وقال ابن حمزة : في صيد الكركي شاة على رواية (١٣٣) ، وهو يدل على عدم الجزم ، وقال ابن بابويه بوجوب الشاة في كل طير عدا النعامة ، ويلزم منه وجوب الشاة في البطة والإوزة والكركي ، ومستنده رواية ابن سنان الصحيحة (١٣٤) ، عن الصادق عليهالسلام. وكأن المصنف لم يعتبر هذه الرواية ، ولهذا نسب القول بالشاة إلى التحكم ، وهو : القول بغير دليل.
قال رحمهالله : وقتل الصيد موجب لفديته ، فإن أكله لزمه فداء آخر ، وقيل : يفدي ما قتل ، ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه.
أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لرواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام ، «قال : سألته عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان على حدته فداء صيد كامل» (١٣٥).
والثاني : مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، واستحسنه في التحرير لأصالة براءة الذمة من الفداء الثاني. وأما وجوب القيمة فلأن لحم الصيد لا يضمن لاختلاف الأسباب ، ولأن الفداء كفارة ، وضمان الأكل ضمان مالي ، لأنه أعظم تشديدا من المملوك ، فكما ان المملوك يضمن بالأكل ، فكذا يضمن الحرمي ، وموضوع هذه المسئلة كون الأكل والقتل في الحل لا في الحرم ، ويتضاعف لو كان في الحرم وهو محرم.
قال رحمهالله : ولو جرحه ثمَّ رآه سويا ضمن أرشه ، وقيل : ربع قيمته.
__________________
(١٣٣) الوسيلة : ١٦٧.
(١٣٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٩ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ٦.
(١٣٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٨ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ٢.
أقول : القول بوجوب ربع القيمة قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال ابن البرّاج وابن إدريس لرواية علي بن جعفر (١٣٦) عن أخيه ، ووجه اختيار المصنف أنها جناية مضمونة فكان عليه أرشها ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف.
قال رحمهالله : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه ، وفي الرواية ضعف.
أقول : القول المحكي في الكتاب قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، واستضعف المصنف مستند الحكم ، لأن مستنده رواية سماعة (١٣٧) ، عن ابي بصير ، عن الصادق عليهالسلام ، وسماعة واقفي ، فلهذا استضعفها المصنف.
وذهب العلامة في المختلف إلى كمال القيمة في العينين ، لأنه مع الجناية كالميت ، وأوجب في إحداهما الأرش ، وفي القرنين أو أحدهما الأرش ، وأوجب علي بن بابويه في القرنين الصدقة بشيء ، وكذا في العينين.
قال رحمهالله : وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق لظاهر الرواية ، والأول أشبه.
أقول : المشهور بين الأصحاب اشتراط الهلاك مع الإغلاق ، لأنه مع عدم الهلاك لم يحصل منه جناية على الصيد ، فيكون بمنزلة من رمى صيدا ولم يؤثر ، وقيل : يضمن بنفس الإغلاق لإطلاق الروايات (١٣٨) الدالة على الضمان ،
__________________
(١٣٦) باب ٢٧ من المصدر المتقدم ، حديث ١. ورواه في التهذيب ٥ : ٣٥٩ بزيادة ، هي محل الشاهد هنا.
(١٣٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ٣.
(١٣٨) باب ١٦ من المصدر السابق.
وحملت الروايات على الجهل بالحال ، كمن رمى صيدا وجهل حاله.
قال رحمهالله : قيل : إذا نفّر حمام الحرم ، فإن عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة.
أقول : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب ، ولم يجزم به المصنف ، لعدم ظفره بالدليل عليه. قال الشيخ رحمهالله : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مستندا. وقال ابن الجنيد من نفر طيورا كان عليه عن كل طائر ربع قيمته.
والظاهر أن مراده مع العود ، إذ لا معه يكون متلفا ، فيجب عليه في كل واحدة شاة.
