مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

المحال عليه بالوفاء ، بأن قال للمحتال : « أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي » ، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل. لا وجه له ، إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان [١].

______________________________________________________

الحوالة. فإذاً لا يشترط رضا المحيل ، بل رضا المحال والمحال عليه خاصة » ، ونحوه في المسالك والحدائق وعن الروضة. ولكن في الجواهر منع عن صحة هذه الحوالة ، لعدم إطلاق في نصوص المقام يتناولها. و ( أوفوا العقود ) (١) يراد به العقود المتعارفة ، فلا شمول فيه للمشكوك. وفيه : أن التعارف لا يقيد الإطلاق ، ولو بني على ذلك لزم تأسيس فيه جديد ، كما أشرنا إلى وجه ذلك في مواضع من هذا الشرح.

[١] يتم إذا كان مفهوم الضمان نقل ما في ذمة إلى ذمة ، كما ذكره الأصحاب. أما إذا كان التعهد بالدين فهو غير التحويل المذكور ، وإن كان التعهد من لوازمه. وحينئذ لا بد من الرجوع في تصحيحه إلى عموم الوفاء بالعقود ونحوه. وعليه فلا يختص بصورة ما إذا كان المحال عليه بريئاً ، بل يجري في غيره. غاية الأمر أنه لا يكون الوفاء من مال المحيل ، بل من مال المحال عليه ، ويبقى دين المحيل على المحال عليه بحاله. كما لا يختص أيضاً بتحويل المحال عليه على نفسه ، بل يكون أيضاً بتحويل المحال على المحال عليه ، فيقول المحال للمحال عليه : « أحلت ديني عليك » فيقول المحال عليه : « قبلت » ، فيكون المحيل هو المحال لا المحال عليه. وجميع هذه الصور ليست من الحوالة المصطلحة عند الفقهاء ، بل هي حوالة بالمعنى اللغوي قام الدليل على صحتها إن تمَّ. ومثل ذلك ما إذا كان التحويل من شخص آخر ، كما إذا كان دين لزيد على عمرو ، فيحيل الدين المذكور خالد على‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٣٨١

وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً ، أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه [١]. وأما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف [٢]

______________________________________________________

بكر ، فيقبل الدائن ـ وهو زيد ـ والمحول عليه ـ وهو بكر ـ فتصح مثل هذه الحوالة بالعمومات مع عدم رضا المدين وهو المحيل ، وليست من الحوالة الاصطلاحية ذات الاحكام المخصوصة المستفادة من النصوص والإجماع

ثمَّ إنه لا يخفي أن من يعتبر رضاه يجب أن يكون المفهوم الإنشائي تحت سلطانه ، والمحيل ليس كذلك ، فان التحويل إفراغ لذمته ، ولا سلطان له على المنع من إفراغ ذمته. نعم سلطانه على المنع من إشغال ذمته ، والتحويل ليس فيه شي‌ء من ذلك. نعم لما كان التحويل موجباً إما لاشتغال ذمته بمثل الدين للمحال عليه لو كانت الحوالة على البري‌ء أو بغير الجنس ، وإما لسقوط دينه الذي على المحال عليه لو كانت الحوالة بالجنس على غير البري‌ء ، وكان كل ذلك تحت سلطانه ، كانت الحوالة تحت سلطانه.

[١] يعني : يشترط رضاه ، ويقتضيه قاعدة السلطنة على نفسه ، لأن إشغال ذمته بدين للمحتال تصرف في نفسه. وهو واضح لو كان بريئاً. وكذلك لو كان مشغول الذمة بغير جنس الدين ، فان اشتغال ذمته بجنس الدين أيضاً تصرف في نفسه يحتاج إلى إعمال سلطنته. وعن التنقيح : أنه في هذه الصورة يعتبر رضاه قطعاً. لكن في الجواهر قد يمنع القطع فيما ذكره.

[٢] والمنسوب إلى المشهور اعتبار رضاه ، وعن الأردبيلي : أنه لم يظهر فيه مخالف ، وعن التذكرة : نسبته إلى أصحابنا ، وعن المختلف : نسبته إلى علمائنا. ولكن عن أبي الصلاح عدم اعتبار رضاه ، وعن المختلف : الميل اليه ، وفي مفتاح الكرامة : أنه خيرة المقتصر والتنقيح وإيضاح النافع والمسالك والروضة ، وعن التنقيح : أنه قال : « إن اعتبرنا شغل الذمة والحوالة بمثل ما عليه فلا يشترط رضا قطعاً ».

٣٨٢

ولا يبعد التفصيل بين أن يحول عليه بماله عليه ، بأن يقول : « أعطيه من الحق الذي لي عليك » ، فلا يعتبر رضاه ، فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه [١]

______________________________________________________

[١] قد استدل في المسالك على ذلك بأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة ، فلا وجه للافتقار إلى رضا من عليه الحق. كما لو وكله في القبض منه ثمَّ ذكر انا نمنع أن مقتضى الحوالة النقل ، بل هي إيفاء بما في ذمة الغير. فلا تقصر عن بيع ما في ذمة الغير ، ولا يشترط فيه الرضا إجماعاً. انتهى. وتبعه على ذلك في الجواهر ، غير أنه لم يتعرض لما ذكره أولا من إقامة المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة. وفي المتن جعل المحول عليه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه.

