غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-679-9
الصفحات: ٤١٢

وتؤيّده صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (١) ، وصحيحة أبي بصير (٢) ، المتقدّمتان بإطلاقهما ، ولكنهما ظاهرتان في غير صورة الشرط.

وربّما فرّق بين ما شُرط التتابع في النذر ، وما لم يشترط.

واعلم أنّ الفاضلين (٣) وغيرهما (٤) جعلوا صورة الاعتكاف المنذور ثمانية أقسام بملاحظة التعيّن وعدمه ، واشتراط التتابع وعدمه ، والاشتراط على ربّه وعدمه ، أربعة منها في صورة التعيّن ، وأربعة منها في صورة عدمه.

فالأوّل : أنّ يُعيّن زماناً ، كالعَشر الأواخر من رمضان ، مع اشتراط التتابع ، وشرط الخروج على ربّه ، فيَجوز الخروج ، ولا يجب الإتمام بمقتضى شرطه ، ولا القضاء ؛ للأصل ، وعدم الدليل ، وعدم الخلاف كما مرّ.

الثاني : الصورة بحالها بدون شرط التتابع ، وهو مِثل الأوّل حُكماً ودليلاً.

الثالث : وهو الصورة الأُولى بدون الشرط على ربّه ، ولا يَجوز له الخروج ، إلا مع العارض الضروري المانع ، فيَخرج حينئذٍ ، ويقضيه بعد زوال العُذر متتابعاً.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، ويَشمله إطلاق الصحيحتين المُشار إليهما أنفاً ، مع اختلافٍ في دلالتهما في وجوب الاستئناف رأساً ، أو وجوب تدارك ما بقي.

ولا إشكال فيما لم يحصل أقلّ الاعتكاف ، وأما فيما حصلَ فيحتمل الاستئناف رأساً ؛ تحصيلاً للتتابع ، كما هو مُقتضى إحدى الصحيحتين ، والاكتفاء بما بَقي ، كما هو مُحتمل الأُخرى ، أو ظاهرها.

الرابع : صورة التعيين مع انتفاء الشرطين ، وهو كالثالث حُكماً ودليلاً ، إلّا في تتابع القضاء.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ح ٥٣٠ ، الوسائل ٧ : ٤١٢ أبواب الاعتكاف ب ١١ ذ. ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ ح ٥٣٦ ، الوسائل ٧ : ٤١٢ أبواب الاعتكاف ب ١١ ح ٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٣٩ ، التذكرة ٦ : ٣٠٧.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٠٧.

٢٤١

الخامس : صورة عدم التعيين مع الشرطين فقد ذكرنا سابقاً أنّ له الخروج ، وأنّ ذلك لا يستلزم سقوط أصل التكليف ، كما ذهبَ إليه جماعة من الأصحاب (١) ، خلافاً لآخرين (٢) ، فيجب عليه القضاء ، بمعنى الاستئناف رأساً متتابعاً ، أو الإتيان بما بقي عليه متتابعاً ، وأما إذا لم يأتِ بأقلّ الاعتكاف فيتعيّن الاستئناف رأساً. وإن قلنا بشمول الصحيحتين لهذه الصورة ، فيُمكن حمل الصحيحة الأُولى على ما لم يأتِ بأقلّ الاعتكاف ، والثانية على ما أتى به.

السادس : الصورة بحالها مع انتفاء الشرط على ربّه ، فيخرج حين عروض العارض ، ثمّ يستأنف متتابعاً ؛ لوجوبه عليه متتابعاً ، ولم يتعيّن بسبب الفعل ، فيجب الإتيان به على الوصف المشروط في النذر.

واستشكله في التذكرة (٣) ، وقيل في وجه الإشكال : إنه لزوم الحرج والعُسر ، سيّما إذا اتفق مرّة بعد اخرى ، ولأن الاعتكاف واجب ، ومتابعته واجب آخر ، فكلّ ما وقع منه كان من الواجب المنذور ، وأصالة البراءة تقتضي نفي البدل ، ووصف المتابعة إنّما اختلّ ضرورةً ؛ من دون اختياره.

وما نقل من المختلف سابقاً في الفرع الأوّل من لزوم الاستيناف ، إنّما كان لكون الإخلال بالتتابع بتقصير المكلّف.

أقول : الأظهر لزوم الاستئناف ؛ لاستصحاب مقتضى النذر ، وإطلاق دليله ، فلا يعارض بأصل البراءة ، والتمسك بنفي الحرج ضعيف ، غاية الأمر ملاحظة نفيه حيث ما حصل الحرج لا مطلقاً.

والظاهر أنه لا مدخل للتقصير وعدم التقصير في صدق الامتثال وعدمه ، مع أنّ الشيخ في المبسوط نفى الخلاف عن وجوب الاستئناف على ما حُكي عنه (٤) ، فالأقوى

__________________

(١) كالمحقّق في المعتبر ٢ : ٧٤٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٠٨ ، وصاحب المدارك ٦ : ٣٤٣.

(٢) كابن إدريس في السرائر ١ : ٤٢٣ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٩٥.

(٣) التذكرة ٦ : ٣٠٧.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩١.

٢٤٢

وجوب الاستئناف.

السابع : هو الخامس مع انتفاء شرط التتابع ، وحُكمه الخروج عند عروض العارض ، فإن كان ما أتى به أقلّ من ثلاثة يستأنف رأساً ، وإن كان ثلاثة ؛ فإن كان الباقي أقلّ من ثلاثة ، فيبني ويتمّه ثلاثة ، وإن كان ثلاثة فما زاد ، فيبني ويتمّ كما بقي ، ويظهر دليله مما مرّ.

