ولا يلزم من إيقاعه عقيب الفريضة إسقاط النافلة التي قد خصصها الشارع له ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : إذا اتفق الإحرام في وقت الظهر أو وقت فريضة غيرها قدم النافلة التي خصصها الشارع ، ثمَّ أتى بعدها بالفريضة ليوقع الإحرام عقيب النافلة والفريضة معا ليجمع بين الفضيلتين ، وهو فضيلة إيقاعه بعد النافلة وفضيلة إيقاعه بعد الفريضة وهذا مراد المصنف في قوله : (ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة ...) ، وإذا لم يتفق في وقت الفريضة صلى النافلة ثمَّ أحرم بعدها يكون قد أوقعه عقيب فضيلة واحدة ، فلا تناقض بين قوليه.
قال رحمهالله : ولو أحرم بالحج وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما ، وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة ، ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.
أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ رحمهالله ، والفرق بين أشهر الحج وغيرها كون الزمان صالحا للحج والعمرة إذا كان في أشهر الحج ، ولهذا يتخير عند القائل به ، وفي غير أشهر الحج لا يصلح الزمان إلا للعمرة ، فلهذا يتعين فعلها.
والمعتمد البطلان للنهي عن القران بين النسكين ، وقد تقدم (٣٥) البحث فيه.
قال رحمهالله : ولو قال كإحرام فلان ، وكان عالما بما ذا أحرم ، صحّ ، وان كان جاهلا ، قيل : يتمتع احتياطا ، ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما.
__________________
(٣٥) ص ٤١٥.
أقول : إذا أحرم كإحرام فلان ، فإن كان عالما حالة الإحرام بإحرام فلان ، صح إحرامه قطعا ، وإن كان جاهلا ثمَّ علم فيما بعد ، قال الشيخ في المبسوط : انعقد إحرامه بمثله ، لأن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : إهلالا كإهلال نبيك وأجازه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣٦).
وإن تعذر العلم بإحرام فلان ، بموته أو غيبته ، قال الشيخ : يتمتع احتياطا ، وإن بان أن فلانا لم يحرم كان إحرامه موقوفا إن شاء صرفه إلى الحج وإن شاء إلى العمرة.
والمعتمد البطلان ، لأن الواجب عليه الإحرام بأحد النسكين ، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية ، ويمنع كون أمير المؤمنين عليهالسلام لم يعلم بإحرام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فرع : إذا شك بعد الطواف ، هل أحرم بالحج أو بالعمرة؟ قال العلامة : جعلها عمرة متمتعا بها ، واستحسنه الشهيد ، وهو حسن ، لما فيه من الاحتياط بالجمع بين الحج والعمرة ، ولو كان شكه قبل الطواف تخير بين الحج والعمرة ما لم يكن في ذمته أحدهما فيتعين.
فان قيل : ما الفرق بين حصول الشك قبل الطواف وبعده ، وجواز التخيير مع عدم لزوم أحدهما له وتعين الواجب عليه إذا حصل قبل الطواف ، وعدم تعين الواجب عليه ، وعدم جواز التخير إذا وقع بعد الطواف؟.
فإنا نقول : تبيين الفرق يفتقر إلى مقدمة ، وهي أن الشك انما يعتبر ويكون له حكم إذا وقع عقيب الأفعال المشتركة بين الحج والعمرة كالإحرام والطواف والسعي ، أما إذا وقع عقيب الأفعال المختصة بالحج كالموقفين ومناسك منى لم يعتبر ، فلا يكون له حكم ، ويبني على انه أحرم بالحج.
__________________
(٣٦) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٤ و ٢٥.
