غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

في الشرائط

قال رحمه‌الله : ولو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ثمَّ كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام ، على تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الافعال المندوبة لا تجزي عن الأفعال الواجبة ، والإحرام من أعظم أركان الحج ، وقد فعله وهو غير مكلف به فلا يكون مجزيا عن الواجب ، ومن أنه زمان يصلح ابتداء الحج فيه فيكون مجزيا. وفتوى الأصحاب قد تطابقت على الإجزاء ولم أجد قائلا بالمنع وإن وجد التردد في بعض المصنفات.

وحكم العبد إذا أعتق قبل أحد الموقفين حكم الصبي إذا بلغ في الإجزاء عن حجة الإسلام.

تنبيه : لو بلغ الصبي ، أو أعتق العبد بعد المشعر والوقت باق ، فان عاد ووقف ثانيا بنية الوجوب أجزأ عن الفرض ، وإن لم يعد لم يجز ، ولا بد من إيقاع الأفعال الواقعة بعد البلوغ بنية الوجوب ، سواء أجزأ عن الواجب أو لم يجزئ ، لوجوب النسك بالشروع على المتطوع البالغ حين الإحرام ، فكذلك يجب الإكمال على من بلغ بعد الإحرام ، وقبل البلوغ لا يجب عليه نية الوجوب

٣٨١

بشي‌ء من الأفعال ، لأن غير البالغ لا يجب عليه بالشروع كما لا يجب عليه قبله ، لاتصافه بعدم التكليف ، وأكثر الأصحاب أطلق الإجزاء مع إدراك أحد الموقفين بالغا أو معتقا ، ولم يقيد بسبق الاستطاعة ولا عدمها ، ولهذا يستقر الوجوب عليهما مع عدم الفعل ، نص العلّامة في التذكرة على ذلك ، قال : ولو لم يفعلا الحج مع إمكانه استقر الوجوب عليهما ، سواء كانا موسرين أو معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلا يسقط بفوات القدرة بعده.

وقيّد الشهيد رحمه‌الله الإجزاء في العبد بسبق الاستطاعة وبقائها ، وهو مشكل على القول بعدم ملك العبد ، أمّا التقييد لباقي المناسك فهو متوجه ، مع أن حصول الشرط في غير وقت التكليف غير معتبر ، كما لو استطاع الصبي أو العبد ـ على القول بملكه ـ ثمَّ فقد الاستطاعة قبل البلوغ أو العتق لم يستقر عليه الحج ، ولا وجب عليه حال التكليف ، ولأن الاستطاعة إنما تشترط مع الافتقار إلى قطع المسافة وهذا لا يفتقر إليها ، لكن هو أعلم بما قال.

تحقيق : الصبي إمّا مميز أو غير مميز ، فالأول يصح إحرامه بإذن الولي ولا يحرم عنه الولي ، ولو أحرم بغير إذن الولي لم يصح إحرامه ، لأنه ممنوع من التصرفات في المال ، والإحرام يتضمن إنفاق المال والتصرف فيه.

والثاني ـ وهو غير المميز ـ لا يصح ان يتولى الإحرام بنفسه وإن أذن له الولي ، بل يحرم الولي عنه بمعنى أن يجعله محرما ، قال الشهيد : فيقول : (اللهم إني أحرمت بهذا ...) الى آخر النية ، ويكون الصبي حاضرا مواجها له ، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرما ، ولا فرق بين أن يكون الولي محرما أو محلا ، ولا يشترط كونه رجلا ، خلافا للشافعي في بعض أقواله ، ثمَّ يلبي عن الصبي إن لم يحسن ، وإن أحسن أمره بها ، ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه محرمات

٣٨٢

الإحرام ، وإن طاف به وجب كونهما متطهرين بمعنى أن يوضئ الصبي ، فلو كان الولي غير متطهر لم يجز ، لأن الطواف لا يصح إلا بمعونة الولي فوجب أن يكون متطهرا.

ولو كان الصبي غير متطهر احتمل الإجزاء ، لأن غير المميز لا يصح منه الطهارة فتكون طهارة الولي نيابة عنه ، كما كان إحرامه نيابة عنه لعدم وقوع الإحرام منه.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنّ الطواف بالصبي أخص منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا كان الأولى عدم جواز كون الصبي محدثا.

والمراد بطهارة غير المميز هو أن يأتي بصورة الوضوء ، أو يفعله به الولي ، ويصلّي الولي عن غير المميز ركعتي الطواف ، لأن صلاة غير المميز غير مشروعة ، وقال الشهيد : ولو قيل : يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن ، وقوله رحمه‌الله متوجه ، لكن عمل الأصحاب على الأول.