والمتحصل من كلمات الجماعة في الاستدلال على عدم اعتبار رضا المحول عليه أمور : الأول : منع كون الحوالة نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. الثاني : أن المحيل قد أقام المحتال مقامه في قبض دينه. الثالث : أن الحوالة إيفاء بماله الذي في ذمة المحال عليه. الرابع : أن الحوالة بمنزلة توكيل المحال عليه في وفاء دينه. وفي الجميع إشكال ظاهر. إذ الأول خلاف ما عليه الإجماع من أن الحوالة نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال. فراجع كلماتهم في تعريف الحوالة ، وقد ادعى في المسالك الاتفاق على ذلك في مسألة اعتبار إبراء المحتال للمحيل في عدم جواز رجوعه اليه. ومن ذلك يظهر الإشكال في الثاني ، إذ لو كان مفادها ذلك لم تكن نقلا ، بل كان الدين باقياً بحاله في ذمة المحيل حتى يحصل الوفاء بقبض المحتال من المحال عليه. ومنه يظهر الإشكال في الثالث. وأما الرابع فيتوجه عليه أن مقتضى ذلك اعتبار الرضا من المحال عليه كالوكيل الذي لا تصح وكالته إلا برضاه ، كما تقدم. مضافاً إلى أن‌

٣٨٣

وإن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال وبراءة ذمة المحيل بمجرد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكله فإن ذمة المحيل مشغولة إلى حين الأداء. وبين أن يحوله عليه من غير نظر إلى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة على التبري ، فيعتبر رضاه ، لان شغل ذمته بغير رضاه على خلاف القاعدة. وقد يعلل باختلاف الناس في الاقتضاء [١] فلا بد من رضاه. ولا يخفى ضعفه ، كيف وإلا لزم عدم جواز بيع دينه على غيره ، مع أنه لا اشكال فيه.

الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمة المحيل [٢] سواء كان مستقراً أو متزلزلا ، فلا تصح في غير الثابت ، سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق والرماية‌

______________________________________________________

جعله بمنزلة الوكيل في الاستيفاء ينافي كون الحوالة نقلا ، كما سبق. فالمصنف جمع بين دعويين متنافيتين. مضافاً إلى أن أولاهما أولى بالدليل على اعتبار الرضا من الدليلية على عدم الاعتبار ، والثانية كذلك لان اشتغال ذمة المحول عليه بغير سلطانه خلاف قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم ، المستفادة من قاعدة سلطنة الناس على أموالهم. فحكم هذه الصورة كالصورة الآتية ، والفرق الذي ذكره غير فارق.

[١] علله بذلك في المسالك في جملة أدلة المشهور ، وأجاب عنه بأن اختلاف الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق ومن ينصب.

[٢] إجماعا ، كما عن الحدائق. وعن مجمع البرهان حكايته عن بعضهم. وعن التحرير : أن شرطها ثبوته في ذمة المحيل ، فلو أحاله بما يقرضه لم يصح إجماعا. انتهى. ويقتضيه مفهومها عرفاً ، فان التحويل‌

٣٨٤

قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضا كالحوالة بما يستقرضه. هذا ما هو المشهور [١]. ولكن لا يبعد كفاية حصول السبب ، كما ذكرنا في الضمان [٢] ، بل لا يبعد الصحة فيما إذا قال : « أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد » [٣] فرضي ورضي زيد أيضا ، لصدق الحوالة ، وشمول العمومات ، فتفرغ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض.

______________________________________________________

عرفاً يقتضي نقل ما في ذمة إلى ذمة ، فهو يتوقف على وجود شي‌ء في الذمة ، كما يقتضي ثبوت شي‌ء في ذمة المحال عليه ، فلا يتحقق مع عدم ذلك. وبالجملة : التحويل والتحول يتوقف على ثبوت شي‌ء في محل فينتقل إلى محل آخر.

[١] قد عرفت دعوى الإجماع عليه.

[٢] قد عرفت الاشكال عليه في الضمان وان امتناع ضمان ما لم يجب من القضايا التي قياساتها معها ، فإنه إذا لم يجب الشي‌ء فضمانه بلا مضمون عنه ولا مضمون له ، لان المضمون عنه من يكون عليه شي‌ء لغيره والمضمون له من يكون له شي‌ء على غيره ، ومع عدم ثبوت شي‌ء لا يكون شي‌ء لأحد ولا في ذمة أحد. نعم يجوز أن يتعهد شخص لآخر بأمر استقبالي ، فيكون وجوبه بالضمان ، فيملكه المضمون له. لكنه ليس من الضمان الاصطلاحي ، بل هو ضمان لغوي ليس موضوعاً لكلام الأصحاب ، كما تقدم تفصيل ذلك مراراً. وكذا نقول في المقام : إذا لم يكن دين فلم ينقل المحيل ما في ذمته إلى ذمة المحال عليه.

