غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

أخذت منه الزكاة ، لأنه يصدق عليه انه ملك أربعين سائمة طول الحول ، وقال المصنف والعلامة : يستأنف الحول لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه.

الثاني : ان يكونا للتجارة ، ولا خلاف في بناء حول الثاني على الأول ، لكن إذا انتهى الحول ، هل تثبت زكاة المال أو زكاة التجارة؟ يقول (٣٠) على مذهب الشيخ يثبت زكاة المال ، وعلى مذهب المصنف والعلامة يثبت زكاة التجارة.

الثالث : إذا كان النصاب الأول للقنية والثاني للتجارة ، كما هو مقصود المصنف ، فقد اتفق المصنف والعلامة على عدم بناء حول الثاني على حول الأول ، بل يستأنف الحول للمالية والتجارة معا ، فان استمرت الشرائط المعتبرة فيهما من حين ملك الثاني إلى تمام الحول قدمت المالية ، وان اختلت شرائط احد الزكاتين قبل تمام الحول تثبت الأخرى ، وعند الشيخ تجب الزكاة المالية عند تمام ستة أشهر من ملك الثاني ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب.

الرابع : إذا كان الأول للتجارة والثاني للقنية فالحكم فيه كالحكم في عكسه سواء ، والمعتمد مذهب المصنف والعلامة.

قال رحمه‌الله : وهل تخرج قبل ان ينضّ المال؟ قيل : لا ، لأنه وقاية لرأس المال ، وقيل : نعم ، لان استحقاق الفقراء أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الطرفين ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف ، واستقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية ، وهو تأكيد

__________________

(٣٠) في «ن» و «ر ٢» : بقوله.

٢٦١

لجواز إخراج العامل الزكاة من حصته ، وتقريره ان يقال : ولئن سلمنا ان هذا الربح وقاية للمال ، فالأقرب لا منافاة بينه وبين استحقاق الفقراء له ، وذلك بان يقول : ومتى أخرج العامل الزكاة وخسر المال ، بحيث لا يتم الا بذلك القدر أو بعضه ، كان ذلك مضمونا عليه.

وفيه نظر ، لأن تجويز إخراج العامل من حصته يتضمن خطرا على مال المالك لإمكان الخسران ، ويكون العامل معسرا عن ضمان قدر المخرج فيؤدي إلى ضياع مال المالك ، وهو غير جائز ، ولهذا لا يختص بربحه ، ولو كان رأس المال عشرة فربح عشرين ثمَّ ثلاثين ، فالخمسون بينهما ، ولو استقر ملك العامل على الربح لكان له ثلاثون ، لاختصاصه بعشرة من العشرين الأولى ومشاركته في باقي الربح وهو أربعون.

٢٦٢

في أصناف المستحقين

قال رحمه‌الله : الفقراء والمساكين : وهم الذين تقصر أموالهم عن مئونة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن احد النصب الزكاتية. ثمَّ من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد ، ومنهم من فرق بينهما في الآية ، والأول أشبه.

أقول : الفقراء والمساكين يشملهما من قصر ماله عن مئونة سنته له ولعياله الواجبي النفقة وما يحتاج اليه ولو في احتشامه كعبد الخدمة وفرس الركوب ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال من ملك نصابا يجب فيه الزكاة كان غنيا وتحرم عليه الصدقة ، واختاره في الخلاف ، وإذا أطلق لفظ الفقير دخل فيه المسكين وبالعكس ، وإذا اجتمعا كما في الآية (٣١) احتيج إلى المائز ، قال الشيخ في الجمل : الفقراء هم الذين لا شي‌ء لهم والمساكين هم الذين لهم بلغة من العيش ولا يكفيهم ، وهو اختياره في المبسوط والخلاف ، واختاره ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس وسلار ، وقال في النهاية : المسكين اسوء حالا من الفقير ، وهو مذهب المفيد وابن الجنيد وسلار.

