موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

مثل هذه الأشجار والنخلات عبثا كما يبدو لأول وهلة ولكننا مضينا في برية قاحلة وطويلة نتجول ، فلم نر أشجارا ونخيلا فلما شاهدناها سررنا بها وبهذا ندوّن مسرتنا.» اه (١).

وما قيل من أنه بناه كريم خان فغير صواب (٢) لأنه لم يأت إلى العراق ، وإنما أتى أخوه صادق خان سنة ١١٨٩ ه‍ فاستولى على البصرة ولم يصل إلى العزير (ع).

حوادث سنة ١١٥٢ ه‍ ـ ١٧٣٩ م

آل قشعم والسرحان والأسلم وبنو صخر :

قالوا : إن آل قشعم سلكوا طريق النهب والغارة وشوشوا على الحكومة. اتفقوا مع عشيرة السرحان ، وعشيرة الاسلم ، وبني صخر ، تجمعوا في محل يبعد عن شفاثا بضع ساعات. وهذا مكان منقطع خال من المياه تحصنوا فيه.

ولما رأى الوزير ذلك عزم على القضاء على غائلتهم ، جعل جيشه قسمين قسما منه تحت قيادة كتخداه سليمان باشا ، وكانت وجهته بلدة هيت ، والآخر تحت قيادته وتوجه به من أنحاء كربلاء ، أغاروا من الجانبين. ودامت غارة الوزير أربع ساعات بلا راحة ولا وقفة في شدة الحرّ والعطش فتيسر له الوصول وقت السحر إلا أنه هلكت منه نفوس كثيرة وحيوانات وفيرة. وأن بقية الجيوش لبثت في مكانها ولم تتمكن من الدوام نظرا لما نالها من الإعياء.

كان الوزير أمام الجيش سائرا ولم يكن معه سوى من هم بصحبته

__________________

(١) سياحتنامه حدود ص ٦٧.

(٢) سياحة نيبهر.

٣٠١

من أعوانه ولم ينتبه إلا والشمس علت بارتفاع رمحين. وحينئذ رأى جموع الاعداء قد خفوا عن الابصار بسبب ما كان من حواجز وعوارض طبيعية ...

شاهد الوزير الأعداء فرتب جمعه ومن عنده ومن ثم هاجمهم وهكذا كان والده يفعل فوجه عنان فرسه وصال صولته المعروفة ...

وبينا الأعداء تأهبوا لحربه ومناوأته من جميع أطرافه إذ رأوا الاثقال أتت فظنوها الجيش الاصلي فداخلهم الارتياب وكسرت قوة صبرهم ، فاستولى الرعب عليهم وشغلوا بأنفسهم.

وفي هذه المعركة قتل ابن عم رئيسهم صقر ، وهو سعد وكان أعور وخذل الباقون ، تركوا أموالهم وسائر أثقالهم وأخبيتهم. وكان من جملة ما استولى عليه الجيش زوجة صقر فردّها الوزير مكرمة ولم يتعرض بها أحد ...

ثم أمر بنصب الخيام. ولم تأت العساكر المنقطعة إلا بعد أن مضى نصف النهار. رأى هؤلاء في طريقهم كثيرا من الجرحى والفارين وفلولهم فكانوا يعجبون ويقولون ما هذه إلا فعلة ملائكة أعانت الوزير ليوقع هذه الوقيعة ...

أما سليمان باشا فإنه ذهب بجيشه ولم يصل إلى المطلوب إلا أنه وقع بغير هؤلاء من أهل الشقاء فمزق شملهم وشتت جموعهم ورجع ظافرا (١) ... وجدهم آمنين فأصابهم على غرة ولم يسمهم ...

ثم عاد الوزير إلى بغداد غانما. وكل غزواته مثل هذه سلب ونهب لا تختلف عن عمل العشائر.

وللشيخ عبد الله السويدي قصيدة طويلة في مدحه.

__________________

(١) حديقة الزوراء ص ١٥٠ ـ ١ وما بعدها ، ودوحة الوزراء ص ٤٩.

٣٠٢

وفي الحديقة أن الوزير سار من بغداد في يوم وليلة طالبا آل قشعم فأدركهم في الرحالية فوق شفاثا بأربعة فراسخ ، وكانت المواقعة في شدة الحرّ. فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وصرف في تلك الغزوة على عساكره مقدار خمسمائة كيس. ولما جمعت الغنائم وهبها لأخت شيخهم كرما منه ، وأبدى همة يعجز عنها ذوو الهمم العلية من الوزراء ومكرمة يعجز عنها سخاء حاتم في وقت الرخاء ، ونظم السيد عبد الله الفخري قصيدة في مدح الوزير ، قال فيها :

عقاب الوغى لما بدا طار صقرهم

لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم(١)

حوادث أخرى :

١ ـ الطاعون العظيم في بغداد. حدث في هذه السنة.

حوادث سنة ١١٥٣ ه‍ ـ ١٧٤٠ م

هدايا نادر شاه :

أرسل نادر شاه مع أحد أمرائه هدايا نقودا وافرة إلى الإمام الأعظم والعتبات المقدسة المباركة وتحفا سنيّة. ولما وردت بغداد كتب الوزير بها دفترا وسلم ما يخص العتبات بواسطة السفير الايراني فأوصلها إلى محلها. وأكرم السفير.

