مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٣

( مسألة ١ ) : لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلطاً عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة أو الوصية أو الوقف عليه أو مسلطاً عليها بالتولية كمتولي الوقف العام أو الخاص والوصي‌

______________________________________________________

مجرد العمل بنحو الوجوب المشروط بوجود البذر ، فاذا لم يتعين من عليه البذر كان المفهوم المنشأ بلا موضوع ، فيبطل. وعن الإيضاح وجامع المقاصد : أنه الأصح. لكن في صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وسألته عن المزارعة قال (ع) : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله تعالى من شي‌ء قسم على الشطر. وكذلك أعطى رسول الله (ص) خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت » (١).

لكن في جامع المقاصد الإطباق على صحة المزارعة مع كون البذر على المالك ، فان تمَّ ـ كما هو الظاهر ، كما يشهد به تقسيم المزارعة في كلامهم الى صور متعددة ، ومنها كون البذر على العامل تارة ، وعلى صاحب الأرض أخرى ، وعليهما معاً ثالثة ـ فلا مجال للعمل بظاهر الرواية ، ويتعين تأويلها والرجوع إلى القواعد المقتضية لوجوب التعيين إذا لم يكن تعين ، وربما يختلف ذلك باختلاف الأصقاع والازمان ، فقد يكون البذر على صاحب الأرض فيكون الفلاح كالبناء ، وقد يكون على الفلاح فيكون الفلاح كالخياط والصحاف في زماننا ، وقد لا يكون تعارف ، وحينئذ لا بد من التعيين ، ومع عدمه تبطل لعدم الموضوع. إلا أن يكون إطلاق فيقتضي كونه على العامل ، كما ذكر في القواعد : وسيأتي في المسألة التاسعة عشرة ماله نفع في المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

٦١

أو كان له حق اختصاص بها بمثل التحجير والسبق ونحو ذلك [١] ، أو كان مالكاً للانتفاع بها ، كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره [٢] أو شارك غيره. بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة. نعم لو لم يكن له فيها حق أصلا لم يصح مزارعتها ، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فان المزارع والعامل فيها سواء. نعم يصح الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر ، أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك. لكنه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة [٣]. ولعل هذا مراد الشهيد في المسالك من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة [٤] إلا مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر. فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها ، وإلا فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان ، كما يدل عليه جملة من الاخبار.

( مسألة ٢ ) : إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ، فالظاهر‌

______________________________________________________

[١] كما إذا وضع فيه شيئاً.

[٢] كما سيأتي التعرض لذلك في المسألة الثالثة عشرة.

[٣] من المعلوم أن الشركة في الزرع ليست مزارعة ـ كما عرفت ـ مفهوماً عرفاً ولغة وشرعاً.

[٤] قال في المسالك : « واعلم أنه قد استفيد من حقيقة المزارعة ومن صيغتها أن المعقود عليه هو الأرض المملوكة المنتفع بها ـ كما سيتحرر‌

٦٢

______________________________________________________

من شرائطها ـ ويبقى من لوازمها البذر والعمل والعوامل ، وهي بحسب ما يتفقان عليه في مقابلة الأرض أو بعضها مضافاً إليها من صاحب الأرض وبعضها على العامل ، وصورها المتشعبة بينها كلها جائزة. وأنه لا تشرع المزارعة إذا لم تكن الأرض ملكاً لأحدهما كما في الأرض الخراجية .. ». وأشكل عليه : بأن صيغة المزارعة ـ التي هي : زارعتك ونحوها ـ لا تقتضي اعتبار ملكية الأرض لا عيناً ولا منفعة ، بل يكفي فيها الأولوية الحاصلة في أرض الخراج بالإحياء أو بالتفويض ممن هي بيده.

وعن الكفاية : الجزم بعدم اعتبار ذلك في المزارعة ، وذكر جملة من النصوص الدالة على جواز مزارعة أرض الخراج ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « أنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث. قال : نعم لا بأس به ، قد قبل رسول الله (ص) خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر ، والخبر هو النصف » (١) ‌وخبر الفيض بن المختار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثمَّ أؤاجرها أكرتي على أن ما أخرج الله منها من شي‌ء كان لي من ذلك النصف والثلث بعد حق السلطان. قال : لا بأس به ، كذلك أعامل أكرتي » (٢) ‌، وصحيح يعقوب المتقدم في الشرط العاشر.

لكن في الجواهر حمل كلام المسالك على إرادة ما في المتن. إلى أن قال : « ودعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة ، مقطوع بفسادها ، فان القواعد والنصوص والفتاوى صريحة في خلافها ، ويبعد خفاء مثل ذلك على مثله » أقول : صريح كلامه اعتبار الملكية وعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٣.

٦٣

صحته وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة. بل لا يبعد كونه منها أيضاً [١]. وكذا لو أذن لكل من يتصدى للزرع وإن لم يعين شخصاً [٢]. وكذا لو قال : « كل من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه » ـ مثلا ـ فأقدم واحد على ذلك ، فيكون نظير الجعالة [٣]

______________________________________________________

صحة المزارعة على الأرض الخراجية لعدم كونها ملكا للمزارع ، فدعوى ظهور كلامه في ذلك مقطوع بصحتها لا بفسادها. والقواعد والفتاوى والنصوص إنما تدل على فساد دعوى اعتبار الملكية ، لا على فساد دعوى ظهور كلامه في ذلك.

