مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

لعموم أدلة الشروط. والظاهر جواز اشتراط شي‌ء لكل منهما [١] ، كما إذا قال الضامن : « إنا ضامن بشرط أن تخيط‌

______________________________________________________

الحقوق أو من الأحكام ، فعلى الأول يجوز الشرط ، وعلى الثاني لا يجوز ، لأنه مخالف للكتاب. والمرتكزات العرفية تقتضي الأول ، وهو ظاهر المانعين ، فإن العلامة في التذكرة علل المنع بما عرفت ، لا بكون اللزوم حكمياً ، وصرح بجواز شرط الخيار للمضمون له ، لأن له الخيار في الإبراء والمطالبة ، ولو كان اللزوم عنده حكمياً لم يجز شرط الخيار حتى للمضمون له.

وعلى ذلك يبتني جواز التقابل لاختصاص الإقالة بما يكون الفسخ فيه من حقوق الطرفين ، ولا تكون فيما لا يكون الفسخ كذلك. لأن أدلة الإقالة العامة ليست واردة في مقام إثبات قابلية المحل ، وإنما هي واردة في مقام تشريعها على تقدير القابلية. فالقابلية تحرز من الخارج ، والإطلاقي المقامي يقتضي الرجوع الى العرف في إحراز القابلية ، والارتكاز العرفي يقتضي ثبوت القابلية فيما كان الفسخ من الحقوق الراجعة إلى طرفي المعاقدة.

والظاهر اطراد ذلك في عامة العقود المتعلقة بالنفس أو المال ، فإن إيقاعها من حقوق الطرفين وفسخها كذلك ، ما لم يقم دليل على الخلاف. كالنكاح والوقف ، لما دل على لزومهما وعدم تمكن المتعاقدين من فسخهما. فما لم يقم ذلك الدليل فالارتكاز العرفي يقتضي جواز الإقالة ، لتعلق العقد بحقوق الطرفين وشؤونهما ، وكما أن لهما إيقاعه لهما فسخه ، ولأجل ذلك يصح شرط الخيار فيه. والضمان من قبيل ذلك ، لما عرفت من أن لزومه مأخوذ من أصالة اللزوم الذي هو من حقوق المتعاقدين ، ولا دليل على لزومه حكماً كالنكاح.

[١] كما يقتضيه عموم أدلة الشروط الذي كان بناؤهم على العمل به‌

٢٨١

لي ثوباً » ، أو قال المضمون له : « أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ». ومع التخلف يثبت للشارط خيار تخلف الشرط [١].

( مسألة ٦ ) : إذا تبين كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه ، أو بإذنه وقلنا إنه يتبع بما ضمن بعد العتق ، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له [٢].

( مسألة ٧ ) : يجوز ضمان الدين الحال حالا ، ومؤجلا [٣]

______________________________________________________

في الضمان بشرط التأجيل أو الحلول ، وبشرط أن يكون الضمان من مال معين وغير ذلك. لكن في التذكرة : « لو ضمن رجل عن غيره ألفاً وشرط المضمون له أن يدفع اليه الضامن أو المضمون عنه كل شهر درهماً لا يحسبه من مال الضمان بطل الشرط إجماعاً » ، والظاهر أن دعوى الإجماع المذكورة مبنية على كونه من الربا المحرم بالإجماع ، وإلا فلم أقف عن من تعرض لهذا الشرط ولحكمه ، فضلا عن كونه معقد إجماع. وليس هو من الربا في البيع ، ولا في القرض. ثمَّ إنه إذا تمَّ ذلك في الشرط للمضمون له لا يتم في الشرط للضامن ، لان الشرط الموجب للربا ما يرجع الى الدائن ، دون ما يرجع الى المديون.

[١] لأنه مقتضى الشرط عرفات ، فكأن المشترط اشترط الشرط ، واشتراط الخيار على تقدير تخلف الشرط ، وقد عرفت أن عقد الضمان يقبل الخيار بالشرط.

[٢] لأن ذلك نوع من الإعسار الموجب للخيار.

[٣] أما مؤجلا : فقد حكى الإجماع عليه في الشرائع ، قال : « والضمان المؤجل جائز إجماعا ». وفي المسالك : أنه موضع وفاق.

٢٨٢

وكذا ضمان المؤجل حالا ، ومؤجلاً [١] بمثل ذلك الأجل ، أو أزيد ، أو أنقص. والقول بعدم صحة الضمان إلا مؤجلا [٢] وانه يعتبر فيه الأجل كالسلم ، ضعيف [٣] ، كالقول بعدم صحة ضمان الدين المؤجل حالاً [٤] ،

______________________________________________________

ونحوهما ما عن التنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد والمفاتيح. وعن الكفاية : « لا أعرف فيه خلافا ». ويقتضيه عموم الأدلة. قال في المسالك : « وليس هذا تعليقاً للضمان على الأجل ، بل تأجيل للدين الحال في عقد لازم فيلزم ». وأما حالاً : فسيأتي نقل الخلاف فيه من الشيخ.

