موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

جدده الوالي ولم يقل أصلحه بل الشعر يشير إلى أنه من عمله (١). ثم عاد إلى بغداد. استراح بضعة أيام خارج البلد. فعزم على زيارة الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي (رض). وفي هذه المرة أوجد الرهبة في قلوب تلك الانحاء ... تجول ثم عاد. ومن ثم ذهب البرد وأقبل فصل الربيع ...

نظم بهارية وقويم الفرج بعد الشدة :

في فصل الربيع نظم المولوي صاحب قويم الفرج (بهارية) تركية في مدح الوزير قدمها إليه وهو في بستانه الذي كان عمره سنة ١١٢١ ه‍. كان تاريخها (باغ حسن). وفيه تورية (بستان حسن) أو بستان الوزير حسن باشا.

وهذه البهارية راقت للوزير. وعلى هذا ونظرا للاستحسان كتب تاريخه (قويم الفرج بعد الشدة) بعد هذا التاريخ ...

ثم ختم كتابه بها. وصف الربيع والبستان وخصائل الممدوح ودعا له ولابنه احمد بك. ثم قدمه بعريضة منظومة في بيتين وأنهى المقال (٢).

ولله دره من أديب اشتهر شعره في بلاد الترك فكان يعد من أدبائهم ومن المؤسف أن لا يشيروا إلى كتابه قويم الفرج وهو من أجل الآثار التاريخية لهذا العصر في قطرنا. وإن صاحب الحديقة كان ينقل منه حرفيا ويختصر أحيانا ويحيل إليه أخرى وسماه (المؤرخ المولوي).

وقف قلم صاحب قويم الفرج عند هذا. وتوفي سنة ١١٥٣ ه‍ وأما المصادر التاريخية عن الوقائع التالية فإنها في الغالب تعوّل على گلشن خلفا ، والحديقة وسائر المراجع المعاصرة والتواريخ الرسمية. وفي هذا العهد تكاثر المؤرخون منا. دونوا ما أمكن. وصل إلينا منها ما تمكنا

__________________

(١) ماضي النجف وحاضره ص ٥١.

(٢) لغة العرب ج ٨ ص ٥٨٨ وعشائر العراق ج ٢.

٢٢١

من العثور عليه مما يوضح في محله.

هذا ثم حصلت على مجموعة خطية فيها قصائد عديدة عربية وتركية وغالب التركيات من نظم يوسف عزيز المولوي أكمل بها وقائع الوزير حسن باشا إلا أن حوادثها لم تتجاوز سنة ١١٣٠ ع. ومنها علمنا ضبط التاريخ في الشعر.

عصيان الببه (بابان):

ثم شق عصا الطاعة أمير لواء ببه (بابان) وهو (مير بكر) على ولاة شهرزور واستولى على ما حوله من البلدان والأهلين. قتل جملة من الأبرياء من أقاربه وفيهم الأطفال والصبيان فلم يأمن أحد على ما بيده ولا على نفسه وماله فدعت الضرورة إلى لزوم انقاذ الناس من شره. قام الوزير عليه ليردعه من أمثال هذه الفعلات الجائرة. ولما كان في أماكن جبلية ، صعبة المنال ، شاهقة لا يتيسر الوصول إليها. أو اجتياز عقباتها ... تأهب للمقاومة. أما الوالي فإنه لم يبال بكل هذه الصعاب وتقدم إليه غير مكترث بالأخطار والأهوال ولا العقبات غير ناظر إلى كثرة أعوانه فقابلهم وحاربهم فكان النصر حليف الوزير فلم تمنعهم القوة ولا خطورة المواقع فكانت النتيجة أن تشتت شملهم وصار أكثرهم طعم السيوف ففر الثائر. حاول انقاذ حياته دون أن يتولى أمر الحرب ...

ونصب الوزير أميرا غيره وعاد منصورا ومن غريب أمر هذا أنه بدل قيافته وجاء إلى أطراف بغداد متنكرا فعرف فألقى القبض عليه من جنود الوزير فأمر الوزير بقتله في بغداد فقتل (١). والظاهر أنه حاول الدخالة على الوزير وطلب العفو فعرف قبل أن يقدم الدخالة.

__________________

(١) الحديقة وكلشن خلفا ص ١٢٨ ـ ١.

٢٢٢

حوادث سنة ١١٢٧ ه‍ ـ ١٧١٦ م

أمير الحويزة وعشيرة بني لام :

ثم جمع أمير الحويزة المولى عبد الله رجاله وجنوده الوافرة وأمير (الفيلية). قصدوا غزو بني لام. فلما سمعوا تحصنوا بجزيرة الجوازر. خافوا أن يوقع بهم. فأخبروا الوزير بما جرى. يطلبون تخليصهم من صولة هؤلاء وتأمين القرى. فأمر الوزير عساكره في تلك الأنحاء أن يمدوا بني لام ويعاضدوهم. إذ لم يظهر منهم في هذه المرة تعدّ. وحينئذ حصل لبني لام الفرح من نصرة الجيوش. قوي عزمهم واشتدوا على المقاومة. ولما جاء العجم وبارزوهم لم يلبثوا إلا قليلا حتى هربوا فكثر فيهم القتل ولم يسلم منهم إلا القليل. تركوا خيامهم وفروا. فاغتنمت الجنود أموالهم وأثقالهم وانتهت الوقعة بخذلان أمير الحويزة.