[١] قد تقدم وسيأتي أن المزارعة المصطلحة من العقود اللازمة ومن المعلوم أن الاذن في الفعل الخارجي ليس عقداً ، فضلا عن أن يكون لازماً. نعم إذا كان المراد من الاذن في زرع الأرض الاذن في إيقاعه للمزارعة الإنشائية ، وكان المزارع في مقام إنشائها ، كان إنشاؤها بذلك إيجاباً لها. ويكون الاذن السابق قائماً مقام القبول ، لكونه اعمالا للسلطنة. وكذا إذا كان من قبيل الدال على إيجاب المزارعة بالدلالة العقلية ، نظير دلالة التصرف على إمضاء العقد أو فسخه ، كما سبق ذلك في مبحث الإيجاب والقبول. لكن الظاهر خروج ذلك عن الفرض المقصود من العبارة. وبالجملة : الاذن في زرع الأرض لشخص إيقاع بحت ، لا عقد ولا جزء عقد.

[٢] الفرق أن الأول إذن لشخص بعينه ، والثاني إذن عام ، والثالث ليس إذناً ، وإنما هو جعل على نفسه ، ويستفاد منه الإذن بالقرينة ، وهو جعل العوض للمأذون الدال على الترغيب إليه.

[٣] لأن الجعالة جعل شي‌ء على نفسه فتشترك مع الفرض الأخير في ذلك لكن يشكل ما ذكره : بأن الجعالة إيقاع على المشهور ، فكيف يكون‌

٦٤

فهو كما لو قال : « كل من بات في خاني أو داري فعليه في كل ليلة درهم » « أو كل من دخل حمامي فعليه في كل مرة ورقه » فإن الظاهر صحته للعمومات. إذ هو نوع من المعاملات العقلائية ، ولا نسلم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاص لمشروعيتها ، بل كل معاملة عقلائية صحيحة إلا ما خرج بالدليل الخاص ، كما هو مقتضى العمومات.

( مسألة ٣ ) : المزارعة من العقود اللازمة [١] لا تبطل‌

______________________________________________________

الفرض الأخير إيقاعاً وقد جعله من المزارعة المصطلحة؟! اللهم إلا أن يكون بناؤه على أن الجعالة من العقد. كما هو قول لبعضهم.

والتحقيق : أن الفروض المذكورة وكذلك الجعالة ليست من العقود إذ لم يجعل فيها للعامل عنوان من العناوين الموقوف على إعمال سلطنته وقبوله. مع أنها لو كانت عقداً احتاجت الى القبول ، وهو مفقود ، فان العمل من العامل لم يكن بقصد القبول للإيجاب ، بل كان بقصد الجري على مقتضى الإيجاب بناء منه على تمامية اقتضائه ، فلا يكون قبولا فعلياً مع أنه في الصورتين الأخيرتين وفي الجعالة قد لا يكون موالياً للإيجاب أو لا يكون مطابقاً له ، كما إذا كان العمل بقصد عوض آخر غير ما ذكر في الإيجاب ، أو كان صادراً من غير البالغ ، أو من غير الرشيد أو من غير المميز أو من المجنون الذي لا يصح قصده. ولعله لذلك قال في الشرائع في مبحث الجعالة : أنها لا تحتاج الى قبول. وإن كان ينافيه قوله بعد ذلك : « ويجوز أن يكون العمل مجهولا ، لأنه عقد جائز كالمضاربة » إلا أن يكون مراده من العقد معنى آخر ، لا ما اشتمل على الإيجاب والقبول ، وإن كان بعيداً. وكيف كان فالتحقيق ما ذكرنا.

[١] إجماعاً ـ كما عن جامع المقاصد ـ وفي المسالك : أنه اتفاق ، وفي‌

٦٥

إلا بالتقايل [١] أو الفسخ بخيار الشرط [٢] أو بخيار الاشتراط [٣] أي : تخلف بعض الشروط المشترطة على أحدهما. وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع [٤] لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك. ولا تبطل بموت أحدهما [٥] ، فيقوم وارث الميت منهما مقامه [٦].

______________________________________________________

الجواهر : « بلا خلاف ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه » وعن الكفاية : « كأنه إجماع ». ويقتضيه ما دل على اللزوم في عامة العقود.

[١] لما دل على مشروعية الإقالة في عامة العقود اللازمة. وعن الرياض : الظاهر أنه لا خلاف في البطلان بالتقايل ، ونحوه عن غيره.

[٢] لما دل على صحة اشتراط الخيار في عامة العقود اللازمة ، لعموم صحة الشروط.