الثامن : صورة انتفاء التعيين والشرطين معاً ، فيَخرج مع العارض ، ويَستأنف إن لم يأتِ بثلاثة ، وإن أتى بها فيبني ويتمّ كما مرّ ، ويظهر وجهه مما سبق.

فائدة :

نقل العلامة في التذكرة عن العامة منع الخروج لعيادة المريض ، وشهادة الجنازة ، إلا أن يشترط فعل ذلك في اعتكافه ، فيكون له فعله ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً.

وكذا ما كان قربة ، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم ، أو كان مباحاً مما يحتاج إليه ، كالأكل في منزله ، والمبيت فيه ، فله فعله ، وفي المبيت إشكال.

ثمّ نقل عن مالك أنه لا يكون في الاعتكاف شرط (١) ، وقال : وليس بجيد ؛ إذ لا يجب بعقده ، فكان الشرط فيه إليه كالوقف ، ولأن الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرطَ الخروج ، فكأنه نذر القدر الذي أقامه ، وإن قال : متى مرضتُ أو عرض لي عارض خرجتُ ، جاز شرطه.

ثمّ قال : إذا نذر اعتكافاً بصفة التتابع ، وشرط الخروج منه إن عرض له عارض ، صحّ شرطه على ما تقدّم.

ثمّ قال : وإن أطلق وقال : لا أخرجُ ، إلا لشُغلٍ يعتري ، أو لعارضٍ يَعرض ، كان له

__________________

(١) انظر المغني ٣ : ١٣٧ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٩.

٢٤٣

أن يَخرج لكلّ شُغل ديني ، كحضور الجمعة ، وعيادة المرضى ، أو دنيوي ، كلقاء السلطان ، واقتضاء الغريم ، قال : ولا يَبطل التتابع بشي‌ء من ذلك عند الشافعي ، وشرط في الشغل الدنيوي الإباحة ، وللشافعيّة وجه آخر أنه لا يشترط (١).

ثمّ قال : ولا عبرة بالنزهة ؛ لأنها لا تُعدّ من الأشغال ، ولا يُعتنى به ، ولو قال : إن عرض لي عارض قطعت الاعتكاف ، فالحكم كما لو شرط ، إلا أنه في شرط الخروج يَلزمه العَود عند قضاء الحاجة ، وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ، وكذا لو قال : عليّ أن اعتكفَ رمضان ، إلا أن أمرض أو أُسافر ، فإذا مرض أو سافر فلا شي‌ء عليه.

ثمّ قال : هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه في هذا الغرض؟ يُنظر إن نذر مدّة غير معيّنة ، كشهر مطلق ، أو عشرة مطلقة ، فيجب التدارك ؛ لتتم المدة المنذورة ، وتكون فائدة الشرط تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به ، وإن عيّن المدة ، فنذر اعتكاف هذه العشرة ، أو شهر رمضان ، لم يجب التدارك ؛ لأنه لم ينذر اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة (٢) ، انتهى ما أردنا نقله منها.

أقول : ويظهر منه رحمه‌الله أنّ مسألة قصد الخروج غير مسألة قصد الإعراض ، وما قدّمناه سابقاً إنما كان في مسألة الإعراض.

وأما مسألة قصد الخروج ، فإن كانت من المستثنيات المتقدّمة ، فلا إشكال فيها ؛ للأدلّة الدالة عليها.

وأما في المباحات ؛ كالأكل في البيت والمبيت فيه على إشكال ، فيظهر منه رحمه‌الله تجويزه ، ويظهر من كلامه بملاحظة أوّله واخره أنه لا يفرّق بين المنذور والمندوب في جواز شرط الخروج في نية المندوب ، وفي عقد النذر في المنذور ؛ لأنه من قبيل شرط الوقف ، وهو بجعل المكلّف ، ولعلّه للأصل وعموم المؤمنون عند شروطهم وأمثال ذلك. وعدم ثبوت العموم في أدلّة المنع عن الخروج حتّى في صورة الشرط ،

__________________

(١) انظر المجموع ٦ : ٥٣٧ ، وفتح العزيز ٦ : ٥٢٠.

(٢) التذكرة ٦ : ٣٠٩ ـ ٣١٢.

٢٤٤

فيَبقى تحت إطلاقات الاعتكاف وعموماتها ، فالمعيار هو كون الشرط مشروعاً ، وهو لا يقتضي أزيد من إباحته.

والحاصل : أنّ المعيار في مسألة قصد الخروج قصد العَود إلى معتكفة بعد قضاء الحاجة ، فلا يضرّ إلا إذا أخرج الاعتكاف عن مسمّاه ، كما أشارَ إليه في بعض كلماته هُنا أيضاً.

وفي مسألة شرط القطع المراد به الإعراض المعبّر عنه بقوله ولو قال : إن عرضَ لي عارض قطعت الاعتكاف القصد إلى عدم العَود إليه ، وقد تقدّم الكلام فيه.

ويمكن أن يكون هو أيضاً من باب الشرط في النيّة أو حينَ النذر ، فلا يكون في مسألة الاشتراط على ربّهِ مثلَ الشرط حال الإحرام.

والفرق بين الشرطين هو قصد العَود في الأوّل دون الثاني ، ولا دليل على بطلان هذا الشرط أيضاً ؛ لعدم ثبوت حُرمة إبطال العمل مطلقاً ، سيّما مع الشرط حتّى يكون شرطه غير مشروع.

