موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

نتائج أعمال الوزير :

أما الوزير فإنه اتخذ التدابير الكثيرة وحفر الخنادق ووجه النيران الشديدة على القرنة إلا أنه لم يتيسر له الفتح مع ما بذل من الهمة والسعي المتواصل والهجوم لكرات متعددة دارت رحى الحرب فيها بين الفريقين بصورة مهولة ، كل هذا لم يجد نفعا.

وفي الأخير وضع الوزير الينگچرية في (المنصورية) وأشعل نيران الحصار للمرة الأخيرة وفي هذا أيضا لم يتمكن من الاستيلاء وإنما كان يقوى أمر حسين باشا ويشتد يوما فيوما بسبب إمداد العشائر بالأرزاق وما يحتاجون إليه من أمتعة ، أما جيش الوزير فإنه استولى عليه القحط وقلّ المأكول وحدث نقص في المؤونة فاستحال أمر الظفر وأخفق أمر الاستيلاء والانتصار.

الصلح :

وحينئذ فتحت أبواب المذاكرة في الصلح بين إبراهيم باشا والي ديار بكر وبين حسين باشا أفراسياب فتدخل إبراهيم باشا في إصلاح ذات البين ورفع العداء فتمكن من أخذ خمسمائة كيس نقدا لجانب الدولة من حسين باشا وتعهد بأداء مائتي كيس من الاقجات كل سنة وأن يعرض طاعته على السلطان وتعهد بأداء قيمة ما أخذه من أموال التجار وأن يرشح ابنه أفراسياب لحكومة البصرة وأن يسلم الاحساء إلى واليها محمد باشا ، وحينئذ أرسل خبرا للوزير بأن يحيى آغا كتخداه سيأتي بالأموال المقرر أداؤها لجانب الدولة وأبدى الطاعة والانقياد واستعفى القصور عما وقع منه من جرم.

وعلى هذا اضطر الوزير إلى قبول الصلح ، وجهز محمد باشا بنحو مائتين من المتطوعين ، جعلهم معه واتخذ له سفنا تسيره وأرسله إلى

١٠١

الاحساء. وأما الوزير فإنه ركب سفن التجار وذهب على وجه العجلة ومعه معداته فوصل إلى بغداد وحينئذ عرض ما جرى على حكومته. فرضي السلطان بما فعله وما ألفه من الجيش الجديد فأكرمه (١).

وزاد الشهابي أنه أخذ منه ابن عمه يحيى رهنا لتأمين تأدية المبلغ وبيّن عن حسين باشا أنه لم يف بأكثر هذه الشروط ، وكان من الدهاء والحيلة بمكانة ولكنه لم يدم له حكم. والشهابي ممن عاداه وندد به ... قال : وبعد أن رفع الجيش خيامه أخذ يسعى بانتزاع الأموال ظلما وبصور منوعة. ولم يقل إن الحكومة طلبت منه ما طلبت فلم يتمكن من التأدية.

وفي زاد المسافر :

«أما إبراهيم باشا فإنه وصل إلى القرنة وحاصر حسين باشا أشد الحصار ، وبقي على ذلك مدة ثلاثة أشهر ولما لم ينالوا منه أظهروا له الصلح فتصالح معهم على أن يرسل وزيره يحيى آغا ... وكان متزوجا بأخت حسين باشا المسماة حجية. وكانت من أفذاذ النساء بالكمال وعلو الهمة» اه (٢).

الاحساء في هذا الحين :

إن حسين باشا كان استدعى الأمير يحيى وسيّر مكانه عمر الحليبي فولي الاحساء إلا أن براكا لم يصغ إليه ، ورام مع أصحابه قتاله وعند ذلك حاصر البلد ، وسد الأبواب وطينها وقاتل الاعراب ... حاصروه مدة بقوة شديدة فاضطرب الأهلون لما أصابهم من جوع ومن ضجر.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٥ ـ ٢ ، وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٠٠.

(٢) زاد المسافر ص ٣٣.

١٠٢

وفي هذه الأثناء كان قد اشتد الأمر بحسين باشا فسلم البلاد إلى عيسى بن علي أخي محمد باشا حاكم الاحساء السابق ، وطلب من عمر أن يأتي إليه بسرعة فرجع يحمي الشيخ حسين. وعيسى هذا وضع ابنه رهنا لدى حسين باشا لئلا يحصل منه ما يكره ... فأخرج ابنه من القرنة العليّة ثم توجها إلى البر.

أما برّاك أمير بني خالد فإنه أتى إلى عيسى وقال له اخرج آمنا من البلد. أنبت عن أخيك بأمر منه وسيأتيك خبر ذلك ففوض الأمر إليه وخرج دون قتال إذ لم يكن مستعدا لحرب برّاك فجاء عيسى إلى القطيف وكانت في أيديهم ، أنعم بها خصمهم عليهم قبل هذا حين أتاه العسكر.

ما حدث بعد الصلح :

عاد الوزير إبراهيم باشا إلى بغداد ، وصار يلوم نفسه ولم يسعه أن يخفي ما أصابه من جزع لما جرى من الأمور في البصرة فصار يستر الأمور ... ولكنه لم تمض مدة حتى جاءه محمد بن عبد السلام مستمدا منه للبصرة وطلب منه أن يعود إليها. شكا ما جرى بعده فقال له الوزير إبراهيم باشا إنني أنصب لكم يحيى ليكون واليا فأجابه بالقبول على شرط أن لا يبقى في البلاد شخص ينتمي إلى آل أفراسياب ، أو يحتمي بحسين باشا فلم يقبل يحيى بذلك وحينئذ طلبوا الرخصة أن يذهبوا إلى السلطان ليشكوا ما أصابهم ويوضحوا ما نالهم على يديه فلم يدعهم أولا حتى عاهدوه أن لا تقع منهم عليه شكوى أو يحصل تذمّر.

