موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

كانت تعد كرامة من كراماته. دفن في المحل المذكور. والمسجد بني بجانب هذا القبر. بناه الحاج محمد الدفتري بن عبد الله بن غرة المحرم سنة ١٠٨١ ه‍ وأرصد عليه موقوفات جعل غلّتها على تربة (بابا گور گور) وعلى المسجد وبين أنه إذا انقرضت ذريته عادت التولية لمن يكون قاضيا ببغداد. فانقرضت ذريته ثم صار تكية للبكتاشية مدة ، وأن (دده حسين) صار متوليا من مدة تبلغ نحو عشرين سنة. ثم إنه في نيابة المرحوم الأستاذ محمد فيضي الزهاوي المفتي ببغداد نصب متوليا ثم عزل في ٢٨ صفر سنة ١٣٠٠ ه‍ ، فأعيد مسجدا ، ونزعت التولية من البكتاشية. وتوفي دده حسين سنة ١٣٠٢ ه‍. وبعد عزله وجهت التولية والتدريس إلى المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الفراداغي العالم المعروف. وتوفي سنة ١٣٣٥ ه‍. والنفط اشتهر باسم (بابا گور گور) في العالم الشرقي والغربي ، وصار يتردد اسمه بما حصل من هذا النفط في الأراضي المعروفة باسمه في كركوك أو التي أنارت بكرامة منه (١).

حوادث سنة ١٠٨٢ ه‍ ـ ١٦٧١ م

الوزير حسين باشا :

هذا الوزير معروف ب (حسين باشا السلحدار) كان رؤوفا بالأهلين ، باشا بهم ، حسن المنظر ويقال له (قز حسين باشا) (٢) أي حسين باشا البنت. ولما ولّي بغداد كان كاتب ديوانه مصطفى العدلي. وكان لهذا عداوة قديمة مع كتخدا الوالي السابق ومن جراء محاسبة الأموال الأميرية في بغداد حصلت مشادة بين أتباع الطرفين أدت إلى النزاع بين الوزيرين ولم ينقطع. وبالنتيجة عرض الأمر على الدولة وعلى هذا ذهب الوزير

__________________

(١) التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

(٢) تاريخ السلحدار ج ٢ ص ٢٩٣.

١٢١

السابق بكدورة خاطر إلى البصرة. وبعد أيام عزم الوزير الحاضر على زيارة المشهدين ترويحا للنفس ثم عاد إلى بغداد.

وأما مصطفى العدلي فإنه نال التفاتا زائدا ، تطلب الكتخدائية فحصل عليها إلا أنه لم يتحمل هذا الالتفات ولا تمكن أن يدبرها تدبيرا صحيحا وإنما عدل عن طريق الصواب وصار مفترسا ومن ثم كان يؤذي الخلق ويتجاوز على حقوقهم. ولمجرد الحرص والتخوف على المنصب سوّل للباشا أن يصدر فرمانا بإعدام اثنين من الحجاب ففعل كما أنه جلد آخرين وضربهم ضربا مبرحا ونفى آخرين دون أن ينتبه لنوايا الكتخدا وقد مرّ أن للعدلي دخلا عظيما في محاسبة الوالي السابق عن (الميري) فتولدت بينهما الشحناء لحدّ أن وصلت إلى سمع السلطان فورد من جانبه خضر آغا من رؤساء الحجّاب ليكون حكما عدلا فعقد لمرات مجلس أشراف وجمع فيه من له وقوف على القوانين فلم يتمكن من فصل النزاع بوجه بل فتحت أبواب العداء بينهما حتى أن العدلي تطاول على الآغا فرجع إلى دولته مملوءا غيظا ... وحينئذ انتهى العام.

