غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-679-9
الصفحات: ٤١٢

اللمعة (١) ، فيظهر دليله مما مرّ ، وجوابه : أن الإجماعات والنصوص مطلقة ، والمقيد ضعيف ، فلا يصلح للتقييد.

ثمّ إنّ الظاهر أنّهم لم يفرقوا بين الذكر والأُنثى في المملوك ، وإن كان المذكور في الأخبار لفظ العبد ، وكذا في كلام بعضهم ؛ تبعاً للرواية.

ولم يُفرّقوا أيضاً بين كون الزوج والمولى حاضرَين أو غائبَين ، ولا بين أن يضعفه الصوم عن حق مولاه أو عدمه.

ويظهر من الفاضل الأصفهاني أنه إجماعي ، وقد أشرنا سابقاً إلى نسبة الخلاف في التذكرة إلى الشافعي في الزوج الغائب (٢) ، وهذا جيد بالنسبة إلى إطلاق النصوص والفتوى ، ويشكل بالنظر إلى ملاحظة الحكمة الموجبة للحكم من منع الحق.

ثمّ الظاهر أنّ الحكم مختص بالتطوّع ، فلا يتوقّف الواجب الموسع على إذنهما ، والظاهر من التذكرة عدم الخلاف في العبد ، وقال في مسألة المرأة : ولو كان الواجب موسعاً ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال (٣).

الخامس : اختلفوا في صوم النافلة سفراً وقد مر الكلام فيه مستوفى.

السادس : ذكر الفاضلان (٤) وغيرهما (٥) كراهة صوم التطوّع للمدعو إلى طعام

وإطلاقهم يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام معمولاً لأجله وعدمه ، ولا بين كون الداعي ممن يشقّ عليه ترك الإجابة وغيره ، ولا بين أن تكون الدعوة أوّل النهار أواخره.

__________________

(١) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٨.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٢ ، وانظر المهذّب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٩٣.

(٣) التذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧١٢ ، التذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٥) الحدائق ١٣ : ٢٠٦.

١٠١

قال في المسالك : نعم يشترط كونه مؤمناً ، والحكمة في أفضلية الإفطار من الصوم إجابة دعوة المؤمن ، وإدخال السرور عليه ، وعدم ردّ قوله ، لا مجرد كونه أكلاً (١). وهو كذلك.

وليس في الأخبار ما يدلّ على الكراهة ، بل إنّما تدل على أفضلية الإفطار ، ولذلك عبّر في التذكرة باستحباب الإجابة (٢).

ويمكن أن يقال : رجحان الإفطار على الصوم يستلزم مرجوحيّة الصوم بالنسبة إلى الإفطار ، وهو معنى كراهة فعله حينئذٍ.

فقد روى الكليني ، عن جميل بن دراج ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ، ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة» (٣) ، ووصفها في المدارك بالصحة (٤).

وفيه : أنّ في طريقها صالح بن عقبة ، وهو ضعيف (٥).

وروى أيضاً عن صالح بن عقبة ، قال : دخلت على جميل بن دراج ، وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها ، فقال : ادن فكل ، فقلت : إنّي صائم ، فتركني حتى إذا أكلها فلم يبقَ منها إلا اليسير ، عزمَ عليّ إلا أفطرت ، فقلت له : إذا كان هذا قبل الساعة ، فقال : أردتُ بذلك أدَبَك ، ثمّ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «أيّما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم ، فسأله الأكل ، ولم يخبره بصيامه ليمنّ عليه بإفطاره ، كتب الله جل ثناؤه له بذلك اليوم صيام سنة» (٦).

وعن داود الرقّي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لَإفطارك في منزل أخيك

__________________

(١) المسالك ٢ : ٨٠.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٤.

(٤) المدارك ٦ : ٢٧٨.

(٥) انظر معجم رجال الحديث رقم ٥٨٣٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٥.

١٠٢

المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً أو تسعين ضعفاً» (١).

وعن عليّ بن حديد ، قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صلّيت العصر وأنا صائم ، فيقولون : أفطر ، فقال : «أفطر ، فإنه أفضل» (٢).

وعن نجم بن حطيم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «من نوى الصوم ثمّ دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر ، وليدخل عليه السرور ، فإنّه يُحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام ، وهو قول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٣)» (٤).

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأول : إنّ هذه الأخبار كلّها في حكم من دخل على غيره ودعاه إلى الأكل ولا يبعد اطراد الحكم في كلّ داع ومدعوّ ؛ لما يُستفاد من الأخبار من العلّة ، وهي إدخال السرور في قلب المؤمن وإجابته.

ويدلّ عليه عموم ما رواه الكليني بسند ليس فيه إلا سهل ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إفطارك لأخيك المؤمن ، أفضل من صيامك تطوّعاً» (٥).