وإذا أركبه دابة في الطواف أو السعي وجب كون الولي قائدا أو سائقا ، إذ لا قصد للصبي ولا للدابة ، ولا بد من القصد الى الفعل.

وحكم المجنون حكم غير المميز في صورة الإحرام وفي جميع الاحكام.

ولو اتفق بلوغ غير المميز أو عقل المجنون قبل احد الموقفين أجزأ عن الفرض كالمميز والعبد.

فروع :

الأول : يحرم على الصبي كل ما يحرم على البالغ من محظورات الإحرام ، لأن إحرامه شرعي فيترتب عليه أحكامه ، لا بمعنى أن الصبي مخاطب بالتحريم ، بل بمعنى أن الولي يجب عليه ان يجنبه محرمات الإحرام.

الثاني : إذا فعل الصبي ما يلزم البالغ العاقل بفعله الكفارة عمدا أو سهوا كالصيد ، كانت الكفارة على الولي في ماله دون مال الصبي ، لأن الولي

٣٨٣

هو الذي ألزمه الحج بأمره أو فعله ، فكان فعل الصبي منسوبا إليه ، وإن فعل ما يختلف فيه حكم البالغ كالطيب والنساء ، فإن فعله سهوا فلا كفارة كالبالغ ، وإن فعله عمدا ، فان قلنا : إن عمده خطأ ، فلا كفارة أيضا ، وإلا وجبت على الولي ، ولو وطئ عامدا ، قال الشيخ : لا إفساد وإن كان قبل أحد الموقفين لمساواة عمده خطأه ، وكما لا يفسد في الخطأ في حق البالغ كذا لا يفسد في حقه ، قال : ولو قلنا بفساد الحج ولزوم القضاء أمكن ، وهو ظاهر أبي العباس في محررة.

الثالث : على القول بوجوب القضاء إنما يجب بعد البلوغ ، ولا يشترط فيه الاستطاعة الشرعية المعتبرة في حجة الإسلام ، بل يكفي الاستطاعة العادية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه الإتيان بالقضاء ، ولا يجزي عن حجة الإسلام إلا أن يبلغ في الفاسدة قبل الوقوف ، على القول بأن الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة.

ولو استطاع لحجة الإسلام قبل القضاء قدّمها على القضاء ، فلو قدم القضاء ، قال الشيخ : أجزأ عن حجة الإسلام وكان القضاء في ذمته ، والمختار عند المحققين البطلان ، لان القضاء غير مأمور به ، وحجة الإسلام لم ينوها فلا يجزي عن أحدهما.

الرابع : هل يجب على الولي مئونة القضاء؟ يحتمل ذلك ، لأنه من لوازم الإحرام المنسوب إلى فعله ، واستقربه الشهيد رحمه‌الله في دروسه ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، ولأن القضاء وجب بسبب فعله عمدا مختارا فيكون الجناية عليه في ماله ، كما لو أتلف مال الغير.

الخامس : لو فعل الولي بالصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه المخيط أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي ـ كما لو كان

٣٨٤

للمداواة ، واللبس لشدة البرد ، والحلق للأذى بالشعر ـ احتمل أن يكون ذلك كمباشرة الصبي ، لأنه وليه وقد فعل شيئا لحاجته فيكون ذلك كفعله ، فان قلنا : إن عمده خطأ فلا شي‌ء على أحدهما وإلا كانت على الولي ، أو في مال الصبي على الخلاف ، ويحتمل أن تكون الفدية على الولي ، لأنه المباشر للفعل.

السادس : لو حج العبد الآفاقي ، أو الصبي المميز كذلك ، أو حج الولي بغير المميز ، أو المجنون قرانا أو إفرادا ، وكلفوا قبل الوقوف ، هل يجب عليهم العدول الى التمتع مع سعة الوقت؟ استقرب الشهيد وجوبه لحكم الأصحاب بالإجزاء مطلقا ، ولم يفرقوا بين أن يكون الإحرام موافقا أو غير موافق ، بل حكموا بالإجزاء مطلقا ، ويلزم من هذا الإطلاق العدول إلى الفرض مع القدرة بعد الكمال إن كان الإحرام بغيره ، لأن الآفاقي لا يجوز له القران ولا الإفراد في الفرض اختيارا ، فاذا تلبس به قبل الفرض ثمَّ صار فرضا وجب العدول مع الإمكان ، ويحتمل عدم الوجوب للأمر (١) بإتمام النسك الذي أحرم به ، فلا يجوز له العدول.

وعلى القول بعدم جواز العدول أو تعذره ، هل يجزي عن الفرض؟ يحتمل العدم لمغايرة الفرض للحج الذي أوقعه ، ويحتمل الإجزاء لحصول الضرورة المسوغة لنقل الفرض ، وقواه الشهيد.