[٣] مفهوم الجملة المذكورة أن العوض يؤخذ من زيد ، لا أن الدين ينتقل إلى ذمة زيد ، وحينئذ لا تحويل ولا تحول. فكيف تصدق الحوالة؟! « كذا إذا قال : « أقرضني درهماً ، وينتقل بدله الذي في ذمتي إلى ذمة‌

٣٨٥

الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً جنساً وقدراً للمحيل والمحتال ، فلا يصح الحوالة بالمجهول على المشهور [١] للغرر [٢]. ويمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلا إلى العلم ، كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حد ما مر في الضمان من صحته مع الجهل بالدين. بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم‌

______________________________________________________

زيد » فقبل المخاطب وزيد ، فإنه أيضاً لا شي‌ء في ذمة القائل ولا انتقال من ذمته إلى ذمة زيد إذ لا قرض. نعم إذا وقع القرض وقع الانتقال فإذا أخذ بنحو الواجب المعلق امتنع الثبوت فعلا ، لعدم القرض ، وإذا كان مشروطاً بالفرض كان العقد معلقا وهو باطل. فاذا قال الزوج لزوجته : « أحلتك في نفقة الغد على زيد » فقبل ، امتنع أن تملك المرأة شيئاً على زيد بعنوان نفقة الغد ، لأنها لا تملك قبل الغد ، وإذا كان الملك على نحو التعليق على الغد فهو باطل ، لقدح التعليق في العقود والإيقاعات ، إلا في موارد مخصوصة ليس هذا منها. وكذلك الكلام في مال الجعالة قبل العمل ، فان التحويل يقتضي أن يملك المحتال في ذمة المحال عليه ، وقبل العمل لا يملك العامل شيئاً لا في ذمة المحيل ولا في ذمة غيره. وكذا الكلام في مال السبق ونحوه.

[١] وعن النهاية : الإجماع عليه ، وفي مفتاح الكرامة : « لم نجد المخالف ، وإنما ذكرت الصحة احتمالا مع الجهل في التذكرة والمسالك ومجمع البرهان. نعم لم يذكر هذا الشرط في عدد الشرائط في الوسيلة والغنية وغيرهما. ولعل تركهم له لظهوره ، كالبلوغ والرشد وغيرهما ».

[٢] قد عرفت في الضمان أن عموم نفي الغرر لم يثبت ، وإنما الثابت نفيه في البيع ، فلا يشمل المقام ، وعموم الصحة يقتضي الجواز. فراجع ما سبق في الضمان.

٣٨٦

بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن. بل وكذا لو قال : « كلما شهدت به البينة وثبت خذه من فلان ». نعم لو كان مبهما كما إذا قال : « أحد الدينين الذين لك علي خذه من فلان » بطل [١] ، وكذا لو قال : « خذ شيئاً من دينك من فلان » [٢] هذا ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحته [٣]

______________________________________________________

[١] لان المبهم المردد لا مطابق له في الخارج ، إذ كل ما في الخارج متعين غير مردد ، وإذا لم يكن له مطابق في الخارج امتنع أن يثبت له حكم شرعي يترتب عليه عمل.

[٢] لإبهام الشي‌ء.

[٣] يفترق الواجب التخييري عن المردد أن المردد لا يكون موضوعاً لحكم شرعي ، لعدم المطابق الخارجي له ، والواجب التخييري يكون موضوعاً للوجوب التخييري ، وله مطابق خارجي ، فإن الوجوب التخييري ليس قائماً بالمردد بين الخصال ، وإنما قائم بكل واحدة من الخصال ، لكن قيامه على نحو خاص بحيث يسقط عن الجميع بفعل واحدة من الخصال. وكذلك الوجوب الكفائي ، فإنه موجه الى كل واحد من المكلفين على نحو خاص ، بحيث يسقط بامتثال واحد منهم ، وليس متعلقاً بالمردد بين أفراد المكلفين. فالواجب التخييري كل واحد من الخصال الثلاث في الكفارة ، لا أمر مردد بينها ، وهذه الخصال الثلاث مع أن كل واحدة منها واجبة لا يجب فعلها أجمع ، لأن الوجوب تعلق بها على نحو لا يقتضي فعلها أجمع ، بل يسقط عن الجميع بفعل واحدة منها. فاذا تعلقت الحوالة بالدينين على وجه التخيير اقتضت وفاء المحال عليه لأحدهما على التخيير لا جمعاً ، فاذا وفي أحد الدينين بطلت الحوالة بالنسبة إلى الآخر ولم تقتض وفاءه.

٣٨٧

لعدم الإبهام فيه حينئذ [١].