نعم لا يجوز اشتراط غير المشروع ، وما كان منافياً لمقتضاه ، كما نقلنا عن المسالك (١) ، وصرّح به غيره من الأصحاب (٢).

قال في التذكرة : ولو شرطَ الجماع في اعتكافه أو الفرجة والتنزّه ، أو البيع والشراء للتجارة ، أو التكسّب بالصناعة في المسجد لم يجز ؛ لأنّه مُنافٍ للاعتكاف (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٠٧.

(٢) مشارق الشموس : ٥٠٥.

(٣) التذكرة ٦ : ٣٠٨.

٢٤٥

المبحث الرابع

في أحكام الاعتكاف

وفيه مطالب :

الأوّل : يَحرم عليهِ نهاراً ما يحرم على الصائم بالحرمة الشرعية والشرطية إن كان واجباً وإن كان في ثالث المندوب ، وبالحُرمة الشرطيّة فيما يفسد الصوم في المندوب ، بمعنى حصول الفساد به فيه ، وإن لم يحرم شرعاً ، ولا إشكال في ذلك كلّه لاشتراطه بالصوم.

ويَحرم عليهِ ليلاً ونهاراً النساء جُماعاً ، وكذلك لَمساً وتقبيلاً ، ولم نَقف فيه على خلاف ، وعن ظاهر التبيان ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي ما يُعطي الاتّفاق (١) ، ويشمله عموم الآية (٢) على إشكال سنشير إليه.

وقد مرّ الوجه في صحيحة الحلبي المتقدمة (٣) في أوائل الباب وتفسير الصدوق إيّاها (٤).

__________________

(١) التبيان ٢ : ١٣٥ ، مجمع البيان ١ : ٢٨١ ، فقه القرآن ١ : ١٩٦.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٥ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ح ٥١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ ح ٨٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ح ٤٢٦ ، الوسائل ٧ : ٤٠٥ أبواب الاعتكاف ب ٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٠.

٢٤٦

ورواها الشيخ أيضاً وفسّرها بما فسّره الصدوق ، وقال : والذي يَحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره (١).

والظاهر أنّ مُراده الجماع ومقدّماته ، والحصر إضافيّ بالنسبة إلى المحادثة والمجالسة والمخالطة ، لا مطلقاً ، ولعلّه في المسالك جعله مخالفاً في المسألة ، حيثُ جعلَ الحرمة أصحّ القولين (٢).

وكيف كان فالظاهر أنّ حُرمة اللمس والتقبيل إنّما هي إذا كان من شهوة ، وعن المنتهي أنه لا نعرف خلافاً في جواز اللمس بلا شهوة (٣).

وقال في المعتبر : يجوز أن يُلامس من غير شهوة ؛ لما روي أنّ النبي كان يلامس بعض نسائه في الاعتكاف ، (٤) و (٥) وفي المنتهي : لما ثبت أنّ النبي إلى أخره (٦).

وفي التذكرة : يجوز للمعتكف أن يقبّل على سبيل الشفقة والإكرام ، ولا بأس أن يلمس بغير شهوة (٧).

والمتبادر من الآية أيضاً إنّما هو المباشرة على سبيل الشهوة ، فلا يجوز الخروج عن الأصل.

وعن ابن الجنيد : إلحاق النظر بشهوة بهما ، وتبعه العلامة في المختلف (٨) ، ولم نقف له على دليل يُعتدّ به ، هذا الكلام في الحرمة.

وأما الإفساد فهو ثابت في الجماع ليلاً كان أو نهاراً ، وعن الغنية الإجماع عليه (٩) ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٧.

(٢) المسالك ٢ : ١٠٨.

(٣) المنتهي ٢ : ٦٣٩.

(٤) راجع صحيح البخاري ٣ : ٦٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ ح ٢٤٦٧ ـ ٢٤٦٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٥ ح ١٧٧٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ ح ٨٠٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤١.

(٦) المنتهي ٢ : ٦٣٩.

(٧) التذكرة ٦ : ٢٥٧.

(٨) نقله عن ابن الجنيد واختاره في المختلف ٣ : ٥٨٩.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

٢٤٧

وعن المنتهي إجماع أهل العلم إذا كان نهاراً (١) ، ويدلّ عليه في النهار اشتراطه بالصوم مع فساده به.

وقد يُستدلّ على إفساده ليلاً ونهاراً بإطلاق صحيحة أبي ولاد المتقدّمة (٢) بتقريب أنّ تعليق الكفّارة على عدم الاشتراط وعدم انقضاء ثلاثة أيّام يدلّ على أنّها فرعُ الفساد.

أقول : ويشكل (بذلك حصول) (٣) الفساد بسبب الخروج عن المعتكف ، فهو مستلزم لتحصيل الحاصل.

وأما الاستدلال بمثل موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مُعتكف واقع أهله ، فقال : «هو بمنزلة من أفطرَ يوماً من شهر رمضان» (٤) فهو أضعف ؛ لأنّ الظاهر منها أنّه مثله في الكفارة ، وهو لا يستلزم فساد اعتكافه كفساد صومه.

وتشهدُ بذلك روايته الأُخرى ، عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن مُعتكف واقع أهله ، قال : «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً : عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً» (٥).

وأما اللمس والتقبيل والنظر بشهوة إن قلنا بتحريمه ، ففيها خلاف ، والأظهر عدم البطلان ، وفاقاً لابن حمزة (٦) والفاضلين في جملة من كتبهما (٧) ، والروضة والمدارك (٨) وغيرها (٩) ؛ للأصل.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٣٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ح ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ح ٨٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ح ٤٢٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

(٣) في «ح» : ذلك بحصول.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٣ ح ٥٣٤ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٢ ح ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ح ٤٢٥ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٦) الوسيلة : ١٥٤.

