غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-679-9
الصفحات: ٤١٢

نعم ذكر العلامة المجلسي رحمه‌الله أنّ به رواية (١).

والمشهور أنّ سورة «هل أتى» نزلت في الخامس والعشرين ، وعن المفيد : أنّه يستحبّ صومه لشكر هذه النعمة (٢).

الثامن : يستحبّ صوم الخميس والجمعة على المشهور ، ويدلّ عليه في الخميس ما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّه يوم تعرض فيه أعمال العباد (٣) ، فيستحبّ أن تعرض وهو صائم.

واستدل عليه الفاضل الأصفهاني برواية محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان رسول اللهُ يصوم حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر حتى يقال : لا يصوم ، ثمّ صام يوماً وأفطر يوماً ، ثم صام الاثنين والخميس ، وكان يقول : ذلك صوم الدهر ، وكان أبي يقول : «ما من أحد أبغض إلى الله عزوجل» إلى آخر ما ذكرناه في رواية محمّد بن مروان في مسألة صيام الثلاثة الأيّام.

ولم أقف على هذه الرواية في الأُصول التي عندنا ، فلعلّه غفل في النقل ، أو كان في كتابه سقط ، فإن ما في الكافي والفقيه معادَلة صوم الدهر للثلاثة ، لا للاثنين والخميس (٤).

وأما الجمعة ؛ فلأنّه يوم شريف تتضاعف فيه الحسنات ، روى الصدوق في الخصال بسنده ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من

__________________

(١) البحار ٩٨ : ٣٢٣.

(٢) المقنعة : ٣٧١.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٠٠ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ١ ، ومثل رواية اسامة بن زيد المرويّة في سنن أبي داود ٢ : ٣٢٥ ح ٢٤٣٦ ، حيث جاء فيها : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم الاثنين والخميس ، فسئل عن ذلك فقال : «إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين والخميس» ، وانظر سنن الدارمي ٢ : ٢٠ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٨ ، وتحفة الفقهاء ١ : ٣٤٤.

(٤) انظر الكافي ٤ : ٩٠ ح ٣ ، والفقيه ٢ : ٤٨ ح ٢٠٩ ، والوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ٥.

٨١

الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا ، قال : «يستحبّ أن يكون ذلك يوم الجمعة ، فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف» (١).

وما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : رأيته صائماً يوم الجمعة ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ، فقال : «كلا ، إنّه يوم خفض ودعة» (٢).

وعن المفيد : وروى راشد بن محمود ، عن أنس بن مالك قال ، قال رسول اللهُ : «من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت ، كتب الله له عبادة تسعمائة سنة» (٣) ، وفي رواية الزهري (٤) جعلها من الأيّام المخير فيها كما عرفت.

وعن ابن الجنيد : أنّ صوم الخميس والاثنين منسوخ ، وصوم السبت منهي عنه (٥).

وفي المختلف : لم يثبت عندي شي‌ء من ذلك ، ولم يذكره المشهورون من علمائنا (٦).

وعن ابن الجنيد أيضاً : أنّه لا يستحبّ إفراد الجمعة بالصيام ، ويجوز إذا قدّمه يوماً (٧) أو الحقة يوماً ، وهو موافق لما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي هريرة يقول : ليس أنهى عن صوم الجمعة ، ولكني سمعت رسول اللهُ قال : «لا تصوموا يوم الجمعة ، إلا أن تصوموا قبله أو بعده» (٨).

ولما روي عن جابر : أنّه سأله رجل وهو يطوف ، أسمعت رسول اللهُ نهى عن

__________________

(١) الخصال : ٢٩٣ ح ٩٣ ، الوسائل ٧ : ٣٠١ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٤ ، وفيها : عن محمّد بن أبي عمير وعلي بن الحكم جميعاً عن هشام بن الحكم.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٦ ح ٩٥٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠١ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٥.

(٣) المقنعة : ٣٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٥ ح ٤ ، وفيها : راشد بن محمّد ، وفي نسخة من المقنعة : «محمود» ، وفي نسخة «م» من نسخنا : محبوب.

(٤) الكافي ٤ : ٨٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٨ ح ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ح ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٣٠٠ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٠٥.

(٦) المختلف ٣ : ٥٠٦.

(٧) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٠٥.

(٨) التهذيب ٤ : ٣١٥ ح ٩٥٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٦.

٨٢

صيام يوم الجمعة؟ قال : نعم ، وربّ هذا البيت (١).

قال العلامة في التذكرة : فإن صحّت هاتان الروايتان ، حُملتا على من يضعف عن الفرائض ونوافل الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلة (٢)

وكيف كان فالروايتان عاميتان ، وابن الجنيد غالباً موافق للعامة ، فالمذهب هو المشهور.

التاسع : يستحبّ صوم رجب كلّه ، وشعبان كلّه والأخبار فيهما كثيرة جدّاً.

فعن مصباح الشيخ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه كان يصومه ويقول : «رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللهُ ، وشهر رمضان شهر الله» (٣).

وعن سلمان ، عن النبي : «وكتب له بصوم كلّ يوم يصومه منه عبادة سنة ، ورفع له ألف درجة ، فإن صام الشهر كلّه أنجاه الله عزوجل من النار ، وأوجب له الجنة» (٤).

