مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

وأما سائر المؤن [١] ـ كشق الأنهار ، وحفر الآبار ، وآلات السقي ، وإصلاح النهر وتنقيته ، ونصب الأبواب مع الحاجة إليها والدولاب ، ونحو ذلك مما يتكرر كل سنة أو لا يتكرر ـ فلا بد من تعيين كونها على المالك أو العامل ، إلا إذا كان هناك‌

______________________________________________________

الخراج ، فيدفعها الى رجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها وما كان من فضل فهو بينهما. قال : لا بأس » (١).

قال في الحدائق بعد ما ذكر هذه الروايات الثلاث : وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في عدم جهالة الشرط المذكور هنا سيما الخبرين الأولين » وسبقه الى ذلك في الكفاية. ويشكل ما ذكره : بأن الخبرين الأولين ليسا في المزارعة ، وإنما هما في موضوع آخر ، والخبر الثالث لا ظهور فيه في جهالة الخراج وتردده بين الأقل والأكثر ، فالعمدة في عدم الجهالة هي القواعد العامة. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) من الاستدلال بالأخبار لا غير.

[١] قد تقدم عن الشرائع إلحاق المؤن مطلقاً بالخراج في كونها على صاحب الأرض ، ونحوه ما في القواعد وعن التذكرة والسرائر وجامع المقاصد وغيرها. وفي جملة من الكتب اقتصر على الخراج ولم يتعرض للمؤنة ، وظاهر ذلك كونها على العامل. وفي المسالك فصل بين أنواع المؤنة ، فقال : « والظاهر أن المراد من المؤنة ما يتوقف عليه الزرع ولا يتعلق بنفس عمله وتنميته ، كإصلاح النهر والحائط ونصب الأبواب ـ إن احتيج إليها ـ وإقامة الدولاب ، وما لا يتكرر كل سنة ، كما فصلوه في المساقاة. والمراد بالعمل الذي على المزارع ما فيه صلاح الزرع وبقاؤه مما يتكرر كل سنة ، كالحرث والسقي وآلاتهما وتنقية النهر من الحمأة وحفظ الزرع وحصاده ونحو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

١٢١

عادة ينصرف الإطلاق إليها. وأما ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غير الخراج فليس على المالك [١] ، وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض.

______________________________________________________

ذلك. وبالجملة فكلامهم في هذا المحل قاصر جداً ». وفيه : أنه لا قرينة على ما ذكره من التفصيل في مرادهم. وما ذكروه في السقي ـ لو تمَّ ـ لا يكون قرينة على ما نحن فيه ، لاختلاف المقامين. مضافاً إلى أنه لا دليل على التفصيل المذكور. ولذا ذكر في الجواهر : أنه لا إشكال في كون المرجع مع الإطلاق التعارف فيما هو على المالك والعامل وإلا أشكل الحال. انتهى. وكأن المصنف (ره) تبعه في ذلك.

وإن كان يشكل ما ذكره : بأن مقتضى الإطلاق كونه على العامل ما لم تقم قرينة على خلافه ، كما تقدم في كتاب الإجارة أن مئونة عمل الأجير عليه لا على المستأجر ، إلا أن تقوم قرينة على خلاف ذلك. والوجه فيه : أن العمل المملوك على الأجير والزرع المملوك على الزارع إذا كان مطلقاً كان مقتضى ملكيته وجوب الإتيان به على كل حال ، فتجب جميع مقدماته من دون فرق بين مقدمة وأخرى ، والتخصيص ببعضها دون بعض يتوقف على القرينة ، ومع الإطلاق وفقد القرينة يجب الجميع. لكن المصنف في الإجارة جعل الأقوى وجوب التعيين مع عدم القرينة ، وذكر أن كونها على المستأجر لا يخلو من وجه.

[١] لأصالة البراءة. لكن في خبر سعيد الكندي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني آجرت قوماً أرضاً فزاد السلطان عليهم. قال : أعطهم فضل ما بينهما. قلت : أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم. قال : إنهم إنما زادوا على أرضك » (١). والظاهر أنه غير ما نحن فيه وإنما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١٠.

١٢٢

( مسألة ٢٠ ) : يجوز لكل من المالك والزارع أن يخرص على الآخر [١] بعد إدراك الحاصل [٢] بمقدار منه بشرط القبول والرضا من الأخر [٣] لجملة من الاخبار [٤]

______________________________________________________

فيما زاده السلطان من الخراج ، مع أن الخبر ضعيف.

[١] الظاهر أنه لا خلاف فيه إلا من ابن إدريس ، وفي الحدائق : « الظاهر اتفاق الأصحاب عليه » ، وفي الجواهر : « لا أجد خلافاً فيه ». وقد ذكره في الشرائع والقواعد وغيرهما.

[٢] كما يظهر اشتراط ذلك من مرسل محمد بن عيسى الآتي والروايات الواردة في أهل خيبر. لكن خبر سهل الآتي خال من ذلك.

[٣] كما صرح به جماعة. ويدل عليه خبر سهل الآتي.