فروع :
الأول : لو نفر واحدة ثمَّ عادت ، هل يجب عليه فيها شيء؟ يحتمل عدم الوجوب ، لأنهم قالوا : إذا نفر حمام الحرم فعاد فعليه شاة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة ، فلو أوجبنا في الواحدة ، مع العود شاة لزم مساواة العود وعدمه ، ولأن حمام الحرم يراد به الجمع فلا يصدق على الواحدة.
ويحتمل الوجوب ، لأنه اسم كالتمر ، فيصدق على الواحدة ، ولمساواة الجزء للكل في فداء الصيد ، كما لو اشترك اثنان فما زاد في قتل صيد ، فإنه يجب على كل واحد فداء كامل ، ومذهب العلامة في القواعد عدم الوجوب ، وذهب فخر الدين إلى الوجوب ، وهو ظاهر الشهيد.
والمراد بالعود : العود إلى السكون في المواضع المعتادة لها في الحرم.
الثاني : هل ينسحب الحكم في الظبا وغيرها؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، ويحتمل العدم ، لعدم النص وأصالة البراءة.
الثالث : هل يجتمع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم مع العود وعدمه؟
يحتمل ذلك لعموم قولهم : (كلما يلزم المحرم في الحل يلزم المحل في الحرم) ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، فيدخل تحت هذه الكلية ، ويحتمل العدم لأصالة البراءة.
الرابع : لو شك في العدد وبنى على الأقل لأصالة عدم الزيادة ، وأصالة براءة الذمة ، ولو شك في العود فيتعين العدم.
الخامس : يكفي إعادتهن بفعله وفعل غيره.
قال رحمهالله : إذا أوقد جماعة نارا ، فوقع فيها صيد ، لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد ، وإلا ففداء واحد.
أقول : هذا الحكم لا اشتباه فيه ، وإنما يحصل الاشتباه مع اختلاف القصد ، فلو قصد بعضهم دون بعضهم تعدد الفداء على من قصد ، وعلى الباقي فداء واحد ، ولو كان غير القاصد واحدا ، هل يجب عليه الشاة؟ فيه إشكال ، ينشأ من عموم (١٣٩) وجوب الشاة مع عدم القصد ، ولأنه لو كان الموقد واحدا وجبت عليه الشاة مطلقا ، سواء قصد أو لم يقصد ، ومن مساواة القاصد لغير القاصد مع حكم الشارع بالفرق بينهما.
ويحتمل مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين في القصد كان على القاصد شاة ، وعلى غير القاصد نصف شاة ، والأول أحوط.
قال رحمهالله : ويحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه ، ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء ، وفيه تردد.
__________________
(١٣٩) باب ١٩ من المصدر السابق ، حديث ١.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : الواجب على المحل في الحرم ، والمشهور بين الأصحاب أن على المحل في الحرم القيمة ، وعلى المحرم في الحل الفداء ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، وقد يوجد في بعض عبارات الشيخ : من ذبح صيدا في الحرم ، وهو محل كان عليه دم لا غير ، وتابعه ابن إدريس ، وقال أبو الصلاح : وإن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداه بمثله من النعم ، وهو ظاهر المصنف هنا ، والعمل على المشهور ، وهو وجوب القيمة على المحل في الحرم ، ووجوب الفداء على المحرم في الحل.
الثانية : إذا اشترك جماعة محلين فقتلوا صيدا ، فهل يتعدد الفداء أو يلزمهم فداء واحد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أصالة براءة الذمة من وجوب التعدد ، خرج وجوب التعدد على الجماعة المحرمين ، فيبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مشاركة المحلين للمحرمين في العلة الموجبة للتعدد ، وهو الإقدام على الصيد المحرم قتله ، ويجب القيمة على كل واحد ، وهو أحوط.
ولو كان بعضهم محرمين والبعض محلين ، كان على كل واحد من المحرمين الفداء والقيمة ، وعلى كل واحد من المحلين القيمة خاصة ، أو قيمة واحدة على المحلين على التردد.