إذا عرفت هذا فنقول : إذا حصل الشك عقيب الإحرام قبل التلبس بشيء من الأفعال كان ذلك الزمان صالحا لإيقاع أفعال الحج وأفعال العمرة فيتخير حينئذ ما لم يكن عليه أحدهما فيتعين لحصول الترجيح ، لجريان عادة المكلف في الأغلب بالبدء بالواجب عليه ، وقد انعقد إحرامه صحيحا فيصرف إلى الواجب ، وإذا حصل الشك بعد الطواف لا يصح أن يصرفه إلى الحج ، لأن الطواف في الحج انما يقع بعد الموقفين ومناسك منى ، والأصل عدم الإتيان بهذه المناسك ، فيتعين صرفه إلى العمرة المفردة ، أو التمتع بها ، فإن صرفه إلى المفردة ، احتمل أن يكون قد أنشأه للحج فلا يبرأ بإتمام أفعال المفردة ، لقصورها عن أفعال الحج من الرمي والمبيت ، ووجوب صرفه إلى عمرة التمتع ليحصل الجمع بين الحج والعمرة بجميع أفعالهما ، فقد ظهر الفرق بين وقوع الشك قبل الطواف وبعده ، وبالله المستعان.
قال رحمهالله : والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها ، وان شاء قلّد أو أشعر على الأظهر.
أقول : مذهب المصنف هو مذهب الشيخ رحمهالله وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وهو المعتمد.
وقال السيد المرتضى : لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية ، وتبعه ابن إدريس ، واستند الجميع إلى الروايات (٣٧).
قال رحمهالله : وصورتها أن يقول : لبّيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، وقيل : يضيف إلى ذلك : إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وقيل : بل يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك
__________________
(٣٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٢ من أبواب أقسام الحج.
والملك ، لا شريك لك لبيك ، والأول أظهر.
أقول : الخلاف هنا في موضعين :
الأول : في العدد ، والمشهور أربع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والتقي والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، وقال السيد : إنها ست ، وقال ابنا (٣٨) بابويه وابن الجنيد وابن أبي عقيل : إنها خمس.
الثاني : في الكيفية ذهب القائلون بالست إلى أن صورتها : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (٣٩) لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).
وذهب القائلون بالخمس إلى أن صورتها : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).
واختلف القائلون بالأربع في الكيفية على ثلاثة أقوال :
الأول : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك) ، وهو قول المصنف.
الثاني : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك لبيك) ، وهو قول الشيخ في المبسوط والقاضي وابن إدريس.
الثالث : قول العلامة وله عبارتان ، إحداهما : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (٤٠) لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك (٤١) ، لا شريك
__________________
(٣٨) في «ن» و «ر ٢» : ابن.
(٣٩) من «ن» و «م» و «ر ٢».
(٤٠) لم ترد في «ر ١» و «ر ٢» و «م».
(٤١) في «ن» و «م» و «ر ٢» : والملك لك.
لك لبيك) ، وهو مذهبه في المختلف.
والأخرى : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك (٤٢) لبيك) ، وهي المشهورة في كتبه.
قال رحمهالله : وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسهنّ له في الصلاة ، وقيل : لا ، وهو أحوط.
أقول : الجواز مذهب المفيد وابن إدريس واختاره العلامة للأصل ، ولصحيحة يعقوب بن شعيب «قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والديباج؟ قال : نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالين والمسك» (٤٣) بفتح الميم وحركة السين المهملة ، وهي سوار من ذبل أو عاج تلبسه ، والمنع مذهب الشيخ وابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، للاحتياط ، ولصحيحة العيص «قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين» (٤٤).
تنبيه : القفّازان بالقاف المضمومة والفاء المشددة والزاي بعد الألف : شيء يعمل لليدين يحشى بقطن يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة بيديها ، والقفازان أيضا يعمل للجوارح من جلد يمده الرجل على يده ، قال الشاعر :
تبا لذي أدب يرضى بمعجزة |
|
ولا يكون كباز فوق قفاز |
__________________
(٤٢) لم ترد في «ن».
(٤٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٣ من أبواب الإحرام ، حديث ١.
(٤٤) المصدر المتقدم ، حديث ٩.
قال رحمهالله : فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم للحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شيء ، وقيل : عليه دم ، وحمله على الاستحباب أظهر.
