مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

ويمكن القول بالرابع [١] ، والأوجه الخامس [٢] ،

______________________________________________________

والتقصير. وكذا في ضمان المعاوضات ، فان ضمان كل من العوضين عند الفسخ لا يفرق فيه بين القصور والتقصير. وكذا الضمان بالتفريط في الأمانات لا يفرق فيه بين الأمرين ، فالتفصيل بين القصور والتقصير في الضمان وعدمه ضعيف جداً.

[١] لأن الحصة المسماة في العقد مستحقة للمالك بمقتضى العقد ، وقد فوتها عليه العامل ، فيضمنها له ، ولما لم يمكن ضبطها على وجه التحقيق انتقل إلى وجه التقريب والتخمين. وفيه : أن الحصة المستحقة إنما هي من الحاصل ، والمفروض عدمه ، فيبطل العقد ، لانتفاء موضوعه ، فيبطل أثره وهو الاستحقاق ، وليست هي في الذمة حتى تكون مضمونة.

[٢] لأن الحاصل لما كان نتيجة منفعة الأرض وعمل الزارع ، فنصفه نتيجة نصفهما ، وربعه نتيجة ربعهما ، فاذا كان للمالك حصة من الحاصل فهو نتيجة ما يملكه من حصة منفعة الأرض وعمل الزارع ، فلما فوتهما الزارع على المالك كان ضامناً لهما ، لا لأجرة المثل ، ولا للحصة من الزرع. وفيه : أن الذي تضمنه عقد المزارعة هو ملك مالك الأرض نفس الحصة من الزرع فقط في مقابل تمام منفعة الأرض ، أو في مقابل بذل الأرض ، وأما عمل الزارع فليس موضوعاً لعقد المزارعة ، إذ لا يستفاد من قولهم في شرح مفهوم المزارعة أنها المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها إلا ذلك ، فلا يملك مالك الأرض إلا الحصة الخاصة من الحاصل ، ولما تعذرت بطلت المزارعة وصارت كأن لم تكن ، وقد فاتت منفعة الأرض بيد العامل ، فيكون ضامناً لها ـ على ما ذكره المشهور ـ أولا ـ كما ذكر في الجواهر ـ على ما سبق ويأتي.

وكان الأقرب من هذا الوجه أن يقال : إن المزارعة مأخوذة من‌

٨١

وأضعفها السادس [١]. ثمَّ هذا كله إذا لم يكن الترك بسبب‌

______________________________________________________

الزرع ، فهي معاملة على الأرض على أن تزرع ، فيكون عوض بذل الأرض عمل الزارع ، وأما الحصة من الحاصل فهي من قبيل الشرط في المزارعة ، فيكون صاحب الأرض مالكاً على العامل العمل ، وهو الزرع فاذا لم يزرع يكون ضامناً لقيمة العمل المملوك عليه. وهذا الوجه أقرب عرفاً من الوجه الخامس ، ويكون وجهاً سابعاً.

لكن يشكل : بأن الأعمال المملوكة لا تكون مضمونة إذا فاتت ، ولذا ذكر المشهور أن الأجير إذا لم يعمل ما استؤجر عليه لم يستحق الأجرة ، ولم يذكروا أنه يستحق الأجرة ويستحق عليه المستأجر قيمة العمل. وكذا إذا شرط العمل في عقد لازم ففات الشرط ، ولم يكن للمشروط له ـ عند المشهور ـ مطالبة المشروط عليه بقيمة العمل ، وإنما يكون للمشروط له الفسخ لا غير ، فالأعمال إذا كانت في الذمة لا تكون مضمونة بقيمتها عند التعذر والفوات ، وإنما يستلزم ذلك الفوات إما بطلان العقد أو الخيار. وهذا الاشكال كما يجري على هذا الوجه يجري على الوجه الخامس ، فإنه لا يصح تضمين حصة من العمل بالقيمة. وسيأتي في المسألة الحادية عشرة من كتاب المساقاة ما له نفع في المقام.

[١] لأن مجرد ترك الفسخ عند اطلاع المالك على تمرد العامل عن العمل لا يوجب نسبة تفويت المنفعة إليه ، بل هل منسوب الى العامل لا غير. مع أنه قد لا يتمكن المالك من تدارك المنفعة بالفسخ ، لعدم وجود عامل آخر ، أو لوجود مانع من استعماله ومزارعته ، أو لغير ذلك.

فهذه الوجوه الأربعة الأخيرة كلها ضعيفة ، ويبقى الوجهان الأولان أولهما ـ المنسوب الى ظاهر الأصحاب ـ أقواهما ، إذ المزارعة إما أن تكون عبارة عن بذل الأرض في مقابل العمل أو بذل الأرض في مقابل الحصة‌

٨٢

______________________________________________________

من الزرع ، كما قد يظهر من الأصحاب ، وكيف كانت فهي معاوضة ، فإذا بطلت لعدم العمل أو لعدم الحصة كان موضوعها مضموناً بضمان المعاوضة ، وهو نوع آخر من الضمان ، لا يكون باليد ولا بالإتلاف. فإن المبيع مضمون على المشتري إذا قبضه فتلف ففسخ البيع ، وكذلك الثمن مضمون على البائع إذا قبضه فتلف ففسخ البيع ، وكذلك الحكم في سائر المعاوضات إذا وقع القبض ، فان القبض موجب للضمان عند بطلان المعاوضة وإن كان قبضاً لماله لا لمال غيره ، ومنها المقام ، فإن الأرض إذا قبضها العامل من المالك ليزرعها فلم يفعل ، مضمونة على العامل بعد انفساخ المزارعة بتعذر العمل أو بتعذر الحصة.

