نزاع.
وأمّا ما استند إليه من إطلاق الأخبار ، وكلماتِ علمائنا الأخيار ، فساقطٌ عن درجة الاعتبار ، لانصراف المجهول للمجهول الصرف ، الممتنع فيه المعرفة والاعتبار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار ، والله العالم العاصم من العثار.
الثالثة : أن يكون هذا المجهول لهما ممّا يتعذّر معرفته في الحال ، لكن يمكن معرفته في المآل ، بإِمكان الرجوع فيه إلى
فرضيّ ، أو عالمٍ بحقيقة الحال في مستقبل الأزمنة والأحوال ، مع مسيس الحاجة ، واقتضاء الضرورة النقل والانتقال.
ففي ( المسالك ) (١) و ( الرياض ) (٢) و ( الجواهر ) (٣) ، وعن ( الدروس ) (٤) و ( التنقيح ) (٥) : صحّة الصلح في هذا الحال ، نظراً لتعذّر العلم به حينئذٍ ، وفرض اقتضاء الضرورة له ، وانحصار الطريق فيه ، وإطلاق أدلة الصلح على المجهول ؛ إذْ الفرض تعذّر العلم به في هذا الحال.
فإنْ تمّ الإجماعُ ، وإلّا فلا يخلو من الإشكال ، إلّا مع التضرّر لهما بتعدّد أزمنة الاستقبال ، وندرة فرض الاستعلام على وجهٍ تحكم العادة فيه ببعد الاحتمال. لكن مقتضى القاعدة صحّة الصلح هنا ظاهراً لا باطناً ؛ لإمكان الاستعلام في ثاني الحال.
والعجب من بعض المحقّقين ، حيث ذكر أنّ صحّة الصلح استقربها جمعٌ من الأصحاب. ثمّ أورد في آخر كلامه أنّ الأصحاب حكموا بالصحّة هنا باطناً وظاهراً.
ولا يخفى ما فيه من الاستغراب. ولعلّ وجهه حصول الرضا باطناً منهما ، فيدخل تحت قوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٦) ولا يخفى ما فيه من عدم الانتهاض ، والله العالم.
الرابعة : أن يكونَ معلوماً عند مَنْ له الحقّ ، مجهولاً عند مَنْ هو عليه ، ولم يُعلمه به ، فصالحه الجاهل بأكثر ممّا هو له واقعاً ليتخلّص من دعواه.
__________________
(١) المسالك ٤ : ٢٦٣.
(٢) الرياض ٥ : ٤٢٦.
(٣) الجواهر ٢٦ : ٢١٧.
(٤) الدروس ٣ : ٣٣٠.
(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٢٠٢.
(٦) النساء : ٢٩.