أقول : مذهب الشيخ وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وجوب الدم ، ومستندهم رواية إسحاق بن عمار (٤٥) ، والاستحباب مذهب سلّار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، وهو المعتمد لرواية معاوية بن عمار (٤٦) وعبد الرحمن بن الحجاج (٤٧) ، ولأصالة البراءة ، ولقوله عليهالسلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (٤٨).
قال رحمهالله : وإن فعل ذلك عامدا ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة ، وقيل : بقي على إحرامه الأول ، وكان الثاني باطلا ، والأول هو المروي.
أقول : إذا أحرم للحج عقيب سعي العمرة المتمتع بها قبل التقصير عامدا ، قال الشيخ رحمهالله تبطل متعته وتصير حجته مفردة ، لرواية أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام ، ورجحه العلامة في المختلف ، وقال ابن إدريس : يبطل إحرامه الثاني للنهي عنه ، ويبقى على إحرامه الأول. وهو المعتمد.
ويترتب على المذهبين مسائل :
الأولى : بطلان العمرة على مذهب الشيخ وبقاء حكمها على مذهب ابن إدريس ، فمتى رجع وقصر ثمَّ لحق الموقفين فقد أدرك النسكين.
__________________
(٤٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥٤ من أبواب الإحرام ، حديث ٦.
(٤٦) المصدر المتقدم ، حديث ٣.
(٤٧) المصدر المتقدم ، حديث ٢.
(٤٨) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث ٣.
الثانية : كونه مخاطبا بالتقصير من العمرة على مذهب ابن إدريس ، وبالوقوف بعرفات على مذهب الشيخ.
الثالثة : إذا لم يلحق الموقفين انقلب إلى المفردة للتحليل على القولين.
الرابعة : لو قصر كان عليه دم شاة على مذهب الشيخ ، لكونه محرما بالحج ، ولا شيء عليه عند ابن إدريس ، لأنه فعل الواجب عليه.
الخامسة : لو أوصى إنسان ، أو وقف ، أو نذر شيئا للمحرمين بالحج ، استحق على مذهب الشيخ ، ولا يستحق على مذهب ابن إدريس.
السادسة : لو جامع فسد حجه على مذهب الشيخ ولحقه أحكام المفسد ، وعلى مذهب ابن إدريس يلزمه بدنة ، لكونه بعد السعي وقبل التقصير ، وعمرته صحيحة.
السابعة : لو كان ذلك ممن وجب عليه التمتع عينا كالآفاقي ، أو يكون متعيّنا عليه بنذر ، وجب عليه إكماله ولا يجزيه عما عليه ، لعدم جواز العدول اختيارا على مذهب الشيخ.
وعلى مذهب ابن إدريس يجب عليه التقصير ويتم به عمرته فإن كان الوقت متسعا لتدارك الحج وجب عليه إنشاء الإحرام له وتمت متعته ، وإن لم يتسع الوقت قضاه في القابل.
قال رحمهالله : لو نوى الإفراد ثمَّ دخل مكة جاز أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب ، فإن لبى انعقد إحرامه ، وقيل : لا اعتبار بالتلبية وانما هو بالقصد.
أقول : قد تقدم البحث في هذه وأن المراد به حج التطوع ، أو النذر المطلق ، أو حج ذي المنزلين وما عليه في التلبية (٤٩) غير الإثم ، لكن المشهور
__________________
(٤٩) في هامش «ي ١» : الثلاثة.
اختيار المصنف ، لرواية أبي بصير (٥٠).
قال رحمهالله : وروي : إذا كان الصبي مميزا أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.
أقول : لا خلاف في وجوب الهدي على الولي مطلقا ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز ، لأنه من لوازم الإحرام الحاصلة بفعل الولي ، لكن هل يجوز له أمر المميز بالصيام ويكون صومه مسقطا للهدي عن الولي؟ وردت في ذلك رواية (٥١) ، بمضمونها أفتى العلامة في القواعد ، ولم يجزم به المصنف.