ونظير المقام : أن يدفع مالك الشبكة شبكته إلى الصياد ليصطاد بها ويكون الحاصل بينهما ، فيأخذها الصياد ولا يستعملها في الصيد ، فإنه أيضاً يكون ضامناً لمنفعة الشبكة.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما سبق نقله عن الجواهر من أن الرجوع إلى أجرة المثل مما لا يرجع إلى قاعدة ، لعدم العدوان في يده حتى يندرج في عموم : « على اليد .. » ‌، وعدم صدق إتلاف مال الغير ، لأنه بحكم ماله. إذ لا ينحصر الضمان بالسببين المذكورين ، بل يكون بسبب غيرهما كما في الضمان في المعاوضات التي تكون اليد فيها على مال نفسه والإتلاف لمال نفسه ، ومع ذلك يكون مضموناً عند الفسخ.

كما قد يرد الاشكال على التمسك على الضمان بقاعدة : ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، لكون الظاهر اختصاصها بالفاسد من أول الأمر فلا تشمل ما طرأ عليه الفساد كما نحن فيه.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن المزارعة معاوضة قائمة ببذل الأرض في مقابل العمل أو في مقابل الحصة. ( الثاني ) :

٨٣

عذر عام ، وإلا فيكشف عن بطلان المعاملة [١]. ولو انعكس المطلب ، بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ [٢] ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصته من منفعة الأرض [٣] ، أو ما يعادل حصته من الحاصل بحسب‌

______________________________________________________

أن تعذر العمل يوجب بطلان المزارعة ، لفوات العوض. كما أن تعذر العمل في الإجارة يوجب بطلان الإجارة. ( الثالث ) : أن الضمان لا ينحصر باليد والإتلاف ، بل يكون بغيرهما ، كالمعاوضة. ( الرابع ) : أن العمل لا يكون مضموناً بمثله أو قيمته ، والضمان يختص بالمنافع والأعيان.

( الخامس ) : أنه لا فرق في أسباب الضمان بين الاختيار واللااختيار.

( السادس ) : اختصاص قاعدة : ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، بالفاسد من أول الأمر.

[١] لفوات شرط إمكان الانتفاع بالأرض الذي تقدم أنه من شرائط الصحة. ثمَّ إن المصنف لم يتعرض للضمان في هذه الصورة ، ولعله لوضوح عدم الضمان ، لعدم منفعة الأرض لتكون مضمونة. لكن يختص ذلك بما إذا لم يمكن الانتفاع بالأرض من وجه آخر غير الزراعة ، أما إذا كان يمكن الانتفاع بها في غير الزراعة فاللازم البناء على الضمان ، كما في المقبوض بالإجارة الفاسدة. اللهم إلا أن يكون إقدام مالك الأرض على إهمال تلك المنافع مانعاً عن ضمانها.

[٢] لأن التسليم وإن لم يكن قوام المزارعة ، إذ هي قائمة بين بذل الأرض ، وعمل الزارع والحصة ، والتسليم أمر آخر ، لكن مبنى المزارعة عليه ، فهو شرط ارتكازي زائد على مفهومها ، فمع تخلفه يكون الخيار في الفسخ.

[٣] فيه : أن الزارع لم يملك شيئاً من منفعة الأرض ، لعدم اقتضاء‌

٨٤

التخمين [١] ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه [٢]. أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأول ، بدعوى الفرق بينهما [٣] ، وجوه.

______________________________________________________

عقد المزارعة ذلك ، وإنما يملك بذل الأرض للزراعة.

[١] وفيه : أن ضمان الحصة من الحاصل موقوف على ملكها ، وملكها موقوف على وجود الحاصل ، والمفروض انتفاؤه ، كما سبق نظيره.

[٢] قد عرفت أن العذر وعدمه لا فرق بينهما في الضمان وعدمه ، وإنما الفرق بينهما في الإثم وعدمه. ولم يتعرض المصنف رحمه‌الله لكيفية الضمان بناء على التفصيل المذكور ، وأن الضمان على النحو الأول أو الثاني أو نحو آخر ، والمظنون أن الضمان حينئذ لأجرة مثل العمل.

