلاثين ، يعني بالمصنف والده رحمهما‌الله.

٣٣٧
٣٣٨

في القضاء

قال رحمه‌الله : فلا يجب على الصبي ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل

الأولى : في الصبي ، قال الشيخ رحمه‌الله في الخلاف : الصبي إذا نوى الصوم وبلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك ، وقال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثمَّ بلغ أمسك بقية النهار تأديبا ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، وهو في أول النهار لم يكن مكلفا بالصوم فلا يقع التكليف به في تاليه ، واحتج الشيخ على الأول بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار ، فيجب عليه إتمامه.

الثانية : في المجنون ، قال في الخلاف : إذا أصبح مجنونا وأفاق ، في بعضه ونوى فلا قضاء عليه ، وهو يدل على وجوب الصوم عليه ، والمشهور عدمه ، لما تقدم في المسألة الأولى.

٣٣٩

الثالثة : المغمى عليه ، وقد سبق (٤٠) البحث فيها فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه‌الله : ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحبابا ويصوم ما يستقبله وجوبا ، وقيل : يصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وان ترك قضى ، والأول أشبه.

أقول : القول بوجوب الصوم مع الإسلام قبل الزوال هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنه زمان يصح فيه ابتداء الصوم فوجب أن يصح صومه كالناسي.

وأجيب بأنه إنما يصح ابتداء الصوم في موضع يصح ابتداء النية كالناسي بخلاف موضع النزاع ، إذ الكافر لا يصح منه النية حالة (٤١) كفره ، وقال في النهاية بعدم الوجوب واختاره المصنف والعلّامة ، لأنه لم يكن من أهل الصوم في أول النهار وقد بينا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا ينعقد مع تجديد النية.

قال رحمه‌الله : وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا ، وقيل : بل يستحب التفريق للفرق ، وقيل : يتابع في ستة ويفرق في الباقي للرواية ، والأول أشبه.

أقول : المشهور أفضلية التتابع في القضاء ، ذهب اليه الشيخ رحمه‌الله وأبو الصلاح وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأنه مسارعة إلى فعل الخير ومبادرة إلى براءة الذمة ، ولأنه أحوط.

وذهب المفيد رحمه‌الله إلى أفضلية التفريق ، ليحصل الفرق بين الأداء

__________________

(٤٠) ص ٣٢٩.

(٤١) وردت هنا زيادة في «ن» و «ي ١» و «ر ٢» وهي : (الصوم في أول النهار ، وقد بينا ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا تنعقد مع تجديد النية حالة).

٣٤٠