[٣] فان فوات الشرط يوجب الخيار ، إما لأنه من الأحكام العرفية الممضاة لدى الشارع المقدس ، أو لأن لازم اشتراط الشرط اشتراط الخيار عند فقده. هذا وقد اقتصر المصنف في الخيار على السببين المذكورين مع أن الخيار قد يكون بالغبن ، بناء على عموم دليله لجميع المعاوضات المالية وقد أثبته المصنف وغيره في الإجارة ، ولا فرق بينها وبين المقام. نعم لو كان دليله الإجماع اختص بالبيع ، لاختصاص الإجماع به ، وحينئذ لا يشمل الإجارة ولا المقام ، فالتفكيك بين الإجارة والمقام غير ظاهر ، إذ المقام إما من قبيل إجارة الأرض ، أو إجارة الأجير العامل ، أو إجارتهما.

[٤] كما صرح به غير واحد ، لما تقدم في الشرط السابع.

[٥] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، وفي جامع المقاصد : « لا نعرف خلافاً في أن المزارعة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين ». ويقتضيه الأصل.

[٦] كما نص على ذلك في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما.

٦٦

نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل [١] ، سواء كان قبل خروج الزرع أو بعده [٢]. وأما المزارعة المعاطاتية فلا تلزم إلا بعد التصرف [٣]. وأما الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائماً [٤] ، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من‌

______________________________________________________

[١] كما ذكره في المسالك. لكنه يختص بما إذا كان الشرط راجعاً الى تقييد العمل بعمل العامل مباشرة ، بأن كان موضوع المزارعة الأرض ومنفعة العامل نفسه ، والبطلان فيه ظاهر. لفوات الموضوع الموجب لفوات الحكم. أما إذا كان الشرط راجعاً الى اشتراط شي‌ء زائد على العامل. فالموضوع نفس العمل في الذمة ، الشامل لعمل غيره ، فيكون الشرط تطبيقه على عمل نفسه ، فاذا مات العامل فقد تعذر العمل بالشرط ويكون الحكم صحة العقد والخيار في الفسخ ، لفوات الشرط.

[٢] في المسالك : « هو مشكل لو كان موته بعد خروج الثمرة لأنه قد ملك الحصة وإن وجب عليه بقية العمل ، فخروجه عن ملكه بعد ذلك بعيد ». ورده في الجواهر : بأن الملك وإن حصل ، لكنه متزلزل إلى حصول تمام العمل نحو ملك العامل في المضاربة في بعض الأحوال ». وهو في محله عملا بمقتضى العقد الخاص.

[٣] لما حرر في مبحث البيع المعاطاتي من عدم لزومها الا بالتصرف.

[٤] قد تقدم منه أن المزارعة الإذنية من المزارعة المصطلحة ، وقد عرفت أن المزارعة المصطلحة من العقود ، فتكون لازمة ، عملا بأصالة اللزوم في العقود. نعم إذا كانت من الإيقاع جاز الرجوع فيها ، لكن بالنسبة إلى المستقبل الذي هو محل الابتلاء ، لا بالنسبة الى الماضي الخارج عن محل الابتلاء ، فاذا قال زيد : أذنت لك أن تسكن داري شهراً ، فسكنت فيه أياماً ، ثمَّ رجع عن الاذن صح ذلك بالنسبة إلى اللاحقة ، لا‌

٦٧

العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل ، لأن الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه [١] ، وفائدة الرجوع أخذ أجرة الأرض منه حينئذ ويكون الحاصل كله للعامل.

( مسألة ٤ ) : إذا استعار أرضاً للمزارعة [٢] ثمَّ أجرى‌

______________________________________________________

الماضية ، فإنه لا يجوز الرجوع فيها ، لخروجها عن محل الابتلاء.

[١] الاذن في بقاء الزرع ليس مستنداً إلى الاذن في الزرع ، ليكون من باب : الاذن في الملزوم إذن في اللازم ، بل هو مقتضى صريح العبارة الدالة على استحقاق حصة الناتج. مضافاً إلى أن ثبوت الاذن في بقاء الزرع لا يجدي بعد فرض رجوع المالك عن الاذن ، كما هو المفروض. اللهم إلا أن يكون مراده أنه إذا أذن المالك في إبقاء الزرع فرجع عن إذنه ليس له قلع الزرع الذي كان مأذوناً في إبقائه. لكن ـ على هذا ـ يكون المناسب التعرض لإثبات هذه الدعوى ووجهها ، لا التعليل بما ذكر. وأيضاً فإن جواز رجوع المالك بعد عمل العامل غير ظاهر ، إذ لا دليل على عموم الرجوع عن الاذن ، ومقتضى الأصل عدم تأثير الرجوع شيئاً وبقاء الاستحقاق للحصة المعينة ، وعدم الرجوع إلى أجرة المثل بحاله.

فالذي يتحصل في الاشكال على ما في المتن أمور : ( الأول ) : أن الاذن في بقاء الزرع ليس مستنداً إلى الملازمة والاذن في الملزوم ، بل مستند إلى صريح القول. ( الثاني ) : أن الكلام ليس في الاذن من المالك ، بل في تأثير الرجوع عن الاذن في جواز القلع وعدمه. ( الثالث ) : أنه لا دليل على جواز رجوع المالك عن إذنه بعد عمل العامل ، لا سيما إذا كان النتاج لا يحتاج إلى عمل.