اليزيدية :

ثم هاجم الوزير اليزيدية في سنجار. وكانوا في ذروة منه يقال لها (دير العاصي). وبعد أن جرت حرب عظيمة فروا إلى الخاتونية وهناك تحاربوا ، فلم تنجع الوسائل ولم يروا بدا من التسليم. وقتل منهم ديللو ، ومندو وعباس أخو مندو ، وخركي ، وسواس من مشاهير رجالهم.

خرج الوزير في ٢٨ من ربيع الآخر من بغداد ، ووصل إلى انحاء سنجار في ١٧ رجب وفوض أمرهم إلى رئيس طيىء محمد الذياب والتفصيل في (تاريخ اليزيدية).

وجاء مدح الوزير في قصيدة تركية مؤرخة في سنة ١١٢٧ ه‍. وفيها يقول أزلت من البين اسم أهل الشقاء وقطعت دابر اليزيدية الكفرة فلك الأجر فيما قمت به من صولة لم يسبقك إلى مثلها سابق ...

٢٢٣

وهناك قصيدة أخرى ذكر فيها جبل سنجار وهي طويلة من نظم يوسف عزيز المولوي. وأخرى كذلك.

طارمة لمشهد الإمام الحسين :

في هذه السنة عمر الوزير طارمة الحضرة الحسينية. ومدحه يوسف عزيز المولوي بقصيدة.

شهرزور :

أنعمت الدولة على أحمد باشا ابن الوزير حسن باشا بإيالة شهرزور فقام بأعبائها. وهذا أول منصب عهد به إليه ، وفي السنة التالية ولي البصرة (١).

حوادث سنة ١١٢٨ ه‍ ـ ١٧١٦ م

أرسل الوزير مددا لدولته بناء على طلب منها خمسمائة من فرسان الأكراد مع كتخداه وصهره عبد الرحمن آغا لحرب النمسة ثم عاد. ومن ثم أنعمت عليه الدولة بإيالة شهرزور فوافاها وباشر إدارتها (٢).

مسناة جسر بغداد :

ومن مآثر هذا الوزير أنه أمر ببناء مسناة لجسر بغداد ، فتمت وأن الحاج محمد جواد عواد مدح الوالي عليها في قصيدة أوردها في ديوانه (٣). وجاء في كلشن خلفا أنها بنيت سنة ١١٢٩ ه‍ (٤).

__________________

(١) حديقة الزوراء ، وكلشن خلفا ص ١٢٨ ـ ٢. وفي هذا ما يدفع النصوص المتأخرة ، والعبرة لأقدم نص عرف ، فلا يلتفت إلى غيره.

(٢) كلشن خلفا ص ١٢٩ ـ ١.

(٣) ديوان محمد جواد عواد ص ١٠ ، عندي نسخة مخطوطة منه. وكان شاعرا فاضلا.

(٤) كلشن خلفا ص ١٢٩ ـ ١.

٢٢٤

وفي قصيدة أخرى من مجموعة مخطوطة جاء ما يؤيد أنها بنيت سنة ١١٢٨ ه‍.

وفي قصيدة تركية جاء التاريخ سنة ١١٢٧ ه‍. والظاهر أن الشروع بالبناء كان في هذا التاريخ.

والملحوظ أن الجسر قد بدأ فتحه في تاريخ المسناة أو قبل ذلك بقليل واتخذ الطريق من المستنصرية فهدمت بعض نواحيها وجعلت طريقا وإلا فلم يكن الطريق من هناك وإنما كان من تجاه قلعة الطيور في جهة القلعة قرب النجيبية (المستشفى الملكي) اليوم.

حوادث سنة ١١٢٩ ه‍ ـ ١٧١٧ م

عشيرة الجاف :

هاجمت على حين غفلة أنحاء بغداد فقتلت عثمان بك أمير باجلان مع اثنين من اتباعه. ونهبت الأموال فلما سمع الوزير عزم على التنكيل بها فلم تستطع المقاومة ولكنه عقبها عدة منازل فلم يظفر بها. تحصنت بالجبال المنيعة. ولذا عاد الوزير وكتب إلى دولة ايران بما جرى. وحينئذ غضبت على موظفيها وعزلتهم على تهاونهم في ضبط هذه العشيرة وأعطت دية المقتولين (١).

قنطرة الذهب أو آلتون كوبري :

عرفت من أيام السلطان مراد الرابع ، بل قبله ، وقبل دخول العثمانيين العراق وردت في تاريخ الغياثي. وفي هذه المرة عمرها الوزير حسن باشا سنة ١١٢٩ ه‍. وتقع في طريق كركوك ـ الموصل. فهي مهمة من الوجهة العسكرية ، ومن جهة أنها على الطريق العام. طلب من دولته

__________________

(١) عشائر العراق ج ٢ ص ٢٨ وفيه تفصيل.

