غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

جاز له نقله إلى غيره ، لأنه لم يخرج عن ملكه ، وإن كان تالفا) (٤٧) ولم يصرح المالك للفقير بأنه زكاة ماله الغائب على تقدير كونه سالما ، بل دفعه زكاة ونوى ذلك في نفسه ، لم يكن له نقله إلى غيره ، لأنه تصرف فيه تصرفا مأذونا له ، فلا يتعقبه ضمان وليس له احتسابه من زكاة أخرى ، إذ لا عين له في يده ولا دين في ذمته. وهل له انتزاع العين مع بقائها والحال هذه؟ يحتمل ذلك مع اليمين ، لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم ، لأن الفقير قد ملكها بالقبض على انها زكاة فلا يزول ملكه بقول المالك : (اني قصدت الغائب إن كان سالما وقد بان تالفا) ، لأن الأصل بقاء الملك.

وإن كان قد صرح للفقير بأنها زكاة الغائب إن كان سالما ثمَّ تلفت عين المدفوع ، هل يجوز الاحتساب؟ فيه وجهان مبنيان على جواز التصرف قبل علم حال المال وعدمه ، فان منعناه من التصرف لجهالة حصول السبب الموجب للملك ـ وهو سلامة المال ـ جاز الاحتساب ، لكونه مضمونا عليه ، لتصرفه فيه تصرفا غير مشروع ، وإن أجزنا له التصرف لأصالة بقاء الملك لم يضمن ، لأنّ إذن الشارع لا يتعقبه ضمان ، ويحتمل جواز التصرف مع الضمان ، لأنه ملك المدفوع بالقبض ملكا مراعى بسلامة المال وعدمه والملك المتزلزل يجوز التصرف فيه ولا ينفي الضمان ، وهو أوجه.

قال رحمه‌الله : ولو لم ينو ربّ المال ونوى الساعي أو الإمام عند التسليم ، فان أخذها الساعي كرها أجزأ ، وإن أخذها طوعا ، قيل : لا يجزي ، والاجزاء أشبه.

أقول : إذا أخذت الزكاة كرها من المالك سقط اعتبار نيته ، ووجب

__________________

(٤٧) ما بين القوسين من «ي ١».

٢٨١

على الإمام أو الساعي أو الفقيه النية عند الدفع إلى الفقراء ، ويكفي مثل نية المالك ـ وهو أن يقول : (أخرج هذا القدر من الزكاة لوجوبه قربة إلى الله) ـ وان لم يذكر أربابها وبرأت ذمة المالك ، وان دفعها طوعا ولم ينو عند دفعها إلى أحد الثلاثة ، لم يجب عليهم النية عند الدفع إلى الفقراء ، فلو نوى الدافع منهم إلى الفقراء ، هل يجزي عن نية المالك؟ قال الشيخ : لا يجزي فيما بينه وبين الله ، غير أنه ليس للإمام مطالبته بزكاة ثانية ، واختار المصنف الإجزاء مع نية أحدهم ، وهو مذهب العلّامة في المختلف والشهيد في دروسه ، لأن المأخوذ هو الواجب وقد حصلت النية ، عند الدفع إلى الفقراء فهو كما لو لم ينو حالة الدفع الى الوكيل ونوى الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء ، فان المختار الاجزاء.

وقد يجاب بالفرق بأن النية واجبة على الوكيل بخلاف الإمام والساعي والفقيه إذا دفعت إليهم طوعا ، فإن النية لا تجب عليهم ، ونية المالك تجزي من دون نية الثلاثة ولا تجزي من دون نية الوكيل ، فحصل الفرق بينهما فلا يقاس على الوكيل ، وفي قول الشيخ : (لا يطالبه بزكاة ثانية) نظر ، لأن مع عدم الإجزاء تبقى الزكاة في ذمته فيجب على الإمام المطالبة بها ، لعدم جواز إسقاط حق المساكين.

٢٨٢

في زكاة الفطرة

قال رحمه‌الله : فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية ، وقيل : من تحل له الزكاة ، وضابطه أن لا يملك قوت سنة له ولعياله ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في الغني الذي يجب عليه الفطرة ، والمحصل بان الغني هنا كالغني في زكاة المال ، وهو كل من ملك مئونة سنته المستقبلة له ولعياله الواجبي النفقة ، أو كان ذا كسب ، أو صنعة يقوم بأوده ، وأود عياله مستمرا ، ويفضل عنه صاع فإنه يجب عليه إخراجها ، وقال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : لا يجب إلا على من ملك نصابا من الأموال الزكاتية ، واختاره ابن إدريس ، وقال ابن بابويه : من حلت له لا تحل عليه ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : يجب الفطرة على الفقير ، والصحيح الاستحباب.