[٢] الظاهر أنه لا مانع من صحة استعارة الأرض للمزارعة ، فان الاستعارة استباحة العين للاستفادة بمنافعها ، أعم من أن تكون الاستفادة‌

٦٨

عقدها لزمت ، لكن للمعير الرجوع في إعارته [١] ، فيستحق أجرة المثل لأرضه على المستعير ، كما إذا استعارها للإجارة [٢] فآجرها ، بناء على ما هو الأقوى من جواز كون العوض لغير مالك المعوض.

______________________________________________________

بالمباشرة أو بالتسبيب ، فالحصة التي تكون للمستعير بالمزارعة نتيجة استعارة الأرض للمزارعة.

[١] لا يخلو من نظر ، فإن المزارعة قد اقتضت على وجه اللزوم استحقاق المستعير والعامل لمنفعة الأرض ، فلا يمكن رجوع المنفعة إلى مالكها كي يترتب على الرجوع فائدة. ودعوى : أن فائدة الرجوع عن الاذن ضمان أجرة المثل. مدفوعة : بأنه لا موجب لهذا الضمان. وثبوت الضمان فيما لو باع المشتري العين ثمَّ ظهر غبن البائع ، فإنه إذا فسخ يرجع على المشتري ببدل العين ، لأنها مضمونة بالمعاوضة ، لا يقتضي ثبوت الضمان هنا ، إذ لا معاوضة في العارية.

[٢] في صحة هذه الاستعارة نظر ، فإن الاستعارة استباحة الانتفاع بالعين واستيفاء منفعتها ، والإجارة ليست استيفاء للمنفعة ، بل استيفاء لعوضها ، فلا تصح الاستعارة لها.

لكن المصنف (ره) لم يهتم لهذا الاشكال واهتم لإشكال آخر ، وهو أن الإجارة من المعاوضات ، وهي تقتضي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض ، فيجب أن تدخل الأجرة في ملك مالك المنفعة وهو المعير ، ولا يمكن أن تدخل في ملك غيره وهو المستعير. وأجاب عنه : بأن العوض في المعاوضات لوحظ فيه العوضية في الجملة ، ولا يجب أن يدخل في ملك مالك المعوض. لكن قد تقدم الإشكال في ذلك ، وأنه خلاف المرتكز في باب المعاوضة. نعم لا يبعد عدم اعتبار دخول المعوض في ملك من‌

٦٩

( مسألة ٥ ) : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمته أو في الخارج ـ من ذهب أو فضة أو غيرهما ـ مضافاً إلى حصته من الحاصل صح [١].

______________________________________________________

يخرج منه العوض.

ثمَّ إنه قد يقال بصحة الاستعارة للإجارة ، بملاحظة أن الأجرة تدخل في ملك المعير ، ثمَّ تدخل في ملك المستعير ، فمرجع الاستعارة للإجارة الاذن في تملك الأجرة. ولكن لا يخفى أن ذلك بعيد عن مفهوم الاستعارة جداً ، إذ العين المستعارة على هذا لم يقصد الاستفادة بمنفعتها. ولا بعوض المنفعة وانما قصد الاذن في الإجارة للمعير ثمَّ تملك الأجرة ، لا الإجارة للمستعير فلم تكن الاستعارة للإجارة.

[١] كما هو المشهور ، بل عليه عامة من تأخر ، كما في الجواهر. وفي الشرائع : حكاية القول بالبطلان ، لكن عن جماعة أنه لم يعرف قائله ، بل ولا دليله ، لمخالفته لعموم نفوذ الشروط من غير مخصص أو مقيد. مضافاً الى ما رواه المشايخ الثلاثة : ( رض ) عن محمد بن سهل بن اليسع عن أبيه قال : « سألت أبا الحسن (ع) موسى (ع) عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران ، ويضمن له أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا وكذا درهما ، فربما نقص وغرم ، وربما استفضل وزاد. قال (ع) : لا بأس به إذا تراضيا » (١). وقد استدل به على الحكم كما عن جماعة ، مستظهرين دلالته ، منهم الخراساني والكاشاني والسيد في الرياض ، وفي الجواهر : « في المفاتيح : في بعض الأخبار عليه دلالة ( يعني : على جواز الشرط المذكور ) قيل : ولعله ما أشار إليه في الكفاية من بعض المعتبرة : عن الرجل .. » ثمَّ ذكر الحديث ولم يتعرض لوجه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

٧٠

وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل [١] ،

______________________________________________________

الدلالة. لكن الدلالة على ما نحن فيه غير ظاهرة ، لوروده في اشتراط حصة معينة من الحاصل لا من غيره ، والتعدي إلى غيره غير ظاهر.