__________________

(٣١) التوبة : ٦٠.

٢٦٣

احتج الأولون بالابتداء بذكره والعرب تبدأ بالأهم ، وبقوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) (٣٢) ولتعوذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفقر وسؤاله المسكنة (٣٣).

واحتج الآخرون بالتأكيد به ، والتأكيد إنما يكون بالأقوى ، فإنه يقال فقير مسكين ولا يقال العكس ، فدل على ان المسكين اسوء حالا ، وبقوله تعالى : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (٣٤) اي ذا مجاعة ألصق بطنه على التراب لشدة حاجته وجوعه ، ولا يظهر لهذا الخلاف فائدة في الزكاة لجواز دفعها الى الفريقين ، وانما يظهر فائدته في النذر والوصية كما لو نذر أو اوصى للفقراء دون المساكين أو بالعكس أو جمعهما وفضل بينهما ، وفي الكفارة فإن مصرفها المساكين ، فان كان الفقير اسوء حالا استحق والا فلا.

تنبيه : الغنى المانع من أخذ الزكاة ما يحصل به الكفاية له ولعياله الواجبي النفقة ، وهو أعم من حصوله بالفعل أو بالقوة ، فالمسكين من يكسب المؤنة لا تحل له الصدقة لقوله عليه‌السلام : «لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب» (٣٥) بشرط ان يكون التكسب لائقا بحاله ومروته ، فلا يكلّف ذو الحشمة والبزاز بيع الحطب والخبز وما شاكل ذلك ، لان تكلف ذلك لذوي الاحتشام أصعب من تكلف بيع الخادم والعبد والفرس ، وقد أسقط الشارع ذلك عنه.

وكذا لو كان ممنوعا من التكسب بفعل واجب أو علم ديني لا بصلاة

__________________

(٣٢) الكهف : ٧٩.

(٣٣) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٦ ، والجامع الصغير للسيوطي ، حرف الألف : ص ٥٦.

(٣٤) البلد : ١٦.

(٣٥) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٨ من أبواب المستحقين ، حديث ٨ وهو أقربها لما في المتن.

٢٦٤

النوافل والعلوم الرياضية ، واما ما زاد على الواجب من علم الفقه فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد وقد بلغها ويحتاج الناس اليه للتعلم منه جاز ترك التكسب والاشتغال بالفقه ، ويدفع اليه من الزكاة ، وان كان يعلم انه لا يبلغ درجة الاجتهاد ، فان كان في ازدياد ويعلم احتياج الناس الى القدر الذي عنده جاز الاشتغال بالتعلم والتعليم وترك التكسب ، وإلّا فلا.

فرع : لو كان له بضاعة يتجر بها ولا يكفيه نماؤها جاز ان يأخذ التتمة من الزكاة ولا يكلف الإنفاق من أصلها وان بلغت مئونة السنة ، وكذلك الصنعة (٣٦) ودار الغلة.

قال رحمه‌الله : ولو قصرت عن كفايته جاز ان يتناولها ، وقيل : يعطى ما يتمم به كفايته ، وليس ذلك شرطا.

أقول : إذا قصرت الصنعة عن الكفاية جاز ان يأخذ الزكاة مطلقا ، لأنه مستحق للزكاة فلا يتقدر العطاء بقدر ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وقيل : لا يتجاوز قدر التتمة ، لأنه مستغن ، وأجيب بأن الاستغناء بعد الدفع ، فيمنع حينئذ لا قبله.

قال رحمه‌الله : وكذا لو كان له أصل مال ، وقيل : بل حلف على تلفه.

أقول : إذا ادعى الفقر أعطي من غير يمين ، سواء علم صدقه أو جهل الأمران ، وسواء كان قويا أو ضعيفا ، وسواء كان له أصل مال أو لا ، لأن الأصل عدم اقدام المسلم على الكذب والظاهر صدقه ، وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر.

