(٣) المثال الثالث في معنى : الاستواء
(المثال الثالث) في قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) في سبع آيات من القرآن حقيقة عند جميع فرق الأمة إلا الجهمية ومن وافقهم ، فإنهم قالوا هو مجاز ثم اختلفوا في مجازه ، والمشهور عنهم ما حكاه الأشعرى عنهم وبدعهم وضللهم فيه بمعنى استولى أي ملك وقهر ، وقالت فرقة منهم بل معنى قصد وأقبل على خلق العرش ، وقالت فرقة أخري بل هو مجمل في مجازاته يحتمل خمسة عشر وجها كلها لا يعلم أيها المراد إلا أنا نعلم انتفاء الحقيقة عنه بالعقل ، هذا (الذي) قالوه باطل من اثنين وأربعين وجها :
(أحدها) إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله تعالى بلغتهم وأنزل بها كلامه (نوعان) مطلق ومقيد. فالمطلق ما لم يوصل معنا بحرف مثل قوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (القصص : ١٤) وهذا معناه كمل وتم ، يقال استوى النبات واستوى الطعام ، وأما المقيد فثلاثة أضراب (أحدها) مقيد بإلى كقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) البقرة : ٢٩) واستوى فلان إلى السطح وإلى الغرفة ، وقد ذكر سبحانه هذا المعدي بإلى في موضعين من كتابه في «سورة البقرة» في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (البقرة : ٢٩) والثاني في سورة «فصلت» : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصلت : ١١) وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف كما سنذكره ونذكر ألفاظهم بعد إن شاء الله (والثاني) مقيد بعلى كقوله : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) (الزخرف : ١٣) وقوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) (هود : ٤٤) وقوله : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) (الفتح : ٢٩) وهذا أيضا معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة (الثالث) المقرون بواو (مع) التي