٢٢٥

أن تساعد في أمر عمارتها ، فوافقت. وكان يتعسر اجتيازها. وتقع على نهر الذهب (آلتون صويي) فقام الوزير بالمهمة ، ونصب لها محافظا فصارت هذه القنطرة محكمة ومتينة (١). والزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف باللفظ. وسمي نهر الذهب وقنطرته عرفت به. ومنهم من يقول إن أصل اسمه (زي) وزي آب أو زاب تعني نهر زي بالكردية. وزي بار أو زنيبار العشيرة التي تسكن جانبا منه إلا أن التسمية ب (آلتون صويي) و(آلتون كوبري)ترجمة نهر الذهب وقنطرته وكان قديما يقال له (نهرالذهب) (٢)

قناطر أخرى :

رأى الوزير في طريقه قناطر أخرى مهدمة منها قنطرة على (نهر چمن) ، وأخرى على (نهر نارين). وقنطرة على (چوبين). فأمر ببناء هذه القناطر من صخور ، وجعل نفقاتها من كيسه الخاص. وبذلك سهل طريق المرور (٣).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٢٩ ـ ١.

(٢) علق الدكتور مصطفى جواد فقال : سماه الترك (آلتون صويي) أي نهر الذهب.

وزاب قريبة من لفظ (ذهب) حصل تصرف في اللفظ. والساميون قدماء في تلك الأصقاع. وفي أنحاء الفرات عرفت هذه التسمية. وهل هنا وجه للغرابة وأكثر الألفاظ للمواقع هناك سامية وأنها كانت مسكونة بأقوام ساميين وكيف يرجح أن يكون زاب من قدماء ملوك الفرس ، وهو زاب بن توكال بن منوشهر بن ايرج ابن أفريدون وأنه حفر عدة أنهر في العراق مع العلم بأن هذه الأنهار طبيعية ...!! وأن الإيرانيين ينسبون كل مأثرة لملوكهم ...!! ويتعصبون. ألم يكن هذا محل نظر؟ مع أنني قلت : «والزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف في اللفظ».

وذكرت ما نقله صاحب الشرفنامة من قول وبنيت المطالعة ولم أقطع. ولعل اللغة الكلدانية ، أو اللغة الآشورية تذكر اسم الذهب. ومن ثم تسهل التسمية به. وإنما ذكرت ذلك مطالعة.

(٣) كلشن خلفا ص ١٢٩ ـ ١.

٢٢٦

حوادث سنة ١١٣٠ ه‍ ـ ١٧١٨ م

عشيرة بني لام أيضا :

إن شيخ بني لام عبد العال عاد إلى ما هو عليه فاتفق مع أمير الحويزة ، فعاث بالأمن ونهب سفن التجار. ولذا أرسل الوزير كتخداه عليهم فدخلوا أراضي الحويزة وكان أميرها المولى عبد الله وفي هذه المرة ساعد الجيش في الدخول فتحارب مع بني لام ، فانتصر عليهم بعد أن عبر (نهر الكرخة) حتى وصل إلى قرب نهر كارون فدامت الحرب ساعات ومن ثم انكسر بنو لام. وتركوا ما معهم وهربوا. ففرح الوزير بهذا وألبس كتخداه خلعة (١).

كلشن خلفا

تمّ تاريخ گلشن خلفا المدون باللغة التركية في حوادث هذه السنة. ويعد من تواريخ أيام هذا الوزير. بينا عن حياة مؤلفه وكتبه التاريخية في مجلة لغة العرب. وهنا أقول : إن هذا المؤرخ أكمل تاريخه عام ١١٠٠ ه‍. كتبه باسم الوزير عمر باشا وختمه إلا أنه بعد ذلك لم تنقطع يده منه ، وصار يدوّن ما كان يجري في أيامه مستمرا في عمله. زاد عليه وأكمله في سنة ١١٢٩ ه‍ وختمه في نهايتها بذكر مناقب هذا الوزير. ولكنه استمر بعدها أيضا فذكر في عام ١١٣٠ ه‍ وقعة بني لام المارة الذكر ووقف عندها بعد أن مضت مدة ثلاثين سنة على تقديمه إلى عمر باشا ، فجاء بما يهم من الوقائع. ولا شك أن وقائعه من أواخر المائة الحادية عشرة إلى هذا التاريخ تعد من الوقائع المعاصرة والجمع بينه وبين تاريخ الغرابي أدى إلى أن تكمل وقائع بغداد بل العراق إلا أن التفصيل في قويم الفرج زائد جدا.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٣٠ ـ ١.

٢٢٧

أوضحت عنه في كتاب (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني). وكتابه گلشن خلفا طبع في مطبعة إبراهيم متفرقة باستنبول في غرة صفر سنة ١١٤٣ ه‍. فكان من أوائل مطبوعات هذه المطبعة وهي أول مطبعة في المملكة التركية. وعندي نسخة مخطوطة قديمة منه. إلا أنها غير مؤرخة.

هذا ، وإن صاحب الحديقة أخذ عن گلشن خلفا لما جاء بعد قويم. ذكر مناقب الوزير وحادث بني لام منه (١).

حوادث سنة ١١٣١ ه‍ ـ ١٧١٨ م

عشيرة بني لام :

حدث خلاف بين بني لام بعضهم مع بعض فتقاتلوا وأدى ذلك إلى وقائع مؤلمة. فلما وصل الوزير إليهم وجد أن شيخهم (فارسا) لم يتمكن من الإدارة فعزله ونصب الشيخ عبد السيد من بيت الرئاسة ثم رتب أمورهم وقفل راجعا إلى بغداد.