قال رحمهالله : وهل يحرم وهو يؤمّ الحرم؟ قيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ، لكن لو اصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : في تحريم الصيد وهو يؤم الحرم ، ذهب الشيخ في النهاية إلى
التحريم ، وأوجب الفدية ، لرواية عقبه بن خالد (١٤٠) ، عن الصادق عليهالسلام الدالة على مطلوبه.
ومنعه ابن إدريس لأصالة براءة الذمة ، وتبعه المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الموجب للتحريم والضمان هو الإحرام ، أو كون الصيد في الحرم ، وكلاهما منتف.
الثانية : إذا أصابه وهو خارج ، ثمَّ دخل الحرم ومات فيه ، فعلى القول بالتحريم وهو يؤم الحرم فهو يضمن قطعا ، وعلى القول بالعدم ، هل يضمن؟
يحتمل ذلك لحصول السراية في الحرم ، وحرمة الحرم شاملة ، ومن أن السبب غير مضمون ، بل هو مباح ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، «قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، في رجل رمى صيدا وهو يؤم الحرم ، فيما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ قال : ليس عليه جزاء ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاء ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شيء ، فقلت : هذا هو القياس عند الناس ، فقال : إنما شبهت لك الشيء بالشيء لتعرفه» (١٤١).
قال رحمهالله : ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه.
أقول : تحريم الصيد على المحل بين البريد والحرم مذهب الشيخين رحمهالله ، والبريد أربعة فراسخ ، من صاد فيه صيدا كان عليه الفداء عندهما ،
__________________
(١٤٠) باب ٣٠ من المصدر السابق ، حديث ١.
(١٤١) حديث ٣ من المصدر السابق.
لرواية الحلبي الصحيحة (١٤٢) الدالة على مطلوبهما.
والمعتمد الكراهية كما هو المشهور ، لأن المقتضي للإباحة ـ وهو الأصل ـ موجود ، والمقتضي للتحريم وهو الإحرام أو الحرم مفقود ، فتثبت الإباحة.
قال رحمهالله : هل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط.
أقول : التحريم مذهب الشيخ في أحد قوليه ، لأن للحرم حرمة ليست لغيره فناسبت تحريم الملتجئ إليه ، وإن خرج عنه حيث صار منسوبا إليه ، ولرواية على بن جعفر (١٤٣) ، عن أخيه موسى عليهالسلام ، وبه قال : العلامة في المختلف.
والقول الآخر للشيخ وهو : الجواز على كراهية ، لأن الموجب لتحريم الصيد أمران : الإحرام ، والحرم ، وكلاهما منتف ، فينتفي التحريم لأصالة الإباحة ، وهو مذهب المصنف في المختصر.
قال رحمهالله : ولا يدخل في ملكه شيء من الصيد على الأشبه ، وقيل : يدخل ، ويجب عليه إرساله إن كان حاضرا معه.
أقول : الضمير ـ في قوله : (ولا يدخل في ملكه شيء من الصيد) ـ عائد إلى المحل في الحرم ، وهو معطوف على قوله : (ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة) ، ولا يتوهم أحد أنه عائد إلى المحرم ، لأن المحرم يأتي فيما بعد في قوله : (ولا يدخل الصيد في ملك المحرم) إلى آخر المسئلة.
قال في المختصر : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنه يملك ، ويجب عليه إرسال ما يكون معه ، هذه عبارته في المختصر. قال أبو
__________________
(١٤٢) باب ٣٢ من المصدر المتقدم ، حديث ١.
(١٤٣) باب ١٣ من المصدر المتقدم ، حديث ٤.
العباس رحمهالله في شرحه : هذا هو المشهور لا أعرف فيه مخالفا ، وذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك ، هذا كلام أبي العباس. ثمَّ قال : أما المحرم فموضع الإشكال ، ثمَّ بحث على جواز تملك المحرم للصيد وعدمه ، ولم يتعرض للمحل في مهذبه.