السادس : تساوي المالين أي المحال به والمحال عليه ـ جنساً ونوعاً ووصفا ، على ما ذكره جماعة [٢] ، خلافاً لآخرين [٣]. وهذا العنوان وإن كان عاماً إلا أن مرادهم ـ بقرينة التعليل بقولهم : تفصيا من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به ، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه ـ فيما كانت الحوالة [٤] على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول الذمة به ، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير‌

______________________________________________________

[١] كأن الوجه فيه عمومات صحة العقود ، والإبهام المانع عقلا من الصحة مفقود.

[٢] قال في الشرائع. « ويشترط تساوي المالين جنساً ووصفاً ، تفصياً عن التسلط على المحال عليه ، إذ لا يجب أن يدفع إلا مثل ما عليه. وفيه تردد ». ونسبه في المسالك الى الشيخ وجماعة ، وفي جامع المقاصد الى الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن حمزة ، وفي مفتاح الكرامة : نسبه الى المبسوط في آخر الباب وحكى عن الإيضاح نسبته إلى القاضي وابن حمزة ، ثمَّ قال : « ولم نجد ذلك في الوسيلة ، ولم يحكه في المختلف عن أحد غير الشيخ في المبسوط.

[٣] حكي ذلك عن التذكرة والتحرير والحواشي واللمعة والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد والمسالك والروضة وغيرها ، وحكي ذلك أيضاً عن موضع من المبسوط.

[٤] متعلق بقوله : « ان مرادهم ». ويحقق أن مرادهم ذلك قول العلامة في القواعد في تحرير المسألة : « وتصح على من ليس عليه حق ،

٣٨٨

بأن يدفع بدل الدنانير دراهم. فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البري‌ء [١] بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم. ولعله لأنه وفاء بغير الجنس برضا الدائن [٢]. فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس. والوجه في عدم الصحة : ما أشير إليه [٣] من أنه لا يجب عليه أن يدفع الا مثل ما عليه. وأيضا الحكم‌

______________________________________________________

أو عليه مخالف ، على رأي ». فموضع الخلاف أن يكون المال المحول به مخالفاً لما على المحول عليه من حق.

[١] لكن يشكل ذلك من وجه آخر ، وهو أنك عرفت في الشرط الرابع وجوب كون المال المحال به ثابتاً في ذمة المحيل ، فإذا أحال في الفرضين المذكورين بغير الجنس فقد أحال بما ليس ثابتاً في ذمة المحيل ، لأن ما هو الثابت في ذمة المحيل في الفرضين المذكورين الدراهم لا الدنانير ، فالإحالة بالدنانير إحالة بما ليس ثابتاً في الذمة. ولعل عدم تعرضهم لهذه المسألة لوضوح حكمها ، وهو بطلان الحوالة لفقد الشرط المذكور. نعم إذا تراضى المحيل والمحتال على تحول الدراهم التي للمحتال في ذمة المحيل الى الدنانير وصار الدين دنانير ، جاز التحويل حينئذ ، وكان تحويلا لما هو ثابت في الذمة. ولعل إنشاء الحوالة كاف في حصول هذا التحول.

[٢] قد عرفت الإشكال في أن الحوالة وفاء ، إذ هي نقل وتحويل لما في الذمة إلى ذمة أخرى. كما قد عرفت الإشكال أيضاً في الحوالة هنا من جهة عدم ثبوت شي‌ء في الذمة. والذي يرفع الاشكال من الوجهين في المقام هو تحويل ما في الذمة من جنس إلى آخر ثمَّ تحويله من ذمة إلى أخرى ، وحينئذ يكون من الوفاء بالجنس لا بغير الجنس.

[٣] يعني : في تعليل الحكم المتقدم.

٣٨٩

على خلاف القاعدة [١]. ولا إطلاق في خصوص الباب ، ولا سيرة كاشفة ، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة. ووجه الصحة : أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس [٢] ولا بأس به. وهذا هو الأقوى [٣]. ثمَّ لا يخفى أن الاشكال‌

______________________________________________________

[١] ذكر ذلك في الجواهر.

[٢] فيه ما عرفت من المباينة بين الحوالة والوفاء بالجنس أو بغيره ، وحينئذ تحتاج في مشروعيتها إلى دليل ، فاذا تمَّ ما ذكروه في الجواهر تعين الرجوع إلى أصالة البطلان.

[٣] إذ الإشكال المشار إليه في الشرائع لا مجال له مع التراضي ، لأن التسليط يكون بسلطنته. وأما إشكال الجواهر : ففيه أن التعارف لا يوجب قصور الإطلاق ولا تخصيص العمومات ، كما أشرنا الى ذلك مراراً. فالعمل بالإطلاق المقتضي للصحة متعين.

ثمَّ لا يخفى أن مقتضى التحويل نفسه انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه ، وأما كون المدفوع بدلاً عما للمحيل في ذمة المحال عليه فأمر خارج عن التحويل قد أنشي‌ء في ضمنه ، فالمحيل قصد إنشاء نقل الدين في ذمته إلى ذمة المحال عليه ، كما قصد إنشاء كون المدفوع من المال عوضاً عما له في ذمته ، فالقبول من المحال عليه قبول للأمرين معاً. وهذه البدلية الإنشائية ظاهرة في محل الكلام من اختلاف الجنسين ، أما مع اتحادهما فيمكن أن يقصد إنشاء البدلية ويمكن أن لا يقصد ذلك ، بل تكون البدلية قهرية بنحو التهاتر ، وصحة الجميع موافقة لمقتضى القواعد العامة من دون معارض ولا مقيد.