وما رواه الصدوق بسنده ، عن ابن فضال ، عن صالح بن عبد الله الخثعمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره ، فيسأله أن يفطر ، أيفطر؟ قال : «إن كان تطوّعاً أجزأه وحسب له ، وإن كان قضاء فريضة قضاه» (٦) الحديث.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ ح ٢٢١ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ ح ١ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٧.

(٣) الأنعام : ١٦٠.

(٤) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٥٠ ح ١ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٢ ح ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ح ٤٣٤ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٢.

١٠٣

وعلى هذا ، فلا تبعد كفاية دعوة المؤمن إلى نقض الصوم ، ولو من ماله ، أو بشي‌ء قليل ، كتمرة أو زبيبة ، كما قد يقع في الوالد والولد ، بأن يلتمس الولد من والده لدفع الحر والجوع والعطش عنه ، أو الزوجة من الزوج ، أو بالعكس ، ونحو ذلك.

الثاني : أنّ المستفاد من الأدلّة هو رجحان الإفطار للمدعو ، وأما رجحان الدعوة إلى الإفطار فلا يستفاد من تلك الأدلّة بمعنى أن تكون الدعوة إلى الإفطار مستحبةً.

اللهم إلا أن يقال : له الأجر من أجل إعانته في الخير ، نعم له أجر الإطعام من حيث إنّه إطعام ، ولا دخل له في إفطار الصائم ، نعم ورد في أخبار يوم الغدير أجر عظيم لمن أفطر الصائمين فيه ، حتّى أنّ في إفطار صائم فيه ثواب إطعام عشرة فئام ، وكلّ فئام مائة ألف ، كما روي عن الرضا عليه‌السلام (١).

وفي اخرى عن الصادق عليه‌السلام مضافاً إلى ذلك : «ثواب من أطعم وسقى هذا العدد من الأنبياء والأوصياء والشّهداء والصالحين في القحط» (٢).

الثالث : الظاهر من الدعوة الموجبة لرجحان الإفطار هي الدعوة الناشئة عن رغبة وشوق كما يظهر من التعليل في الأخبار بإدخال السرور في قلب المؤمن ، ونحو ذلك ، فإنّه كثيراً ما يدخل على من يأكل الطعام ويدعوه إليه دفعاً لحزازة البخل والجشع ، ويكون تركه الأكل أرجح منه في نفس الأمر ، فلا بدّ أن لا يكتفى بمجرد الدّعوة. والإشكال إنّما هو في صورة عدم ظهور الحال.

ويمكن القول بأنّ الأصل في عمل المسلم الصحّة ، وفي اللفظ الحقيقة ، وظاهر الأمر والطلب هو نفس المأمور به ، بل وموافقة الغرض ، إلا أن تقوم قرينة على إرادة غيره كما في التكليفات الابتلائية ، فإنه قد تكون المصلحة في نفس الأمر وإن لم يكن في المأمور به مصلحة عنده ، وقد يكون مطلوبه حصول المأمور به أيضاً ، ولكن بدون أن يكون مرغوباً له ، ويكون مشتاقاً إليه.

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٦٩٦ ، الوسائل ٧ : ٣٢٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٤٣ ح ٣١٧ ، الوسائل ٥ : ٢٢٤ أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ٣ ح ١.

١٠٤

الرابع : قد عرفت ثواب صيام يوم الغدير ، وأنه إلى غاية الغاية ولا ينافيه استحباب إفطاره فيه للداعي والمدعوّ كما ورد في الأخبار (١). وكذلك ما ورد في استحباب الإفطار للمدعوّ في الثلاثة الأيام في كلّ شهر بالخصوص (٢).

وفي بعض الأخبار المرويّة عن الرضا عليه‌السلام : أنّه جمع أصحابه في ذلك اليوم في بيته ليفطرهم في الليلة ، وفيه : «إنّ ثواب من أفطر مؤمناً في تلك الليلة ثواب من أفطر ألف ألف نبي وشهيد وصديق» (٣).

ويقع الإشكال فيما لو تعارضت الدعوتان ، ولعلّ الأرجح تقديم دعوة الليلة ؛ لجمعه بين ثواب الصوم وإجابته.

وكذلك الأفضل للداعي إلى الإفطار أن يختار دعوة الليل إذا تمكّن منهما معاً ، والظّاهر أنّ فعل الرّضا عليه‌السلام إنّما كان كذلك.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ، ١٤.

(٢) الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨.

(٣) مصباح المتهجّد : ٦٩٦ ، ٧٠٢ ، ٧٠٣ ، الوسائل ٧ : ٣٢٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ١١.

١٠٥

الفصل الرابع : في الصوم الحرام

وفيه مباحث :

الأوّل : يحرم صوم العيدين مطلقاً بإجماع علماء الإسلام ، كما ادّعاه المحقّق (١) ، والعلامة (٢) ، إلا ما استثناه الشيخ من القاتل في الأشهر الحرم في جملة من كتبه ، حيث أوجب عليه صيام شهرين متتابعين منهما ، وإن دخل فيها صيام العيد وأيّام التشريق (٣) ، وهو محكي عن الصدوق في المقنع (٤) وابن حمزة (٥) ؛ استناداً إلى رواية زرارة (٦) ، وقد أشرنا إليها وإلى ما فيها في صيام الكفارات.