فإذا كان موضوع المسئلة في المحل ، فينبغي أن يكون البحث على موضوعها فأما ثبوت الملك ، ووجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس ، إذ لا مانع منه ، ووجوب الإرسال لا ينافي الملك ، وأما وجه اختيار المصنف ـ وهو عدم الملك ـ [ف] لأن ثبوت الملك يستلزم جواز التصرف ، فمع وجوب الإرسال وعدم جواز التصرف ، فلا يظهر للملك فائدة ، فلا يدخل في ملكه.
وهو ضعيف لاجتماع الملك وعدم جواز التصرف كما في أم الولد ، والرهن ، وتملك المحرمات نسبا ، وخروجهم عن الملك في ثاني الحال.
وقد يجاب عن المصنف : بأن تملك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة ، أما الرهن وأم الولد ففائدتهما ظاهرة ، لأن الرهن مملوك له يباع بدينه مع الإعسار ، ويفكه مع اليسار ، ففائدته ظاهرة ، وأما أم الولد فهي مملوكة يتصرف بها بجميع أنواع التصرف عدا البيع ، ففائدتها ظاهرة أيضا ، وأما فائدة تملك المحرمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال ، فهي أعظم الفوائد وأجلها ، وهي إنقاذ الرحم عن الملك وإخراجه من ذل الرق إلى عز الحرية ، وأما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شيء من الفوائد الدينية ولا الدنيوية ، فوجب ان لا يدخل في ملكه.
وقد يجاب عن منع فائدة تملك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة ولو لم تكن حاضرة فهي مقدرة ، وهي تتقدر بوجوه :
الأول : لو قتل الصيد قاتل ، فإن قلنا بثبوت الملك كان الفداء للمالك ،
وان قلنا بعدم الدخول كان الفداء لله تعالى.
الثاني : لو خرج هذا الصيد من الحرم فصاده صائد لم يملكه الصائد ، لأنه ملك حلال في الحل فلا يزول ملكه عنه ، بخلاف ما لو قلنا : إنه يدخل في ملك المحرم ثمَّ يزول ملكه عنه ، فإنه لو خرج إلى الحل فصاده صائد محل ملكه الصائد ، لأن ملك المحرم زال بسبب الإحرام ، وكون الصيد في الحرم ، فلا يعود بسبب خروجه إلى الحل ، وعلى القول بعدم الملك يملكه الصائد.
الثالث : لو باعه على محل ملك الثمن على القول بدخوله في ملكه ، وعلى العدم لا يملكه لكونه بيعا فاسدا ، وكذا لو باعه على محرم على القول بملك المحرم له في أول آن ثمَّ خروجه عن ملكه ، وعلى عدم الملك لا يملك الثمن.
قال رحمهالله : وقيل : تتكرر ، والأول أشبه.
أقول : لا خلاف في تكرر الكفارة مع الخطأ ، وإنما الخلاف مع العمد ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى تكررها ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس.
وذهب في النهاية إلى عدم تكررها ، ويكون ممن ينتقم الله منه ، وبه قال محمد بن بابويه وعبد العزيز ابن البراج ، واختاره المصنف.
والمعتمد الأول ، لأن قوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١٤٤) ، فهو كما يتناول الأول يتناول الثاني والثالث وما زاد على ذلك ، وللاحتياط على براءة الذمة.
احتج المانع من التكرير ، لقوله تعالى (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (١٤٥) فقد أخبر الله تعالى بأن عقوبة تعمد العود الانتقام ، وفائدة الكفارة
__________________
(١٤٤) المائدة : ٩٥.
(١٤٥) المائدة : ٩٥.
إسقاط الذنب ، وإذا أخبر الله تعالى بعدم الإسقاط انتفت فائدة الكفارة فلا يجب.
والجواب أن الذنب مع العمد أفحش ، فناسب ذلك التغليظ بوجوب الكفارة في الدنيا والانتقام في الآخرة ، والروايات (١٤٦) واردة بالطرفين.
