مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

______________________________________________________

شرط الضمان فالضمان باطل ، لأنه تعويض على الحرام وتضييع المال. ولا يبعد أن تكون هذه الصورة مورد القول بالمنع ومورد الإجماع عليه. ولذا قال في محكي الإيضاح : « لو خلى عن الفائدة بالكلية لم يصح قطعاً ». ومن ذلك تعرف أن إطلاق الصحة عملا بالعمومات غير ظاهر ، واللازم التفصيل بين صورة وجود الفائدة العقلائية وعدمه. فلاحظ.

هذا ولم يتعرض المصنف (ره) للمسألة الأولى التي ذكرها في الشرائع في صدر كلامه ، من أنه إذا كان خوف على السفينة فقال لصاحب المتاع : الق متاعك ، واقتصر على ذلك ، فالقى المتاع صاحبه لم يرجع على القائل وليس عليه ضمانه. وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخين والفاضلين وثاني الشهيدين وغيرهم. للأصل ، كما لو قال : ( أعتق عبدك ) فأعتقه. أو : ( طلق زوجتك ، فطلقها » ، وسبقه في الاستدلال المذكور كاشف اللثام وفي المسالك : والفرق بينه وبين قوله : ( أد ديني ) ، فأداه حيث يرجع عليه. أن أداء دينه منفعة لا محالة ، وإلقاء المتاع قد يفضي الى النجاة وقد لا يفضي ، فلا يضمن إلا مع التصريح ». وفي الجواهر : « وهو كما ترى. نعم قد يقال : الفارق الإجماع. أو لأن المفهوم من الأمر بالأداء التوكيل في ذلك ، فيكون حينئذ بالأداء كالقرض عليه ، كما أن المفهوم من الأمر بالضمان عنه الرجوع به عليه ، بخلاف المفروض ». وهو أيضاً كما ترى ، فان التمسك بالإجماع على الفرق خلاف ظاهر الاستدلال منهم على ذلك بالأصل ونحوه كما أنه إذا كان المفهوم من الأمر بأداء الدين التوكيل فلم لا يكون المفهوم من الأمر بإلقاء المتاع ذلك؟!

فالتحقيق : أن استيفاء مال الغير وعمل الغير موجب لضمانه ، وكما توجد قاعدة : ( من أتلف مال غيره فهو له ضامن ) توجد قاعدة أخرى :

٣٦١

( تتمة )

قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة الاتفاقية أو الخلافية : أن ما ذكروه في أول الفصل من تعريف الضمان ، وأنه نقل الحق الثابت من ذمة إلى أخرى ، وأنه لا يصح في غير الدين ، ولا في غير الثابت حين الضمان ، لا وجه له ، وأنه أعم من ذلك حسب ما فصل [١].

______________________________________________________

( من استوفى مال غيره فهو له ضامن ). وكما أنه إذا قال للحلاق : ( احلق رأسي ) يكون ضامناً للأجرة يكون ضامناً للمال الذي أداه إذا قال له : ( أد ديني ). وكذلك في المقام إذا كان الأمر بالإلقاء لمصلحة الآمر كان ضامناً للمتاع. وإذا كان لمصلحة المأمور لا غير ـ كما إذا كان الآمر خارجاً عن السفينة ، وكان الباعث له على الأمر مصلحة المأمور ـ لم يكن ضامناً ، لعدم تحقق استيفاء مال الغير. ولأجل ذلك لا يضمن إذا قال له : ( أد دينك ) ويضمن إذا قال له : ( أدّ ديني ).

( تتمة )

قد فصل المسائل الآتية عما قبلها فجعلها تتمة لما قبلها من جهة أن ما قبلها كان في أحكام الضمان الكلية والتتمة في بيان حكم الشبهة الموضوعية.

[١] لكن عرفت إشكاله ، وأن الضمان في الموارد التي أشار إليها ليس من الضمان المصطلح ، بل بالمعنى العرفي ، الذي يدل على صحته العمومات ، ولا سيما وأنه متداول عند العرف. فراجع.

٣٦٢

( مسألة ١ ) : لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان ، فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له ، فالقول قوله [١]. وكذا لو ادعى أنه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له [٢] ، لأصالة بقاء ما كان عليه [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : قول المضمون له. والمراد أن قوله لا يحتاج إلى الإثبات لأنه يطابق الحجة ، بخلاف قول خصمه ، فإنه المحتاج إلى الإثبات ، لمخالفته للحجة. والمراد من الحجة ما يجب العمل به من غير دافع ولا معارض ، وهي هنا أصالة عدم الضمان الجارية بلا معارض ولا دافع ،

[٢] لعين ما ذكر ، فإن الأصل عدم ضمان تمام الديون.

