مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

لهما وفي ذمتهما. وشركة المفاوضة أيضاً باطلة [١] ، وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لأحدهما‌

______________________________________________________

بالبطلان فيه ، لأنه نوع من المضاربة. ( الرابع ) أن المعنيين الآخرين لتعين البناء على البطلان فيهما للوجه المتقدم في شركة الأبدان كونهما نوعاً من الجعالة لا يكفي في البناء على الصحة ، إذ لا عموم يقتضي صحة الجعالة وإن كانت موجبة لمخالفة الأدلة.

نعم يصح إذا كان المراد أن تكون الحصة من الربح للعامل بعد أن تدخل في ملك مالك الأصل ، كما لعله المفهوم من عنوان الجعالة ، إذ لا مانع من ذلك ، بل هو صحيح حتى في شركة الأبدان ، لعدم وجود المانع المتقدم حينئذ. وهذا هو المصحح للمضاربة في مواردها وفي المعنى الثالث الذي صححناه ، لأنه من المضاربة.

[١] وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه على فسادها » ، وفي مفتاح الكرامة : « إجماعاً كما في السرائر ، والإيضاح ، وشرح الإرشاد لولد المصنف ، والمهذب البارع ، والتنقيح وجامع المقاصد .. » إلى آخر ما حكاه عن الكتب المتضمنة لنقل الإجماع ظاهراً. والذي يظهر منهم أن الإجماع هو مستند البطلان لا غير. وفيه نظر ظاهر. لورود الاشكال المتقدم في شركة الأبدان هنا بعينه. إذ الربح يكون لصاحبه بدليله فانتقال بعضه الى غير صاحبه خلاف ذلك الدليل. وكذلك الغرامة تكون على صاحبها بدليل ثبوتها لغيره خلاف ذلك الدليل. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في بعض الحواشي من أنه يمكن تصحيح ذلك بالاشتراط في ضمن عقد لازم آخر. إذ بناء على ما ذكرنا يكون مخالفاً لمقتضى الكتاب ، فلا يصح.

إلا أن يقال إذا كان الشرط في ضمن عقد المعاوضة أو نحوها فالظاهر من اشتراط شي‌ء من الربح فيه أن يدخل الربح في ملك المشروط له بعد‌

٢١

من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصية أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كل غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما. فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلا ، وتسمى بشركة العنان [١].

( مسألة ٢ ) : لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح وكانت الأجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما. ولا يضر الجهل بمقدار حصة كل منهما حين العقد ، لكفاية معلومية المجموع [٢] ولا يكون من شركة الأعمال [٣] التي تكون باطلة ، بل من شركة الأموال [٤] ، فهو كما لو استأجر كل منهما لعمل [٥] وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء أجرتهما. ولو اشتبه مقدار عمل كل منهما فان احتمل التساوي حمل عليه ، لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر [٦] ، وإن علم‌

______________________________________________________

أن يدخل في ملك المشروط عليه ، لا قبل أن يدخل. نظير اشتراط شي‌ء من الربح للعامل في المضاربة ، فإن المراد به اشتراط أن يدخل الربح في ملك العامل بعد أن يدخل في ملك المالك ، لا قبله ليكون خلاف الأدلة الأولية.

[١] سيأتي في المسألة الرابعة أن هناك قسم خامس للشركة فانتظر.

[٢] كما في بيع الصفقة إذ لا دليل على اعتبار العلم بأكثر من ذلك‌

[٣] لاختصاص تلك بعقد الشركة بين العاملين وهو مفقود هنا.

[٤] هذا يكون بعد قبض المال المشترك ، أما لو دفع المستأجر حصة كل واحد بمقدار عمله فلا شركة.

[٥] يعني : بأجرة معينة ، مثل نصف دينار ، وبعد عملهما أعطاهما ديناراً واحداً ورضيا بذلك.

[٦] قال في القواعد : « وإذا تميز عمل الصانع من صاحبه اختص‌

٢٢

زيادة أحدهما على الآخر [١] فيحتمل القرعة في المقدار الزائد [٢] ويحتمل الصلح القهري.

( مسألة ٣ ) : لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماءً بآنية واحدة أو نصبا معاً شبكة للصيد أو أحييا أرضاً معاً ، فان ملك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي ، وإلا فلكل منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوة والضعف [٣]. ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة [٤].

______________________________________________________

بأجرته ، ومع الاشتباه يحتمل التساوي والصلح » ، ونحوه عن التذكرة ، وفي المسالك : « ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح ». وكأن وجه التساوي الأصل المذكور ، كما صرح بذلك في الجواهر في المسألة الآتية ، لكن يعارضه أصالة عدم التساوي. أو يقال : لا مجال للأصول المذكورة ، لعدم كون مجراها موضوعاً لحكم شرعي ، إذ ليس المدار في الاستحقاق على مقدار نسبة أحد العملين إلى الآخر ، بل على مقدار نسبة العمل الى ما يقابله من الأجرة ، والنسبة مجهولة ، والأصول لا تصلح لإثباتها لتعارضها في العملين ، وحينئذ فالمقدار المردد يرجع فيه الى القرعة ، فإذا تعذرت لكثرة المحتملات لزم البناء على الصلح بينهما ، ومع تعاسرهما يفصل بينهما الحاكم الشرعي بما يراه من كيفية الصلح.