عشيرة بلباس :

ثم أرسل والي كركوك أميرا على بعض الجنود إلى بلباس تجرأوا على الناس فأوقفهم الوالي عند حدهم وأخمد غائلتهم وشتت شملهم فعاد الجيش ظافرا.

بابان :

كان تغلب بكر بك من أكراد (لواء ببه) أي بابان على بعض المواطن فصارت له الشوكة والصولة ... فركب إليه الوزير بعساكره وأمرائه فأباد جمعه وخرب ربعه وقضى على ثورته ...

__________________

(١) آل نظمي في لغة العرب ج ٨ ص ١١٩ ـ ١٢٢ وج ٩ ص ٢٧٣ ومنهم مرتضى آل نظمي صاحب كلشن خلفا.

٢٢٨

اليزيدية الصاجلية :

غزا الوالي الصاجلية وهم فرقة من اليزيدية فقتل الرجال وأسر العيال واغتنم الأموال ورجع. ولعل هذه الوقعة دعت إلى انقراضهم في حين أن أوليا چلبي ذكر الشيء الكثير عنهم. واليوم ليست معروفة بهذا الاسم.

الخزاعل :

دخل الشيخ سلمان الخزعلي بغداد خفية وكان هرب إلى بلاد العجم. جاء إلى الوزير مبديا العذر وطلب أن يعفى عنه فقبل الوزير معذرته وعفا عنه فبقي في أحسن حال ...

شيخ بني لام عبد العال :

قدم شيخ بني لام عبد العال إلى بغداد لما ضجر من حالته في البوادي. واجه الوزير فعفا عنه ولكنه رأى منه نقض العهود فلم يجعله رئيسا على عشيرته بل جعل أخاه عبد القادر.

والي الحويزة :

ثم قدم أمير الحويزة المولى عبد الله إلى بغداد ملتجئا إلى الوزير لما استوجب أن يعاقبه الشاه فأتى بعياله ورجاله. فآواه الوزير وتعهد بتخليصه بالشفاعة له.

كان هذا الأمير مهذبا كاملا وأديبا يحفظ دواوين المتقدمين. يأتي منها بالسحر الحلال وهو شاعر مطبوع ، وأديب كامل ، وعالم بالمعقول والمنقول ... أورد له صاحب الحديقة من الشعر قوله :

ظبي يتيه على الأسود بفتكه

و يريك بدر التمّ عند شروقه

٢٢٩

ثملان من خمر الدلال كأنما

كأس الحميّا ركبت بعروقه

يختال في حلل الشباب كأنه

قوس السحاب بدا خلال شروقه

لا والذي أولاه صعب مقادتي

و أذاع علم السحر من منطوقه

ما حلت عن سنن الوداد ولم تكن

نفسي بمهملة لبعض حقوقه

ومن شعره :

ذكر العهد فهام

و جفا الجفن المنام

و فؤاد ضاع منّي

بين هاتيك الخيام

لست أنسى عهد ظبي

ناعم حلو الكلام

بين لحظيه سقام

و شفاء للسقام

فعليه وعلى لح

ظيه ما عشت السلام

وللشيخ نصر الله أبيات فيه وفي الشيخ محمود الحويزي وفي الشيخ فرج وزير المولى عبد الله أمير الحويزة ومن ثم نعلم علاقة هؤلاء بأدباء العراق.

طريق الحج :

عمر الوزير طريق الحج الذي سنته زبيدة (زوج هارون الرشيد) فذهب الحجاج فيه وجهز معهم العسكر الكثير ورتب عشرين سقاء

٢٣٠

يسقون الحجاج الماء ويحملونه على الجمال يتفقدون به الفقراء ويتقاضون متعيناتهم من أي وال كان في بغداد.

زوجة الوزير :

وفي ٢٧ شهر رمضان توفيت زوجة الوزير عائشة خاتون بنت مصطفى باشا أم أحمد باشا. دفنت في تربة السيدة زبيدة وبنى لها الوزير مدرسة لطيفة أجرى لها الماء وعين لها مدرسين ووظف لطلبة العلم موظفا في كل يوم وعين بعض المرتبات.

تربة السيدة زبيدة

(عائشة خاتون ومدرستها)

هذه التربة لم تكن لزوج هارون الرشيد وإنما تعود إلى (زبيدة بنت هارون الجويني) ، وأمها رابعة بنت أحمد ابن الخليفة المستعصم بالله. وللعلاقة اشتهرت غلطا بأنها زوجة هارون الرشيد. وظن المرحوم السيد محمد سعيد الراوي أنها (زمرد خاتون) فقدمت من الأدلة ما يكفي ثم ظهر ما هو منقور على ميل الشيخ عمر السهروردي من تاريخ فانتفى أن يكون هذا الميل المماثل من أبنية العهد العباسي. ولم يلتفت إلى النصوص ، ولا إلى الشهرة ، ولا إلى ما تحقق من أن مثل هذه الأبنية كانت من عمل عهد المغول مع أن المراد بمدرسة زمرد خاتون (جامع الشيخ معروف) تغلب اسمه عليها وأن تاريخ المنارة ينطق بذلك. ثم عثرت على ما يكمل المكتوب على ميل السهروردي فذكرته في كتاب (المعاهد الخيرية) فكان من أصل البناء. كتب سنة ٧٣٥ ه‍ (١).