وعن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول اللهُ : من صام ثلاثة أيّام من رجب ، كتب الله له بكلّ يوم صيام سنة ، ومن صام سبعة أيّام من رجب غلقت عنه سبعة أبواب النار ، ومن صام ثمانية أيّام ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ومن صام خمسة عشر يوماً ، حاسبه الله حساباً يسيراً ، ومن صام رجباً كلّه ، كتب الله له رضوانه ، ومن كتب له رضوانه لم يعذّبه» (٥).

وروى الصدوق بسنده ، عن أبان بن عثمان ، عن كثير النواء ، عن الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ ح ١١٤٣ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ ح ١٧٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠١.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٠.

(٣) مصباح المتهجّد : ٧٣٤ ، الوسائل ٧ : ٣٥٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١٦.

(٤) مصباح المتهجّد : ٧٥٢ ، قطعة منه في الوسائل ٧ : ٣٥٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١٩.

(٥) مصباح المتهجّد : ٧٣٤ ، الوسائل ٧ : ٣٥٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١٨.

٨٣

قال : «إنّ نوحاً ركب السفينة أوّل يوم من رجب ، فأمر عليه‌السلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم» وقال : «من صام ذلك اليوم ، تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيّام ، أُغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيّام ، فتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومن صام خمسة عشر يوماً ، أُعطي مسألته ، ومن زاد زاده الله عزوجل» (١).

وروى فيه ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، أنّه قال : «رجب نهر في الجنة أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، فمن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «من صام شهر شعبان كان له طهور من كلّ ذلّة ووصمة وبادرة» وقال أبو حمزة : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما الوصمة؟ قال : «اليمين في المعصية ، والنذر في المعصية» قلت : فما البادرة؟ قال : «اليمين عند الغضب ، والتوبة منها الندم عليها» (٤).

وروى الكليني في الحسن بإبراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن سلمة بياع السابري ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله والله» (٥) وبمضمونها روايات كثيرة (٦).

وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل صام أحد من آبائك شعبان قط؟ فقال : «صامه خير آبائي رسول اللهُ» (٧).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ ح ٢٤٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٦ ح ٢٤٤ ، ثواب الأعمال : ٧٨ ح ٢ ، فضائل الأشهر الثلاثة : ٢٣ ح ١٠ ، الوسائل ٧ : ٣٥٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٤٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٠٧ ح ٩٢٨ ، الوسائل ٧ : ٣٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٩١ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٥٧ ح ٢٤٨ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ ح ٩٢٥ ، الاستبصار ٢ : ١٣٧ ح ٤٤٩ ، الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ١.

(٦) الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩.

(٧) الكافي ٤ : ٩١ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٠٨ ح ٩٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٦٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ١.

٨٤

وبمضمونها أيضاً روايات كثيرة (١) ، ولعلّه لما سمعوا في ذلك شيئاً رواها الشيخ ، ثم قال بعد ذلك : فأما الأخبار التي وردت في النهي عن صوم شعبان ، وأنّه ما صامه أحد من الأئمة « ، فالمراد بها أنّه لم يصمه أحد من الأئمة «على أنّ صومه لم يجر مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب ؛ لأنّ قوماً قالوا : إنّ صومه فريضة ، وكان أبو الخطاب لعنه الله وأصحابه يذهبون إليه ، ويقولون : إنّ من أفطر يوماً منه لزمه من الكفّارة ما يلزم من أفطر يوماً من شهر رمضان ، فورد عنهم «الإنكار لذلك (٢).

ثمّ حمل الشيخ ما ورد من النهي عن الوصل بين شعبان ورمضان ، بأنّ المراد الوصال المنهي عنه ، وأما مع الإفطار في الليل ، فليس هناك وصال ، واستدلّ على هذا التأويل برواية محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : فلا يفصل بينهما؟ قال : «إذا أفطر من الليل فهو فصل ، إنّما قال رسول اللهُ : لا وصال في صيام ، يعني : لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار» (٣).

ويظهر من الصدوق محمل آخر ، وهو الحمل على الإنكار ، حيث روى عن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان رسول اللهُ يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما ، وينهى الناس أن يصلوهما ، وكان يقول : هما شهرا الله ، وهما كفّارة لما قبلهما وما بعدهما من الذنوب».

ثمّ قال : قوله عليه‌السلام «وينهى الناس أن يصلوهما» على الإنكار ، والحكاية ، لأعلى الإخبار ، كأنّه يقول : يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما؟! فمن شاء وصل ، ومن شاء فصل (٤).

ثمّ استشهد برواية مفضّل الدالة على جوازهما معاً (٥).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣٦٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٠٧ ح ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ ح ٤٥٢ ، الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٧ ح ٢٤٩ ، الوسائل ٧ : ٣٦٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٧ ح ٢٥٠ ، الوسائل ٧ : ٣٦٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٦.

٨٥

وربما يقال : إنّ «الناس» مرفوع على أنّه فاعل لكلمة ينهى ، فلا حاجة إلى الحمل على الإنكار ، وليس ببعيد ، فيكون ردعاً على الخطابية.