[٣] قال في الجواهر هنا في ذيل المسألة السابقة : « بل عده الضمان فيه ( يعني : في مقامنا ) أولى ، لعدم صيرورة منفعة الأرض ملكاً له بعقد المزارعة ، حتى تكون يد المالك عليها عادية يترتب عليها الضمان ». يعني : أنه يمكن في المسألة السابقة أن تقول : بأن عمل الزارع مملوك لمالك الأرض فتفويته على المالك يوجب ضمانه ، وفي هذه المسألة لا يمكن القول بأن منفعة الأرض مملوكة للزارع ، حتى تكون مضمونة على المالك باليد العادية. هذا وقد عرفت أن الضمان في المسألة السابقة لم يكن من جهة أن عمل الزارع مملوك للمالك وقد فوته ، لما عرفت من أن الأعمال لا تكون مضمونة ، وإنما كان الضمان ضمان المعاوضة وفي المسألتين على نهج واحد ، فان بذل الزارع نفسه للعمل جرياً على مقتضى العقد بمنزلة استيفاء عمله ، فيكون مضموناً على المبذول له ، نظير ما لو استأجره على عمل بأجرة ، فبذل العامل نفسه للعمل ، فلم يستوفه المالك ، ثمَّ طرأ الفسخ ، فان عمل الأجير مضمون على المستأجر ، كالإجارة الصحيحة. فالأقوى في المقام أن يكون‌

٨٥

( مسألة ٨ ) : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فان كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخير بين الفسخ وعدمه [١] ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن الغاصب تمام منفعة الأرض‌

______________________________________________________

المالك ضامناً لعمل الزارع بأجرة المثل ، كما سبق. نعم بناء على ما اختاره المصنف (ره) من كون الضمان في المسألة السابقة من جهة أن المالك يملك حصة من منفعة الأرض وحصة من عمل العامل ، وقد فوتها العامل على المالك ، فالوجه المذكور غير آت هنا ، لأن العامل لا يملك حصة من منفعة نفسه ، فلا يضمنها له المالك. ولذا ذكروا أن منافع الحر لا تضمن. نعم يملك حصة من منفعة الأرض ، وقد فوتها عليه المالك ، فيضمنها ، فيختص الضمان بحصة من منفعة الأرض ، ولا يكون بحصة من منفعة العامل. فالفرق بين المسألتين يكون في عموم الضمان وخصوصه. ولا وجه للتوقف من المصنف في أصل الضمان. والذي يتحصل أنه بناء على الضمان بنحو الوجه السابع ـ الذي ذكرناه سابقاً ـ فالفرق بين المسألتين بالضمان وعدمه في محله ، وبناء على الضمان على الوجه الخامس فالفرق يكون بعموم الضمان وخصوصه ، وبناء على الضمان بالمعاوضة فلا فرق بين المسألتين في ثبوت الضمان.

[١] لما سبق من أن مبنى المزارعة على تسليم الأرض ، فهو شرط زائد على قوامها ، فاذا فات كان للمشروط له الخيار ، فان فسخ كان أجنبياً عن المعاملة ، ولم تجر له الأحكام الآتية ، وأن لم يفسخ كان محكوماً بالأحكام الآتية. لكن بناء على ما هو التحقيق من أنه لا ضمان بالنسبة إلى العامل ـ كما يأتي ـ لا فرق بين الفسخ وعدمه ، وحينئذ يبطل أثر العقد قهراً ، فيكون انفساخاً للعقد.

٨٦

في تلك المدة للمالك فقط [١] ، أو يضمن له بمقدار حصته ـ من النصف أو الثلث ـ من منفعة الأرض ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصته من عمل العامل ، حيث فوته عليه [٢] ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصته من منفعة الأرض [٣]؟ وجهان [٤]. ويحتمل ضمانه لكل منهما ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين [٥].

( مسألة ٩ ) : إذا عين المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما ـ تعين ولم يجز للزارع التعدي‌

______________________________________________________

[١] لأن منفعة الأرض باقية على ملك المالك ، وقد فاتت في يد الغاصب العادية ، فتكون مضمونة للمالك. ( ودعوى ). أن منفعة الأرض صارت مملوكة للعامل ، كما أن منفعة العامل صارت مملوكة لصاحب الأرض ( ممنوعة ) والقدر الثابت لزوم بذل الأرض للعامل ، لا تمليكه منفعة الأرض ـ كما سبق وسيأتي في المسألة الخامسة عشرة ـ فالعامل له أن ينتفع بالأرض ، لا أنه يملك منفعة الأرض ، لا تماماً ولا بمقدار الحصة المعينة له.

[٢] لا دليل على الضمان بهذا التفويت ، فان من حبس إنساناً فقد فوت عليه الانتفاع بداره وبدابته وبالآلات التي يستعملها. والحابس لا يضمن شيئاً من هذه المنافع التي فوتها عليه ، لا شرعاً ولا عرفاً.

[٣] لم يضف إليها حصته من منفعة نفسه ، لأن منافع الحر لا تضمن لأنها غير مملوكة له.

[٤] أقواهما الأول ، كما عرفت. وكان المناسب لاختيار المصنف (ره) القول الخامس في المسألة السابقة اختياره الوجه الثاني هنا ، ولا وجه للتوقف‌

[٥] قد عرفت إشكاله في المسألة السابقة.

٨٧

عنه [١] ، ولو تعدى إلى غيره ذهب بعضهم [٢] إلى أنه إن كان ما زرع أضر مما عينه المالك كان المالك مخيراً بين الفسخ وأخذ أجرة المثل للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضر ، وإن كان أقل ضرراً لزم وأخذ الحصة منه. وقال بعضهم [٣] : يتعين أخذ أجرة المثل للأرض مطلقاً ، لأن ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلا يجوز أخذ الحصة منه مطلقاً [٤]. والأقوى أنه إن علم‌

______________________________________________________

[١] قطعاً ، كما في الجواهر ، وفي الرياض : أنه لا خلاف فيه ، وعن الغنية : أنه إجماع. ويقتضيه عموم الوفاء بالعقد والشرط.