[١] أما ضمان المؤجل حالاً ، فهو مقتضى عموم الصحة في الضمان وفي شرط الحلول ، وفي الشرائع ـ بعد أن ذكر ما سبق ـ قال : « وفي الحال تردد أظهره الجواز » وسيأتي فيه نقل خلاف الشيخ والفخر أيضاً. وأما ضمان المؤجل مؤجلاً : فلا اشكال فيه إذا كان أجل الضمان أبعد. وأما إذا كان مساوياً فيأتي فيه الخلاف المحكي عن الشيخ. وإذا كان أجل الضمان أقل فيأتي فيه خلاف الشيخ والفخر أيضاً. لكن عموم الصحة يقتضي صحته من دون مخصص كما يأتي.

[٢] حكى في المختلف عن الشيخ في النهاية أنه قال : « ولا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل معلوم » ونسب في المختلف ذلك إلى المقنعة والى ابن البراج في الكامل وابن حمزة. قال في مفتاح الكرامة : « لم أجد ذلك في المقنعة ». وفي السرائر : حمل كلام النهاية على انه إذا اتفقا على كون الضمان بأجل فلا بد من تعيينه ، وجعله حق اليقين. لكنه خلاف ظاهر العبارة ، كما فهمه الأصحاب.

[٣] لمخالفته للعمومات المقتضية للصحة.

[٤] في جامع المقاصد في شرح قول مصنفه : « والأقرب جواز‌

٢٨٣

______________________________________________________

العكس » ـ يعني : جواز ضمان المؤجل حالا ـ قال : « وجه الأقرب : أن الأداء معجلاً جائز ، فكذا الضمان ، لأنه كالأداء. وقال الشيخ : إنه لا يصح ، لأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل. وفي هذا التوجيه ضعف. ولأن الضمان نقل المال على ما هو به ، ولا يرد تأجيل الحال ، لأن ذلك شرط زائد يستقل صاحب الحق بإثباته في العقد اللازم ، بخلاف الأجل الذي هو مشترك بين المضمون له والمضمون عنه. ولأن الحلول زيادة في الحق ، ولهذا يختلف الأثمان به ، وهذه الزيادة غير واجبة على المديون ولا ثابتة في ذمته ، فيكون ضمان ما لم يجب ، فلا يصح عندنا. وهذا التوجيه الأخير ذكره الشيخ فخر الدين ولد المصنف ، وحسنه في المختلف. وهو المختار ». وقد أشار بذلك إلى ما ذكره العلامة في المختلف قال : « إذا ضمن المؤجل حالاً قال في المبسوط : الأقوى أنه لا يصح ، لأنه لا يجوز أن يكون الفرع أقوى من الأصل. والوجه عندي الصحة ، ولا نسلم تحقق القوة هنا ، فإنه كما يجوز للمضمون عنه دفع المال معجلا كذا يجوز الضمان معجلاً ، فان الضمان كالقضاء .. ( الى أن قال ) : وقد استخرج ولدي العزيز محمد ـ جعلت فداه ـ وجهاً حسناً يقوي قول الشيخ ، وهو أن الحلول زيادة في الحق ولهذا تختلف الأثمان به ، وهذه الزيادة غير واجبة على المديون ، ولا ثابتة في ذمته ، فيكون ضمان ما لم يجب ، فلا يصح عندنا ».

وقد تضمن كلامهما هذا وجوهاً من الاشكال. منها : أن الفرع لا يكون أقوى من الأصل. ومنها : أن الضمان نقل المال على ما هو به. ومنها : أن الحلول زيادة غير ثابتة في ذمة المديون فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب لكن الجميع كما ترى ، بل ما كان يؤمل من مقامه الرفيع في التحقيق والإتقان الاعتماد على مثل هذه الوجوه الضعيفة. إذ لا دليل على‌

٢٨٤

______________________________________________________

القاعدة الأولى على نحو تمنع من الصحة في المقام. والضمان في المقام لنفس الدين على ما هو عليه ، والأجل ليس مضموناً ، وإنما هو ظرف أداء المضمون. ومن ذلك يظهر ضعف الوجه الأخير. والذي يظهر من عبارة المختلف اختيار الصحة ، كما هو المشهور. والاستحسان منه إنما كان للوجه لا للفتوى بالمنع. ولعل فخر المحققين كذلك.

والذي يتحصل مما ذكر : أن الدين المضمون تارة : يكون حالاً ، وأخرى : مؤجلا ، وكل منهما إما يضمن حالا ، أو مؤجلا ، فهذه أربعة صور ، والصورة الرابعة ـ وهي ضمان المؤجل مؤجلا ـ تارة : يكون الأجل فيها مساوياً لأجل الدين ، وأخرى : يكون أقل ، وثالثة : يكون أكثر. فهذه ست صور. وفي كل منها إما أن يكون الضمان بسؤال المضمون عنه ، أو تبرعاً من الضمان. فهذه اثنتا عشرة صورة. والاشكال والخلاف يكون في صورة ضمان المؤجل حالا كما عن الشيخ في المبسوط ، واختاره في جامع المقاصد ، وتردد فيه في الشرائع في آخر كتاب الضمان ، وإن جزم بالصحة في أوائل الكتاب ، وصورة ضمان الحال حالا ، كما تقدم عن الشيخ في النهاية ، ونسب إلى المقنعة وغيرها ، كما عرفت ، خلافاً للشيخ في المبسوط فاختار الجواز. وصورة ضمان المؤجل بأجل أقل. وفي المختلف نسب الى الشيخ الإجماع ، للمنع من الضمان الحال ـ الذي تقدمت حكايته عن النهاية ـ بأن الضمان شرع للإرفاق بالمضمون عنه ، فاذا كان الضمان حالا ورجع الضامن على المضمون عنه لم يكن إرفاق به. وفيه : أنه لو تمَّ أنه إرفاق فهو بملاحظة إفراغ ذمته بالضمان ، وهو حاصل في الحال. مع أنه عليه يختص المنع بصورة ما إذا كان الضمان موجباً للرجوع على المضمون عنه لكونه بسؤاله ، أما إذا لم يكن كذلك ـ بأن كان تبرعاً ـ فلا إشكال في الجواز.