العاشر : قال العلامة في التذكرة : يستحب صوم ستة أيّام من شوال بعد يوم الفطر وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وأكثر العلماء (١) ؛ لما رواه العامة عن رسول اللهُ أنّه قال : «من صام رمضان فأتبعه بست من شوال فكأنّما صام الدهر» (٢).

ثمّ نقل عن أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن كراهته (٣) ، وكذا عن مالك قال ، وقال : ما رأيت أحداً من أهل المدينة يصومها ، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وأنّ أهل العلم يكرهون ذلك ، ويخافون بدعته ، وأن يلحق الجهّال برمضان ما ليس منه (٤) و (٥).

وعن الشيخ في المصباح : أنّ في أصحابنا من كرهه ، والأصل فيه التخيير ، والصوم عبادة لا تكره ؛ لأنّ النبي قال : «الصوم جنة من النار» (٦) ، وهو على عمومه (٧).

والمحقق لم يذكره في كتبه.

والشهيد في اللمعة استحبه (٨) ، وهو ظاهر الروضة والقواعد الشهيدية (٩).

وقال في الدروس (١٠) : وروى صحيحاً كراهة صيام ثلاثة بعد الفطر بطريقين ،

__________________

(١) المغني ٣ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٧ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، المجموع ٦ : ٣٧٩ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٧ ح ١٧١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٣٢ ح ٧٥٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٤ ح ٢٤٣٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٢.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٠.

(٤) الموطأ ١ : ٣١١ ذ. ح ٦٠ ، المغني ٣ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٠ ، المجموع ٦ : ٣٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٠ ، بدائع الصنائع : ٧٨ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٤٤.

(٥) التذكرة ٦ : ١٩٨ مسألة ١٣٥.

(٦) الكافي ٤ : ٦٢ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١.

(٧) مصباح المتهجّد : ٦١٠.

(٨) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٥.

(٩) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٥ ، القواعد والفوائد ٢ : ١١٠.

(١٠) الدروس ١ : ٢٨١.

٨٦

والذي وقفت عليه من أخبار الخاصة : رواية الزهري ، المذكورة في الكتب الثلاثة ، عن زين العابدين ، فقد عدّ فيها من جملة الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار صوم ستة أيّام من شوال بعد شهر رمضان ، إن شاء صام وإن شام أفطر (١) ، وهو ظاهر في عدم التأكد كما أشرنا سابقاً.

وما رواه الكليني ، عن أبي زياد بن أبي الحلال وفي سنده أبو سعيد المكاري قال ، قال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام ، إنّها أيّام أكل وشرب» (٢).

وروى الشيخ في التهذيب ، في أواخر كتاب الصوم ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي زياد بن أبي الحلال قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا صيام بعد الأضحى» (٣) الحديث.

وقال الفاضل المحقق الميرزا محمد رحمه‌الله : إنّ طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير عدّه بعض الأصحاب في الحسن ، وهو قريب ، ولم يذكرهُ على ما ذكره في ستّ صحاح وحسان.

وما رواه في باب وجوه الصيام ، في الموثق بعلي بن الحسن بن فضال ، عن حريز ، عنهم « ، قال : «إذا أفطرت من رمضان ، فلا تصومن بعد الفطر تطوّعاً ، إلا بعد ثلاث يمضين» (٤) قال الشيخ : الوجه فيه أنّه ليس في صيام هذه الأيّام من الفضل والتبرّك به ما في غيرها من الأيّام ، وإن كان يجوز صومه حسب ما تضمّنه الخبر من التخيير ، يعني خبر الزهري (٥).

وما رواه الكليني رحمه‌الله في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٦ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٨ ح ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٦ ح ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٣٠١ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٨ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ١. عن زياد بن أبي الحلال.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٣٠ ح ١٠٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ١ عن زياد بن أبي الحلال.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩٨ ح ٨٩٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ ح ٤٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٨.

٨٧

سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن اليومين اللذين بعد الفطر ، أيصامان أم لا؟ فقال : «أكره لك أن تصومهما» (١) ، ولعلّ مراد الشهيد رحمه‌الله تغليب الصحيح على الموثّق ، أو أراد من أحدهما صحيحة عبد الرحمن ؛ لعدم منافاته كراهة الأيّام الثلاثة ، فإنّ التثنية إنّما وقعت في السؤال ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، أو يقال : إنّ روايته بطريقين لا تنافي روايته صحيحاً.

وكيف كان ، فلا يبعد ترجيح تركه ، سيّما الثلاثة الأيّام ؛ لهذه الأخبار ، ولموافقة استحبابه للعامة ؛ لشيوعه بينهم ، ويسمّونه صيام التشييع (٢).

ثم إنّ قلنا بالاستحباب ، فظاهر الرواية عدم الفصل متوالياً ، فما ذكره الشهيد في القواعد من بقاء الاستحباب مع التأخير (٣) محلّ نظر.

وقال في الروضة : فمن صامها مع شهر رمضان عدلت صيام السنة ، وفي الخبر : «أنّ المواظبة عليها تعدل صيام الدهر» ، وعُلل في بعض الأخبار بأنّ الصدقة بعشر أمثالها : فيكون رمضان بعشرة أشهر ، والستة لشهرين ، وذلك تمام السنة ، فدوام فعلها كذلك يعدل دهر الصائم (٤) و (٥).

