مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

نعم لا يبعد جوازها في العام الواحد الى بلوغ الثمر [١] من غير ذكر الأشهر ، لأنه معلوم بحسب التخمين ، ويكفي ذلك في رفع الغرر [٢]. مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة [٣]

______________________________________________________

المدة إلى زمان البلوغ ، وتكون المعاملة على سقيه بمقدار الحاجة لا غير ، وتنتهي قبل البلوغ.

[١] حكى في المسالك ذلك عن ابن الجنيد ، لكن عبارته المحكية خالية عن ذكر العام الواحد. قال في المختلف. « وقال ابن الجنيد : ولا بأس بمساقاة النخل وما شاكله سنة وأكثر من ذلك إذا حصرت المدة أو لم تحصر » فان ظاهر عدم الحصر الدوام. نعم هذا القول احتمله في القواعد ، قال : « ولو قدر المدة بالثمرة فإشكال » ، وفي المسالك : أن له وجهاً ، وجعل الأجود هو المشهور.

[٢] قد أشرنا في كتاب المزارعة إلى أن الغرر إنما يكون للجهل بالخصوصيات التي تختلف بها المالية ، ولما كانت المالية قائمة بالثمرة والمدة طريق إلى الثمرة فتعين المدة دون الثمرة ربما يؤدي إلى الغرر ، لعدم بلوغ الزرع ، فيكون قلعه موجباً للضرر وإبقاؤه موجباً للخسارة المالية ، بخلاف بلوغ الثمرة ، فإنه لا غرر فيه على العامل ولا على المالك ، إذ لا يترتب الأثر على التصرف بالأرض بعد بلوغ الثمرة.

[٣] في الجواهر احتمل فيها الظهور في الدوام ، لعدم ذكر المدة. ولكنه غير ظاهر ، لأن عدم ذكر المدة يقتضي إطلاق الرواية من حيث الدوام والانقطاع ، فهي كما تدل على صحة المساقاة في المدة المحدودة تقتضي صحتها في صورة قصد الدوام ، كما عرفت.

١٦١

( الثامن ) : أن يكون قبل ظهور الثمر [١] ، أو بعده وقبل البلوغ [٢] ، بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر. وأما إذا لم يكن كذلك ففي صحتها إشكال [٣] وان كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك. ( التاسع ) : أن يكون الحصة معينة مشاعة [٤] ، فلا تصح مع عدم تعيينها‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « وتصح قبل ظهور الثمرة ، وهل تصح بعد ظهورها؟ فيه تردد ، والأظهر الجواز بشرط أن يبقى للعامل العمل وإن قل مما تستزاد به الثمرة » ، ونحوه في القواعد وغيرها. أما الصحة في حال عدم ظهور الثمرة فقد حكى عليها الإجماع جماعة ، وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » : وهو المتيقن من نصوص الباب.

[٢] كما تقدم في الشرائع وغيرها ، ونسب إلى المشهور ، بل لم يتضح وجود مخالف صريح فيه ، ونصوص الباب شاملة له بإطلاقها ، إذ لا قرينة على اختصاصها بما قبل الظهور ، ودعوى ذلك في الجواهر غير ظاهرة. مضافاً إلى عموم الوفاء بالعقود. وحمله على المتعارف ـ كما احتمله في الجواهر ـ غير ظاهر. مع أن المقام ليس بعيداً عن المتعارف. نعم العموم لا يثبت المساقاة.

[٣] وفي جامع المقاصد والمسالك : أنه لم يصح إجماعاً ، وكذا في غيرهما ، ولأجله يشكل الأخذ بإطلاق وجوب الوفاء بالعقود ونحوه. اللهم الا أن يكون المراد أنه لا تصح مساقاة ، لا أنها لا تصح مطلقاً ، ولذا حكي عن بعض جواز ذلك. وحينئذ فالبناء على الأخذ بالعموم متعين ، لعدم وضوح المقيد له وإن لم تثبت به المساقاة.

[٤] أما اعتبار التعيين في مقابل الترديد فوجهه واضح إذ المردد لا يقبل أن يكون موضوعاً لحكم من الأحكام إذ لا وجود له في الخارج ،

١٦٢

إذا لم يكن هناك انصراف ، كما لا تصح إذا لم تكن مشاعة ، بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيناً والبقية للآخر. نعم لا يبعد جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر أخرى [١].

______________________________________________________

وأما اعتبار التعيين في مقابل ما يقبل الزيادة والنقيصة ـ مثل جزء من الثمرة أو شي‌ء منها أو بعضها أو نحو ذلك مما لا تحديد فيه ولا تقدير ـ فقد صرح به في كلام جماعة بل قيل : « طفحت عباراتهم بذلك » وعن التذكرة وجامع المقاصد : الإجماع عليه ، ويقتضيه الاقتصار على ظاهر النصوص لاختصاصها بالحصة المعينة.