واحتج موجب اليمين على ان الأصل عدم التلف.

قال رحمه‌الله : وفي اعتبار الحرية تردد.

__________________

(٣٦) في «ر ٢» : الضيعة.

٢٦٥

أقول : منشؤه من ان العامل يأخذ نصيبا فيشترط كونه مالكا له ، والعبد لا يملك فلا يجوز ان يكون عاملا ، ومن ان العامل كالأجير والعبد من أهل التكسب فيصح ان يكون عاملا.

تنبيه : من العاملين الكاتب والحاسب والقاسم والكيال والوزان ، والحافظ الذي يحفظ مال الصدقة ، والعريف الذي يعرف أهل الصدقات والكيال والوزان للتقسيم بين أهل الصدقة دون الكيال والوزان حالة الأخذ من المالك ، بل أجرته على المالك ، لأنه يجب عليه تسليم الصدقة إلى أربابها ، وهو لا يتم لا بالكيل والوزن فيكون الأجرة عليه ، ولا يجوز للعامل تفريق الصدقة بنفسه لا بإذن الإمام ، فإن فوض اليه ذلك جاز ، ثمَّ ان عين له أقواما معينين لم يجز العدول إلى غيرهم.

وكذلك لا يجوز له العدول عن التسوية أو التفضيل ، فان خالف أمر الإمام بالتفضيل أو التسوية أو العدول إلى غير المعين ضمن ما خالف فيه ، وإذا جاز له التفرقة بإذن الامام وامره المالك بالدفع إلى أقوام معينين ، فان كان الامام قد عين له أيضا واختلف المحل دفع إلى الفريقين مع السعة ، وان قصر المال دفع إلى معين الامام دون معين المالك ، ولو أطلق الامام وعين المالك احتمل عدم جواز العدول عمّن عينه المالك ، لأن المالك مخير في الدفع إلى من شاء ، فلا يجوز التخطي إلى غير معينة ، ويحتمل جواز التخطي ، لأن المالك زالت ولايته بالدفع إلى الساعي فلا تخيير له حينئذ ، وهو أقرب.

إذا عرفت هذا ، فإذا أذن الامام للعامل بالتفريق وأطلق جاز له أخذ حصته من تحت يده ، لأنه أحد المستحقين وقد اذن له بالدفع إليهم.

قال رحمه‌الله : وروي رابع وهو من وجبت عليه كفارة ولم يجد فإنه يعتق عنه ، وفيه تردد.

٢٦٦

أقول : الرواية رواها علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية (٣٧) ، وتردد المصنف : من ان العاجز عن العتق في الكفارة ينتقل فرضه إلى الصيام فلا يجب عليه العتق مع العجز عنه ، ومن دخوله في مسمى الرقاب إذ المقصود عتق الرقبة وقد دلت الرواية على جوازه هنا ، وقال الشيخ : والأحوط عندي ان يعطى من الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقيل : لا.

أقول : أهل الزكاة على قسمين : فمنهم من يأخذ نصيبه أخذا مستقرا بمعنى ان له صرفه في أي وجه شاء ، وهم أربعة : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم.

ومنهم من يأخذ أخذا مراعى ، بمعنى انه إن صرفه في الوجه الذي أخذه بسببه استقر ملكه عليه والا استعيد منه على خلاف ، وهم أربعة أيضا : المكاتبون والغارمون والغزاة وابن السبيل ، لأن ثبوت السهم لهم مشروط بصرفه في السبب الذي أخذوه له ، فإذا صرف في غير ما أخذ له ارتجع لانتفاء الشرط المبيح للأخذ ، وقيل : لا يرتجع ، لأنه ملك المدفوع اليه بالقبض فلا يرتجع.

قال رحمه‌الله : وإذا ادعى انه كوتب ، قيل : يقبل ، وقيل : لا إلا بالبينة أو بحلف ، والأول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل.