أقول : وأخذ كلامه الأوّل من هذا التعليل ، ورتّب عليه ما ورد في الرواية من كونه معادل صيام الدهر ، بملاحظة المواظبة ، وحملها على إرادة المواظبة ، وإلا فلم نقف على ذكر المواظبة في خبر ، ولعله اطلع عليه من موضع آخر.

ثمّ أشار إلى أنّ الحكمة في الإتباع ، مع أنّ العلّة مقتضية لعدم الفرق بين التوالي والتفرقة ، مضافاً إلى ظاهر الرواية بأنّ فيه تخفيفاً على الصائم ؛ للتمرين السابق ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٨ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ٢.

(٢) انظر المغني ٣ : ١١٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٩٧ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ١٩٤ ، والمجموع ٦ : ٣٧٩ ، والوجيز ١ : ١٠٥ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٦٩ ، وحلية العلماء ٣ : ٢١٠.

(٣) القواعد والفوائد ٢ : ١١١.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٥.

(٥) نيل الأوطار ٤ : ٢٥١.

٨٨

أو عوداً إلى العبادة سريعاً ، إظهاراً للرغبة وعدم السأم.

ثمّ إنّ المراد من المعادلة لصوم الدهر مع أنّه جزؤه ، هو إذا لوحظ صوم الدهر معرى عن المضاعفة.

وفي استحبابها لمن صام شيئاً من رمضان دون جميعه نظر ، ولا يبعد الاطراد ؛ نظراً إلى حمل الرواية على الغالب ، وإرادة الجنس. وإذا لم يصمه أصلاً فالإشكال أكثر.

الحادي عشر : لا يجب صوم النافلة بالدخول فيه للأصل ، والإجماع ، والأخبار (١) ، وقد مرّ بعضها في قضاء شهر رمضان.

وكذلك كلّ نافلة إلا ما استثني ، مثل الحج والاعتكاف ، على بعض الوجوه.

وقال أبو حنيفة : يجب بالشروع ، ولا يجوز إبطاله ؛ لقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٢) ويقضي لو أبطله ، واحتج عليه ببعض الروايات من طريقهم المعارضة بمثلها (٣) ، ولا يخفى ضعفه.

نعم : يكره الإفطار اقتراحاً بعد الزوال ، وأما لو كان لإجابة مؤمن ، أو جبر قلبه ، أو نحو ذلك ، فلا كراهة.

وتدل على الأوّل : رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليه‌السلام : إنّ علياً عليه‌السلام قال : «الصائم تطوعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإن انتصف النهار فقد وجب الصوم» (٤) وحمل على الأولوية.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٨ أبواب الصوم المندوب ب ٤.

(٢) محمّد : ٣٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨١ ح ٨٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ح ٣٩٧ ، الوسائل ٧ : ١١ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١١.

٨٩

الفصل الثالث : في الصوم المكروه

وفيه مباحث :

الأول : يكره صوم عرفة إذا كان مضعفاً عن الدعاء ، ومع الشك في الهلال وقد مرّ بيان ذلك مستوفى.

الثاني : اختلف الأصحاب في صوم الضيف بدون إذن المضيف تطوعاً فعن جماعة منهم أنّه لا يصوم بدون إذنه وأطلقوا (١) ، وقال المحقق في المعتبر والنافع : إنّه لا يصح (٢) ، كالعلامة في الإرشاد والتلخيص والتبصرة ، كما حكي (٣).

وقال المحقق في المعتبر : هذا مما اتفق عليه علماؤنا ، وأكثر علماء الإسلام ، وقد رويناه عن الزهري ، عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام (٤).

وقال ابن إدريس : لا ينعقد له صوم شرعي ، ويكون مأزوراً ، ولا يكون مأجوراً (٥).

__________________

(١) كالعلامة في التذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٢ ، المختصر النافع : ٧١.

(٣) الإرشاد ١ : ٣٠١ ، التبصرة : ٥٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٧١٢ ، والرواية في الكافي ٤ : ٨٣ ح ١ ، والفقيه ٢ : ٤٦ ح ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٩٤ ح ٨٩٥ ، والوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٥) السرائر ١ : ٤٢٠.

٩٠

وعن ابن زهرة : أنّه يستحبّ أن لا يصوم إلا بإذنه (١) ، وكذلك ابن حمزة (٢) ، والعلامة في المنتهي والتذكرة (٣) ، وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه.

وعن سلار : أنّه يكره (٤) ، وهو مختار القواعد ، والتحرير ، والشرائع ، والدروس ، والمسالك ، والمدارك (٥).

وقال في الشرائع : الأظهر أنّه لا ينعقد مع النهي (٦) ، وهو ظاهر اللمعة (٧) ، وهو المنقول عن شرح الإرشاد لفخر المحققين (٨) ، يعني الكراهة بدون النهي ، وعدم الانعقاد معه ، وهو الظاهر من الدروس (٩).

فالأقوال أربعة :

الأوّل : البطلان مطلقاً ، ولازمه الحرمة والإثم ، كما صرّح به ابن إدريس.