وحاصله : منع التصريح بالصوم ، بل لعلّ المراد عدم ضرره بالتتابع ، مع أنّه مخالف للإجماع كما في التذكرة (٧) ، ولعله أراد أنّه مخصص للمجمع عليه من حرمة صوم

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٧.

(٣) النهاية : ١٦٦ ، المبسوط ١ : ٢٨١.

(٤) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٥) الوسيلة : ١٤٩.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٩ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ ح ٨٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٨ ح ١.

(٧) التذكرة ٦ : ٢٠٧.

١٠٦

العيدين ، وكذلك في المنتهي والمعتبر (١).

ولو نذر صوم العيدين لا ينعقد عند علمائنا أجمع ، كما صرح به في التذكرة (٢) ؛ ولأنه حرام ، فلا يكون متعلقاً للنذر.

وقال أبو حنيفة : ينعقد وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ وسقط القضاء (٣).

أما لو نذر صوم يوم فظهر أنّه العيد فقال في التذكرة : يفطره إجماعاً (٤).

والأقرب أنّه لا يجب قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصلح الصوم فيه ، فلم ينعقد كما لو علم ، ولأنّ متعلّق النذر لا بد أن يكون راجحاً حين الفعل ، ولا يكفي كونه راجحاً في نظره حين النذر ، فإن المشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدإ في أيّ زمان كان ، لا حين التكلّم ، كما حُقّق في الأُصول.

وهذا القول مختار ابن البراج (٥) ، وأبي الصلاح (٦) ، وابن إدريس (٧) ، والشيخ في موضع من المبسوط (٨) ، كما حكي عنهم ، والعلامة في المختلف (٩) ، ونسبه في الكفاية إلى الشهرة (١٠).

وعن الشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وجوب القضاء (١١) ، وهو المحكي عن الصدوق (١٢) وابن حمزة (١٣).

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦١٦ ، المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٠٨.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣١ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩.

(٤) التذكرة ٦ : ٢٠٩.

(٥) المهذّب ١ : ١٩٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١٨٥.

(٧) السرائر ١ : ٤١١.

(٨) المبسوط ١ : ٢٨١.

(٩) المختلف ٣ : ٤٨١.

(١٠) الكفاية : ٥٠.

(١١) النهاية : ١٦٣ ، المبسوط ١ : ٢٨١.

(١٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(١٣) الوسيلة : ١٤٩.

١٠٧

ولعلّ مستندهم : ما رواه الشيخ ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن القاسم ابن أبي القاسم الصيقل ، أنّه كتب إليه : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها ، وتصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله» (١).

وفي الصحيح عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن عليه‌السلام يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيّام التشريق أو سفراً أو مرضاً ، هل عليه صوم؟ إلى آخر الحديث السابق رواه في باب النذر (٢).

وعن علي بن مهزيار وسنده إليه صحيح ، كما ذكره في آخر التهذيب.

وقد يقدح في الأوّل بضعف السند.

وفي الثاني مضافاً إلى كونه مكاتبة باشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من حرمة صوم الجمعة.

وفيهما بتقييد الحكم بالمشيئة ، وهو لا يلائم الوجوب ، فيحمل على الاستحباب.

وفيه : أنّ المكاتبة من مثل علي بن مهزيار غير مضرّة ، وكذلك اشتمال الرواية على ما لم يقل به أحد كما مرّ مراراً ، وأما التقييد بالمشيئة فهو غير مضرّ ؛ لأنه لأجل التيمّن والتبرّك ، لا للتعليق.

مع أنّ الاستحباب أيضاً حكم من الأحكام ، ولا يصحّ فيه التعليق ، فالعمل على وجوب القضاء غير بعيد.

مع أنّه أحوط.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ح ٦٨٦ ، الوسائل ٧ : ٣٨٣ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١ ح ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ ح ١٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ ح ١١٣٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٣ أبواب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

١٠٨

وتردّد المحقّق في النافع (١) ، ولعلّه لأجل تأمّله في الروايتين ، وعدم رجحان المتعلّق ، وقد عرفت وجه الترجيح.

الثاني : يحرم صوم أيّام التشريق لمن كان بمنى وهي الثلاثة بعد العيد ، وهو إجماع علمائنا كما في المعتبر والتذكرة ، وكذا عن المنتهي والغنية (٢).

ولعلّ مرادهم الإجماع في الجملة ، وإلا فلا ريب في وجود الخلاف ، فإنّه يظهر منه في المعتبر أنّ القائل بحرمته مطلقاً أيضاً موجود ، حيث نسب التقييد بكونه في منى إلى الشيخ ، وأكثر الأصحاب.