وأما اعتبار الإشاعة فقد ادعى غير واحد نفي الخلاف فيه ، وعن مجمع البرهان نفي الشك فيه ، وقد ذكره الجماعة ( رض ) مرسلين له إرسال المسلمات ويقتضيه الاقتصار على ظاهر نصوص الباب.

[١] قال في الشرائع : « ولا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا ، فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة ، وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة لم تصح المساقاة ، وكذا لو شرط لنفسه شيئاً معيناً وما زاد بينهما ، وكذا لو قدر لنفسه أرطالا وللعامل ما فضل أو عكس ذلك ، وكذا لو جعل حصة نخلات بعينها وللآخر ما عداها » ، ونحوه كلام القواعد وغيرها. والجميع صريح في اعتبار الإشاعة في صحة المساقاة أولاً ، واعتبار عموم الإشاعة في جميع الثمرة ثانياً ، وتقديرها بالكسر المشاع ثالثاً.

وما ذكره المصنف هنا ينافي اعتبار أصل الإشاعة في الجملة ، الذي صرح باعتبارها. ( وحملها ) على ما يقابل اختصاص أحدهما بمقدار معين والبقية للآخر لا مطلق الإشاعة ( غير ظاهر ) فالتفصيل بلا فاصل ، إذ لو بني على الاقتصار على مورد النصوص لزم اعتبار الإشاعة في تمام الثمرة على السوية. وإذا بني على الرجوع الى الأدلة العامة اقتضت‌

١٦٣

بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة [١] والاشتراك في البقية ، أو اشتراط لأحدهما مقدار معين مع الاشتراك في البقية إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار وأنه تبقى بقية. ( العاشر ) : تعيين ما على المالك من الأمور وما على العامل من الأعمال [٢] إذا لم يكن هناك انصراف.

______________________________________________________

إلغاء اعتبار الإشاعة بالمرة ، فالتفصيل في اعتبار الإشاعة بين أن تكون بالمعنى المذكور في كلام المصنف دونها بالمعنى الأخر بلا فاصل. بل هذه الصورة أولى بالبطلان من الصورة الأولى ، إذ لا إشاعة فيها أصلا ، بخلاف الأولى فإن فيها إشاعة في تمام الثمرة ، غاية الأمر أن حصة أحدهما مقدرة بالوزن.

وبالجملة فكلام المصنف يتوجه عليه الاشكال من وجوه : ( الأول ) : أنه متناف في نفسه لأن اعتبار الإشاعة ينافي القول بالجواز في هذه الصورة ( الثاني ) : أنه مخالف لكلام الفقهاء. ( الثالث ) : أنه مخالف للأدلة الخاصة ، لاقتضائها المنع من هذه الصورة ، والعامة لاقتضائها الجواز في الصورة الأولى.

[١] هذا وما بعده لا ينافيان اعتبار الإشاعة في الجملة ، لحصول الإشاعة بين حصتيهما في بعض الحاصل ، لكن الدليل على اعتبار الإشاعة قد عرفت أنه ظاهر في اعتبارها في جميع الثمرة ، فإذا بني على العمل به لم يجز هاتان الصورتان أيضاً ، كما عرفت في الصورة السابقة.

[٢] قد تقدم في كتاب المزارعة أن مقتضى إطلاق المساقاة وجوب جميع الأعمال المتعلقة بالثمرة على العامل وإن كانت مما لا يتكرر كل سنة أو كان مما يفتقر الى بذل المال ، مثل حفر الأنهار والآبار وتعمير الدولاب وغير ذلك ، لأن جميع ذلك يتوقف عليه عمل العامل الواجب ، وما يتوقف‌

١٦٤

( مسألة ١ ) : لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر [١] ، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والإدراك بحيث لا يحتاج الى عمل غير الحفظ والاقتطاف [٢]. واختلفوا في صحتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ [٣] ، والأقوى ـ كما أشرنا إليه [٤] ـ صحتها ، سواء كان العمل مما يوجب الاستزادة أولا [٥] ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض‌

______________________________________________________

عليه الواجب فهو واجب. نعم لما كان موضوع المساقاة الأصول تكون المساقاة مقتضية لكل عمل زائد على الأصول وما يتعلق بها من أعمال ، وإن كانت هي أيضاً يتوقف عليها وجود الثمرة ، لكنها خارجة عما تقتضيه المساقاة. وإن شئت قلت : المنصرف إليه الأعمال التي لا ترتبط بالأصول. وانما ترتبط بالثمرة لا غير. وسيأتي في المسألة التاسعة تمام الكلام فيه :

[١] قد تقدمت حكاية الإجماع على الصحة حينئذ.