[١] قال في المسالك : « القول بالمنع لا نعلم القائل به. وعلى القول بالجواز يكون قراره مشروطاً بالسلامة ، كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع ، فلو تلف البعض سقط منه بحسابه ، لأنه كالشريك وإن كانت حصته معينة. مع احتمال أن لا يسقط منه شي‌ء بتلف البعض متى بقي قدر نصيبه ، عملا بإطلاق الشرط ». والذي يظهر من العبارة أن في المسألة احتمالين : ( الأول ) : أنه يسقط من الشرط بنسبة التالف إلى الحاصل ، فيكون من قبيل الجزء المشاع فاذا تلف من الحاصل الربع ـ مثلا ـ سقط من الشرط الربع. ( الثاني ) : أنه لا يسقط منه ما دام الباقي من الحاصل بمقداره ، فاذا تلف الحاصل كله سقط الشرط حينئذ ، فيكون من قبيل الكلي في المعين ، والأول أقوى في نظره الشريف من الثاني ، ولكن الاحتمالين خلاف عموم صحة الشرط وإطلاقها الشامل لصورتي تلف الحاصل أو بعضه وعدمه ، فلا يسقط من الشرط شي‌ء وان تلف جميع الحاصل ، نظير الدين في الذمة.

ولا مجال لقياس المقام على صورة استثناء البائع للثمرة بعض الحاصل الذي ذكر الأصحاب أنه يسقط من المستثنى بالنسبة ، لأن الاستثناء يقتضي وحدة السنخية بين المستثنى والمستثنى منه ، ولما كان المستثنى منه خارجياً كان المستثنى أيضاً خارجياً ، فيكون جزءاً مشاعاً لا كلياً في المعين ولا في الذمة ، وفي المقام لا وحدة جنسية بين الحاصل وبين الشرط ، كي يبني على وحدة السنخية ليترتب ما ذكر. فلاحظ ما ذكرناه في تلك المسألة في باب ( بيع صاع من صبرة ) من كتابنا نهج الفقاهة.

٧١

بل الأقوى صحة استثناء مقدار معين من الحاصل لأحدهما [١] مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما لي الأقوى. كما يجوز استثناء‌

______________________________________________________

[١] قال في المختلف : « منع بعض أصحابنا أن يشترط أحدهما شيئاً من الحاصل والباقي يكون بينهما. والوجه عندي الجواز. وقد نص الشيخ وجماعة ـ كابن البراج وابن إدريس وغيرهما ـ على جواز اشتراط إخراج البذر أولا » ، وفي التحرير : « لو شرط أحدهما قفيزاً معلوماً من الحاصل وما زاد بينهما ففي البطلان نظر » ، وظاهره أن الصحة أقرب ، وعن الكفاية : أنه غير بعيد.

لكن في القواعد الحكم بالبطلان على إشكال ، وهو المحكي عن كثير من كتب الأصحاب ، وهو المشهور ، كما في المسالك. وفي الشرائع : « لو شرط أحدهما قدراً من الحاصل وما زاد عليه بينهما لم يصح ، لجواز أن لا تحصل الزيادة » ، ولا يخفى ضعف التعليل ، فان الاحتمال المذكور لا يبطل المزارعة في صورة عدم الشرط ، فكيف صار يبطلها مع فرضه. مضافاً إلى أنه قد يحصل العلم بالزيادة ، فلا وجه للمنع مطلقاً. نعم لا بد من حصول الزيادة في الواقع ، لا أن العلم به شرط في الصحة. وفي جامع المقاصد : الاستدلال بأصالة عدم المشروعية فيما لم يثبت مشروعيته ، لأن العقود بالتلقي ، وفي المسالك : الاستدلال بأن ذلك مناف لوضع المزارعة ، وكون العقد على خلاف الأصل ، حيث أن العوض فيه مجهول ، فيقتصر فيه على موضع النقل. انتهى. وفيه : أنه لا دليل على قدح الجهالة كلية. كما أنه لم يثبت منافاته لوضع المزارعة. وأما أصالة عدم المشروعية فهي خلاف إطلاق دليل صحة المزارعة ، فضلا عن صحة العقود. نعم لا بد من إثبات كونها مزارعة عرفاً ، أما مع الشك في ذلك فالأصل عدم ترتب‌

٧٢

مقدار البذر لمن كان منه [١] ، أو استثناء مقدار خراج السلطان ، أو ما يصرف في تعمير الأرض ، ثمَّ القسمة. وهل‌

______________________________________________________

أحكام المزارعة ، وإن قيل بصحتها من حيث كونها عقداً.

ثمَّ إن ظاهر النصوص المتقدمة أن قوام المزارعة المعاملة على الأرض بالحصة المشاعة ، وهو في المقام حاصل ، غاية الأمر أنه اشترط فيه شرط ودليل صحة الشروط يقتضي صحته ، كما في المسألة السابقة ، ولا فرق بين أن يكون الشرط متعلقاً بالحاصل كما هنا ، أو متعلقاً بخارج الحاصل كما في المسألة السابقة ، فالتفصيل بينهما ـ كما عن الأكثر ـ بلا فاصل. ودعوى : كون الشرط المتعلق بالحاصل منافيا لوضع المزارعة ، فيكون منافيا لمقتضى العقد ، فيكون باطلا. ممنوعة. لما عرفت. ويمكن الاستدلال على الصحة برواية سهل بن اليسع المتقدمة ، إذ تقدم أن موردها ما نحن فيه دون ما تقدم.