[١] يعني : ولم يعلم مقدار الزيادة.

[٢] بناء على ما تقدم منه من جريان أصالة عدم الزيادة فمع الشك في مقدار الزيادة يبنى على القدر المتيقن ، لأصالة عدم الزيادة المحتملة. لكن عرفت إشكاله.

[٣] إذا كانا دخيلين في زيادة العمل ونقصه ، وإلا فلا أثر لهما.

[٤] لكن عرفت التحقيق فيها.

٢٣

وربما يحتمل التساوي مطلقاً [١] ، لصدق اتحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قوله : من حاز ملك. وهو كما ترى [٢].

( مسألة ٤ ) : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم [٣] في الشركة العقدية ـ مضافاً إلى الإيجاب ، والقبول ، والبلوغ والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجر لفلس أو سفه ـ امتزاج المالين [٤]

______________________________________________________

[١] هذا الاحتمال ذكره في الجواهر ، لصدق اتحاد فعلهما في السببية واندراجهما في قول : من حاز ملك ، ولعدم الدليل على اقتضاء ذلك التفاوت في المحاز ، وإن كان هو منافياً للاعتبار العقلي ، الذي لا يرجع الى دليل معتبر شرعاً.

[٢] فان انطباقه على كل واحد ينافي انطباقه على الآخر ، فيجب أن يكون له انطباق واحد عليهما معاً ، وحينئذ لا إطلاق له يقتضي المساواة في الحصة ، بل الارتكاز العقلائي يقتضي صرفه إلى كون الملكية بمقدار العمل.

[٣] بل هو صريح كلماتهم. نعم ظاهرهم الإجماع عليه ، ولعله مراد المصنف.

[٤] قال في التذكرة : « لا تصح الشركة إلا بمزج المالين وعدم الامتياز بينهما عند علمائنا ». لكن في الخلاف : « لا تنعقد الشركة إلا في مالين مثلين في جميع صفاتهما ، ويخلطان ، ويأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه. وبه قال الشافعي ». ثمَّ حكى عن أبي حنيفة عدم اعتبار الخلط ، ثمَّ قال : « دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد الشركة به ، وليس على انعقادها بما قاله دليل ، فوجب بطلانه » ، وظاهره الإجماع على الصحة في المختلطين ، لا على اشتراط الاختلاط في الصحة والبطلان في غير المختلطين ، وان كان ظاهر كلمات الجماعة في هذا الباب التسالم على اعتبار المزج في صحة الشركة. قال في النافع : « ولا تصح الا مع امتزاج‌

٢٤

______________________________________________________

المالين على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر » ونحوه كلام غيره.

وقد عرفت الإشكال في ذلك في الحاشية على قول المصنف (ره) : « وهو معدود من العقود » ، فان النصوص صريحة في حصول الشركة يقول مالك العين للآخر : شاركتك ، فاذا قال أحد المالكين للعينين : شاركتك » وقال الآخر : قبلت ، حصلت الشركة في عينه ، فاذا قال الآخر للأول : شاركتك ، وقال الأول : قبلت ، حصلت الشركة في عينه أيضا ، فتكون شركة في العينين ومثله أن يقول أحدهما : تشاركنا في مالينا ، فيقول الآخر : قبلت. ودعوى : أنه لا يحصل في هذا الشركة إلا بشرط الامتزاج بعيدة جداً ، وإن عرفت أنها ظاهرة من كلام الأصحاب.

إلا أن يكون مرادهم من الشركة معنى غير المعنى العرفي ، وهو الاشتراك على وجه الاذن في التصرف من كل من الشريكين ، كما عرفت أنه أيضاً ظاهر كلمات جماعة منهم ، ومنهم الشيخ في عبارته في الخلاف المتقدمة. ومن ذلك ظهر أن لا إجماع على اعتبار الامتزاج في حصول مجرد الاشتراك في المالين وإن كان ظاهر بعض العبارات ذلك ، والقدر المتيقن من الإجماع الشركة في التجارة المتضمنة للإذن في التصرف ، المسماة بشركة العنان. وكأن وجه تسميتها بذلك أن كلا من الشريكين كأنه فارس وبيده عنان الفرس يذهب حيث يشاء ، بخلاف من لا يكون بيده العنان ، فإنه يذهب حيث تشاء الفرس لا حيث يشاء هو. وان كان هذا الوجه لم يذكر في وجه التسمية بشركة العنان مع أنهم ذكروا الوجوه الكثيرة. وعلى هذا لم يظهر إجماع على اعتبار الامتزاج في أصل الاشتراك ، والمتيقن منه في خصوص شركة التجارة التي يقصد فيها الاسترباح ، المسماة بشركة العنان ، المتضمنة للاذن لهما في التصرف.