وفاة مفتي الموصل :

في هذه السنة توفي محمود بن عبد الوهاب (١) الموصلي الحنفي مفتي الموصل ورئيسها المشهور بالعلوم الشرعية والفنون العقلية. ولد بالموصل ونشأ بها وتفنن في علم النظر والكلام والحكمة. برع في جميع ذلك ورحل إلى حلب وأخذ بها عن النجم الحلفاوي. وإبراهيم الكردي ، وأبي الوفاء العرضي والجمال البابولي (كذا) وغيرهم ، وأجازوه. ورجع إلى بلده. مكث مدة ، ورحل إلى الديار الرومية ، وأخذ

__________________

(١) في خلاصة الأثر عبد الله بدل عبد الوهاب وفي عمدة البيان جاء التصحيح من أحد أحفاد المفتي وهو محمد أمين بن إبراهيم من آل ياسين المفتي ابن المترجم. ذكر أنه ابن عبد الوهاب.

١٢٢

عن جمع بها ، ثم ولي افتاء الموصل. رجع إليها وأقام بها يشتغل بتدريس العلوم وتخرج به جماعة. كانت المسائل المشكلة ترد عليه فيجيب بأحسن جواب. وكان عارفا بالعربية والفارسية والتركية.

ومن مصنفاته :

١ ـ حاشية على التلويح.

٢ ـ حاشية على البيضاوي.

وله نظم حسن. وكان ذا دين متين وتقوى صادق اللهجة. حجّ سنة ١٠٨١ ه‍ وأخذ عنه جماعة بالحرمين ، منهم الشيخ مصطفى بن فتح الله ، وأجازه بإجازة منظومة. ولما رجع من الحج توفي بحلب ودفن فيها سنة ١٠٨٢ ه‍ عن نحو ٨٣ سنة (١).

وهذا هو والد ياسين افندي المفتي في الموصل وتعرف أسرته بآل ياسين المفتي.

حوادث سنة ١٠٨٣ ه‍ ـ ١٦٧٢ م

والي البصرة :

هذا الوزير استولت عليه الأمراض فوافاه أجله. وبناء على إنهاء والي بغداد عهد بها إلى والي الموصل حسن باشا الچلبي وكان في بغداد (٢).

مصطفى العدلي :

وهذا فرح بمصاب الوالي فرحا لا مزيد عليه ، فتجدد نشاطه إلا أن خضر آغا شكاه لدى السلطان وأبدى كل مثالبه فاشتد غضب السلطان

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ٤ ص ٣١٩ وعمدة البيان.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠١ ـ ١.

١٢٣

بعد أن عرف أنه سبب الفتنة فأرسل الميرا خور الثاني وبيده فرمان الاعدام فورد بغداد وألقى القبض على العدلي وعلى عبد الله الدفتري من أهل الفتنة فأعدما.

ثم إن منصب كتخدا وجه إلى عوض آغا. وهذا كان من أتباع العدلي وممن رشحه لمثل هذا المنصب وكان لا يعقل (١).

الغلاء في الموصل :

حدث الغلاء في الموصل. فكان تاريخه (الغبن) (٢).

وفاة الشيخ محمد الاحسائي :

توفي الشيخ محمد الاحسائي بن أحمد نزيل بغداد. كان من العلماء المحققين قرأ ببلاده على الشيخ إبراهيم الاحسائي المتوفى سنة ١٠٤٨ ه‍ (٣) وأخذ ببغداد عن مفتيها الشيخ مدلج.

وله مؤلفات منها :

١ ـ حاشية على شرح الألفية للجلال السيوطي. عندي مخطوطة منها.

٢ ـ كتاب التعريفات.

٣ ـ شرح تهذيب المنطق.

٤ ـ شرح القدوري في الفقه.

توفي ببغداد في هذه السنة ودفن (بجامع الأحسائي) ويسمى اليوم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠١ ـ ٢.

(٢) خلاصة الأثر ج ١ ص ١٨.

(٣) عمدة البيان.

١٢٤

(تكية الخالدية) نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي (١) ...

حوادث سنة ١٠٨٤ ه‍ ـ ١٦٧٣ م

طاعون وجراد في الموصل :

جاء الجراد النجدي الأصفر إلى الموصل. وكان وقع الطاعون الكبير فيها (٢).