[١] الظاهر أنه لا إشكال في صحة اشتراط ذلك واستثنائه ، والنصوص تدل عليه ، ففي خبر إبراهيم الكرخي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أشارك العلج ( المشرك. خ ل ) فيكون من عندي الأرض والبقر والبذر ويكون على العلج القيام والسقي ( السعي. خ ل ) والعمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيراً ، وتكون القسمة فيأخذ السلطان حقه ( مثله. خ ل ) ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي. قال : لا بأس بذلك. قلت : فلي عليه أن يرد علي مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي؟ قال : إنما شاركته على أن البذر من عندك وعليه السقي والقيام ( القيام والسعي. خ ل ) » (١). وظاهر التعليل في الأخير جواز اشتراط أخذ البذر قبل القسمة. وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ١.

٧٣

يكون قراره في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار [١] أو لا؟ وجهان [٢].

______________________________________________________

على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما. قال : لا بأس » (١). وظاهره اشتراط الأمور الثلاثة جميعها.

[١] قد أشرنا في أوائل المسألة إلى أنه قد ذكر الفقهاء ـ قدس الله أسرارهم ـ أنه إذا باع الثمرة واستثنى مقداراً معيناً فخاست الثمرة ينقص من المستثنى على حسب النسبة. قال في الشرائع : « يجوز أن يستثني ثمرة شجرات أو نخلات بعينها ، وأن يستثني حصة مشاعة أو أرطالا معلومة. ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه ». وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه ». كما أنهم ذكروا في بيع الصاع من صبرة أنه إذا تلف بعض الصبرة لم ينقص من المبيع شي‌ء. ولأجل ذلك استشكل في وجه الفرق بين المسألتين جماعة ، والأقرب في وجه الفرق : أن المبيع في بيع صاع من صبرة الكلي الذي لا ينقص بنقصان الصبرة ، والمستثنى في بيع الثمرة المقدار المشاع لا الكلي ، لأن حمله على الكلي يوجب عدم السنخية بين المستثنى والمستثنى منه ، وإذا حمل على المقدار المشاع لا بد أن يرد عليه النقص الوارد على الكل ، بخلاف بيع الصاع ، فان الظاهر من المبيع الكلي ، ولا مقتضى لحمله على المشاع ، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

[٢] الظاهر اختلاف الحكم باختلاف التعبير ، فان كان بنحو الاستثناء ـ كما عبر به في المتن ـ حمل على الإشاعة ـ كما ذكرنا ـ وإن كان على نحو آخر حمل على الكلي في المعين أو في الذمة على اختلاف العبارات » والمصنف (ره) عبر بالاستثناء ، وغيره بالشرط ، والشرط قد يكون بنحو الإشاعة ، وقد يكون بنحو الكلي في المعين ، وقد يكون بنحو الكلي في الذمة ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث : ٢.

٧٤

( مسألة ٦ ) : إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها غالباً فمضت والزرع باق لم يبلغ فالظاهر أن للمالك الأمر بإزالته [١] بلا أرش [٢] أو إبقائه ومطالبة الأجرة إن رضي العامل بإعطائها ولا يجب عليه الإبقاء بلا أجرة ، كما لا يجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة ، لعدم حق للزارع بعد المدة والناس مسلطون على أموالهم [٣]. ولا فرق بين أن يكون‌

______________________________________________________

عرفت حكم كل منها. فان كان التعبير من المصنف بالاستثناء يريد به معناه فاللازم الفتوى بسراية النقص ، ولا وجه للتردد ، وإن كان يريد به الشرط ـ كما ذكر الفقهاء ـ فالحكم يختلف باختلاف التعبير.

[١] قال في الشرائع : « ولو مضت المدة والزرع باق كان للمالك إزالته على الأشبه ، سواء كان بسبب الزارع ـ كالتفريط ـ أو من قبل الله سبحانه ، كتأخر المياه ، أو تغير الأهوية ، ونحوه ما في المسالك ، وما عن التحرير والإرشاد والروض ومجمع البرهان والكفاية وغيرها مما هو كثير.

[٢] للأصل.

[٣] هذا الاستدلال ذكره في المسالك. وفيه : أن قاعدة السلطنة معارضة بقاعدة الضرر ، لأن إزالة الزرع ضرر على الزارع ، وقاعدة الضرر مقدمة على قاعدة السلطنة. نعم إذا اتفق أن منع المالك عن التصرف في أرضه ضرر عليه ـ لما فيه من تفويت المنفعة الخاصة ـ تعارضت قاعدة الضرر في الطرفين ، فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة. وعليه يتعين التفصيل بين صورة ما إذا كان حبس المالك عن التصرف في أرضه ضرراً وبين غيرها ، فتجوز الإزالة في الأولى ، ولا تجوز في الثانية. فإذا جازت الإزالة في الأولى فإزالة الزارع فلا موجب لاستحقاق الأرش على مالك‌

٧٥

ذلك بتفريط الزارع [١] أو من قبل الله ، كتأخير المياه أو تغير الهواء. وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع الأجرة [٢]. وفيه : ما عرفت [٣] ، خصوصاً إذا كان‌