فدعوى الشهيد الثاني في الروضة الإجماع على عدمه لمن ليس بمنى (٣) ، مشكل.

ولعلّه نظر إلى أنّ عبارة المعتبر تشعر بأن فهمه الخلاف في المسألة من جهة إطلاق كلام كثير منهم ، فإنّه يشمل سائر البلدان ، لا من جهة تصريح بعضهم بحرمته في سائر البلدان أيضاً.

ويمكن دفع دلالة الإطلاق على ذلك : بأنّه لعلّ من أطلق لاحظ أنّ جمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى ؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، وأيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى ، فإنها في غيرها يومان لا غير.

وكيف كان فالإجماع إنّما هو إذا كان بمنى ، وصرّح به في التذكرة حيث قال : حرام لمن كان بمنى عند علمائنا وأكثر العامة (٤) و (٥).

ولكنّه رحمه‌الله قيده في القواعد والإرشاد بما لو كان ناسكاً بحج أو عمرة (٦).

__________________

(١) المختصر النافع : ٧١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٤ ، التذكرة ٦ : ٢٠٩ ، المنتهي ٢ : ٦١٦ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٨.

(٤) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١.

(٥) التذكرة ٦ : ٢٠٩.

(٦) القواعد ١ : ٣٨٤ ، الإرشاد ١ : ٣٠١.

١٠٩

والذي يدلّ على الإطلاق : ما روى العامة عن أبي هريرة أنّ النبي «نهى عن صوم ستة أيّام : الفطر والأضحى ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه أنّه من شهر رمضان» (١).

ورواية الزهري ، عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، قال : «وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وثلاثة أيام من أيام التشريق» (٢).

وروايتا أبي زياد الحلال المتقدّمتان (٣).

وصحيحة أبي أيوب في زيادات التهذيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ، ودخل عليه ذو الحجة ، كيف يصنع؟ قال : «يصوم ذا الحجة كلّه إلا أيّام التشريق ، ثمّ يقضيها في أوّل يوم من المحرم حتّى يتمّ ثلاثة أيّام» (٤).

والذي يدلّ على تقييده بمن كان بمنى : خصوص صحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصيام أيام التشريق فقال : «أما بالأمصار فلا بأس ، وأما بمنى فلا» (٥).

فلا بد من تقييد المطلقات بهذه الصحيحة ؛ لكون المقيد حاكماً على المطلق ؛ سيما مع اعتضادها بعمل الجمهور ، واشتمال صحيحة أبي أيوب على ما لا قائل به.

وأما دليل تقييد القواعد والإرشاد فلم نقف عليه ، فالعمل على إطلاق صحيحة معاوية.

وأما وجه تسميتها بأيّام التشريق ، فقال في الصحاح : تشريق اللحم تقديده ، ومنه سمّيت أيّام التشريق ، وهي ثلاثة أيّام بعد يوم النحر ؛ لأنّ لحوم الأضاحي تشرّق فيها

__________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٧ ح ٨.

(٢) الكافي ٤ : ٨٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ح ٢٠٨ ، الوسائل ٧ : ٣٨٢ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٣٠ ح ١٠٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٩ ح ١٠٢٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٣ ح ٨.

(٥) الفقيه ٢ : ١١١ ح ٤٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٨٥ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٢ ح ٢.

١١٠

أي تشرر في الشمس ؛ ويقال : سمّيت بذلك لقولهم «أشرق ثبير كيما نغير» حكاه يعقوب ، وقال ابن الأعرابي : سمّيت بذلك ؛ لأنّ الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس (١) ، انتهى.

وثبير : جبل بمكة ، يعني : صِر مُستضيئاً بشروق الشمس ، لأجل أن نسرع النحر أو في السير.

وعن الأزهري : وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير أدبار الصلوات ، وهذا كلام لم نجد أحداً يجيز أن يوضع التشريق موضع التكبير ، ولم يذهب إليه غيره (٢).

أقول : وجدت منقولاً عن الخليل بن أحمد في هداية الفقه : وقيل إنّه من التشريق بمعنى صلاة العيد ؛ لإيقاعها حين تشرق الشمس ، فسميت بها لتبعيتها للعيد (٣).

الثالث : يحرم صوم نذر المعصية بجعله جزاءً للنذر ، وشكراً على ترك الواجب ، أو فعل الحرام ، أو زجراً عن فعل الواجب ، أو ترك الحرام.

ولا إشكال في حرمة الصوم ؛ لكونه تشريعاً وبدعة ، وعدم إمكان قصد التقرب به ، ولقول زين العابدين عليه‌السلام في رواية الزهري : «وصوم نذر المعصية حرام».

وكذا الظاهر حرمة ذلك النذر ، كما صرّح به في اللمعة (٤).

وقال الفاضل الأصفهاني : إنّ الظاهر عدم حصول الإثم ؛ لأنه ليس بأزيد من نيّة المعصية التي لا مؤاخذة عليها بعفو الله.