[٤] كخبر سهل قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران ويضمن له على أن يعطيه في كل جريب يمسح عليه وزن كذا وكذا درهماً ، فربما نقص وغرم وربما استفضل وزاد. قال (ع) : لا بأس به إذا تراضيا » (١) ‌، ومرسل محمد بن عيسى عن بعض أصحابه قال : « قلت لأبي الحسن (ع) : إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون : قد حزرنا هذا الزرع بكذا وكذا فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصة على هذا الحزر. قال (ع) : وقد بلغ؟ قلت : نعم. قال : لا بأس بهذا. قلت : فإنه يجي‌ء بعد ذلك فيقول لنا : إن الحزر لم يجي‌ء كما حزرت قد نقص. قال : فاذا زاد يرد عليكم؟ قلت : لا. قال : فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر ، كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص » (٢) ‌ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٤.

١٢٣

هنا وفي الثمار [١]. فلا يختص ذلك بالمزارعة والمساقاة [٢]. بل مقتضى الاخبار جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك [٣] والأقوى لزومه بعد القبول [٤] وإن تبين بعد ذلك زيادته أو‌

______________________________________________________

[١] كصحيح يعقوب بن شعيب في حديث ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيل ( كيلا خ ل ) مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو نقص وإما أن آخذه أنا بذلك. قال : نعم لا بأس به » (١) ‌والنصوص الواردة في إرسال النبي (ص) عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليخرص عليهم حصته (ص) ، كصحيح الحلبي : « أخبرني أبو عبد الله (ع) أن أباه حدثه أن رسول الله (ص) أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها ، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فيقوم عليه قيمة ، وقال لهم إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمر ( الثمن خ ل ) وإما أعطيكم نصف الثمر ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض » (٢) ‌ونحوه صحيح يعقوب بن شعيب (٣) وصحيح أبي الصباح الكناني (٤).

[٢] فإن روايات أهل خيبر واردة فيها. الظاهر أن أصل العبارة : بل يجري في المساقاة.

[٣] كأنه لفهم عدم الخصوصية فيما ورد في التمر المشترك ، مثل صحيح يعقوب المتقدم‌.

[٤] كما عن صريح جماعة ـ كالمهذب والوسيلة وجامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار حديث : ٣.

١٢٤

نقيصته ، لبعض تلك الاخبار [١]. مضافا إلى العمومات العامة [٢]. خلافا لجماعة [٣]. والظاهر أنه معاملة مستقلة [٤]

______________________________________________________

والمهذب البارع ومجمع البرهان ـ وظاهر آخرين. وتقتضيه أصالة اللزوم وظاهر النصوص.

[١] وهو مرسل محمد بن عيسى المتقدم‌

[٢] يعنى عمومات صحة العقود.

[٣] منهم فخر المحققين في الإيضاح وشرح الإرشاد ، فذكر فيهما أن الأصح أنه إباحة ، وأن الخرص لا يملك ولا يضمن ، وفي القواعد : « ولو زاد فاباحة على اشكال » وفي الجواهر : « عن التنقيح وإيضاح النافع والميسية : الجزم بالعدم ». وكيف كان يظهر ضعف ذلك مما سبق.

[٤] قال في المسالك : « وعلى تقدير قبوله ـ يعني الزارع ـ يتوقف نقله إليه على عقد كغيره من الأموال بلفظ الصلح أو التقبيل ، على ما ذكره الأصحاب ». وفي النسبة إلى الأصحاب تأمل ظاهر ، فإن عبارة الشيخ في النهاية ـ التي هي الأصل لهذه المعاملة ـ خالية عن ذلك. وكذا عبارة الشرائع ، قال فيها : « يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع ، والزارع بالخيار في القبول والرد » ، ونحوها عبارة القواعد وغيرها.

نعم عن المختلف أنه نوع تقبيل وصلح ، وعن الدروس والمهذب البارع أنه نوع من الصلح. لكن ذلك لا يدل على لزوم إيقاع عقد الصلح أو التقبيل زائداً على الخرص وقبوله. نعم عن جامع المقاصد : أنه لا بد من صيغة عقد ، وفي المقام قال : « لا بد من إيجاب وقبول بلفظ التقبيل أو الصلح أو ما أدى هذا المعنى ». ولكنه غير ظاهر. وحينئذ لا دليل على لزوم إنشاء المعاملة بعقد زائد على الخرص وقبوله ، والأخبار تأباه وتمنعه.

١٢٥

وليست بيعاً [١] ، ولا صلحاً معاوضياً [٢] ،

______________________________________________________

[١] في مفتاح الكرامة : « اتفقوا على أنه ليس بيعاً ، غير أنه في التذكرة تردد في جواز عقدها بلفظ البيع » ، وفي الجواهر : « عن التذكرة أنه احتمل كونها بيعاً » ، ثمَّ قال : « إنه بعيد ، لشدة مخالفته لقواعد البيع ، وذكر الأصحاب له في بيع الثمار أعم من ذلك ». لكن المخالفة لقواعد البيع لا تهم ، لجواز اختلاف أنواع البيع في الأحكام ، ولذا اختلف بيع الثمار عن بيع غيرها ، فجاز فيها بيع المعدوم والمحتمل الوجود والمجهول المقدار والصفات وغير ذلك.