قالوا إن الشاه حاول إخضاع اللزك (٢) وهم طوائف من قفقاس.

__________________

(١) سكب الأدب على لامية العرب ، لسليمان بك الشاوي. ومجموعة السيد عبد الله الفخري ص ٢. والروض النضر ص ١٩٣ مخطوطات عندي.

(٢) قال في حديقة الزوراء : كرد من أكراد العجم ص ١٥٤ ـ ١ وفي قاموس الاعلام أنهم من القفقاس من داغستان ، عاش قسم منهم في ايران وقبائلهم متفرعة إلى فروع عديدة ، وهم شجعان. (وردوا بلفظ لزكي) ص ٣٩٩٠.

٣٠٣

قاتلهم مدة فرأى منهم مكافحات عنيدة وتكبد خسائر ضعضعت من قوته.

اتفقوا على صد غائلته فاجأوه بغتة بهجوم عنيد وكسروه شر كسرة وانتهبوا منه غنائم كثيرة من أموال وخيام ومعدات لا حد لها ...

رأى الشاه هذه الصدمة العنيفة فأرسل هديته هذه تغطية لتلك المغلوبية.

إن نادر شاه أراد أن يوثق أواصر صداقته ويؤكد حسن نواياه ومصافاته أكثر. ولذا لم يقطع رسائله ورسله. ولم يدع فرصة إلا ويقدم التحف والهدايا السنية ...

قدّم هدايا لا تعد. بينها أحد عشر فيلا مع أحد أمرائه حاج بك خان إلى الدولة العثمانية وواحد إلى الوزير. جاءت من طريق بغداد ومعها ألف وخمسمائة فارس لمجرد اظهار الأبهة والعظمة.

استقبل الوزير هذا السفير استقبالا باهرا وأبدى له الاحترام فأخذه معه إلى قصره (١) في جانب الكرخ وأبقى أعوانه وأتباعه في الرصافة.

__________________

(١) هذا القصر والبستان المتصل به عمرهما الوزير في هذه السنة وأطنب صاحب الحديقة في وصف القصر وقال إنه غربي قصر الخلد «١» وناظر إلى هور عقرقوف فوصف حديقته وأزهارها واثمارها ، وكذا مقاصيره ورياشه ، وإتقان بنائه. جمع اوصاف الحسن. وهما في الجهة الغربية من جانب الكرخ ... وكانت عادلة خاتون بنت الوزير وقفتهما على جامعي العادلية اللذين عمرتهما وصار يقال للبستان (بستان المتولية) فاستبدل بعد مدة ولازمها هذا الاسم.

__________________

(١) علق الدكتور الأستاذ مصطفى جواد على قصر الخلد قائلا : «إن قصر الخلد لم يبق له أثر في أواخر القرن الرابع لأن البيمارستان العضدي بني في أرضه أو أضيفت أرضه إليه ، فلعل السويدي عنى قصرا آخر ظنه قصر الخلد».

٣٠٤

ضيفه لأيام عديدة وأجرى له ما يقتضي من تكريم وعرض الأمر على دولته فقبلت ذلك بخير قبول.

ولذا سيّرهم الوالي إلى جانبها (١).

العمادية :

حاصر والي الموصل حسين باشا العمادية فصالحه أميرها بهرام باشا على مال ، فعاد (٢).

المؤرخ يوسف عزيز المولوي :

توفي في هذه السنة يوسف المولوي المؤرخ الملقب ب (عزيز المولوي). مرّ الكلام على تاريخه وما له من قصائد تركية والمترجم خطاط معروف (٣).

حوادث سنة ١١٥٤ ه‍ ـ ١٧٤١ م

أشقياء القرى والضياع :

إن قطاع الطرق عانوا في الجانب الغربي وعطلوا الاسفار من محل إلى آخر. ولما علم الوزير بذلك وضع خيالة في الطرق لتأمينها والتحري عن أهل الشقاوة فلم يتمكنوا منهم. ثم أرسلت عيون خفية لتحقيق هذا الأمر فكانت النتيجة المتحصلة أن هذه العشائر اتفقت مع بعض المفسدين من أهل القرى والضياع فالتزموا الكتمان.

اطلع الوزير على ذلك فعزم على على تخريب هذه القرى وإهلاك أهلها فجهز عليها سرية بقيادة سليمان باشا الكتخدا. وهذا فرق جيشه ونبّه

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٥٠ وحديقة الزوراء ص ١٥٧ ـ ٢.

(٢) عمدة البيان.

(٣) تحفة الخطاطين ص ٥٩٦ ولغة العرب ج ٨ ص ٥٨٨.

٣٠٥

أن يقتل جميع رجالها وتنهب أموالها عدا كربلاء والحلة والغري وأن يذيقوهم جزاء ما اقترفوا وأن يجتمع الكل في (قرية المزيدية) وهكذا فعلوا.

ثم توجهوا نحو عشائر زبيد فأغاروا عليها ولكنهم أحسوا بالخطر فتفرقوا في البراري النائية ...

رجع الجيش ظافرا وفي عودته أغار على القرى والضياع في طريقه فقضى عليها. قال صاحب الحديقة : «جعلها كمدائن عاد وثمود كيلا يعود أحد من أهلها لمثل هذه المفاسد.» اه (١).