المسير إلى استنبول لعرض الشكوى :

كان قبل ذلك وافى أيضا الشيخ عبد الله وجماعة من الشيوخ إلى بغداد فعزم الشيخ محمد على المسير ، وكذا الشيخ عبد الله وجماعة من الشيوخ ، وبعضهم أقام في بغداد مدعيا العجز فذهب اولئك من طريق حلب فمضوا إلى استنبول ، وكان آنئذ السلطان محمد في أنحاء أدرنة

١٠٣

فواجهوه. كان في الصيد فأخبروا بقصدهم ثم طلب محمدا لمواجهته فقدّم عرضا بين فيه أحواله فأكرم السلطان مثواهم ووعدهم خيرا إذا عاد إلى العاصمة وحينئذ عاتبهم نائب الوزير لعدم مواجهتهم له أولا قبل أن يأتوا إلى السلطان ليكون على علم من الأمر فاعتذروا إليه بأنهم لم يقصدوا أن يتخطوه فعذرهم ... فقام بأمر ضيافتهم وخصص لهم منزلا ، وكان أمر السلطان أن يخبروا الوزير بالأمر إلا أنه كان غائبا وحينئذ دعا القائم مقام وأمره أن يخبر الوزير الأعظم بقصصهم وأن يرسل اثنين منهم مع الرسول ليتفهم الأمر بتمامه على وجه الصحة فأدركوا الوزير بعد ما عبر غالب الجند في البحر فرحب بهم وأخبروه بالخبر حتى استوعب ما عندهم وعرف مطلوبهم وقال لهم لو جئتم إلي قبل هذا لكنت صالحت هؤلاء وذهبت لفتح البصرة. أكرمهم بنقود وخلع عليهم ووعدهم خيرا وسكّن روعهم فردّهم من حيث جاؤوا ثم دعاهم نائب الوزير إليه وسألهم بعض الأسئلة ثم أرسل إلى بغداد من يستفهم عن صحة هذه الأمور والفتن وعن بقية الشيوخ وأن يأتي إليه بالخبر الصحيح على عجل وذلك لأن الشيخ محمدا ذكر أن لهم بقية في بغداد فلما ذهب الرسول وعاد أيد مقالة الجماعة وصدّقهم في مطلوبهم حتى تحقق الأمر للسلطان بوجه الصحة وكان الوالي يكتم الأمر ويخشى أن يعرف تقصيره. وعلى كل حال بعد عودة الرسول إلى العاصمة شاور الجماعة في تولية يحيى على مدينة البصرة فوافقوا عليه ورغبوا فيه.

وعلى هذا أعيدوا إلى بغداد وقد حصلوا على مرغوبهم ...

حوادث سنة ١٠٧٧ ه‍ ـ ١٦٦٦ م

الطريقة المولوية :

شاعت في المملكة العثمانية شيوعا بلغ حده الأقصى. استولت على عقلية الكثيرين. وهكذا في بغداد كانت تأسست تكية لهم إلا أنها لم

١٠٤

تنل حظها من الرواج (١). وفي هذه السنة أبطل ما كانوا يقومون به من الدور والسماع المعتادين لعدم تجويزه شرعا. جرى المنع من واعظ السلطان وهو محمد الواني. صرح أن العمل بها غير مشروع قطعا فتابعته الحكومة في رأيه الشرعي وحينئذ سكت صوت الناي. وذهبت خطراتهم ، وركدت حركتهم ، وألغى سماعهم فعد أرباب هذه الطريقة ذلك تعصبا من الواعظ كأن الدين رقص وسماع.

إمارة شهرزور :

في ٥ شوال وجّه منصب ايالة شهرزور إلى حسين آغا من آغوات البلاط فصار حسين باشا. وفي گلشن خلفا أنه (حسن باشا). وهو الصواب (٢).

عزل الوزير :

كان بدأ حكمه في ٢٧ ذي القعدة لسنة ١٠٧٥ ه‍ ودام إلى شوال هذه السنة.

وفي زاد المسافر أن الشيخ فتح الله الكعبي مؤلف هذا الكتاب رأى ختم إبراهيم باشا ووصفه (٣) ...

وزارة قره مصطفى باشا :

وكان هذا الوزير ولي بغداد مرتين. وفي هذه المرة وليها أيضا في ١٤ شوال من هذه السنة. وكان واليا في الشام فعهد إليه القيام بمهمة البصرة.

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤.

(٢) تاريخ راشد ج ١ ص ١٥٨ ، وكلشن خلفا ص ٩٩ ـ ٢.

(٣) زاد المسافر ص ٣٣.