احتج القائل بوجوبها على الفقير بعموم قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ

٢٨٣

تَزَكّى) (٤٨) والمراد به زكاة الفطرة على ما نقله المفسرون ، وهو يدل بمفهومه على عدم الفلاح لغير المزكي ، والآية عامة :

واحتج الباقون بأصالة البراءة ، وبالروايات (٤٩) الدالة على مطلوبهم.

قال رحمه‌الله : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره ، وقيل : لا تجب إلا مع العيلولة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الزكاة هل هي تابعة للعيلولة أو لوجوب النفقة؟ يحتمل الأول ، لسقوطها عن الضيف ووجوبها على الضيف ، ولا وجه لذلك غير العيلولة فتكون تابعة لها. ويحتمل الثاني ، لأنها تابعة لوجوب النفقة بالأصل ، وإنما تحملها العائل بالعارض ، ولهذا لو كان العائل معسرا لم تسقط عن المكلف بها ، وإذا عالت الزوجة نفسها ، وأكل العبد من كسبه فهو كإعالة الزوج والمولى حكما ، لأن ما في يد العبد لمولاه ، وللزوجة الممكّنة الرجوع على الزوج بما أنفقته على نفسها مع عدم التبرع ، فيجتمع حينئذ العيلولة ووجوب النفقة فتجب الزكاة ، ولو تبرعت الزوجة بعيلولة نفسها سقطت زكاتها عن الزوج كما لو عالها غيرها تبرعا.

فرعان :

الأول : لو كان الضيف عنده بعض رمضان أو كله وفارقه ليلة الهلال سقطت زكاته ، بخلاف واجب النفقة إذا لم يعله الغير.

الثاني : لو ملك الولد المعسر أو الأب المعسر ـ والضابط من يجب نفقته غير الزوجة والعبد ـ قوت ليلة الهلال ويوم العيد سقطت زكاته إذا لم يعله تلك الليلة ، أما سقوطها عن الأب مثلا فلعدم وجوب النفقة عليه تلك الليلة بيوم

__________________

(٤٨) الأعلى : ١٤. راجع مجمع البيان ١٠ : ٧٢٢.

(٤٩) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٢ من أبواب زكاة الفطرة.

٢٨٤

العيد لغناه فيهما ، وأما سقوطها عن الولد فلعسره.

قال رحمه‌الله : إذا أوصي له بعبد ثمَّ مات الموصي فإن كان قبل الوصية قبل الهلال وجبت عليه ، وان كان بعده سقطت ، وقيل : تجب على الورثة ، وفيه تردد.

أقول : السقوط مذهب الشيخ ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن الوصية مانعة من الدخول في ملك الوارث ، والقبول شرط في تمليك الموصى له وهو لم يحصل ، فيبقى على حكم مال الميت.

والتحقيق أن القبول إما كاشف أو سبب مملك ، فان كان الأول لزمت الفطرة الموصى له ، وإن كان الثاني كانت الفطرة على الوارث ، لأن الموت مخرج للملك عن الميت ، وبقاء ملك بغير مالك باطل ، وليس هنا مالك إلا الموصى له أو الوارث فيتعين الزكاة على أحدهما.

قال رحمه‌الله : وقيل لو قبل ومات ثمَّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من أن القبض ، هل هو شرط في صحة الهبة أم لا؟

يحتمل كونه شرطا ، لأن الهبة عقد جائز قبل القبض فيبطل بالموت قبله ، كالوكالة ، ومن أن الهبة عقد يئول إلى اللزوم فلا يبطل بالموت ، ويقوم الوارث مقام الموهوب في القبض ، لأنه حق له فينتقل إلى الوارث ، وبه قال الشيخ في المبسوط.

قال رحمه‌الله : ومن اللبن أربعة أرطال ، وفسره قوم بالمدني.

أقول : الصاع تسعة أرطال من الجميع ، قاله المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة في المختلف ، وقال الشيخ : تسعة من غير اللبن ومنه ستة بغدادية ، وهي أربعة مدنية ، وهو مذهب ابن إدريس وابن

٢٨٥

حمزة ، ودليل الجميع الروايات (٥٠).

تنبيه : الرطل العراقي هنا مائة وثلاثون درهما ، يكون الصاع ألفا ومائة وسبعين درهما ، والمدني مائة وخمسة وتسعون درهما فهو رطل ونصف عراقي ، وفي تقدير النصاب في الغلات الرطل مائة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، والمراد بالدرهم من الجميع الدرهم الشرعي الذي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل.