جامع الشيخ عمر السهروردي :

إن الشيخ عمر السهروردي من رجال الصوفية وإن جامعه خلا عن السكان وصارت أطرافه بوارا من جراء قلة المياه. فهذا الوزير عمّر كردا (بئرا) على شاطىء دجلة واتخذ ساقية من مكان البئر إلى مقام الشيخ عمر أجرى فيها الماء من دجلة ، واتخذ هناك جنينة وأنشأ داري سبيل يتروى بهما الناس فصار الجامع والتربة منتزها للخاص والعام ... والطريقة السهروردية ذكرتها في كتاب (الطرق والتكايا في العراق).

حوادث سنة ١٠٨٥ ه‍ ـ ١٦٧٤ م

ساقية الشيخ عمر السهروردي :

أراد هذا الوزير أن تكون هذه الخيرات مدى الأيام فعمر لها في هذه السنة سوقا في باب (المدرسة المستنصرية) واشترى أملاكا أخرى فأرصدها عليها. ولا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن وخيراتها عميمة (٣).

__________________

(١) خلاصة الاثر ج ٤ ص ٣١٣ وكتاب المعاهد الخيرية وفيه تفصيل.

(٢) عمدة البيان.

(٣) كلشن خلفا ص ١٠١ ـ ٢.

١٢٥

سدة الأعظيمة :

كانت مياه دجلة استولت على قصبة الأعظمية فهدمت الدور وخربت البساتين والحدائق ، فالوزير عرض ذلك على دولته فورد إليه الأمر بعمل سدّة عظيمة خصصت لها مبالغ كافية يصرف عليها من دراهم الارسالية. وبينما أعدّ لوازم التعمير وهيأها وباشروا في البناء إذ وقع عزله فلم يتم العمل في وقته (١).

جامع حسين باشا :

كان الشيخ إبراهيم الفضل من المشايخ المعروفين وقد شارف مرقده على الاندثار بتوالي الأيام. وكان الكتخدا عوض آغا قد بذل المبالغ المقتضية والوافية فبنى هذا الجامع وأعدّ كل ما يحتاج إليه.

كان هذا الوزير معروفا بحسن الحال. أكثر أوقاته يقضيها في الصلوات والعبادات إلا أنه كان ساذجا يخدع بسهولة كما أنه أودع أمور الإدارة إلى أرباب الأغراض فلم تجر الأمور كما يراد.

صار ألعوبة بأيدي أعوانه. وإن صاحب گلشن خلفا وصف كتخداه بما وصفه. وعلى هذا عزله وحبسه بسعي من أرباب الأغراض بقصد الوقيعة به ، وضيّق عليه بالتعذيب فضبط جميع أمواله ونفاه إلى البصرة. لما علم من سوء حاله وأنه سرق الأموال حتى من مداخل نفس الوزير فبنى بها الجامع. ولذا نسب إلى الوزير دونه. ولعله حسده على عمله ، فاشتهر باسمه. وإلى الآن يسمى جامع حسين باشا (٢).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ١ والمعاهد الخيرية.

١٢٦

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني

كان للوزير وكيل خرج خاص يقال له مصطفى آغا الجراح وهو امرؤ حلب الدهر اشطره وذاق حلوه ومرّه. سلك سبيل الخير فبنى لهذا الجامع طارمة وعمّر المرقد واتخذ صفة ورتب المصلى فكان هذا منه فعلا جميلا وعملا مبرورا (١).

الوزير والبصرة :

هذا الوزير عزل من بغداد فوجّه إليه منصب البصرة. وكانت حكومته بدأت في غرة محرم سنة ١٠٨٢ ه‍ وانتهت في ٢٠ جمادى الأولى سنة ١٠٨٥ ه‍.

جاءت ترجمته في تاريخ السلحدار. أصله من بوسنة. ولجماله يسمى (قز حسين باشا). كان من الغلمان أيام السلطان مراد الرابع. وصار سلحدارا فولي بغداد والبصرة ومناصب أخرى عديدة. توفي في ربيع الآخر سنة ١٠٩٨ ه‍. وكان حليما سخيا ، وله الخيرات المبرورة (٢).