وقيد الشهيد جواز الأمر بالصيام بعجز الولي عن الهدي ، وهو حسن لعدم جواز العدول إلى الصيام مع القدرة على الهدي ، فإذا كان الولي قادرا على الهدي وجب عليه ، وإن عجز عنه انتقل الفرض إلى الصوم ، فإن كان المميز قادرا عليه جاز فعله منه ، ومع العجز عنه وعجز الولي عن الهدي لا خلاف في وجوب الصوم على الولي.
قال رحمهالله : إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثمَّ أحصر تحلل ، وهل يسقط عنه الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ، وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر.
أقول : سقوط الهدي مذهب السيد المرتضى وابن إدريس ما لم يكن ساقه ، أو أشعره أو قلّده ، وأوجبه الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لعموم قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا
__________________
(٥٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥٤ من أبواب الإحرام ، حديث ٥.
(٥١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب الذبح ، حديث ٨.
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٥٢).
وفائدة الشرط جواز التحلل من غير تربص ، ومع عدم الاشتراط لا يجوز التحلل حتى يبلغ الهدي محله.
وابن الجنيد أجاز التحلل في الحال مطلقا ، سواء شرط أو لم يشرط ، والأقرب الاحتياج إلى التقصير ، ونية التحلل في المحصور والمصدود معا لتوقف تحلل المختار عليهما ، وكذلك هنا إذ لا مانع من الإتيان بهما ، ويحتمل عدم الاحتياج في التحلل إليهما ، لإطلاق التحلل بالهدي ، فلا يحتاج إلى غيره.
قال رحمهالله : وإن كان بعمرة مفردة ، قيل : كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة ، وقيل : إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والكل جائز.
أقول : المعتمر عمرة مفردة يستحب له تكرار التلبية ، فإن كان أهله خارج الحرم كرر حتى يدخل الحرم ، وان كان أهله فيه وقد خرج ليحرم بها من خارج أو ميقاتها له أدنى الحل كرر حتى يشاهد الكعبة ، وهو مذهب الشهيد ، وبه قال ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، وقال محمد بن بابويه بالتخيير ، وقال أبو الصلاح : إذا عاين البيت ، والمستند الروايات (٥٣).
__________________
(٥٢) البقرة : ١٩٦.
(٥٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٥ من أبواب الإحرام.
في تروك الإحرام
قال رحمهالله : ولو قيل لها المهر كله كان حسنا.
أقول : إذا ادعى الزوج وقوع هذا العقد حالة الإحرام ، وأنكرت المرأة ، فالقول قولها مع اليمين وعدم البينة ترجيحا لجانب الصحة ، قال الشيخ : ويجب لها نصف المهر إن لم يكن دخل. وفيه نظر ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يقبل في حقه فيجب كمال المهر ، لأن المقتضي لوجوبه ـ وهو العقد ـ موجود ، ووجود المقتضي للتنصيف ـ وهو الطلاق ـ مفقود فيجب المهر كملا ، وهو المعتمد.
احتج الشيخ بأنه قد حرم عليه نكاحها باعترافه لوقوع العقد حالة الإحرام ، فكان كالطلاق قبل الدخول.
ولو كانت هي المدعية ، والزوج المنكر ليس لها مطالبته بشيء ان كان قبل الدخول لاعترافها بعدم الاستحقاق ، وإن كان بعده استحقت أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها لا تستحق شيئا ، لكونها بغيه.
فروع :
الأول : لو أشكل الأمر فلم يعلم وقوعه في الإحرام أو الإحلال فالأصل الصحة ، وقال الشيخ : الأحوط تجديده.
الثاني : يلزم المنكر لوازم الزوجية فان كان الرجل حرمت عليه الخامسة وأختها وأمها وبنتها وان كان قبل الدخول ، وان كانت المرأة حرمت عليها الرجال ما لم يطلقها بان يقول ان كانت امرأتي فهي طالق ، ولا يضر هذا الشرط ، لأنه ليس شرطا حقيقيا ، لأن الشرط الحقيقي هو الذي يمكن وقوعه وعدم وقوعه في المستقبل ، وهذا ليس كذلك ، ولا يحل عليها أبوه ولا ابنه وان طلقها.