٢٨٥

أو بأنقص. ودعوى : أنه من ضمان ما لم يجب ، كما ترى [١] ،

( مسألة ٨ ) : إذا ضمن الدين الحال مؤجلا بإذن المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدين [٢] ، فلو أسقط الضامن أجله وأدى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه [٣] ، لأن الذي عليه كان حالا [٤] ولم يصر مؤجلا بتأجيل الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحل‌

______________________________________________________

[١] إذ الضمان الدين ، وهو ثابت في الذمة لا للأجل ، فإن الأجل للوفاء بما في الذمة ، لا أنه مضمون بنفسه.

[٢] وفي الجواهر : أنه لا يخلو من قوة. والمراد به أنه أجل لجواز مطالبة الضامن ، فلا تجوز مطالبته قبله ، فان ذلك مقتضى الشرط النافذ الصحيح ، وهو لا يرتبط بالدين الذي كان في ذمة المضمون عنه ، فان لم يكن مؤجلا قبل الضمان ، والضمان لا يقتضي تأجيله ، لأن الشرط لم يكن متعلقاً به ، وانما كان متعلقاً بالضمان.

[٣] كما صرح به في جامع المقاصد والمسالك والحدائق والجواهر. وعن المبسوط والتحرير والتذكرة : التنبيه عليه.

[٤] لا يخفى أن الدين الذي عليه كان للمضمون عنه ، وقد فرغت ذمته منه حالا كان أو مؤجلا ، وليس للضامن عليه شي‌ء سابقاً ، وانما حدث لدفع الضامن إلى المضمون له ، فليس هناك دين حال كي يعلل به الحكم. وكان اللازم تعليله بإطلاق ما دل على جواز رجوع الضامن على المضمون عنه بما دفعه المقتضي للحلول. لكن ذلك إذا أذن في الضمان عنه مطلقاً. أما إذا أذن بشرط الأجل ففي جواز الرجوع قبل الأجل إشكال ، إذ قد يرجع ذلك الى اشتراط الأجل في الرجوع إليه ، فلا يجوز الرجوع اليه قبله.

٢٨٦

ما عليه وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه [١]. واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجلا حتى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف.

( مسألة ٩ ) : إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحل ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلا بعد حلول أجل أصل الدين [٢] لأن الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون عنه. وكذا لو أسقط أجله وأدى الدين قبل الأجل لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء الأجل.

______________________________________________________

[١] كما صرح بذلك في جامع المقاصد والمسالك والحدائق والجواهر وعن المبسوط والتحرير والتذكرة : التنبيه عليه. لما ذكر فيما قبله. ويشكل أيضاً إطلاقه بما سبق فيما قبله.

[٢] قال في القواعد : « ولو ضمن الحال مؤجلا تأجل ، وليس للضامن مطالبة المديون قبل الأداء. وإذا مات حل ، ولورثته مطالبة المضمون عنه قبل الأجل. ولو كان الأصل مؤجلا لم يكن لهم ». وذكره في الجواهر من دون نقل خلاف. وكذا في مفتاح الكرامة حاكيا له عن صريح المبسوط والتذكرة والتحرير ، معللا له بما في المتن. وتبعه في الجواهر. لكن قد عرفت أن الدين الأصلي قد فرغت منه ذمة المضمون عنه فلا يتصف بالحلول أو التأجيل. وإطلاق ما دل على رجوع الضامن على المضمون عنه بما أداه يقتضي جواز الرجوع في المقام بعد الأداء من دون مقيد يقتضي تأجيل الرجوع. ومجرد كون الدين الذي كان على المضمون عنه مؤجلا لا يقتضي التأجيل للدين الجديد. نعم إذا كان إذن‌

٢٨٧

( مسألة ١٠ ) : إذا ضمن الدين المؤجل حالاً بإذن المضمون عنه [١] ،

______________________________________________________

المضمون عنه مقيداً بالمؤجل ، بحيث يفهم منه اشتراط عدم الرجوع إليه قبل الأجل ، كان الشرط المذكور مانعاً من الرجوع على المضمون عنه ، وهو أمر آخر غير كون الدين مؤجلا في نفسه. وبالجملة : تعليل جواز الرجوع على المضمون عنه حالا ومؤجلا يكون الدين الذي كان عليه حالا أو مؤجلا ، غير ظاهر ، لعدم دخل ذلك به ، وانما الدخيل فيه الاذن مطلقاً أو مشروطاً بعدم الرجوع حالا.