والذي يتحصل مما ذكرنا : أن الاشكال في صورة اختلاف ما في ذمة المحيل مع المال المحال به يلزم من وجهين : من جهة صحة الحوالة ، ومن‌

٣٩٠

إنما هو فيما إذا قال : « أعط مما لي عليك من الدنانير دراهم » بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه. وأما إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر الى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البري‌ء ، بأن يدفع الدنانير ، وحينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم ، وتشتغل ذمة المحال عليه بها ، وتبقى ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير ، وتشتغل ذمة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك. ولعل الخلاف أيضا مختص بالصورة الأولى ، لا ما يشمل هذه الصورة أيضا [١]. وعلى هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحق بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم.

( مسألة ١ ) : لا فرق في المال المحال به بين أن يكون‌

______________________________________________________

جهة الوفاء ، فاذا صحت الحوالة ـ بأن حول ما في الذمة إلى جنس المال المحول به ـ ارتفع الإشكال الثاني وكان الوفاء بالجنس ، وإن لم تصح الحوالة ـ بعدم قصد هذا التحول ـ لم يحصل الوفاء لا بالجنس ولا بغير الجنس. وأما صورة اختلاف المال المحال به مع ما في ذمة المحال عليه فان قصد الوفاء به صحت الحوالة وكان الوفاء بغير الجنس ، وإن لم يقصد الوفاء صحت الحوالة ولم يكن وفاء. فالحوالة لا مانع من صحتها ولا وجه للإشكال فيها ، وإن كان إشكال فهو في الوفاء ، وعلى تقدير قصد الوفاء لا مجال للإشكال ، لأنه يكون من قبل الوفاء بغير الجنس.

[١] التي يختص الإنشاء فيها بنقل الدين لا غير.

٣٩١

عيناً في الذمة ، أو منفعة ، أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة [١] ، ولو مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة والقراءة [٢] ، سواء كانت على البري‌ء أو على مشغول الذمة بمثلها [٣]. وأيضا لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام ، أو قيمياً كالعبد والثوب [٤] والقول بعدم الصحة في القيمي [٥] للجهالة ، ضعيف ،

______________________________________________________

[١] في الجواهر : « لا يبعد ـ إن لم يكن إجماعاً ـ جواز الحوالة بالأعمال على البري‌ء ، أو على مشغول الذمة للمحيل بمثلها ، بناء على أنها بحكم المال ، بدليل صحة وقوعها ثمنا للمبيع وعوضاً للخلع ومهراً في النكاح .. ( الى أن قال ) : لكن لم أجد مصرحاً به ، كما أنه لم أجد في نصوص الحوالة على ما هو صريح فيه أو ظاهر ، بل هو غير متعارف ». أما احتمال الإجماع على الخلاف فضعيف ، إذ لا مأخذ له ، وعدم التعرض له أعم من البناء على العدم. وعدم دلالة نصوص الحوالة عليه لا يمنع من الرجوع فيه الى القواعد العامة المقتضية للصحة ، وكذلك عدم التعارف على ما عرفت. ثمَّ إن الفرق بين المنفعة والعمل : أن المنفعة أثر العمل ، فالمملوك تارة : يكون العمل ، وأخرى : المنفعة والأثر المترتب على العمل.

[٢] مما كان الغرض منه الثواب أو غيره من الأمور المتعلقة بالآخرة ، كما أشار الى ذلك في الجواهر.

[٣] لعدم الفرق في الدخول في عموم الأدلة.

[٤] قال في الشرائع : « وأن يكون ( يعنى : المال والمحال به ) ثابتاً في الذمة ، سواء كان له مثل كالطعام ، أو لا مثل له كالعبد » ، ونحوه ما في غيرها. ويقتضيه عموم أدلة الصحة.

[٥] حكي عن الشيخ (ره) في أحد قوليه وابن حمزة ، وفي الحدائق : نسبته إلى الشيخ وجماعة ، وفي مفتاح الكرامة : أن نسبته الى الشيخ وجماعة‌

٣٩٢

والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها [١].

( مسألة ٢ ) : إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل وإن لم يبرءه المحتال. والقول بالتوقف على إبرائه [٢] ضعيف. والخبر الدال على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال [٣] ،

______________________________________________________

في غير محله ، إذ ليس غير الشيخ الا ابن حمزة. قال في المبسوط : « وإنما تصح في الأموال ذوات الأمثال ».

[١] قد عرفت أن الجهالة لا تقدح في الحوالة ، وليس من شرائطها العلم. ولأجل ذلك كان المناسب الجواب بذلك. ولو سلم منع الجهالة فلا يقتضي ذلك عموم المنع عن القيمي ، إذ قد لا يكون القيمي مجهولا.