قال رحمهالله : ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم ، فأكله على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل عن كل بيضة درهم.
أقول : أما وجوب الكفارة على المحل فلأنه عاون المحرم على فعل الحرام ، وهتك حرمة الإحرام فكان عليه الكفارة ، كما لو عقد المحل لمحرم فإنه يلزمه كفارة ، وأما وجوبها على المحرم فهو ظاهر ، لأنه أكل بيض الصيد المحرم.
وموضوع البحث أن يشتريه مسلوقا أو مشويا ويأكله ، أما لو اشتراه نيا ثمَّ كسره المحرم ، فإن أكله بعد ما كسره كان عليه عن كل بيضة شاة بسبب الأكل ، وكان عليه إرسال فحولة الإبل في إناث بعدد البيض ردّا للمسئلة إلى أصلها ، ولا فرق بين كون المحل في الحل أو في الحرم ، للعموم (١٤٧).
فروع :
الأول : لو كان المحرم في الحرم كان عليه في صورة الإرسال القيمة عن كل بيضة درهم مع الإرسال ، وهل يتضاعف في غير صورة الإرسال ، كما هو موضوع المسئلة ، وهو : إذا كسره المحل أو اشتراه مشويا ، أو مسلوقا؟ يحتمل التضاعف لعموم (١٤٨) تضاعف الجزاء على المحرم في الحرم ، ويحتمل العدم
__________________
(١٤٦) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٧ و ٤٨ من أبواب كفارات الصيد.
(١٤٧) باب ٢٤ من المصدر المتقدم ، حديث ٥.
(١٤٨) باب ٤٤ من المصدر ، حديث ٥.
لسبق التلف على مباشرة المحرم ، فلا يضمن ما أتلفه غيره فلا يجب غير فداء واحد.
الثاني : لو كان المشتري محرما ، هل يجب عليه عن كل بيضة شاة أو درهم؟ يحتمل وجوب الدرهم لأصالة البراءة ، وعموم النص (١٤٩) ، ويحتمل وجوب الشاة ، إذ لا فرق في ضمان المحرم بين (١٥٠) المباشرة والتسبيب ، وهو أقوى من الأول.
الثالث : لو اشتراه المحرم لنفسه ، هل يجب عليه ما يجب على المحل لو اشتراه له زيادة على الواجب عليه بفعله؟ يحتمل ذلك ، والأقرب العدم.
الرابع : لو ملكه المحل بغير الشراء ثمَّ بذله للمحرم فأكله ، هل يجب عليه الدرهم؟ يحتمل العدم لأصالة البراءة وتخصيص البيض بالشراء ، ويحتمل الوجوب ، لأن العلة إعانته للمحرم على فعل الحرام ، ولا أثر لخصوصية سبب الملك.
الخامس : لو اشترى غير البيض من المحرمات ، هل ينسحب الحكم أم لا؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، وهي الإعانة على فعل الحرام ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، فيقتصر على مورد النص.
قال رحمهالله : ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ، ولا هبة ، ولا ميراث ، هذا إذا كان عنده ، ولو كان في بلده فيه تردد ، والأشبه أنه يملك.
أقول : إذا أحرم وجب عليه إرسال ما معه من الصيد ، فلو كان وديعة أو عارية وجب دفعه إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل على الترتيب ، فلو
__________________
(١٤٩) باب ٢٤ من المصدر المتقدم ، حديث ٥.
(١٥٠) من «ن».
خالف اختيارا ضمن ، ولو لم يتفق أحد من هؤلاء أرسله وضمن وزال ملكه عن الحاضر عنده دون النائي ، هذا حكم المملوك.
قيل : وهل يدخل في ملكه بالإرث؟ المشهور دخول النائي ، واستقرار الملك عليه ، ولو كان حاضرا عنده ، قال الشيخ : يدخل في ملكه ثمَّ يزول عنه لعموم (١٥١) الملك بالميراث ، ومنع العلامة دخول الحاضر في ملكه ، وهو مذهب فخر الدين ، لأن الإحرام يزيل الملك عن المملوك ، فمنعه لدخول غير المملوك في الملك اولى.