١٠٥

حوادث سنة ١٠٧٨ ه‍ ـ ١٦٦٧ م

تجدّد حوادث البصرة :

كانت الدولة قد تصالحت مع حسين باشا والي البصرة لضرورة اقتضت وجعل ابنه مكانه إلا أنه استمر في العمل وأن ابنه أفراسياب لم يكن له ذكر في الإدارة بل بقيت بيد حسين باشا. وبعد تمام الصلح شكاه مشايخ البصرة وأعيانها لما لحقهم من حيف. ذهبوا إلى السلطان فعرضوا ظلامتهم ، وما قاساه الأهلون من ضيم ... ولا شك أن لمطالبة الدولة بالمبالغ المقررة دخلا ، فكان التضييق من جرّاء ذلك فجاءت الشكوى لهذا الغرض نفسه ، فكان المقرر السنوي مائتي كيس فصدر الفرمان بمنصب البصرة إلى كتخداه (يحيى آغا) مع تحوطات فورد الأمر إلى والي بغداد بعزل حسين باشا وتوجيه منصبه إلى يحيى بلقب باشا وعهد بالقيادة لوالي بغداد وأن يكون معه والي ديار بكر إبراهيم باشا ومحافظ شهرزور كنعان باشا الوزير ، وأمير أمراء الموصل موسى باشا ودلاور باشا أمير الرقة (١) ... وأمدتهم الدولة بألفين من الينگچرية تجمعوا في صحراء قلعة الطيور (٢) واستوفوا معداتهم وأخذوا أربعة مدافع من نوع (بال يمز) وعشرين قطعة أخرى من نوع (المدافع الشاهية).

وحينئذ قام الوزير بما عهد إليه وسعى سعيه لاستخلاص البصرة ،

__________________

(١) يعرف إبراهيم باشا والي ديار بكر ب (شيطان إبراهيم باشا) كما أن دلاور باشا يسمى (دلي دلاور باشا). تاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٧٤.

(٢) تاريخ العراق ج ٤. ويراد بها جانب الكرخ. وفي الأصل قلعة في جانب الكرخ وهي عند رأس الجسر من الجانب الغربي تجاه القلعة الداخلية (وزارة الدفاع). تكلمت عليها عند الكلام على تكية البكتاشية في خضر الياس. في كتاب (التكايا والطرق في العراق).

١٠٦

ومن رجاله ممن قاموا بالخدمة خليل الكهية وسائر أعوانه ، وممن كان قد تابع الوزير في سفرته هذه الشيخ عثمان بن عمر الحنفي وكان جاء معه إلى بغداد. وفي هذه التأهبات وافى إليه شيخ المنتفق عثمان (ابن أخي محمد بن راشد) طالبا منه الأمان وهو مشهور بالكرم. ولما أتى جعله شيخا وأحل اتباعه محلهم ورده محافظا مع عسكره من جهة حسين باشا وعلى الأثر جاء عبيد ابن عمه مزاحما له طالبا المشيخة دونه ... تلاقوا على الفور واقتتلوا فخر عبيد صريعا وهرب من جاء معه. ثم توالى مجيء الشيوخ إلى بغداد وكانوا قد ذهبوا إلى استنبول كما تقدم وقيل الكل جاء إلى بغداد محمد بن عبد السلام (شيخ الشيوخ) من طريق حلب إلا أنه بالقرب من بغداد حل به الأجل المحتوم فدفن في مقبرة الشيخ معروف (١) ، ثم جاء يحيى باشا ثم توالى الجنود والكل نزلوا بغداد ولما تكامل جمعهم بعساكرهم ووزرائهم توجه الوزير مصطفى باشا إلى البصرة من طريق الحلة ، وكان الوزير قد سار خلف الجيوش في ٧ جمادى الثانية سنة ١٠٧٨ ه‍ نزل أولا (قلعة الطيور) ثم مضى فقطع منازل في سيره فوصل الاسكندرية ومنها ذهب بامرأته لزيارة الإمام الحسين (رض) ثم توجهوا إلى الحلة ومنها إلى قناقية (٢) ، ومنها ذهب الوزير وأمراؤه إلى زيارة الإمام علي (رض) ومن هناك توجهوا نحو المطلوب وقطعوا البيد حتى جاؤوا (الرماحية) ، ومنها وافوا إلى العرجة (العرجاء) فاجتمعت العساكر هناك. وفي ٢٠ رجب ساروا منها فوردوا (كوت معمر) (٣) ، قال صاحب گلشن خلفا : وفي هذا الحين ورد عثمان شيخ المنتفق ومعه ألف من رجاله بين فرسان ومشاة فبذل الانقياد والطاعة (٤) بخلاف ما مرّ بيانه عن منظومة

__________________

(١) لم يذكره لي الشيخ ياسين آل باش أعيان. ولعله فاته.

(٢) تسمى اليوم اليوم (جناجة) من قرى الحلة.

(٣) قرية بين الناصرية وسوق الشيوخ على ساحل الفرات من جهة الشامية.

(٤) كلشن خلفا ص ٩٧ ـ ٢ وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٧٤.

١٠٧

الشهابي مع أنه جاء أوضح وأزال شبهة الراشد في أمراء المنتفق التي كانت تتردد على الالسن من أن حكام البصرة من الراشد. فتبين أنهم أمراء المنتفق ، فلم يبق ريب. ثم إن الوزير استمر في طريقه حتى جاء إلى المنصورية (منصورية الجزائر).