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ١. وجريدة (البلاد) ٣ تموز و٥ و٦ و٧ آب سنة ١٩٣٥ م. وتوفي المرحوم الراوي في ٢٢ ذي القعدة سنة ١٣٥٤ ه‍ ـ ١٥ شباط سنة ١٩٣٦ م.

٢٣١

ولم يعرف دوام اسم غير اسم زبيدة وليس لزمرد خاتون ذكر. وإنما تغلب اسم (الشيخ معروف) عليها. ولا تزال (زبيدة) معروفة ولكن الناس وهموا بهارون الخليفة العباسي فكان غير صواب. وفي اتفاق الاسم ما دعا للشبهة وأوقع في الخطأ (١).

حوادث سنة ١١٣٢ ه‍ ـ ١٧١٩ م

الطاعون :

في أواخر السنة الماضية وقع الطاعون وكثرت الاصابات ويعد بالألف أو أزيد يوميا وهرب أغلب الأهلين وخرج الوزير بعساكره إلى أنحاء سامراء ، واستمر إلى أوائل هذه السنة هلك فيه علماء ومشاهير لا يحصون. ثم ذهب البؤس وزال المرض فعاد الناس إلى ما كانوا عليه. ومثل هذه المصائب بدلت الأوضاع العلمية والإدارية.

وقائع أخرى :

ثم إن الموالي والعباسيين في أنحاء حلب قد عصوا فأمرت الدولة ولاة عديدين للوقيعة بهم ومن هؤلاء وزير بغداد حسن باشا على أن يكون الكل تحت قيادة علي باشا مقتول زاده والي الرقة ولم تظهر لها نتيجة وفي كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) أن والي بغداد كان في هذه قائدا على عسكر شهرزور والموصل وديار بكر ، وأما علي باشا المقتول والي الرقة فإنه كان أمير عسكر حلب وقره مان فتناوشت العساكر والعربان من كل جانب فأذاقوهم أنواع المعاطب فزال خطرهم إلا أن هذا التاريخ ذكر الحادثة في وقائع سنة ١١٣٣ ه‍ (٢).

__________________

(١) تاريخ سليمان باشا لنشاطي وهو السيد عبد الله الفخري. عندي نسخة مخطوطة منه. وفيه بيان تاريخ المدرسة.

(٢) نهر الذهب في تاريخ حلب للغزي ج ٣ ص ٢٩٥.

٢٣٢

حوادث سنة ١١٣٣ ه‍ ـ ١٧٢٠ م

ظهرت سنة ١١٣١ ه‍ قبائل الافغان وأميرهم أويس بمظهر امارة قوية. استولت على قندهار وغيرها ، فلم يرضوا بما عندهم بل تمكنوا من مقارعة ايران فاستولوا على أصفهان قاعدة دولة الصفويين.

وفي هذه السنة والتي تليها صرفت المجهودات لحفر الخندق في بغداد وتجديده خشية أن يقع ما لا تحمد عقباه. رأت الدولة أن الافغان هاجموا بلاد ايران واستولوا على أصفهان فخافت أن يلحق ببغداد ضرر فأمرت بالتأهب للطوارىء وأن يكون الوزير على حذر ... إلى أن تأتيه القوى الكافية ...

حوادث سنة ١١٣٤ ه‍ ـ ١٧٢١ م

حوادث الافغان :

إن الصفويين آل أمرهم إلى الزوال وإن ولاتهم وأمراءهم عتوا إلى درجة لا تطاق لا سيما في بلاد الافغان ويقال إن كوركين خان أمير قندهار من الصفويين وهو كرجي الاصل تعرّض بأخت الأمير أويس الذي هو من العشائر الرحل. دعا الأمير أويس مرة أمير قندهار لوليمة فرأى أخت أويس فأعجبته. ومن ثم عمل هذا الأمير وليمة دعا فيها الرجال مع الرجال والنساء مع النساء. وبين النساء أخت الأمير أويس ، فمنع أن تعود إلى أهليها فكان ذلك داعية الهياج وأدى الأمر بأويس إلى اكتساح قندهار. قتل كوركين خان وكذا نكّل بأتباعه. وحينئذ ركب الأمير أويس في تلك الساعة مع العشيرة ودخلوا قندهار وأعملوا السيف في العجم. استولوا على المدينة سنة ١١٣١ ه‍ وبقي أويس فيها أميرا إلى أن مات كما أن ابن أخيه الأمير قاسم استولى على هراة.

وفي تاريخ راشد أوضح أن الأمير أويس ظهر سنة ١١١٨ ه‍ في أنحاء قندهار ، وكان استولى على الاطراف وقهر جيش الشاه لمرات ،

٢٣٣

فانتزع المدينة من أميرها عبد الله خان الگرجي. وضرب النقود وقرأ الخطبة باسمه. كتب على النقود هذا البيت :

سكه زد بر درهم دار القرار قندهار

خان عادل شاه عالم مير أويس نامدار

أي ضرب على الدرهم قندهار ذات القرار الخان العادل سلطان العالم الأمير أويس الذائع الصيت.