[٢] قال في الشرائع : « ولو زرع ما هو أضر والحال هذه كان للمالك أجرة المثل إن شاء أو المسمى مع الأرش ، وان كان أقل ضرراً جاز » ونحوه عن التذكرة والتحرير واللمعة. وفي القواعد : « فان زرع الأضر فللمالك الخيار بين المسمى والأرش وبين أجرة المثل ، ولو زرع الأخف تخير المالك بين الحصة مجاناً وأجرة المثل » فلم يفرق بين الأضر والأخف في الخيار بين المسمى وأجرة المثل ، وفي مفتاح الكرامة : أنه من منفردات القواعد. وكأنه لذلك لم يتعرض له المصنف ، كما أنه في الشرائع والقواعد وغيرهما لم يتعرض لحكم المساوي ضرراً ، وكان اللازم التعرض له كغيره. اللهم إلا أن يكون ذكر الأرش في الأضر بالخصوص يقتضي إلحاق المساوي بالأخف.

[٣] يشير إلى ما في جامع المقاصد والمسالك ، وعن الروضة ومجمع البرهان ، حيث حكموا بأجرة المثل في جميع صور التعدي.

[٤] هذا مذكور في المسالك. وأما المذكور في جامع المقاصد فهو‌

٨٨

أن المقصود مطلق الزرع وان الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض [١] وترك ما يوجب ضرراً فيها يمكن أن يقال إن الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضر وتعين الشركة في صورة كونه أقل ضرراً. لكن التحقيق مع ذلك خلافه. وإن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر وكثرته ، فاما أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية [٢] ، أو يكون على وجه تعدد المطلوب‌

______________________________________________________

التعليل بأن المزروع غير معقود عليه ، والحصة المسماة إنما هي من غيره ، فكيف تجب الحصة منه؟ .. إلى أن قال : « فالأصح حينئذ وجوب أجرة المثل ». وظاهره أن المانع ليس مجرد المخالفة ، وإنما المانع أن الحصة المجعولة للمالك إنما هي مما عينه ، وهي متعذرة فيتعين الرجوع إلى أجرة المثل.

[١] هذا ذكره في جامع المقاصد ، وأشكل عليه. والأولى في الاشكال عليه أن يقال : إن تعيين زرع بعينه إن كان دخيلا في المزارعة كان قيداً ، وتركه يوجب البطلان ، لفوات المقيد بفوات قيده ، وإن كان أجنبياً عن المعاملة فلا يوجب الخيار. فالجمع بين المسمى والخيار غير ممكن. إلا أن يكون التقييد بنحو تعدد المطلوب ، وسيأتي. ولعله إلى ذلك أشار المصنف (ره) بقوله : « لكن التحقيق .. ». لكن لا يتناسب قوله هذا مع قوله سابقاً : « والأقوى أنه إن علم .. » ، فإنه كيف يكون أقوى مع أنه خلاف التحقيق؟!.

[٢] المقابلة بين الأمرين غير ظاهرة ، وقد سبقه إلى ذلك في الجواهر فجعل القيود على قسمين : منوع وشرط ، والأول فواته يوجب البطلان ، والثاني فواته يوجب الخيار ، والمقام من الثاني ، لأن حقيقة المزارعة ليست إلا زرع الأرض بحصة من حاصلها كائناً ما كان الحاصل ، وإنما يذكر‌

٨٩

______________________________________________________

التعيين من الشرط ، لا أنه منوع للمزارعة .. وهو كما ترى ، فان الخصوصيات المقومة للمزارعة التي هي داخلة في قوامها ـ من زارع ومزروع ومكان الزرع وزمانه ـ لا بد أن تكون قيوداً لموضوع المزارعة ، ويمتنع أن تكون شروطاً لها مجعولة بجعل مستقل ، لأنها عينية غير قابلة للجعل المختص بالأمور الاعتبارية

اللهم إلا أن يكون المراد من الشرط ما يرادف القيد لا ما يقابله ، كما يستعمل بهذا المعنى في مقابل الجزء ، فيقال أجزاء الصلاة وشرائطها ، وحينئذ يكون وجه المقابلة بين القسمين أن المنوع هو القيد على نحو وحدة المطلوب والثاني هو القيد على نحو تعدد المطلوب. لكن القسم الثاني مجرد فرض لا خارجية له. ولذا كان بناء الفقهاء ( رض ) على وحدة المطلوب في باب الوكالة والعارية والوديعة والإجارة وغيرها من المفاهيم المقيدة ، فلو وكل شخصاً على شراء عبد فاشترى جارية لم يحتمل أحد الصحة من باب تعدد المطلوب ، وكذا إذا استأجره على أن يصلي عن زيد فصلى عن عمرو فإنه لا مجال لاحتمال الصحة لتعدد المطلوب .. وهكذا ، فكذا في المقام.