أما العساكر الأخرى فكان سيّر قسما منها إلى جانب القرنة ، والبعض الآخر في السفن من دجلة حتى صار جميعهم في الرملة ، وبعد ذلك كله جاء الأمر السلطاني مع رجل يدعى عمر يحثه فيه على السفر دون تأخر أو توان. ولما جاء الرسول رأى الوزير بقرب (منصورية الجزائر) وعلى هذا قرر الأمراء لزوم الدوام في السير فأرسلوا عثمان (شيخ العرب) مع ثلة من الجنود من طريق البر ، والوزير بدأ يسير من جانب الشط ووالي الموصل يمشي مقابلا له من الجهة الأخرى منه وعسكر (الينگچرية) في السفن فصار مشيهم بطيئا بسبب أن كل جانب يشتمل على أنهر متفرعة فأكملوا دفن جميع الأنهار في غرة شعبان وأتى ديار بني سد (بني أسد) وهناك رأوا بعض أعدائهم فأكثروا فيهم القتل بعد حروب دامية لم يروا مثلها. ونالهم الهول الأعظم بحيث كادت تزل أقدامهم واستمروا في طريقهم حتى وصلوا في ١٣ شعبان (الشرش) مقابل القرنة وهناك نصبوا الجسر فعبروا إلّا أن الوزير أبقى طائفة من الجيش رابطت ومعها مدافع تمنع من يأتي إلى القرنة ، ونصب الوزير المدافع على العليّة فأمطرها بوابل من القنابل فجعلها في لبس من أمرها وبلغت هناك القلوب الحناجر فاتفقوا أن يعبروا إلى (السعيداوية) فعبر إبراهيم باشا والي ديار بكر ، إلى شط زكيّة وكان ذلك في أول شهر رمضان والفتح في الحادي عشر منه.

كل هذا جرى وحسين باشا في جانب السويب ملازما مكانه وحين جاءته الأخبار ارتبك أمره واضطرب. ولما رأى أن القرنة تضايق أمرها أرسل إليها مددا وساعدها ... وعند ما رأى والي ديار بكر أن قد عبر

١٠٨

إلى ناحيته فرّ بأهله وعياله إلى بلاد العجم بعد أن أضر بالأهلين وشتت شملهم ، ونهبهم ... وبينوا أنه دعا الناس إلى الخروج من البصرة فجرى نهب وسلب وانتهاك حرمات بما لا يستطيع المرء وصفه.

وفي زاد المسافر أن إخلاء البصرة كان في غرة جمادى الثانية في اليوم الأول والثاني والثالث من الشهر. ووصف هول ما جرى على الأهلين فكان أشبه بهول يوم المحشر. وتوالت الارزاء من هذا القبيل على الانحاء ، فكان الدمار والخراب (١).

وعلى كل كانت معاول التخريب تدمر البلد. أما جيش حسين باشا فقد تحصن بالقرنة للدفاع وأحكم قلعتها ، وحافظ أطرافها ، وذهب بمن معه من مشاهير رجاله ويتراوحون بين الألف والألفين فضرب خيامه في المحل المسمى (سحاب). وأجلى الأهلين إلى الجزائر فنالهم من جراء ذلك ما نالهم.

أما المحصورون من أهل القرنة فإنهم حينما سمعوا بما جرى على حسين باشا استولى عليهم الخوف وأصابهم اليأس. وفي ليلة ١٧ من الشهر المذكور عبروا شط زكيّة ومضوا إلى بر الجزيرة ساروا في أثر حسين باشا (٢) ...

وحينئذ سار جيش الوزير في الصباح فافتتح القرنة العليّة وأمن الأهلين في ١١ شهر رمضان فسار على الأثر نحو البصرة فافتتحها وبقي فيها نحو خمسة أيام زار في خلالها مشهدي طلحة والزبير (رض) ، وعاد إلى القرنة بعد أن وضع في البصرة ألف وخمسمائة من الينگچرية وأمر

__________________

(١) زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر في صفحات عديدة منه ص ١٤ ـ ٢٨.

(٢) منظومة الشهابي البصري وكلشن خلفا ص ٩٨ ـ ٢ وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٧٥ وفيه تفصيل زائد وذكر ما أبداه الجيش من البسالة حتى وصل إلى نهر عنتر ، فاجتازه.

١٠٩

أن يرتب جيش أهلي نحو ثلاثة آلاف. وجعل أرزاق الجيش الأهلي عليها ، وأنها تحتاج إلى دفتري وكاتب مستقل نظرا إلى أن واردات البصرة موفورة وفيها نواح معمورة فعرض الأمر على دولته وكتب كتابا بالفتح أرسله مع رسول سريع السير ثم مضى إلى القرنة ، فرتب فيها الجيوش ، ورجع إلى بغداد. سلم البلد إلى يحيى باشا فجاءته خلعة.

أما حسين باشا فإنه لم ير مخلصا له فمال إلى نوروز خان أمير الدورق. مضى من محل قريب من السويب. أما القائد فإنه كتب إلى أمراء الحويزة والدورق وبهبهان وأرسل إليهم رسلا أفهمهم بأن قبول التجائه مما يغاير أحكام الصلح ، وأن يحتفظ بأمواله وأمتعته وأن لا يترك المجال لأن يفر ... وعقب ذلك ورد إلى القائد كتاب من أمير الحويزة يشعر بأن المشار إليه التجأ إلى الشاه ومعه ثلة من الخيالة. وأما الأهلون فقد التجأوا إلى الحويزة ... وحينئذ أمن القائد الأهلين. أما العجم فإنهم رأوا تهديدا من العثمانيين وذلك أن القائد كتب إلى نوروز خان أن يعيد حسين باشا مكبلا إلى الدولة ، أو أنه يأتيه بنفسه ويعرفه حده ويجعل ذلك عبرة للمعتبر فخاف من ذلك وأخرجه من مملكته ... وعلى هذا فر إلى أنحاء الهند (١) ...