قال رحمه‌الله : ولا تقدير في عوض الواجب ، بل يرجع إلى قيمة السوق ، وقدره قوم بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق.

أقول : لا خلاف في جواز إخراج القيمة بسعر الوقت ، قال الشيخ : وقد روي أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهما ، وروي أربعة دوانيق في الرخص والغلاء ، والأحوط إخراجه بسعر الوقت (٥١).

قال العلّامة في المختلف بعد أن نقل أقاويل الفقهاء : ولم أقف على فتوى بذلك غير ما نقلناه ، وليس صريحا.

فروع :

الأول : لو أخرج نصف صاع من الحنطة عن صاع من الشعير مع مساواة النصف للصاع قيمة ، هل يجزي أم لا؟ تردد العلّامة في التحرير ، وقال : لم أقف فيه للقدماء على قول ، وجزم في المختلف بالإجزاء ، وتردد الشهيد في الدروس ، واستقرب في البيان عدم الإجزاء ، ووجه التردد من أن الأصول هل يجوز أن تكون قيمة أم لا؟ جزم ابن إدريس بعدم الجواز ، لأن

__________________

(٥٠) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٦ و ٧ من أبواب زكاة الفطرة.

(٥١) النهاية : ١٩١.

٢٨٦

الأصول هي المقدمة (٥٢) فلا تجوز قيمة ، وقال الشيخ في المبسوط : يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدمناها ، سواء كان الثمن سلعة أو حبّا أو خبزا أو دراهم أو ثيابا أو شيئا له قيمة ، وأنكره ابن إدريس في الحبّ والخبز ، ونسب هذا القول إلى مذهب الشافعي ، قال : فلا يظن بعض غفلة أصحابنا أنه مذهبنا.

الثاني : هل يجوز إخراج الصاع الواحد من جنسين؟ قال الشيخ : لا يجوز ، لأنه يخالف الخبز (٥٣) ، واختاره الشهيد في الدروس ، ومذهب العلامة في المختلف والتحرير الجواز ، سواء كان من جنسين أو أجناس ، لأن المطلوب شرعا إخراج الصاع القوتي وليس تعيين الأجناس معتبرا في نظر الشرع وإلا لما جاز التخيير بين الأجناس ، وإذا جاز إخراج الأصواع المختلفة من شخص واحد عن جماعة جاز اختلاف الصاع الواحد ، لأن التخيير واقع في الجميع فكذا في الأبعاض ، لحصول المساواة في المالية ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى جواز الإخراج من جنسين في العبد المشترك بين اثنين ، ونفاه الشهيد في الدروس.

الثالث : لا يجوز إخراج المعيب ويجوز إخراج القديم ، إذا لم يتغير طعمه وان نقصت قيمته عن قيمة الحديث.

قال رحمه‌الله : وتجب بهلال شوال ولا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض على الأظهر.

أقول : جوّز الشيخ وابنا (٥٤) بابويه إخراجهما من أول رمضان ، واختاره

__________________

(٥٢) في «ر ٢» : المقوّمة.

(٥٣) راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٦ من أبواب زكاة الفطرة.

(٥٤) في «ن» و «ر ٢» : ابن.

٢٨٧

المصنف في المختصر جزما ، والعلّامة في التحرير والمختلف ، لاشتمال ذلك على اعانة الفقير ، وجبر حاله ، ودفع الحاجة عنه في شهر تضاعف فيه الحسنات ، وللمبادرة إلى تفريغ الذمة والمسارعة إلى الخير ، ولهم عليه روايات (٥٥).

ومنع المفيد وابن إدريس من تقديمها على شوال الا على جهة القرض ، واختاره المصنف هنا والعلّامة في القواعد ، لأنها عبادة موقتة فلا يجوز تقديمها على وقتها ، كسائر العبادات.

قال رحمه‌الله : فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجبا بنية الأداء ، وإن لم يكن عزلها ، قيل : سقطت ، وقيل : يأتي بها قضاء ، وقيل : أداء ، والأول أشبه.

أقول : السقوط مذهب ابني بابويه وابي الصلاح والمفيد وابن البرّاج ، واختاره المصنف (٥٦) ، لأنها عبادة مؤقتة وقد فات وقتها فيسقط أداء وقضاء ، لأن القضاء إنما يثبت بأمر جديد ولم يوجد ، والأصل براءة الذمة من وجوب القضاء.

ووجوبها أداء مذهب ابن إدريس ، لوجوب الأداء بدخول الوقت ثمَّ يستمر وقت الأداء كالمالية.

وأجيب بأن لوقتها طرفين : أول وآخر ، ولو لا ضبطها لما تضيقت عند الصلاة بخلاف المالية إذ ليس لوقتها آخر.