وهذه كقاعدة مطردة في جميع العقود الواردة على المفاهيم الذهنية ، فإنه لا مجال للقول بكونها بنحو تعدد المطلوب ، سواء كان التعبير بقوله : وكلتك على شراء العبد ، أم : وكلتك على شراء مملوك ولا بد أن يكون عبداً ، أو عليك أن تشتريه عبداً ، وكذا مثل : استأجرتك أن تخيط هذا الثوب بخيط إبريسم ، أو : وعليك أن تخيطه بخيط إبريسم ، فإن الجميع من باب التقييد بنحو وحدة المطلوب ، فيختص تعدد المطلوب بالقيود للموضوعات الخارجية ، مثل موارد خيار الاشتراط وخيار العيب وخيار الرؤية في البيع أو في الإجارة ، ونحو ذلك.

بل تقدم في بعض المباحث السابقة أن تعدد المطلوب في موارد الخيارات ليس على نحو الحقيقة ، بأن يكون هناك غرضان أحدهما قائم بالمقيد والآخر قائم بالمطلق ، بل المراد منه تعدد المطلوب حكماً فتجري‌

٩٠

والشرطية ، فعلى الأول إذا خالف ما عين فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلا [١] حتى انقضت المدة ، فيجري فيه الوجوه الستة المتقدمة في تلك المسألة [٢] ، وأما بالنسبة إلى الزرع الموجود فان كان البذر من المالك فهو له ، ويستحق العامل أجرة عمله ، على إشكال في صورة عمله بالتعيين وتعمده الخلاف ، لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله [٣]. وإن‌

______________________________________________________

عند العرف أحكام تعدد المطلوب وإن لم يكن إلا مطلوب واحد ، كما يظهر من ملاحظة كثير من الموارد التي يكون فيها خيار الرؤية والاشتراط والعيب ، وكذلك خيار تبعض الصفقة ، فإنه وإن لم يكن لأجل تخلف القيد ، بل لأجل تخلف ما يشبه القيد ، لكنهم ذكروا في تصحيحه أنه من باب تعدد المطلوب ، ولم يريدوا أنه من ذلك الباب على الحقيقة ، ضرورة أنه قد لا يكون للمشتري أقل مطلوب في بعض الصفقة ، وإنما المطلوب في مجموع الصفقة ، فإن من اشترى باباً وتبين أن أحد مصراعيه لغير البائع صح البيع في المصراع الآخر ، وليس للمشتري أقل مطلوب فيه ، وإنما مطلوبه في تمام المصراعين ، فالمراد من تعدد المطلوب فيه الحكمي لا الحقيقي ، فتجري أحكام التعدد حتى مع وحدة المطلوب على الحقيقة.

[١] لأنه ترك ما عينه له وزرع غير ما عينه المالك.

[٢] قد عرفت أن الصحيح هو الوجه الأول منها في تلك المسألة ، وكذا هنا ، وهو الذي اختاره الجماعة هناك وهنا.

[٣] كأنه يريد بهذا التعليل ما ذكره مكرراً في الإجارة والمضاربة وغيرها من أن العامل إذا كان يعلم بعدم استحقاق الأجرة شرعاً لا يستحق شيئاً ، لأنه إقدام منه على هتك حرمة عمله ، وقد تكرر دفع الاشكال المذكور بأن العلم بعدم الاستحقاق شرعاً لا يقتضي الإقدام على المجانية وهتك‌

٩١

كان البذر للعامل كان الزرع له ويستحق المالك عليه أجرة الأرض [١] مضافاً الى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة [٢] ولا يضر استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرتين على‌

______________________________________________________

حرمة عمله. وكان الأولى له الإشكال بأن استحقاق الأجرة يتوقف على كون العمل بأمر المالك ، أما إذا لم يكن بأمره فلا وجه للاستحقاق وإن كان جاهلا بالتعيين فخالف فضلا عما إذا كان عالماً بالتعيين ، لأن العمل باعتقاد أمر إنسان لا يقتضي ضمان ذلك الإنسان ، فكذا في المقام ، فان زرع حب صاحب الأرض بغير إذن منه ولا دعوة منه لا يقتضي استحقاق الزارع أجرة عمله. نعم إذا كان بأمر من المالك ـ ولو بتوسط عقد باطل ـ كان موجباً للاستحقاق وإن كان عالماً بالبطلان ، على إشكال من المصنف في ذلك الذي قد تكرر ذكره غير مرة وذكر الجواب عنه كما عرفت. والمقام نظير ما إذا استأجره بدينار ليصلي عن زيد فصلى عن عمرو ، فإنه لا يستحق الأجرة المسماة ولا أجرة المثل.

ثمَّ إن مقتضى ما ذكرنا كونه ضامناً للبذر إذ تصرف فيه بغير إذن المالك ، إلا إذا كان المالك قد أعده للزرع ، فان زارعه يعد محسناً ، فلا يكون ضامناً ، إذ ما على المحسنين من سبيل. وحينئذ لا يكون ضامناً لأجرة الأرض ، لأنه استوفى المنفعة لمصلحة المالك ، فضمان البذر يلازم ضمان الأرض.

[١] لاستيفائه منافعها.

[٢] قد عرفت ضعف الوجوه المتقدمة عدا الأول منها ، وهو وارد في المقام ، لأنه في المقام قد ترك زرع ما عينه المالك الذي هو موضوع المسألة السابقة.

٩٢

ما بيناه في محله ، لأنه من جهتين [١] وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضاً [٢].