ظلم بظلم ونهب بنهب. بقي المنهوبون المستغيثون لم يتعرض لمصيرهم ، ولا لتعويضهم. وليس هذا بالتدبير الحازم.

عشائر بني لام :

قالوا : إن عشائر بني لام لم تزل مستمرة في جورها. وضعوا أهليهم وأثقالهم في محال بعيدة في شامخ الجبال وتأهبوا لسلوك سبيل الشقاوة ...

فلما علم الوزير كتم الأمر وصار يتحرى طرق الانتصار عليهم فهم على ظهور خيولهم وهي تسابق الريح. أغمض عينيه عنهم وأشاع أنه يقصد حرب المنتفق. أمر بالنفير العام وكتب إلى رؤساء العشائر ليلحقوا به وأرسل الشيخ ثامرا إلى رؤساء هؤلاء فلم يعلموا بالأمر. فسارعوا في المجيء إلى بغداد ونزلوا في دار كبيرة قريبة من مرقد محمد الفضل وحينئذ غصب خيولهم وقتل رؤساءهم وأعاد الباقين.

وللسيد عبد الله أمير الفتوى قصيدة مدح بها الوزير قال السويدي : والظاهر أنه قالها في غزوة بني لام الأولى. اه (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٥١ ، وحديقة الزوراء ص ١٥٦ ـ ١.

(٢) دوحة الوزراء ص ٥٢ ، وحديقة الزوراء ص ١٦٠ ـ ١.

٣٠٦

إشاعات المرجفين :

أراد الوزير ترويح النفس في موسم الربيع فنهض بركبه متوجها نحو مهروت (مهروذ) تصيد لبضعة أيام ، ثم قفل راجعا إلى بغداد ، لكن الايرانيين أشاعوا بأنه يقصد بلاد العجم. ولم يكن الغرض منه الصيد بل الغزو ، فأصاب أهل ايران الرعب لا سيما أهل كرمانشاه وهمذان. نالهم الهلع وفروا بأولادهم وأهليهم وبالنفيس من أموالهم.

أخبروا نادر شاه بذلك فعبأ الجيوش في همذان وكرمانشاه ووضع حامية في الحدود فهدّأ الروع ونبّه جيشه أن لا يتجاوز.

وهكذا نشر بعض المفسدين في بغداد أن العجم هاجموا العراق وجهزوا جيوشهم نحوها فراجت مما دعا إلى ارتفاع الأسعار وغلاء الحاجيات وصاروا يدّخرون الأطعمة وحصل توقف في الأعمال.

بلغ الوزير ذلك فتأهب لجمع الذخائر وإعداد العدة وعمل ما استطاع عمله من ترقب الطوارىء وقسم جنوده إلى فرق ووجه كل فرقة لتأديب بعض العشائر وردعهم وأرسل العيون إلى ايران لاختبار الحالة.

ومن ثم علم أن الإشاعات لا أصل لها. لذا زال الاضطراب وحلّ الاطمئنان (١).

حوادث سنة ١١٥٥ ه‍ ـ ١٧٤٢ م

جسر الموصل :

في منتصف رجب احترق جسر الموصل (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٥٢ ، وحديقة الزوراء ص ١٦١ ـ ١.

(٢) عمدة البيان.

٣٠٧

غلاء في الموصل :

امتد الغلاء في الموصل إلى هذه السنة بسبب قلة الامطار فزاد اضطراب الأهلين ، وعظمت حاجتهم ، وإن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي عمل أفرانا لإطعام الفقراء والمحتاجين ، وأخرج الأهلين للاستسقاء فمن الباري تعالى بالمطر وذهب البؤس (١).

حوادث سنة ١١٥٦ ه‍ ـ ١٧٤٣ م

نادر شاه في بغداد للمرة الثالثة :

مضى نادر شاه إلى الهند وسخر ممالكها إلى أن وصل إلى (جهان آباد) فضبطها سنة ١١٥١ ه‍ بعد قتال عنيف ، ثم صالح سلطانها (شاه محمد) (٢) وغنم أموالا كثيرة وألزمه أن يرسل إليه كل عام مبالغ معينة وارتحل عنه. توجه نحو تركستان فاستولى على بلخ وبخارى وأطاعه الافغان. ومن ثم لقب نفسه ب (شاهنشاه).

ثم قصد الروم ولكنه أظهر لوالي بغداد الصداقة ، فأرسل إليه أنه لم يشأ أن يكدّره فلم يقدم على بغداد. ثم بدا له أن استمنحه جميع مزارع بغداد وكان الموسم وقت حصاد فأجابه الوزير إلى ذلك ضرورة أن لا يدخل معه في نضال جديد فأرسل نحو سبعين ألفا من جنوده. وفي هذا لم يقصد إلا حصار بغداد وأن لا ينجد الوزير أهل الموصل فأحدق جيش الشاه ببغداد وصار عنها رمية بضعة أسهم.

__________________

(١) عمدة البيان.

(٢) من ملوك المغول في الهند. ومنهم أورنك زيب المذكور سابقا انحلت الإدارة بعده. وفي أيام الشاه محمد اكتسحها نادر شاه. وأبقاه بشروط ودام حكمه إلى سنة ١١٦١ ه‍. توالى ملوكهم حتى انقرضوا سنة ١٢٧٥ ه‍ ـ ١٨٥٨ م (رحلة السويدي ودول إسلامية ص ٤٩٨ ـ ٥٠٩).