[١] إذا ضمن المؤجل حالاً صار الدين حالاً بالنسبة إلى الضامن ، فيجب عليه الأداء حالاً. وهل يكون حالاً بالنسبة إلى المضمون عنه ، بحيث يكون للضامن الرجوع عليه بمجرد الأداء قبل الأجل؟ فيه أقوال : الأول : عدمه مطلقاً. قال في التذكرة : « على قولنا إنه يصح ضمان المؤجل حالا ، إذا أدى الضامن المال الى صاحبه لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلا عند الأجل إن أذن له في مطلق الضمان. ولو أذن له في الضمان عنه معجلا ، ففي حلوله عليه إشكال ، أقربه عدم الحلول أيضاً ». وفي مفتاح الكرامة : نسب ذلك الى المختلف والمسالك والروضة وظاهر التحرير ومجمع البرهان. الثاني : أنه يجوز الرجوع الى المضمون عنه بسؤاله مطلقاً. حكاه في مفتاح الكرامة عن صريح التنقيح. ولعله ظاهر القواعد ، حيث قال : « فيحل مع السؤال على إشكال ». الثالث : أنه يصير حالا مع التصريح بالاذن حالا ، لا مع الإطلاق. حكاه في مفتاح الكرامة عن ظاهر المفاتيح. الرابع : أنه مع التصريح بالسؤال حالا يرجع عليه حالا ، وأما مع الإطلاق فمحل إشكال. وحكاه في مفتاح الكرامة عن الإيضاح. قال في جامع المقاصد : « وأعلم أن الشارح ولد المصنف قال : إن موضع‌

٢٨٨

فان فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك ، وإلا فلا يجوز إلا بعد انقضاء الأجل. والاذن في الضمان أعم من كونه حالا.

( مسألة ١١ ) : إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله وأداه [١] ، ليس له الرجوع على المضمون عنه الا بعد انقضاء‌

______________________________________________________

الاشكال ما إذا أذن في الضمان وأطلق ، أما إذا أذن فيه حالا فلا إشكال في الحلول. وليس بشي‌ء. بل قد يقال : إنه مع الإطلاق لا إشكال في عدم الحلول ». ومن ذلك يظهر قول خامس ، وهو ما ذكره في جامع المقاصد.

والأقرب هو الثاني ، لإطلاق ما دل على رجوع الضامن على المضمون عنه عند أداء مال الضمان من دون مقيد ظاهر. والاذن في الضمان وإن كانت أعم من كونه حالا ، لكن الإطلاق المتقدم كاف في جواز الرجوع. ومن ذلك يظهر ضعف الثالث ، الذي جعله في الجواهر الأقوى ، لعدم اقتضاء الإطلاق الاذن في التعجيل ، فيكون كالمتبرع. إذ التعجيل في الرجوع لا يحتاج إلى الاذن ، بل يكفي فيه إطلاق الدليل الدال عليه. والذي اختاره المصنف هو المنع من الرجوع على المضمون عنه مطلقاً ، إلا أن يفهم من اذنه رضاه بالرجوع عليه. ولعله راجع الى القول الأول ، أو هو قول سادس والذي يقتضيه إطلاق أدلة الرجوع على المضمون عنه هو القول الثاني. إلا أن يفهم من الاذن بالضمان المؤجل اشتراط عدم الرجوع عليه قبل الأجل ، فيجب العمل بالشرط. ولعله يكون قولاً سابعاً. ومنه يظهر ضعف بقية الأقوال ، فإن المنع من الرجوع قبل الأجل مطلقاً ـ كما هو القول الأول ـ أو في بعض الصور ـ كما في الأقوال الأخر ـ خلاف إطلاق ما دل على الرجوع على المضمون عنه إذا كان بسؤاله ، كما يأتي.

[١] الذي يظهر من الجواهر أن هذه المسألة نظير المسألة السابقة ،

٢٨٩

أجله. وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأداه جاز له الرجوع عليه ، على ما مر [١] من أن أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجلاً. وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته ، فإنه يرجع على المضمون عنه.

( مسألة ١٢ ) : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمته ، ولم يكن له الرجوع عليه [٢] وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره [٣]. الا أن يأذن له [٤]

______________________________________________________

يأتي فيها الأقوال كلها. لوجود مأخذ الأقوال المذكورة فيها بعينها.

[١] ومر الكلام فيه في المسألة الثامنة ، وأنه وان لم يوجب أجل الدين لكنه قد يوجب اشتراط عدم الرجوع قبل أجل الضمان.

[٢] قال في الشرائع : « ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداء إن ضمن بإذنه ولو أدى بغير اذنه ، ولا يرجع إذا ضمن بغير إذنه ولو أدى بإذنه » وفي المسالك بعد أن ذكر أن العبارة تتضمن أحكاما أربعة : اثنين بالمنطوق واثنين بالمفهوم ، قال : « وحكم الأربعة كما ذكر عند علمائنا أجمع » وفي جامع المقاصد : « والحكم عدم الرجوع فيهما عند علمائنا ذكره في التذكرة ». وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » ونحو ذلك كلام غيرهم. ويكفي في إثباته أصالة البراءة لو لا ما يقتضيه إطلاق الاخبار الآتية في المسألة الآتية ، لشمولها لما نحن فيه. فالعمدة إذاً الإجماع.