والمتحصل مما ذكرنا : أن الشركة العقدية على قسمين. ( الأول‌

٢٥

سابقاً على العقد [١] أو لاحقاً ، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، من النقود كانا أو من العروض. بل اشترط جماعة [٢] اتحادهما في الجنس والوصف. والأظهر عدم اعتباره [٣] ، بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر ، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه ، أو امتزج نوع‌

______________________________________________________

مجرد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط. وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها. ( والثاني ) : عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الاذن في التصرف منهما لهما. وهي التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لا يتميز أحدهما عن الآخر ، بناء على الإجماع المتقدم في كلامهم. بل هناك قسم ثالث يكون في المال الذي يشرك مالكه فيه ، كما تضمنته النصوص فإن الشركة فيه عقدية في مال واحد.

[١] إذا كان الامتزاج سابقاً على العقد فقد حصلت الشركة وحينئذ لا يكون العقد لإنشائها ، بل يكون لمحض الاذن في التصرف ، فيكون معنى اشتركنا : أنه اشتركنا في التصرف لا اشتركنا في الملك.

[٢] حكى في مفتاح الكرامة : اشتراط الاتحاد في الجنس والصفة عن المبسوط والوسيلة والسرائر وجامع الشرائع والشرائع والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك والكفاية ، وعن السرائر : الإجماع على ذلك. لكن الذي يظهر من عبارة المبسوط الآتية خلاف ذلك. فانتظر.

[٣] قد يظهر ذلك من عبارة القواعد ، إذ قال في مقام بيان أركانها الثلاثة : المتعاقدان والصيغة والمال : « وهو كلما يرتفع الامتياز مع مزجه ، سواء كان أثماناً أو عروضا أو فلوساً » ، وفي المبسوط : « ومن شرط الشركة أن يكون مال الشركة مختلطاً لا يتميز مال أحدهما عن الآخر .. ( الى أن قال ) : ومتى أخرجا مالين متفقين في الصفة ـ مثل أن يخرج‌

٢٦

من الحنطة بنوع آخر [١]. بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير [٢]. وذلك للعمومات العامة ، كقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) و‌قوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ‌وغيرهما. بل لو لا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً ، عملا بالعمومات. ودعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك [٣].

______________________________________________________

كل واحد منهما دراهم مثل دراهم صاحبه أو دنانير مثل دنانير صاحبه أو دهناً مثل دهن صاحبه أو حباً مثل حب صاحبه ـ وخلطاهما ، وأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف في المال انعقد الشركة ». وكأنه لهذا ونحوه لم يتحقق الإجماع على اعتبار الجنس والوصف ، ولذا قال في مجمع البرهان : « إن في اشتراط التساوي في الجنس تأملا ، لأنه يجري في غير المتجانسين حيث يرتفع المائز ». وحينئذ لا بأس بالبناء على حصول الشركة العقدية بمجرد الخلط الرافع للامتياز وإن كان المالان مختلفي الجنس.

[١] يعني : مع عدم الامتياز.

[٢] لا يخفى أن الإجماع على اعتبار الخلط الذي عول عليه المصنف في اعتبار المزج كان معقده المزج الذي يرتفع معه الامتياز بين المالين ، ولم يكن على محض اعتبار المزج مطلقاً ، كي يمكن التفكيك بين اعتبار المزج واعتبار عدم التميز ، كما لا يخفى ، وحينئذ لا مجال للرجوع إلى العمومات الدالة على الصحة.

[٣] تظهر هذه الدعوى من كلام الشيخ في الخلاف المتقدم نقله في الحاشية السابقة ، فإنه ظاهر في أنه مع عدم الامتزاج لا دليل على‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.

٢٧

كما ترى [١]. لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصة مما هو له بحصة مما للآخر ، أو يهبها كل منهما للآخر أو نحو ذلك ، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن. هذا ويكفي في الإيجاب والقبول كل ما دل على الشركة [٢] من قول أو فعل.

( مسألة ٥ ) : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين [٣] ، ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً وخسراناً سواء كان العمل من أحدهما أو منهما ، مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرع أو أجير. هذا مع الإطلاق ، ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما ، فإن كان للعامل منهما ، أو لمن عمله أزيد ، فلا اشكال ولا خلاف على الظاهر [٤] عندهم في‌

______________________________________________________

الصحة ، بل يمكن أن ينسب ذلك لي القواعد وجامع المقاصد والمسالك ، بناء على ما يظهر منها من أن العقد إنما ينشأ به الاذن في التصرف ، دون الاشتراك في الملكية ، وان ذلك إنما يستند إلى المزج ، فاذا شك في السببية للاشتراك في الملك يرجع الى أصالة عدم ترتب الأثر ، إذ لا عموم يقتضي ذلك.