والثاني : الكراهة مطلقاً.

والثالث : الكراهة مع عدم الإذن والنهي ، والبطلان مع النهي.

والرابع : استحباب تركه مطلقاً.

ولعل القول الأوّل أرجح.

لنا : الإجماع المنقول في المعتبر والأخبار ، منها : رواية الزهري ، وفيها : «وأما صوم الإذن ، فإنّ المرأة لا تصوم تطوّعاً ، إلا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً ، إلا بإذن سيده ، والضيف لا يصوم تطوّعاً ، إلا بإذن صاحبه ، قال رسول اللهُ : من نزل

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

(٢) الوسيلة : ١٤٧.

(٣) المنتهي ٢ : ٦١٥ ، والتذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٤) المراسم : ٩٦.

(٥) القواعد ١ : ٣٨٤ ، التحرير ١ : ٧٥ ، الشرائع ١ : ١٨٩ ، الدروس ١ : ٢٨٣ ، المسالك ٢ : ٨٠ ، المدارك ٦ : ٢٧٦.

(٦) الشرائع ١ : ١٨٩.

(٧) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٧.

(٨) شرح الإرشاد لفخر المحقّقين ، مخطوط.

(٩) الدروس ١ : ٢٨٣.

٩١

على قوم فلا يصومن تطوّعاً إلا بإذنهم» (١).

ودلالتها واضحة ؛ لأجل النهي المؤكّد ، الدالّ على التحريم ، المستلزم لبطلان العبادة على الأقوى ، ولكن في سندها ضعف.

وورودها في الكتب الثلاثة ، سيّما مع اعتضادها بالإجماع المنقول ولا ينقص عن الشهرة جابر لضعفها ، ولا يبعد أن يدّعى كونه مشهوراً عند قدماء الأصحاب.

واستفاد المحقّق الإجماع من فتواهم ، كما يظهر من المشايخ الثلاثة في كتب الأخبار ، فانظر إلى الكليني عقد الباب بمن لا يجوز له صيام التطوع إلا بإذن غيره ، ثم ذكر الأخبار الاتية ، مضافاً إلى ما عقد باباً بالخصوص لذكر وجوه الصيام ، وذكر فيه رواية الزهري الدالّة على الحرمة ساكتاً عليه.

وكذلك الصدوق عقد باباً لصوم الإذن ، وذكر فيها الأخبار الاتية ، وهو أيضاً ظاهر في التحريم ؛ إذ إضافة الصوم إلى الإذن ظاهرة في الاختصاص ، كما هو القاعدة في إضافة اسم المعنى ، والصوم حقيقة في نفس الصوم ، لا في كماله. وعقد باباً آخر لوجوه الصوم ، وذكر فيها رواية الزهري.

وكذا المفيد رحمه‌الله عقد باباً لوجوه الصيام ، وشرح جميعها على البيان ، وذكر رواية الزهري (٢).

وكذلك الشيخ في التهذيب.

وظاهر كلّ من أطلق الجملة الخبرية وقال : «لا يصوم» أيضاً الحرمة.

وعمدة اشتهار الكراهة إنّما هو بعد زمن المحقّق.

وأما الإجماع المحكي عن ابن زهرة إن صح النقل (٣) فلا يقاوم إجماع المحقّق ؛ لأنّه

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ح ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب بقيّة الصوم الواجب ١ ح ١.

(٢) المقنعة : ٣٦٧.

(٣) ليس في كتابه دعوى الإجماع ، انظر الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

٩٢

أثبت كما لا يخفى على من تتبع حالهما وطريقتهما.

ومنها : ما رواه الكليني ، عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم وفي طريقها أحمد بن هلال عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول اللهُ : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن برّ الولد أن لا يصوم تطوّعاً إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد عاصياً فاسقاً ، وكان الولد عاقا» (١).

ورواه الصدوق أيضاً في الفقيه ، عن نشيط بن صالح ، عن هشام ، إلا أنّه قال «فاسداً عاصياً» (٢) وطريقه إلى نشيط غير مذكور.

ولعلّ ضعفه منجبر بعمل القدماء وروايته في الكافي والفقيه.

وربما يقدح في الدلالة بأنّ الجهل يتحقّق بفعل المكروه ، فلا تدل على الحرمة.

أقول : وملاحظة قرينة إرادة الحرمة كما سنذكر في المملوك والزوجة ، مع أنّ ظاهر استعمال الجهل في مقابل الفقه أنّ ذلك فعل غير مشروع ؛ لأنّ من أتى بعبادة من دون الفقه بالمسألة فقد فعل حراماً.

وبالجملة ظاهر الرواية المذمة ، كما ورد في القرآن كثيراً ، مثل قوله تعالى (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٣) و (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (٤) و (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٥) ، والمذمّة المطلقة ظاهرة في الحرمة.

ولو سلّم عدم الظهور فالجملة الخبرية المنفية ظاهرة في الحرمة ، كما أنّ المثبتة ظاهرة في الوجوب ، وضم كونه مقتضى الفقه وعدم الجهالة لا يخرجها عن الدلالة ، فغاية

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٩٦ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١٠ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٩ ح ٤٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٩٦ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١٠ ح ٢.