[٣] كما صرح به في معقد إجماع المسالك وجامع المقاصد وغيرهما ، إذ الاذن في أداء ما وجب أو الأمر به ليس من أسباب الضمان.

[٤] كما مال إليه في الجواهر ، وجعله نظير ما إذا قال ، لأجنبي :

٢٩٠

في الأداء عنه [١] تبرعاً منه في وفاء دينه ، كأن يقول : « أد ما ضمنت عني وارجع به عليّ » على إشكال في هذه الصورة أيضاً [٢] ،

______________________________________________________

أدّ عن الضامن المتبرع وارجع به علي ، فإذا أدى بعنوان امتثال أمر المضمون عنه اتجه الرجوع عليه.

[١] يعني : عن الآذن.

[٢] حكاه في الجواهر عن بعض الناس ، معللا له بما ذكر في المتن ، ثمَّ قال : « لا يخلو من نظر أو منع بعد ما عرفت ». والمراد مما عرفت قاعدة الاحترام ، فإنه وإن لم يكن دليل على قاعدة الاحترام كلية ، لكن المتيقن منها صورة استيفاء عمل الغير. وهو على قسمين : الأول : أن يكون الاستيفاء بالأمر على وجه الضمان ، كما في المثال الذي ذكره. والظاهر أنه لا إشكال في الضمان ، فإن الأمر به على وجه الضمان من المعاملات العرفية الممضاة من الشارع المقدس ، بشهادة استقرار سيرة المتشرعة عليها. فهي نظير القرض الذي هو تملك للعين على وجه الضمان بالمثل في المثليات وبالقيمة في القيمات ، فاذا قال له : « أقرضني درهماً » أو « أقرضني ثوباً » كان ضامنا لدرهم في الأول ولقيمة الثوب في الثاني ، لأن معنى : « أقرضني » : ملكني على وجه الضمان. كذلك الأمر في المقام ، فاذا قال : « ادفع عني لزيد درهما وعلي ضمانه » أو « خط ثوب زيد وعلي ضمانه » كان ضامناً في الأول لدرهم وفي الثاني قيمة الخياطة ، فهي معاملة جرت عليها سيرة العرف والمتشرعة ، أشبه ما يكون بالجعالة ، فتكون صحيحة ، وتستوجب الضمان. وتوهم : أنها وعد لا يجب الوفاء به. غريب ، لاختصاصه بالوعد بالإحسان المجاني ، ولا ينطبق على الإحسان المعاوضي.

٢٩١

______________________________________________________

الثاني : ما لا يكون الأمر على وجه الضمان ، كما إذا قال للحلاق : « احلق رأسي » فحلق رأسه ، وكان كل من الآمر والمأمور غافلا عن الضمان ، فإنه يكون الآمر ضامناً للأجرة ما لم يقصد المأمور المجانية. والضمان في المقام لا يكون مستنداً إلى معاملة ، لعدم قصد العوض منهما. والمعروف عندهم الضمان أيضاً ، اعتماداً على قاعدة احترام مال المسلم كدمه ، فان استيفاءه بلا عوض ظلم وعدوان.

فاذا كان المناط في الضمان في القسمين أمراً واحداً ، تعين أن يكون سبب الضمان في القسم الأول هو الاستيفاء أيضا ، ولا المعاملة ، ويكون الضمان في المقامين لقاعدة الاحترام. وإذا كان سبب الضمان فيهما مختلفاً كان الضمان في القسم الأول مقتضى المعاملة ، وفي الثاني لقاعدة الاحترام. والذي يظهر من الجواهر وغيرها : أن المناط في الضمان في القسمين واحد ، ولذلك جعل الضمان في المثال المذكور في الجواهر هو قاعدة الاحترام. وهو محتمل ، بل في كتاب الإجارة جزمنا به. ولكن الأظهر خلافه.

هذا كله إذا كان الأمر بالفعل على أن يكون للآمر ، وأما إذا كان للفاعل كما إذا قال له : « أدّ دينك ، وأنفق على زوجتك ، وأحسن إلى من أساء إليك » ففعل المأمور لم يكن الآمر ضامناً ، لعدم الدليل عليه ، بل هو على خلافه. ضرورة أن الأمر بالمعروف واجباً كان أو مستحباً لا يوجب ضمان الآمر حسب ما تقتضيه السيرة القطعية. هذا إذا كان خالياً عن التعويض. أما إذا كان مشتملا عليه ـ كما إذا قال لأخيه : صل اليومية ولك علي أن أعطيك كل يوم درهما » ـ فالظاهر أنه كذلك ، فلا يجب عليه دفع العوض ـ أعني : الدرهم في المثال ـ لأنه وعد وإحسان مجاني ، فلا يجب الوفاء فيه.

والذي يتحصل : أن استيفاء عمل الغير على أربعة أقسام ، لأن الفعل‌

٢٩٢

من حيث أن مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وان لم يكن بإذنه [١] ، لأنه بمجرد الاذن في الضمان اشتغلت ذمته من غير توقف على شي‌ء. نعم لو أذن له في الضمان تبرعاً فضمن ليس له الرجوع عليه ، لأن الاذن على هذا الوجه كلا إذن.