[٣] الظاهر من هذا الأصل استصحاب بقاء الدين على حاله في ذمة المضمون عنه ، وهو وإن كان جارياً في نفسه ، لكنه محكوم بأصالة عدم الضمان للسببية والمسببية بين مجراهما ، فان بقاء الدين وعدمه من آثار عدم الضمان وحدوثه شرعاً ، فاذا حصل الضمان زال الدين وسقط ، وإذا لم يحدث بقي الدين بحاله. فإن قلت : الوجود لا يكون من آثار العدم ، كما أن العدم لا يكون من آثار الوجود. فان العدم لا شي‌ء فلا يكون أثر الشي‌ء. قلت : هذا في العلل العقلية لا الشرعية ، وإلا فهي تابعة لدليل الجعل وكيفية مؤداه ، والأصول إنما تجري بلحاظ مؤدى الدليل الشرعي.

لكن قد يشكل ما ذكرنا : بأن صحيح زرارة (١) الذي هو دليل الاستصحاب تضمن جريان استصحاب الطهارة مع الشك في النوم ، مع أنها من آثار عدم النوم ، نظير ما نحن فيه بعينه ، وكان اللازم على ما ذكرنا جريان أصالة عدم النوم الذي هي الأصل السببي. اللهم إلا أن يقال : إنه لا بد من توجيهه وحمله على خلاف الظاهر ، عملا بما دل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٦٣

ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره فادعى المضمون له إعساره فالقول قول المضمون عنه [١]. وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه ، فان القول قول المضمون عنه [٢]. وكذا لو اختلفا في صحة الضمان وعدمها [٣]

______________________________________________________

على لزوم تقدم الأصل في السبب على الأصل في المسبب. هذا ولعل مقصود الامام (ع) التمثيل للاستصحاب بالمثال الواضح ، فان بقاء الطهارة أوضح من بقاء عدم النوم وأقرب الى الفهم منه ، وليس مقصوده (ع) بيان الحجة الفعلية. ويحتمل غير ذلك.

[١] كأنه لأصالة اللزوم. لكن الظاهر أنه مع سبق إعسار الضامن يجري استصحابه ، فيثبت إعساره حال الضمان ، فيكون عدمية منكراً لا مدعيا. بل مع سبق العلم باليسار يجري استصحاب اليسار المقدم على أصالة اللزوم. نعم تجري مع عدم العلم بسبق أحد الأمرين ، ومرجعها الى عموم اللزوم. لكن الشك في المقام من قبيل الشبهة المصداقية ، ولا مجال للعموم في الشبهة المصداقية. اللهم إلا أن يقال : إن المخصص في المقام لبي لا لفظي ، فلا مانع من التمسك حينئذ بالعام في الشبهة المصداقية. ثمَّ إن الرجوع الى أصالة اللزوم لإثبات كون مدعي الإعسار مدعياً وخصمه مدعى عليه مبني على أن المعيار في كون الخصم مدعياً أو مدعى عليه الغرض المقصود من الدعوى. أما إذا كان المعيار مصب الدعوى فالأصل الحكمي لا أثر له في ذلك ، ولا بد أن يلاحظ الأصل الموضوعي الجاري في الإعسار وعدمه ، فمع تعاقب الحالتين يكون كل من المضمون له والمضمون عنه مدعياً ، لعدم قيام الحجة على أحد الأمرين.

[٢] لأصالة عدم اشتراط الخيار.

[٣] لأصالة صحة الضمان.

٣٦٤

( مسألة ٢ ) : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدين وعدمه ، أو في مقداره أو في مقدار : ما ضمن أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلاً. أو في اشتراط شي‌ء عليه زائداً على أصل الدين ، فالقول قول الضامن [١]. ولو اختلفا في اشتراط تأجيله [٢] مع كونه حالاً ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجلاً ، أو وفاء أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال معين والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن ، أو اشتراط شي‌ء على المضمون له. أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقل من الدين قدم قول المضمون له.

______________________________________________________

[١] لأصالة عدم الضمان الذي يدعيه المضمون له ، ولأصالة عدم الدين الذي يدعيه ، أو لأصالة عدم الزيادة التي يدعيها ، أو لأصالة عدم الضمان في الزائد الذي يدعيه ، أو لأصالة عدم اشتراط التعجيل الذي يدعيه ، أو لأصالة عدم اشتراط تنقيص الأجل الذي يدعيه ، أو لأصالة عدم اشتراط شي‌ء عليه زائداً على أصل الدين.

[٢] بأن ادعى الضامن أنه اشتراط تأجيله مع كونه حالاً ، أو ادعى أنه اشتراط زيادة أجله مع كونه مؤجلا ، أو ادعى الوفاء أو ادعى إبراء المضمون له عن جميعه أو عن بعضه ، أو ادعى أنه اشترط أداؤه من مال معين وقد تلف فبطل الضمان وبرئت ذمته من المال ، وكذا إذا كان المال المعين موجودا ولكن الوفاء منه موقوف على مقدمات تستوجب تأخره زماناً والمضمون له مطالب بالأداء فوراً. فإن الأصل في جميع ذلك يوافق قول المضمون له. وكذا في الفروض الآتية في بقية المسألة.