(٣) الأحقاف : ٢٣ ، هود : ٢٩.

(٤) الأنعام : ١١١.

(٥) الحشر : ١٣.

٩٣

الأمر أن يكون الكلام في قوّة «لا يصوم الضيف» فليتأمل في ذلك.

ومنها ما رواه الصدوق ، عن الفضيل بن يسار وفي سنده عليّ بن الحسين السعدآبادي ولا يبعد كونه حسناً بل صحيحاً قال الميرزا رحمه‌الله : وظاهر جمع من الأصحاب اعتباره ، وعن الشيخ في الفهرست روى عنه الزراري وكان معلّمه (١) ، والزراري هو أحمد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو غالب الزراري ، وهو الثقة الجليل النبيل الذي كان شيخ أصحابنا في عصره وأُستاذهم ونقيبهم ووجيههم كما يظهر من الشيخ وغيره ، وعن العلامة المجلسي المولى محمد تقي رحمه‌الله : وعدّ جماعة حديثه حسناً ، والظاهر أنّه لكثرة الرواية ، وفي موضع آخر : لأنّه من مشايخ الإجازة ، ثمّ قال : بل لا يبعد جعل حديثه صحيحاً (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول اللهُ : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم ، لئلا يعملوا شيئاً فيفسد ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف ، لئلا يحتشمهم ويشتهي فيتركه لهم» (٣).

ورواه الكليني رحمه‌الله أيضاً بأدنى تغيير في اللفظ (٤).

ويمكن القدح في دلالته ؛ لعدم دلالة كلمة «لا ينبغي» على الحرمة ، بل هي ظاهرة في الكراهة.

وأما حجّة القول بالبطلان مع النهي خاصة ، فلعله ملاحظة القرينتين الأخيرتين ، فإن ترك الطاعة هي مخالفة الأمر أو النهي ، فطاعة العبد والزوجة أن ينتهيا عما نهى عنه المولى والزوج ، وبدون النهي لا تحصل طاعة ، فكذا فقه الضيف أن يعلم لزوم

__________________

(١) فهرست الشيخ : ٢٢ / ٦٥ ، رجال الشيخ : ٤٨٤ / ٤٢.

(٢) روضة المتّقين ١٤ : ٤٣ ، وص ٣٩٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٩ ح ٤٤٤ ، علل الشرائع : ٣٨٤ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٣٩٥ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٩ ذ. ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٩٥ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٩ ح ١.

٩٤

موافقة المضيف في طلبه ، وترك الموافقة وحصول المخالفة إنّما هو إذا نهاه عن الصوم.

مع أنّ العلة المذكورة في رواية الفضيل في إفساد ما عملوه تظهر في صورة النهي ، حيث إنّه مشعر بأنّهم عملوا شيئاً ، وإفساده عليهم غير جائز ، وانكسار القلب أيضاً إنّما هو في هذه الصورة ، فجهالة الضيف إنّما هي بترك إطاعة المضيف.

وفيه : ما لا يخفى ؛ إذ الكلام في القرينتين ممنوع ، فضلاً عن هذه ؛ إذ طاعة المرأة والعبد للزوج والمولى ليست بالذات ، بل إنّما هي من جعل الشارع ، فإذا جعل الشارع التصرّف في أنفسهما بدون إذنهما مخالفة وتركاً لطاعتهما المستلزم لترك طاعة الله تعالى ، فكأنّما جعل لهما التسلّط عليهما بأن لا يتصرفا في أنفسهما بدون إذنهما ، فلا يستلزم كون الصوم بدون الإذن ترك الطاعة كما نصّ عليه الشارع أن يكون ذلك لأجل نهيهما ، وهو واضح.

فالأولى التمسّك بعموم الرواية وظاهرها ، فيندفع الإشكال في مسألة الضيف أيضاً.

نعم الحكم في صورة النهي أوضح.

وأما حجّة الكراهة : فهو الأصل ، وضعف الروايات سنداً ودلالة ، وتنزيلها على الكراهة.

وأما القول باستحباب الترك كما نقلناه عن ابن زهرة (١) فهو لا يتمّ على مذهب جمهور الأصحاب من أنّ العبادة لا تخلو عن الثواب ، وأنّ المكروه من العبادات بمعنى كونه أقل ثواباً ومرجوحاً بالنسبة إلى غيره.

وأما على ما اخترناه في الأُصول من جواز اجتماع الأمر والنهي (٢) ، فلا بأس به ؛ إذ قد تغلب منقصة الخصوصيات على مصلحة أصل العبادة ، فلا يبقى رجحان ، وهو لا ينافي عدم انفكاك أصل العبادة عن الرجحان ، ففي العبادات المكروهة قد يكون تركها

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

(٢) القوانين ١ : ١٤٠.

٩٥

أرجح من فعلها ، كما هو المصطلح في الكراهة مع بقاء صحّتها ، وقد يكون فعلها أرجح ؛ لغلبة حكمة أصل العبادة على منقصة الشخص ، وقد يتساويان.

ويمكن توجيه كلام القائل باستحباب الترك بإرجاعه إلى الكراهة على مذاقهم ، ويكون المراد استحباب تركه حتّى يستأذن ، لا أنّ تركه مع عدم الإذن مستحبّ.