______________________________________________________

الأرض ، للأصل ـ كما سبق ـ ولا مجال لاحتمال أن قاعدة الضرر تقتضي ذلك ، أولا لما عرفت من سقوطها ، وثانياً لأنها نافية فلا تصلح للإثبات وكذا إذا امتنع الزارع من الإزالة فإزالة المالك. واحتمال الضمان ـ لأن النقص جاء بفعله ـ ضعيف ، لأن الزرع لما لم يكن مستحق البقاء لم تكن في إزالة المالك له نوع من التعدي ، كي يوجب الضمان. وإذا لم تجز الإزالة في الثانية فبقي الزرع استحق المالك أجرة الأرض ، وقاعدة الضرر الموجبة لجواز الإبقاء لا تقتضي الإبقاء مجاناً ، فاستيفاء منفعة الأرض تقتضي ضمانها.

[١] يمكن أن يقال بعدم جريان قاعدة الضرر في هذه الصورة ، لأن تفريطه يوجب نسبة الضرر إليه. لا إلى الحكم الشرعي. كي يرتفع بقاعدة الضرر. ولكنه كما ترى ، إذ الضرر يحصل بالإزالة التي سوغها الشارع. نعم قد يقال : إن تفريطه إقدام على الضرر ، فلا تشمله القاعدة لاختصاصها بغير المقدم. وهو أيضاً مشكل إذ قد يكون تفريطه برجاء بلوغ الزرع مع التفريط ، أو رضا المالك بإبقائه ، أو نحو ذلك من الوجوه التي لا يكون فيها الاقدام على الضرر.

[٢] القائل العلامة في القواعد قال : « ولو ذكر مدة يظن الإدراك فيها فلم يحصل فالأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش أو التبقية بالأجرة ، سواء كان بسبب الزارع ، كالتفريط بالتأخير أو من قبل الله تعالى كتغيير الأهوية وتأخير المياه ».

[٣] من أنه لا دليل على الأرش.

٧٦

بتفريط الزارع [١]. مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالأجرة بلا رضاه [٢]. نعم لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى‌

______________________________________________________

[١] ولذلك فصل جماعة بين صورة التفريط من الزارع فتجوز الإزالة بلا أرش ، وبين غيرها فلا تجوز الإزالة.

[٢] كما ذكره في جامع المقاصد. وتبعه عليه غيره ، فان ذلك خلاف قاعدة السلطنة على النفس المانعة من إلزام الزارع بالأجرة.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن قلع الزرع عند انتهاء المدة إذا لم يكن موجباً للضرر فيه جاز للمالك الأمر بإزالته ، عملا بقاعدة السلطنة من دون معارض. ( الثاني ) : أنه إذا كان قلع الزرع موجباً للضرر فيه كان مقتضى قاعدة نفي الضرر ـ المقدمة على قاعدة السلطنة ـ عدم جواز قلعه ، ويتعين دفع الأجرة للمالك في مقابل المنفعة المستوفاة من بقاء الزرع ، فان استيفاء المنفعة موجب للضمان. ( الثالث ) : إذا كان قلع الزرع ضرراً عليه وإبقاؤه في الأرض ضرراً عليها ، كان مقتضى تعارض الضررين سقوط القاعدة فيهما والرجوع إلى قاعدة السلطنة ولا يقدم أقوى الضررين ، لأن المقام من تعارض التطبيقين ونسبة الدليل إليهما نسبة واحدة من دون ترجيح ، وليس المقام من التزاحم ، كي يقدم الأقوى على الأضعف. ثمَّ إذا رجع إلى قاعدة السلطنة جاز للمالك الأمر بالإزالة من دون أرش عليه ، إذ لا موجب له ، وقاعدة الضرر غير جارية مع مع أنها لا تصلح للإثبات لأنها نافية لا مثبتة ، مع أنه لو ثبت الأرش لم يكن ذلك لعدم الضرر ، وإنما كان لتدارك الضرر ، وليس من شأن القاعدة إثبات التدارك. ( الرابع ) : أن التفريط بالتأخير لا يوجب نسبة الضرر إلى المفرط ، ولا يقتضي الاقدام عليه ، فقاعدة الضرر بحالها ، كما في غير المفرط.

٧٧

البلوغ ـ بلا أجرة ، أو معها ـ إن مضت المدة قبله لا يبعد صحته [١] ووجوب الإبقاء عليه.