قال رحمه‌الله : وقيل : للأمّ ولاية الإحرام بالطفل.

أقول : بثبوت الولاية هنا قال الشيخ ، واختاره العلامة والشهيد ، لأنه طاعة وفعل مرغب اليه فساغ للأمّ فعله.

وظاهر ابن إدريس عدم الجواز ، لأنه خصّ الولاية بمن له ولاية المال ،

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

٣٨٥

والأم ليس لها ولاية المال ولا النكاح فلا تثبت لها الولاية هنا.

قال رحمه‌الله : ويجب شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده ، وقيل : إن زاد عن ثمن المثل لم يجب ، والأول أصح.

أقول : عدم الوجوب مع الزيادة على ثمن المثل مذهب الشيخ في المبسوط لاشتماله على الضرر المنفي ، والمشهور الوجوب لتحقق الاستطاعة في حقه بالقدرة على بذل الزيادة.

قال رحمه‌الله : ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه ، ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله.

أقول : يجب الحج بمجرد البذل إذا سلّمه المال ، ولو أهمل استقر في ذمته ولزمه القضاء ، واشترط ابن إدريس لزوم البذل ، والفتاوي والاخبار (٢) مطلقة.

والفرق بين البذل والهبة ورود النص (٣) في البذل دون الهبة ، وكون الهبة مشتملة على المنة لاشتراط القبول فيها دون البذل ، لعدم اشتراط القبول فيه ، ولهذا يلزم بنفس البذل ، ولا يجوز قضاء الدين منه بخلاف الهبة.

قال رحمه‌الله : وهل تجب الاستنابة ، مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا.

أقول : وجوب الاستنابة : مذهب الشيخ رحمه‌الله ، وبه قال ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البرّاج.

وذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب ، واختاره العلامة ، لأنه عبادة بدنية فيسقط مع العجز ، ولا يجب الاستنابة إلا مع سبق الاستطاعة ، لأن

__________________

(٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

(٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

٣٨٦

الوجوب مشروط بالاستطاعة وهي غير متحققة ، واستدل الفريقان بالروايات (٤).

فرع : إذا استناب المعذور فزال العذر قبل الإحرام انفسخ العقد ، وإن كان بعد الإحرام احتمل الإتمام ، لأنه دخل دخولا مشروعا فيجب إتمامه ، فإن استمر زوال العذر حج ببدنه ثانيا ، وإن عاد قبل التمكن من الحج أجزأت النيابة.

قال رحمه‌الله : ولو كان لا يستمسك خلقة ، قيل : يسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقيل : يلزمه الاستنابة ، والأول أشبه.

أقول : البحث في هذه المسألة كالبحث في التي قبلها.

فرع : لو تكلف المريض أو المغصوب ، أو الممنوع بالعدو الحجّ ، هل يجزي عن الواجب أم لا؟

يحتمل الإجزاء ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط وهو لا يجب ، فإذا حصّله وجب وأجزأ ، نعم لو أدى ذلك إلى ضرر يحرم إنزاله في النفس وقارن ذلك بعض الأفعال ، احتمل عدم الإجزاء لكونه منهيا عنه.

ويحتمل عدم الإجزاء مطلقا ، لأنه غير مأمور بالحج حينئذ ، فإذا أتى به يكون قد فعل غير المأمور به ، فلا يجزي عن الواجب.

قال رحمه‌الله : لو كان في الطريق عدو ولا يندفع إلا بمال ، قيل : يسقط وان قل ، ولو قيل : يجب التحمل مع المكنة كان حسنا.

أقول : قال الشيخ لا يجب البذل ، لان تحصيل الشرط غير واجب على المكلف ، وتخلية السرب شرط ولم يحصل.

__________________

(٤) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨ وباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

٣٨٧

والمشهور الوجوب ، لأن العدو يندفع بمال مقدور عليه فيجب ما لم يجحف ، فلا يجب حينئذ.

قال رحمه‌الله : ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته ، وقيل : يجتزي بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : الحاج على ضربين :

الأول : من حج في عام الوجوب.

والثاني : من حج بعد استقرار الحج عليه ، بمعنى أنه مضى عليه بعد الوجوب زمان يمكنه فيه إيقاع الحج ولم يفعل.

فالأول تبرأ ذمته بالموت مطلقا ، سواء كان قبل الإحرام أو بعده ، وسواء دخل الحرم أو لم يدخل.

والثاني : وهو المراد عند المصنف وقد اختلف فيه ، ذهب الشيخ إلى الإجزاء مع الإحرام ودخول الحرم ، واختاره المصنف والعلامة ، واكتفى ابن إدريس بالإحرام ، واستند الجميع الى الروايات (٥).