أقول : قال الشيخ لا يقبل إلا بالبينة ، لأن الأصل عدم الكتابة ، وقول العبد ليس بحجة ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ما لم يظهر المنافي ، لأن

__________________

(٣٧) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١ من أبواب المستحقين ، حديث ٧.

٢٦٧

الأصل صدق المؤمن ما لم يعلم كذبه ، ولو كذبه مولاه لم يقبل.

فرع : يجوز الدفع الى السيد بإذن المكاتب لا بدونه ، ويدفع الى المكاتب وان لم يأذن السيد ، بل ولو منع ، ويجوز ان يعطى قبل حلول النجم على الأقرب للعموم (٣٨) ولاحتمال التعذر عند حلوله.

قال رحمه‌الله : ولو جهل فيما أنفقه ، قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : الغارمون قسمان : أحدهما من استدان لمصلحته وصرفه في غير معصيته ثمَّ عجز عن أدائه ، وهذا يعطى من الصدقة ما يؤدي به دينه ، والآخر : من استدان لإطفاء الفتنة وإصلاح ذات البين ، ولا فرق بين ان تكون الفتنة في مال أو قتل ، وهذا يعطى من سهم الغارمين وان كان غنيا ، واما من جهل مصرف دينه فقد منع الشيخ من إعطائه لعدم تحقق الشرط ، لأن الشرط صرفه في غير المعصية ، ومع جهل المصرف لا يتحقق انه صرفه في معصية ، والمشهور جواز الدفع اليه تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع.

فروع :

الأول : لو ادى الغارم دينه من ماله لم يجز له الأخذ من الزكاة إلّا ان يكون استدان لقضائه.

الثاني : لو كان السهم بقدر الدين جاز للإمام دفعه إلى الغرماء ودفعه إليه ليقضي هو ، ولو قصر السهم عن الدين فأراد الغارم أخذه ليتجر به ويستفضل ما يحصل به تمام الدين جاز ، وهو اختيار العلامة في التحرير.

الثالث : يجوز مقاصة المستحق وقضاء دينه حيا كان أو ميتا ، ولا يشترط

__________________

(٣٨) التوبة : ٦٠.

٢٦٨

إذن الحي ولا كونه غير واجب النفقة ، وهل يشترط قصور تركة الميت عن وفاء دينه؟ صرح به ابن الجنيد والشيخ في المبسوط ، لأن مع وفاء التركة به يكون كالحي القادر على الوفاء.

ويحتمل عدم الاشتراط لانتقال التركة إلى الورثة فيصير عاجزا ، ويضعف بتأخر الإرث عن الدين ، نعم لو تصرف لوارث في التركة وأتلفها وتعذر القضاء لعسر الوارث ، جاز الاحتساب والقضاء حينئذ عند الشهيد في البيان ، وقال أبو العباس في المحرر : ومن لا يقضي عنه في حياته لا يقضى عنه بعد موته وان تعذر قضاء الدين لمنع الوارث أو تلف التركة.

قال رحمه‌الله : ولو صرف الغارم ما دفع اليه من سهم الغارمين في غير الدين ارتجع على الأشبه.

أقول : سبق (٣٩) البحث في هذه.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى ان عليه دينا قبل قوله إذا صدقه الغريم ، وكذا لو تجردت دعواه عن التصديق والإنكار ، وقيل : لا يقبل ، والأول أشبه.

أقول : وجه عدم القبول أصالة عدم الدين فلا يقبل دعواه ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ، لأن ظاهر المسلم عدم الكذب ما لم يعلم منه.

قال رحمه‌الله : وفي سبيل الله وهو الجهاد خاصة ، وقيل : يدخل فيه المصالح كبناء القناطر والحج ومساعدة الزائرين وبناء المساجد ، وهو الأشبه.

أقول : الاختصاص بالجهاد مذهب المفيد وسلار ، والأكثر على ان السبيل هو كل ما يتقرب به إلى الله تعالى.