هذا وأما الجواب المذكور فالإشكال فيه ظاهر ، إذ بعد ما عرفت من أنه لا تجوز الحوالة بغير ما في الذمة فالقيمي المحول به هو عين ما في ذمة المحيل للمحتال ، فان كان كلياً قابلا للانطباق على الواجد للصفات والفاقد لها فالمحال به هو ذلك الكلي ، وإن كان ما في الذمة مقيداً ببعض الصفات الوجودية أو العدمية فالمحال به هو ذلك المقيد. وفي الصورة الأولى لا يجوز أن يكون المحال به مقيداً بصفات خاصة ، وفي الصورة الثانية لا يجوز أن يكون مطلقاً ولا مقيداً بغير الصفات المقيد بها ما في الذمة ، وإلا كان التحويل بغير ما في الذمة. وعليه فيجوز أن يكون المحال به مجهولا إذا كان ما في الذمة كذلك. ولو قيد بالصفات الموجبة لمعلوميته لم تصح الحوالة. وعلى هذا فالجواب المذكور ظاهر الاشكال.

[٢] حكي ذلك عن أبي علي والشيخ في النهاية والقاضي والحلبي والمقداد.

[٣] هو خبر زرارة عن أحدهما (ع) : « في الرجل يحيل الرجل بما كان له على رجل آخر ، فيقول له الذي احتال : برئت مما لي عليك.

٣٩٣

المراد منه القبول [١] ، لا اعتبارها بعده أيضا. وتشتغل ذمة‌

______________________________________________________

فقال (ع) : إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يبرأه فله أن يرجع الى الذي أحاله ». (١) ‌والسند ليس فيه مناقشة أو إشكال إلا من جهة إبراهيم بن هاشم ، والصحيح أنه صحيح الحديث. وظاهره اشتغال الذمة بالدين إلى أن يحصل الإبراء ، فيكون المراد من الرجوع عدم صحة الحوالة ، لا فسخ الحوالة ، إذ معنى الإبراء يتوقف على ذلك.

[١] هذا أحد المحامل. وحمل أيضاً على ما إذا شرط المحيل البراءة ، فإنه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه. وحمل أيضاً على ما إذا ظهر بعد التحويل إعسار المحال عليه فأبرأ المحتال المحيل. وهذه المحامل كلها بعيدة. لكن لا بد من ارتكاب واحد منها أو من غيرها لما‌ في رواية أبي أيوب : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه. قال (ع) : لا يرجع عليه أبداً ، إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك » (٢) ‌ونحوها رواية منصور بن حازم (٣) ، وفي رواية عقبة بن جعفر عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثمَّ يتغير حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ قال (ع) لا » (٤) ‌فان حمل هذه النصوص على صورة الإبراء ـ فيكون الجمع من حمل المطلق على المقيد ـ بعيد ، فان الاستثناء دليل على كون المتكلم في مقام الحصر. ولا سيما وان اعتبار الإبراء بعيد عن المرتكزات العرفية جداً ، فيكون أولى بالتنبيه عليه من صورة الإفلاس.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ٤.

٣٩٤

المحال عليه للمحتال فينتقل الدين الى ذمته. وتبرأ ذمة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه [١] إن كانت على برئ أو كانت بغير المثل. ويتحاسبان بعد ذلك.

( مسألة ٣ ) : لا يجب على المحتال قبول الحوالة [٢] وإن كانت على مليّ [٣].

( مسألة ٤ ) : الحوالة لازمة ، فلا يجوز فسخها بالنسبة الى كل من الثلاثة [٤]. نعم لو كانت على معسر مع جهل‌

______________________________________________________

ولعل الأقرب من وجوه الجمع المتقدمة ما ذكره في المتن وسبقه إليه جماعة ، ويكون المراد من قوله في الرواية : « في الرجل يحيل » خصوص الإيجاب لا العقد ، يعني : في الرجل ينشئ التحويل ، إذ بعد تحقق القبول تبرأ ذمة المحيل ، ولا معنى للإبراء بعد ذلك ، بناء على اتفاقهم على أن الحوالة ناقلة للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ومن ذلك تعرف الوجه في قوله : « وتشتغل ذمة المحال عليه ».

[١] بلا إشكال ظاهر. لأنه استوفى مال المحال عليه ، فيكون له ضامناً.

[٢] إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر. وعن الخلاف والغنية والمبسوط والتذكرة وغيرها إجماع المسلمين إلا من زفر. ويقتضيه ما تقدم مما دل على اعتبار رضا المحال عليه.

[٣] وعن داود الظاهري وجوب القبول حينئذ ، للنبوي : « إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل » (١). لكنه غير ظاهر الحجية.

[٤] اتفاقاً. كما يقتضيه أصالة اللزوم. ولبعض النصوص المتقدمة‌

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٦ الصفحة : ٧٠.

٣٩٥

المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل [١]. والمراد من الإعسار أن لا يكون له ما يوفي دينه زائدا على مستثنيات الدين [٢]. وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم [٣] ولا يعتبر فيه كونه محجورا [٤].