قال رحمه‌الله : ولو حجّ المسلم ثمَّ ارتدّ لم يعد على الأصح.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والمرتدّ إذا حج حجة الإسلام حال إسلامه ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يجب عليه الحج ، ولو قلنا : إن عليه الحج كان قويا ، لأن إسلامه الأول لم يكن إسلاما عندنا ، لأنه لو كان إسلاما لما جاز أن يكفر ، وإذا لم يكن إسلاما لم يصح حجه ، فإذا لم يصح فالحجة باقية في ذمته.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنه فعل فعلا مأمورا به شرعا فيخرج به من العهدة ، وقول الشيخ : (لا يتعقبه الكفر) مردود بقوله تعالى :

__________________

(٥) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٦ من أبواب وجوبه وشرائطه.

٣٨٨

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) (٦) الآية.

قال رحمه‌الله : ولو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح.

أقول : هذه فرع على التي قبلها ، قال الشيخ في المبسوط : إذا أحرم ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يبطل إحرامه ، لأنه لا دليل على فساده إلا على ما استخرجناه في المسئلة المتقدمة في قضاء الحج ، فإن على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول ، ثمَّ الزم الشيخ نفسه بإسقاط العبادات التي فاتته حال ارتداده ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافرا في الأصل ، وكافر الأصل لا يلزمه قضاء ما فاته حالة الكفر ، مع أنا نوجب عليه قضاء العبادات زمان ردّته ، قال : ولو قلنا بذلك أي بعدم قضاء زمان الردة كان خلاف المعهود من المذهب.

قال رحمه‌الله : وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحج ، قيل : نعم ، لرواية أبي الربيع ، وقيل : لا ، عملا بعموم الآية ، وهو الأولى.

أقول : اشتراط الرجوع إلى الكفاية مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وعدمه مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وقد أشار المصنف إلى حجة كل فريق ، والرواية التي أشار إليها هي رواية أبي الربيع الشامي (٧) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والآية قوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٨) ولم تتضمن غير الاستطاعة اليه ، والرواية ليست

__________________

(٦) النساء : ١٣٧.

(٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٩ من أبواب وجوبه وشرائطه ، حديث ١.

(٨) آل عمران : ٩٧.

٣٨٩

صريحة بالرجوع إلى الكفاية.

فرع : لو ملك مالا يستطيع به إلى الحج ولم يكن له المستثنيات التي استثناها الشارع مثل فرس الركوب ، ودار السكنى ، وعبد الخدمة ، وآلات الصنائع ، وكتب العلم ، وهو محتاج إليها صرف ذلك المال في هذه المستثنيات ، لأنها مقدمة على الحج وسقط عنه الحج ما لم يستطع بعد ذلك.

تنبيه : الشرائط المعتبرة في الحج تنقسم إلى أربعة أقسام :

الأول : ما هو شرط في الصحة خاصة ، وهو الإسلام.

الثاني : ما هو شرط في الصحة والوجوب معا ، وهو العقل.

الثالث : ما هو شرط في المباشرة ، وهو الإسلام والتمييز.

الرابع : ما هو شرط في الوجوب خاصة ، وهو البلوغ والحرية والاستطاعة وإمكان المسير.

قال رحمه‌الله : يقضى الحج من أقرب الأماكن ، وقيل : يستأجر من بلد الميت ، وقيل : إن اتسع المال فمن بلده ، وإلّا فمن حيث يمكن ، والأول أشبه.

أقول : وجوب الاستئجار من بلد الميت مذهب ابن إدريس ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط عن بدنه ، وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من نفقة الطريق من بلده (٩).

والوجوب من أقرب الأماكن مع السعة وعدمها مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة إلا أن

__________________

(٩) وفي «ن» بزيادة : والأقرب من بلده.

٣٩٠

يكون منذورا من بلد معين فيتعين الاستئجار منه ، لأن الواجب هو الحج ، وقطع المسافة ليس مرادا للشارع ، ولهذا لو سافر المستطيع لا بعزم الحج ثمَّ جدّد نية الحج من الميقات أجزأه ، ولم يجب عليه الرجوع إلى بلده وإنشاء القصد منه ، لأن نفقة الطريق ليست واجبة مع عدم الحاجة إليها ، لأنه لو خرج متسكعا أو في نفقة غيره أجزأ.

وذهب الشهيد في الدروس الى اختيار ابن إدريس ، ثمَّ قال : ولو استأجر من الميقات أجزأ ، وأثم الوارث ، وملك فاضل الأجرة.