ووجوبها بنية القضاء مذهب سلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة وأبو

__________________

(٥٥) راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث ٤. وفي الحدائق : أنه لم يقف على غير هذه الرواية ، ١٢ : ٣٠٥.

(٥٦) في «م» : العلامة.

٢٨٨

العباس ، لأنها عبادة مؤقتة وقد خرج وقتها فيكون قضاء ، لأن سقوطها بعد وجوبها لا دليل عليه.

واختار العلّامة في القواعد مذهب المصنف هنا ، وهو إخراجها بنية الأداء مع العزل.

ومذهب الشهيد في دروسه وبيانه وجوب القضاء وان عزلها.

٢٨٩
٢٩٠

كتاب الخمس

٢٩١
٢٩٢

فيما يجب فيه الخمس

قال رحمه‌الله : وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وهو المروي ، والأول أكثر.

أقول : قال الشيخ في النهاية : ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزكاة ، ومثله قال في المبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة ، واختاره العلامة ، وأبو العباس ، لرواية البزنطي (١) ، وأصالة براءة الذمة.

وفي الخلاف أوجب الخمس في المعدن وإن لم يبلغ النصاب ، واختاره ابن إدريس ، واحتج بالإجماع على استثناء الكنوز والغوص ولم يستثنوا غيرهما ، قال : بل إجماعهم منعقد على وجوب الخمس في المعادن على اختلاف أجناسها ، قليلا كان المعدن أو كثيرا ، واعتبر أبو الصلاح مقدار دينار ، ورواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (٢).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ٤ من أبواب ما يجب فيه ، حديث ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١ ، حديث ٧٢ ، ورواه في الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ٣ من أبواب ما يجب فيه ، حديث ٥.

٢٩٣

فروع :

الأول : يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يتخللها ترك العمل ، فلو أخرج دون النصاب دفعة وترك العمل مهملا ، ثمَّ أخرج دون النصاب لم يجب شي‌ء وإن بلغ المجموع النصاب ، ولو بلغ أحدهما نصابا وجب فيه خاصة ، ولو ترك العمل للاستراحة مثلا ، أو لإصلاح آلة ، أو لأكل ، أو صلاة ، أو طلب معادن وجب الخمس إذا بلغ الجميع النصاب ، ويجب فيما زاد على النصاب وإن قل.

الثاني : النصاب معتبر في الذهب وما عداه بالقيمة ، ولو اشتمل المعدن على جنسين ضم أحدهما إلى الآخر سواء كان ذهبا أو فضة أو غيرهما.

الثالث : لو استأجر على إخراج المعدن فالخارج للمستأجر ، ولو نوى الأجير التملك لنفسه لم يملك.

الرابع : لو وجده في أرض مملوكة فهو للمالك دون المخرج ، لأنه من أجزاء الأرض فيكون لمالكها.

الخامس : لو أخرج خمس التراب لم يجز لاختلافه في الجوهر ، ولو اشترك جماعة في الحفر والحيازة اشترط بلوغ نصيب كل واحد النصاب.

قال رحمه‌الله : إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فان لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه سكة الإسلام ، قيل : يعرف كاللقطة ، وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : يملكه الواجد وعليه الخمس ، واختاره

٢٩٤

ابن إدريس ، لعموم ظاهر القرآن (٣) ، والأخبار (٤) الواردة في إخراج الخمس من الكنوز ، والتخصيص محتاج إلى دليل ، وقال في المبسوط : إنه لقطة ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد ، لأنه مال ضائع عليه أثر تملك الإسلام ووجد في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.

فروع :

الأول : لو استأجر أجيرا ليحفر له طلبا للكنز فوجده فهو للمستأجر ، ولو استأجره ليحفر له بئرا في المباح فوجد كنزا فهو للأجير.

الثاني : يجب الخمس في كل كنز على اختلاف أنواعه ، من الذهب والفضة والنحاس والرصاص وغير ذلك.

الثالث : يجب الخمس على كل واجد حرا كان أو عبدا ، مسلما أو ذميا ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، عاقلا أو مجنونا ، ويكون ما يجده العبد لسيده والخمس واجب عليه ، وما يجده غير المكلف له ، والمخاطب بالإخراج الولي إن كان ، وإلا فالحاكم.

__________________

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ٥ من أبواب ما يجب فيه.

٢٩٥
٢٩٦

في قسمته

قال رحمه‌الله : وقيل : بل يقسم الخمس خمسة أقسام ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب قسمة الخمس ستة أقسام لقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) (٥) الآية ، وفي صحيحة (٦) ربعي بن عبد الله بن الجارود : أنه يقسم خمسة أقسام بإسقاط سهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال أبو العباس ولا نعرف بها عاملا.