______________________________________________________

[١] يعني من جهة بطلان المعاوضة بترك ما عينه المالك ، فتكون العين مضمونة بضمان القبض بالمعاوضة المقتضي لضمان منافعها بأجرة المثل ، ومن جهة أنه قد زرعها بما لم يأذن به المالك ، فيكون قد استوفى منفعتها فتكون أيضاً مضمونة. ومقتضى ذلك أن يكون الغاصب للأرض إذا زرعها ضمن أيضاً من وجهين : ضمان اليد العادية للعين بمنافعها ، واستيفائه منفعتها. ولا يلتزم به أحد » بل هو خلاف ظاهر صحيح أبي ولاد (١) الوارد فيمن اكترى بغلا من الكوفة إلى قصر بني هبيرة ، فتجاوز فسافر إلى النيل ثمَّ إلى بغداد ثمَّ إلى الكوفة .. ، حيث حكم الامام (ع) بضمانه أجرة البغل من القصر إلى النيل ومن النيل إلى بغداد ومن بغداد إلى الكوفة ، ولم يحكم بأجرة أخرى للبغل. وهو الذي تقتضيه الارتكازيات العرفية العقلائية.

ولا مجال لمقايسة المقام بباب الإجارة. فإن المستأجر إذا تعدى عما أذن له به المالك لا يكون ذلك مبطلا للإجارة ، فاستحقاقه الأجرة بالعقد بحاله ، فيمكن أن يقال بوجود سبب آخر للضمان وهو التصرف العدواني أما في المقام فعقد المزارعة باطل بترك العمل ، فيكون الضمان باليد ، ومع الضمان بها لا ضمان آخر باستيفاء المنفعة ، كما ذكرنا ذلك في الغاصب الذي قيل إنه يؤخذ بأشق الأحوال ، فحمل المقام على الإجارة في غير محله. نعم بناء على صحة المزارعة وضمان العامل قيمة الحصة بمقتضى العقد يمكن دعوى الضمان ثانياً بسبب العدوان ، نظير الإجارة.

[٢] قد تقدم في الإجارة التعرض لتحقيق ذلك. ويمكن أن نقول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كتاب الإجارة حديث : ١.

٩٣

______________________________________________________

هنا : بأن الأجرة في مثل إجارة الدابة للركوب وإجارة الدار للسكنى ليست في مقابل المنفعة الخارجية ـ أعني الركوب والسكنى ـ ضرورة استحقاق المالك للأجرة وإن لم يتحقق الركوب والسكنى ، بل هي في مقابل معنى قائم في الدابة والدار حصل الركوب والسكنى أم لم يحصلا. وحينئذ فاشتراط الركوب في الدابة أو اشتراط عدم تحميلها حديداً ، واشتراط السكنى في الدار أو اشتراط عدم إخلائها ، يكون شرطاً خارجاً عن قوام الإجارة كسائر الشروط في العقود يكون ترك العمل به موجباً للخيار ، لا أنه شرط مقوم للعقد أو شرط لما هو في قوام العقد فيكون قيداً من قيود العقد ، وإلا لزم من فواته بطلان العقد ، وهو خلاف المبنى ، لما عرفت من أن ترك ركوب الدابة لا يوجب بطلان العقد ، بل الأجرة مستحقة على المستأجر وإن لم يركب الدابة أو يسكن الدار. فلما كان الشرط المذكور ـ وجودياً كان ، كما إذا اشترط سكنى الدار ، أو عدمياً ، كما إذا اشترط أن لا يحمل الدابة حديداً ـ شرطاً زائداً على مفاد العقد كان موجباً للخيار ، فان فسخ المالك استحق أجرة المثل ، وإن أمضى العقد استحق الأجرة المسماة ، فلا وجه حينئذ لاستحقاق أجرة المثل والمسماة معاً ، كما اختاره المصنف (ره) وتفرد به. وكذلك الكلام فيما إذا استأجر أجيراً وشرط عليه أن يكتب فاشتغل بالخياطة ، فإنه أيضاً يكون للمستأجر الخيار ، فإن أمضى العقد استحق الأجير الأجرة المسماة وكان للمستأجر أجرة الخياطة ، وإن فسخ العقد لم يستحق الأجير شيئاً ، بخلاف ما إذا استأجره للكتابة ، فإنه إذا ترك الكتابة بطل العقد ، لأن الكتابة الخارجية أخذت عوضاً عن الأجرة ، فإذا انتفت انتفت الأجرة وبطل العقد.

والمتحصل مما ذكرنا : أن قول المالك : آجرتك الدابة بشرط أن لا تحملها حديداً ، لم تجعل فيه الأجرة في مقابل المنفعة الخارجية المضادة‌

٩٤

وعلى الثاني [١] يكون المالك مخيراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلف شرطه ـ فيأخذ أجرة المثل للأرض ، وحال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر [٢] ـ وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصته من الزرع الموجود بإسقاط حق شرطه ، وبين أن لا يفسخ ولكن لا يسقط حق شرطه أيضاً [٣] بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستة المتقدمة. ويكون‌

______________________________________________________

لتحميلها الحديد ، بل جعلت الأجرة في مقابل المعنى القائم بالدابة ، سواء حصل الركوب أو تحميل الحديد أم لم يحصلا فيكون شرط الركوب ، أو عدم تحميل الحديد من قبيل الشرط الزائد على ما هو قوام العقد ، فيكون ترك العمل به موجباً للخيار.