تنبيه : الذي يتحقق من عبارات الأصحاب أن أقرب الأماكن هو الميقات ، قال في القواعد : وجب أن يحج من أقرب الأماكن إلى الميقات ، قال عميد الدين وفخر الدين في شرحيهما : هذا مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وقال في التحرير : وهل يجب أن يحج عنه من بلده أو من الميقات؟ الأقرب الثاني ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف ، وإذا ثبت بقول عميد الدين وفخر الدين أن الحج من أقرب الأماكن هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وكذا ثبت بقول العلامة في التحرير أن مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الوجوب من الميقات ثبت أن أقرب الأماكن هو الميقات.

فان قيل : وإن كان عبارة الشرائع لا تدل على المغايرة صريحا ، لأن عبارة القواعد (يجب ان يحج عنه من أقرب الأماكن إلى الميقات) ، ومن المعلوم بالضرورة أن أقرب الأشياء إلى الشي‌ء مغاير لذلك الشي‌ء ، فكيف قلتم : إن أقرب الأماكن الميقات؟! الجواب : أما وجه الاتحاد فقد بيّناه من قول العلامة في التحرير وقول ابنه وابن أخته في شرحيهما ، وأما اقتضاء عبارة القواعد المغايرة فمسلم ، ولكن المغايرة لا تقتضي المنافاة بين القولين ، لأن أقرب الأشياء إلى الشي‌ء هو الملاصق لذلك الشي‌ء والمتصل به ، ولا شك أن الميقات ملاصق لغيره ومتصل به ،

٣٩١

وذلك الجزء المتصل به من غيره هو أقرب الأماكن إليه ، ولا يتحقق الإحرام من الميقات إلا بإدخال ذلك الجزء المتصل به من غيره فلما امتنع انفكاك أحدهما عن الآخر جاز إطلاق اسم موضع الإحرام على كل واحد منهما ، فمن قال : (من أقرب الأماكن) ، أراد به الجزء المتصل بالميقات من غيره ، إذ هو أقرب الأماكن إلى الميقات ، والعقد إنما يكون قبل الإحرام ، فلا بد أن يقع في جزء من غير الميقات وان كان من موضع إنشاء الإحرام إذ لا ينفك عن جزء من غير الميقات ، ومن قال : (من الميقات) ، أراد به موضع إنشاء الإحرام ، ولا شك أن فيه جزءا من الميقات متصلا بجزء من غيره ، فجاز إطلاق اسم الجزء على الكل.

فقد ظهرت المغايرة من غير منافاة بين القولين ، ومن أوّل أقرب الأماكن بغير ما قلناه يكون قد غلط فخر الدين وعميد الدين في قولهما : (إنه مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف) ، أو غلط العلامة في التحرير أن ما اختاره من الوجوب من الميقات هو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وغلط هؤلاء وان كان ممكنا ، فهو لم تجر العادة ان يغلطوا جماعة من المجتهدين في مسئلة واحدة غلطا لا يقبل التأويل ، وان جرت العادة في غلط أحدهم نادرا ، وقد نبّه بعضهم على ذلك كما جرت عاداتهم في مصنفاتهم ، وإنما أشبعنا البحث في هذه المسئلة ، لأنها من مهمات علم الفقه ، وهي مما يعم بها البلوى ، وربما حصل الاشتباه بسبب اختلاف عبارات الأصحاب فيها فأردنا أن نزيل ذلك الاشتباه بما بيناه ، والله الموفق للصواب.

قال رحمه‌الله : ولو نذر الحج أو أفسد وهو معضوب ، قيل : يجب أن يستنيب ، وهو حسن.

أقول : القول إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قال فيه : فان نوى فيما بعد تولاهما بنفسه ، وإنما كان حسنا ، لأن فعل الإفساد مع العلم بأنه

٣٩٢

يوجب القضاء ، وفعل النذر مع العلم بأنه يوجب الوفاء ـ وهو عاجز عن الحج بنفسه ـ يكون التزاما بالاستيجار للحج من ماله.

ويحتمل العدم ، لمساواة ذلك لحجة الإسلام ، وقد سبق (١٠) البحث فيها.

قال رحمه‌الله : إذا نذر الحج فإن نوى حجة الإسلام تداخلا ، وإن نوى غيرها لم يتداخلا ، وإن أطلق ، قيل : إن حج ونوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم يجز عن النذر ، وقيل : لا يجزي إحداهما عن الأخرى ، وهو الأشبه.

أقول : الناذر إذا نوى في نذره حجة الإسلام تداخلتا وكفاه حجة واحدة ، وإن نذر غيرها لم يتداخلا إجماعا.