قال رحمه‌الله : ولو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر.

أقول : من انتسب إلى هاشم بالأم ، إذا كان أبوه غير هاشمي ، هل يستحق الخمس ، قال علم الهدى : يستحق ، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، وقد ثبت إطلاقه في الحسنين عليهما‌السلام «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا» (٧).

__________________

(٥) الأنفال : ٤١.

(٦) الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ١ من أبواب قسمة الخمس ، حديث ٣.

(٧) البحار ٤٣ : ٢٧٨.

٢٩٧

وبعدم الاستحقاق قال الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لأن الانتساب إنما يصدق حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا ، ألا تراهم يقولون فلان بن فلان ويرفعون نسبه إلى الإباء ، ولا يقولون فلان بن فلانة ، ولقوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) (٨).

قال رحمه‌الله : وفي استحقاق بني المطلب تردد ، أظهره المنع.

أقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة في باب الزكاة فلا حاجة لإعادته ، والمطّلب هو أخو هاشم بن عبد مناف.

قال رحمه‌الله : وابن السبيل لا يراعى فيه الفقر ، بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيا في بلده ، وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

أقول : عدم اعتبار الفقر في اليتيم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، للعموم (٩) ، ولان اعتبار الفقر يقتضي تداخل الأقسام ، لأن مع اشتراط الفقر يدخل تحت المساكين ، وقد أفرد الله تعالى اليتامى في قسم على حدتهم ، والأصل عدم التداخل ، واعتبره العلّامة في المختلف ، لأنه عوض الزكاة وهي لا يستحقها الغني ، ولأنه جعل جبرا لهم ومساعدة ، فلا يليق بالغني ، ويمنع من له موسر ينفق عليه ، فمنع الغني بماله أولى.

قال رحمه‌الله : فالأيمان معتبر في المستحق على تردد ، والعدالة لا تعتبر على الأظهر.

__________________

(٨) الأحزاب : ٥.

(٩) الأنفال : ٤١.

٢٩٨

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الإيمان هل هو معتبر في مستحق الخمس؟ أفتى أكثر الأصحاب باعتباره ، وتردد المصنف للنهي عن مساعدة غير المؤمن (١٠) ، ولأنه محادّ لله فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة ، ومن أنه يستحق بالقرابة والنسب ، والمسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في الآراء.

الثانية : العدالة ولم يعتبرها أكثر الأصحاب ، لأنه يستحق بالقرابة فلا يشترط أكثر من ذلك عدا الايمان على المختار (١١) ، وقيل باشتراطها ، وهو بناء على اشتراطها في مستحق الزكاة ، والخمس بدل منها ، وحكم البدل حكم المبدل.

قال رحمه‌الله : ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ، ومع عدمه قيل : يكون مباحا.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في مطلق الخمس : وفيه أقوال :

الأول : أنه مباح ، قاله سلار وله عليه روايات (١٢).

الثاني : صرفه إلى فقراء الذرية والشيعة ، حكاه المفيد ، ثمَّ قال : ولست أدفع قرب هذا من الصواب.

الثالث : يجب حفظه بالوصية حتى يصل إليه عليه‌السلام ، قال المفيد : هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق وجب لغائب

__________________

(١٠) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به.

(١١) في «ن» بزيادة : عند الأصحاب.

(١٢) الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ٤ من أبواب الأنفال.

٢٩٩

ولم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب المصير إليه ، فوجب حفظه إلى وقت إيابه.

الثانية : في حقه عليه‌السلام : قال ابن إدريس : يحفظ بالوصية ، ولا يجوز التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وادعى تطابق الأدلة العقلية والنقلية على ذلك.

وقيل : يجب صرفه إلى باقي الأصناف على وجه التتمة ، واختاره المصنف والعلّامة وفخر الدين وأبو العباس ، لأنه لو كان حاضرا وقصر نصيب الأصناف عن كفايتهم وجب أن يتم لهم من نصيبه ، ولاشتماله على دفع ضرر الذرية ونفع محاويجهم.

وأقوال الأصحاب وأدلتهم هنا كثيرة أضربنا عنها لئلا يطول الكتاب.

فرع :

لا يجوز إعطاء السيد من الخمس أكثر من مئونة السنة سواء اتحد الدفع أو تعدد ، لأنه عليه‌السلام لم يجاوز مئونة السنة في القسمة عليهم والفاضل له عليه‌السلام كما إذا أعوز كان عليه (١٣).

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب الخمس ، باب ٣ من أبواب قسمة الخمس.

٣٠٠