تنبيه : الغزاة قسمان : المطوعة الذين ليسوا بمرابطين ولا اسم لهم في

__________________

(٣٩) ص ٢٦٧.

٢٦٩

الديوان ، وليسوا من الجند الذين لهم نصيب في الفي‌ء ، وانما يغزون إذا نشطوا ، وهؤلاء يأخذون النصيب إجماعا.

والقسم الثاني : المرتزقة ، وهم الذين لهم سهم من الفي‌ء وهم جند الديوان الذين برسم الجهاد ، وقد تردد الشيخ في جواز أخذهم من الزكاة ، والمشهور جوازه ، فلا فرق حينئذ بينهما ولا يشترط فيهم الفقر.

قال رحمه‌الله : ويدفع اليه قدر الكفاية إلى بلده ، ولو فضل منه شي‌ء اعاده ، وقيل : لا.

أقول : المشهور بين الأصحاب إعادة الفاضل عن مئونة ابن السبيل إلى بلده ، لأن استحقاقه مقيد بالسفر وقد زال ، فيجب اعادة الفاضل الى المالك ، فان تعذر فإلى الإمام ، فإن تعذر فإلى الأصناف ، وينويه عن مالكه.

فرع : لو نوى ابن السبيل إقامة عشرة أيام ، قال الشيخ : لم يعط ، لأنه يخرج عن حكم المسافرين بالنية ، فلا يصدق عليه اسم ابن السبيل ، وقال ابن إدريس : لم يخرج ، واختاره العلامة لإطلاق اسم المسافرين عليه.

٢٧٠

في أوصاف المستحقين

قال رحمه‌الله : العدالة وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا دون الصغائر وإن دخل في جملة الفساق ، والأول أحوط.

أقول : العدالة تعتبر في الساعي إجماعا ، ولا تعتبر في المؤلفة إجماعا ، وهل تعتبر فيمن عداهما؟ اعتبرها الثلاثة فيمن عدا المؤلفة ، ووافقهم ابن إدريس وابن حمزة إلا في الغزاة ، ولم يذكر ابنا (٤٠) بابويه العدالة من الشروط ، وظاهر ابن الجنيد منع أهل الكبائر خاصة ، وذهب العلامة إلى عدم اشتراط العدالة وإعطاء الفاسق مطلقا لدخولهم في عموم الفقراء والمساكين.

قال رحمه‌الله : ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز ان يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة.

أقول : قيل : لا يتجاوز قدر الضرورة ، لأنها العلة في جواز الأخذ فلا يباح مع ارتفاعها. قال أبو العباس في مهذبه : والمراد بقدر الضرورة قوت يوم وليلة لا مئونة السنة ، لأن الخمس لا يملك منه الهاشمي ما زاد عن مئونة السنة ،

__________________

(٤٠) في «ن» و «ر ٢» : ابن.

٢٧١

وهو له طلق ، فكيف ما لا يحل الا مع الضرورة؟! وهو مذهب العلامة في التحرير ، والشهيد في دروسه وبيانه ، وقيل : لا يتقدر الأخذ بقدر ، لأنه دخل في قسم المستحقين ، والمستحق لا تقدير في طرفه.

قال رحمه‌الله : والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم خاصة على الأظهر ، وهم الآن ولد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لأصالة الإباحة ، ولقوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٤١) خرج بنو هاشم للنصوص (٤٢) الدالة على تحريم الصدقة الواجبة عليهم ، ولتعويضهم عنها بالخمس ، وجوز المفيد أخذ الخمس لبني المطلب وهو أخو هاشم ، وهو يدل على تحريم الصدقة عليهم ، إذ لا قائل بالجمع ، ومستنده رواية زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام انه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، لأن الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» (٤٣). وأشار عليه‌السلام بذلك إلى الخمس.

فروع :

الأول : جوّز الشهيد في البيان وأبو العباس في المحرر إعطاء من يجب نفقته ما يزيد عن النفقة الواجبة ليصرفه في توسعته ، كالحمولة وثياب التجمل ان كان من أهل ذلك.