[٢] تقدمت دعوى الإجماع من جامع المقاصد والمسالك وغيرهما على عدم صحة المساقاة حينئذ ، لكن حكي عن المهذب البارع أنه ذكر فيه : « أنه يكفي في الجواز بقاء عمل تنتفع به الثمرة ولو في إبقائها وحفظها ، فلو صارت رطبا تاماً وهي مفتقرة إلى الجذاذ والتشميس والكبس في الظروف جازت المساقاة عليها ». وقد عرفت أن مقتضى القواعد العامة الصحة وإن لم يكن بعنوان المساقاة ، وان نصوص الباب قاصرة عن إثباته.

[٣] قد عرفت أنه لم يعرف مخالف صريح في الجواز إذا كان العمل تستزاد به الثمرة. نعم تردد في الشرائع فيه واختار الصحة.

[٤] الذي تقدم منه الصحة في الصورة الأولى فقط وتوقف في الثانية.

[٥] قد عرفت أن أدلة الباب تقصر عن إثبات الصحة حينئذ ،

١٦٥

الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها.

( مسألة ٢ ) : الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها وإنما ينتفع بورقها [١] ، كالتوت والحناء ونحوهما.

______________________________________________________

لكن الأدلة العامة تقتضيها من غير مقيد ظاهر ، وإن كانت لا تثبت عنوان المساقاة. والمناقشة في عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٢) باختصاصهما بالعقود المتعارفة ـ كما احتمله في الجواهر ـ غير ظاهرة ، كما عرفت. مع أنه يمكن أن تكون المعاملة على ذلك إيقاعاً على نحو الجعالة لا عقداً.

[١] كما في القواعد : أنه أقرب ، وفي غيرها : أنه غير بعيد وحكي عن كثير من كتب المتأخرين ومتأخريهم ، بل الظاهر أنه المشهور. نعم تردد في الشرائع وحكي ذلك عن غيرها ، وكأنه لعدم وضوح إطلاق يقتضي الجواز والأصل عدم ترتب الأثر. لكن في صحيح يعقوب المتقدم : « إسق هذا من الماء ، واعمره ولك نصف ما أخرج » ‌والخارج كما يشمل الثمر يشمل الورق إذا كان هو المقصود من الشجر. لكن مورده غير ما نحن فيه ، فلا عموم فيه.

نعم في صحيح يعقوب الآخر قال (ع) : « وكذلك أعطى رسول الله (ص) خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (٣) ‌وكأنه الى ذلك أشار في المسالك بقوله : « وفي بعض الاخبار ما يقتضي دخوله ، والقول بالجواز لا يخلو من قوة ». لكن الاستدلال به يتوقف على العلم بوجود ما هو محل الكلام في خيبر.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

١٦٦

( مسألة ٣ ) : لا يجوز عندهم المساقاة على أصول غير ثابتة [١] ، كالبطيخ والباذنجان والقطن وقصب السكر ونحوها وإن تعددت اللقطات فيها كالأولين. ولكن لا يبعد الجواز ، للعمومات [٢] وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة. بل لا يبعد‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يكون بيان الإمام يقتضي العموم. ولعل مراد الحدائق من عدم وجود نص في المساقاة على ما كان كذلك. انتهى. عدم وجود النص بالخصوص فلاحظ.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من التفصيل بين أن تكون المساقاة على هذه الأشجار تبعاً فيجوز ومستقلا فلا يجوز ، للزوم الاقتصار على المتيقن فيما كان على خلاف الأصل ، وفيه من الغرر ما ليس في غيره. إذ العموم مقدم على الأصل ، والغرر غير قادح كلية. نعم الدليل الخاص يختص بصورة الانضمام فيكون من المساقاة المصطلحة ، وفي غيرها يكفي العموم وإن لم تكن منها. مع إمكان التعدي عن مورد الدليل الخاص الى غيره ، كما يقتضيه الارتكاز العرفي. ولذا لم يعرف التفصيل المذكور لغيره. اللهم إلا أن يقال إن الدليل على الصحة عام ، لكن الاصطلاح خاص.

[١] قد تقدم تعريف المساقاة في كلام المصنف ـ تبعاً للمشهور ـ بأنها معاملة على أصول ثابتة ، والأصول الثابتة لا تشمل ما هو محل الكلام وبعضهم أسقط هذا القيد ، وعن بعض أنه قرأ : « النابتة » بالنون بدل الثاء.

[٢] يعني عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٢) ونحوهما. لكن استشكل في الجواهر في ذلك بأن ( أَوْفُوا

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

١٦٧

الجواز في مطلق الزرع كذلك ، فان مقتضى العمومات الصحة [١] بعد كونه من المعاملات العقلائية ، ولا يكون من المعاملات الغررية [٢] عندهم ، غاية الأمر أنها ليست من المساقاة المصطلحة [٣].