(٧) الشرائع ١ : ١٩٦ ، المختصر : ٧٤ ، المختلف ٣ : ٥٩٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٦.

(٨) الروضة البهيّة ٢ : ١٥٦ ، المدارك ٦ : ٣٤٤.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٩٢.

٢٤٨

وعن الشيخ في الخلاف (١) والعِمة في جملة من كتبه (٢) ، والمحقّق في المعتبر (٣) ، وابن شهرآشوب في متشابه القرآن والدروس (٤) البطلان ؛ للنهي عن المباشرة في الآية ، وهو دليل الفساد ، وهو ممنوع ؛ لخروجه عن العبادة.

وفي المعتبر بعد الاستدلال بها قال : فيكون منافياً للاعتكاف ، فيبطل كالجماع (٥).

ولعلّه نظر إلى أنه من قبيل قول القائل : «أتستخف بالقران وأنت مسلم» يعني لا يجامع الإسلام الاستخفاف ، فالمستخفّ ليس بمُسلم ، فالمباشر للنساء ليس بمعتكف ، وليس ببعيد من المتبادر من التركيب.

ولكن يَقدحه منع شمول المباشرة لما ذكر (٦) ، فإنّها لم تستعمل في المعنى اللغوي ظاهراً ، بل الظاهر أنّه كناية عن الجماع ، كما يُرشد إليه تتبّع النظائر ، مثل قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) و (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) و (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) و (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) (٧) وغير ذلك.

وكذلك يحرم عليه الاستمناء ؛ لتنبيه الآية عليه ؛ لأنّه أشدّ من مُلامسة النساء ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع على كونه مفسداً ، وموجباً للكفارة (٨).

وكذلك شمّ الطيب ، بل مُطلق استعماله ، كما عن الخلاف مُدعياً عليه الإجماع (٩) ، وهو المشهور.

وعن المبسوط : أنّه لا يجب الاجتناب (١٠) ، وربما نسب إلى ابن إدريس (١١) ، ونسب

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٩.

(٢) المنتهي ٢ : ٦٣٩ ، التحرير ١ : ٨٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٤٠.

(٤) الدروس ١ : ٣٠٢

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٠.

(٦) في «م» : ذكرنا.

(٧) البقرة : ٢٢٢ ، النساء : ٤٣ ، البقرة : ١٨٧.

(٨) الخلاف ٢ : ٢٤٠.

(٩) الخلاف ٢ : ٢٤٠.

(١٠) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(١١) انظر السرائر ١ : ٤٢٥.

٢٤٩

في المختلف إليه القول بالحرمة (١) ، وعبارته مشتبهة ، ولا يبعد كونها أظهر في الحرمة.

وكيف كان فالأظهر هو الحرمة ، ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع المنقول ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يُماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع» (٢).

وعن المبسوط : أنّه روي أنّه يتجنب ما يجتنبه المحرم (٣).

ثمّ إنّ الأقوى حُرمة شمّ الرياحين أيضاً ؛ لدلالة الصحيحة عليه ، ولعلّ وجه تعديد العنوان ، والفرق بينهما مع ورودهما معاً في الصحيح : هو ملاحظة قوّة الدليل ، كما فرّقوا في إحرام الحج بين استعمال الطيب من باب المسك والعنبر والزعفران ونحوها ، وبين شمّ النباتات ، وكذلك جعلهم النباتات أقساماً مختلفة اختلفت أقوالهم فيها.

والقول بحُرمة شمّ الرياحين في الإحرام أضعف من استعمال الطيب ، فكذا هنا.

وكذلك يَحرم عليه البيع والشراء بلا خلاف ظاهر ، بل يَظهر من المدارك أنّه قول علمائنا (٤) ، وادّعى عليه في الانتصار الإجماع (٥) ، وتدلّ عليه الصحيحة المذكورة.

قال في المسالك : وفي تعديته إلى ما يساويهما في المعنى من أنواع التجارة ، كالصلح والإجارة قولان ، منشؤهما المشاركة في الحكمة الصالحة لعليّة الحكم ، وهو الاشتغال عن العبادة المطلوبة من الاعتكاف ، وبطلان القياس ، وبالغ العلامة فعدي التحريم إلى جميع التجارات والصنائع المشغلة عن العبادة ، كالحياكة والخياطة وأشباههما ، وهو أولى (٦) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

أقول : وادّعى في الانتصار على مُطلق التجارة إجماع الإماميّة (٧).

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٨٩.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ٤١١ أبواب الاعتكاف ب ١٠ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(٤) المدارك ٦ : ٣٤٤.

(٥) الانتصار : ٧٤.

(٦) المسالك ٢ : ١٠٩ ، وبالغ العلامة في المنتهي ٢ : ٦٣٩.

(٧) الانتصار : ٧٤.

٢٥٠

واستثنوا من ذلك ما يضطرّ إليه في المأكول والملبوس وبيع ما يشتري به ذلك.

وشرطَ الشهيد في الدروس تعذّر المعاطاة بناءً على أنّها ليست ببيع (١) ، وهو محلّ نظر.

قال في المدارك : بعد ما نقل ما ذكرنا عن الدروس واستشكل فيه : نعم لو اعتبر في ذلك عدم تمكّنه من التوكيل كان وجهاً قوياً (٢).

أقول : والأظهر عدم اشتراط شي‌ء منهما.