الثاني : يجوز للزوجة ان تدفع زكاتها إلى زوجها ، ومنع ابن بابويه من

__________________

(٤١) التوبة : ٦٠.

(٤٢) راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٢٩ و ٣٠ و ٣١ من أبواب المستحقين.

(٤٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٣٣ من أبواب المستحقين ، حديث ١. وفي «م» و «ر ١» و «ي ١» : شبعهم.

٢٧٢

إعطائه مطلقا ، وقال ابن الجنيد : تعطيه ولا ينفق عليها ولا على ولدها منه ، والأول أشهر.

الثالث : جوز في الدروس إعطاء من تجب نفقته إذا لم يكن مخاطبا بالإنفاق عليه ، واستثنى الزوجة إلا مع إعسار الزوج وفقرها. وبيانه : ان المعسر الذي لا يقدر على نفقة من يجب عليه نفقته ، إذا كان معه نصاب قد استدانه وكان عليه دين يستغرقه فحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة ، لأن الدين لا يمنع الزكاة ، أو كان عنده نصاب من الغلات وكان عليه دين يستغرقه ، فإنه يجوز دفع هذه الزكاة إلى من تجب عليه نفقته ، لعدم مخاطبته بالنفقة لإعساره ، عدا الزوجة فان نفقتها واجبة على الزوج موسرا كان أو معسرا ، لكن مع الاعساره ، ينظر فيها كما ينظر المعسر في الدين ويقضي عند اليسار كما يقضي الدين ، فلا تعطى إذا كانت قادرة على نفقة نفسها ، لأنها غنية فلا يجوز لها أخذ الزكاة من غير الزوج فمنه أولى ، اما لو كانا معسرين جاز لها الأخذ لكونها مستحقة.

الرابع : لا تعطى الزوجة الناشز من الزكاة ـ وان لم يجب على الزوج نفقتها ـ وان كانت فقيرة ، لأنها قادرة على الغنى ببذل نفسها فلا تعطى ، كما لا يعطى القادر على التكسب إذا امتنع منه ، وكذلك حكم المملك بها إذا امتنعت من الدخول لغير عذر.

٢٧٣
٢٧٤

في متولي الإخراج

قال رحمه‌الله : وإذا طلبها الإمام صرفت اليه ، ولو صرفها المالك والحال هذه ، قيل : لا يجزي ، وقيل : يجزي وإن اثم ، والأول أشبه.

أقول : أوجب المفيد وأبو الصلاح حملها ابتداء إلى الامام أو نائبه ، وفي حال الغيبة إلى الفقيه ، والمشهور الاستحباب ، فان طلبها وجب دفعها إليه إجماعا ، فلو لم يدفعها وفرقها بنفسه ، قال الشيخ : لا يجزيه ، ومن قال بوجوب الدفع مع عدم الطلب اقتضى عدم الإجزاء أيضا بطريق الأولى ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنه دفع دفعا غير مأمور به فلا يخرج به عن التكليف.

واحتج القائل بالاجزاء بأنه دفع الحق إلى أهله فيكون مجزيا.

قال رحمه‌الله : وقيل : يرثه الامام ، والأول أظهر.

أقول : إذا مات المملوك المشترى من مال الزكاة وخلف مالا ولا وارث له ، قال ابن بابويه : يكون ميراثه لأرباب الزكاة ، وبه قال الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، لأنه اشتري بمالهم.

وقيل : يرثه الإمام ، لأنه وارث من لا وارث له ، ولأن أهل الزكاة إنما

٢٧٥

يستحقون ويملكون ما دفع إليهم وقبضوه ، وهذا العبد لم يدفع إليهم ولم يقبضوه فلا يستحقونه ، وتوقف العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك ، وقيل : تحسب من الزكاة ، والأول أشبه.

