وأمّا ثالثاً ؛ فلعدم المقتضي الفرق بين مشهور الفتوى والعمل ، وبين مشهور الرواية إذا كان كلّ منهما مطابقاً للدليل المعتبر من الكتاب والسنّة ، فإنّ كلّاً من الفتوى والعمل إذا كانا كذلك فَهُمَا فرعا الرواية ، فما يجري في الرواية يجري فيهما ، كما أنّها إذا لم تكن كذلك وجبَ ردّها ، وإنْ لم يكونا كذلك فلا يجوز الأخذ بهما ، سواء اشتهرا أو لا.
وقد عُلِم من طريقة علماء الإماميّة أنّهم لا يفتون إلّا بما أدّى إليه الكتاب والسنّة المعصوميّة ، طاوون كَشْحاً عن العمل والفتوى بالآراء والقياسات والاستحسانات الرديّة.
وأمّا رابعاً ؛ فلأنّ قوله عليهالسلام : « خذ ما اشتهر بين أصحابك » وصف لموصوف محذوف ، أي : خذ الحكم الذي اشتهر ، والتعليق بالوصف مشعر بالعليّة ، كما لا يخفى على ذي فكرة جليّة ، وهو يدلّ على أنّ علّة الأمر بالأخذ بذلك الحكم أنّما هو الاشتهار الداخل فيه قول المعصوم عليهالسلام ، فكلّما تحقّق في فتوًى أو عمل أُخذ به امتثالاً لأمر الإمام ؛ للاشتراك في العلّية وفقدان الخصوصيّة.
وأمّا خامساً ؛ فلأنّ مشهور الفتوى والعمل إذا لم يحصل في مستند غيره ما يقابله من صحّة الدليل ومقابلة إجماع مشهور أو محصّل ولم يحتمل ذلك احتمالاً مساوياً ، كان حجّة لا لمجرّد الشهرة ، بل مع حكم القرائن القطعيّة بعدم خروج قول الحجّة بحكم قطعي محصّل من قوله عليهالسلام : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » ، ومن إهماله الدليل الصارف عنه عند الحاجة إلى العمل الذي أُمر به مع أمره بالأخذ بهذا المشتهر ، وليس إلّا لعلمه بدخول قوله في جملة أقوال المشهور ، وإلّا لنصب الدليل الصارف عنه ولما أمر به ، وإلّا لكان مغرياً بالباطل ، وهو باطل.
وأمّا سادساً ؛ فلأنّ الرواية كثيراً ما يخالفها عمل راويها ، فإنْ كان لعدم صحّتها عنده أو وجود ما هو أصحّ منها لديه أو عدم معرفة الحكم منها ، فلا عبرة بروايته لها ، ولا يكون ذلك مرجّحاً ، وإنْ كانت عنده صحيحة سالمة من المعارض الأقوى فلا عبرة بروايته أيضاً ؛ لأنّه يصير حينئذٍ فاسقاً بتركه العمل بها مع وجود المقتضي وعدم