وان أطلق ففيه الخلاف ، ذهب الشيخ في النهاية إلى الاكتفاء بالحج الواحد عن النذر وحجة الإسلام إذا حج بنية النذر ، ومستنده رواية رفاعة (١١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وذهب في الجمل والخلاف الى عدم التداخل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لأنهما فرضان متغايران ، فلا يجزي أحدهما عن الآخر.

تحقيق : النذر إما أن يتعلق بزمان معين أو مطلق ، وعلى التقديرين : إما أن يقع بعد الاستطاعة أو قبلها ، فالأقسام أربعة ، وعلى التقادير : إما أن يقصد حجة الإسلام أو غيرها ، أو يخلو عن القصد ، فالأقسام ثلاثة.

القسم الأول من الأقسام الأربعة : أن يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وفيه الأقسام الثلاثة.

__________________

(١٠) ص ٣٨٦.

(١١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٧ من أبواب وجوبه.

٣٩٣

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، وهذا يكون من باب نذر الواجب ، فان قلنا بانعقاده وأخلّ به في تلك السنة المعينة وجب عليه كفارة خلف النذر.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام وكان التقييد بأول عام ، فان قصد مع بقاء الاستطاعة لم ينعقد نذره ، لأن ذلك الزمان تعين لحجة الإسلام ، فلا يجوز إيقاع غيرها فيه ، وإن قصد مع فقد الاستطاعة كان مراعى بزوالها وعدمه ، فان زالت انعقد النذر ووجب عليه الحج بالنذر ، وإن استمرت الاستطاعة بطل ووجبت حجة الإسلام ، وإن كان التقييد بغير العام الأول انعقد نذره ، فإن أخل بحجة الإسلام إلى عام النذر عامدا حج في عام النذر حجة الإسلام وكفّر عن النذر وقضاه ، لأنه كالمخلّ به عمدا بالإخلال بحجة الإسلام إلى عامة ، مع سبق وجوبها عليه ، وعلمه بعدم جواز تقديم النذر على حجة الإسلام.

ولو حج في ذلك العام بنية النذر لم يقع عن أحدهما ، أما عن النذر فلعدم صلاحية الزمان له ، لأنه زمان يجب فيه إيقاع حجة الإسلام ، وأما عن حجة الإسلام فلعدم القصد لها ، «والاعمال بالنيات» (١٢) ، ولم ينو حجة الإسلام.

وذهب الشيخ إلى وقوع حجة النذر عن حجة الإسلام.

وهل يجب الكفارة والحال هذه؟ يحتمل ذلك ، لأن مع عدم انعقادها عن النذر يكون كالمخلّ بالنذر لعدم الفائدة بما أتى به من الأفعال ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، وترتب الكفارة على الإخلال بالنذر عمدا ، وهذا لم يخل به لإتيانه بجميع أفعاله على التمام والكمال ، وإنما لم يحكم بالصحة لعدم

__________________

(١٢) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٥ من أبواب مقدسة العبادات ، حديث ٦.

٣٩٤

صلاحية الزمان له ، فلا يجب عليه أكثر من الإعادة ، لأن الكفارة إنما تجب مع الإخلال من رأس ، وهذا لم يخل به.

الثالث : أن يخلو القصد عن حجة الإسلام وعن غيرها ، وهذا يحتمل بطلان نذره مع التقييد بأول عام ، لأنه لا يخلو عن الأقسام الثلاثة المذكورة ، وهو إما أن يصرف إلى حجة الإسلام فيصح على القول بانعقاد نذر الواجب ، أو إلى غير حجة الإسلام مع قصد دوام الاستطاعة فيبطل ، أو إلى غير حجة الإسلام مع زوال الاستطاعة فينعقد مراعى ، وصرفه إلى ما يصح دون ما لا يصح ترجيح من غير مرجح ، ويحتمل انعقاده مراعى لأصالة الصحة في أفعال المسلم ، لأنه عقد صدر من مكلف بالغ عاقل متقربا فيه إلى الله تعالى فيكون صحيحا ، وإنما خصصناه بغير حجة الإسلام ـ مع صلاحيتها لتعلق النذر بها ـ لأن النذر لا بد له من متعلق ، وهو إما حجة الإسلام أو غيرها ، وتعلقه بحجة الإسلام يكون تأكيدا ، وتعلقه بغيرها يكون تأسيسا ، والتأسيس أولى من التأكيد ، ولما كان غير حجة الإسلام لا يصح تعلقه بها إلا مع فقد الاستطاعة كان مراعى ، فإن زالت الاستطاعة انعقد النذر ووجب الوفاء وإلا بطل من رأس.