الثالث : يجوز للمحرم النظر إلى امة يريد شراءها وإلى امرأة يريد نكاحها ، والنظرة المحللة من الأجنبية بغير شهوة.
قال رحمهالله : وقيل : إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر.
أقول : للشيخ في الطيب ثلاثة أقوال : الأول : إنه يحرم على العموم ، وهو قوله في المبسوط وهو مذهب السيد المرتضى والمفيد وابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.
الثاني : يحرم منه ستة ، المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وهو قوله في النهاية.
الثالث : يحرم أربعة المسك والعنبر والزعفران والورس ، وهو قوله في التهذيب ، والمستند في الجميع الروايات (٥٤).
__________________
(٥٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٨ من أبواب تروك الإحرام.
تنبيه : الطيب ما يطيب رائحته ويتخذ للشم ، والضابط : أن يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض ، كدهن البنفسج والورد والزعفران ، والورس بفتح الواو وسكون الراء : نبت أحمر قان يؤخذ من قشور شجر ينحت منها ويجمع ، وهو شبه الزعفران المسحوق يجلب من اليمن طيب الريح.
قال رحمهالله : ولبس المخيط للرجال ، وفي النساء خلاف ، والأظهر الجواز.
أقول : المنع من لبس المخيط للنساء مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لعموم (٥٥) تحريم المخيط على المحرم ، والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنهنّ عورة وإنما يحصل الستر لهن بلبس المخيط.
تنبيه : لبس المخيط حرام ، ويجب بفعله عامدا الكفارة ، وليس شرطا في صحة الإحرام ، فلو لبسه وجب الفداء وصح إحرامه ، ولا يشترط في تحريم المخيط الإحاطة في (٥٦) البدن فلو توشح به وجب الفداء ، وظاهر ابن الجنيد اشتراط الإحاطة ، وهو ظاهر القواعد.
قال رحمهالله : والاكتحال بالسواد على قول.
أقول : تحريم الاكتحال بالسواد مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال المفيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف والإرشاد ، لروايتي (٥٧) معاوية بن عمار وزرارة عن الصادق عليهالسلام ، وقال في الخلاف : إنه مكروه لأصالة الإباحة.
__________________
(٥٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٥ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ١ و ٢.
(٥٦) كذا في النسخ.
(٥٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ٢ و ٣.
قال رحمهالله : وكذا النظر في المرآة على الأشهر ، ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم ، فإن اضطر جاز ، وقيل : يشقهما ، وهو متروك.
أقول : هنا مسألتان
الأولى : النظر في المرآة ، وفيه قولان :
الأول التحريم ، قاله الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره العلّامة لصحيحة حماد ، عن الصادق عليهالسلام «قال : لا تنظر في المرآة للزينة» (٥٨).
وقال في الخلاف : انه مكروه ، وهو مذهب ابن البرّاج وابن حمزة ، لأصالة الإباحة.
الثانية : في وجوب شق الخفين إذا لبسا للضرورة ، قولان ، أحدهما : الوجوب ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف للاحتياط ، ولصحيحة محمد بن مسلم (٥٩).
والآخر : لا يجب ، وهو مذهب ابن إدريس لأصالة البراءة ، ولإطلاق الإباحة مع الضرورة.
قال رحمهالله : ولبس المرأة الحلي للزينة ، وما لم يعتد لبسه منه على الأولى.
أقول : التحريم مذهب الشيخ في المبسوط ، والكراهة مذهبه في غيره ، للأصل.
قال رحمهالله : وإخراج الدم إلا عند الضرورة ، وقيل : يكره ، وكذا قيل : في حك الجلد المفضي إلى إدمائه ، وكذا في السواك والكراهية أظهر.