وفي زاد المسافر :

«كان حسين باشا قبل وصولهم وتهيئة نصولهم استعد لحربهم ... قامت الحرب على ساق ... فلم تكن إلا كجولة ... حتى انتصر الروم على العرب ، وسقوهم كاسات العطب ، وحل بأصحاب الباشا البوار ، وولوا الأدبار ...» اه (٢).

__________________

(١) تاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٧٣ إلى ص ٤٧٩ وفيه تفصيل إلا أنه كان يغلط في الأعلام.

(٢) زاد المسافر ص ٣٨ ووصف ما جرى على الأهلين من مصائب ونكبات ...

١١٠

عاقبة أمر حسين باشا :

إن حسين باشا رأى والي ديار بكر قد عبر إلى ناحيته ففر بأهله وعياله إلى بلاد العجم. وأوضح صاحب زاد المسافر : «أنه بعد هزيمته من العليّة وصل إلى الدورق ، وترك فيها أهله وحشمه ثم توجه إلى شيراز مستنصرا بشاه العجم ، وهو يومئذ الشاه سليمان ابن الشاه عباس ابن الشاه صفي ... فلما وصل إلى شيراز ، وعرض أمره إلى الشاه ثبط بعض أمرائه عن نصرته وكان حاقدا عليه. لما وصل إليهم من بغضه سابقا. ثم إنه ترخص وتوجه إلى الهند ، فأكرمه ملك الهند وولاه بعض مدنه وهي البلدة المعروفة ب (باچير). وبقي هناك في بعض حروب من يليه. وقتل هو وابنه علي بك ... وكان قبل هلاكه أرسل إلى حرمه وحشمه ونقلهم من الدورق إلى الهند. فهم هناك الآن.» اه (١).

ولا شك أن الشاه لم يشأ أن تتولد بينه وبين العثمانيين مشادّة ، فالظاهر أنهم اعتذروه فمضى إلى أنحاء الهند ، فاختار الإقامة فيها.

كتاب زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر :

هذا الكتاب تأليف الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي المولود سنة ١٠٥٣ ه‍. ألف كتابه في ٢٧ من شهر رجب سنة ١٠٩٥ ه‍. توفي بعد هذا التاريخ حكى فيه واقعة حسين باشا أفراسياب سنة ١٠٧٨ ه‍ وما تبعها من الحوادث إلى أن هرب من البصرة وما آلت إليه حاله. وفي هذا الكتاب كشف عن الكثير من أحوال البصرة أيام آل أفراسياب وإن كان بصورة مقامة. وفيه بيان خططها وأنهارها وما كانت عليه في أيامه وما صارت إليه من خراب ... فهو من المراجع المهمة المعاصرة. جاءت ترجمة مؤلفه في أول الكتاب وهو من أهل القبان ونسخة الكتاب المخطوطة في

__________________

(١) زاد المسافر ص ٤٣.

١١١

خزانة (آل باش اعيان). طبعت على نفقة طالب غنى صاحب مكتبة الفيحاء بالبصرة بتصحيح وترتيب الأستاذ المرحوم خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب في سنة ١٣٤٢ ه‍ ـ ١٩٢٤ م.

ملحوظة :

في أيام الراحة والهناء رأينا كتاب (الفيض الغزير في شرح مواليا الأمير). ويقصد مؤلفه الأمير حسين باشا ابن علي باشا آل أفراسياب ألفه له (عبد علي بن ناصر) الشهير ب (ابن رحمة) الحويزي. وهذا الكتاب شرح به مواليا هذا الأمير ، فأبدى قدرة وفضلا في اللغة والعربية والبلاغة ، والعروض. وفيه حكايات مهمة ونافعة. وأورد (أرجوزة) نظمها في أسبوع وهي في الحكم والآداب. وقد ناصرت هذه الإمارة مؤلفين عديدين. وفي الطالع كتب باسمه كتاب في علم الفلك تنقصه الورقة الأولى فهو صفحة من عقلية ذلك العصر. وآخر يسمى (بلوغ الافهام في معرفة أقسام العام). كتبه مؤلفه باسم حسين باشا آل أفراسياب كتبت نسخته في شوال سنة ١١٢٢ ه‍ ولم أقف على اسم مؤلفها وهذه المخطوطات في خزانة كتبي.

يحيى باشا في البصرة :

كان أوصاه السلطان بحسن المعاملة والرأفة بالرعايا فلما دخل البصرة لم يعمل بتلك الوصية وأول ما قام به أن بيّن أن أرزاق الجيش الأهلي لا طريق لسدها ، كما أنه بيّن أن لا حاجة إلى كاتب الديوان ، وإلى الدفتري وأن ليس هناك شرط بينه وبين الدولة في قبول هذه المناصب. وصار يمانع في أرزاق الجيش الأهلي ، فتولدت بينه وبين (كاتب الديوان) المسمى ب (المنشىء) نفرة. وزادت المشادة بينه وبين الجيش الأهلي ، اشتعلت نيران العداوة والبغضاء ، وصار يصد عن الجيش وعن الدفتري ، ويتأذى من دفع ارزاق الجند بل صار يخشى

١١٢

غائلتهم لما قاموا به من تضييق عليه فأحرجوه وتغلبوا عليه (١).