والعمدة أن في حاق البيع اعتبار مبادلة بين مالين ، والمقام لم يقصد فيه ذلك ، وإنما قصد فيه تحديد الجزء المشاع لا غير. نعم قد أخذ فيه شرطاً الاذن في التصرف لكنه زائدا على مفهومه ، فالخرص من قبيل تبديل وصف الشي‌ء بوصف آخر ، لا تبديل ذات الشي‌ء بذات أخرى الذي هو داخل في قوام البيع.

[٢] قد تقدم ما عن الدروس والميسية من أنه نوع من الصلح ، وكذلك ما عن المختلف من أنه نوع تقبيل وصلح ، وعن بيع جامع المقاصد أن الذي يقتضيه النظر أنه نوع من الصلح ، ومال إليه في الجواهر ، ولكنه كما ترى ، إذا الصلح يجب أن يكون منشأ بعنوان كونه صلحاً ، فيقول الموجب : صالحت ، ويقول القابل : قبلت ، فلو كان المنشأ متعلق الصلح كان عقداً آخر ، لا صلحاً ضرورة. وبذلك افترق الصلح عن غيره من العقود ، فاذا قال الرجل للمرأة : صالحتك على أن أكون زوجاً لك وتكوني زوجة لي ، فقبلت ، كان صلحاً ، وإذا قال لها : تزوجتك ، فقالت : قبلت ، كان تزويجاً ، فالفرق بين الصلح وغيره من العقود : أن الصلح يكون منشأ بعنوان كونه صلحاً وفي غيره يكون المنشأ أمراً آخر‌

١٢٦

فلا يجري فيها إشكال اتحاد العوض والمعوض [١] ، ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة [٢] ، ولا اشكال الربا [٣] ولو بناء على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع [٤]

______________________________________________________

وحيث أن المنشأ في المقام الخرص والتحديد كان مفهوماً مقابلا للصلح ولا يكون صلحاً.

[١] يكفي في تحقق المعاوضة الاختلاف ولو في الجملة ، فقد ذكر في الجواهر أن المعوض عنه الحصة المشاعة ، والعوض المقدار المخصوص من مجموع الحصتين.

[٢] أشار بذلك الى ما ذكره الحلي في السرائر ، قال : « الذي ينبغي تحصيله أنه لا يخلو أن يكون قد باعه حصته من الغلة والثمرة بمقدار في ذمة من الغلة والثمرة ، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض فعلى الوجهين معاً البيع باطل ، لأنه داخل في المزابنة والمحاقلة ، وكلاهما باطلان. وإن كان ذلك صلحاً لا بيعاً فان كان ذلك بغلّة وثمرة في ذمة الأكار ـ الذي هو الزارع ـ فإنه لازم له سواء هلكت الغلة بالآفة السماوية أو الأرضية ، وإن كان ذلك الصلح بغلّة من تلك الأرض فهو صلح باطل ، لدخوله في باب الغرر ، لأنه غير مضمون ، فان كان ذلك فالغلة بينهما سواء زاد الخرص أو نقص تلفت منهما أو سلمت لهما ، فليلحظ ذلك ، فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا وتشهد به الأدلة ، فلا يرجع عنهما بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ». ولا يخفى ما فيه بناء على ما ذكر في المتن. من أنه معاملة مستقلة وليست بيعاً ولا صلحاً ، إذ لا يشملها النهي عن بيع المزابنة والمحاقلة.

[٣] لاختصاصه بالمعاوضات ، والمقام ليس منها ، وإنما هو تحديد وتقدير.

[٤] تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة والعشرين من فصل : « لا يجوز‌

١٢٧

وجريانه في مطلق المعاوضات. مع أن حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون [١]. ومع الإغماض عن ذلك كله يكفي في صحتها الأخبار الخاصة. فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبت بالنصوص. ولتسم بالتقبل [٢] وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع [٣]. نعم يمكن أن يقال : إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي [٤]. فكأنهما يتسالمان على أن يكون حصة أحدهما من المال المشترك كذا مقداراً والبقية للآخر ، شبه القسمة أو نوع منها. وعلى ذلك يصح إيقاعها بعنوان الصلح [٥] على الوجه المذكور‌

______________________________________________________

إجازة الأرض ... » من كتاب الإجارة.

[١] كما صرح به في الجواهر في كتاب البيع ، والربا في البيع يختص بالمكيل والموزون.