وهل يصحّ البيع في صورة حرمته أم لا؟ الأظهر الصحة ؛ لعدم دلالة النهي على الفساد ، سيّما وهو عن أمر خارج عنه ، كالبيع وقت النداء ، خلافاً للشيخ (٣).

ويجوز له النظر في أمر معاشه وضيعته (٤) ، ويتخذ ما شاء من المباح ، ويأكل الطيبات.

وعن ابن إدريس : أنه منع عن كل مباحٍ لا يحتاج إليه ، وأنه يظهر منه فساد الاعتكاف (٥) ، وهو ضعيف.

وكذلك تحرم المماراة ؛ لصحيحة أبي عبيدة المتقدّمة (٦) ، وهو في اللغة : المجادلة (٧).

قيل : وهو إما من المرية ؛ لأنّ كلا من المتجادلين يوقع صاحبه في الشك ؛ أو من مريت الناقة إذا استحلبتها ؛ لأنّ كُلا منهما يستحلب ما عند صاحبه ؛ أو من المروة ، وهي الحجارة ، لما فيه من شدّة الخصومة ، وهو الذي اختاره ابن فارس في المقاييس (٨).

وفي المصباح للفيومي : ولا يكون المراء إلا اعتراضاً ، بخلاف الجدال ، فإنّه يكون

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٠٠.

(٢) المدارك ٦ : ٣٤٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٩٥.

(٤) قد تقرأ في النسخ : صنيعته.

(٥) السرائر ١ : ٤٢٦.

(٦) الكافي : ١٧٧ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ح ٥٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ح ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ ح ٤٢٠ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

(٧) جمهرة اللّغة لابن دريد ٢ : ١٠٦٩.

(٨) معجم مقاييس اللغة ٥ : ٣١٤.

٢٥١

ابتداء واعتراضاً (١).

والجدال : هو المخاصمة للغلبة ، قيل : إنّه من الجدالة ، وهي الأرض ، كأن كلّ من المتجادلين يريد ضرب الأخر على الأرض ، ومنه قولهم : جدله صريعاً.

قال الراغب : الجدال المفارضة على سبيل المنازعة والمغالبة (٢).

وقال : الفيومي في المصباح : وجادل مجادلة جدالاً ، إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ، ووضوح الصواب ، هذا أصله ، ثمّ استعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها (٣) ، انتهى.

وقال في المسالك : والمراد بها هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة والفضيلة ، كما يتفق لكثير من المتسمّين بالعلم ، وهذا النوع محرّم في غير الاعتكاف ، وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص ، وإدخاله في مُحرمات الاعتكاف إما بسبب عموم مفهومه ، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة ، كما ورد في تحريم الكذب على الله ورسوله في الصيام ، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكلّ ما حرم فيه تتضح فائدته (٤).

أقول : ولعلّه أراد بهذا القول قول ابن إدريس حيث قال : الأولى عندي أنّ جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيئات يفسد اعتكافه ، وأما ما يضطر إليه من أُمور الدنيا من الأفعال المباحات فلا يفسد به اعتكافه ؛ لأن الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها ، فما لبث للعبادة ، وخرج من حقيقة المعتكف اللابث للعبادة (٥).

وردّه في المختلف وشنّع عليه ، وألزم عليه ببطلانه حالة النوم وإهمال العبادة ، وليس كذلك بالإجماع (٦).

__________________

(١) المصباح المنير : ٥٧٠.

(٢) مفردات الراغب : ١٨٩.

(٣) المصباح المنير : ٩٣.

(٤) المسالك ٢ : ١٠٩.

(٥) السرائر ١ : ٤٢٦.

(٦) المختلف ٣ : ٦٠٠.

٢٥٢

وأنت خبير بأنه لا يصحّ تفريع الفساد على كونه من محرّمات الاعتكاف على قوله ؛ إذ مقتضاه فساد الاعتكاف بفعل كلّ مُحرّم ، لا بما هو مُحرّم في خصوص حال الاعتكاف.

ولو فرض وجود قول آخر يكون كلّ ما هو محرم بالخصوص في الاعتكاف فهو مفسد ، فلا يتمّ التفريع أيضاً ؛ إذ غاية الأمر في المراء حينئذٍ هو تأكّد حُرمته حال الاعتكاف ، كالكذب على الله ورسوله وأوصيائه صلوات الله عليهم في الصيام. وتأكيد الحرمة ليس نفس الحرمة ، ولو لم تكن الأخبار والإجماعات المنقولة ، لم نقل بكون الكذب مفطراً ، ولا موجباً للكفارة.

وكذلك التزام الواجبات بالنذر على القول بجوازه كما هو الأظهر يثمر وجوب الكفارة ؛ لأجل أنّه التزام مُثمر لهذا الثمر ، شرّعه الله من باب اللطف ؛ لتقريب العبد إلى الطاعة ؛ خوفاً من لزوم الكفارة عليه ، وليس لمحض الإيجاب ؛ ليلزم تحصيل الحاصل ، وليس لمحض تأكد الوجوب ؛ لتكون عقوبته في الآخرة أغلظ.

ثمّ قال في المسالك : فلو كان الغرض من الجدال في المسألة العلميّة مجرد إظهار الحق ، وردّ الخصم عن الخطأ ، كان من أفضل الطاعات ، فالمايز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحبّ النيّة ، فليحترز المكلّف من تحويل الشي‌ء من كونه واجباً إلى جعله من كبار القبائح (١) انتهى ، وهو كما ذكره.

وبذلك يظهر أنّ المراء ينقسم إلى الواجب والحرام والمستحبّ ، بل يظهر من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله انقسامه إلى الأقسام الخمسة (٢).