٣٦٥

( مسألة ٣ ) : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الاذن وعدمه [١] ، أو في وفاء الضامن [٢] حتى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدين الذي ضمن وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط شي‌ء على المضمون عنه [٣]

______________________________________________________

[١] يعني : فادعى الضامن الاذن من المضمون عنه ليرجع عليه بما أداه للمضمون له وأنكر المضمون عنه ذلك.

[٢] يعني : ادعى الضامن الوفاء فطالب المضمون عنه ، فأنكر المضمون عنه الوفاء حتى لا يرجع عليه الضامن بما ضمن. ومقتضى إطلاق المتن عدم الفرق بين صورتي إقرار المضمون له بالوفاء وعدمه. لكن في القواعد في الصورة الأولى احتمل عدم سماع إنكار المضمون عنه ، لسقوط المطالبة بالإقرار الذي هو أقوى من البينة كما احتمل السماع أيضاً لأن قول المضمون له ليس حجة. وأشكل عليه في جامع المقاصد : بأن عدم السماع ليس لأن قول المضمون له حجة ، بل لسقوط المطالبة كما سبق. كما أنه أشكل على وجه الاحتمال الأول : بأن الإقرار إنما يقتضي سقوط المطالبة ظاهراً لا واقعاً ، إذ من الجائز كذبه في الإقرار فيكون دينه باقياً وتجوز مطالبته.

أقول : لو سلم عدم جواز المطالبة واقعا فالموجب لجواز رجوع الضامن على المضمون عنه وفاؤه لدينه واقعا وهو غير ثابت ، ومجرد عدم جواز المطالبة واقعا وظاهراً غير كان في جواز الرجوع إذا لم يحصل الوفاء فاذاً ما في المتن أقوى.

[٣] المضمون عنه ليس طرفا لعقد الضمان ، فلا يصح اشتراط شي‌ء على المضمون عنه فيه. نعم يمكن اشتراط ذلك في عقد آخر غير عقد الضمان ، لكنه خارج عن محل الكلام.

٣٦٦

أو اشتراط الخيار للضامن ، قدم قول المضمون عنه [١]. ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدين الذي ضمنه [٢] وأنكر الضامن الزيادة ، فالقول قول الضامن.

( مسألة ٤ ) : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحق منه بالبينة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للاذن أو الدين ، لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً. نعم لو كان مدعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان ، ولم يكن منكراً لأصل الدين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدين والاذن في الضمان جاز له الرجوع عليه ، إذ لا منافاة بين إنكار الضامن وادعاء الاذن في الأداء ، فاستحقاقه الرجوع معلوم غاية الأمر أنه يقول إن ذلك للإذن في الأداء [٣] ، والمضمون عنه يقول إنه‌

______________________________________________________

[١] لأنه يدعي عدم الاذن في الفرض الأول ، وعدم الوفاء في الفرض الثاني ، وعدم الزيادة في الدين في الفرض الثالث ، وعدم اشتراط شي‌ء عليه في الفرض الرابع ، وعدم اشتراط الخيار للضامن في الفرض الخامس والأصل يوافق مدعاه في جميع هذه الفروض ، فإن الأصل عدم الاذن ، وعدم الوفاء وعدم زيادة الدين ، وعدم اشتراط شي‌ء عليه ، وعدم اشتراط الخيار للضامن فيكون لذلك منكراً ، ويكون القول قوله إلا إذا أقام خصمه البينة على مدعاه.

[٢] بأن ادعى المضمون عنه الضمان وأنكر الضامن ، أو ادعى المضمون عنه أن الدين عشرون وادعى الضامن أنه عشرة. ومن الواضح أن قول الضامن هو الذي يوافقه الأصل ، فإن الأصل عدم الضمان وعدم الزيادة.

[٣] من المعلوم أن الاذن في الأداء إنما يقتضي جواز الأداء لا وجوبه ،

٣٦٧

للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادعى على شخص أنه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدعى ينكر القرض ويقول : إنه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم. ولو لم يعترف‌