( مسألة ١٣ ) : ليس للضامن الرجوع على المضمون

______________________________________________________

المأمور به تارة : يكون للآمر ، وأخرى : يكون للمأمور. وإذا كان للآمر فهو مضمون ، سواء قصد الآمر والمأمور الضمان ليكون نوعا من المعاملة ، أم لم يقصدا. وإذا كان للمأمور فلا ضمان على الآمر ، سواء قصدا الضمان أم لم يقصدا. ومن ذلك يتوجه الاشكال على الجواهر ، حيث جعل الضمان في القسم المعاملي ، لقاعدة الاحترام. كما يتوجه على المصنف حيث ذكر الاشكال عليه من بعضهم بأنه وعد ، وسكت عنه ، مع أن الوعد يختص بالإحسان المجاني ، ولا مجانية في الفرض ، لأن الآمر أمر بالتبرع عن نفسه. نعم إذا أمره بالوفاء عن نفسه ـ يعني : المأمور ـ فقال : « أد دينك ولا تعص ربك وعلي عوضه » ، كان من الإحسان المجاني ، فيكون وعداً لا يجب الوفاء به.

[١] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة ، كما سبق. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». ويشهد له ما‌ رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن خالد. قال : « قلت لأبي الحسن (ع) : جعلت فداك قول الناس : الضامن غارم. قال : فقال : ليس على الضامن غرم. الغرم على من أكل المال » (١) ‌وإطلاقه يشمل صورة الضمان بغير إذن. لكنه مقيد بغير ذلك بالإجماع. ويعضده الأخبار الآتية في المسألة الآتية. ولعله الى ذلك أشار في السرائر بقوله : « وردت به الاخبار عن الأئمة الإطهار ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الضمان حديث : ١.

٢٩٣

عنه في صورة الإذن‌ الا بعد أداء مال الضمان ، على المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه [١]. وانما يرجع عليه بمقدار ما أدى ، فليس له المطالبة قبله. إما لان ذمة الضامن وان اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة المضمون عنه لا تشتغل الا بعد الأداء وبمقداره. وإما لأنها تشتغل حين الضمان ، لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه [٢] ، وإما لأنها وإن اشتغلت بمجرد الضمان إلا أن جواز المطالبة مشروط بالأداء. وظاهرهم هو الوجه الأول [٣]. وعلى أي حال لا خلاف في أصل الحكم ، وإن‌

______________________________________________________

[١] قد أخذ الأداء موضوعاً للرجوع في معاقد الإجماعات. قال في الشرائع : « ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أداء إن ضمن بإذنه » ونحوه عبارات غيره. وظاهر الجميع : أن الرجوع بعد الأداء. وفي جامع المقاصد : أن الضامن إنما يرجع بعد الأداء ، فلا يرجع بما لم يؤده ، ويظهر التسالم عليه.

[٢] ويحتمل أن يكون اشتغال الذمة حاصلا بمجرد الضمان لكنه متزلزل فيستقر بالأداء ، وإذا لم يحصل الأداء بطل الاشتغال وانفسخ. احتمله في الجواهر أيضاً. وأما الاحتمال الثالث المذكور في المتن فالظاهر منه حصول الاشتغال بمجرد الضمان وبقاؤه وإن لم يحصل الأداء أبداً. فتكون الاحتمالات أربعة.

[٣] قال في المسالك : « قد عرفت أن الضامن لا يستحق عند المضمون عنه شيئاً إلى أن يؤدي مال الضمان ». وفي الجواهر نسب الوجه المذكور الى المسالك وغيرها ، ثمَّ قال : « ولعله الأقوى ». لكن في‌

٢٩٤

كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة واشتغال ذمته من حين الضمان في قبال اشتغال ذمة الضامن [١] ،

______________________________________________________

الشرائع : « إذا ضمن عنه ديناراً بإذنه فدفعه الى الضامن فقد قضى ما عليه ». وظاهره اشتغال الذمة بمجرد الضمان بالاذن. ولكن حمله في المسالك على خلاف ظاهره ، ويظهر منه عدم احتمال ذلك.

[١] يعني : لما كان اشتغال ذمة الضامن بالضمان كان بأمر المضمون عنه ، وكان ذلك ضرراً على الضامن ، كان مضموناً على المضمون عنه. وعلله في الجواهر : بأن الضمان نوع أداء ، والفرض حصوله بإذنه ، فيقتضي شغل ذمة المضمون عنه ، فيصح حينئذ الدفع له وفاء ، كما يصح للضامن إبراء ذمة المضمون عنه قبل الأداء. انتهى. لكنه أشكل عليه : بأنه لم يثبت كون الضمان أداء بالنسبة الى ذلك ، وإن كان هو كالأداء بالنسبة الى إبراء ذمة المضمون عنه ، فلا سبب حينئذ لشغل ذمة المضمون عنه إلا الأداء المأذون فيه بالاذن بالضمان ، لقاعدة احترام مال المسلم. انتهى.

وكل من التعليل وإشكاله مبني على كون سبب ضمان المضمون عنه للضامن هو أداؤه ، فالتعليل مبني على أن الضمان أداء ، والاشكال راجع إلى نفي ذلك. وفيه : أنه لا ضرورة تدعو إلى ذلك ، بل من الجائز أن يكون السبب هو الضمان الإيقاعي بإذن المضمون عنه ، لأنه المأذون فيه والمأمور به ، وبه يكون خلاص المضمون عنه من الدين الذي عليه للمضمون له ، والأداء لا يتعلق به بوجه ، وإنما يتعلق بالضامن وبه إفراغ ذمته.