______________________________________________________

في رجوع المحتال في لزومها بالنسبة اليه. وعن سلار : جواز رجوع المحتال الى المحيل إذا لم يأخذ شيئاً من المال. ودليله غير ظاهر. مع أنه مخالف لما تقدم.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه صريحاً أو ظاهرا. ويقتضيه روايتا أبي أيوب ومنصور المتقدمتان في المسألة الثانية.

[٢] التعبير بالإعسار وقع في كلام العلامة في القواعد ، ولم يكن في النص ، وإنما الذي كان في النص التعبير بالفلس ، والظاهر منه عدم التمكن من وفاء الدين ، فان المفلس عرفاً هو العاجز عن وفاء دينه ، وكذلك المعسر ظاهر في الواقع في العسر ، وإذا كان الإنسان لا يتمكن من وفاء دينه فهو في عسر. ويشير الى ذلك قوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١).

[٣] كالمحقق في الشرائع. ولو لا ذلك لم يكن دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، فان ظاهر قوله (ع) : « لا يرجع عليه إلا أن يكون قد أفلس » (٢) ‌المنع عن الرجوع في غير المفلس وإن كان فقيراً. ومن ذلك تعرف أن التعبير بالإعسار أصح من التعبير بالفقر.

[٤] لإطلاق النصوص (٣) التي أخذ موضوعها المفلس واقعا في‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ١.

(٣) تقدم التعرض لها في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

٣٩٦

والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة [١] وتماميتها. ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ [٢]. ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط الخيار ، للانصراف على إشكال [٣].

______________________________________________________

مقام الثبوت ، فلا يعتبر أن يكون في مقام الإثبات.

[١] كما يقتضيه ظاهر قوله (ع) في رواية أبي أيوب : « قد أفلس قبل ذلك » ‌، وما في رواية عقبة (١) من المنع من الرجوع على المحيل إذا تغير حال الصيرفي بعد التحويل. نعم ظاهر رواية أبي أيوب اعتبار الإفلاس قبل الحوالة. لكن من المعلوم أن المراد به حال الحوالة ، والتعبير بذلك مبني على الغالب ، لندرة المقارنة بينهما حدوثاً.

[٢] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. وفي الجواهر : « وهل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، للإطلاق وغيره ». وكأنه يريد من غير الإطلاق الاستصحاب. لكن يشكل بناء على أن المرجع في المقام عموم اللزوم ، لا استصحاب الجواز. فلاحظ. وعن الحواشي : إذا قلنا بالخيار في نظير المسألة الآتية فهو على الفور. ولم يتضح وجهه في قبال ما عرفت. اللهم إلا أن يتأمل في الإطلاق. وهو كما ترى.

[٣] المفروض في كلامهم صورة ما إذا تجدد اليسار والعلم بسبق الفقر. وعن جامع المقاصد والمسالك والروضة والكفاية والرياض : ثبوت الخيار ، للإطلاق. وفي القواعد : انه فيه اشكال ، وكذا عن التذكرة والحواشي.

وعن الإيضاح : أن التحقيق أنه يبنى على أن علل الشرع معرفات أو علل حقيقة ، وعلى الثاني فالباقي مستغن عن المؤثر أو محتاج. يعني : فعلى الأولين يثبت الخيار ، وعلى الأخير ينتفي. وفي الجواهر : أنه لا بأس به بعد كون علل الشرع معرفات وعدم احتياج الباقي في بقائه إلى غير الأول. وفيه : أنه لو سلمت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الضمان حديث : ٤.

٣٩٧

وكذا مع وجود المتبرع [١].

( مسألة ٥ ) : الأقوى جواز الحوالة على البري‌ء [٢] ،

______________________________________________________

هذه المباني فليس بحيث يجوز رفع اليد عن الأدلة الشرعية من امارة أو أصل ، فلو قلنا بأن علل الشرع معرفات أو أنها علل حقيقة أصلية وكان عموم اللزوم بلا معارض كان هو المحكم ، ولو قلنا بأنها علل أصلية وكان الباقي محتاجاً إلى مؤثر وكان إطلاق دليل الخيار بلا معارض كان هو المحكم أو كان استصحاب الخيار بلا معارض كان أيضاً هو المحكم. فالمباني المذكورة إذا لم توجب العلم لا تسقط الأدلة الشرعية عن مقام المرجعية ، وأنى لها بالعلم مع أن العلية غير منصوصة ، وانما استفيدت من قرائن الأحوال الظنية. وبالجملة : فالتعويل على الأمور المذكورة في إثبات الأحكام الشرعية في غاية من الوهن.

هذا فيما فرضه الأصحاب من تجدد اليسار. والمصنف لم يتعرض له وانما تعرض لمثله. والكلام في الجميع من باب واحد ، والعمل بإطلاق دليل الخيار المقتضي للتراخي ـ كما ذكره في الجواهر وغيره ـ متعين. وأما دعوى الانصراف فممنوعة. ولو كان الانصراف موجباً لسقوط الخيار بتجدد اليسار كان موجباً لثبوته بتجدد الإعسار ، وهو خلاف النص ، فمنشأ الانصراف مخالف للنص.