______________________________________________________

كما لا تقتضي ولاية الدائن على الأخذ من المأذون ، ولا جواز إجباره على الأداء ، فإذا أجبر على الأداء لم يكن الأداء صحيحاً بل المال باق على ملك المالك ، ولا يدخل في ملك الدائن ، فكيف يجوز الرجوع على المضمون عنه بعد الأداء الإجباري؟! والاذن إنما يقتضي جواز الرجوع على الآذن إذا كان الأداء صحيحاً موجباً لا فراغ ذمة الآذن لا مطلقاً ، فاذا لم يمكن موجباً لافراغ ذمة الآذن لا يكون مسوغا للرجوع عليه ، فلا مجال لرجوعه على المضمون عنه وان اعتقد أنه أذن في الأداء ، لكون المفروض أن هذا الأداء كلا أداء ، لعدم كونه مفرغاً لذمته ، فالضامن يعلم بعدم استحقاقه الرجوع على المضمون عنه بما أداه ، لعدم حصول الأداء الصحيح. نعم إذا رضي به بعد ذلك ، بناء على صحة احتساب دينه على الغاصب وفاء عن دين الغاصب على شخص آخر ، فاذا صح هذا الوفاء فقد تحقق المأذون فيه وجاز رجوعه على الآذن ، كما أن الآذن يعلم بجواز رجوعه عليه ، لأنه ضامن عن إذن المضمون عنه ، فجواز الرجوع مما يعتقده كل واحد منهما ، فلا مانع منه ، بخلاف ما إذا لم يرض فإنه يعلم بعدم جواز رجوعه على المضمون عنه لعدم حصول الأداء. ومن ذلك يظهر أنه لا مجال لتمثيل المقام بالفرض المذكور في المتن. نعم يصح التمثيل إذا رضي بالأداء ، لما عرفت من أن جواز الرجوع مما يعتقده كل واحد منهما وإن اختلفا في سببه ، فالضامن يعتقد أن سببه الأداء المأذون فيه ، والمضمون عنه يعتقد أن سببه الضمان المأذون فيه ، فقد تصادقا معاً على اشتغال ذمة المضمون عنه وجواز الرجوع عليه ، فيكون كالمثال بعينه.

٣٦٨

المضمون عنه بالضمان أو الاذن فيه [١] وثبت عليه ذلك بالبينة‌

______________________________________________________

[١] هذا هو الشق الثاني لما ذكره سابقاً بقوله : « وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً .. » يعني : إذا لم يعترف المضمون عنه بالاذن بالضمان لكن قامت على ذلك البينة ، فالحكم كما سبق يجوز رجوع الضامن عليه بما أخذ منه قهراً ، لكن بالمقاصة ، لأن المضمون له لما كان ظالماً في أخذه للمال جاز للضامن المظلوم أن يستوفي حقه من مال المضمون له الموجود في ذمة المضمون عنه ، فيأخذه من المضمون عنه بدلا عن ماله المأخوذ منه ظلماً ، فيكون الرجوع على المضمون عنه ليس لأجل اشتغال ذمته ـ كما في الفرض السابق ـ بل لاشتغال ذمة المضمون له بما أخذ بغير استحقاق ، المسوغ لجواز أخذ ماله الذي في ذمة المضمون عنه. فالمضمون عنه على هذا ليس مشغول الذمة بشي‌ء ولا ضامناً لشي‌ء ، وإنما يرجع عليه لأن عنده مال المضمون له ، فالخسارة تكون على المضمون له لا المضمون عنه. هذا ويشكل أولا : بأنه لم يظهر الفرق بين هذه الصورة وما قبلها ، ولأي جهة لم تصح المقاصة فيما قبلها كما صحت هنا؟ ولأي جهة لم يصح الرجوع على المضمون عنه في هذه الصورة للعلم باشتغال ذمته لأحد السببين كما صح الرجوع عليه لذلك فيما قبلها؟. وثانياً : بأنه لم تثبت المقاصة في الذمة وإنما ثبتت بما في الخارج ، فالعين الخارجية المملوكة للظالم يجوز للمظلوم أخذها ، أما دين الظالم الذي له على الناس فلم يثبت جواز أخذه مقاصة ، بحيث يكون للمظلوم ولاية على تعيينه وتشخيصه في الخارج ، لقصر أدلتها عن العموم لذلك. فراجعها في المكاسب المحرمة في أوائل كتاب التجارة من الوسائل (١). وإن كان الذي يظهر من التذكرة والقواعد وشروحها المفروغية عن جواز المقاصة في الذميات ، فقد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٣ من أبواب ما يكتسب به.

٣٦٩

______________________________________________________

تعرضوا للمسألة وأفتوا بجواز المقاصة بالرجوع الى المضمون عنه. وإن كان المذكور في كلام بعضهم أن المراد من المقاصة معنى آخر ، وهو مطالبة الظالم بالحق من غير الطريق الواقعي ، بأن يطالبه بثمن المبيع في الفرض السابق مع أن الدين قرض لا ثمن ، وفي المقام يطالبه بمؤدى البينة مع ان السبب الاذن في الأداء. وحينئذ يكون الرجوع في الصورة السابقة من باب المقاصة أيضاً ، وإن كان التعبير بها كان في هذه الصورة لا غير ، فالاختلاف بين الصورتين في مجرد التعبير. فلاحظ كلماتهم.