( مسألة ٤ ) : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى‌

______________________________________________________

بِالْعُقُودِ ) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) لا يثبت بهما شرعية الافراد المشكوكة من المعاملة المعهودة التي لها أفراد متعارفة ، وإنما المراد من الأول بيان اللزوم ، ومن الثاني عدم أكل المال بالباطل إذا كان بالتجارة المتعارفة ، لا أن المراد شرعية كل عقد وكل تجارة يقع الاتفاق عليهما من المتعاقدين ، كما هو واضح بأدنى تأمل. انتهى. ولا يخفى ما فيه ـ وان تكرر منه ذلك في كثير من الموارد ـ فإنه خلاف العموم والإطلاق من دون قرينة ، ومن الخفي جداً الوجه في قوله : « وهو واضح بأدنى تأمل ».

ثمَّ إن كون المراد من الأول اللزوم ومن الثاني خلاف الباطل مسلم ، لكنه لا يجدي فيما ذكره من الحمل على المتعارف. مع أن يكون محل الكلام خلاف المتعارف غير ظاهر. مضافاً إلى إمكان دخول المقام في صحيح يعقوب المتقدم ، وإن كان الاصطلاح خاصا بغيره.

[١] بل مقتضى صحيح يعقوب المتقدم أيضاً.

[٢] لا إشكال في أنها غررية للجهل بمقدار الحاصل ، لكن لا دليل على المنع من الغرر كلية ، كما عرفت.

[٣] لكن عن الشيخ (ره) أنه جوز المساقاة على البقل الذي يجز مرة بعد أخرى ، وعن جامع الشرائع : جواز المساقاة على الباذنجان. والاشكال عليها ظاهر إلا أن يكون استعمال المساقاة من باب المجاز‌.

١٦٨

السقي [١] لاستغنائها بماء السماء أو لمص أصولها من رطوبات الأرض وإن احتاجت إلى إعمال أخر ، ولا يضر عدم صدق المساقاة حينئذ ، فإن هذه اللفظة لم يرد في خبر من الاخبار ، وإنما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبني على الغالب ، ولذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي. وإن ضويق نقول بصحتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة [٢].

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « وتصح المساقاة على البعل من الشجر ، كما تصح على ما يفتقر إلى السقي ». والبعل : كل شجر ونخل وزرع لا يسقى ، أو ما سقته السماء ، كما عن القاموس ، والحكم كاد أن يكون من المسلمات ، وعن التذكرة : « لا نعرف فيه خلافاً ممن جوز المساقاة ، لأن الحاجة تدعو إلى المعاملة في ذلك كدعائها فيما يحتاج إلى السقي ». ويقتضيه إطلاق تعريف المساقاة بأنها معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها أو بحصة من حاصلها ، على اختلاف التعبيرات ، وليس فيه اعتبار السقي بالخصوص. نعم مفهوم المساقاة لغة مأخوذ من السقي لكن وجه التسمية يمكن أن يكون ملاحظة الغالب ، والاعتبار بالمفهوم الاصطلاحي لا بالمفهوم اللغوي. وكيف كان يكفي في الحكم بصحة ذلك مثل صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) المتقدم : « وكذلك اعطى رسول الله (ص) خيبراً حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (١) ‌فإنه شامل للمقام ، وحكاية الإمام (ع) ، ذلك يدل على العموم ، كما سبق.

[٢] عملا بالعمومات الدالة على صحة العقود ونحوها.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

١٦٩

( مسألة ٥ ) : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة [١] وإن لم تكن مثمرة إلا بعد سنين ، بشرط تعيين مدة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس سنين أو أزيد.

( مسألة ٦ ) : قد مر أنه لا تصح المساقاة على ودي غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ، بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار [٢] ودخوله في المعاملة بعد أن يصير مثمراً [٣]. بل مقتضى العمومات صحة المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة [٤].

( مسألة ٧ ) : المساقاة لازمة [٥].

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو ساقاه عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشر جاز ، ويكون في مقابلة كل العمل » ، ونحوه ما في غيرها. ويقتضيه إطلاق النصوص الواردة في المساقاة ، لشمولها له كغيره. والظاهر أنه لا خلاف فيه.

[٢] ضرورة أن نفي الخلاف في البطلان يختص بغير صورة الشرط تبعاً إذ هو حينئذ مشمول لأدلة صحة الشروط.

[٣] ظاهرة أنه يدخل في المساقاة. ويشكل : بأنه تعليق لا يصح. ولعل المراد أنه يدخل في تخصيص ثمره ، ولا بأس به.

[٤] لاختصاصها بالأصول الثابتة. ثمَّ إن ظاهر صحيح يعقوب بن شعيب الثاني (١) أيضاً يدل على الصحة وإن لم يدل على عنوان المساقاة.

[٥] بلا خلاف ، كما في المسالك ، أو إجماعاً ، كما في جامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

١٧٠

لا تبطل إلا بالتقابل [١] أو الفسخ بخيار الشرط أو تخلف بعض الشروط أو بعروض مانع عام موجب للبطلان أو نحو ذلك.