٣٠٨

تأهب الوزير وأهل بغداد للحصار وارتحل أهل الكرخ منه إلى الرصافة. ونالهم الضرر الكبير من جراء ذلك.

استولى الايرانيون على جميع قرى بغداد وأطاعتهم العشائر وأرسل الشاه إلى البصرة نحو تسعين ألفا فحاصرها مع إضرام النار من الجانبين فلم ينل بغيته. وكان متسلم البصرة رستم آغا ناضل عنها. ودفع جيش نادر شاه ومعه جيش الحويزة وعشيرة كعب ورئيسها سليمان فلم يتمكنوا إلى أن وقع الصلح.

وكان نادر شاه توجه ببقية عسكره إلى شهرزور فأطاعه أهلها وأذعنت له عشائر الكرد. ثم توجه إلى كركوك فحاصرها ثمانية أيام أمطر عليها وابلا من القنابل ، فمات فيها الكثير وخرب غالب أبنيتها فلم يكن لأهلها بدّ من التسليم فطلب منهم مبالغ طائلة من ابن المفتي وبعض أهل كركوك فلم يتمكنوا من أداء ما طلب فأسرهم ، ثم تشفع فيهم الشيخ عبد الله السويدي حينما ذهب إليه فجيء بهم إلى بغداد وبقوا فيها (١).

مشهد الإمام علي :

في سنة ١١٥٥ ه‍ بدأ نادر شاه بتذهيب القبة والإيوان والمأذنتين لمشهد الإمام علي (رض) وتمّ ذلك في (سنة ١١٥٦ ه‍) فبذل أموالا كثيرة وقدم للخزانة الغروية تحفا نفيسة. ورد ذلك في تاريخ (جهانگشاي نادري) وفي (بستان السياحة). وللسيد حسين بن مير رشيد وللسيد نصر الله الحائري وغيرهما قصائد (٢).

__________________

(١) حديقة الزوراء ص ١٦٧ ولغة العرب ج ٧ ص ٣٩ وكتاب (نادر شاه) للدكتور لو كهارت.

(٢) كتاب المعاهد الخيرية. وكتاب ماضي النجف وحاضرها وديوان السيد حسين بن مير رشيد وديوان السيد نصر الله. وهما مخطوطان عندي.

٣٠٩

نادر شاه ـ الموصل :

إن واقعة الموصل ذكرت في تقرير الوزير حسين باشا الجليلي المقدم إلى دولته مبينا حصار البلد وحروبه ، ونجاحه إلى أن دفعت الغائلة وليونس الموصلي قصيدة تركية أوضحت أكثر.

كان توجه إلى إربل فسلم أهلها ثم توجه إلى الموصل وكان معه من العسكر نحو مائة وسبعين ألفا ونصب على دجلة جسرين فعبر وحاصر الموصل في النصف من شعبان ودام الحصار نحو أربعين يوما فثبتوا بالرغم مما أمطر عليهم من قنابل. ثم حفر ألغاما وملأها بارودا ورصاصا فعادت على جيشه وصعدوا السور بالسلالم فلم ينجحوا ولما لم يحصل منها على طائل ارتحل وتوجه بعسكره إلى بغداد بعد أن صالح حسين باشا الجليلي.

ونظم الحافظ السيد خليل البصيري الموصلي (١) وقعة الموصل بأرجوزة أوردها في الحديقة. وكان قدمها إلى السيد عبد الله الفخري. ذكر فيها محاصرة الموصل من نادر شاه وهي في مجموعة السيد عبد الله الفخري أيضا ، وللسيد حسن ابن أخي السيد خليل قصيدة أشار إليها السيد خليل ولم أقف عليها ، وعارض البصيري كل من السيد عبد الله الفخري وصاحب الحديقة بقصيدة. وفي منهل الأولياء للأستاذ محمد أمين العمري تفصيل. ولما كان والي الموصل آنئذ الحاج حسين باشا الجليلي قد ناضل عنها ، ودافع دفاع الابطال (٢) كافأه السلطان بتمليكه قرية (قره قوش) بما فيها وكانت من خواص ايالة شهرزور ، وتؤدي

__________________

(١) لم يسمه صاحب الحديقة.

(٢) كتاب الموصل في الجيل الثامن عشر من مذكرات (دومينيكولانزا) نقله عن الايطالية الأستاذ القس روفائيل بيداويد ص ٢٩. وتاريخ الموصل للأستاذ الخوري سليمان الصائغ ج ١ ص ٢٧٧.

٣١٠

ثمانمائة قرش سنويا كبدل تيمار. رأيت الفرمان لدى الفاضل السيد أحمد بن أيوب بك الجليلي وهو مؤرخ في أواسط شوال سنة ١١٥٦ ه‍.