والذي ينبغي في بيان صور المسألة أن يقال : إذا ادعى المضمون له الضمان على شخص وأنكر ذلك الشخص ، فقامت البينة على الضمان ، فأخذ منه قهراً بحكم الحاكم ، فاما أن يكون المضمون عنه قد أذن له في أداء ما عليه أولا ، وعلى الأول لا يجوز رجوعه عليه من جهة إذنه ، لعدم حصول الأداء ، والمال المأخوذ من الضامن باق على ملكه. كما لا يجوز الرجوع عليه بأخذ الدين الذي عليه للمضمون له بعنوان المقاصة للمضمون له في قبال ما أخذه من الضامن ، لما عرفت من عدم الدليل على المقاصة في الذميات. ومنه يظهر أنه لا يجوز الرجوع على المضمون عنه على الثاني لا من باب المقاصة ، ولا من باب الاذن ، لفرض عدم الاذن مضافاً الى عدم الأداء. ولا فرق فيما ذكرنا بين إذن المضمون عنه بالضمان وعدمه ، لأن المفروض عدم الضمان ، فلا يقتضي الإذن فيه جواز الرجوع على الآذن. ثمَّ إنه لو فرض تحقق الأداء المأذون فيه إذا أخذ المال من الضامن بحكم الحاكم قهراً فحينئذ يجوز للضامن الرجوع على المضمون عنه ، لتحقق المأذون فيه ، ولا دخل لإذنه في الضمان وعدمه في جواز الرجوع المذكور ، ففرض الاذن في الضمان والاعتراف بها وإنكارها لا ينبغي ذكره في فروض المسألة.

٣٧٠

فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصة عما أخذ منه. وهل يجوز للشاهدين على الآذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالاذن من غير بيان كونه الآذن في الضمان أو كونه الآذن في الأداء الظاهر ذلك [١] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال. وكذا في نظائره. كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضاً وبينته تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن البيع على إشكال.

( مسألة ٥ ) : إذا ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك [٢]. وإن صدقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه [٣] وتقبل شهادته له بالأداء [٤]

______________________________________________________

[١] لا يخفى أنه لما كان الاذن بالشي‌ء في نفسه ليس موضوعاً لأثر شرعي وإنما موضوع الأثر الشرعي الاذن المتعلقة بشي‌ء بعينه من ضمان أو أداء أو نحوهما ، فاذا شهد الشاهد بالاذن نفسه من دون ذكر المتعلق لم تسمع هذه الشهادة لعدم الأثر. وهذا بخلاف الدين ، فإنه بنفسه موضوع للأثر الشرعي وان لم يذكر السبب المقتضي له من بيع أو قرض أو غيرهما ، فالفرق بين الأمرين ظاهر. ولا يجوز مقايسة أحدهما على الآخر.

[٢] لعدم ثبوت الأداء ، بل ثبوت عدمه ، فلا موجب للرجوع.

[٣] أخذاً له بإقراره واعترافه.

[٤] يعني : شهادة المضمون عنه. كما صرح بذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما من كتب الأصحاب.

٣٧١

إذا لم يكن هناك مانع من تهمة [١] أو غيرها مما يمنع من من قبول الشهادة [٢].

( مسألة ٦ ) : لو اذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه [٣].

______________________________________________________

[١] في المسالك : « ذكروا للتهمة صوراً .. ومنها : أن يكون الضامن معسراً ولم يعلم المضمون له بإعساره ، فإن له الفسخ حيث لا يثبت الأداء ، ويرجع على المضمون عنه فيدفع بشهادته عود الحق إلى ذمته .. ». وهذه الصورة ذكرها في جامع المقاصد.

[٢] مثل فقد شرط قبول الشهادة على ما ذكره في كتاب الشهادة.

[٣] قال في القواعد : « ومن أدى دين غيره بغير ضمان ولا إذن لم يرجع ، وإن أداه بإذنه بشرط الرجوع رجع. ولو لم يشترط الرجوع احتمل عدمه إذ ليس من ضرورة الأداء الرجوع. وثبوته للعادة » ، ونحوه في التذكرة ، وفي جامع المقاصد : « والحق أن العادة إن كانت مضبوطة في أن من أذن في الأداء يريد به الرجوع ويكتفي بالإذن مطلقاً استحق الرجوع ، وإلا فلا ». وهو كما ذكر. كما أنه لم يثبت أن العادة تقتضي ذلك. نعم إذا كان الاذن مستفاداً من الاستدعاء ، بأن قال : « أد ديني » كان مقتضيا للرجوع ، لما عرفت سابقاً من أن استيفاء مال الغير موجب لضمانه. ولعله المراد من العادة في كلامهم وإلا لم يكن مقتضياً له ، كما إذا قال : « أنت مأذون في وفاء ديني » بعد أن استأذنه المخاطب في الوفاء لاحتمال كراهته لذلك لغرض من الأغراض. ولو قال ابتداء : « أنت مأذون في وفاء ديني » فقد يكون دالاً على اشتراط الرجوع ، من أجل أن وفاء غيره لدينه ليس تحت سلطانه حتى يكون محتاجاً الى الاذن ، فليس الغرض من الاذن إلا اشتراط الرجوع. فان لم يفهم ذلك لم يكن له‌

٣٧٢

ولو ادعى الوفاء وأنكر الآذن [١] قبل قول المأذون ، لأنه أمين من قبله [٢]. ولو قيد الأداء بالإشهاد وادعى الاشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضا [٣]. ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع [٤]. نعم لو علم أنه وفاء ، ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه ، لان الغرض من الاشهاد العلم بحصول الوفاء [٥] والمفروض تحققه.