[١] لأن الظاهر من الشركة العقدية إنشاء نفس الاشتراك بالعقد ، غاية الأمر أن ينضم إلى الاشتراك الاذن في التصرف ، وحملها على إنشاء نفس الاذن مقطوع بخلافه ، فلاحظ.

[٢] بناء على ما سبق يتعين أن يكون المراد من الشركة الشركة في الملك والشركة في العمل والتجارة ، ليتضمن الاذن في التصرف.

[٣] هذا مقتضى أصالة تبعية الربح لأصل المال ، وكذا في المسألة الثانية.

[٤] قال في الجواهر : « بل لا خلاف فيه بينهم ، على ما اعترف‌

٢٨

صحته. أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ففي صحة الشرط والعقد [١] وبطلانهما [٢] وصحة العقد وبطلان الشرط [٣] ـ فيكون كصورة الإطلاق ـ أقوال [٤] أقواها الأول [٥] وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد. وذلك لعموم : « المؤمنون عند شروطهم ». ودعوى : أنه به

______________________________________________________

جماعة ، بل ولا في جوازه مع العمل منهما أيضاً وشرطت الزيادة لمن زاد عمله على الآخر ». وفي الشرائع : « أما لو كان أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح ، وكان بالقراض أشبه » واستشكل عليه في الجواهر بعدم قصد القراض أولا ، وبعدم اعتبار ما يعتبر في صحة القراض من كونه نقداً ثانياً ، وبأنه لا يتم في الفرض الثاني ثالثاً ، فيتعين أن يكون الملك بالشرط ، وحينئذ يطالب بوجه الفرق بين صورة العمل وغيرها بالصحة في الاولى والبطلان في غيرها ، لتحقق الشرط في المقامين ، فان صح صح فيهما معاً ، وإن بطل ففيهما معاً أيضاً. وفيه ما سيأتي فانتظر.

[١] حكي ذلك عن المرتضى في الانتصار ، وعن العلامة في جملة من كتبه كالتذكرة والتحرير والتبصرة والمختلف ، وعن مجمع البرهان والكفاية وغيرها ، وعن العلامة حكايته عن والده ، واختاره في الجواهر.

[٢] حكاه في الشرائع قولا واختاره ، ونسب إلى الخلاف والمبسوط والسرائر وشرح الإرشاد للفخر واللمعة والمفاتيح وغيرها ، وفي جامع المقاصد : أنه الأصح.

[٣] حكي عن ظاهر الكافي والغنية والنافع وجامع الشرائع ، حيث قالوا : لم يلزم الشرط ، بل في المسالك حكايته عن أبي الصلاح.

[٤] سيأتي القول الرابع الذي اختاره في القواعد.

[٥] لما سيأتي.

٢٩

مخالف لمقتضى العقد [١] ، كما ترى [٢]. نعم هو مخالف لمقتضى إطلاقه. والقول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة ، بل هو أكل بالباطل [٣]

______________________________________________________

[١] لا يحضرني من ادعى ذلك.

[٢] من الواضح أن مقتضى الشركة الاشتراك في الربح على حسب الشركة في الأصل ، لكن هذا الاقتضاء ليس على نحو العلية بل على نحو الاقتضاء ، وهذا المقدار كاف في بطلان الشرط على خلافه لكونه حينئذ مخالفاً للكتاب ، المراد أنه مخالف للحكم الاقتضائي. هذا بالنسبة إلى النماء الخارجي ، وأما بالنسبة إلى النماء الاعتباري أعني الربح فالإشكال فيه أظهر ، كما أشرنا إليه في شركة الأبدان » وسيأتي أيضاً. ومن ذلك تعرف الإشكال في قوله رحمه‌الله : « هو مخالف لمقتضى .. ».

[٣] هذا القول لجامع المقاصد وقد أطال في الاستدلال على البطلان فإنه بعد أن استدل للقول بالصحة بعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم » (٣) ‌قال : « ويضعف بأنه أكل مال بالباطل لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض ، لأن الفرض أنها ليست في مقابله عمل » ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة ، لتضم إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها ، ولا هو إباحة للزيادة ، إذ المشروط تملكها بحيث يستحقها المشروط‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.

٣٠

كما ترى باطل [١]. ودعوى : أن العمل بالشرط غير لازم ،

______________________________________________________

له ، فيكون اشتراطها اشتراطاً لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، كما لو دفع إليه دابة ليحمل عليها والحاصل لهما ، فيكون باطلا ، فيبطل العقد المتضمن له إذ لم يقع التراضي بالشركة والاذن في التصرف الا على ذلك التقدير ، ولا يندرج في قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ). ولا في قوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم ». أما عدم اندراجه في قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) فظاهر ، إذ الشركة ليست من التجارة في شي‌ء ، إذ هي مقابلة مال بمال. نعم لو شرط ذلك للعامل تحققت التجارة حينئذ. لأن العمل مال » فهو في معنى القراض ».