ثم وقف هذا الوالي القرية بموجب الوقفية المؤرخة في ذي القعدة سنة ١١٦٣ ه‍ سجلها باستنبول. وحكى هذا التمليك والوقف بما فيها من مزارع ومراع ورسوم وحقوق مطلقة من جميع التكاليف. وبعد أن تحققت ملكيتها وقفها على ابنه محمد أمين باشا وعلى أخيه سليم بك وعلى ابن أخيه عبد الله بن مراد باشا بالتساوي على أن يقوم هؤلاء ببناء جسرين على الطريق بين بغداد والموصل والبصرة وكركوك على قرية لك وقرية كوكجه لي ، وأن تؤدى إلى مراقد حضرات النبي يونس ، والنبي جرجيس لكل منهما مبلغ مائتي أقچه تعطى لمتوليهما وذكر شروطا أخرى.

ولما لم ينل نادر شاه من الموصل مأربا توجه نحو بغداد فظهرت آثار الارتياب في الأهلين واستولى عليهم الخوف. ولما وصل الأعظمية اتخذت التدابير اللازمة للمقاومة والنضال عن بغداد.

ولما علم بذلك أرسل رسولا إلى أحمد باشا في الصلح مع الدولة العثمانية بلا قيد ولا شرط فقبل الوزير وأرسل إليه كلّا من محمد باشا الكتخدا السابق وسليمان باشا وولي أفندي كاتب الديوان.

وصل هؤلاء إلى الشاه وأسسوا الصلح بين الطرفين على أن يعود إلى مملكته ، وتعرض القضية على الدولة العثمانية ... وحينئذ عزم على زيارة العتبات فذهب أولا إلى النجف الأشرف لمشاهدة القبة المذهبة وكان أمر ببنائها ومنها ذهب إلى كربلاء ومن هناك كتب إلى الوزير أحمد باشا أن يرسل إليه عالما بأمل التوفيق والتأليف بين السنة والشيعة فأرسل إليه الوزير الشيخ عبد الله السويدي فحضر يوم الاربعاء ٢٤ شوال سنة ١١٥٦ ه‍ ـ ١٧٤٣ م. أوضح ذلك في كتابه (النفحة المسكية في الرحلة

٣١١

المكية). ذكر نص (محضر العلماء) لمختلف الاقطار. ونشرت المذاكرات في حديقة الزوراء وفي كتاب (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) وطبعت مرارا وآخرها طبعة الأستاذ محب الدين الخطيب كما نقلت إلى اللغة التركية وطبعت ولخص الأستاذ عبد الحميد السباعي تلك المذاكرات باسم (السيوف العراقية) أملاها الشيخ محمد سعيد السويدي ابن الشيخ عبد الله السويدي سنة ١١٨٨ ه‍ ، فحكى ما جرى. وعندي مخطوطتها.

وفي جهانگشاي نادري للأستاذ محمد مهدي منشي نادر شاه نص المحضر بالفارسية ونسخته وضعت في خزانة الإمام في النجف وأذيعت في مختلف البلدان (١).

أبدى نادر شاه الاهتمام في اتفاق المسلمين وأن يزال ما دعا إلى الخلاف أيام الصفويين فبذل جهوده في تدوين المحضر. ونقل الأستاذ السويدي في رحلته أن نادر شاه أرسل أحد علماء كربلاء السيد نصر الله الحائري إلى مكة المكرمة ومعه كتب إلى الشريف سعود ابن الشريف سعد (٢) وإلى المفتي والقاضي بأمل أن يصلي بالشيعة في ركن خاص في مكة فصار يرغّب ويرهّب فمنعه الشريف وكتب إلى الدولة بما جرى فجاء المرسوم بالقبض عليه وتسليمه إلى أمير الحاج أسعد باشا العظم (٣) على أن يسجن في قلعة دمشق ، فحبس. ثم طلبته الدولة. قال : ولم أدر ما يفعل به. وفي هذا ما يوضح ما جاء في روضات الجنات (٤).

__________________

(١) جهانكشاي نادري ص ٢٤٢ وكتاب نادر شاه تأليف الدكتور لو كهارت طبعة سنة ١٩٣٨ م nodnoL (.hiohS ridaN trahkcoL.L ٨٣٩١)

(٢) الشريف سعد ـ مدوّن في هذا الكتاب.

(٣) هو باني الدار الأثرية المعروفة بدمشق ، وأتمها سنة ١١٦٣ ه‍ وكان أمير الحج أيام ذهاب السويدي إلى مكة المكرمة.

(٤) روضات الجنات ج ٣ ص ٢١٩.

٣١٢

وبهذا يظهر أن نادر شاه خالف ما جرى عليه الصلح. ولذا رفضت الدولة العثمانية أمر الصلح أو سكتت عنه واتخذت التأهبات الجديدة للحرب.

حوادث سنة ١١٥٧ ه‍ ـ ١٧٤٤ م

شيخ زبيد (غصيبة):

قالوا : إن غصيبة شيخ زبيد ساعد العجم أثناء حصار بغداد وأضر بالناس كثيرا فاقتضى الانتقام منه ولكن لم يتهيأ ذلك من جراء أنه لم يستقر في مكان من البادية فأرسل الوزير إليه كتابا لطف له فيه المقال وطلب إليه أن يأتي إلى الحلة بجميع فرسانه وشجعانه. ليسير مع العسكر لقتال شمّر فقدم إلى الحلة وإن الوزير سيّر كتخداه سليمان باشا مع سرية. فلما تجمّع القوم فيها قبض عليه ومن معه من أكابر العشيرة فصلبوا عند رأس الجسر وأخذت خيول الباقين ... ونظم بعض الأمور هناك ثم عاد إلى بغداد (١) ...