فالواجب منه : ما توقّف الردع عن المنكر وإقامة الواجب عليه بدون قصدٍ إلى غرض قبيح من القبائح.

والمستحبّ منه : ما توقّفت إقامة المستحبّات والردع عن المكروهات عليه كذلك.

والمباح : ما كان الغرض منه مجرد إظهار الحق مع عدم تعقّل نفع ديني فيه بوجه ؛

__________________

(١) المسالك ٢ : ١١٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٩٧.

٢٥٣

لا له ولا لغيره ، مع عدم اشتماله على قبيح.

والمكروه : هو ما كان كذلك ، مع احتمال أن يؤول البحث إلى قبيح.

والحرام : ما كان الغرض فيه الإلزام وإظهار الغلبة ، وتفضيح الخصم ، وتزييف كلامه ، حقّا كان أو باطلاً ، وتجهيله ، وإظهار عيبه ، وتزكية نفسه. أو كان مستلزماً لترك واجب ، بل مطلق ما كان خالياً عن الغرض الصحيح وإظهار الحقّ.

إذا عرفت هذا فيمكن أن يكون مراده رحمه‌الله من قوله «إما بسبب عموم مفهومه» أنّ إدخال المراء في محرّمات الاعتكاف مع كونه حراماً في غيره أيضاً من جهة كون المباح والمكروه منه أيضاً حراماً فيه ؛ لإطلاق المنع عن المراء في الصحيحة المتقدّمة ، فأفادت الصحيحة حرمة المراء بعمومه ؛ لعموم مفهوم المراء ، وخرج الواجب والمستحبّ بدليل خارج ، فالمراء المجوّز فيه نوعان منه ، والباقي حرام.

واعلم أنّ العلامة في التذكرة بعد ذكر حُرمة المماراة قال : وكذا يحرم الكلام الفحش (١). وكذلك في التحرير (٢) ، وكذلك ابن إدريس في السرائر (٣) ، ولم أقف على نصّ فيه.

وعن الشيخ في الجمل : أنه يحرم عليه ما يحرم على المحرم (٤) ، ولم نقف على دليله ، نعم قال في المبسوط : وروى أنه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وذلك مخصوص بما قلناه ؛ لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه ، وعقد النكاح مثله (٥).

وقال في التذكرة : قال بعض علمائنا : يَحرم على المعتكف ما يحرم على المُحرم ، وليس المراد بذلك العموم ؛ لأنّه لا يَحرم عليه لبسُ المخيط إجماعاً ؛ ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ، فلهُ أن يتزوّج في المسجد ، ويشهد على العقد ؛ لأنّ

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٥٩.

(٢) التحرير ١ : ٨٨.

(٣) السرائر ١ : ٤٢٥.

(٤) الجمل (الرسائل العشر) : ٢٢٢.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩٣.

٢٥٤

النكاح طاعة ، وحضوره مندوب ، ومدّته لا تتطاول ، فيتشاغل به عن الاعتكاف ، فلم يكن مكروهاً ، كتسميت العاطس ورد السلام ، ويجوز له قصّ الشارب ، وحلق الرأس ، والأخذ من الأظفار ، ولا نعلم فيه خلافاً (١) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

ويظهر منه : أنّ مُراد الشيخ أيضاً ليس عموم ما يظهر من العبارة ، وكيف كان فلا دليل عليه يُعتمد عليه.

الثاني : قال الشيخ في المبسوط : من مات قبل انقضاء مدّة اعتكافه ففي أصحابنا من قال : يقضي عنه وليّه ، أو يخرج من ماله من يَنوب عنه قدر كفايته لعموم ما روي من «أن من مات وعليه صوم واجب ، وجب على وليّه أن يقضي عنه أو يتصدق عنه» (٢). هكذا نقل عنه المحقق في المعتبر ، والعلامة في المختلف ، والتذكرة وغيرهما (٣).

ففاعل كلمة «يخرج» في كلامه هو الموصول ، ومفعوله قدر كفايته ، يعني كفاية المسكين.

ويظهر من استدلاله : أنّ ذلك في الاعتكاف الواجب ، وإن كان هو الثالث من المندوب.

فهاهنا مطالب :

الأوّل : إنّ القضاء إنّما يجب في الواجب مطلقاً ، كما هو مقتضى استدلال الشيخ ، وصريح الفاضلين (٤) وغيرهما (٥) ، مع إشكال في الواجب أيضاً في التذكرة والمنتهى (٦).

ولم نَقِف على قولٍ بوجوب قضاء المندوب ، مثل من أبطل اعتكافه قبل اليوم

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٦٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٤٣ ، المختلف ٣ : ٥٩١ ، التذكرة ٦ : ٣١٩ ، المنتهي ٢ : ٦٤١.

(٤) الشرائع ١ : ١٩٦ ، القواعد ١ : ٣٩٢.

(٥) المسالك ٢ : ٣١٧.

(٦) التذكرة ٦ : ٣١٩ ، المنتهي ٢ : ٦٤١.

٢٥٥

الثالث على المشهور ، إلا إطلاق ما نقل عن التلخيص ، ولعلّه أيضاً مراده الواجب.

والثاني : إنّ القضاء هل يجب مطلقاً ، أو يجب قضاء ما فات بعد الشروع فيه قبل الانقضاء؟ فالمنقول عن التلخيص وجوب قضاء مطلق الفائت ، ولكن عبارة المبسوط المتقدّمة مطابقة للثاني ، ومثله عبارة الشرائع والقواعد والتحرير والتذكرة (١).