( مسألة ٨ ) : لا تبطل بموت أحد الطرفين [٢] ، فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه [٣] ، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لا يجبر على العمل ، فان اختار العمل‌

______________________________________________________

مستدلا له بالأصل ، ونحوه كلام غيرهما.

[١] لما دل على مشروعية الفسخ بالأمور المذكورة المذكور في محله.

[٢] كما هو في الشرائع والقواعد والمسالك وجامع المقاصد وغيرها ، وعن الكفاية : أنه المشهور ، بل في جامع المقاصد : « لا نعرف في ذلك خلافاً » ولكن عن المبسوط : « إذا مات أحدهما أو ماتا انفسخت المساقاة كالإجارة عندنا » ، وظاهره الإجماع عليه ، وعن المهذب البارع والمقتصر أن من قال ببطلان العقد في الإجارة قال ببطلانه هنا ، ومن لا فلا ». ويقتضي الأول أصالة اللزوم من دون معارض ، وليس ما يقتضي الثاني. اللهم إلا القياس على الإجارة. لكن القياس ليس بحجة. مع عدم ذلك في الإجارة في موت المستأجر. نعم ورد في النصوص ما يحتمل فيه الدلالة على البطلان بموت المالك ، وقد تقدم في الإجارة بعض الكلام فيه.

[٣] من المعلوم أن العقد اقتضى أن يكون لكل من المتعاقدين حق على الأخر ، فالمالك له على العامل حق العمل ، وعلى للعامل حق بذل الشجر للعمل ، ومن المعلوم أن الوارث يقوم مقام المورث فيما له ، ولا يقوم مقامه فيما عليه ، بل يتعلق بالتركة على تقدير وجودها. وعليه فحق العمل الذي كان للمالك على العامل الميت لا يكون على الوارث ، بل يكون على التركة فيجب على الوارث تخليصها من الحق ، فإذا امتنع من ذلك كان للحاكم الشرعي ذلك ، لئلا يلزم تعطيل الحقوق.

١٧١

بنفسه أو بالاستيجار فله ، وإلا فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ، ثمَّ يقسم بينه وبين المالك. نعم لو كانت المساقاة مقيدة بمباشرة العامل [١] تبطل بموته. ولو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد [٢] فالمالك مخير بين الفسخ ـ لتخلف الشرط ـ وإسقاط حق الشرط والرضا باستئجار من يباشر.

( مسألة ٩ ) : ذكروا أن مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الاعمال على العامل وجملة منها على المالك ، وضابط الاولى ما يتكرر كل سنة [٣] ، وضابط الثانية ما لا يتكرر نوعاً وإن‌

______________________________________________________

هذا إذا كان للميت تركة ، أما إذا لم يكن له تركة فان أقدم الوارث على إيجاز الحق الذي على الميت ـ بأن يعمل بنفسه أو يستأجر من يعمل ـ فهو ، وإن لم يقدم الوارث بطلت المساقاة ، لعدم ترتب الأثر عليها حينئذ.

[١] بأن جعل عمل العامل القائم به موضوعاً للمساقاة ، كما إذا جعل عمل الأجير الخاص موضوعاً للإجارة ، وحينئذ يتعذر بموته ، فلا بد من بطلانها لعدم ترتب الأثر عليها.

[٢] إذا كان موضوع المساقاة العمل في الذمة واشترط تطبيقه على عمل نفسه رجع هذا الشرط الى التقييد ضرورة ، كما تقدم في المسألة التاسعة من أول كتاب المزارعة ، وذكرنا هناك أن القيود على اختلاف أنواعها إذا كانت للمفهوم يجب أن تكون على نحو التقييد ، وإذا كانت للموضوع الخارجي يجب أن تكون لا على نحو التقييد. فراجع.

[٣] كما هو المذكور في كثير من كتب المتأخرين. وفي جملة منها جعل الضابط ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها.

١٧٢

عرض له التكرر في بعض الأحوال. فمن الأول إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج اليه ، وما يتوقف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدماته ـ كالدلو والرشا ، وإصلاح طريق الماء ، واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ـ وإزالة الحشيش المضرة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح ، واللقاط ، والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة. ومن الثاني حفر الابار والأنهار ، وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك مما لا يتكرر نوعاً. واختلفوا في بعض الأمور أنه على المالك أو العامل ، مثل البقر الذي يدير الدولاب [١] ، والكش للتلقيح [٢] ، وبناء الثلم ، ووضع الشوك على الجدران وغير ذلك. ولا دليل على شي‌ء من الضابطين. فالأقوى أنه إن كان هناك انصراف في كون شي‌ء على العامل أو المالك فهو المتبع ، وإلا فلا بد من ذكر ما يكون على كل منهما رفعاً للغرر ، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون‌

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « وفي البقر الذي تدير الدولاب تردد ، ينشأ من أنها ليست من العمل فأشبهت الكش ، ومن أنها تراد للعمل فأشبهت بقر الحرث ». وعن المبسوط وغيره : أن البقر على رب المال ، وعن السرائر وغيره : أنها على العامل.