وفيه : أنه زائد على النية ، بل هو فعل ، وهو اعتقاد كون المعصية مشكوراً عليها ، أو العبادة مزجوراً عنها.

غاية الأمر أنّه من أعمال القلب ، بل للجوارح أيضاً فيه مدخليّة ، فكما أنّ اعتقاد

__________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠١.

(٢) حكاه في لسان العرب ١٠ : ١٧٦.

(٣) انظر كتاب العين ٥ : ٣٨ ، ولسان العرب ١٠ : ١٧٦.

(٤) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٤١.

١١١

حُسن القبيح كالحسد والرياء حرام ، فكذلك ما نحن فيه.

مع أنّ ذلك إيجاب للحرام على نفسه ، وتحريم على نفسه ، وتحريم للواجب ، وهو بدعة.

وتؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما «: إنّه سئل عن امرأة جعلت مالها هدياً ، وكلّ مملوك لها حر إن كلّمت أُختها أبداً ، قال : «تكلّمها ، وليس هذا بشي‌ء ، إنّما هذا وشبهه من خطرات الشيطان ، فإنّ خطرات الشيطان إذا اتبعت فهي حرام» (١) ، وخاطر الشيطان هنا التزام المذكورات زجراً عن التكليم.

الرابع : يحرم صوم الصمت بإجماع أصحابنا ، كما يظهر من التذكرة والمنتهى والمدارك ؛ (٢) ، ولأنّه بدعة في شرعنا وإن كان جائزاً فيما سلف ، كما تشعر به حكاية مريم الصديقة ، ولقوله عليه‌السلام في رواية الزهري : «وصوم الصمت حرام» (٣).

ولصحيحة زرارة في الفقيه ، عن الصادق عليه‌السلام ، في باب النوادر : عن صوم الدهر ، فقال : «لم يزل مكروهاً» وقال : «لا وصالَ في صيام ، ولا صَمت يوماً إلى الليل» (٤).

وفي الكافي عن حسان بن مختار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما الوصال في الصيام؟ قال ، فقال : «إنّ رسول اللهُ قال : لا وصال في صيام ، ولا صَمت يوماً إلى الليل ، ولا عتق قبل ملك» (٥).

وهو أن ينوي الصوم ساكتاً إلى الليل. بل في بعضه أيضاً ؛ لاشتراكه معه في كونه بدعة.

وأما الصوم ساكتاً إلى الليل بدون جعله وصفاً للصوم فليس بحرام ، إلا أن ينوي

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٢٨ ح ١٠٧١ ، الوسائل ١٦ : ١٥٧ أبواب الأيمان ب ١١ ح ٢.

(٢) التذكرة ٦ : ٢١٠ ، المنتهي ٢ : ٦١٧ ، المدارك ٦ : ٢٨٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ ح ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ح ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٣٨٢ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٧ ح ٢٠٨ ، الوسائل ٧ : ٣٩٠ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٩٥ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٩ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٤ ح ٨.

١١٢

الصمت في ذلك اليوم بجعله عبادة ؛ لأنّه أيضاً تشريع ، ولا يوجب حرمة الصوم.

وكذلك مع عدم الصوم.

نعم قد يتعلّق به غرض صحيح ، فيصحّ جعله مورداً للنذر أيضاً ، وهو غير جعله بالخصوص عبادة.

قال في المدارك : وظاهر الأصحاب أنّ الصوم على هذا الوجه يقع فاسداً ؛ لمكان النهي ، ويحتمل الصحّة ؛ لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة ، وتوجّه النهي إلى الصمت المنوي ونيته ، وهو خارج عن حقيقة العبادة (١).

وفيه : أنّ النهي إنما يوجّه إليه لوصفه المفارق ، لا إلى وصفه المفارق ، مع أنّ المفروض أنّه ليس بمفارق مع قصد كونه جزاءً له ، فإنّ هذا عبارة عن الإمساكين معاً.

الخامس : يحرم صوم الوصال بإجماع أصحابنا ، كما في التذكرة والمنتهى والمدارك (٢) ؛ ولأنّه بدعة ، ولصحيحة زرارة المتقدّمة ، وغيرها من الأخبار (٣).

وقال في الدروس : ويظهر عن ابن الجنيد عدم تحريم صوم الوصال ، وهو متروك (٤).

أقول : العبارة التي نقلت عنه في المختلف هي هذه : لا يستحب الوصال الدائم في الصيام ؛ لنهي النبي عن ذلك ، ولا بأس بما كان منه يوماً وليلة ، ويفطر في السحر (٥).

ووجه ظهوره : أن يكون كلامه ناظراً إلى تفسيري الوصال الآتيين ، فإذا كان أحدهما غير مستحب والآخر لا بأس به فلا يبقى حرام.

وجعله في المختلف أيضاً أحد محتملاته ، وردّه بالإجماع على خلافه.