ففي أواخر هذه السنة اختفى هذا الوالي عن الأنظار إذ لم يتحمل مطالب هؤلاء. خاف تحكماتهم. وزاد الكره بينه وبينهم فذهب إلى جهة (كردلان) (٢). فصار يجمع العساكر. وفي مدة قليلة تمكن من جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة من الرماة من عجم وعرب وسكبانية ، وحاصر البصرة ، فأوقد نيران الخصام.

وكان أول عمل قام به قبل اختفائه أنه شرع يفسد بين كعب وأعراب آخرين ، ويقرب أهل الجزائر وكل اتباع حسين باشا ، ومن ينتسب إلى آل أفراسياب. استوثق من هؤلاء فخرج خفية من البصرة وذهب إلى (كردلان) ولم يدر الجيش به أين ذهب ، ولا علم بالسبب.

ضيقوا عليه ، فخافهم ، ولم يطق البقاء ، فضبطوا البلاد ثم جاءهم الخبر أنه في جهة السويب ، ومعه شرذمة قليلة ، وصار أهل الشر يميلون إليه من كل صوب حتى غدا يسول لهم النهب والسلب فاجتمعت لديه جماعات لا هم لها إلا غصب أموال الناس فكتبوا إليه يسألونه عما بدا له ليتركهم ويتنحى عن البلد ليعود إليهم وحاولوا استمالته فجاءهم

__________________

(١) تاريخ راشد ج ١ ص ١٦٣.

(٢) لا تزال معروفة وتعني أرض التل أو مأوى التل وفي كلشن خلفا جاءت غلطا بلفظ (كردكان) وفي تاريخ راشد (كوردلان) ج ٢ ص ٥١٤. وفي (الكاكائية في التاريخ) ما يوضح أنها كردلان وهو الصواب. واللفظة تركية لا كردية على ما أكد لي الأستاذ بسيم آتالاي وأورد ألفاظا كثيرة في التركية على هذا التركيب. وتقع قرية كردلان في الجانب الشرقي من شط العرب في مقاطعة تنومة وهي تجاه البصرة تماما.

قال الدكتور مصطسفى جواد : رأيت في خارطة شط العرب المحفوظة بدار الكتب الوطنية بباريس رقم ٢٢٧٩ ما هذا نصه : «شريعة گردلان ونخيلها لشط العرب ومقاطعتها راجعة للميري.» اه.

١١٣

الجواب أنه لا يرى أن يبقوا في البصرة ، طلب أن يخرجوا منها ، ويذهبوا إلى بغداد ، وهكذا جاءتهم رسالة من البغاة تنذرهم بالتهديد.

أسعر نار الحرب وبان ما أضمره في جانبي (شط العرب) ينهب الغادي والرائح. وبعد الشورى مع الشيوخ والأعيان استقر الرأي على وجوب قتاله لا سيما أنه كان قد عاث ببعض السفن الذاهبة إلى القرنة ... ولم يقف عند هذا بل أرسل كتخداه قادر آغا إليها ومعه جماعة بينهم الشيخ يوسف وجملة من أقربائه ... فجرت بين الجيوش وبين هؤلاء معركة شديدة قتل فيها الكتخدا ففر من فر وقتل من قتل ...

ولما سمع يحيى باشا بذلك سار بمن معه إلى البصرة فحاصرها. أثار فيها الفتنة. ولما كانت غير محصنة هاجمها العربان من كل صوب. دخلوا وسلّوا سيوفهم على العساكر فاستأصلوهم.

وعلى هذا فرّ الجيش والدفتري وآغا الجيش الأهلي ، الرئيس الأول وتركوا ما يملكون من مال. عادوا إلى بغداد. وحينئذ اتهمهم الوزير وسجنهم ، لما ارتكبوا من جرائم وسببوا مثل هذا الحادث.

وتفصيل الخبر أن أهل البصرة مال فريق منهم إلى يحيى باشا فاستبان الحالة واستوثق ممن كان معه فشوشوا الأمر في المدينة وأشعلوا نيران الفتن فنهض العسكر لمحاربة جيش يحيى باشا. استمرت الحرب إلى قبيل الظهر ، أبلى فيها الجيش بلاء حسنا إلا أنهم خافوا أن يبقوا في المدينة فنهجوا طريق البر فعقب جيش يحيى باشا أثرهم فلم يفوزوا منهم بطائل فرجعوا. خرج الجيش العثماني بلا زاد فأصابه الجوع والألم إلا أنه قيض الله له بعض العربان فأنقذوه من الهلاك وجاؤوا به إلى العرجاء. وحينئذ زال الخوف وذهب الرعب.

أما القرنة فإن يحيى باشا أرسل إليها عسكرا فأخبروهم بما حلّ بالبصرة وطلبوا أن يسلموا إليهم البلد وإلا أصابهم ما أصاب اولئك فلم

١١٤

يذعنوا وقرروا لزوم الدفاع وكانوا أخبروا الوالي مصطفى باشا بما وقع وطلبوا منه أن يعجّل بالمدد ...

فلما سمع الوالي بهذا الحادث اهتم للأمر وجرد تجريدة قادها خلف آغا وصالح آغا مع جيش سارع في النصرة. وبينهم آغا الجيش الأهلي. والمتطوعون وأمير جسان ، وأمراء البيات وأمراء باجلان وعدة بيارق من السكبانية. ساروا برا ونهرا. عبروا من شط زكية امدادا للمحصورين في القرنة ، فتمكنوا من الوصول ، فكانوا قوة لهم ، قاتلهم الثائرون في مواقع عديدة وجرى نضال شديد حتى شقوا الطريق فأمدوا اولئك المحصورين ودخلوا القرنة.