[١] فان قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (١) وإن كان مقدماً على قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) وقوله تعالى : ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) ونحوهما ، إما لأنه مخصص لها ، أو وارد عليها ، إلا أن كون الزيادة ليس في مقابلها عوض لا يستوجب أكل المال بالباطل ، فإن أكل مال الغير بإذنه أو بتمليكه ليس من الأكل بالباطل ضرورة. كما أنه لا تنحصر صحة التملك بالمعاوضة والهبة كما ذكر إذ لا دليل على ذلك ، بل هو خلاف عموم صحة الشروط المقتضية للملك المجاني. هذا مضافاً إلى أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد ، وعدم التراضي بالعقد الا على تقدير الشرط ممنوع ، فان الرضا بالعقد والشرط كان على نحو تعدد المطلوب ، كما حقق في محله. ولذا بنى جماعة من المحققين على أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد.

__________________

(١) البقرة : ١٨٨ ، النساء : ٢٩.

(٢) المائدة : ١.

(٣) النساء : ٢٩.

٣١

لأنه في عقد جائز [١]. مدفوعة أولا : بأنه مشترك الورود.

______________________________________________________

[١] هذا محكي عن الرياض ، وقد سبق أن عقد الشركة تارة : يراد به عقد التشريك في الملك ، وأخرى : عقد التشريك في العمل والاذن في التصرف لهما ، كما عرفت ظهور عبارات جماعة في أنه معنى عقد الشركة ، وأنه بهذا المعنى كان من العقود الجائزة. وحينئذ فالشرط المذكور إن كان شرطاً في الشركة بالمعنى الأول فهو شرط في عقد لازم ، ولا ينافي لزومه بطلان الشركة بالقسمة ، كما لا ينافي لزوم البيع بطلانه بالإقالة ، كما ذكر ذلك في الجواهر. وإن كان شرطاً في الشركة بالمعنى الثاني كان شرطاً في عقد جائز لا لازم. لكن عرفت سابقاً الإشكال في كون الشركة بهذا المعنى من العقود ، لأن الاذن في التصرف منهما كالاذن من أحدهما من قبيل الإيقاع ، الذي لا يصح فيه الشرط.

نعم يصح الشرط في الاذن على معنى كونه عوض الاذن ، فيكون الشرط مقوماً للعقد ، لا شرطاً في العقد ، بأن يقول الشريك لشريكه : أنت مأذون في العمل وحدك في المال المشترك على أن يكون لي ثلاثة أرباع الربح ، فيقبل الشريك ذلك ، لما يترتب على ذلك من الأغراض العقلائية ، لكن الشرط بهذا المعنى ليس بالمعنى المصطلح في معنى الشرط في العقد ، بأن يكون إنشاء في ضمن إنشاء ، بل يكون قيداً مقوماً للعقد. ولا مجال للتمسك فيه بقوله (ع) : « المسلمون عند شروطهم » (١) ‌بل يتمسك فيه بمثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ). ومن ذلك يظهر أن شرط التفاوت مع العمل ـ الذي تقدم الاتفاق على صحته ـ من هذا القبيل ، فإنه معاملة بين الشريكين موضوعها العمل والتفاوت ، لا أن ذلك شرط في العقد.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

٣٢

إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته [١] وثانياً : بأن غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط والمفروض في صورة عدم الفسخ [٢] ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به. وليس معنى الفسخ حل العقد من الأول [٣]

______________________________________________________

[١] وقد عرفت أنه لا خلاف في صحة الشرط حينئذ ونفوذه.

[٢] يعني : المفروض ومحل الكلام في صورة عدم الفسخ ، فيكون الشرط نافذاً.

[٣] يعني : لو فرض أنه وقع الفسخ بعد ذلك لا يكون ذلك الفسخ موجباً لبطلان الشرط من أصله ، لأن الفسخ حل العقد من حينه يعني : من حين وقوع الفسخ لا من أول الأمر ، وحينئذ يترتب أثر الشرط وإن وقع الفسخ بعده. هذا ولكن عرفت في مسألة بطلان الشركة في الأبدان أن المعاوضة على مال الغير تقتضي دخول العوض في ملك مالك المعوض عنه ، فالربح يجب أن يدخل في ملك مالك المال ، فلا يصح اشتراط خلاف ذلك ، لأنه إن صح الشرط بطلت المعاوضة ، وإن صحت المعاوضة بطل الشرط. نعم إذا كان المراد أن تمليك مقدار التفاوت للشريك بعد أن يدخل في ملك شريكه صح. لكنه خلاف الظاهر من جعل التفاوت له في غير مقام المعاوضة. نعم إذا كان الجعل في مقام المعاوضة ـ كما إذا كان له عمل ـ فان ذلك قرينة على كون المقدار خارجاً عن ملك الشريك إلى ملكه ، لأنه عوض العمل الذي ترجع فائدته إلى من يخرج من ملكه ، كما في الصورتين الأوليين اللتين لا خلاف فيهما في صحة الشرط. ولأجل ذلك كانت المضاربة لا مخالفة فيها للقاعدة من أجل أن جزء الربح المجعول للعامل في مقابل عمله ، فيكون المراد صيرورته للعامل بعد أن يدخل في ملك المالك ، لا قبل أن يدخل في ملكه ، ليلزم مخالفة‌