وهو مدفوع : بأنّ ظاهرهم أن تركه بدون الإذن أولى من فعله ، لا أنّ الاستئذان أفضل من عدم الاستئذان ، وهذا من أعظم الشواهد على بطلان توجيههم الكراهة في العبادات بأنّ المراد تركها مبدلاً إياها بغيرها ؛ وذلك لأنّ لكلّ يوم من الأيّام وظيفة ، ليس اعتبار البدلية فيها أولى من فعل نفس وظيفتها ، مع أنّ ظاهرهم رجحان الترك وإن لم يبدلوها بغيرها.

ويدلّ على استحباب الترك ، مضافاً إلى ما دلّ على مرجوحية فعله ، أنّ فيه جبراً لقلب المؤمن ، ومراعاةً له كما ذكره في التذكرة (١).

ويمكن الاستدلال أيضاً بمثل رواية داود الرقي أو فحواها عن الصادق عليه‌السلام : «لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعفاً ، أو تسعين ضِعفاً» (٢).

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : ظاهر الأخبار والفتاوى سيّما مَن ذكر أنّه لا ينعقد صوم الضيف بدون إذن المضيف أنّ الكراهة إنّما هي في إنشاء الصوم في دار المضيف.

وأما استدامته للصوم المنعقد بعد دخول داره فيشكل انفهامه من الأخبار والفتاوى ، ويظهر من الروضة إدخاله مع تقييده بما قبل الزوال مع احتماله مطلقاً ، يعني ولو دخل بعد الزوال ؛ عملاً بإطلاق النص (٣).

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ ح ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ح ٢ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ ح ١ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٦.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٧.

٩٦

وفيه : ما عرفت من منع الإطلاق.

ووجه تقييده بما قبل الزوال أولاً لعلّه إطلاق النص والفتوى بكراهة إفطار النافلة بعد الزوال.

وفيه : مع ما عرفت من عدم الدخول حتى يحتاج إلى التقييد ، أنّ ما ثبتت الكراهة فيه بعد الزوال هو الإفطار اقتراحاً ؛ لأمن جهة داعية إليه ، وهو لا يتم فيما نحن فيه مطلقاً ؛ إذ قد يكون فيه جبر لقلب المضيف ، وحفظ لما عمل له من الفساد ؛ ولا منافاة بين استحباب إتمام صوم الضيف إذا انعقد قبل دخوله واستحباب إفطاره لو دعاه المضيف إلى طعام ، أو عمل له شيئاً ، فيفطر لئلا يفسد ، بل الأفضل عدم إخباره به ، ولا يلزم من ذلك كراهة استمراره على الصوم أولاً ، أو استحباب فسخه للصيام.

وبالجملة مسألة مرجوحية إنشاء الصوم مسألة ، وكراهة ترك الإفطار مسألة أُخرى ، فالراجح في الأوّل عدم الإنشاء ، وفي الثاني الاستمرار إلى أن تحصل الدعوة إلى الطعام.

الثاني : مقتضى ما ذكرنا من دليلي استحباب الترك أخيراً ورواية الفضيل المتقدّمة أولوية الاستئذان في الواجب الموسع أيضاً ، إلا أنّ الأصحاب خصّوا الحكم بالمندوب.

مع أنّ أدلّة المسارعة إلى المغفرة والاستباق بالخيرات (١) والاهتمام بأداء الواجب أيضاً تؤيد الاختصاص.

الثالث : لم يذكر كثير من الأخبار حكم صوم المضيف تطوّعاً بدون إذن الضيف والظاهر أنّه أيضاً مكروه كما صرّح به في التذكرة والمنتهى والتحرير والمسالك (٢) ؛ لرواية الفضيل المتقدّمة (٣).

ويظهر من الدروس التردد ، حيث نسبه إلى الرواية (٤) ، وكذا من اللمعة ، حيث

__________________

(١) آل عمران : ١٣٣.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٢ ، المنتهي ٢ : ٦١٥ ، التحرير ١ : ٧٥ ، المسالك ٢ : ٨٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٩ ح ٤٤٤ ، العلل : ٣٨٤ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٩٤ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٩ ح ١.

(٤) الدروس ١ : ٢٨٣.

٩٧

نسبه إلى القيل (١).

وقال في الروضة : وهو مروي أيضاً ، لكن قلّ من ذكره (٢).

الثالث : اختلفوا في صوم الولد بدون إذن والده وعن الأكثر كما في المدارك الكراهة (٣) ، وعن التلخيص والتبصرة وشرح الإرشاد لفخر المحقّقين عدم الصحّة (٤) ، وهو ظاهر الكليني (٥) بل الصدوق (٦) أيضاً ، وهو مختار النافع والإرشاد والدروس (٧).

ولكنه في المعتبر قال : واستحببنا ذكر الولد مع الوالد في الأصل ؛ مراعاة للأدب مع الوالد ، وليس بلازم ، بل على الأفضل (٨) ، ولعلّ مراده من الأصل النافع.

وقال في اللمعة : والأولى عدم انعقاده مع النهي (٩).