سمع يحيى باشا بذاك فجهز جيشا لجبا من العربان يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ، فتصدى للهجوم على القرنة على حين غرة ، فقابلهم الجيش المحصور فدامت الحرب نحو ثلاث ساعات أو أربع فلم يتمكن جيش يحيى باشا من اختراق الجبهة للاستيلاء عليها ، فخابوا وقتل منهم نحو خمسمائة أو ستمائة فوصل الخبر إلى بغداد بهذا الانتصار. وفي هذه المعركة قتل أمير جسان.

سمع يحيى باشا بخبر اندحار جيشه فاضطرب للحادث ولكنه لم يقف عند حده وإنما سيّر نحو القرنة صباحا قوة من غير أن يعلم به أحد. انتبه أحد الأفراد فأخبر جماعته فاستعدوا للحرب وقاتلوا قتالا عنيفا حتى تمكنوا من فل غرب المهاجمين فأذاقوهم من القتل والأسر ما أذاقوا ... فجاءه نبأ ذلك وحينئذ زاد ألمه ، وكثر ندمه ... وفي هذه الحرب قتل خلف آغا ، وهذا صار سبب تسكين ألمه نوعا ، ثم جاءه المدد من العربان فحاصرها مرة أخرى (١) ...

__________________

(١) منظومة الشهابي وكلشن خلفا ص ٩٩ ـ ٢.

١١٥

حوادث سنة ١٠٧٩ ه‍ ـ ١٦٦٨ م

هذه السنة مضت بالتأهبات للقيام بأمر ما طرأ على البصرة ، ولم تظهر واقعة أهم من هذه فغطت على ما سواها. واكتسبت اهتماما كبيرا.

حوادث سنة ١٠٨٠ ه‍ ـ ١٦٦٩ م

الوزير مصطفى باشا :

إن الوزير مصطفى باشا علم بما جرى فأخبر دولته ، فأصدرت الفرمان بتوجيه ولاية البصرة إلى رئيس الحجاب مصطفى باشا وعهد بالقيادة إلى والي بغداد للقضاء على الغائلة. وأوعز إلى الوزير عمر باشا والي ديار بكر ، وإلى محمد باشا چاوش زاده والي الموصل ، وإلى حسن باشا أمير أمراء شهرزور ، وإلى علي باشا أمير الرقة أن يقوموا بواجب المهمة. ولما كان السفر إلى العراق في أيام الصيف صعبا اضطر الوزير أن يذهب مع والي البصرة مصطفى باشا بحرس بغداد والجيش الأهلي ، فسار في صفر سنة ١٠٨٠ ه‍ من بغداد قاصدا البصرة ليمد القرنة وجيشها المحصور ، فوصل إلى مكان قريب منها.

ومن ثم سمع بذلك يحيى باشا والي البصرة فاضطرب أمره وعلم أن لا قدرة له على الدفاع. فلم يستطع البقاء وفرّ إلى الهند راكبا سفينته ومن ثم نجت القرنة من خطر الحصار بعد أن ناضلت مدة.

وبعد عشرة أيام لحق بجيش الوزير والي شهرزور فحط رحاله في البادية كما أن والي الموصل ورد بعد خمسة عشر يوما فنزل حيث نزل سابقه فلحق بجيش الوزير. وأما محافظ ديار بكر فإنه وصل إلى العرجاء فأخبر الوزير بذلك فبعث إليه بكتاب يتضمن الترحيب به ، وأنه أتم ما أراد ، وطلب إليه أن يبقى بضعة أيام ثم يعود إلى بغداد.

ولما أتم الوزير عمله في القرنة ذهب إلى البصرة ، فدخلها بلا منازع أو مزاحم ، وأودع أمر ادارتها إلى مصطفى باشا واليها بعد أن مهد

١١٦

له أمر ادارتها. ومن ثم عاد إلى بغداد دخلها في رجب هذه السنة (١).

منظومة الشهابي :

غالب ما نقلنا كان من منظومة الشهابي ولم يفت منها شيء إلا بعض ما هو حشو أو مدح وإطراء ، أو اقتضاه الوضع الصحيح بقدر الإمكان.

وهذه المنظومة للعلّامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي ، قال لي المرحوم الشيخ ياسين باش أعيان إنه من رجال أسرتهم. ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب وعصيانه على الدولة والوقيعة به. أولها :

يقول راجي رحمة الوهاب

ياسين نجل حمزة الشهاب

الحمد لله الذي أزالا

عنّا بمحض فضله الضلالا

وتعد من خير المراجع وإن كانت تنتصر لجهة ، فالنصوص الأخرى جاءت مؤيدة أو معدلة لما فيها قليلا ولكننا نرى فيها من ضبط المواقع ، وتفصيل الحوادث ما لم نره في غيرها. والحق أنها صفحة كاشفة عن أيام حسين باشا آل أفراسياب وعلاقته بالدولة وبالأحساء. وأن التحامل على إمارة حسين باشا لا يخل بمكانها من الصحة ولا شك أن الصدق لا يؤثر عليه البغض. وهذا مشاهد في وثائق كثيرة ، فالبغض غير الكذب.

والنسخة كتبت بخط عبد الله بن عيسى بن إسماعيل الشهير بالعباي (كذا) نقلها من نسخة الناظم في ١٠ المحرم سنة ١٢٣٢ ه‍ ولناظمها من المؤلفات (تفسير سورة الكوثر) قدمه لحسين باشا والي البصرة و(الجوهرة في علم العروض) نظما ، و(قصيدة) يمدح بها عالما من

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٠ ـ ١ ، ومنظومة الشهابي ، وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٤٧٩.