[٢] قال في المسالك في باب بيع الثمار : « ظاهر الأصحاب أن الصيغة تكون بلفظ القبالة وأن لها أحكاماً خاصة زائدة على البيع والصلح ... ( الى أن قال ) : لا دليل على إيقاعه بلفظ التقبيل أو اختصاصه به ». وهو كما ذكر ، لكن نسبة الحكم إلى ظاهر الأصحاب غير ظاهرة ـ كما عرفت ـ وأن عبارات الشيخ والمحقق والعلامة ـ في القواعد ـ وغيرهم تأباه فإنهم عبروا بالخرص ، وهو مجرد التقدير والتحديد.

[٣] ولو سلمت فالخرص من المعهود شرعاً وعرفاً ، فلا إشكال في شمول عمومات صحة العقود له.

[٤] قد عرفت أن الصلح يجب أن يكون إنشاؤه بعنوان الصلح ، فاذا كان الإنشاء بعنوان آخر لم يكن صلحاً.

[٥] صحة الإيقاع بعنوان الصلح لا تتوقف على ما ذكره ، بل تكون‌

١٢٨

ـ مع قطع النظر عن الاخبار [١] أيضاً ـ على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض [٢] وعلى هذا لا يكون من التقبيل والتقبل [٣]. ثمَّ إن المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة [٤] ، بل يكفي كل لفظ دال على التقبل. بل الأقوى عدم الحاجة الى الصيغة أصلا [٥] ، فيكفي فيها مجرد التراضي ، كما هو ظاهر الاخبار‌

______________________________________________________

حتى إذا قلنا بأنها غير الصلح ، فان جميع عناوين العقود يصح إيقاعها في ضمن إيقاع الصلح ، ولا يقتضي أنها نوع من الصلح ، كما عرفت ذلك في صدر المسألة.

[١] اعتماداً على ما دل على صحة الصلح وأنه جائز بين المسلمين (١).

[٢] وكذا إذا لم يرتفع ، إذ لا دليل على قدح الغرر في الصلح ، وكذا في غيره غير البيع ونحوه.

[٣] الظاهر أن التقبيل والتقبل يختص اصطلاحاً بالأرض ، ومفهومه قريب من معنى الإجارة ، ولا يكون في غير الأرض إلا مجازاً.

[٤] كما تقدم عن المسالك ، وإن كان قد نسب الاحتياج الى ظاهر الأصحاب.

[٥] هذا غير ظاهر ، بل ظاهر النصوص والفتوى أن الخرص من العقود المحتاجة إلى إنشاء بإيجاب وقبول ، وفي الجواهر : « لا ريب في اعتبار الصيغة ، وخلو نصوصها عنه كخلو أكثر نصوص العقود عن ذلك » وفيه : أن النصوص مشتملة على الأقوال على اختلاف في مضامين تلك الأقوال ، وكلها ظاهرة فيما ذكرنا من الإنشاء بالعقد اللفظي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب كتاب الصلح حديث : ١ ، ٢ وفي بقية أخبار الأبواب دلالة على المطلوب.

١٢٩

والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل وإدراكه [١] فلا يجوز قبل ذلك. والقدر المتيقن من الاخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع [٢] ، فلا يصح الخرص وجعل المقدار في الذمة من جنس ذلك الحاصل [٣] نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح [٤] ـ على الوجه الذي‌

______________________________________________________

[١] كما يشهد به مرسل محمد بن عيسى (١) وصحاح الحلبي والكناني ويعقوب بن شعيب الواردة في إرسال النبي (ص) عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر بعد ما أدركت الثمرة أو بلغت (٢) ، فان ذكر القيد المذكور في مقام البيان يدل على اعتباره في الحكم ، ويظهر من المسالك المفروغية من اعتباره.

[٢] في الجواهر أنه المنساق من النصوص ، وصرح به جماعة ، بل هو المشهور ، بل ظاهر جامع المقاصد نسبته إلى تصريح الأصحاب. انتهى. وقد عرفت أن المفهوم من الخرص في النص والفتوى ليس إلا تقدير الحصة المشاعة المبهمة بقدر معين من دون تبديل شي‌ء بشي‌ء ولا معاوضة بين شيئين.

[٣] لأنه لما كان معاوضة والعوض في الذمة فلا يكون من الخرص المذكور في النصوص والفتوى ، وإنما يكون بمعنى آخر ، ويكون حينئذ من قبيل البيع ، إذ هو معاوضة بين الحصة المشاعة وبين ما في الذمة ولا يلزم محذور الربا ، لكون المبيع ليس من المكيل والموزون ، كما لا يلزم الغرر ، للاعتماد على قول أهل الخبرة إذا كان الخرص منهم.

[٤] قد عرفت أن الصلح يجري في جميع المعاملات على أن يكون المنشأ نفس الصلح ، وتكون المعاملة مورداً للصلح وموضوعاً له.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٤.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٠ من أبواب بيع الثمار.