٣٣

______________________________________________________

القاعدة. وكذلك الحكم في المثال الذي ذكره في جامع المقاصد ، وهو ما إذا دفع دابة إلى غيره ليحمل عليها ويكون الحاصل لهما ، فان جزء الحاصل الذي يكون للعامل يراد منه ذلك بعد أن يدخل في ملك مالك الدابة في مقابل عمله ، لا قبله ليلزم الاشكال ، والقرينة على ذلك ظهور قصد المعاوضة الموجبة لدخول كل من العوضين في ملك مالك من خرج عنه الأخر.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن المراد من الشرط في المقام ليس ما يكون إنشاء في ضمن إنشاء ، بل القيد المأخوذ في المعاملة سواء كان في مقابل عمل ـ كما في الصورتين الأوليين ـ أم لا ، كما في مورد الكلام. ( الثاني ) : أن الوجه في البطلان في الصورة الأخيرة ليس من جهة أكل المال بالباطل ، ولا من جهة أنه شرط في عقد جائز ، بل من جهة أنها معاملة على خلاف مقتضى المعاملة الواقعة على أصل المال ، فلا يمكن تصحيحهما معاً ، فان صحت المعاملة على المال بطلت هذه المعاملة وإن صحت هذه المعاملة بطلت المعاملة على المال. ( الثالث ) : أن الوجه في الفرق بين الشرط مع العمل والشرط بدونه أنه مع العمل يكون المراد دخول جزء الربح في ملك العامل بعد خروجه من ملك الشريك ، عملا بظاهر المعاوضة ، ولا اشكال فيه ، وبدون العمل يكون المراد دخوله في ملك الشريك قبل أن يدخل في ملك شريكه ، فيلزم الاشكال. فلو فرض التصريح بأن الدخول في ملك من له التفاوت بعد دخوله في ملك الشريك تعين القول بالصحة. فالفارق بين المسألتين اختلافهما في المراد ، لا اختلافهما في الدخول في الأدلة ، ليطالب بالوجه الفارق في ذلك. ( الرابع ) : أن المعيار في الصحة والفساد كون اشتراط الزيادة لأحدهما بعد دخولها في ملك الشريك وقبله ، فعلى الأول تصح ، وعلى الثاني تبطل.

( تنبيه ) : قال العلامة في القواعد : « ولو اشترطا التفاوت مع تساوي‌

٣٤

بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط الى ذلك الحين. هذا ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد ، لأنه خلاف مقتضاه [١]. نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحته [٢] لعدم كونه منافياً.

( مسألة ٦ ) : إذا اشترطا في ضمن العقد [٣] كون‌

______________________________________________________

المالين أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما سواء اشترطت الزيادة له أو للآخر ». ووجهه غير ظاهر ، فإنه إذا جاز اشتراط الزيادة لغير العامل فلا وجه لاعتبار عمل غيره في ذلك ، فاشتراط ذلك فيه لا يخلو وجهه من غموض وخفاء.

[١] لم يتضح وجه الفرق بين تمام الربح وبعضه في كون شرط الأول مخالفاً لمقتضى العقد دون الثاني ، وقد عرفت أنه ليس هناك عقد وشرط ، بل ليس إلا عقد فقط ، غايته أنه مقيد بقيد ينافي صحة المعاملة الموجبة للربح.

[٢] الكلام في الخسارة بعينه الكلام في الربح ، فان مقتضى المعاملات الواقعة على المال رجوع النقص على المالك ، عملا بالعوضية كرجوع الزيادة إليه عملا بالعوضية ، فرجوع الخسران إلى غير المالك خلاف مقتضى المعاوضة الذي لا يمكن أن يتخلف ، فكيف لا يكون منافياً؟!. نعم لو أريد من رجوع الخسارة إلى أحدهما لزوم تداركهما فلا بأس به ، ولا يكون منافياً لمقتضى المعاوضات ، نظير ما عرفته في الربح.

[٣] الظاهر إرادة عقد التشريك في الملك لا عقد التشريك في العمل والتجارة ، ولذا قال في الشرائع : « وإذا اشترك المال لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين ، فان حصل الإذن لأحدهم تصرف هو دون الباقين ، ويقتصر من التصرف على ما أذن له ، فان‌

٣٥

العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما فهو المتبع ولا يجوز التعدي ، وإن أطلقا لم يجز لواحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر. ومع الاذن بعد العقد أو الاشتراط فيه فان كان مقيداً بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدي عنه. وكذا مع تعيين كيفية خاصة. وإن كان مطلقاً فاللازم الاقتصار على المتعارف [١] من حيث النوع والكيفية. ويكون حال المأذون حال العامل في المضاربة ، فلا يجوز البيع بالنسيئة ، بل ولا الشراء بها ، ولا يجوز السفر بالمال ، وإن تعدى عما عين له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف ، ولكن يبقى الاذن بعد التعدي أيضاً [٢] إذ لا ينافي الضمان بقاءه. والأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة ، وإن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة [٣].