وتوفي بعد سنوات من استيلائه فخلعه أخوه إلا أنه لم يكن من رجال الحكم فخلع بعد ستة أشهر ، واختير الأمير محمود بن الأمير أويس للحكم. ولم يهدأوا من حرب ايران واستولوا على مواطن عديدة. توغلوا في كرمان والمشهد.

ثم إن هذا الأمير تقدم لاكتساح الممالك الايرانية وجهز جنوده نحو عاصمة العجم أصفهان فحاصرها نحو عامين فسلمت إليه وأطاعه كل من فيها وأسر الشاه حسينا وسجنه مدة وقيل إنه تزوج ابنته وفي تذكرة (الزاهدي الگيلاني) أن الأمير محمودا استولى على أصفهان في ١٥ المحرم سنة ١١٣٥ ه‍ وسمى كتابه (تذكرة الأحوال) عندي نسخة مخطوطة منه وفي تاريخ ايران للأستاذ عبد الله الرازي ما يؤيد ذلك (ص ٥٦٩) ... أخبر والي أرضروم حكومته في شعبان سنة ١١٣٤ ه‍ بمحاصرة أصفهان فكتب الأوامر إلى الولاة المجاورين ومنهم حسن باشا والي بغداد ليكونوا على حذر وأهبة ... وحينئذ راعى والي بغداد الحزم والحيطة فكتب كتابا إلى الأمير محمود يعرض الوقوف على الحالة. فكان جوابه أنه انتقم للأمير محمود من العجم. أرسل الحاج عثمان آغا رسولا وكان فاضلا منتبها لدخائل الأمور وظواهرها بعثه بكتاب يهنئه بهذا الفتح ويندد بالعجم ، ويبين أنهم أعداء ... فأبدى له الأمير أنه لم يقم بهذا الأمر إلا ابتغاء مرضاة الله ... وأنه مطيع لسلطان المسلمين. فرجع الرسول منه مكرما وأرسل وزيره محمد صادق خان بكتاب إلى

٢٣٤

الوزير حسن باشا ينطوي على أن الظلم شاع في ايران ، فاقتضى تأديب الفجار فطرقنا هؤلاء. طلعت جيوشنا من مدينة قندهار لتسخير ممالك القزلباش. وردنا بلدة (گلون آباد). وبعد قتال عنيف انهزموا. وهكذا مضينا إلى (فرج آباد) من بناء الشاه حسين. فابتلوا منا بأعظم داهية فولوا الادبار. ثم دمرنا جيش فارس وكان عظيما. فرأوا منا العطب. ومن ثم لم يروا بدا من الاذعان والتسليم للقدرة القاهرة ... وأبدى في كتابه الخضوع للسلطان ، ورغب أن يكونوا على الصفاء والمودة ويقدم الحرمة ويدعو إلى الألفة.

أوعز إلى الرسول أن يدقق الحالة فبين مشاهداته وذكر أن بلاد العجم صارت غنيمة باردة ومن السهل فتحها فأرسله الوزير إلى الدولة لتستطلع برأيه وتختبر منه الوضع وما عليه ايران اليوم.

ويلاحظ هنا أن الوزير كان طامعا في ايران بعد أن تمكن من السيطرة على عشائر العراق. رغب دولته في لزوم اكتساحها فوافقت في حين أنها كانت وجلة. وأمرته بالحيطة. وعلى هذا بادر بإيفاد رسوله إلى ايران يسبر أحوالها قبل أن يقف على رأي دولته. وبذا أراد أن يقوي عزمها ويؤكد اعتمادها فبعث بالرسول إليها للاطلاع على الحالة بتفرعاتها. والظاهر أنه جرّ دولته إلى الحرب وولد أمل الظفر.

أبدت الدولة أن بينها وبين ايران عقودا وعهودا إلا أن الاخطار انتابتها من كل صوب وصارت طعمة لكل آكل ، ويخشى أن تصيب الدولة حوادث غير متوقعة ، فأمرت أن يتخذ ما يلزم وأن يتهيأ للطوارىء فقامت بالأمر (١).

ومن راجع التاريخ والأوضاع السياسية للأمم وطريق استقلالها

__________________

(١) دوحة الوزراء ، ص ٤ وتاريخ راشد ج ٥ ص ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

٢٣٥

علم أن البواعث إنما تكون ناشئة عن قسوة أصابت الأمة وظلم أرهقها فكانت على الأهبة والاستعداد للوثبة بأمل النهوض والانتقام.

ولا ينظر في مثل هذه إلى السبب المباشر أو الضعيف كحادث حقيقي لثورة الأمة وإنما عوامل كثيرة متراكمة أذكت النيران. فجاء يوم الحساب بقسوة لا مزيد عليها ...

والأفغان أمة عزيزة الجانب ، قوية الشكيمة ، معتادة على الخشونة وشظف العيش متمرنة على مطاردة الوحوش ومقارعة العشائر ، فثارت للانتقام فلم تجد ما يصد تيار هيجانها ...

والمؤرخون اضطربت كلمتهم في أصل (الافغان) ويقال لهم عندنا (أغوان) وهكذا دعاهم صاحب (تاريخ أفغان) ولم تكن التسمية حديثة العهد ولا قريبة النشأة. جاء في قاموس الاعلام أن هيرودوتس ذكرهم في تاريخه بتحوير قليل في اللفظ. وهم قبائل متعددة بين أفغان أصليين ، وبين (تاجيك) و(هندوكي) ، و(هزاره) ، و(قزلباش). ويقال للغتهم (پختي) أو پختوان) من اللغات الآرية.