وفي حاشية بعض الأعاظم : ان القاعدة تقتضي ذلك ، من جهة أن اشتغال ذمة المضمون عنه إنما يكون باستيفائه لمال الضامن ، وهو إنما يحصل بالأداء ، وقبله لا استيفاء. انتهى. والاشكال فيه ظاهر مما عرفت فإن أداء الضامن للمال لا يرتبط بالمضمون عنه بوجه ، وإنما يرتبط بالضمان وبه‌

٢٩٥

سواء أدى أو لم يؤد. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ،

______________________________________________________

فراغ ذمته. وأما ما يرتبط بالمضمون عنه ويكون به فراغ ذمته من ثقل الدين فهو ضمان الضامن ، وهو الذي أذن له فيه وأمره به ، وبنفس الضمان تكون الخسارة المالية على الضامن ، وهي بأمر المضمون عنه ، فيكون ضامناً لها.

قال في التذكرة : « وإن لم يكن ( يعني : الضامن ) متبرعاً بالضمان وضمن بسؤال المضمون عنه ، فهل يثبت للضامن حق عليه ويوجب علقة بينهما؟ للشافعية وجهان : أحدهما : أنه يثبت ، لأنه اشتغلت ذمته بالحق كملا لما ضمن ، فليثبت له عوضه على الأصيل. والثاني : لا يثبت لأنه لا يفوت عليه قبل الغرم شي‌ء ، فلا يثبت له شي‌ء إلا بالغرم. إذا عرفت هذا فان كان المضمون له يطالب الضامن بأداء المال فهل للضامن مطالبة الأصيل بتخليصه؟ قال أكثر الشافعية : نعم ، كما أنه يغرم إذا غرم. وقال القفال : لا يملك مطالبته به. وهو الأقوى عندي إذ الضامن انما يرجع بما أدى فقبل الأداء لا يستحق الرجوع ، فلا يستحق المطالبة .. ». ومن أمعن النظر في الوجهين الذين ذكرهما الشافعية يتضح له أن الأوجه أولهما ، وأن العلامة إنما رجح ثانيهما لعدم وجوب شي‌ء على المضمون عنه إلا ما أداه الضامن حسب ما دل عليه الدليل بالخصوص ، فكأنه لأجله لزم رفع اليد عن القاعدة المقتضية لجواز الرجوع من أول الأمر. لكن الإجماع على عدم جواز رجوع الضامن إلا بما أداه ، وكذا النص لم يدلا على نفي استحقاق الضامن بمجرد ضمانه ، فإن الإجماع دل على عدم جواز المطالبة قبل الأداء ، وقد عرفت عبارة الشرائع الظاهرة في ثبوت الاستحقاق على المضمون عنه بمجرد ضمان الضامن. وأما الخبر فسيأتي بيانه.

٢٩٦

ثبت بالإجماع ، وخصوص الخبر [١] : عن رجل ضمن ضمانا ثمَّ صالح عليه ، قال : ليس له إلا الذي صالح عليه. بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن الا ما خسر. ويتفرع على ما ذكروه [٢] : أن المضمون له لو أبرء ذمة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلا ، وإن أبرأه‌

______________________________________________________

[١] وهو موثق عمر بن يزيد ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ثمَّ صالح عليه قال (ع) : ليس له الا الذي صالح عليه » (١). ونحوه موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) (٢). وهذا الخبر لا يدل على عدم اشتغال الذمة حين الضمان ، وإنما يدل على عدم اشتغال الذمة بما لم يؤد أو ما لم يصالح عليه وكذلك خبر الحسين بن خالد المتقدم (٣) يدل على أن الضامن بعد أن يغرم تكون غرامته على المضمون عنه ولو لأجل كونه مشغول الذمة بذلك من الأول ، أما لأنه لا تشتغل ذمته قبل الأداء فلا دلالة له عليه. فالنصوص قاصرة عن إثبات الوجه الثالث ، لا أنها دلالة على الوجه الأول ، وتكون موجبة لخلاف القواعد.

[٢] يعني : ما ذكروه أولاً من أنه يرجع بما أدى لا بتمام المال المضمون. والوجه في تفرع الأمور المذكورة على ذلك واضح في الجميع عدا صورة ما إذا ضمن عنه ضامن فادّى تبرعاً ، أو وفي عنه تبرعاً ، أو وفي عنه من باب الزكاة ، فإن الجميع غير داخل في النص. وحينئذ يشكل إلحاقه بمورد النص ، ولا بد من الرجوع فيه الى القاعدة الآتي بيانها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب كتاب الضمان حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب كتاب الضمان حديث : ٢.

(٣) راجع الصفحة : ٢٩٣.

٢٩٧

من البعض ليس له الرجوع بمقداره. وكذا لو صالح معه بالأقل ، كما هو مورد الخبر. وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرعاً فادى ، فإنه حيث لم يخسر بشي‌ء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه. وكذا لو وفاه عنه غيره تبرعاً.