( مسألة ٧ ) : العامل أمين [٤] ، فلا يضمن التلف‌

______________________________________________________

أطلق له الاذن تصرف كيف شاء » ، ونحوه ما في القواعد وغيرها ، فالحكم المذكور من أحكام الشركة وان لم تكن بعقد.

[١] إذا كان التعارف قرينة على التقييد به أو صالحاً لذلك ، أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من الأخذ بخلافه ، خصوصاً إذا كان ذلك أقرب الى المصلحة وأبعد عن الضرر.

[٢] لإطلاقه الشامل لذلك.

[٣] وفي الجواهر : « إن ذلك لا يخلو من قوة ». لكن وجهه غير ظاهر ، إذ الإذن بالتجارة يقتضي الاختصاص بما فيه الفائدة ، فلا إطلاق له يشمل رفع المفسدة.

[٤] عبر في الشرائع بقوله : « ولا يضمن الشريك ما تلف في يده » ‌

٣٦

ما لم يفرط أو يتعدى.

( مسألة ٨ ) : عقد الشركة من العقود الجائزة [١] ،

______________________________________________________

وفي القواعد : « والشريك أمين لا يضمن ما يتلف في يده » ، والعبارات الثلاث واحدة المفاد ، وهو عدم ضمان من هو مأذون في وضع يده على المال ، لأنه أمين. والحكم عندهم من المسلمات الواضحات ، وهو كذلك ، لما دل من النصوص على عدم ضمان الأمين ، وهي كثيرة.

[١] قد اشتهر التعبير بذلك في كلام الجماعة ، كالمحقق والعلامة والمحقق الثاني والشهيد الثاني وغيرهم ، وعن الغنية والتذكرة : الإجماع عليه ، قال في الشرائع : « ولكل واحد من الشركاء الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة لأنها غير لازمة » ، وقال في القواعد : « ويجوز الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة ، إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين » ونحوهما عبارات غيرهما ، وفي المسالك في شرح عبارة الشرائع المتقدمة قال : « الشركة بمعنييها غير لازمة ، وأشار إلى الأول بقوله : والمطالبة بالقسمة ، وإلى الثاني بقوله : الرجوع في الاذن ». ويشكل : بأن المطالبة بالقسمة لا تنافي اللزوم ، إذ القسمة ليست فسخاً ، وإنما هي تعيين الحصة المشاعة ، وذلك وإن كان يقتضي زوال الإشاعة والاشتراك لكنه ليس فسخاً لعقد التشريك في الملك ، إذ الفسخ يقتضي رجوع كل مال إلى ملك مالكه قبل الاشتراك ، وليست القسمة كذلك. ومجرد زوال الاشتراك به لا يوجب كونه فسخاً ، كما أن الطلاق لا يكون فسخاً للنكاح وإن زال النكاح به. هذا إذا كان التشريك قد أنشئ بالعقد ، أما إذا كان قد حصل بالامتزاج فهو من الاحكام لا من العقود ، فلا يقبل الجواز واللزوم حتى يكون طلب القسمة مقتضياً للجواز

وأما الرجوع بالاذن فليس فسخاً لعقد ، وإنما هو رفع للاذن ، والاذن ليس من العقود بل من الإيقاع ، كما أشرنا إلى ذلك في أول المبحث ،

٣٧

فيجوز لكل من الشريكين فسخه [١] ، لا بمعنى أن يكون الفسخ موجباً للانفساخ [٢] من الأول أو من حينه بحيث تبطل الشركة [٣] ، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة ، بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الاذن في التصرف الذي بمنزلة عزل الوكيل‌

______________________________________________________

وذكره شيخنا في الجواهر. ثمَّ إنه في المسالك قرب أن يكون مراد الشرائع من قوله (ره) : « غير لازمة » هو المعنى الثاني ، لأنه الذي يكون من العقود. لكن على هذا لا يحسن جعله تعليلا لطلب القسمة الذي ذكر أنه يتعلق بالمعنى الأول. فلاحظ.

هذا والظاهر أن مراد الشرائع والقواعد وغيرهما من طلب القسمة طلب قسمة المال المشترك بعقد الشركة التجارية ، يعني : أن الشريكين في التجارة يجوز لكل منهما نقضها بالرجوع عن الاذن وبطلب القسمة ، في مقابل احتمال لزوم الاستمرار عليها ، فيكون طلب القسمة أيضاً منافياً للزوم الشركة التجارية ، ولا يرتبط بالشركة الملكية ، وحينئذ يتوجه الإشكال الأخير فقط ، وهو : أن الشركة التجارية إيقاع لا عقد ، فلا تقبل الجواز واللزوم. وإن شئت قلت : لا يمكن أن يكون المراد كل واحد من المعنيين للشركة ، لأنه من استعمال المشترك في أكثر من معنى ، وحينئذ إما أن يراد المعنى الأول أو الثاني ، والأول ممتنع لأنه لا يرتبط بالاذن ، فيتعين الثاني‌.