( تمَّ كتاب الضمان )

______________________________________________________

الرجوع. وعلى هذا فالرجوع ليس للاذن ، بل لاشتراط الرجوع المفهوم من القرائن.

[١] اسم فاعل.

[٢] كما في الجواهر ، والأمين يقبل خبره ، كما إذا أمر الجارية بتطهير الثبوت فأخبرت بذلك ، فإنه يقبل خبرها ، وكذلك الأجير على عمل إذا أخبر بوقوعه ، كالأجير على العبادة عن ميت يقبل خبره بفعلها وهكذا. والعمدة في ذلك سيرة العقلاء والمتشرعة.

[٣] لما سبق.

[٤] كما في الجواهر ، لانتفاء الاذن بالأداء الواقع في الخارج ، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده.

[٥] هذا غير ظاهر ، فقد يكون الغرض من الاشهاد التخلص من دعوى الدائن عدم الأداء ، أو التخلص من تهمة الناس له أنه مماطل في وفاء دينه ، وقد يكون الغرض أمراً آخر. وبالجملة : المدار في جواز الرجوع وقوع الأداء على الوجه المأذون فيه ، فاذا لم يحصل لم يجز الرجوع وان حصل الغرض. والله سبحانه العالم العاصم. وهو حسبنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

٣٧٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( كتاب الحوالة )

وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة [١]. والأولى أن يقال : إنها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة غيره. وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان ، فإنه وإن كان تحويلا من الضامن مدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمته. إلا أنه ليس فيه الإحالة المذكورة ،

______________________________________________________

انتهى الكلام الى هنا في الرابع والعشرين من ربيع الثاني في سنة اثنتين وثمانين بعد الالف والثلاثمائة للهجرة. وقد انتهى الكلام في الشرح القديم في الحادي عشر من جمادى الأولى في السنة التاسعة والخمسين بعد الألف والثلاثمائة للهجرة.

( كتاب الحوالة )

قال في التذكرة : « الحوالة عقد جائز بالنص والإجماع ». وعن المبسوط والسرائر : أنها مشروعة بالنص وإجماع الأمة. انتهى.

[١] قال في الشرائع : « فالحوالة عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله ». ولأجل أن هذا التعريف مانع من صحة الحوالة على البري‌ء والعلامة يرى صحتها عدل في القواعد عن هذا التعريف الى‌

٣٧٤

خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه [١].

ويشترط فيها ـ مضافا إلى البلوغ ، والعقل ، والاختيار [٢] وعدم السفه [٣] في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه في المحتال [٤] والمحال عليه [٥] ، بل والمحيل ، إلا إذا كانت الحوالة على البري‌ء فإنه لا بأس به [٦]

______________________________________________________

تعريفها بقوله : « وهي عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى أخرى ». ونحوه في التذكرة والتحرير ، وكذلك غيره. ومن ذلك يظهر أن نسبة التعريف المذكور إليهم غير ظاهر.

[١] أما إذا كان بسؤاله فقد يوهم أن المضمون عنه هو الذي نقل المال من ذمته إلى ذمة الضامن. لكن التأمل يقتضي خلاف ذلك ، لأن الذي يسأل الفعل من غيره غير فاعل ، بل الفاعل هو المسؤول منه الفعل.

[٢] هذه الثلاثة شرائط عامة المطلق التصرف ، فلا يصح التصرف بدونها ، كما أشرنا إلى ذلك في كتاب الضمان. وتحرير ذلك مفصلا من الفقهاء ( رضي الله عنهم ) يكون في كتاب البيع الذي هو أول الكتب الباحثة عن العقود والإيقاعات.

[٣] هذا شرط للتصرف المالي ، لا مطلق التصرف. ولأجل أن كلا من المحيل والمحتال والمحال عليه متصرف في مال لم يصح منه ذلك.

[٤] أصل العبارة بالفلس ، كما يشهد بذلك ما قبله وما بعده.

[٥] يشكل ذلك بأن قبوله ليس تصرفاً في ماله الذي هو موضوع حق الغرماء ، وإنما هو تصرف في نفسه وفي ذمته ، فلا مانع منه. نعم هو تصرف مالي ، فلا يجوز من السفيه ويجوز من المفلس ، نظير الاقتراض الذي سيذكره.