وزارة عبد الرحمن باشا :

كان مدبر أمور الدولة ومنظّم أحوال الرعايا. صار آغا الينگچرية ثم ولي الوزارة. وفي أيام الوزير السابق كانت راجت شائعة بأن ايران تنوي الحركة نحو بغداد فظهرت أراجيف كثيرة وحكايات ملفقة. وهذا أكبر رأس مال لأمثال هؤلاء دائما. فولّدت هذه ركودا في الأعمال وتوقفا في التجارة والذهاب والإياب. فعهد بمنصب بغداد لهذا الوزير

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ١ وتاريخ العراق بين احتلالين ج ٤ وفيه تفصيل عن الجامع والطريقة.

(٢) تاريخ السلحدار ج ٢ ص ٢٩٤ ، وكلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ١.

١٢٧

وكان من آغوات الينگچرية فجاء على عجل. أعماله حكيمة. نشر بساط الامن والأمان وضرب على أيدي العتاة وعمّر القلعة وأحكم الابراج ووفر المؤونة وأكثر المعدات. وبهذا أزال عن القلوب الارتباك والاضطراب.

راقب أحوال الموظفين فمنع من الظلم. فكان ذلك دواء عاجلا وتدبيرا نافعا أراح به الناس فصحح الأفكار وعدّل أمزجة الناس وأزال الخوف.

ولا تزال آثاره الخيرية باقية. كان كريما سخيا وحيدا في بذله وإنعامه يرعى أرباب الفنون ويمنح الشعراء الصلات العظيمة. ولكن المؤسف أنه كان مدمن الخمر ولا يبالي من الفحشاء (١).

حوادث سنة ١٠٨٦ ه‍ ـ ١٦٧٥ م

جامع الشيخ معروف :

إن الشيخ معروفا الكرخي من أكابر الصوفية ومقتداهم وكان جامعه محتاجا إلى بعض التعميرات والترميمات فقام الوزير ورتب له خطبة وخطيبا (٢).

حوادث سنة ١٠٨٧ ه‍ ـ ١٦٧٦ م

سدة الأعظمية :

في زمن الوالي السابق كان قد بوشر بعمل هذه السدة. وهذا الوزير بذل جهده لإكمالها فأتمها. ولكن لم تكن محكمة بحيث تقاوم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٢ ـ ٢ ورحلة المنشىء البغدادي وكتاب المعاهد الخيرية.

١٢٨

تيّار المياه بل عجّل في انهائها. كما أن المبالغ المرصدة لهذا الغرض لم تكف. ولذا أتمها الفقراء بطريق (السخرة) والتضييق عليهم بل لم تدفع لكثير من أهل الحقوق حقوقهم. ولما طغى الماء جرفها وذهب بالاتعاب لعدم اتقان العمل ومن جراء التضييق على الناس. فنال الأهلين ما نالهم من الغرق (١) ...

مدة حكم الوزير :

دامت من ٢١ جمادى الأولى سنة ١٠٨٥ ه‍ إلى ٢٦ صفر سنة ١٠٨٧ ه‍.

وجاء في تاريخ السلحدار أنه ألباني. دخل في زمرة الينگچرية حتى صار آغا. ثم ولي بغداد. ومناصب عديدة. واستشهد في حرب (بدون) في سنة ١٠٩٧ ه‍. مدح شجاعته وقال بلغ من العمر ٨٠ سنة (٢).

الوزير قبلان مصطفى باشا :

له صولة غضنفر ، شجيع ، باسل ، ولذلك يعرف بقبلان مصطفى باشا أي النمر. ولي بغداد فبسط الأمن وقضى على أهل الشر والشقاء ... وبينا هو مشغول في ذلك إذ حدث أن رئيس العسس بمقتضى السياسة كان باشر صلب أحد السرّاق المتهمين ممن ليس لهم مكانة معروفة في رأس الجسر. وحينئذ حدث نزاع بين أحد الينگچرية وأحد السكبانية فمال جماعة إلى كل من المتخاصمين واشتدت المعركة.