__________________
(٥٨) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٤ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ١.
(٥٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥١ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ٥.
أقول : قال المفيد والسيد المرتضى وابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس بتحريم الحجامة لغير ضرورة ، واختاره العلامة في المختلف لرواية الصيقل (٦٠) ، ولأنه أحوط.
وقال الشيخ في الخلاف وابن حمزة : إنه مكروه للأصل.
وللشيخ قولان في دلك الجسد ، والسواك المفضي إلى الإدماء ، أحدهما : الكراهة للأصل ، والآخر : التحريم.
قال رحمهالله : ويجوز قلع شجر الفواكه والإذخر والنخل وعودي المحالة على رواية.
أقول : المحالة هي البكرة العظيمة التي يستقون عليها للإبل ، فمع الاحتياج إلى ذلك يجوز قطع العودين لتنصب عليهما البكرة ، لما رواه زرارة (٦١) ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه رخص فيهما.
قال رحمهالله : ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.
أقول : تحريم لبس السلاح لغير ضرورة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال أبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، والمستند الروايات (٦٢).
وقيل : إنه مكروه ، للأصل ، واختاره المصنف.
قال رحمهالله : والنقاب للمرأة على تردد.
أقول : منشؤه من وجوب كشف الوجه ولا يتم الا بترك النقاب ، وما لا
__________________
(٦٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٦٢ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ٣.
(٦١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨٧ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ٥.
(٦٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥٤ من أبواب تروك الإحرام.
يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وفي رواية معاوية : «لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة» (٦٣).
ومن أصالة الجواز وحمل الرواية على الكراهة ، والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : وقيل : من دخلها لقتال جاز ، أن يدخل محلا كما دخل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عام الفتح وعليه المغفر.
أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب أن من دخل لقتال مباح لا يجب عليه الإحرام ، لا أعلم فيه خلافا ، ولا أجد قائلا بوجوب الإحرام عليه.
__________________
(٦٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٨ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ٥.
في الوقوف
قال رحمهالله : إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا أو وقف بها ليلا ثمَّ لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.
أقول : التحقيق أن الوقوف ينقسم بالنسبة إلى الاختياريين والاضطراريين ، والاختياري وحده ، والاضطراري وحده ، واختياري عرفة ، واضطراري المشعر وبالعكس ، ثمانية أقسام :
الأول : لا خلاف في الإجزاء مع إدراك الاختياريتين.
الثاني : اختياري عرفة وحده ، والمعتمد الإجزاء ، وخرج العلامة وجها بعدم الإجزاء ، ولعله نظر إلى قول الصادق عليهالسلام : «والوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة» (٦٤) ، وهو محمول على ثبوته بالسنة لحصول الإجماع على وجوب الوقوف بعرفة.
الثالث : اختياري المشعر وحده ، وهو مجزي إجماعا.
__________________
(٦٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٩ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، حديث ١٤.
الرابع : الاضطراريان ، ذهب المفيد إلى الاجزاء بهما ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار ، وقيل : بالمنع لرواية محمد بن سنان (٦٥) ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام.
الخامس : اختياري عرفة واضطراري المشعر ، وهو مجزي أيضا.
السادس : العكس ، يجزئ أيضا.
السابع : اضطراري المشعر وحده ، يجزئ عند محمد بن بابويه وابن الجنيد ، والمعتمد عدم الإجزاء.
الثامن : اضطراري عرفة وحده ، وهو لا يجزي إجماعا.
فروع :
الأول : الركن من الوقوف مقدار النية لا غير ، وما عداه واجب غير ركن ، ولهذا لو خرج (٦٦) منها بعد النية لم يبطل حجه وكان عليه بدنة ، ولو خرج قبلها عامدا بطل حجه ، ويجوز إيقاع النية في جميع الحالات ماشيا وقاعدا وراكبا.
الثاني : قصد الوقوف بعرفة يستلزم معرفتها ، فلو مر بها وهو لا يعرفها ، أو سارت به دابته نائما لم يجز.