[القسم] الثاني : أن يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وهذا لا يكون من باب نذر الواجب ، لأنها لم تجب عليه قبل الاستطاعة ، وهي لم تحصل ، ويتوقف انعقاد النذر على الاستطاعة في ذلك الزمان المعين ، ولا يجب عليه تحصيلها ، فإن حصلت انعقد النذر ووجب الوفاء به ، فإن أخل بالحج في ذلك العام ، ويأتي بحجة الإسلام في غير ذلك العام المعين وجب عليه كفارة خلف النذر ، ولا يجب قضاء النذر للتداخل.

٣٩٥

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وهذا ينعقد نذره إجماعا ، ولا يشترط الاستطاعة الشرعية ما لم يشترطها ـ على ما اختاره نجيب الدين يحيى بن سعيد ، وأبو العباس في المحرر ، وهو ظاهر الشهيد في دروسه ـ بل الشرط الاستطاعة العقلية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه ، فإن استطاع بعد عقد النذر ، فإن كانت الاستطاعة في العام المقيد بالنذر صرفت الاستطاعة في النذر ، فان تعينت بعده وجب عليه حجة الإسلام وإلا سقطت.

ولو أخل بالحج في عام النذر واستمرت الاستطاعة وجبت حجة الإسلام ، ويقضي بعدها حجة النذر ، ويكفر ، وان كانت الاستطاعة في عام قبل العام المقيد ، فإن تقيد النذر في عام متأخر عن عام العقد ثمَّ يستطيع فيه يجب الإتيان بحجة الإسلام في ذلك العام وبالمنذورة بعده ، فإن أخّر حجة الإسلام اختيارا وجب تقديمها على النذر لوجوبها قبله ، ثمَّ يقضي النذر ويكفّر ، لأنه كالمخل به عامدا.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، وهذا لا خلاف في انعقاد نذره ، وإنما الخلاف في التداخل وعدمه ، وقد سبق البحث في صدر المسئلة ، وعلى المختار من عدم التداخل إذا حصلت شرائط حجة الإسلام قدمت المنذورة لاستحقاق الزمان لها ، ثمَّ يأتي بعدها بحجة الإسلام مع استمرار الاستطاعة ، وإلا سقطت.

[القسم] الثالث : أن لا يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، فان مات بعد التمكن

٣٩٦

ولم يحج أخرجت الحجة وكفارة خلف النذر من أصل ماله ، ولا يجب الكفارة قبل الموت لعدم تحقق الفوات قبله.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ولا خلاف في انعقادها ولا في عدم التداخل ، ولكن يجب تقديم حجة الإسلام ، فلو قدم المنذورة وقعت باطلة على المختار ، ولا تتضيق المنذورة إلا عند غلبة الظن بالموت ، فان مات قبل أدائهما أخرجتا من صلب المال ، وقيل : المنذورة من الثلث.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، ولا خلاف في الانعقاد ، وإنما الخلاف في التداخل وقد سبق.

[القسم] الرابع : أن لا يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، والأقسام ثلاثة أيضا كما قد تقدم.

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وحكمها كما تقدم في متعين الزمان ، إلّا عدم تحقق الكفارة في حال حياته مع المخالفة ، بل يجوز بعد وفاته.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وحكمها تقدم أيضا في المعين ، إلا أنها يجوز تقديمها على حجة الإسلام مع حصول الاستطاعة ، سواء حصلت في عام عقد النذر أو تأخرت عنه بأعوام.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، والخلاف في التداخل مع حصول الشرائط كما تقدم ، ولو حصلت الشرائط وجب تقديم حجة الإسلام ، فلو أخلّ بها في عام الاستطاعة مع القدرة ومات ، ولم يأت بإحداهما وجب قضاؤهما ، والكفارة من أصل ماله ، وان فقدت الاستطاعة بعد التمكن من الإتيان بالحج يقدم حجة الإسلام مع قصور التركة عنهما ، لوجوبها في أصل الشرع ، ووجوب النذر بالعارض ، وتقدم حجة النذر على الكفارة مع القصور.

قال رحمه‌الله : وان ركب بعضا ، قيل : يقضي ويمشي مواضع ركوبه ، وقيل : بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه.

٣٩٧

أقول : نذر المشي ينعقد على القول بأنه أفضل من الركوب ، وقد قيل بافضليته مطلقا ، لأنه أشق ، والأجر على قدر المشقة (١٣) ، وقيل بأفضلية الركوب مطلقا لاشتماله على صرف المال في الحج ، وقد روي : أن الدرهم فيه بألف درهم في غيره (١٤) ، وقيل بالتفصيل ، وهو أفضلية المشي مع عدم الضعف عن القيام بالفرائض ، ومعه يكون الركوب أفضل ، وهذا هو المشهور.