وربّما يدفع ذلك : بأنّه عدم الاستحباب في العبادة لا يكون إلا مع الحرمة ، أو المكروه

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٨٢.

(٢) التذكرة ٦ : ٢١٠ ، المنتهي ٢ : ٧١٤ ، المدارك ٦ : ٢٨٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٤.

(٤) الدروس ١ : ٢٨٣.

(٥) المختلف ٣ : ٥٠٦.

١١٣

من العبادة أيضاً لا يخلو عن الرجحان ، وهو مشكل ، ويظهر وجهه ممّا حققناه سابقاً.

واختلف الأصحاب في تفسيره ؛ فعن الشيخين (١) ، وأكثر الأصحاب على ما في المدارك (٢) ؛ أنّه أن يجعل عشاءه سحوره ؛ لما رواه الكليني رحمه‌الله في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره» (٣) ، ورواه الصدوق في الفقيه مرسلاً عنه أيضاً (٤).

وفي الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «المواصل في الصيام يصوم يوماً وليلة ويفطر في السحر» (٥).

والقول الأخر : أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً ؛ لرواية محمّد ابن سليمان المتقدّمة في صوم شعبان (٦) ، ولأنّه المتبادر من لفظ الوصال.

ومال إليه المحقّق ، قال في المعتبر : يومان ، ونقل رواية الحلبي ، ثمّ نقل رواية محمّد ابن سليمان المتقدّمة في صيام شعبان ، ولعلّ هذا أولى (٧) ، وهو مختار ابن إدريس (٨) ، ونقله هو والعلامة في التذكرة (٩) ، عن الشيخ في الاقتصاد (١٠).

قال في التذكرة : وهو قول العامة (١١).

وهو مختاره في التلخيص.

__________________

(١) المقنعة : ٣٦٦ ، المبسوط ١ : ٢٨٣.

(٢) المدارك ٦ : ٢٨٣.

(٣) الكافي ٤ : ٩٥ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٨٨ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٤ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١١١ ح ٤٧٦.

(٥) الكافي ٤ : ٩٦ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٨٩ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٤ ح ٩.

(٦) الكافي ٤ : ٩٢ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ ح ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ ح ٤٥٢ ، الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٧١٤.

(٨) السرائر ١ : ٤٢٠.

(٩) التذكرة ٦ : ٢١١.

(١٠) الاقتصاد : ٢٩٣.

(١١) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

١١٤

وغلّط في المختلف ابن إدريس في نقله القول عن الاقتصاد ، مع نقله هو في التذكرة ، وقال : إنّ ما ذكره في الاقتصاد «وصوم الوصال كذلك يجعل عشاءه سحوره أو يطوي يومين» قال : وقوله يعني ابن إدريس إنّه الأظهر أو الأصح ، ليت شعري من قال ذلك ، فإنّ أكثر كتب علمائنا خالية عنه ، بل نصّوا على تحريم صوم الوصال ، ولم يذكروا ما هو ، كأبي الصلاح (١) وسلار (٢) والسيد المرتضى (٣) وعلي بن بابويه ، والصدوق بن بابويه روى عن الصادق عليه‌السلام قال : «الوصال الذي منهي عنه أن يجعل عشاءه سحوره» (٤) انتهى.

وربما يقال : إنّ نظر ابن إدريس إلى انفهام ذلك من لفظ الوصال ، وإنّ اعتماد الأصحاب المطلقين على الظهور من اللفظ ، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد أيضاً.

أقول : والتحقيق أنّ كلّ واحد من التفسيرين حرام وبدعة إذا نوى ذلك ، يعني : قصد أن يكون لترك الإفطار في تمام الليل أو بعضه مدخليّة في صوم اليوم أو اليومين ، كما هو ظاهر جعَلَ عشاءه سحوراً ، وصيام ليلين متواليين بغير إفطار ؛ لا أن يكون الترك من باب الاتفاق أو لأجل غرض آخر ، إلا أن يجعل الترك في الليل من حيث هو هذا الترك عبادة أُخرى بالنية ، فذلك أيضاً بدعة ، ولكن لا دخل له في مسألة الصيام.

فالنزاع في التفسير لا يثمر ثمرة معتداً بها إلا نادراً.

وأما اعتبار مدخلية ترك الإفطار ، بمعنى أن يكون صيام الليل أيضاً منوياً ، فلعلّهم لم يقولوا به ؛ لأن زمان الصوم إنّما هو النهار.

وحينئذٍ فإما نقول : إنّ لفظ الوصال في الأخبار وكلام الفقهاء مشترك معنىً بينهما ، بل بين مطلق إدخال جزء من الليل في ترك الإفطار بالنية وإن لم يكن يجعل

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨١.

(٢) المراسم : ٩٥.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٩.

(٤) انتهى المنقول من المختلف ٣ : ٥٠٧ ، وانظر الفقيه ٢ : ١٧٢ ح ٢٠٤٧ ، والوسائل ٧ : ٣٨٨ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٤ ح ٥ ، ٧.