[٢] قال في القواعد في ذكر ما على المالك : « والكش للتلقيح على رأي » حكي ذلك عن الشيخ والمتأخرين وعن الأكثر. وقيل أنه على العامل كما عن السرائر وجامع الشرائع ، وفي الشرائع : أنه حسن ، لأنه به يتم التلقيح.

١٧٣

عليهما معا [١] ، لان المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقف عليه تحصيله عليهما.

( مسألة ١٠ ) : لو اشترطا كون جميع الاعمال على المالك‌

______________________________________________________

[١] كما في الجواهر ، معللا له بما ذكر. ثمَّ قال : « أو أن الأصل فيه وجوبه على العامل ، لنحو ما سمعته في المزارعة من صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) الذي فيه : « سألته عن المزارعة ، فقال : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله تعالى من شي‌ء قسم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله (ص) خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (١) ‌فإن ظاهر تشبيهه (ع) يقتضي كون وضع المساقاة على الوجه المزبور ، فليس على المالك حينئذ إلا دفع الأصول ، كما أنه ليس على المالك إلا دفع الأرض. اللهم إلا أن يكون تعارف أو شرط. وهو في محله. ولو فرض قصور النصوص عن إثبات ذلك كان هو مقتضى الإطلاق.

وما ذكره من التعليل للوجه الأول ضعيف ، إذ لا مأخذ لذلك. إذ لا يجب على الشركاء في أمر فعل ما يقتضي حصوله أو بقاءه ، فان الشركاء في دار لا يجب عليهم تعميرها ، والشركاء في شجر أو حيوان لا يجب عليهم تنميته ، فإنما وجب العمل في المقام باعتبار أن العقد اقتضى لأحدهما على الآخر حق العمل ، لا أنه اقتضى الاشتراك ، والاشتراك اقتضى العمل. نعم تفترق المزارعة عن المساقاة : بأن المزارعة معاملة على زرع الأرض وإطلاق زرع الأرض يقتضي وجوب جميع مقدماته كإطلاق الخياطة في الإجارة على خياطة الثوب المقتضي لوجوب مقدمات الخياطة ، أما المساقاة فلم يذكر في مفهومها عمل بعينه كي يؤخذ بإطلاقه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

١٧٤

المالك فلا خلاف بينهم في البطلان ، لأنه خلاف وضع المساقاة [١]. نعم لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه واشترط كون الباقي على المالك فان كان [٢] مما يوجب زيادة الثمرة فلا إشكال في صحته ، وإن قيل بالمنع [٣] من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، والا ـ كما [٤] في الحفظ ونحوه ـ ففي صحته قولان [٥] أقواهما الأول. وكذا الكلام إذا كان‌

______________________________________________________

[١] هذا يقتضي بطلانها مساقاة ، لا بطلانها مطلقا. فالأولى التعليل بأن العامل إذا لم يكن له عمل فاستحقاقه يكون بلا عوض ، فيكون وعداً لا يلزم الوفاء به ، كما إذا قال : لك علي أن أعطيك درهماً.

[٢] يعني : ما أبقاه العامل لنفسه.

[٣] وهو ظاهر محكي المبسوط ، قال : « إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل رب المال معه فالمساقاة باطلة ، لأن موضوع المساقاة على أن من رب المال المال ومن العامل العمل » ، ونحوه ما عن الوسيلة وجامع الشرائع وما ذكر في المبسوط من التعليل متين ، وقد عرفت أن ذلك ظاهر صحيح يعقوب المتقدم في المتن وصحيحه الآخر. نعم يمكن تصحيحه بعنوان غير المساقاة عملا بالأدلة العامة ، كما تقدم في نظيره ويأتي. فإن كان مراد المبسوط ومن وافقه البطلان مطلقاً فضعيف ، وإن كان المراد بطلانها مساقاة ففي محله.

[٤] يعني وان لم يكن العمل الذي أبقاه العامل لنفسه مما يوجب زيادة الثمرة.

[٥] قد تقدم في المسألة الأولى ما عن المهذب البارع من القول بالصحة وان حكى الإجماع على البطلان من جماعة ، وتقدم من المصنف في الشرط الثامن وفي المسألة الأولى ما ظاهره نفي الخلاف في البطلان. لكن كلام‌

١٧٥

إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلا مثل الحفظ ونحوه ، وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه. كما مر.

( مسألة ١١ ) : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال [١] ، فان لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل ، وإن لم يمكن فله الفسخ. وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلف الشرط. وهل له أن لا يفسخ ويطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلى حصته بمعنى أن يكون مخيرا بين الفسخ وبين المطالبة بالأجرة؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما ذلك [٢] ( ودعوى ) : أن الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له‌

______________________________________________________

المهذب في الصورة الآتية لا في هذه الصورة ، وحينئذ لم يتضح قول بالصحة في هذه الصورة إلا بالأولوية.