١١٧

علماء البصرة اسمه (مصطفى). وهذه كلها في مجموعة رسائل ذكرها الدكتور (داود الچلبي) في (مخطوطات الموصل) (١). ومن ثم عرفنا مؤلفات أخرى لهذا الفاضل تعين العلاقة وتبين قدرته العلمية والأدبية. وتعرف ببعض معاصريه.

انعامات سلطانية

عاد الوزير إلى بغداد ، فأنعم عليه السلطان وشكر مساعيه ، خلع عليه خلعة سمور ، ومنحه سيفا مرصعة أرسلها بصحبة خليل آغا ، وأصدر إلى ابنه محمد بك فرمانا بإمارة شهرزور ، كما أنه عهد إلى محمد بك الآخر أخي الوزير بدفترية بغداد ، فكان هذا الاحسان عميما.

جامع الإمام الأعظم :

في هذه السنة أيضا قام أخو الوزير محمد بك الدفتري بتوسيع نطاق هذا الجامع وبناء رواقه وبذلك صار وافيا على المصلين. وهذا الجامع توالت عليه تعميرات أخرى (٢)

قتلة الدفتري ورفقائه :

وبعد الواقعة والانتصار أطلق الوزير دفتري البصرة وآغا الجيش الأهلي والرئيس الأول ولكن لم تمض بضعة أيام حتى ورد الفرمان بإعدامهم فألقي القبض عليهم فقتلوا (٣)

كان هؤلاء السبب فيما جرى على يحيى باشا وهو الوضع الظاهري ، ولعل هذا القتل كان سياسة من الحكومة لإظهار أنها لا دخل لها بذلك. وعلى كل نالوا جزاء ما اقترفوا.

__________________

(١) مخطوطات الموصل ص ٢١١.

(٢) في المعاهد الخيرية تفصيل.

(٣) كلشن خلفا ص ١٠٠ ـ ٢.

١١٨

معاهدة مع الانكليز :

في هذه السنة عقد عهد منح الانكليز بموجبه بعض الامتيازات وتسمّى (عهد نامه همايون) وإن هذا العهد شمل العراق أيضا باعتباره من ممالك الدولة.

عندي نسخة مخطوطة من هذه المعاهدة باللغة التركية. كتبت سنة ١٢٣٩ ه‍. والعهود العتيقة تستند إلى هذه وأمثالها.

حمى وبائية :

حدثت في بغداد حمى وبائية. كان يموت في اليوم نحو خمسين إلى سبعين (١).

حوادث سنة ١٠٨١ ه‍ ـ ١٦٧٠ م

البصرة ـ الميزانية :

استكثرت الحكومة جيش البصرة فأنقصت منه. ومع هذا لم يتمكن مصطفى باشا من الإدارة فإن ضرائب الولاية قلّت فأبدى أنه لا يستطيع إعطاء مائتي كيس للدولة وأن يقوم بأرزاق الجند. صعب عليه الأمر وطلب لزوم خفض قسم وأن تعفى المدينة لما رأت من غوائل بل إن ذلك أصل الغوائل.

كان الوزير حين الفتح قد كتب إلى الدولة في (رسالة الفتح) بالغ فيها عن وارد المدينة وأبدى أن عمارتها وافرة وفي هذه المرة وبناء على الخط الهمايوني أمر بتحرير الحالة. وفي أواخر جمادى الثانية توجه نحو البصرة. وفي أوائل شعبان وصل إلى صحرائها فضرب خيامه في (باب

__________________

(١) عمدة البيان.

١١٩

رباط) (١) وهو مقام معروف. بقي خمسة عشر يوما. وبسبب كثرة الامطار اتخذ دار الإمارة مقرا له.

وحينئذ كتب إلى أنحاء البصرة ، وعين مخمنين من ذوي المعرفة والكفاءة فعينوا الأراضي الاميرية ورسومها والأوقاف والأملاك المعفاة والأعشار والرسومات العرفية فصّلوا ذلك جميعه. ومن ثم ساووا بين الدخل والمصروف بقدر الإمكان ، وحرروا دفاتر أبقاها الوزير في خزانة البصرة وبعث بصور منها إلى دولته ثم توجه إلى بغداد. وصل إليها في أواسط ذي الحجة.

ايالة البصرة :

وهذه الدفاتر قبل بها السلطان ورضي عنها وأنعم على الوزير الوالي ببغداد بإيالة البصرة. ومن ثم نقل من بغداد.

أيامه في بغداد :

ابتدأت في ١٤ شوال سنة ١٠٧٧ ه‍ ودامت إلى سلخ ذي الحجة لسنة ١٠٨١ ه‍ (٢).

مسجد بابا كور كور وتكيته

مسجد في محلة الميدان قرب سوق الهرج. أصله مرقد لأحد البكتاشية اسمه (بابا گور گور) ومعناه (الأب النوراني) ، من شيوخ البكتاشية ببغداد. والظاهر أن لآبار النفط في كركوك علاقة به وربما

__________________

(١) في خارطة شط العرب المقدم ذكرها أن لشمالي البصرة بابين : باب رباط كبير ، وباب رباط صغير ، وأن الأول راجع لمحمود الثامر (لعله لحمود الثامر) ، والثاني تابع للعشار وراجع للميري.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٠ ـ ٢.

١٢٠