[٦] فان مرجع الحوالة على غير البري‌ء نقل الدين إلى ذمة المحال

٣٧٥

فإنه نظير الاقتراض منه‌ أمور :

أحدهما : الإيجاب والقبول ، على ما هو المشهور بينهم [١] حيث عدوها من العقود اللازمة. فالإيجاب من المحيل [٢] ، والقبول من المحتال. وأما المحال عليه فليس من أركان العقد وان اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإن مجرد اشتراط الرضا منه لا يدل على كونه طرفاً وركناً للمعاملة. ويحتمل أن يقال : يعتبر قبوله أيضاً [٣] ، فيكون العقد مركباً من الإيجاب‌

______________________________________________________

عليه ليكون وفاؤه مما في ذمته ، فتكون الحوالة تصرفاً في ماله الذي في ذمة المحال عليه ، وهو متعلق حق الغرماء. لكن إذا قلنا بصحة الحوالة على البري‌ء أمكن القول بصحتها من المفلس على غير البري‌ء ، إذ ليس من لوازم التحويل التصرف في ماله ، بل من الجائز صحة الحوالة وكون ماله الذي في ذمة المحال عليه تحت سلطان الغرماء ، إذ هو بمنزلة الاقتراض ـ كما ذكر ـ فكما يجوز اقتراض المفلس من البري‌ء يجوز اقتراضه من المديون وكما يجوز للمفلس التحويل على البري‌ء يجوز له التحويل على غير البري‌ء ، ويكون المال في ذمة المحيل للمحال عليه بعد دفعه الحوالة.

[١] بل الظاهر أنه من المسلمات من دون خلاف ولا إشكال.

[٢] قال في المسالك : « ثمَّ على تقدير اعتبار رضا المحيل عليه ليس هو على حد رضا الآخرين ، لأن الحوالة عقد لازم من جملة العقود اللازمة ، فلا يتم إلا بإيجاب وقبول ، فالإيجاب من المحيل ، والقبول من المحتال. ويعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ والمقارنة وغيرهما. وأما رضا المحال عليه فيكفي كيف اتفق مقارناً أم متراخياً ».

[٣] قال في الجواهر : « لم أجد القول باحتمال اعتباره على وجه‌

٣٧٦

والقبولين. وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ، من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصح مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة. ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع [١] غاية الأمر اعتبار‌

______________________________________________________

القبول بأن يكون هذا العقد مركباً من إيجاب وقبولين ، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من دليلهم ». ويريد به دعوى الإجماع على أنها تقتضي نقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، ضرورة توقف انتقال الدين إلى ذمة الغير على رضاه.

[١] لا يخفى أن الفرق بين الإيقاع والعقد أن الأول يكفي في حصوله إعمال سلطنة سلطان واحد ، والثاني يتوقف حصوله على إعمال سلطنة سلطانين ، ولا يكفي في حصوله إعمال سلطنة واحدة. فإذا قال الإنسان لزوجته : « طلقتك » ثمَّ قال لها : « تزوجتك » فالطلاق إيقاع لأنه يكفي في حصوله إعمال سلطنة الزوج ، والتزويج عقد لأنه يتوقف حصوله على إعماله سلطنة الزوج والزوجة معاً ، فالطلاق وإن كان تصرفاً في الزوجة كالتزويج ، إلا أن الأول لما جعله الشارع الأقدس تحت سلطان الزوج فقط كان إيقاعاً ، والتزويج لما جعله الشارع تحت سلطان الزوجين معاً كان عقداً. وربما يكون إيقاعا إذا كان تحت سلطنة شخص واحد ، كما في تزويج المولى أمته من عبده ، فإنه لما لم يكن تحت سلطان كل من الزوجين وإنما هو تحت سلطان مولاهما كان إيقاعا. وهكذا فكل تصرف لا يتحقق إلا باعمال سلطنة شخصين فهو عقد ، وكل تصرف يتحقق باعمال سلطنة شخص واحد فهو إيقاع. فالاختلاف بين العقد والإيقاع ليس لاختلاف مفاهيمها المنشأة ، بل لاختلاف أحكامها من حيث السلطنة. وعلى هذا يمتنع أن تكون الحوالة إيقاعاً ، لأنها تصرف في مال المحتال الذي هو تحت‌

٣٧٧

الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرد هذا لا يصيره عقداً ، وذلك لأنها نوع من وفاء الدين [١] ، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقداً [٢] وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس ، فإنه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع [٣] ، ومن ذلك يظهر أن الضمان أيضا من الإيقاع ، فإنه نوع من الوفاء [٤]. وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شي‌ء مما يعتبر في العقود اللازمة [٥] ،

______________________________________________________

سلطانه ، وفي ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه ، فيجب أن تكون بقبولهما معاً ، ولا تكون بإيقاع المحيل فقط لتكون إيقاعاً.

[١] الفرق بين الوفاء والحوالة أظهر من أن يحتاج الى بيان ، لان المحتال إنما انتقل بالحوالة دينه من ذمة إلى أخرى ، وهذا الانتقال بعيد عن معنى الوفاء الذي هو وصول الدين إلى الدائن ، فكيف يكون هذا الانتقال نوعاً من الوفاء؟! وكذلك الكلام في الضمان ، فإنه لم يحصل به وفاء الدين وإنما يكون به انتقال الدين من ذمة المديون الى غيره. نعم يشترك الوفاء والحوالة والضمان في فراغ ذمة المديون ، لكنه ليس للوفاء بل للانتقال.