١١٥

العشاء سحوراً أيضاً ، فيكون ذكر أحد التفسيرين في كلامهم من باب المثال.

ولعلّه إلى ذلك ينظر الترديد المنقول عن الاقتصاد.

وأظهر منه عبارة الروضة ، حيث قال في تفسيره : بأن ينوي صوم يومين فصاعداً لا يفصل بينهما بفطر ، أو صوم يوم متراخ عن الغروب ، ومنه أن يجعل عشاءه سحوره بالنية ، إلا إذا أخّر الإفطار لغيرها أو تركه ليلاً (١).

أو مشترك لفظي ، والترديد ناظر إليه ، ولكنه لا يلائم انحصار التفسير في الأخبار وكلامهم.

وأمّا حرمة ترك الإفطار في الليل من غير قصد مدخليته في الصوم ، ولا اعتبار قصده بالخصوص بالنية ، فلم نقف على ما يدلّ عليه في الأقوال والأخبار.

وما قد يتوهّم من عبارة المبسوط من الدلالة فليس بشي‌ء ، قال في نكاح المبسوط : إنّ من خصائص النبي إباحة الوصال ، وقال : وهو أن يطوي الليل بلا أكل وشرب مع صيام النهار ، لا أن يكون صائماً ؛ لأن الصوم في الليل لا ينعقد ، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطراً بلا خلاف (٢) ، ومثله في التذكرة (٣) ، فإن الظاهر أنّ مرادهما أنّ تركهُ للإفطار في الليل لم يكن صوماً ، لا أنه لم يكن لقصد تركه في الليل مدخلية في الصوم حتى تلزم حرمة تركه مطلقاً على غيرهُ ، وجوازه مختصاً به.

وذلك لأنّ قوله تعالى (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٤) ونحوه لا يدلّ إلا على انقطاع الصوم عند دخول الليل ، لا وجوب الإفطار فيه ، فإنّ الإفطار أمر مباح إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، نعم هو مستحب.

ثمّ إنّ الإشكال الذي ذكره صاحب المدارك سابقاً أورده هنا أيضاً (٥) ، والجواب واحد.

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٤١.

(٢) المبسوط ٤ : ١٥٣.

(٣) التذكرة ٦ : ٢١٠.

(٤) البقرة : ١٨٦.

(٥) المدارك ٦ : ٢٨٣.

١١٦

ثمّ إنّ العلامة في المختلف جعل أحد محتملات الفقرة الاولى من كلام ابن الجنيد إشارة إلى صوم الدهر ومَنَعه (١) ، ومقتضاه استحباب صوم الدهر.

وصرّح في الدروس بكونه مكروهاً مع استثناء الأيّام المحرّمة (٢) ، وأطلق ابن إدريس حرمته (٣).

ويظهر من التذكرة الإجماع على الحرمة إذا لم تتعين الأيّام المحرّمة ، ويظهر منه التردد في الباقي (٤).

ورواية الزهري مصرّحة بتحريم صوم الدهر (٥).

والحق أنّ صوم الدهر بأجمعه حرام إجماعاً ، ومطلق الرواية وكلام الأصحاب أيضاً مقيّد بذلك ، فمن أطلق الكراهة أراد مع الاستثناء ، وكذلك من أطلق الحرمة أراد بدون الاستثناء.

إنّما الإشكال في كراهة الباقي وعدمها ، ولا يبعد ترجيح القول بكراهتها ؛ لما روي عن النبي أنّه قال : «لا صام من صام الدهر ، صم ثلاثة أيّام صوم الدهر كلّه» فقال له عبد الله بن عمر : إني أُطيق أكثر من ذلك ، فقال : «فصم صوم داود عليه‌السلام ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً» فقال : إني أُطيق أفضل من ذلك ، قال : «لا أفضل من ذلك» (٦).

ومن طريق الخاصة : الأخبار الدالة على فطر رسول اللهُ ، واستدامته عليه ، خصوصاً ما دلّ على أول آخر أمره إلى صيام ثلاثة أيّام ، وخصوصاً رواية محمّد بن مروان المتقدّمة (٧).

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٠٦.

(٢) الدروس ١ : ٢٨٢.

(٣) السرائر ١ : ٤٢٠.

(٤) التذكرة ٦ : ٢١٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٧ ح ٢٠٨ ، الوسائل ٧ : ٣٩٢ أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٧ ح ٢.

(٦) سنن البيهقي ٤ : ٢٩٩.

(٧) الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب الصوم المندوب ب ٧.

١١٧

وخصوص صحيحة زرارة : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : «لم يزل مكروهاً» (١).

والذي يدلّ على استحبابه هو عمومات الصوم ، والأخبار الدالّة على حرمة الأيام المحرمة ، فإنّها تدلّ على استحباب البواقي ؛ لعدم كون العبادة مباحةً.