وعلى القول بعدم الانتقال ، قيل : يبقى على حكم مال الميت ، فإذا أحل المحرم ملكه ، وقيل : ينتقل إلى باقي الورثة ، لأن الإحرام من موانع الإرث بالنسبة إلى الصيد ، فإذا أحل قبل القسمة شارك ، وإلا فلا ، وفتاوي الأصحاب بالأول أكثر.
قال رحمهالله : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه ، وإن لم يكن مملوكا تصدق به.
أقول : غير المملوك إن كان من حمام الحرم اشترى بقيمته علفا لحمامه ، وإن كان من غير حمام الحرم تصدق بما يلزمه فيه على الفقراء ، وإن كان مملوكا فالبحث فيه في موضعين :
الأول في تقدير الملك : وهو يتقدر كما في القماري والدباسي ، سواء كان في الحل أو الحرم ، وكما لو كان الصيد ومالكه في الحل ، على القول بملك الصيد للمحرم ، أو يكون الصيد في الحرم وصاحبه محل ، وإن وجب عليه إرساله فالملك يتقدر في الصور.
الثاني في كيفية الضمان : وقد اختلفت عبارات الأصحاب في ذلك ،
__________________
(١٥١) راجع الوسائل ، كتاب الإرث ، أبواب موجبات الإرث.
قال المصنف : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لمالكه. وقال الشيخ في المبسوط : وإذا كان الصيد مملوكان فعليه الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك ، ومثله عبارة التحرير.
وقال الشهيد : ولو كان مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك ، وفي القماري وفي الحرم نظر ، أقربه وجوب الجزاء وقيمته للمالك ، فعلى هذا يجب جزاء آخر لله تعالى ، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي وغيره هنا كان قويا ، هذا آخر كلامه رحمهالله.
وقال في القواعد : وفداء المملوك لصاحبه وإن زادت على القيمة على إشكال.
إذا عرفت هذا فالمصنف أطلق كون الجزاء للمالك ، ولم يوجب لله شيئا ، وكذلك العلامة في القواعد ، إلا أنه استشكل فيما إذا زاد الجزاء عن القيمة ، هل تكون الزيادة للمالك أو يتصدق بها؟
قال فخر الدين : ينشأ من عموم قولهم : وفداء المملوك لصاحبه ، ومن أن المضمون للمالية المحضة إنما هو القيمة ، فيتصدق بالزائد ، والأقوى أنه للمالك ، هذا آخر كلامه رحمهالله. فقد اتفق اختيار فخر الدين وأبيه في القواعد والمصنف على وجوب الفداء للمالك ، ولم يوجبوا لله شيئا ، وعبارة المبسوط والتحرير والدروس متفقة على وجوب الفداء لله والقيمة للمالك ، إلا أن صاحب الدروس استقرب ـ إذا كان الصيد في الحرم ـ وجوب جزاء آخر وقيمة للمالك ، ثمَّ فرع عليه وجوب جزاء آخر لله ، ثمَّ قوى الاقتصار على الجزاء الواحد مع القيمة الواحدة ، وأنه لا فرق بين الحل والحرم ، فيكون قد وافق إطلاق المبسوط والتحرير ، وهو المعتمد.
وهنا فروع :
الأول : لو تعددت القيمة أو الفداء أو هما كان للمالك قيمة واحدة والباقي صدقة ، كما لو اجتمع الحافر والدال والممسك والذابح والآكل في الحرم ، كان على كل واحد فداء وقيمة ، فإن لم يفرق بين الحل والحرم ـ كما هو إطلاق المبسوط والتحرير ، وكما قواه الشهيد ـ كان للمالك قيمة واحدة من هذه القيم والباقي صدقة ، وان فرقنا بين الحل والحرم كما استقربه الشهيد ، كان للمالك قيمة أخرى موزعة على الجميع ، وإن كانوا في الحل كان على كل واحد فداء ، وقيمة واحدة للمالك موزعة عليهم.