[١] ذكر المصنف ذلك ، لأنه من أحكام جواز العقد ومن فروعه.

[٢] إذا لم يكن بهذا المعنى لم يكن من أحكام جواز العقد ، بل يكون حكماً خاصاً ، وحينئذ لا يكون جواز عقد الشركة بمعناه المصطلح بل يكون بمعنى آخر ، وحينئذ لا داعي إلى هذا التعبير وهذا الإيهام.

[٣] إذا كان المراد من الشركة العقدية التمليكية فهي لازمة لا جائزة‌

٣٨

عن الوكالة [١] أو بمعنى مطالبة القسمة [٢]. وإذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر ـ فيما لو كان كل منهما مأذوناً ـ لم يجز التصرف للآخر ، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأول [٣] وإذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما. وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر ، وإذا أوقعا الشركة على وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في الخسارة يمكن‌

______________________________________________________

ولا يجوز فسخها ، وإذا كان المراد الشركة التجارية فان كانت من العقود فلا مانع من أن تكون جائزة ويجوز فسخها وان بقيت الشركة في المال بحالها. نعم عرفت سابقاً الإشكال في كونها من العقود ، كي تقبل الجواز واللزوم ، وتقبل الفسخ.

[١] عزل الوكيل ليس فسخاً للوكالة » وإنما هو اعتبار آخر وإن كان رافعاً لها ، كما أن طلاق الزوجة ليس فسخاً لنكاحها ، وعتق العبد ليس فسخاً لشرائه أو استرقاقه ، فان هذه العناوين الاعتبارية مباينة لاعتبار الفسخ.

[٢] الظاهر أنه لا إشكال في أنه يجوز للشريك مطالبة القسمة ، ويقتضيه عموم السلطنة. لكنه ليس فسخاً للسبب الموجب للتشريك ، ولذا تصح القسمة في الموارد الذي لا يكون التشريك إنشائياً كالإرث ونحوه.

[٣] هذا مما يوضح أن الرجوع عن الاذن ليس فسخاً ، إذ لو كان فسخاً كان رفعاً للاذن من الطرفين. نعم إذا كان الاذن من الطرفين مضمون عقد الشركة ، فإن كان عقد الشركة يقتضي الإذن فرفع الاذن من أحد الطرفين يقتضي ارتفاع الاذن من الآخر ، لما بينهما من نوع المعاوضة ، فيكون انفساخاً قهرياً. ومن ذلك يشكل ما عن التذكرة من الفرق بين قوله : « فسخت العقد » وبين قوله : « عزلتك » ، حيث أن‌

٣٩

الفسخ ، بمعنى إبطال هذا القرار ، بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين [١] على ما هو مقتضى إطلاق الشركة.

( مسألة ٩ ) : لو ذكرا في عقد الشركة أجلاً لا يلزم فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه [٢]. إلا أن يكون مشروطاً في ضمن عقد لازم ، فيكون لازماً.

______________________________________________________

الأول يقتضي ارتفاع الاذن من الطرفين ، بخلاف الثاني. لكن عرفت أن التحقيق أنه لا عقد ولا جواز ولا لزوم ، وإنما هو إيقاع من الطرفين ، فاذا ارتفع أحدهما لم يرتفع الآخر.

[١] هذا إذا كان التفاوت قد أخذ شرطاً زائداً على إنشاء الشركة التجارية ، إذ حينئذ يجوز بطلان الشرط ، ويبقى الإنشاء المشروط فيه بحاله ، ولذا يجوز للمشروط إسقاط شرطه من دون ورود خلل في أصل العقد ، أما إذا كان قد أخذ مقوماً للإيقاع ـ كما عرفت ـ فاذا بطل احتيج إلى إيقاع جديد.

[٢] قال في الشرائع : « ولو شرط التأجيل في الشركة لم يصح ، ولكل منهما أن يرجع متى شاء » ، وفي القواعد « ولا يصح التأجيل فيها » ونحوهما كلام غيرهما. وفي بعضها : أن المؤجلة باطلة. والظاهر أن المراد بطلان التأجيل ، لا بطلان أصل الشركة التجارية ، بحيث لا يصح التصرف في المال والاتجار به ، فضلا عن بطلان الشركة العقدية التمليكية. ثمَّ إن الظاهر أنه لا إشكال في الحكم المذكور عندهم ، وعللوه : بأن الشركة من العقود الجائزة ، فلا تلزم بالشرط. والاشكال فيه ظاهر إذ لم يثبت أن الشركة التجارية من العقود ، فضلا عن أن تكون جائزة. ولو سلم فلا مانع من صحة شرط اللزوم وعدم الفسخ إلى أجل في العقود الجائزة ، كما تقدم من المصنف (ره) في أوائل المضاربة. اللهم إلا أن يكون جوازها‌

٤٠