وفيه : أنّه لا ينافي الكراهة ، على ما حقّقناه من جواز مرجوحية فعلها بالنسبة إلى تركها.

وأمّا الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ ثواب الصوم الفلاني كصوم الدهر ، مثل ما ورد في الثلاثة الأيام ، وفي الستة بعد رمضان ، والغدير ، وغيره ، فلا دلالة فيها ؛ إذ الظاهر أنّ المراد منها أنّ ثوابه ثواب الصوم الصحيح الراجح بمقدار عمر الصائم ، أو عمر الدنيا.

ويؤيده أنّه لا يملك أحد عمر الدنيا ، وذلك لا يستلزم رجحان صوم تمام الدهر ، مع أنه منقوض بشهر رمضان وما يجب عليه بالأسباب الخارجة ، وبالأيام المحرمة بسبب المرض أو السفر أو غيره.

فلا بد من التوجيه بذلك ، أو التخصيص بصوم الدهر على الوجه الوارد في الشريعة ، وفي هذا إشكال.

السادس : يحرم صوم المرأة تطوّعاً بدون إذن زوجها أو مع نهيه ، وكذا المملوك بدون إذن مولاه ، والصوم الواجب سفراً عدا ما استثني ، وصوم المريض المتضرّر به ، وقد مرّ الكلام في هذه المسائل ههنا ، وفي المباحث السابقة فراجعها.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٢ ح ٤٧٨ ، الوسائل ٧ : ٣٩٢ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٧ ح ١.

١١٨

المقصد السابع

في اللواحق

وفيه مباحث :

الأول : كلّما اشترط في قصر الصلاة في السفر يشترط في إفطار الصوم ، ويزيد هنا اشتراط تبييت نيّة السفر وعدمه.

واختلف كلام الأصحاب ؛ فمنهم من فصّل بالتبييت وعدمه ، يعني : إن لم يبيّت نيّة السفر فلا يفطر ، وإن خرج قبل الزوال.

ومنهم من فصّل بالخروج قبل الزوال فيفطر مطلقاً ، وبعده فلا يفطر مطلقاً.

ومنهم من أطلق وجوب الإفطار.

ذهب إلى الأوّل الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار والخلاف مدّعياً فيه الإجماع كما حكي عنه (١) وأبو الصلاح (٢) وابن البراج (٣) وابن حمزة (٤) والمحقق في

__________________

(١) النهاية : ١٦١ ، المبسوط ١ : ٢٨٤ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢٠٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٢.

(٣) المهذّب ١ : ١٩٤.

(٤) الوسيلة : ١٤٩.

١١٩

كتبه الثلاثة (١) والعلامة في التلخيص.

وإلى الثاني الصدوق في المقنع وهو ظاهره في الفقيه (٢) والمفيد (٣) وابن الجنيد (٤) ويحيى بن سعيد (٥) والعلامة في جملة من كتبه (٦) والشهيدان (٧) وجملة من المتأخّرين (٨) وأسنده في المعتبر إلى أبي الصلاح الحلبي (٩).

وعبارته المنقولة في المختلف هذه : إذا عزم على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حاضراً ، فإن خرج قبل الزوال أفطر ، وإن تأخّر إلى أن تزول الشمس أمسك بقية يومه وقضى (١٠).

ومفهومها يقتضي اشتراط جواز الإفطار قبل الزوال بتبييت نيّة السفر.

وإلى الثالث عليّ بن بابويه (١١) ، وهو ظاهر المرتضى رحمه‌الله حيث سوّى شرائط القصر في الصوم والصلاة ولم يستثنِ شيئاً (١٢) ، وكذا العلامة في الإرشاد (١٣) ، وهو مذهب ابن أبي عقيل (١٤).

وجعله ابن إدريس أوضح الأقوال بعد ما ذكر قول المفيد ، وارتضاه ؛ لكونه موافقاً للتنزيل والمتواتر من الأخبار ، معلّلاً بأن أصحابنا يختلفون في ذلك ، وليس على

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٩١ ، المعتبر ٢ : ٧١٥ ، المختصر النافع : ٧١.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦ ، الفقيه ٢ : ٩٠.

(٣) المقنعة : ٣٥٤.

(٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٦٨.

(٥) الجامع للشرائع : ١٦٥.

(٦) المنتهي ٢ : ٥٩٩ ، التحرير ١ : ٨٣.

(٧) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٢٧.

(٨) الذخيرة : ٥٣٧.

(٩) المعتبر ٢ : ٧١٥ ، وانظر الكافي في الفقه : ١٨٢.

(١٠) المختلف ٣ : ٤٦٨.

(١١) حكاه عنه في السرائر ١ : ٣٩٢ ، والمختلف ٣ : ٤٦٨.

(١٢) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٥.

(١٣) الإرشاد ١ : ٣٠٤.

(١٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٦٩.

١٢٠