والظاهر أنّ مراد الكلّ مطلق الفائت ، كما فهمه الشهيد في الدروس من كلام الشيخ ، فإنه قال : ولو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على الوليّ قضاؤه بعد التمكن عند الشيخ (٢).

ودليلهم أيضاً يفيد الأعم ، فيَشمل ما لو نذر اعتكافاً مُعيّناً مثلاً ولم يأتِ به أصلاً ومات ، بل لا بد من إرادة خصوص ما تمكن من القضاء ، كما أشار إليه في المسالك أيضاً (٣).

ولا مسرحَ لظاهر عبارة الشيخ وتابعيه لوجوب القضاء على من مات قبل انقضاء أيّام اعتكافه ، لاتّفاقهم ظاهراً على اشتراط التمكّن في مسألة الصوم ، ونقل الإجماع متكرّر عليه في كلماتهم ، ودلالة الأخبار في خصوص مسألة المرض كما مرّ في كتاب الصوم.

بل ويُشكل الحكم باستحبابه ومشروعيّته أيضاً كما أشرنا ثمّة ، إلا أنّ العلامة في المنتهي نسبَ استحباب القضاء على الوليّ إلى الأصحاب (٤) ، فلا بد من حمل كلماتهم هنا جميعاً على إرادة من ماتَ قبل قضاء مدة اعتكافه مع التمكّن منه ، لا إرادة من مات بين أيام اعتكافه.

والأظهر أنه لا فرق بين ما كان فوات الاعتكاف لأجل مرض أو حيض أو سفر كما مرّ.

والثالث : هل يجب هذا القضاء على الوليّ بنفسه ، أو تجوز الاستنابة؟ اختار

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٩٦ ، القواعد ١ : ٣٩٢ ، التحرير ١ : ٨٩ ، التذكرة ٦ : ٣١٩.

(٢) الدروس ١ : ٣٠٣.

(٣) المسالك ٢ : ١١١.

(٤) المنتهي ٢ : ٦٠٣.

٢٥٦

المحقّق في الشرائع الأوّل (١) ، والأظهر الثاني ؛ لما مرّ في الصوم.

والرابع : إنّه على القول بالوجوب يُشترط التمكّن من القضاء ، كما صرّح به في الدروس (٢) ، أم يجب مطلقاً؟ الظاهر أنّ التمكن من القضاء مُعتبر عند كلّ من يوجبه في الصوم في خصوص المرض ، وقد مرّ الكلام فيه ، وتفاوت حكم المرض والسفر والحيض وغيره.

قال في المسالك بعد نقل إطلاق الوجوب عن الشيخ : ويجب تقييده بما إذا كان قد استقرّ في ذمته قبل ذلك ، أو تمكّن من قضائه ولم يفعل ، كما هو المعتبر في الصوم ، وإلا لم يتجه الوجوب على الوليّ ؛ إذ ليس للاعتكاف نص على الخصوص (٣).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الفاضلين وغيرهما استشكلوا في وجوب القضاء ، قال في المعتبر بعد نقل عبارة الشيخ المتقدمة : وما ذكره رحمه‌الله إن كان دالّا فإنّما يدلّ على وجوب قضاء الصوم ، أما الاعتكاف فلا (٤).

وقال في المختلف بعد نقل العبارة : وهذا يُشعر بعدم وجوب قضائه عليه ؛ عملاً بالأصل الدالّ على البراءة ، وبأنّ إيجاب الصوم لا يستلزم إيجاب الاعتكاف.

قال : وحجّة الآخرين أنه قد ورد وروداً مشهوراً وجوب القضاء عن الميت ، ولا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا بمثل هيئته ، وهي هيئة الاعتكاف ، فكان الاعتكاف واجباً (٥).

أقول : ولم نقف في الاعتكاف على نصّ بالخصوص ، كما اعترف به في المسالك (٦) ، ولا يشمله ما دلّ على وجوب قضاء الصوم ، غاية الأمر أنه ينوي قضاء صوم الاعتكاف ، وأين هذا من وجوبه معتكفاً.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٩٦.

(٢) الدروس ١ : ٣٠٣.

(٣) المسالك ٢ : ١١١.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٤٣.

(٥) المختلف ٣ : ٥٩٢.

(٦) المسالك ٢ : ٩٥.

٢٥٧

بقي هنا بحث : أشار إليه في المسالك ، قال : إنّ نذر الاعتكاف أو مطلق الاعتكاف الواجب لا يستلزم إيجاب الصوم ، وإن اقتضى فعله فيه ، فيجوز إيقاعه في صوم شهر رمضان وغيره ، وحينئذٍ لا يتم القول بالوجوب على الوليّ هنا بمجرد وجوب الاعتكاف ؛ إذ ليس هناك صوم واجب يدخل في عموم الأخبار المتقدّمة (١).

أقول : لا ريب أنّ وجوب إيقاع الاعتكاف في حال الصوم موجب لإتيان صوم لأجل الاعتكاف ؛ إذ لا يتم الواجب إلا به.

غاية الأمر أنّ صوم رمضان مثلاً مُسقط عن التكليف بهذه المقدمة ، فالصوم بمنزلة الطهور لا الصلاة ، فكما أنّ إيجاب الصلاة مستلزم لإيجاب الطهور ؛ لقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلا بطهور» ومع هذا يكتفى بالطهور الحاصل قبل الصلاة لغير هذه الصلاة ، فكذلك فيما نحن فيه ، فمتى لم توجد طهارة وجبت الطهارة لأجل الصلاة ، فكذا في الاعتكاف.