أقول : وجه كونها على المالك : انه يجب عليه تسليم الزكاة وهو لا يتم إلا بالكيل أو الوزن ، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.

ووجه كونها في مال الزكاة : ان الله تعالى أوجب على أرباب الزكاة قدرا معلوما فلا يجب عليهم أزيد من ذلك القدر ، فلو أوجبنا عليهم اجرة الكيال أو الوزان لأوجبنا عليهم أزيد مما أوجب الله عليهم ، وهو غير جائز.

قال رحمه‌الله : أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول.

أقول : تقديره بالنصاب الأول مذهب الشيخين وابني (٤٤) بابويه وسلار ، وبما يجب في النصاب الثاني مذهب ابن الجنيد ، ولم يقدره ابن إدريس بشي‌ء ، واختاره العلامة وأبو العباس ، واستدل الجميع بالروايات (٤٥).

قال رحمه‌الله : إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها وجوبا ، وقيل : استحبابا ، وهو الأشبه.

أقول : القولان للشيخ ، ووجه الوجوب قوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) (٤٦) ووجه الاستحباب : أصالة البراءة ، وحمل الأمر على الاستحباب.

__________________

(٤٤) في «ر ٢» : ابن.

(٤٥) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٢٣ من أبواب المستحقين.

(٤٦) التوبة : ١٠٣.

٢٧٦

في الإخراج

قال رحمه‌الله : وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين ، والأشبه ان التأخير إن كان لعذر مبيح دام بدوامه ولا يتحدد ، وإن كان اقتراحا لم يجز.

أقول : جواز التأخير مع العزل مذهب الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه تأخير للعبادة عن وقتها اختيارا ، وهو غير جائز.

قال رحمه‌الله : ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة ، سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.

أقول : التحقيق في هذه المسألة انه إذا دفع الفريضة إلى الفقير قبل الوقت بنية الزكاة لم يملكها الفقير ، وكانت باقية على ملك المالك ، ولم ينثلم بها النصاب ، فإذا حال الحول ، وهي باقية بحالها ، وجبت الزكاة ، فإن اختار المالك إبقاءها في يد المدفوع اليه واحتسابها من الزكاة جاز إن بقي على الاستحقاق ، وان اختار دفعها إلى غيره ، أو دفع غيرها اليه أو إلى غيره جاز أيضا ، وان دفعها قرضا محضا ودينا عليه لا على انها زكاة معجلة ـ وكانت تمام النصاب ـ سقطت الزكاة عن المالك ، وكان له مطالبة المدفوع اليه بها متى شاء كسائر الديون الحالة ، وان لم ينثلم بها النصاب كان مخيرا بين الاحتساب عليه

٢٧٧

مع بقائه على الاستحقاق ، وبين الأخذ منه والدفع إلى غيره ، والشيخ لم يفصل ، بل جوز الاحتساب عند الحول.

فروع :

الأول : إذا علم الفقير بأنها زكاة معجلة كانت مضمونة عليه.

الثاني : هل يقبل دعوى قصد التعجيل مع اليمين؟ يحتمل ذلك لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم لأصالة عدم الضمان ، وعلى القول بقبول دعوى القصد لو ادعى اللفظ بالتعجيل لم يقبل إلا بالبينة لإمكان إقامتها على اللفظ دون القصد.

الثالث : لو باعها أو وهبها أو وقفها مع عدم التعجيل بطلت العقود في الباطن مع عدم البينة ، ويغرم القيمة للمالك ، ومع البينة يبطل ظاهر أو باطنا ، وتنتزع العين من المشتري والمتهب ويبطل الوقف ويرد إلى المالك مطلقا.

قال رحمه‌الله : لو نقصت قيل : يردها ولا شي‌ء على الفقير ، والوجه لزوم القيمة يوم القبض.