١٣٠

ذكرنا ـ لا مانع من ذلك فيه. لكنه ـ كما عرفت ـ خارج عن هذه المعاملة [١]. ثمَّ إن المشهور بينهم أن قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل [٢] ، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما. ولعله لأن تعيين الحصة في المقدار المعين [٣] ليس من باب الكلي في المعين [٤] ، بل هي باقية على إشاعتها. غاية الأمر تعيينها في مقدار معين. مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما ، والظاهر أن المراد‌

______________________________________________________

[١] لكنه داخل في عنوان الصلح.

[٢] في جامع المقاصد : أنه ذكره الأصحاب ، وفي المسالك : أنه المشهور بين الأصحاب. ومستنده غير واضح ، وحكمه لا يخلو من إشكال إن لم يكن انعقد عليه الإجماع وأنى لهم به؟! وإنما هو شي‌ء ذكره الشيخ في بعض كتبه وتبعه عليه الباقون معترفين بعدم النص ظاهراً على هذه اللوازم.

[٣] قد عرفت أن هذا هو الذي يقتضيه ظاهر النصوص والفتاوى.

[٤] وفي الجواهر : « لا يحتاج ذلك ( يعني ما ذكره المشهور ) إلى تنزيل العوض على الإشاعة ، إذ يمكن أن لا يكون كذلك وإن كان كلياً مضموناً في العين بشرط السلامة ، للدليل نحو ما سمعته في خبر الأطنان » ‌(١). ولعله إلى ذلك يشير ما في بعض الحواشي من أن مجرد كون التلف عليهما لا يوجب البقاء على الإشاعة. انتهى. لكن الدليل الذي ذكره غير ظاهر والقواعد تقتضي كون التلف على غير مالك الكلي ، ولا يشاركه مالك الكلي فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب عقد الربيع حديث : ١.

١٣١

من الآفة الأرضية [١] ما كان من غير الإنسان ، ولا يبعد لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضاً به [٢]. وهل يجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو كليهما في مقدار؟ وجهان أقواهما العدم [٣].

( مسألة ٢١ ) : بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من من أول الأمر في الزرع يجب على كل منهما الزكاة [٤] إذا كان نصيب كل منهما بحد النصاب ، وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما. وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمرة ، لأن تعلق الزكاة بعد صدق الاسم [٥] وبمجرد الظهور لا يصدق [٦]. وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق‌

______________________________________________________

[١] يعني المذكور في كلام الجماعة.

[٢] لوجود المناط فيه ، وهو الإشاعة المقتضية للاشتراك. وكان المناسب للمصنف الجزم بذلك.

[٣] لقصور نصوص المقام عن شمول ذلك. نعم إذا كان المراد من الخرص معنى آخر ـ غير المعنى الاصطلاحي المذكور في النصوص والفتاوى ـ وهو المعاوضة على الحصة المشاعة بعوض في الذمة صح ـ كما تقدم ـ عملا بالعمومات ، حتى إذا كان المقصود البيع ، لارتفاع الغرر بخرص أهل الخبرة والعدم كون المبيع من المكيل والموزون فلا يلزم الربا.

[٤] لأن الشرط في وجوب الزكاة الملك ، والمفروض حصوله بالنسبة إليهما.

[٥] تقدم في كتاب الزكاة الاستدلال عليه.

[٦] فاذا حصل الملك حينئذ فقد تحقق الملك ، بالنسبة إليهما ، وإذا‌

١٣٢

الاسم أو حين الحصاد والتصفية فهي على صاحب البذر منهما لأن المفروض أن الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت ، فتتعلق الزكاة في ملكه [١].

( مسألة ٢٢ ) : إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة والقسمة ، فنبت بعد ذلك في العام الاتي ، فان كان البذر لهما فهو لهما ، وإن كان لأحدهما فله ، إلا مع الاعراض [٢] ، وحينئذ فهو لمن سبق. ويحتمل أن يكون لهما مع عدم الاعراض [٣] مطلقاً [٤] ، لأن المفروض شركتهما في الزرع وأصله وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث ، وهو الأقوى [٥].

______________________________________________________

كان الشرط الملك حال صدق الاسم فالظاهر وجوب الزكاة عليهما ، عملا بإطلاق الأدلة. وكان المناسب للمصنف التعرض له ، فتكون الصور أربع ولا وجه للاقتصار على الصور الثلاث.

[١] دون صاحبه ، لتأخره عن ذلك ، فيجب عليه دون صاحبه.

[٢] لكن الاعراض لا يوجب الخروج عن الملك ، لعدم الدليل عليه ، كما تقدم في كتاب الإجارة. نعم مع الاعراض يجوز تملكه لمن سبق إليه إذا بقي الاعراض بحاله ، أما إذا زال الاعراض حين صيرورته زرعاً فلا يملكه من سبق إليه ، بل هو لمالكه.

[٣] وكذا مع الإعراض ، لأن الاعراض لا يرفع الملكية.

[٤] يعني : وإن كان البذر من أحدهما.