[١] يعني : لوحظ التعيين على وجه الشرطية.

[٢] يعني : فإذا كان البذر للمالك كان الحاصل له. ولكن يستحق عليه العامل أجرة العمل هنا وإن لم نقل بالاستحقاق في المسألة السابقة ، لأن التصرف في هذه المسألة بإذن المالك ، وعلى هذا لا وجه لاستحقاق المالك عليه أجرة المثل للأرض ، لأنه لم يستوف منفعة الأرض لنفسه ، وإنما استوفاها للمالك ، فلا موجب للضمان كما ذكرنا ذلك في الفرض السابق. نعم إذا كان البذر للعامل كان للمالك عليه أجرة المثل.

[٣] يعني يطالب بشرطه ، بأن يطالب العامل بضمان التصرف غير المأذون فيه. ويشكل : بأنه لم يظهر خصوصية للشرط في المقام يمتاز بها عن سائر الشروط ، فان أحكامها مجرد الخيار عند فوات الشرط ، فلم صار حكم الشرط في المقام أنه يجوز للمشروط له عدم إسقاطه والمطالبة بالضمان؟! وكيف يصح الضمان والتغريم مع اعتراف المالك بأن التصرف كان عن إذن منه وصحة العقد؟! نعم ذكروا جواز مطالبة المالك بالأرش في خيار العيب ،

٩٥

حال الزرع الموجود كما مر من كونه لمالك البذر [١].

( مسألة ١٠ ) : لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله بعلاج ـ من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ـ فان كان الزارع عالماً بالحال صح ولزم [٢] ، وإن كان جاهلا كان له خيار الفسخ [٣]. وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها [٤]. وأما لو لم يمكن التحصيل في الصورة الأولى أو القطع في الثانية كان باطلا [٥] سواء كان‌

______________________________________________________

وقال بعض تجوز المطالبة بالأرش في شرط البكارة وشرط الختان ، وهو إن ثبت فغير ما نحن فيه. ثمَّ على تقدير المطالبة بحق الشرط كيف تحقق أن غرامته تكون بالضمان على أحد الوجوه السابقة.

وكان الاولى للمصنف أن يدعي بأنه يجوز للمشروط له المطالبة بشرطه وضمانه على المشروط عليه بقيمته ، لأنه فوته على مالكه ، فإنه أبعد عن الاشكال. وإن كان هو أيضاً محل إشكال ، فإن الشروط الإيجابية من قبيل الأعمال ، وهي غير مضمونة ، كما عرفت في المسألة السابعة.

[١] يشكل ما ذكره : بأنه مخالف لمقتضى العقد الذي لم يفسخ ، فان مقتضاه كون الحاصل بينهما ، فما الذي دعا إلى مخالفة مقتضى العقد؟ والمتحصل مما ذكرناه : أنه إن فسخ وإن كان البذر للمالك كان الزرع له وعليه أجرة العمل للزارع وإن كان البذر للزارع كان الزرع له وعليه أجرة المثل للمالك.

[٢] كما يقتضيه إطلاق الأدلة.

[٣] لما في ذلك من الضرر عليه.

[٤] إذ لا فرق بين الابتداء والاستدامة.

[٥] لما عرفت في الشرط السابع من شرائط المزارعة.

٩٦

الزارع عالماً أو جاهلا. وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه. وربما يقال بالصحة مع علمه بالحال [١]. ولا وجه له [٢] وإن أمكن الانتفاع‌

______________________________________________________

[١] القائل الفاضلان في ظاهر الشرائع حيث قال : « ولو زارع عليها أو آجرها للزراعة ولا ماء لها مع علم المزارع لم يتخير ، ومع الجهالة له الفسخ » ، وفي ظاهر القواعد حيث قال : « ولو زارعها أو آجرها ولا ماء لها تخير مع الجهالة لا مع العلم » ونحوه عن التذكرة ، وعن الإرشاد : « ولو زارع على ما لا ماء لها بطل إلا مع علمه » ، وظاهره التفصيل بين العلم فيصح والجهل فيبطل.

[٢] لما عرفت من أنه خلاف ما ذكر في الشرط السابع. ولعل مراد الشرائع والقواعد والتذكرة صورة ما إذا لم يكن للأرض ماء فعلي وأمكن تحصيله بحفر ونحوه مما يوجب صعوبة غير معتادة ، كما ذكره المصنف في أول المسألة.

لكن قال في المسالك : « وربما تكلف للجمع بين الحكمين بحمل هذا التخيير على ما لو كان للأرض ماء يمكن الزرع والسقي به ، لكنه غير معتاد من جهة المالك ، بل يحتاج معه إلى تكلف من إجراء ساقية ونحوه ، والمنع على ما لو لم يكن لها ماء. وهو جيد لو ثبت أن مثل هذا القدر يوجب التخيير وأن الإطلاق يقتضي كون الماء معتاداً بلا كلفة. إلا أن إطلاق كلامهم يأباه. فإنهم اقتصروا في الحكم بالجواز على إمكان السقي بالماء من غير تفصيل وفي التخيير على عدم الإمكان .. » وفيه : أنه يكفي في التخيير قاعدة الضرر ونحوها مما يرفع اللزوم ، وهو محمل كلامهم في التخيير واقتصارهم في الحكم بالجواز على إمكان السقي بالماء من غير تفصيل لا ينافي وقوع التفصيل في اللزوم والخيار وإن صح العقد في المقامين ، ويحمل‌

٩٧

بها بغير الزرع لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع [١]. نعم لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحة لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلا أن يكون على وجه التقييد فيكون باطلا أيضاً.