أقول : إذا دفع إليه شاة فنقصت في يده ، قال الشيخ في المبسوط : كان عليه ردها ، ولا شي‌ء عليه لأصالة براءة الذمة ولكونها عين ماله. والحق ان كان المقبوض قرضا ملكه الفقير وكان عليه القيمة يوم القبض كما قاله المصنف ، لأن القرض إذا كان من ذوات القيم كان مضمونا بالقيمة يوم القبض ، وان كان المقبوض زكاة معجلة كانت باقية على ملك الدافع ، كما مر في المسألة السابقة.

٢٧٨

في النية

قال رحمه‌الله : وتتعين عند الدفع ولو نوى بعد الدفع ، لم أستبعد جوازه.

أقول : تجب النية عند الدفع إلى الوالي أو المستحق ، مشتملة على الوجوب أو الندب ، وكونها زكاة مال أو فطرة أو صدقة ، والنية في الدفع إلى الوالي أو المستحق واحدة ، وهو ان يقول : (أخرج هذا القدر من زكاة مالي أو الزكاة لوجوبه قربة إلى الله) ، ولا يجب تعيين المال ، ولا يفتقر الساعي ولا الإمام إلى نية أخرى عند الدفع إلى الفقير بخلاف الوكيل فإن النية تجب عليهما معا ، فينوي المالك عند الدفع إلى الوكيل والوكيل عند الدفع إلى الفقير.

قال أبو العباس في لمعته : ويكفي المالك في الدفع إليه نية الوكالة ، كقوله : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة) ، أو يقول الوكيل : (انا وكيلك في إخراج هذا عنك من الزكاة) ، فيقول : (نعم).

قلت : فحينئذ يلزم من تحقق الوكالة في إخراج الزكاة تحقق النية من الموكل ، إذ لا تتحقق الوكالة إلا بما قاله رحمه‌الله فلا فائدة حينئذ في قولهم : ولو لم ينو الموكل حالة الدفع إلى الوكيل ، الا ان يقال : يتصور ذلك فيما إذا

٢٧٩

قال : (وكلتك في إخراج هذا القدر على الفقراء والمساكين) ، ولم يقل : (من زكاة مالي) فيخرجه الوكيل وينوي الزكاة.

والأحسن أن صورة النية في الدفع إلى الوكيل صورتها في الدفع إلى الوالي والمستحق ، لأن المالك مخير بين الدفع إلى الامام أو المستحق أو العامل أو الوكيل ، نص عليه صاحب القواعد ، فحينئذ تكون النية واحدة في الجميع ، فيقول عند الدفع إلى الوكيل : (اخرج هذا القدر من زكاة مالي لوجوبه قربة إلى الله) ، ثمَّ يقول : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة المالية أو الفطرة).

ومحلها مقارنة الدفع ، فان نوى بعده احتمل عدم الاجزاء لفوات محل النية ، والتحقيق الاجزاء مع بقاء العين أو تلفها وعلم الفقير بعدم النية لكونها باقية على ملكه مع وجودها ومضمونة مع تلفها ، وعدم الاجزاء مع التلف وعدم علم القابض بعدم النية ، لأنها غير مضمونة حينئذ ، لأنه قبضها صدقة ، والصدقة لا يتعقبها ضمان.

قال رحمه‌الله : ولو اخرج عن ماله الغائب ان كان سالما فبان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : (هذه زكاة مالي ان كان سالما) ، وكان سالما ، أجزأه ، وان كان تالفا لم يجز ان ينقله إلى زكاة غيره ، لأن وقت النية قد فاته ومذهب المصنف جواز النقل ، واختاره العلامة ، لأن الفقير لم يقبض ما أخذه زكاة ، بل قرضا ، لأن المالك نواه مع عدم وجوبه عليه ، فيبقى مستحقا له في يد الفقير ، فإذا نقله إلى زكاة غير ذلك المال أجزأ.

والتحقيق ان يقال : إما ان يكون المدفوع باقيا أو تالفا (فان كان باقيا

٢٨٠