هذا. ولم نجد أكبر من هذا الغدر. ولا غرابة أن تقوم العشائر تجاه هذه الأعمال القاسية ...

قلعة الموصل :

عمرها الوالي حسين باشا الجليلي ، ثم عمر نصف السور من الموصل.

حوادث سنة ١١٥٨ ه‍ ـ ١٧٤٥ م

عشائر بني لام وشيخها :

إن شيخ بني لام عبد القادر كان الوزير أقطعه قصبة السماوة ،

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٧٠ وحديقة الزوراء ص ٢٠٦ ـ ١.

٣١٣

فطفق بنو لام يعيثون هناك ، فعلم الوزير أن ذلك كان بإغراء من رئيسهم فأرسل إليه يأمره بالقدوم إليه لأجل المحاسبة عن الميري الذي أقطعه أباه ، فلما قدم إلى بغداد سجنه في القلعة مع ابنه فكان فيها أجله (١). أراد أن يسلط العشائر بعضها على بعض ... ثم خافه فقضى عليه ...

نادر شاه والتماس الصلح :

في عام ١١٥٧ ه‍ تجاوز نادر شاه على الحدود العثمانية من ناحية قارص لما علم من تأهبات فجرت له معارك دامية. وأن الدولة العثمانية حاولت القضاء عليه بواسطة قائدها محمد باشا الصدر الاسبق في أوائل سنة ١١٥٨ ه‍ فتوغل هذا القائد. قارع الشاه مقارعات عنيفة. ولكن لم يفلح العثمانيون. ولم تقف الدولة العثمانية عند هذا بل لم تلبث طويلا وإنما بذلت ما استطاعت للدفاع ثانية وجهّزت جيوشا أخرى من جديد وحينئذ شعر الشاه بالخطر وصار يخشى العاقبة لا سيما وأنه رأى داخليته مختلة ، وأن خطرها أعظم. وكان يتوقع في كل لحظة حدوث ما يكره لا سيما وأنه لم يجن من كل هذه الحروب العظيمة فائدة ملموسة أو عائدة مهمة (٢).

وعلى هذا كتب كتابا إلى السلطان وكتب ابن ابنه شاه رخ ميرزا (اعتماد دولته) كتابا إلى الصدر الأعظم. وكذا رئيس علمائه ملا علي أكبر كتب إلى شيخ الإسلام. أرسلوا هذه الكتب مع أحد متميزي رجالهم (فتح علي بك التركمان) ليكون سفيرا فذهب من طريق بغداد إلى استنبول. وكتب كتابا إلى احمد باشا ليتوسط في الأمر ويبين رغبة الشاه وملتمسه ...

__________________

(١) حديقة الزوراء ص ٢٠٦ ـ ٢.

(٢) تاريخ ايران : عباس برويز ص ٧٦.

٣١٤

ورد السفير إلى بغداد فأخره الوزير عنده وأرسل صور الكتب مع ترجماتها إلى السلطان. فعاد إليه الجواب بلزوم تأخير السفير مدة في بغداد. أخر السفير خمسة أشهر ثم سيّره إلى استنبول بإشارة من دولته. وكان ذلك بأمل استكمال القوى ثم المفاوضة في الصلح ...

ونصوص هذه الكتب في دوحة الوزراء. وتوضح أنه عدل عن المطالبة بالاعتراف بالمذهب الجعفري وبالركن الخامس في البيت الحرام ، ولا مانع أن يؤدي الشيعة صلاتهم مع أهل السنة ، نظرا إلى أن مذهبهم يعتقد بأحقية الخلفاء الراشدين ويمنع من قبول البدع ... ورجا أن تدوم الألفة وينقطع النزاع وذلك بترك آذربيجان لإيران ، والعراق للدولة العثمانية (١) ...

حوادث سنة ١١٥٩ ه‍ ـ ١٧٤٦ م

قبول مفاوضة الصلح مع نادر شاه :

ورد خبر في قبول المذاكرة في أمر الصلح وجاء إلى بغداد نظيف مصطفى أحد كتاب الديوان الهمايوني حاملا كتابا بنصبه مرخصا وبصحبته سفير الشاه فتح علي بكل التركمان. وأن الوزير بعث معهما ولي أفندي كاتب ديوانه فذهبوا إلى ايران. ولما وصلوا إلى موقع بين قزوين وطهران وجدوا فيلق الشاه فأمر بعقد الصلح. وتم ما يقتضي بسرعة (٢). وعاد نظيف مصطفى مع ولي أفندي إلى بغداد ومعهما مرخص الشاه محمد حسين بك.

وفي الأثناء ورد من ايران السفير الكبير مصطفى خان شاملو ومعه هدايا عظيمة للسلطان وكذا ورد خليفة الخلفاء السفير الثاني محمد مهدي

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٧٠ ـ ٨٧ وبعض هذه الكتب في جهانكشاي نادري ص ٢٥٦.

(٢) المذاكرات في الصلح مفصلة في دوحة الوزراء.

٣١٥

خان رئيس الديوان فذهب الكل معا في ٤ شوال إلى استنبول.