( مسألة ٧ ) : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتى انقضت المدة ، ففي ضمانه أجرة المثل للأرض ـ كما أنه يستقر عليه المسمى في الإجارة ـ أو عدم ضمانه أصلا غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل ، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن أو معذوراً فلا ، أو ضمانه ما يعادل الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصة من منفعة الأرض ـ من نصف أو ثلث ـ ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « لو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدة المشروطة بطل العقد على القول باشتراط تقرير المدة ». وفي المسالك : « وجه البطلان على القول المذكور أن المدة تصير في الحقيقة هي المجموع من المذكور وما بعده إلى أن يدرك الزرع ، وهي مجهولة ، فيبطل العقد للإخلال بالشرط. وعلى تقدير عدم جهالة الجملة فالمدة المشروطة مجهولة وشرطها في ضمن العقد من جملة العوض. فاذا تضمن جهالة بطل العقد .. ( إلى أن قال ) : ويحتمل على هذا القول صحة الشرط المذكور ، لأن المدة مضبوطة ، وما تضمنه الشرط بمنزلة التابع ، ذكر احتياطاً لأجل الحاجة وجهالة التابع غير مضرة ». لكن في الجواهر : « فيه ما لا يخفى » وكأنه لعدم الفرق في قدح الجهالة بين التابع والمتبوع. وفيه : أن عموم دليل المنع للأمرين غير ظاهر ، إذ بناء على اعتبار تعيين المدة فالدليل عليه‌

٧٨

استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن ، وبين صورة عدم اطلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن ، وجوه ، وبعضها أقوال ، فظاهر بل صريح جماعة الأول [١] ،

______________________________________________________

الإجماع ، وهو غير شامل للتابع.

ثمَّ إنه قال في الجواهر « قد يقال بالبطلان حتى مع تعيين المدة المشروطة ، للتعليق ، وللجهالة ولو لاعتبار الترديد بين المدتين ». وهو كما ترى ، إذ لا دليل على البطلان في التعليق في التابع أيضاً ، إذ العمدة في دليله الإجماع ، وهو غير شامل للتابع. ومن ذلك ظهر أن ما في القواعد من قوله : « ولو شرط في العقد تأخيره عن المدة إن بقي بعدها فالأقرب البطلان » أولى بالضعف.

[١] قال في الشرائع : ولو ترك المزارعة حتى انقضت المدة لزمه أجرة المثل. ولو كان استأجرها لزمته الأجرة » ، ونحوه ما في القواعد وعن التذكرة والتحرير والإرشاد والروض والمفاتيح ومجمع البرهان ، وعن الأخير : أنه ظاهر وهو المنسوب إلى ظاهر الأصحاب في كلام غير واحد. وعلله في المسالك : بأن منفعة الأرض صارت مستحقة له بحيث لا يتمكن المالك من استيفائها ، وقد فوتها ، فيلزم الأجرة ». وفيه : أنه لا يظهر وجه الملازمة بين تفويته ما يستحق وبين ضمان الأجرة للمالك. وكان الأولى تعليله : بأن منفعة الأرض صارت مستحقة له بعوض لم يسلم لتعذره ، فينتقل إلى أجرة المثل. وإن كان يشكل أيضاً : بأن تعذر العوض موجب للبطلان فاستحقاق أجرة المثل يحتاج إلى دليل. إلا أن يقال : يكفي في الضمان عموم قاعدة : ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولما كانت منفعة الأرض مضمونة في المزارعة الصحيحة بالحصة فهي مضمونة في المزارعة الفاسدة بالأجرة. كذا استدل. وفيه تأمل‌

٧٩

بل قال بعضهم [١] : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني [٢] ، وربما يستقرب الثالث [٣] ،

______________________________________________________

[١] القائل الشهيد الثاني في المسالك ، قال : « وحيث يلزم ضمان الأجرة يلزم أرشها لو نقصت بترك الزرع ، كما يتفق في بعض الأرضين ، لاستناد النقص إلى تفريطه ». وهو في محله ، لأنه بحكم الأمين ، وهو يضمن النقص بالتفريط. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من أن ضمان النقص من أحكام يد الضمان التي ليست هذه اليد منها.

[٢] يريد به صاحب الجواهر ( قده ) حيث ذكر ، في الاشكال على الضمان أن الرجوع إلى أجرة المثل مما لا يرجع إلى قاعدة ، ضرورة عدم العدوان في يده حتى يندرج في عموم : « على اليد .. » ‌وعدم صدق إتلاف مال الغير ، لأن عقد المزارعة جعله بحكم ماله. نعم يجب عليه الاستنماء وتسليم الحصة ، وذلك إنما يترتب عليه الإثم لا الضمان. وقاعدة « لا ضرر ولا ضرار .. » ‌لا يستفاد منها الضمان ، ولكن ترفع اللزوم ، وحينئذ يتسلط على الخيار. ولم ينسب ذلك لأحد قولا أو احتمالا.

[٣] هو ظاهر الشهيد الثاني في المسالك ، قال : « وهل يفرق فيهما ( يعني : في ضمان أجرة المثل وضمان النقص ) بين ما إذ ترك العامل الانتفاع اختياراً وغيره؟ ظاهرهم عدمه. ولا يبعد الفرق ، لعدم التقصير في الثاني ، خصوصاً في الأرش ومقتضى العقد لزوم الحصة خاصة ، ولم يحصل منه تقصير يوجب الانتقال إلى ما لا يقتضيه العقد » وقد يظهر منه أن القول المذكور يختص به. وفيه : أن التقصير والقصور إنما يختلفان في الإثم وعدمه واستحقاق العقاب وعدمه ، لا في الضمان وعدمه ، فان الضمان بعموم : « على اليد ... » ‌أو عموم : من أتلف ، لا يفرق فيه بين القصور‌

٨٠