[٢] لأنه يكون تحت سلطنة المديون على إفراغ ذمته ، وليس تحت سلطنة الدائن فلو أراد المديون الوفاء ليس للدائن الامتناع ، إذ لا سلطان له على ذمة المديون ليجعلها محلا لماله.

[٣] فيه منع ظاهر ، بل هو نوع من المعاوضة بين الدين والجنس الآخر.

[٤] سبق الاشكال فيه كالإشكال في الحوالة.

[٥] بناء على ما ذكر لا يعتبر فيها ما يعتبر في العقود لازمة كانت أو‌

٣٧٨

ويتحققان بالكتابة ونحوها [١]. بل يمكن دعوى أن الوكالة أيضا كذلك [٢] ، ـ كما أن الجعالة كذلك ـ وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر [٣]. ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول : « أنت مأذون في بيع داري » أو قال : « أنت وكيل » [٤] ، مع أن الأول من الإيقاع قطعاً.

______________________________________________________

غير لازمة ، ولا يختص باللازمة.

[١] يمكن القول به في العقود كلية كالمعاطاة. ولو بني على المنع في العقود بني عليه في الإيقاع ، لاشتراكهما في دليله نفيا وإثباتاً.

[٢] يعني : من الإيقاع.

[٣] قد عرفت ان اعتبار الرضا يقتضي كونها من العقود ، والعقود لا بد أن تكون بإيجاب وقبول ، ولا يكفي الرضا النفساني المقابل للكراهة والإرادة الذي ليس من الإنشاء ، فإنه غير القبول اللازم اعتباره في صدق العقد. وبالجملة : اعتبار الرضا مساوق لكون الوكالة من العقود المعتبر فيها القبول.

[٤] الفرق بين الأمرين ظاهر ، فان الوكيل كالاصيل ، فالوكيل في وفاء الدين يجب عليه الوفاء مع المطالبة ، والمأذون في الأداء ليس كذلك. وأيضاً فإن الوكيل تجوز مطالبته في الوفاء ومخاصمته ، والمأذون ليس كذلك. وأيضاً الوكيل يتمكن من عزل نفسه عن الوكالة ، فلا يكون وكيلا ، والمأذون لا يتمكن من عزل نفسه عن الاذن. والوكيل يستطيع أن لا يقبل الوكالة ويرد الإيجاب فلا يكون وكيلا ، والمأذون ليس كذلك. والوكالة المعلقة باطلة ، بخلاف الاذن. والوكيل المعزول ينفذ تصرفه قبل بلوغ العزل ، وليس كذلك المأذون. ومن ذلك يتبين أن الوكالة قائمة باختيار الوكيل وتتوقف على قبوله ، وليس كذلك الاذن.

٣٧٩

الثاني : التنجيز [١] ، فلا تصح مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور. ولكن الأقوى عدم اعتباره كما مال اليه بعض متأخري المتأخرين.

الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال [٢]. وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل [٣] فيما لو تبرع‌

______________________________________________________

والمتحصل : أن المفهوم الإنشائي إذا كان تحت سلطنتين فهو قائم بهما ، فلا يتحقق إلا باعمالهما ، فيكون عقداً. وإذا كان تحت سلطنة واحدة يتحقق بأعمالها فقط ، فيكون إيقاعاً. ودعوى أنه إيقاع ومع ذلك يتوقف على رضا الآخر تناقض ، فان اعتبار الرضا من الطرفين مساوق لكون المفهوم عقداً. فلاحظ.

[١] العمد في اعتبار الإجماع المدعى على اعتباره في كلية العقود الذي لا مجال لرفع اليد عنه بعد دعواه من الأساطين. وتلقي الباقين له بالقبول. وإلا فلم يذكر هذا الشرط هنا في جملة من الكتب ، كالشرائع والقواعد وغيرهما ، ولم يتعرض له فيما وقفت عليه من شروحهما ، وفي التذكرة : ذكر التنجيز من شروط الضمان ـ كما سبق ـ ولم يذكر ذلك في الحوالة. ولعله اكتفى بذكره في غيرها مع دعوى الإجماع عليه في عامة العقود.

[٢] عن التذكرة والمسالك والروضة والمفاتيح والكفاية : الإجماع عليه وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر ».

[٣] قال في التذكرة : « يشترط في الحوالة رضا المحيل ـ وهو الذي عليه الحق ـ إجماعا .. ( إلى أن قال ) : في صورة واحدة لا يعتبر فيها رضا المحيل وهي ما إذا جوزنا الحوالة على من لا دين عليه ، لو قال للمستحق : « أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي » فقبل ، صحت‌

٣٨٠