[١] الاعمال اللازمة للعامل تكون تارة : من قوام المعاملة ـ أعني المساقاة ـ بأن تكون دخيلة في حصول الثمرة وزيادتها ، وأخرى : خارجة عن ذلك ، مثل أن يشترط المالك على العامل أن يصلي ركعتين. والذي يظهر من عبارة المتن أن كلامه في القسم الثاني. وسيأتي في المسألة السادسة والعشرين تحرير حكم القسم الأول.

[٢] كما هو ظاهر عبارة التحرير ، قال في البحث الثاني من كتاب المساقاة : « إذا شرط المالك على العامل عملا معيناً وجب على العامل القيام به ، فإن أخل بشي‌ء منه تخير المالك بين فسخ العقد وإلزامه بأجرة العمل » ، ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك. وأشكل عليه في الجواهر : بأن ذلك مبني على تمليك الشرط العمل المشروط لمن له على وجه يكون‌

١٧٦

______________________________________________________

من أمواله ، وهو ممنوع فإن أقصاه إلزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلط على الخيار لعدم الوفاء به ، لا لكونه الا له. انتهى. ويشكل : بأن الشرط المذكور في كلامهم يراد به تعيين العمل اللازم على المالك صريحاً ، فالعمل المشروط داخل في قوام المعاملة. فيكون مملوكاً للمالك بعقد المساقاة ، لا أنه خارج عن المعاملة فيكون واجباً بالشرط ، حتى يقع الكلام في كون الشرط موجباً لملك العمل حتى يترتب عليه ضمان العمل بالقيمة ، أو غير موجب له حتى لا يكون العمل مضموناً بقيمته.

نعم يشكل ما ذكروه بما عرفت ـ في المسألة السابعة من مبحث المزارعة وغيرها ـ من أن الأعمال الذمية لا تكون مضمونة على العامل إذا فاتت عمداً أو لعذر ، ولذا ذكروا في كتاب الإجارة أنه إذا لم يأت الأجير بالعمل المستأجر عليه لم يستحق الأجرة ، ولم يدع أحد أنه يستحق الأجرة ولكن المستأجر يستحق عليه قيمة العمل المستأجر عليه. فمن استؤجر على صوم يوم الجمعة فلم يصم لم يستحق الأجرة ، لا أنه يستحقها وعليه قيمة صوم يوم الجمعة ، وكذلك كلامهم في خيار الاشتراط خال عن التعرض لذلك وظاهر أنه مع فوات الشرط يتخير من له الشرط بين فسخ العقد وإمضائه من دون استحقاق شي‌ء.

ولذلك لم يتعرض شيخنا الأعظم (ره) في مبحث أحكام الشرط إلى استحقاق للمشروط له لقيمة العمل المشروط عند تخلف الشرط. نعم ذكر في المسألة السابعة من مسائل مبحث الشرط : أنه لو كان الشرط عملا من المشروط عليه بعد مالاً ويقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذر ، ففي استحقاق المشروط له لاجرته أو مجرد الخيار وجهان. والظاهر أن مراده من الأجرة حصة من الثمن. بحيث يكون الشرط كجزء من أحد العوضين ، كما يظهر ذلك من حكايته لكلام التذكرة وإشكاله عليه : بأن الشروط‌

١٧٧

على وجه يكون من أمواله [١] ، بل أقصاه التزام من عليه‌

______________________________________________________

خارجة عن موضوع المعاوضة ، وليست ملحوظة كالجزء من أحد العوضين. فلاحظ كلامه.

وبالجملة : المرتكزات العرفية تأبى القول بهذا الضمان وإن كان العمل مملوكاً بالشرط ، فلا مجال للبناء عليه.

[١] تقدمت هذه الدعوى من الجواهر ، ووافقه عليها المصنف (ره) في حاشيته على خيار المجلس من مكاسب شيخنا الأعظم ( قده ) في مسألة ما إذا اشترط أحد المتعاقدين عدم الفسخ ، فقد ذكر أن التحقيق أن الشرط لا يثبت أزيد من الحكم التكليفي ، بل التزم في النذر ذلك أيضاً ، رد في ذلك على ما ذكره شيخنا الأعظم ( قده ) فيما لو اشترط عدم الفسخ من أنه يحتمل قوياً عدم نفوذ الفسخ ، لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره عليه وعدم سلطنته على تركه ، كما لو باع منذور التصدق به ، على ما ذهب اليه غير واحد ، فمخالفة الشرط ـ وهو الفسخ ـ غير نافذة في حقه ، ثمَّ قال : « ويحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار .. ». وعبارة شيخنا ليست صريحة في حصول الملك ، بل ولا ظاهرة ، لكنها صريحة في أن الشرط مانع من سلطنة المشروط عليه على تركه من أجل أن وجوب الوفاء بالشرط موجب ذلك.