( مسألة ١٤ ) : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمساً أو زكاة أو صدقة ، فالظاهر أن له الرجوع على المضمون عنه [١] ، ولا يكون ذلك في حكم الإبراء وكذا‌

______________________________________________________

[١] وفي الجواهر : « لعله كذلك. » ولا يخلو من إشكال ، إذ لا غرم من الضامن ليكون على المضمون عنه. نعم كان الغرم فيه على مستحق الزكاة مثلا ، لا على الشخص المذكور. اللهم إلا أن نقول : إن القاعدة تقتضي اشتغال ذمة المضمون عنه بمجرد الضمان بأمره ، ولم يثبت في المقام ما يقتضي الخروج عنها. وإلحاقه بمورد النص غير ظاهر ولأجل ذلك يكون اللازم الحكم بالرجوع في جميع موارد الشك في الخروج بخلاف ما إذا كان السبب في ضمان المضمون عنه استيفاؤه لمال الضامن ، فإنه مع الشك يبني على عدم الرجوع ، لأصالة البراءة. فعلى المبنى الأول : يكون الشك في السقوط ، وعلى المبنى الثاني : يكون الشك في الثبوت. اللهم إلا أن يقال : لما كان المدين له باحتسابه من الزكاة برئت ذمته فالبراءة كانت بماله ، فيكون ماله قد استوفاه المضمون عنه ،. فعليه ضمانه ومن ذلك يصح أن يقال : إنه قد غرم ماله ، فيكون الغرم على المضمون عنه. فالحكم في هذا الفرض لا يختلف باختلاف المباني. لكنه يتم بناء على ثبوت ملك ما في الذمة آنا ما ، أما إذا قلنا بامتناعه ، لعدم الفرق بين الآنات ، فلا استيفاء لماله ولا غرامة عليه. فيتعين الابتناء على المباني.

٢٩٨

لو أخذه منه ثمَّ رده عليه هبة [١]. وأما لو وهبه ما في ذمته فهل هو كالإبراء أولا؟ وجهان [٢]. ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه [٣]

( مسألة ١٥ ) : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقل من الدين [٤] ، أو وفاة الضامن بما يسوى أقل منه [٥] ، فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه إلا بمقدار ما يسوى [٦]. وهو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة ، وكون القدر المسلم غير هذه الصور. وظاهر خبر الصلح الرضا من الدين بأقل منه ، لا ما إذا صالحه بما‌

______________________________________________________

[١] كما نص عليه في الجواهر ، وفي التذكرة : أنه أقرب. ووجهه واضح لحصول الغرم ، فيرجع به على المضمون عنه.

[٢] بناء على ما سبق في الزكاة يكون الأقرب الثاني ، إذ لا فرق بين الهبة المجانية وبين الصدقة أو الزكاة في أن البراءة بماله في الجميع ، بخلاف الإبراء فإن البراءة فيه لم تكن بمال الضامن. وعليه يتعين الرجوع الى المباني‌

[٣] يتعين فيه الرجوع الى المباني المتقدمة.

[٤] الظاهر أن أصل العبارة : « لو باع أو صالح » وفاعله ضمير الضامن كما يظهر بالتأمل.

[٥] الوفاء بالأقل قيمة يختص بما إذا كان من الجنس الردي مثلا ، أما إذا كان من غير الجنس فلا يمكن الوفاء الا بمقدار القيمة.

[٦] ذكر ذلك في الشرائع والتذكرة والقواعد والمسالك وغيرها. قال في التذكرة : « لو صالح عن ألف على عبد يساوي ستمائة لم يرجع إلا بستمائة » ، ثمَّ استدل عليه بموثقي عمر بن يزيد وعبد الله بن بكير.

٢٩٩

يسوى أقل منه [١]. وأما لو باعه أو صالحه أو وفاة الضامن بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة [٢].

( مسألة ١٦ ) : إذا دفع المضمون عنه الى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الامانة ليحتسب بعد الأداء عما له عليه ، فلا إشكال ، ويكون في يده أمانة ، لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط. وإن كان بعنوان وفاء ما عليه ، فان قلنا باشتغال ذمته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف ، فهو صحيح ويحتسب وفاء ، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني. وإن قلنا : انه لا تشتغل ذمته إلا بالأداء وحينه‌

______________________________________________________

[١] ظهور الخبر فيما يشمل هذا الفرض الذي ذكروه لا يقبل الإنكار لوضوحه. نعم الخبر بلفظه لا يشمل البيع. لكن الظاهر منه عرفاً الأعم من البيع. وقد نفي الخلاف عن أنه لا يجب على المضمون عنه أن يدفع الى الضامن أزيد مما دفعه الى المضمون له. نعم لو صالحه عن ذلك أو أو باعه عليه بما يساوي الدين وتقاصا عنه بالأقل ففي المسالك : اتجه رجوعه عليه بما يساوي الدين ، وفي التذكرة : احتمل ذلك ، واحتمل الرجوع بقيمة العين ، لان الضمان وضع للارتفاق ، ونسب إلى الشافعية الأول.

[٢] صرح بذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات ، معللين له بأنه متبرع بالزيادة غير مأذون فيها ، فلا استيفاء لها من المضمون عنه ، بناء على كون الضمان بالاستيفاء. وكذا بناء على كون الضمان بالضمان ، لان الضمان لم يكن بالزائد ، وهو واضح.

٣٠٠