وفي تاريخ الافغان : «أن أصل قبائلهم في أنحاء داغستان على سواحل بحر الخزر في قطر يدعى (شروان) أو خارج (باب الأبواب) على سفح داغستان والصحارى المتصلة به ، ولم يستطع أحد أن يقف على حقيقة جذمها ، أو أنهم من أقوام الخزر ، أو طائفة من فروعهم ... انحدروا إلى ايران وما يتصل بها من الممالك القريبة ... فصاروا يهاجمون ويغزون بغارات متوالية ...

ولما ظهر الأمير تيمور اكتسح تلك الديار واستولى على هذه الاقطار فشكاهم الايرانيون وتظلموا من أعمالهم ... وحينئذ أمر تيمور بإجلاء هؤلاء إلى ديار تبعد نحو مائة مرحلة عن مواطنهم الأولى فأبعدهم. وكانت هذه البقعة من ايران ، حوالي قندهار والصحارى بينها وبين الهند ... أنقذ ايران منهم جعلهم سدا منيعا لها من الأقوام

٢٣٦

الشرقية فأمنوا غوائلهم وغوائل غيرهم بهم.

وعلى ما ورد في بعض التواريخ أن هذه الطوائف من الأرمن وذلك أن ايالة شروان كانت تدعى (ألبانيا) وأهلها ألبانيون. فتكون الأغوان محرفة عن ألبان. وللآن توجد ناحية متصلة بشروان يقال لها (قره باغ) فيها كنيسة تسمى قند سار ويقال لرئيس بطارقتها (أغوانج) وفي لغة الارامنة تعني زعيم الأغوان ولا تزال طوائف الارامنة المتوطنة في جبال (صفناق) في حدود ايالة گيلان وأنحاء (كنجه وروان ونخچوان) يفتخرون بهذا العنوان ويدعون أنهم أغوان. ولعل رئيسهم الديني سكن قندهار وأصلها قندسار فتحرفت إلى قندهار ...

وفي بعض الكتب أن هذه المدينة من بناء الاسكندر سكنها الارمن أثناء هجرتهم وتباعدهم عن وطنهم فألفوا الهنود واختلطوا بهم ثم اعتنقوا الإسلام ولا تزال بقايا بعض العوائد موجودة فيهم مثل أنهم يضعون علامة صليب على اكلاتهم منقولا عن تقاليدهم الاولى. ومن القديم حافظوا على خشونتهم الاولى وبداوتهم فعرفوا إلى اليوم بالشجاعة والاقدام ...» اه (١).

وفي (كتاب دول إسلامية) أنهم في الأصل من قبائل الترك المسماة أحيانا ب (قلج) وكما يقال (أفغان). ويريد بالقلج ما يدعى ب (الخلج). وفي تاريخ مختصر ايران للأستاذ باول هرن ترجمه الدكتور رضا زاده شفق إلى اللغة الايرانية جاء إلى أصل هؤلاء من عشيرة گلزائي من العشائر المعروفة في الأفغان. وفي المخابرات مع أشرف خان علم أنه يدعي الانتساب إلى خالد بن الوليد (رض) وأنه من ذريته (٢).

اضطربت الأقوال في أصلهم ونظرا لبسالتهم وشجاعتهم صار كل

__________________

(١) تاريخ الافغان ص ٢٣.

(٢) دول إسلامية ص ٤١٥ وتاريخ مختصر ايران ص ٩٨.

٢٣٧

قوم لا يتحاشى أن يعدّهم منهم فهم بين هنود أهل البادية ، أو كرد ، أو أرمن ، أو فرس ، أو ترك ، أو عرب مما يدل على أن الماضي القديم غامض. ويرجح أنهم من الخلج.

حوادث سنة ١١٣٥ ه‍ ـ ١٧٢٢ م

الوضع السياسي :

صدر الأمر السلطاني بلزوم فتح بقية بلاد ايران التي لم يطرقها الافغان بعد ، وأن لا يتعرض لما بيد الأمير محمود الافغاني ، واختير لهذا الأمر وزير بغداد حسن باشا فنصب قائدا لجبهته كما أن عبد الله باشا الكوپريلي والي (وان) جعل قائدا عاما في انحاء تبريز واذربيجان وعهد إلى إبراهيم باشا السلحدار والي أرضروم أن يكون قائدا على انحاء (كنچة وروان) على أن يستولوا على الأماكن التي لم تدخل في حوزة الأمير محمود. وكان ذلك في أواخر سنة ١١٣٥ ه‍.

رفقت الدولة بفرمانها فتوى شيخ الإسلام باعتبار أن العجم لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان (رض) بل يعدونهم كفارا كسائر أكثر الصحابة ما عدا الإمام عليا (رض) أو يعتبرونهم مرتدين ومنافقين ، ويسبونهم علنا ، ويرمون عائشة بالإفك ، ويؤولون آيات كثيرة على خلاف مقتضى القواعد العربية ويجوزون قتل أهل السنة ، ويبيحون أموالهم وإذا أسروا النساء استحلوا وطأهن دون عقد كسبايا غير المسلمين ... ولهذه الأسباب عدتهم الفتوى مرتدين ، وأجرت في حقهم أحكام أهل الردة وجعلت بلادهم دار حرب (١).