[٥] قد عرفت في المسألة الخامسة عشرة أن الاشتراك يكون في جميع التطورات الواردة على البذر ، ولا يختص بالحاصل ، ومنها أصول الزرع‌

١٣٣

وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحب [١] فنبت ، فإنه مشترك بينهما مع عدم الاعراض [٢]. نعم لو كان الباقي حب مختص بأحدهما [٣] اختص به. ثمَّ لا يستحق صاحب الأرض أجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به وإن انتفع بها ، إذ لم يكن ذلك من فعله [٤] ، ولا من معاملة واقعة بينهما [٥].

______________________________________________________

فتكون مشتركة بينهما. ثمَّ إن المصنف حرر المسألة بما إذا نبت أصل الزرع ولا ينبغي التأمل في اشتراك النابت بينهما. لاشتراك أصل الزرع. وفي التذكرة حرر المسألة بما إذا نبت الحب ، ومثله في الجواهر. ولا ينبغي التأمل في اختصاص النابت بصاحب البذر للتبعية ، ولذا نسب في التذكرة ذلك إلى علمائنا والشافعي ، معللا له : بأنه عين ماله ، وحكى عن أحمد القول بأنه لصاحب الأرض ، ولم يحك عن أحد القول بالاشتراك. ومن ذلك تعرف اختلاف حكم المسألتين.

[١] يعني : من الحاصل المشترك.

[٢] وكذا مع الاعراض ، كما عرفت.

[٣] من جهة قسمة الحاصل.

[٤] كما لو أطارت الريح الحب إلى أرض زيد فصار زرعاً. اللهم إلا أن يقال : الاستيفاء الموجب للضمان أعم من ذلك. لكنه غير ظاهر والأصل البراءة ، ولأجل ذلك يظهر ما جزم في الجواهر من أن عليه أجرة الأرض لمالكها.

[٥] يعني حتى يكون الأمر الحاصل من المعاملة موجباً لصدق الاستيفاء فان الاستيفاء كما يحصل بمباشرة استيفاء المنفعة يحصل أيضاً بالأمر بالفعل ، كما إذا أمره بحلق رأسه فامتثل الأمر وحلق ، فان الآمر يكون هو المستوفي للمنفعة.

١٣٤

( مسألة ٢٣ ) : لو اختلفا في المدة وأنها سنة أو سنتان مثلا فالقول قول منكر الزيادة [١]. وكذا لو قال أحدهما : إنها ستة أشهر والأخر قال : إنها ثمانية أشهر [٢]. نعم لو ادعى المالك مدة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادرا ففي تقديم قوله إشكال [٣]. ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة. هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدة أو الحصة وعدمها. وأما لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد وأنه وقع على كذا أو كذا ، فالظاهر التحالف [٤]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر ، بل في جامع المقاصد : الإجماع عليه. ويقتضيه الأصل. فإن قلت : إذا كان الشك في المدة أنها سنة أو سنتان فقد شك في بقاء المزارعة بعد السنة ، والأصل بقاؤها. قلت : الشك في البقاء ناشئ من الشك في جعل المتعاقدين والأصل عدم جعل الزيادة ، فيكون حاكماً على أصالة بقاء المزارعة.

[٢] لعين ما سبق.

[٣] لمخالفته لأصالة الصحة المقدمة على أصالة عدم الزيادة ، لما عرفت من اعتبار كون المدة كافية في بلوغ الزرع في صحة المزارعة.

[٤] قال في جامع المقاصد : « لو لا الإجماع لأمكن أن يقال : إن اتفاقهما على عقد تضمن تعيين مدة وحصة نقل عن الأصل المذكور وكل منهما مدع لشي‌ء ومنكر لما يدعيه الآخر ، وليس إذا ترك دعوى الزيادة مطلقاً يترك ، فإنه إذا ترك العمل طالبه به. نعم يجي‌ء هذا إذا وقع الاختلاف عند انتهاء الأمر. فيجب التحالف ، وهو قول الشافعي في نظيره في المساقاة ». وأشكل عليه في المسالك : بأن العقد المتضمن لهما‌

١٣٥

______________________________________________________

( يعني المدة والحصة ) أنما أخرج عن حكم الأصل ـ أصل المدة والحصة ـ أما في قدر معين فلا ، فيبقى إنكار الزيادة فيهما بحاله لم يخرج عن حكم الأصل بشي‌ء. والمراد بمن يترك إذا ترك في نفس ذلك المدعى ، وهو هنا المدة الزائدة ، والحصة الزائدة ، أما العمل فهو أمر خارج عن الدعوى فلا أثر للمطالبة في هذه المنازعة ».

أقول : إذا كان مدعي الزيادة الزارع فهو إذا ترك الدعوى ترك ولا يطالب حتى بالعمل ، لأن المالك المنكر للزيادة ليس له المطالبة بالعمل لأنها مطالبة بغير حق بعد اعترافه بعدم الزيادة ولأجله يشكل ما يظهر من المسالك من جواز مطالبة المنكر بالعمل. لكنه خارج عن محل الدعوى.