الثاني : لو كان المملوك طيرا وضربه على الأرض في الحرم ، ألزم الضارب دما وقيمتين ، إحداهما للمالك ، والأخرى صدقة.
الثالث : لو كانت الجناية على بيض الصيد المملوك قبل أن يتحرك فيه الفرخ وجب الإرسال لله ، والقيمة للمالك.
قال رحمهالله : وروي أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.
أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة معاوية بن عمار (١٥٢) ، وصورتها ما حكاه المصنف في الكتاب ، وبمضمونها أفتى القاضي عبد العزيز بن البراج والمصنف في المختصر.
__________________
(١٥٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ١١ من طبعة رباني و ١٣ من طبعة مؤسسة آل البيت (ع).
في باقي المحظورات
قال رحمهالله : وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك الموضع حتى يقضيا المناسك إذا حجا على تلك الطريق.
أقول : المشهور وجوب التفريق في القضاء من المكان الذي أفسدا فيه حتى يقضيا المناسك ، والروايات (١٥٣) تعطي وجوب التفريق أيضا في الحجة الأولى التي أفسداها من موضع الإفساد حتى يقضيا المناسك ، واختاره العلامة في التذكرة واستحسنه في التحرير ، وهو مذهب علي بن بابويه ، وهو أحوط ، لأن تحريم الجماع ثابت في الفاسدة كالصحيحة فوجب التفرقة ، وقيل للصادق عليهالسلام : «المحرم يقع على اهله؟ فقال يفرق بينهما ، فلا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله» (١٥٤) ، وأوجب ابن الجنيد التفريق في الحجتين معا ، وحرم الاجتماع والجماع بعد الإخلال في الأولى حتى يبلغا في الرجوع إلى مكان الخطيئة ، وفي الثانية حتى يبلغ الهدي محله ،
__________________
(١٥٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣ و ٤ من أبواب كفارات الاستمتاع.
(١٥٤) نفس المصدر باب ٣ ، حديث ٥.
والمعتمد جواز الاجتماع والجماع بعد قضاء جميع المناسك ، ودليل الجميع الروايات (١٥٥).
قال رحمهالله : وفي الاستمناء بدنة ، وهل يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.
أقول : إفساد الحج ووجوب القضاء من قابل مذهب الشيخ في المبسوط والجمل وابن البرّاج وابن حمزة والعلّامة في المختلف ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين.
والاقتصار على البدنة خاصة مذهب ابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين.
والأول أحوط ، لأنه إنزال على وجه محرم غير مباح في وجه من الوجوه ، فكان أفحش من الجماع ، لأنه لا يباح في وجه دون وجه فناسب المساواة ، أو الزيادة في العقوبة دون القصور ، ولرواية إسحاق بن عمار (١٥٦) الدالة على الإفساد ، ووجوب القضاء.
واحتج ابن إدريس ومن تابعه بأصالة البراءة.
قال رحمهالله : وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمَّ واقع لم يلزمه الكفارة وبنى عليه طوافه ، وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف ، والأول مروي.
أقول : المراد بقوله : (وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف) أي في سقوط الكفارة دون جواز البناء ، إذ لا خلاف في جواز البناء مع مجاوزة النصف ، وانما الخلاف في سقوط الكفارة ، هل تسقط حيث يسقط الاستئناف أو لا
__________________
(١٥٥) راجع باب ٣ و ٤ من المصدر السابق.
(١٥٦) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٥ من أبواب كفارات الاستمتاع ، حديث ١.
تسقط إلا بمجاوزة الخمسة؟ قال الشيخ بالأول ، وقال ابن إدريس بالثاني ، قال في السرائر : أما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، وأما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجب عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة.