ولما سمع الوزير توجه نحو محل المعركة فولّد نبأ مجيئه هيبة فسكن الأمر قبل وصوله. وحينئذ عاد لمحله وفي أثناء عودته تجمّع قسم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ١.

(٢) تاريخ السلحدار ج ٢ ص ٢٥٩.

١٢٩

من الينگچرية بسبب سوء تدبير آغواتهم. وعجلوا بالذهاب إلى باب الباشا وباب الكتخدا. هاجموهما وقتلوا بعض الأبرياء. هذا ما دعا إلى تشوش الوالي. ولذا جمع من ساعته أتباعه ولواحقه ومنع من ورود أي أحد من هؤلاء العتاة فأظهر قوّته وأبدى شجاعته فقطع دابر الكيد. ولما وافى الليل ترك هؤلاء الخصومة وذهب كل إلى محلّه. ولكن آغا الينگچرية حاذر أن يتهم بسوء التدبير فاتهم رئيس العسس والصوباشي. ذلك ما أدى إلى اعدام هذين البريئين.

وأعمال هؤلاء لم تقف عند هذا الحد في بغداد وإنما تفاقم شرهم وإن صاحب گلشن خلفا كان معاصرا لهذه الحوادث وأشخاصها ولذا نراه لا يلوم نفس الينگچرية بصورة عامة ، بل كان يندد بأناس معينين حذر الوقيعة به (١).

امارة الحج :

كانت القافلة التي تذهب إلى حج بيت الله الحرام يتولى شؤونها أمير يسمى (أمير الحاج). وهؤلاء كان كل منهم يتخذ الوسائل لنهب الأموال والاستفادة من هذه الطريقة. فيضرون بالناس. ومن آخرهم منيهاج أمير الحاج. فأقصى الوزير هذا الأمير ووجه الإمارة إلى أحد آغواته المسمّى (بكتاش). وهذا جاهل ، قليل الفهم. ومن سوء تدبيره وتقصيره لم يستطع الحجاج أن يحجّوا ولم يتيسر لهم الوقفة بعرفة بل عادوا وكانوا حينما ذهبوا من المدينة لمسافة ثلاث مراحل أو أربع هاجمهم العربان فسلبوا الكل من رجال ونساء بحيث صاروا عراة. ولما لم يقدر الكثيرون منهم على المشي وليس لديهم ما يقتاتون به ولا ماء يشربونه هلكوا ولم ينج إلا قسم منهم (٢). استكثروا هذه الإمارة وأرادوا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ١.

١٣٠

١٣١

أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.

حوادث سنة ١٠٨٨ ه‍ ـ ١٦٧٧ م

مسناة الأعظمية :

كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضى عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر على دولته والتمس أن يساعد فوافقت على المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش وأن يستوفى من خزانة بغداد والبصرة. فبذل الوزير أقصى جهده لعمارة هذه المسنّاة وإكمالها وإتقان صنعها فجاءت محكمة ، قوية جدا. وفي هذه المرة لم يتضرر أحد ولا قطع من أجورهم شيء ولا تأخرت. ولكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير (١).

جامع القبلانية :

هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) ومرقده (كذا) وأن يبنى مجددا فقام بذلك وعين له خطيبا وخداما فأحياه وصار زينة لسوق السرّاجين ... والآن يسمى (جامع القپلانية) وترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره (٢). وهذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. والتحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).

ولاية البصرة :

ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخرى لمحافظة البصرة فمر ببغداد وإثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ٢.

١٣٢

زيارة وعزل :

كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلى زيارة الأولياء. وفي شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) والإمام علي (رض) فقضى بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله ومدة حكومته من ٢٧ صفر سنة ١٠٨٧ ه‍ إلى ٣ من شهر رمضان سنة ١٠٨٨ ه‍ (١).

حوادث سنة ١٠٨٩ ه‍ ـ ١٦٧٨ م

الوزير عمر باشا :

إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. وعقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد وشرع في أعمالها (٢) ...