وأما ما في جامع المقاصد من دعوى التحالف في المقام فقد تكرر منه نظيره في موارد كثيرة ـ كما يظهر من مراجعة ما ذكرناه في كتاب الإجارة في جملة من مباحث التنازع ـ ووافقه عليه في الجواهر في بعضها وربما وافقه هنا أيضاً في الجملة. قال (ره) : « لا ريب في عدم التحالف في مسألة المدة لو كانت في نفس استحقاق الزائد منها من دون تعرض في الدعوى لسببه ، ضرورة كون إنكارها على مقتضى الأصل ، أما لو كانت الدعوى في سبب استحقاقها بعد اتفاقهما على كونه عقداً مشخصاً ووقع النزاع في كيفية تشخيصه ـ فقال المالك مثلا : إنه بمدة قليلة ، وقال العامل : أنه بمدة كثيرة ـ فلا ريب في أن المتجه التحالف لكون كل منهما مدعياً ومنكراً ، ودعوى كل منهما مخالفة الأصل. والقلة والكثرة بالنسبة إلى تشخيصهما العقد على حد سواء في مخالفة الأصل. إلا أن ظاهر الأصحاب هنا تقديم قول مدعي القلة حتى لو كانت الدعوى على الفرض المزبور ». وما نسبه الى ظاهر الأصحاب هو المتعين.

وما ذكره في توجيه التحالف إنما يتم بناء على أن المعيار في تشخيص‌

١٣٦

______________________________________________________

المدعي والمنكر مصب الدعوى ، لكن الظاهر خلافه ، وأن المعيار في تشخيص ذلك الغرض المقصود من الدعوى ، كما أشرنا إلى ذلك في شرح المسألة الأولى من فصل التنازع من كتاب الإجارة ، وأشار إليه المصنف (ره) في كتاب القضاء.

وقد قال في الجواهر في مسألة ما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو في قدر الأجل أو نحو ذلك ، قال ـ بعد أن ذكر اختلاف الحكم باختلاف إبراز الدعوى ـ : « قد يقال : بأن القول قول مدعي الأقل على أي حال أبرزت الدعوى إذا كان المراد إشغال الذمة بالأكثر ، ضرورة أن أقصى الاختلاف في السببين ـ أي السبب الموجب للأقل والسبب الموجب للأكثر ـ ولا ريب في موافقة الأصل للأول. ومن هنا أفتى الأصحاب من غير خلاف يعتد به في سائر المقامات حتى في الجنايات الموجبة للمال لو وقع النزاع في السبب الموجب للأقل منها أو الأكثر. فلاحظ وتأمل ، فإن ذلك هو التحقيق في المسألة ، بل هو الذي يوافق صدق المدعي عرفاً ».

والمتحصل مما ذكرناه أمور : ( الأول ) أن جامع المقاصد أرجع النزاع في جميع هذه الموارد الى النزاع في تشخيص العقد وجعله من التداعي. ( الثاني ) : أن صاحب الجواهر فصل بين أن يكون مصب الدعوى تشخيص العقد وأن يكون الزائدة والنقصان ، فعلى الأول يكون من التداعي وعلى الثاني يكون من المدعي والمنكر. وتبعه عليه المصنف (ره) هنا وفي بعض الموارد الأخرى. ( الثالث ) : أن ظاهر الأصحاب ـ هنا وفي جميع الموارد ـ أن المدار في تشخيص المدعي والمنكر الغرض المقصود ، كما اعترف به جامع المقاصد والجواهر والمصنف. ( الرابع ) : أن صاحب الجواهر قد حقق في بعض كلام له في كتاب البيع أن التحقيق ما هو ظاهر الأصحاب.

١٣٧

ـ وإن كان خلاف إطلاق كلماتهم [١] ـ فان حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة.

( مسألة ٢٤ ) : لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو للعوامل على أيهما فالمرجع التحالف [٢] ، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة [٣].

( مسألة ٢٥ ) : لو اختلفا في الإعارة والمزارعة ، فادعى الزارع أن المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة ، والمالك ادعى المزارعة ، فالمرجع التحالف أيضاً [٤] ، ومع حلفهما أو نكولهما‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أنه هو الذي يقتضيه التحقيق ، وقد تقدم في كتاب الإجارة ما له نفع في المقام.

[٢] قد تقدم القول بأن إطلاق المزارعة يقتضي كون البذر على العامل وعليه فالخلاف يكون بينهما في اشتراط كونه على المالك وعدمه ، ومقتضى ذلك كون القائل بكونه على المالك مدعياً لمخالفة قوله الأصل والإطلاق ، وخصمه منكراً لموافقة قوله الإطلاق ، فيكون على الأول البينة وعلى الثاني اليمين.

[٣] لعدم الباذل للبذر الذي لا بد منه في قوامها. وكذا في بقية الأمور. ثمَّ إن هذا الانفساخ ليس واقعياً ، بل هو بحسب حكم القاضي فمن يعلم أن عليه البذر يجب عليه بذله والعمل بمقتضى الشرط والعقد.