( مسألة ١١ ) : لا فرق في صحة المزارعة [٢] بين أن يكون البذر من المالك أو العامل [٣] أو منهما.

______________________________________________________

حكمهم بالتخيير على عدم الإمكان الفعلي مما يوجب الضرر والمشقة حصول الماء الكافي.

[١] فيكون المراد من قوله سابقاً : « استأجر أرضاً للزراعة » أن يكون الداعي الزراعة.

[٢] قال في الشرائع : « إذا كان من أحدهما الأرض حسب ومن الآخر البذر والعمل والعوامل صح بلفظ المزارعة ، وكذا لو كان من أحدهما الأرض والبذر ومن الآخر العمل ، أو كان من أحدهما الأرض والعمل ومن الآخر البذر ، نظراً إلى الإطلاق ». قال في الجواهر : « جميع الصور المتصورة في هذه الأربعة كلاً أو بعضاً بين الزارع والمزارع جائزة ، نظراً إلى العموم والإطلاقات بلا خلاف أجده في شي‌ء منها عندنا. بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ». وذكر نحو ذلك في الحدائق وبعد ما ذكر ذلك قال : « وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال فيما إذا كان عقد المزارعة بين اثنين خاصة ، فإنه لا خلاف في الصحة ».

[٣] هذه الصورة متيقنة من النصوص التي هي الأصل في المزارعة وهي ما ورد في مزارعة النبي (ص) لأهل خيبر. والظاهر أن البذر منهم ـ كما صرح به جماعة ـ بل هو صريح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وسألته عن المزارعة فقال : النفقة منك والأرض‌

٩٨

ولا بد من تعيين ذلك [١] ، إلا أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه الإطلاق. وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل. وكذا لا يلزم أن يكون‌

______________________________________________________

لصاحبها فما أخرج الله من شي‌ء قسم على الشطر وكذلك أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبيراً حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (١). والصورة الأولى تستفاد من خبر إبراهيم الكرخي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أشارك العلج ( المشرك خ ل ) فيكون من عندي الأرض والبقر والبذر ، ويكون على العلج القيام والسقي ( والسعي خ ل ) والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً وتكون القسمة فيأخذ السلطان حقه ( مثله خ ل ) ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي ، قال : لا بأس بذلك » (٢) ‌لكن ليس في الرواية أنها مزارعة ، ومجرد الصحة أعم من ذلك. وفي جامع المقاصد : جعل الصورة الأخيرة صحيحة عندنا. لكن الكلام في كونها مزارعة. وقد تقدم ما في الشرائع من الاستدلال بالإطلاق ، وكذا ما في الجواهر. والمراد من الإطلاق إن كان إطلاق المزارعة فغير ثابت ، وإن كان إطلاق صحة العقود فهو وإن كان يقتضي الصحة ، لكنه لا يقتضي كونها مزارعة ، بل ظاهر صحيح يعقوب أن المزارعة خصوص الصورة الثانية لا غير ، فهي تقيد الإطلاق إن ثبت.

[١] إذ لو لا التعيين امتنع كل منهما عن أدائه فتقف المعاملة ويفوت الغرض منها. وفي الجواهر احتمل لزوم التعيين وإلا بطل العقد للغرر ، واحتمل كونه على العامل لصحيحة يعقوب ، فإنها كالأصل الشرعي في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

٩٩

تمام العمل على العامل فيجوز كونه عليهما. وكذا الحال في سائر المصارف. وبالجملة هنا أمور أربعة [١] : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصح أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الأخر البقية ، ويجوز أن يكون من كل منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقية ، كما يجوز الاشتراك في الكل فهي على حسب ما يشترطان. ولا يلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة‌

______________________________________________________

ذلك. ويشكل الوجه الأول : بأنه لا دليل على بطلان ما فيه الغرر كلية ، والثاني : بأن الصحيحة واردة في مقام التحديد الواقعي فإن عمل بها لزم كونه على العامل دائماً ، وإلا أجمل المراد منها ، وحملها على أنها كالأصل الشرعي ـ كما ترى ـ غير ظاهر.

[١] قال في الحدائق : « وبالجملة فإن هنا أموراً أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل. والضابط أن الصور الممكنة في اشتراك هذه الأربعة بينهما كلا أو بعضاً جائزة ، لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض ذلك بخصوصه من أحدهما ». لكن الإطلاق المذكور يتوقف على صدق المزارعة على الجميع ، وهو غير ظاهر ، بل عرفت أن ظاهر صحيح يعقوب خلافه. نعم في موثق سماعة : « سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر والبقر ، ويكون الأرض والماء والخراج والعمل على العلج. قال : لا بأس به » (١). لكنه ليس وارداً في مقام بيان مفهوم المزارعة ، فلا يعارض غيره. ولذلك يشكل ما في الحدائق فإنه بعد ما ذكر روايات يعقوب وإبراهيم وسماعة المذكورة قال : « والظاهر من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو ما قدمنا من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

١٠٠