الينگچرية في بغداد :

كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد وتحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها ... وهذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد وسمع الشيء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد وصارت لهم قدرة على الإدارة ... فاقتضى رفع أكثر هذه الوظائف منهم وأقيم مقامهم غيرهم من الجند وأبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد ...

جاء الآغا الجديد ومعه أولئك وكل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار وسمعة ... ومن مجرى الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٣ ـ ٢.

١٣٣

في أواسط سنة ١٠٨٩ ه‍ وخرجوا عن الطاعة وفي اليوم الثالث أخرجوا الآغا وقتلوه معلنين عصيانهم.

وفي اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.

وفي اليوم الخامس انتهى الاضراب وانجلت الغمّة. وفي خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن والاضطرابات وزالت الغائلة. وعلى كل حال كان النفوذ مستمرا ، وإن الحكومة لا تقدر أن تتسلط على متنفذيها كما أنها تخشى الأهلين أكثر (١).

جاء في تاريخ الغرابي :

«في سنة ١٠٨٩ ه‍ ثارت فتنة عظيمة في بغداد ، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا ، وصار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. وبقي إلى الآن وهي سنة ١٠٩٩ ه‍ تلك الآثار. نسأل الله أن يصلح الأحوال.» اه (٢).

وهذا يدل على ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخرى سنة ١١٠٠ ه‍ فقتلوا أخاه.

قبيلة بني لام :

وفي هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) وألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة وجعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتى أنه تجاوز حدود الحويزة وسار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم وأوقع

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ١.

(٢) تاريخ الغرابي ص ٢٠١.

١٣٤

بهم ما أراد فانتقم منهم وقضى على عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا (١) ...

وهذه العشيرة من طيىء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).

حوادث سنة ١٠٩٠ ه‍ ـ ١٦٧٩ م

تبديل والي البصرة :

في هذه المرة وجه منصب البصرة إلى الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخرى. فمر ببغداد ومنها مضى إلى البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي وتوجه لجهة الروم (٢) ...

الوزير عمر باشا ـ اعماله الخيرية :

١ ـ تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات ، مائلا إلى أعمال البر ولم يغفل عن التزود للآخرة. ولذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم ورمّمها وجعل الحديقة بهجة للناظر ...

٢ ـ تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا واتخذ عليه قبة ورواقا وعين له خداما وأرصد أوقافا جديدة (٣).

٣ ـ المدرسة العمرية : بنى مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع ، اتخذ فيها غرفا وعيّن لها مدرسا ومحدّثا وطلابا. وبين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة ١٠٩٠ ه‍.

أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية ، وجاء في رحلة السويدي ما نصه :

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ١.

(٣) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ١.

١٣٥

«أرسلنا عمّنا إلى الشيخ حسين نوح ... لنتعلم العلم وكان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه الله وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف والميم ، ملاصقة له ...» اه.

وأوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح ، وإنما كان نوح عمّه ، رباه فعرف به. والشيخ حسين من أهل حديثه. وكان نوح من العلماء العاملين والنسّاك الصالحين. ومن آل نوح يحيى أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة ١١١١ ه‍ (١).

هذا وإن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها وإنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد الله السويدي. وبهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي (٢).

حوادث سنة ١٠٩٢ ه‍ ـ ١٦٨١ م

سدّة الأعظمية :

في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود وبنى في رأس المسناة مسجدا (٣) ...

خان ازاد :

في الجانب الغربي الخان المسمى بهذا الاسم تنزله الرواحل

__________________

(١) مخطوطات الموصل ص ٣٤ ومجلة (لغة العرب) ج ٧ ص ٢٣٢.

(٢) تاريخ مساجد بغداد ص ١٣٤ وكلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ١ ورحلة الشيخ عبد الله السويدي المخطوطة عندي.