[٤] لأن كلا منهما يدعي خلاف الأصل ، إذ الأصل عدم المزارعة وعدم العارية : قال في الشرائع : « لو اختلفا فقال الزارع : أعرتنيها » وأنكر المالك وادعى الحصة أو الأجرة ، ولا بينة ، فالقول قول صاحب الأرض ، ويثبت له أجرة المثل مع يمين الزارع. وقيل : يستعمل القرعة.

١٣٨

تثبت أجرة المثل للأرض [١]. فإن كان بعد البلوغ فلا اشكال‌

______________________________________________________

والأول أشبه ». وكأن مراده أن القول قول صاحب الأرض في عدم العارية ، لا في دعواه الحصة أو الأجرة ، كما عبر بذلك في القواعد ، قال : « ولو ادعى العامل العارية والمالك الحصة أو الأجرة قدم قول المالك في عدم العارية ، وله أجرة المثل مع يمين العامل ما لم تزد عن المدعى » ، ونحوها عبارة التذكرة.

ولا يخفى ما فيها من سقم التعبير ، فإنها توهم أن المالك منكر والعامل مدع ، مع أن كلا منهما مدع من جهة ومنكر من جهة ، فإن المالك مدع للحصة ومنكر للعارية والعامل مدع للعارية ومنكر للحصة ، فيقدم قول كل منهما في نفي دعوى الآخر بيمينه ، وهذا هو التداعي الذي حكمه التحالف ، كما عبر به العلامة في التحرير ، قال : « لو ادعى العارية وادعى المالك الحصة أو الأجرة ولا بينة تحالفا ، ويثبت لصاحب الأرض أجرة المثل » ، وتبعه في ذلك المصنف. وهو واضح معنى ودليلا.

[١] قد عرفت أن البناء على التحالف واضح. ولكن الإشكال في استحقاق المالك أجرة المثل ، فإنه لا يدعيه وإنما يدعي الحصة المسماة ، ولم تثبت بالبينة ، بل بنى على انتفائها بيمين المنكر ، فما الذي اقتضى إثبات أجرة المثل؟! ولذلك حكي عن عارية الخلاف والمبسوط والغنية واللمعة والكفاية : العدم. وذكر الأردبيلي (ره) في شرحه للإرشاد في مسألة ما لو ادعى مالك العين الإجارة والمتصرف بها العارية أنه إذا حلف المتصرف على نفي الإجارة لم يلزمه شي‌ء عوض التصرف ، لأصالة البراءة ، ولا نسلم أن الأصل حصول أجرة وعوض لصاحب المال. انتهى. وظاهر كلامه ـ يعني كلام الأردبيلي (ره) ـ إنكار أصالة ضمان المال.

ولذلك أشكل عليه في الجواهر : بأن أصل البراءة مقطوع بقاعدة‌

١٣٩

______________________________________________________

الضمان المستفادة من قوله : « على اليد .. » و« من أتلف ... » ‌ونحوهما ، وإلا لزم عدم ضمان كل متلف لكل مال شخص بدعوى الهبة ، بل لا يحتاج إلى الدعوى بأصالة البراءة ، والتزامه واضح الفساد. والفرق بين المنفعة والعين أوضح فساداً ، وذهاب اليمين بما فيها إنما هو بالنسبة إلى ما نفته من الأجرة والحصة المسماة لا غيرهما ، كما هو واضح. انتهى.

وكان الأولى الاستدلال بما دل على ضمان المنفعة بالاستيفاء من إجماع العرف والمتشرعة عليه. وكيف كان فاذا كان الوجه في عدم ضمان أجرة المثل في المقام عدم الدليل على ضمان المنفعة بالاستيفاء فإشكاله ظاهر ، وضعفه واضح. وإن كان الوجه فيه أن دعوى المالك الأجرة المعينة أو الحصة تستلزم الاعتراف بعدم استحقاق غيرها من أجرة المثل أو غيرها ، فيؤخذ باعترافه وإقراره. ففي محله ، عملا بعموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

اللهم إلا أن يقال : إن دعوى الضمان بالأجرة المعينة أو الحصة راجعة إلى دعوى الضمان المقيد ، فان كان التقييد على نحو وحدة المطلوب تمَّ ما ذكر ، أما إذا كان على نحو تعدد المطلوب ، بأن كان المالك يدعي الضمان ويدعي كونه على نحو خاص ، فاذا بطلت دعوى الخصوصية بيمين العامل بقي أصل الضمان بحاله ، ولا اعتراف منه حينئذ بعدم الاستحقاق. ولا يبعد أن المرتكزات العرفية توافق على ذلك ، فلا مجال إذاً للمناقشة فيه. وقد تقدم في المسألة الستين من كتاب المضاربة بعض الكلام في ذلك. فراجع.

هذا وقد أطلق المصنف وجوب أجرة المثل بعد التحالف ، كما في الشرائع وغيرها. لكن عرفت التقييد في كلام القواعد بعدم زيادة أجرة المثل على الأجرة أو الحصة. ووجهه : أن دعواه الأجرة أو الحصة يقتضي‌

١٤٠