ومن هذا الوضع السياسي ، وتلك الفتوى يعرف أن الغرض الاستيلاء فاتخذ الدين وسيلة لتهييج الرأي العام. وأن شيخ الإسلام لا

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٦ وتاريخ كوجك جلبي زاده ص ٦٥.

٢٣٨

يتخلّف عن إصدار فتوى مثل هذه. وهكذا كان يفعل الايرانيون في حروبهم مع العثمانيين. فأسسوا البغضاء وقووا شقة الخلاف. ولم ينظروا إلى أن كل المسلم على المسلم حرام ولا إلى أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر!! ولا إلى أننا لا نكفر أهل القبلة ولم نعد في وقت الشيعة (مرتدين) إلا أن ما جرى بين الصفويين والعثمانيين أدى إلى قبول هذا بسبب الحروب والتشنيع من كل جانب منهما.

عزم الوزير وفتوحه :

جهز الوزير جيوشه وفيهم القبائل الكثيرة من العرب منهم الخزاعل مع رئيسهم الشيخ سلمان لمهاجمة بلاد العجم ، نهض من بغداد ، ولما وصل إلى كرمنشاه (قرميسين) أثر في العجم تأثيرا كبيرا وولد فيهم خوفا فصار الايرانيون محاطين بالناهبين من كل صوب. ولذا تقدم رؤساؤهم وأعيانهم لاستقبال الجيش والترحيب به والاذعان له بالطاعة. فاستولى الوزير على المدينة بلا حرب ولا قتال ، وصارت وجهته همذان ولكن المصلحة اقتضت أن يقيموا في كرمانشاه بضعة أيام في خلالها بعثوا السرايا إلى لورستان وأطراف همذان وسائر النواحي المجاورة فعاثوا ونهبوا أموالا وخربوا قرى ، ذهبوا بعمارتها وتجاوزوا على أكثر أنحاء همذان وصادق بولاق (صوغرق بولاق) ولورستان ومضافات هذه المواطن فاستولوا عليها.

وفي تاريخ كوچك چلبي زاده أن الجيش استولى على أردلان. واستعان الوزير ب (بلباس) و(بابان). استولوا على (سنة) وأميرها عباس قلي من قبيلة (ماموي) استقبلوا الوزير حسن باشا في ١١ صفر سنة ١١٣٦ ه‍ ، وعلى (جوانرود). وأميرها (الله ويردي) من أمراء الجاف المعروفين بجاف جوانرود. ومنها وصلوا إلى كرمنشاه. وقبل أن يصلوا إلى هناك مضوا إلى امارة اللر. وصلوا إلى وادي (شبكان) ، ولم يقفوا حتى وردوا (خرم آباد) فمال أمير اللر (علي مردان) إلى الطاعة ... تم

٢٣٩

ذلك في ١٨ صفر سنة ١١٣٦ ه‍ (١).

كان جيشهم يمثل الوحشية فلم يهذبهم دين ، ولا أثرت فيهم مدنية ... والصحيح أن أمراء الجيش لم يتمكنوا من ضبط الجنود ، ولم يستطيعوا السيطرة عليهم. فقدوا القدرة فأدى ذلك إلى انتهاك حرمات. وهكذا قل عن جيش الافغان فلم يجد الايرانيون من يلجأون إليه.

وعلى هذا طلب سادات همذان وأعيانها أن لا يتعرض للنساء والبنات اللاتي أسرن مع القوافل المنهوبة وأنهم منقادون مطيعون ...

وهذا الطلب يوضح أعمال الجيش الفاتح أو الخوف منه. وهذه الأحوال تعتبر من أكبر الموانع من توسع الفتح من جهة ، ومن أعظم البواعث إلى ظهور رجل كبير مثل نادر شاه ينقذ البلاد من هؤلاء الغزاة.

قبل الوزير هذا الملتمس على أن يتركوا الرفض والسب ، وينقادوا للسلطان فيأمنوا على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وإلا فسوف ينفذ الأمر بموجب فتوى شيخ الإسلام (٢)

ثم إن الوزير بعد انتصاراته هذه كتب إلى حاكم أصفهان الأمير محمود يخبره بما جرى. أراد بذلك أن يستطلع الأوضاع وما حصل من أثر. وصار ينتظر الجواب ومشاهدات الرسول ... وهو (الحاج عثمان آغا) وكان من أفاضل الرجال. يعوّل عليه ، وعلى نظراته وإصابتها (٣).

موانع من التوغل :

هي في الحقيقة انتظار الجواب من جهة وأن يخبر محافظ أرضروم الوزير مصطفى باشا أن يتوجه من ناحية تفليس وكذا الوزير الثاني

__________________

(١) تاريخ كوجك جلبي زاده ص ٨١ و٨٨.

(٢) نص فتوى شيخ الإسلام في تاريخ كوجك جلبي زاده ص ١٦ ـ ١٧ من طبعة سنة ١١٥٣ ه‍.

(٣) دوحة الوزراء ص ٧.

٢٤٠