وابتنى هذا الصلح على أن يتوقى الجانبان مما يمس بكرامتهما أو أحدهما ، وأن يحمى الحجاج الايرانيون ويعاملوا كحجاج الروم ، وأن يعتنى بإيصالهم إلى مأمنهم سالمين ، وأن يعين سفراء من الجانبين لتأمين هذا الصلح وإشاعته. وأن يبدل السفراء في كل ثلاث سنوات مرة وأن يطلق أسرى الطرفين ، وأن لا يباع أحد منهم ولا يكره على البقاء من أراد الذهاب إلى وطنه وأن يكون الصلح على ما كان عليه أيام السلطان مراد الرابع وكذا الحدود وأن يلتزم محافظو الثغور الاصول القديمة فيحترسوا من الحركات المغايرة لشروط المسالمة ... كما أن الايرانيين تركوا الأحوال المحدثة أيام الصفويين مما لا يليق من سبّ وتشنيع ، وصاروا يطرون الخلفاء الراشدين بخير كسائر المسلمين ، وأن لا يطالب أحد باسم وقفة (رسوم الجواز) ، وأن يكون تجار الطرفين آمنين لا تؤخذ منهم مكوس زائدة ، ولا من الزوار. ومن تاريخ هذه المعاهدة لا تجوز حماية من فر من الجانبين ، وأن يسلم إلى دولته عند الطلب (١).

صيد ـ شمر :

في هذه السنة خرج الوزير كما هي عادته إلى الصيد نحو هور عقرقوف ، وكان معه أتباعه والشيخ بكر الحمام شيخ شمر ، فحصل في هذه الأثناء بعض التعدي ، فأراد أن يقبض على شيخهم ويشن الاغارة عليهم فبلغ بكرا هذا الخبر فهرب من بين العسكر ، وهذا هو شيخ زوبع من شمّر (٢) ، ومن ذريته خميس الضاري الرئيس المعروف اليوم.

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٨٧ ـ ١٠٤ ، والتفصيل في كتاب (تاريخ العلاقات بين ايران والعراق) وتاريخ ايران لعبد الله الرازي.

(٢) حديقة الزوراء ص ٢٠٩ ـ ٢.

٣١٦

حوادث سنة ١١٦٠ ه‍ ـ ١٧٤٧ م

تصديق المعاهدة ـ ورود السفراء :

تم تصديق المعاهدة بين الدولتين فأعلنت للأهلين كما أرسل كل من الجانبين سفيرا يحمل معه تصديق المعاهدة. وتأييدا للألفة قدم كل واحد هدايا نفيسة للآخر مع السفراء. وكان سفير العثمانيين الوزير أحمد باشا (الكسريه لي) والي سيواس ، ومعه رجب باشا والي (خداوندگار) وهو سفير ثان وأرسل الشاه السفير الكبير مصطفى خان شاملو ومعه السفير الثاني محمد مهدي خان وهو كاتب ديوان الشاه ومؤلف تاريخ (جهانگشاي نادري) وكتاب (درة نادري) ، وهو ابن محمد نصير النوري المازندراني وكتبه هذه مطبوعة.

ورد السفراء العثمانيون بغداد في ١٩ جمادى الأولى فأكرم الوزير مثواهم وأنزلهم في قلعة الطيور (الكرخ) ثم ذهبوا إلى ايران في ٣ جمادى الثانية ، وفي الأثناء ورد سفراء ايران فالتقوا بهم في ١٦ من هذا الشهر في سرميل بعد أن وصلوا جبل (پاي طاق) وتجاوزوه بمسافة ثلاث ساعات ونصف ، فاتخذ الوزير مراسم التكريم والاعزاز وفي ٢١ منه نزلوا أمام قلعة بغداد فاستراحوا ثمانية أيام ثم ذهبوا إلى العتبات للزيارة بأمل أن يذهبوا إلى استنبول.

أما السفير العثماني فإنه لم يكتم الوزير أحمد باشا والي بغداد ما جرى. أطلعه على الكتب المرسلة من حكومته (١) ...

اغتيال نادر شاه :

إن الشاه لم يستقر في وقت من حين نهضته إلى تاريخ وفاته. فهو

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ١٠٤ ـ ١٠٨.

٣١٧

في جدال عنيف وحروب متمادية فالكل في خوف عظيم منه.

وفي أواخر أيامه ركن إلى السلم وعقد معاهدة مع العثمانيين. وكانوا وقفوا سدا عظيما دون آماله وجل ما حصل عليه أن أعاد إلى ايران حدودها القديمة قبل حرب الافغان وأيام السلطان مراد الرابع ، وحينئذ أدرك لزوم تنظيم الداخل وحسن ادارته. واتخاذ الدواء الناجع.

هذا الشاه فاتح عظيم اكتسب حب الشعب بإقدامه وبسالته وحسن ادارته وسياسته. فكانت أوائل أيامه زمن بطولة وشجاعة وتخليد ذكرى فهو منقذ عظيم للأمة الايرانية مما انتابها من آلام وحاق بها من مخاطر ومصائب.