فلا يمكن إنكار وجوب الصوم لأجل الاعتكاف من باب المقدمة ؛ إذ قد لا يتمّ الاعتكاف إلا بإنشاء صوم له ، وكذلك قضاء الولي قد لا يتم إلا بإنشاء الصوم ، وإن صح لو فعله في شهر رمضان ، ويتضح ذلك فيما لو كان المنذور معيناً في مثل العشر الأوائل في رجب الذي لم يتعلّق به وجوب آخر.

مع أنه يمكن أن يقال باجتماع الواجبين في شهر رمضان ، أعني وجوب المقدمة ، مع وجوب صوم رمضان ، كما لا تنافي بين وجوب صوم رمضان المنذور لأجل النذر وصوم رمضان جميعاً.

فتحقيق هذا البحث أن يقال : لا نُسلّم وجوب قضاء الصوم لأجل الاعتكاف الفائت ؛ لأن وجوبه للغير ومن باب المقدّمة ، أداءً كان أو قضاءً ، فوجوبه تابع لوجوب الاعتكاف كذلك ، فإذا لم يثبت الدليل على وجوب قضاء الاعتكاف بالخصوص ، فلم يثبت وجوب قضاء صوم له ، فكما أنه لا معنى لوجوب قضاء الوضوء على من يريد عدم قضاء الصلاة التي وجب الوضوء لها ، فلا معنى لوجوب قضاء الصوم للولي

__________________

(١) المسالك ٢ : ١١١.

٢٥٨

الذي لم يثبت عليه وجوب قضاء الاعتكاف.

فالعُمدة إثبات وجوب قضاء الاعتكاف على الوليّ ، حتّى يستلزم وجوب قضاء الصوم في الجملة ، وإذ ليس فليس.

ولعلّه إلى ما ذكرنا يُشير المنع المطويّ في عبارة المعتبر ؛ استناداً إلى أنّ ما روي من وجوب قضاء الصوم على الوليّ هو الصوم الواجب مستقلا وبالأصالة ، لا تبعاً وللغير (١).

فالأولى منع وجوب القضاء ؛ لعدم الدليل على وجوب قضاء نفس الاعتكاف ، بناءً على أنّ القضاء إنّما هو بفرض جديد ، لا منع أصل الوجوب رأساً. كما فعله في المسالك ثمّ قال : وإنما يتم فيما إذا كان قد نذر الصوم معتكفاً ، فحينئذٍ يتعذّر قضاء الصوم من دون الاعتكاف ، فيجب على الوليّ قضاء الصوم مع تمكنه من فعله قبل الموت ، ويتبعه الاعتكاف من باب المقدّمة (٢).

أقول : ويَرد عليه المنع الأخير في عبارة المعتبر ؛ إذ كما أنّ اشتراط الزمان والمكان في النذر لا يوجب اعتباره في قضائه. فإنّ مَن نذرَ صوم رجب مثلاً لا يجب عليه قضاؤه في رجب ، ولا على وليّه بطريق الأولى ، فكذلك وصف كونه معتكفاً لا يعتبر في القضاء.

ثمّ قال : وحيث وجبَ على الوليّ القضاء هنا ، فحُكمه حُكم ما سبق من جواز الاستنابة ، ووجوبه على الأولياء المتعددين ، وكون المنكسر كفرض الكفاية ، إلى غير ذلك من الأحكام ، (٣) وهو كما ذكره رحمه‌الله.

ثمّ إن ما يستفاد من عبارة المبسوط من التخيير بين القضاء والتصدق (٤) يظهر ضعفه مما قدّمناه في الصوم ، وأنّ الواجب إنما هو القضاء أولاً لو ثبت الوجوب.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٤٤.

(٢) المسالك ٢ : ١١١.

(٣) المسالك ٢ : ١١٢.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩٣.

٢٥٩

الثالث : قد بيّنا مُحرّمات الاعتكاف ومُفسداته سابقاً ، من الخروج عن المعتكف في غير الصور المستثنيات ، والجماع ، والاستمناء وغيره ، وأشرنا إلى المتفق عليه والمختلف فيه والمختار والمزيف.

وبقي الكلام في ما يوجب الكفارة منها

وفيه مقامات :

الأوّل : الجماع يوجب الكفارة ليلاً كان أو نهاراً ؛ للإجماع ، كما ادّعاه جماعة من الأصحاب (١). وتدلّ عليه الأخبار ، مثل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألت أبا جعفر عن المعتكف يُجامع ، فقال : «إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر» (٢).

وصحيحة أبي ولاد المتقدمة في أوائل الكتاب ، وموثقة سماعة المتقدّمة في المبحث الرابع ، وغيرها.

ولا إشكال في ذلك في الجملة.

إنّما الإشكال في أنّ ذلك هل يختص بالاعتكاف الواجب المعيّن ، أو يشمل غيره؟ قال في المسالك : إنه لا خلاف في وجوبها في الواجب مطلقاً ، أي معيّناً كان أو غير معيّن ، قال : وإنّما الخلاف في وجوبها بإفساد المندوب ، وهو قبل دخول الثالث وما في حكمه ، ثمّ فصّل تفصيلاً يجي‌ء ذكره (٣).

أقول : لا وجه لنفي الخلاف ، فإنّ مذهب العلامة في الإرشاد عدم الوجوب في الغير المعيّن (٤).

__________________

(١) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٧٣ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٦٤٠ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٥٤٢ ، والأخير نفى الخلاف في ذلك.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ح ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ ح ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ح ٤٢٤ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٣) المسالك ٢ : ١١٢.

(٤) الإرشاد ١ : ٣٠٦.

٢٦٠