فعلى الأول ينعقد نذر المشي ولا ينعقد نذر الركوب ، وعلى الثاني ينعكس الحكم ، وعلى التفصيل ينعقد نذر المشي لمن لا يضعفه عن القيام بالفرائض ، ونذر الركوب لمن يضعفه المشي.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا ركب ناذر المشي مختارا ، فإن كان معينا بسنة كفّر لخلف النذر ولا قضاء عليه ، وهو ظاهر القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس في محررة ومقتصره لعدم تناول النذر لغير سنة الإيقاع.

وفي المختلف أوجب القضاء والكفارة ، واختاره الشهيد ، أما وجوب القضاء فلأنه أخل بالصفة المنذورة فوجب عليه القضاء لتحصيل تلك الصفة ، وأما وجوب الكفارة فلإخلاله بإيقاع تلك الصفة الواجبة عليه بالوقت المعين بالنذر ، وإن كان النذر مطلقا وجب القضاء ولا كفارة ، فإن ركب بعض الطريق ومشى بعضه ، قال الشيخان وابن البراج : يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشي ليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا ، وقال أكثر الأصحاب : يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشروطة في نذره.

فرع : يجب المشي من بلده على ما اختاره الشهيد ، ويسقط عنه بعد طواف النساء.

__________________

(١٣) لم نعثر عليه.

(١٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٢ من أبواب وجوب الحج.

٣٩٨

قال رحمه‌الله : ولو عجز ، قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة ، وإن كان معينا بوقت سقط فرضه للعجز ، والمروي الأول ، والسياق ندب.

أقول : هنا ثلاثة أقوال.

الأول : يركب ويسوق بدنة كفارة لركوبه ، وهو قول الشيخ لرواية الحلبي (١٥).

الثاني : يركب ولا يسوق وجوبا بل استحبابا ، وهو قول المفيد ، لأن العجز يقتضي سقوط الذنب فلا يناسب العقوبة بوجوب الكفارة.

الثالث : التفصيل ، وهو مذهب ابن البرّاج ، ووجهه ظاهر ، وقد ذكره المصنف.

قال رحمه‌الله : ولا تصح نيابة من وجب عليه الحج واستقر إلا مع العجز ولو مشيا.

أقول : قوله (ولو مشيا) يتعلق بمضمر محذوف وهو لا مع القدرة ولو كان مشيا ، لأن من استقر عليه الحج ثمَّ أعسر عن الراحلة وقدر على المشي وجب عليه الحج ماشيا ، فلا يجوز أن ينوب عن غيره ، لمخاطبته بالحج ماشيا ، ولا يجوز تعلّقه بالعجز لمنافاته للأصل.

قال رحمه‌الله : ولو تطوع ، قيل : يقع عن حجة الإسلام وهو تحكم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من وجب عليه حجة الإسلام لا يجوز له أن يحج عن غيره ولا أن يتطوع ، فان حج تطوعا وقعت عن حجة الإسلام ، وبه قال الشافعي. وقال ابن إدريس : هذا الكلام غير واضح ، لأن الحج يجب على الفور فلا يجوز التطوع قبل الإتيان به ، وإذا لم يجز يكون منهيا عنه

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٤ من أبواب وجوب الحج ، حديث ٣.

٣٩٩

فلا يكون صحيحا ولا يجزي عن حجة الإسلام ، لأنها غير منوية ، وقال عليه‌السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (١٦) ، ونسب المصنف قول الشيخ إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.

قال رحمه‌الله : ومن الفقهاء (١٧) من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : تقدم (١٨) البحث في هذه.

قال رحمه‌الله : ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض ، وقيل : يجوز مطلقا.

أقول : إذا شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها ، لا يخلو إما أن يتعلق بالطريق غرض أو لا ، فهنا قسمان :

الأول : أن لا يتعلق به غرض ، قال الشيخ : يصح ، لأن المقصود هو إيقاع الحج وقد حصل ، قال : ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق رواية حريز في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام «قال : سألته عن رجل أعطى رجلا يحج من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه» (١٩).

وقيل : يرجع عليه بالتفاوت إن كان ما سلكه أسهل لجريان العادة بنقصان أجرة الأسهل عن الأصعب ، وإن كان ما عدل إليه أشق لم يستحق أجرة تقابل تلك المشقة ، وهو اختيار العلامة في التذكرة.

الثاني : أن يتعلق بالطريق غرض ، فعند الشيخ يصح ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق الرواية ، وقيل : عليه رد التفاوت ، وهو اختيار العلامة في

__________________

(١٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث ٧.

(١٧) في «ن» : فقهائنا.

(١٨) ص ٣٨٨.

(١٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١١ من أبواب النيابة في الحج ، حديث ١.

٤٠٠