فظهر أنّ الأقوال في هذه المسألة أيضاً ثلاثة ، ولا يبعد ترجيح الكراهة ؛ لأنّ الرواية الدالة على المنع إنّما هي رواية هشام (١٠) ، ولا جابر لضعفها في خصوص الولد ؛ لأنّ الشهرة على خلاف ظاهرها.

اللهم إلا في صورة المنع لو قلنا بوجوب إطاعتهما في ترك المستحب.

ولكنه غير معلوم ، إلا أن يكون فعله مورثاً لإيذائهما وإيلامهما ، كما ذكروا في منعهما حضور الجماعة في الظلمة ، كوقت العشاء والصبح.

ومنه الأسفار المستحبة كالزيارات ، فإن مع قطع النظر عن خوف حزازات الطريق

__________________

(١) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٧.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٧.

(٣) المدارك ٦ : ٢٧٧.

(٤) التبصرة : ٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٥١.

(٦) الفقيه ٢ : ٤٨ و ٩٩.

(٧) النافع : ٧١ ، الإرشاد ١ : ٣٠١ ، الدروس ٢ : ٢٨٣.

(٨) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٩) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٨.

(١٠) الفقيه ٢ : ٩٩ ح ٤٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٩٦ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١٠ ح ٢.

٩٨

مفارقته صعب عليهما ، بل وجعلوا الواجبات الكفائية كالجهاد وتحصيل العلم الكفائي إذا حصلت الكفاية بفعل غيره موقوفة على رضاهما.

ولعلّ من منع عن الصوم المندوب بدون الإذن بشرط النهي نظره إلى أنّ الغالب أنّ النهي من المسلم عن العبادة لا يكون إلا من جهة حصول العسر والحرج والمشقة للولد ، المورث لإيلامهما ، كما لو كان في الأيّام الحارة.

فأظهر الأقوال إذن الأوّل ، ولنا القول بعدم الصحة مع المنع والنهي.

ثمّ إنّ صريح الرواية اشتراط إذن الأبوين ، ولا يبعد العمل عليه ، سيّما ويظهر من الآيات (١) والأخبار (٢) تأكّد لزوم إطاعتهما ، وتحصيل رضاهما ، وفي الأُم آكد ، فلعل مراد من اشترط إذن الوالد هو الجنس ، لا خصوص الأب.

بل ويمكن حمل كلامهم في الولد على ما يشمل الحفدة ، وفي الوالد على ما يشمل الأجداد أيضاً كما في الروضة (٣). ولكن الرواية ظاهرة في الولد الحقيقي والأبوين الحقيقيين ، والاقتصار عليه هو مقتضى الأصل.

الرابع : اختلفوا في صوم الزوجة والمملوك بدون إذن الزوج والمالك والأكثر على الحرمة ، وظاهرهم البطلان (٤) ، وادّعى في المعتبر اتفاق علمائنا وأكثر علماء الإسلام على عدم صحة صومهما (٥) ، وهو صريح صاحب المدارك في العبد (٦) ، والظاهر من التذكرة فيه (٧) ، ولم ينقل فيها الخلاف في عدم جواز صوم المرأة إلا بإذن

__________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) الكافي ٢ : ١٥٧.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٨.

(٤) كالمحقّق في النافع : ٧١ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٣٠١ ، والتبصرة : ٥٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٨٣ ، والبحراني في الحدائق ١٣ : ٢٠٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٦) المدارك ٦ : ٢٧٧.

(٧) التذكرة ٦ : ٢٠٢.

٩٩

زوجها أيضاً ، إلا عن الشافعي في حال غيبة الزوج (١).

وتدلّ عليه : مضافاً إلى الإجماعات المنقولة ، أنّ الزوج والمالك يملكان من منافعهما ما يمنع الصوم ، وخصوصاً الزوجة والأمة ، والأخبار ، منها ما تقدّم.

ومنها : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قال النبي : «ليس للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها» (٢).

وعن عمر بن جبير العزرمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاءت امرأة إلى النبيّ ، فقالت : يا رسول الله ، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : «هو أكثر من ذلك» فقالت : أخبرني بشي‌ء من ذلك ، فقال : «ليس لها أن تصوم إلا بإذنه» (٣).

وعن القاسم بن عروة ، عن بعض أصحابنا ، عنه عليه‌السلام ، قال : «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها» (٤).

وعن السيد (٥) وجماعة منهم سلار (٦) وابن حمزة (٧) الكراهة.

وعن ابن زهرة استحباب أن لا يصوم بدون الإذن ؛ مدعياً عليه الإجماع (٨).

ويظهر دليلهما مما مر ؛ من الأصل ، واستضعاف الأخبار ، وحملها على الكراهة.

والأصل لا يقاوم الدليل.

وأمّا الأخبار فمع وجود المعتبر الإسناد فيها ضعفها لو سلّم مُنجبر بعملهم ، وبالإجماعات المنقولة.

وأما القول بالتفصيل في صورة النهي عن الصوم وعدمه ، كما يظهر من

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٥٢ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ٣٩٣ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٢ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ٣٩٤ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٨ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٥١ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٣٩٣ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٨ ح ٢.

(٥) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٩.

(٦) المراسم : ٩٦.

(٧) الوسيلة : ١٤٧.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

١٠٠