وأما التحقيق فأن يكون أراد دواعي النفوس ، وشهواتها ، والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذّات ، أو الأسباب التي قلما تتآخذ في اتّباع الغيّ إلا أوان الصّبا.
فصل
في آراء للسكاكي في الحقيقة والمجاز
اعلم أن كلام السكاكي في هذا الباب ـ أعني باب الحقيقة والمجاز ـ والفصل الذي يليه ؛ مخالف لمواضع مما ذكرنا ؛ فلا بد من التعرض لها ، ولبيان ما فيها.
منها : أنه عرف الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع ، وقال : إنما ذكرت هذا القيد ـ يعني قوله من غير تأويل في الوضع ـ ليحترز به عن الاستعارة ، ففي الاستعارة تعدّ الكلمة مستعملة فيما هي موضوعة له على أصح القولين ولا نسمّيها حقيقة ، بل نسميها مجازا لغويا ؛ لبناء دعوى المستعار موضوعا للمستعار له على ضرب من التأويل كما مر.
ثم عرّف المجاز اللغويّ بالكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها ، مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع ، وقال : قولي «بالتحقيق» احتراز أن لا تخرج الاستعارة ، التي هي من باب المجاز ، نظرا إلى دعوى استعمالها فيما هي موضوعة له على ما مر.
وقوله : «استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها» بمنزلة قولنا في تعريف المجاز «في اصطلاح به التخاطب» على ما مر ؛ وقوله : «مع قرينة إلخ» احتراز عن الكناية كما تقدم.
وفيهما نظر لأن لفظ الوضع وما يشتق منه إذا أطلق لا يفهم منه الوضع بتأويل ، وإنما يفهم منه الوضع بالتحقيق ؛ لما سبق من تفسير الوضع ، فلا حاجة إلى تقييد الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التأويل وفي تعريف المجاز بالتحقيق ، اللهمّ إلا أن يراد زيادة البيان ، لا تتميم الحد.
ثم تقييد الوضع باصطلاح التخاطب ونحوه ، إذا كان لا بد منه في تعريف المجاز ، ليدخل فيه نحو لفظ «الصلاة» ـ إذا استعملها المخاطب بعرف الشرع في الدعاء مجازا ـ فلا بد منه في تعريف الحقيقة أيضا ، ليخرج نحو هذا اللفظ منه كما سبق ، وقد أهمله في تعريفها.
لا يقال : قوله في تعريفها «من غير تأويل في الوضع» أغنى عن هذا القيد ، فإن