(٣) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

١٣٦

والقوافل ، ومن مدة طرأ عليه الدمار وصار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره وتحصينه وتعيين خدّام ومحافظين له لغرض راحة ابناء السبيل ، وهذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه وزالت في هذه الأيام. يقع على يمين الذاهب إلى المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. والآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية وتتصل بها بساتين.

ولا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها وقربها من نهر اليوسفية (١).

عزل الوالي :

كانت ابتدأت ولايته في ٣٠ شهر رمضان سنة ١٠٨٨ ه‍ ودامت إلى غرة جمادى الأولى سنة ١٠٩٢ ه‍ (٢).

الوزير إبراهيم باشا :

ولي الوزارة في عنفوان الشباب. وكان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) وإثر ذلك نال منصب بغداد (٣).

حوادث سنة ١٠٩٣ ه‍ ـ ١٦٨٢ م

توجيه المقاطعات :

غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. وبسبب تداخل الشهور العربية والرومية يقع تداخل في

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

(٣) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

١٣٧

المحاصيل ويحدث خلل في أمور الموظفين والرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك على دولته فورد الفرمان في ١ أيلول الموافق (٩ رمضان المبارك) ومن ثم جرى العمل على ذلك ودوّن في دفاتر خاصة (١).

خاقان ما وراء النهر :

مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت الله الحرام ، وكان قد قضّى أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة ١٠٩١ ه‍. وخلفه سبحان قلي خان. ودامت حكومته إلى سنة ١١١٤ ه‍ (٢).

وفي تاريخ الغرابي :

«في سنة ١٠٩٣ ه‍ أتى إلى بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة وترك أخاه سبحان قلي خان مكانه وتوجه إلى الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة وكانت الغلبة له. فلما قضى حجه وزار النبي صلّى الله عليه وسلّم توجه في البحر قاصدا الهند ، فلما وصل إلى (مخا) حان أجله فدفن هناك وبعد أشهر نقلوه إلى المدينة المشرفة ودفنوه في البقيع عند تربة والده وجده بين قبة العباس وبين قبة عائشة (رض).» اه (٣).

مذنب هاللي :

وفي هذه السنة ـ كما قال الغرابي ـ ظهر ما بين القبلة والمغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. وهذا هو النجم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ١٠٤ ـ ٢.

(٣) تاريخ الغرابي وكتاب دول إسلامية ص ٤٣٥.

١٣٨

المعروف ب (هاللي) وهو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب) (١).

عصيان العشائر :

هذا الوزير قضى على عصيان الداخل والخارج بقوة وتدبير ، فجعل القوي ضعيفا. وتمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ والطاعة وأمن أبناء السبيل والمارة من أضرارهم وخسائرهم.

الينگچرية أيضا :

وفي أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد وحين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب وتصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم وترهيب من جهة فسكنوا نوعا.

وفي السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة وتحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدى ذلك إلى معارك استخدموا فيها البنادق والمدافع.

وفي هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة ولم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلى محله. وعلى كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها ، فلم ينجع فيهم دواء ، وعادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة ... ولا فرق بين القدماء منهم والحديثين.

__________________

(١) تاريخ الغرابي.

١٣٩

اليساقجية :

هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين برديء أعمالهم فأقصاهم وقضى على ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة وأفعال شائنة (١) ...

طربزون الجسر :

ومن أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره والسير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام. ويعرف ب (المحجر).

جامع سلطان سيد علي الجلبي :

وهذا الجامع على شاطىء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع وعيّن له خطيبا وخدما وقرر وظائفهم ، ويسمى اليوم (جامع السيد سلطان علي) (٢).

عبد القادر البغدادي :

عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله

«الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف والتضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا على أقسام كلام العرب النظم والنثر ، راويا لوقائعها وحروبها وأيامها وهو أحسن المتأخرين معرفة باللغة والاشعار والحكايات البديعة مع التثبت في النقل

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٠٥ ـ ١.

(٢) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٢ ، وكلشن خلفا ص ١٠٥ ـ ١ ، والمعاهد الخيرية وفيه تفصيل.

١٤٠