ومن ثم اضطر بسبب الفتوح إلى مراعاة السياسة العامة فاشتد كره الأهلين له. بدأ ذلك من تاريخ اعلان سلطنته وتعيين نهجه في صحراء مغان لا سيما أنه لم يكن من الأسرة المالكة. شعر منهم بوحشة ورآهم في صدود عنه مقسورين على الطاعة فلم يستطع أن يستهويهم لجانبه بل لم يدركوا آماله فكان ذلك من أكبر مولدات النفرة. اتخذ الوسائل الممكنة فلم تنجع بل قوي التشنيع عليه. ولعل هذا ما دعاه إلى الصلح حذر الغوائل فأنجزه بسرعة للقضاء على البقية الباقية من الصفويين. وأن يؤسس حكومة تبقى له ولأعقابه بعد تأمين أوضاع الجوار.

فالشاه صار في شك من أمنه بل في حذر منها. فجعل غالب جيشه من الاوزبك ، والقاجار ، والأفغان. وهؤلاء يوضحون الغرض الذي هو نصب عينيه. فالواهمة استولت عليه ورأى الكل في نضال معه. يخشى ثورتهم ، فاتخذ جيشه من غيرهم ولم يكن ذلك استفادة من خشونة هذه الأقوام وعدم قابلية أهل المدن في تعودهم على الحروب ... وهذا الاحتراس زاد في النفرة أكثر وإن كان اطمأن به وقوي نوعا. فهذا الرجل العظيم راعى جميع الوسائل للاحتراس

٣١٨

والحيطة فلم يقصّر في تدبير لكن ارادة الله غالبة.

ومن جهة أخرى إن الشاه لم يقف عند حدود ذلك التدبير ، وإنما رأى أشراف ايران وأكابر أغنيائها العضد الوحيد في توليد الاضطراب والثورة فاختط خطة تدميرهم الواحد بعد الآخر لأدنى سبب أو بلا سبب وانتهب أموال الاغنياء بحيث صاروا لا يملكون شروى نقير كما أنه قتّل فيهم ونكّل وأقصى ... وهكذا فعل ..

ظهرت المعارضات له من كثيرين شرعوا في التمرد عليه. ويئسوا من حالتهم فخافوا بطشه وطال لسانهم وفي الخفاء شرارة تذكو وتلتهب ، فتعاهدوا على قتله. فكانوا يترقبون الفرصة ويتطلبون الوقت الموعود. وشعر بالخطر ، فاتخذ التدابير.

أقدم أمراء العجم على قتله قبل أن يقضي عليهم. نالهم اليأس فاستحقروا الحياة.

وفي ليلة ١١ جمادى الثانية (١) غدروا به في ساعة نومه وقتلوه ثم حزوا رأسه وأخذوا ما لديه من المجوهرات والنفائس وأرسلوها إلى علي قولي خان.

وفي اليوم التالي شاع خبر وفاته فانفصل جيش الافغان والاوزبك عن عسكر العجم. حدث قتال بينهما فانسحب الاوزبك والأفغان وانتهبوا ما تمكنوا عليه من دواب ومواش وسلكوا طريق المشهد ، وإن عساكر العجم استولوا على خزانته وقوضوا الخيام وتوجهوا نحو علي قولي خان.

وفي هذا اليوم قتل العسكر (نظر علي خان) من كبار رجال الشاه وانتبهوا أموال كل من (معير خان) و(ملا باشي) اللذين لاذا بالفرار بأنفسهما.

__________________

(١) تاريخ الزندية ـ عبد الكريم علي ضياء الشيرازي ص ٢ وتواريخ عديدة.

٣١٩

ثم إن مهر دار الشاه أركب حرمه الخيل ووضع جسد نادر شاه على بعير وتوجه إلى المشهد وفي الطريق ظهرت عليهم طائفة من الأكراد فهجموا عليهم. وفي أثناء المحاربة ألقي جسده في الوادي ووضع عليه التراب وأخفي ...

ثم حدثت فتن في كل انحاء ايران واشتعلت نيرانها فلا تسمع غير الغارة والنهب وأنواع المفاسد. وصار كل يدعي السلطنة ويحاول اغتنام الفرصة.

ومن ثم طويت صفحة حياة هذا الشاه العظيم الذي أحدث دويا فذاعت أخباره في الشرق والغرب. وتناول بحثه المؤرخون في العالم للاستفادة من معين هذه العظمة وهذا النبوغ. وكل ما يقال فيه إنه اخترمته المنية قبل تنظيم الداخل وتمكين ادارته فحرمت ايران من هذه النتائج وكانت في أشد الحاجة إليها.

سفير الدولة العثمانية :

أما السفير أحمد باشا الكسريه لي فإنه وصل إلى همذان فحدثت الحادثة ومن ثم تواترت الأخبار الموحشة فخرج الأهلون في همذان عن الطاعة وتحاربوا مع الاوزبك والأفغان فصارت قضية السفارة مستحيلة ...

رأى السفير أن لا مجال للبقاء وأنه في خطر عظيم كما أن العودة لا تتيسر. وبعد المشاورة مع من معه عزموا على الذهاب إلى بغداد من طريق سنة (سنندج) فعادوا ومعهم الهدايا محروسة بالجيش فتجشموا الاخطار فوصلوا إلى (سنة) سالمين وكانت إذ ذاك من أملاك الدولة. وفي اواسط شعبان وصل السفير إلى بغداد.

وفي حديقة الزوراء ، كانت معه هدايا عظيمة من جملتها نحو

٣٢٠