هذا ولكن المفهوم عرفاً من شرط الفعل هو الملكية ، فإن عبارة الشرط وإن كانت مختلفة ( فتارة ) يكون المشروط له هو المنشئ للشرط فيقول : وأشترط عليك أن لا تفسخ ، أو : عليك أن لا تفسخ. أو : ولي عليك أن لا تفسخ ، أو نحو ذلك. ( وأخرى ) يكون المشروط عليه هو المنشئ للشرط فيقول : واشترط أن لا أفسخ ، أو علي أن لا أفسخ ، أو لك علي أن لا أفسخ ، أو نحو ذلك. ومرجع الجميع الى معنى واحد‌

١٧٨

الشرط بالعمل وإجباره عليه ، والتسلط على الخيار بعدم الوفاء به ( مدفوعة ) بالمنع من عدم إفادته التمليك. وكونه قيدات في المعاملة ، لا جزءا من العوض يقابل بالمال ، لا ينافي إفادته‌

______________________________________________________

مهما اختلفت العبارات ، فاذا كان ظاهر قول المشروط له : ولي عليك أن لا تفسخ ، هو التمليك ، لأن الظاهر من اللام أنها لام الملك ، كما إذا قال لي على زيد درهم ، فإنه دعوى الملكية ، أو قال : لزيد علي درهم ، فإنه اعتراف بالملكية ، فاللام في قول المشروط له : لي عليك أن لا تفسخ ، كذلك ، وكلما اللام في قول المشروط عليه : لك علي أن لا أفسخ.

( ودعوى ) : أن اللام في قول المشروط عليه : لك علي أن لا أفسخ متعلقة بقوله : التزمت ـ يعني التزمت لك أن لا أفسخ ـ فتكون اللام لام الصلة لا لام الملك ، ويكون الظرف لغواً لا مستقراً ( مدفوعة ) : بأن هذا الاحتمال لا يجي‌ء في قول المشروط له : ولي عليك أن لا تفسخ ، إذ لا معنى لقوله : التزمت لي عليك أن لا تفسخ ، فاذا لم يصح تقدير الالتزام فيه وجعل الظرف لغواً لم يصح ذلك في قول المشروط عليه : ولك علي أن لا أفسخ ، لما عرفت أن مفهوم جميع الجمل واحد مهما اختلفت العبارات.

وعلى هذا فاذا كان عدم الفسخ مملوكاً للمشروط له كان تحت سلطان مالكه وخرج عن سلطان المشروط عليه ، فيكون الفسخ كذلك لأن نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة ، فإذا لم يكن المشروط عليه قادراً على الفسخ لم يصح فسخه وإلا كان خلفاً.

ولو فرض عدم ظهور اللام في لام الملك أمكن إثبات الملكية بإثبات لوازمها ، مثل جواز المطالبة به ، وجواز الإجبار عليه ، وجواز السكوت عنه ، وجواز إسقاطه ، فإن الأمور المذكورة لا تتناسب مع التكليف البحث.

١٧٩

لملكية من له الشرط إذا كان عملا من الاعمال على من عليه والمسألة سيالة في سائر العقود ، فلو شرط في عقد البيع على المشتري ـ مثلا ـ خياطة ثوب في وقت معين وفات الوقت فللبائع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخياطة [١] وهكذا.

( مسألة ١٢ ) : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صح [٢] ، أما لو شرط أن يكون تمام العمل على‌

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما حكاه في المتن من الجمع بين دعوى نفي الملكية وجواز الإجبار.

هذا كله في الشرط ، أما النذر فالحكم فيه أظهر ، لوجود اللام صريحاً في صيغة النذر : لله علي أن أفعل كذا ، أو لا أفعل كذا » وهي ظاهرة في الملكية ، فيكون مفاد النذر تمليك الله سبحانه الفعل على الناذر. واحتمال أن يكون الظرف لغواً واللام متعلقة بقوله : التزمت لله تعالى ، خلاف الأصل في الظرف ، فاذا قال القائل : زيد في الدار ، ودار الأمر بين أن يكون الظرف لغواً والتقدير زيد نائم في الدار أو آكل في الدار أو نحو ذلك ، وبين أن يكون الظرف مستقراً والتقدير : زيد كائن في الدار فالأصل يقتضي الثاني ولا مجال للبناء على الأول إلا بقرينة خاصة. وعلى هذا إذا نذر الإنسان أن لا يبيع أو لا يتزوج ، فباع أو تزوج كان البيع والتزويج باطلين ، لعدم قدرته على ذلك ، على نحو ما ذكر في الشرط. فلاحظ.

[١] قد عرفت إشكاله.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، وعن التذكرة وغيرها ما ظاهره الإجماع عليه ولم يحك عن أحد خلاف فيه. نعم نسب إلى الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، معللين بأنه بمنزلة اشتراط عمل المالك ، وهو مناف لمقتضى‌

١٨٠