[١] الكلام فيه كالكلام فيما قبله.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن السرائر : نفي الخلاف فيه بين أصحابنا ، بل حكى بعضهم عنها الإجماع عليه. ويقتضيه إطلاق الأدلة عمومها وخصوصها. وفي الجواهر استدل على ذلك بالسيرة على فعلها بحيث يعلم شرعيتها. لكنه كما ترى. وعن الشيخ في المبسوط في آخر الباب : المنع. وحكى بعضهم ذلك عن القاضي وابن حمزة ، لأصالة‌

٣٩٨

ولا يكون داخلا في الضمان [١].

______________________________________________________

عدم ترتب الأثر ، التي لا مجال لها مع الإطلاق المقتضي للصحة.

وفي جامع المقاصد : أن مبنى القولين المذكورين على الخلاف في أن الحوالة استيفاء أو اعتياض ، فعلى الأول يجوز ، وعلى الثاني لا يجوز. وتبعه على ذلك في المسالك ، وسبقه اليه الشهيد في الحواشي على ما حكي. وفيه ـ كما في مفتاح الكرامة. : أن ذلك من تخريجات الشافعية ، وإنما هي أصل برأسه وعقد مفرد ، كما صرح بذلك جماعة ، ومنهم الخلاف ، قال : « إن الذي يقتضيه مذهبنا أن نقول إنها عقد قائم بنفسه ». ثمَّ حكى اطباق أصحابنا على أنها ليست بيعاً الا ما يلوح من المبسوط ، وهو مؤول ... إلى آخر ما ذكره. وفي الجواهر : أن الأصح كونها أصلا برأسه ، وإن لحقها حكم الوفاء في بعض الأحوال ، والاعتياض في بعض آخر .. هذا والتأمل في مفهوم الحوالة والبيع والوفاء يقتضي وضوح تباين المفاهيم المذكورة وعدم انطباق بعضها على بعض ، فلا وجه لإجراء أحكام بعضها على بعض إلا بدليل خاص. وقد سبق في الشرط السادس التعرض لما يظهر من جماعة من الأصحاب ـ ومنهم المصنف ـ من كونها وفاء. فراجع.

[١] أشار بذلك الى ما ذكره في الشرائع ، قال : « ويصح أن يحيل على من ليس له عليه دين ، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه » ، وفي القواعد : « لكنه أشبه بالضمان ». ووجه المشابهة اشتراكها مع الضمان في انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه كانتقاله إلى ذمة الضامن البري‌ء. وعن الكاشاني : « الأظهر أنها ضمان ». لكنه كما ترى ، فان الضمان التعهد بالدين الذي في ذمة المضمون عنه ومن أحكامه انتقاله إلى ذمة الضامن ، لا عين الانتقال ، ولذا خالف فيه المخالفون ، وفي المقام معنى الحوالة هو النقل والانتقال ، فاختلفا مفهوماً وإن اشتركا في بعض الاثار.

٣٩٩

( مسألة ٦ ) : يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة [١].

( مسألة ٧ ) : يجوز الدور في الحوالة [٢]. وكذا يجوز الترامي [٣] بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال [٤] ، أو بتعدد المحتال واتحاد المحال عليه [٥].

( مسألة ٨ ) : لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته [٦].

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر ، عملا بعموم نفوذ الشروط وصحتها. قال في الجواهر : « وقد تقدم في الضمان ما لا يخفى عليك جريانه في المقام كغيره ، من أحكام الأجل واشتراط الخيار وغير ذلك ».

[٢] كما ذكره في التذكرة وغيرها. وفي الجواهر : « بل لم نجد خلافاً هنا وإن سمعته في الضمان ». ويقتضيه عموم الأدلة في البابين. والمراد به : أن يحيل المحال عليه في بعض والمراتب على المحيل الأول ، فيرجع المحتال منه أولا عليه بعد ذلك.

[٣] كما نص عليه في الشرائع والقواعد وغيرهما. والظاهر أنه لا اشكال فيه كما يظهر ذلك من ذكرهم له مرسلين له إرسال المسلمات. ويقتضيه عموم الأدلة.

[٤] كما إذا أحال زيد بكراً على عمرو ، فأحاله عمرو على خالد ، فأحاله خالد على الوليد ، فأحاله الوليد على عبد الملك ، فان المحتال واحد وهو بكر ، والمحال عليه عمرو ثمَّ خالد ثمَّ الوليد ..

[٥] كما إذا أحال بكر في المثال السابق خالداً على عمرو ، فأحال خالد الوليد على عمرو ، فأحال الوليد عبد الملك على عمرو.

[٦] هذا مما لا إشكال فيه ، ضرورة جواز التبرع عن الغير في وفاء دينه وعدم اعتبار المباشرة فيه عرفاً. ويقتضيه ما دل على جواز وفاء‌

٤٠٠