وذهب العلامة في المختلف إلى اختيار الشيخ ، ونسب قول ابن إدريس في التحرير إلى الخطأ ، ودليل الشيخ الروايات (١٥٧) مع أصالة البراءة.
قال رحمهالله : وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل منهما كفارة ، وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.
أقول : المشهور العمل بمضمون هذه الرواية (١٥٨) ، وذهب فخر الدين إلى الاستحباب ، لأصالة البراءة ، وهو معارض بالاحتياط مع الرواية ، ووجوب مخالفة الأصل مع قيام الدليل على خلافه.
قال رحمهالله : حلق الشعر وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد ، وقيل : ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام.
أقول : التخيير بين الشاة وصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين ستة امداد مذهب الشيخان رحمهماالله قال الشيخ : وروي عشرة مساكين ، وهو أحوط ، والمفيد لم يذكر الرواية ، بل اقتصر على إطعام الستة بستة أمداد.
وقال ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل : يطعم ستة مساكين اثني عشر مدا ، وقواه العلّامة في المختلف ، لأنه أحوط.
__________________
(١٥٧) باب ١١ من المصدر المتقدم.
(١٥٨) باب ٢١ من المصدر السابق ، حديث ١.
وذهب المصنف والعلامة في القواعد والشهيد إلى إطعام العشرة عشرة أمداد.
والمعتمد على التخيير بين الشاة والصوم وإطعام العشرة ، لأن دفع ضرورة عشرة مساكين ونفعهم أعظم من نفع ستة ، فلا يحصل الاحتياط بزيادة مدين مع حرمان أربعة مساكين.
قال رحمهالله : قلع شجر الحرم ، وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضهما قيمته ، وعندي في الجميع تردد.
أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، لأنه إتلاف شيء منهي عنه ، فكان قيمته الكفارة ، وللروايات (١٥٩) الدالة على وجوب الكفارة ، وللاحتياط.
ومنشأ التردد من حيث وجوب التمسك بأصالة البراءة حتى يثبت الدليل الناقل ، والدليل ما ذكرناه ، وظاهر ابن إدريس عدم وجوب الكفارة ، وأوجب ابن البراج في الشجرة بقرة ، ولم يفرق بين الصغيرة والكبيرة.
تنبيه : المرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف ، وقال بعض الشافعية الشجرة التي يجب فيها البقرة هي التي تشبع البقرة ، والتي يجب فيها الشاة هي التي تشبع الشاة ، والمعتمد الأول ، والمتوسطة صغيرة لأصالة براءة الذمة ، لأن اسم الصغيرة يتناول ما ليس بكبيرة.
قال رحمهالله : ولو قلع شجرة منه أعادها ولو جفّت قيل : يلزمه ضمانها ولا كفارة.
أقول : هذه فرع على المسئلة الأولى ، فإن قلنا بالضمان في قلع الشجر
__________________
(١٥٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٨ من أبواب بقية الكفارات. ولا دلالة فيها على التفصيل المذكور ، راجع التنقيح الرائع ١ : ٥٦٧.
كان عليه الضمان مع جفافها إذا أعادها ، وإن قلنا بعدم الضمان وجبت الإعادة فإن جفت فلا كفارة.
قال رحمهالله : ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول ، وكذا قيل فيمن قلع ضرسه ، وفي الجميع تردد.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : في الدهن الطيب ، والمراد به : ما فيه طيب ، ووجوب الكفارة باستعماله مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس.
وقال الشيخ في الجمل : إنه مكروه ، والمعتمد الأول.
الثانية : في قلع السن ، وفيه شاة عند الشيخ ، معولا على رواية محمد بن عيسى (١٦٠) وهي مرسلة ومقطوعة ، وقال محمد بن بابويه وأبو علي بن الجنيد لا بأس به مع الضرورة ولم يوجبا شيئا ، وهو المعتمد.
__________________
(١٦٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٩ من أبواب بقية الكفارات ، حديث ١.