الثالث : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي العقدة فوقف الناس تاسع ذي الحجة ، ثمَّ قامت البينة أنه العاشر ، احتمل الإجزاء دفعا لمشقة العود ، واحتمال أن يحصل مثله في القابل ولقوله عليهالسلام «حجكم يوم
__________________
(٦٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٣ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ٤.
(٦٦) في «م» : أخرج.
يحجون» (٦٧) ، ويحتمل عدم الاجزاء ، لقوله عليهالسلام : «الحج عرفة» (٦٨) ، ولم يحصل الوقوف بها فيفوت الحج.
الرابع : لو وقفوا يوم التروية غلطا في العدد كان احتمال عدم الإجزاء أقوى ، والفرق : أن نسيان عدد الشهر لا يتصور من الحجيج فلا يعذرون في ذلك ، لأنهم فرطوا ، ولا يحتمل تصور ذلك في القضاء.
الخامس : لو شهد واحد فما زاد برؤية هلال ذي الحجة فرد الحاكم شهادتهم ، وقفوا اليوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس العاشر عندهم.
السادس : لو غلطوا في المكان فوقفوا في غير عرفة لم يجز.
قال رحمهالله : ولو نوى الوقوف ثمَّ نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه ، وقيل : لا ، والأول أشبه.
أقول : قال الشيخ في المبسوط : المواضع التي يجب أن يكون الإنسان فيها مفيقا حتى تجزيه أربعة : الإحرام والوقوف بالموقفين والطواف والسعي ، وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء ، وكذلك طواف النساء ، وكذا حكم النوم ، قال : والأولى أن يقول : ويصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر ، قال ابن إدريس : هذا غير واضح ولا بد من نية الوقوف بغير خلاف ، قال : والأولى عندي أنه لا يصح منه شيء من العبادات والمناسك إذا كان مجنونا ، لأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الاعمال بالنيّات» (٦٩) ، والمجنون لا إرادة له ، والمعتمد ما اختاره المصنف ،
__________________
(٦٧) الدروس الشرعية ١ : ٤٢٠.
(٦٨) مستدرك الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٨ من أبواب إحرام الحج ، حديث ٣.
(٦٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث ٦.
أنه (٧٠) إذا نوى حالة الإفاقة ثمَّ نام ، أو جن أو أغمي عليه أجزأ ، لأن الواجب الكون مع النية وقد حصل ، ولا يجب استمرار الإفاقة في جميع الوقت.
قال رحمهالله : وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ، فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات وجبره بشاة.
أقول : مبنى هذه المسئلة على أن الوقوف بالمشعر ليلا وقت المضطرين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن العليل والمريض وخائف الزحام يجوز لهم الخروج من المشعر قبل طلوع الفجر ، وظاهر ابن إدريس عدم كون الليل وقتا ، وحكم ببطلان حج من أفاض قبل طلوع الفجر وإن وقف ليلا ، قال : لأن الوقوف في وقته ركن من أركان الحج إجماعا ، ولا خلاف أن من أخلّ بركن عامدا بطل حجه.
والمشهور عدم البطلان وهو المعتمد ، لأنه أتى بالمأمور به وهو ذكر الله تعالى عند المشعر الحرام لقوله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (٧١) ، وإن عنى ابن إدريس بالركن الذي يبطل الحج بالإخلال به عمدا الوقت الاختياري خاصة فهو ممنوع ، وإن عنى به الاختياري والاضطراري فقد أتى بأحدها ، فلا يكون قد أخلّ بالركن.
قال رحمهالله : وقيل : يستحب الصعود على قزح ، وذكر الله عليه.
أقول : القائل بذلك الشيخ وتبعه الباقون ، ولما لم يظفر المصنف بسنده من الروايات قال : (وقيل) ، كما جرت عادته في هذا الكتاب. وقزح جبل صغير بالمشعر وعليه مسجد اليوم.
__________________
(٧٠) في «ن» : لأنه.
(٧١) البقرة : ١٩٨.