غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٦

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-679-9
الصفحات: ٤١٢

لنا : العمومات والإطلاقات الواردة في التقصير ، وخصوص صحيحة معاوية بن وهب ، وغيرها مما مرّ ، والإجماع المنقول عن الانتصار والغنية (١).

ففي الانتصار : لا خلاف بين الأُمة في أنّ كلّ سفر أسقط فرض الصيام ورخّص في الإفطار فهو بعينه موجب لقصر الصلاة ، ومثله ما في الغنية مع إسقاط بين الأُمة.

واحتجّ عليه في المختلف (٢) أيضاً بوجوه ضعيفة لا نطيل بذكرها ، وذكر ما فيها ، مع أنّه لا حاجة بنا إليها.

وربّما استدلّ للقول للاخر بروايات لا دلالة فيها على مطلوبهم.

مثل ما رواه الشيخ والصدوق ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : «سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جباوته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي والبدوي» (٣) الحديث. منضماً إلى عموم ما دلّ على وجوب الإفطار في السفر ، والتقريب أنّ التاجر يشمل الصيد للتجارة.

وفيها مع سلامة السند أنّ المراد منها بيان من ليس عليه التقصير من جهة كثرة السفر ، والتاجر المذكور من جملتهم ، مع أنّ المتبادر منه غير (المتصيد) (٤).

وما رواه الكليني والشيخ ، عن ابن بكير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيد اليوم واليومين والثلاثة ، أيقصّر الصلاة؟ قال : «لا ، إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين ، وإنّ التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه» (٥) ، بضميمة عمومات الإفطار أيضاً.

__________________

(١) الانتصار : ٥١ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

(٢) المختلف ٣ : ٩٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٢ ح ١٢٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ ح ٥٢٤ ، وص ٢١٨ ح ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ح ٨٢٦ ، الخصال : ٤٠٣ ح ١١٤ ، الوسائل ٥ : ٥١٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٩.

(٤) في «م» : المقيد.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ ح ٨٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٧.

١٤١

وفيه : مع القدح في السند ، أنّه في التصيّد الباطل ، والتصيد للتجارة ليس مسيراً باطلاً ، وإلا لما جاز الإفطار أيضاً.

ويظهر مما ذكرنا الجواب عن نظائر هذه الرواية ، فإن المراد منها استثناء السفر الباطل عن مطلق التقصير ، كالرواية الأُولى في استثناء كثير السفر.

ورواية عمران بن محمّد بن عمران القمي ، عن بعض أصحابنا ، عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : «الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين ، يتمّ أو يقصّر؟ فقال : «إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصّر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ، ولا كرامة» (١).

والتقريب : أنّ التجارة طلب الفضول ، أي الزيادة في المال.

وفيها مع سلامة السند أن طلب الفضول ظاهر في اللهو ، مع أنّ التجارة داخلة في طلب القوت ، مضافاً إلى أنّهم لا يقولون بمدلوله ، وهو المنع عن الإفطار.

ورواية حمّاد بن عثمان ، عنه عليه‌السلام في قول الله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٢) قال : الباغي باغي الصيد ، والعادي السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة» (٣).

وفيها مع سلامة السند أنّ حرمة أكل الميتة على المضطر ليس إلا لكون صيده معصية ، وهي فيه للقوت والتجارة ممنوعة ، وإلا لما جاز الإفطار أيضاً ، وهم لا يقولون به.

مع أنّ الروايات في تفسير الآية متعارضة ، وفي بعضها أنّ المراد من الباغي الباغي على الإمام.

وهذه الروايات مع ضعفها سنداً ودلالة لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة الموافقة للعقل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ١٠ ، الفقيه : ٢٨٨ ح ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ح ٨٤٥ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩. أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٢.

١٤٢

والنقل من الكتاب والسنة ، فلم يبق إلا ظاهر دعوى الإجماع من ابن إدريس ، ودعوى رواية الأصحاب منه (١) ومن المبسوط (٢) ، وهي أيضاً معارضة بدعوى السيّدين (٣).

فالأقوى العمل على عدم الفرق ، وفاقاً للمعتبر (٤) وجماعة المتأخرين (٥).

الثاني : ما كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه فقال الشيخ وابن حمزة : يتحتم الصوم ، والتخيير في الصلاة بين القصر والإتمام ، إلا أن ابن حمزة شرط في التخيير إرادة الرجوع من الغد ، والمشهور الأقوى عدم الفرق.

لنا : العمومات والأخبار المتقدّمة.

ولعلّهما نظراً إلى أنّ العمومات الواردة في التقصير ما بين مصرّح بتقصير الصلاة وظاهر فيه ؛ لأن التقصير ظاهر في الصلاة ، وإطلاقه على الإفطار تغليب ومجاز.

وأما مثل صحيحة عمار بن مروان (٦) وغيره (٧) مما ذكر فيه الإفطار فقصارى ما يدلّ عليه أنّ السفر مما يوجب الإفطار ، وأما أنّه أيّ سفر فكلا.

وأما صحيحة معاوية بن وهب (٨) وما في معناها (٩) فظاهرها إرادة الحتم واللزوم ، يعني : متى ما قصرت حتماً أفطرت حتماً ، لأمتي ما قصّرت تخييراً أفطرت حتماً ، والمفروض أنّ مذهبهما في الأربعة فراسخ المذكورة التخيير في القصر.

وفيه : أنّ قوله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١٠) يقتضي تبديل هذه الأيام بأيام

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٣٦.

(٣) الانتصار : ٥١ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٧١.

(٥) كصاحب المدارك ٦ : ٢٩١.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٩ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ح ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ح ٦٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٧) الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ح ٥٥١ ، الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

(٩) الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ و ٥.

(١٠) البقرة : ١٨٥.

١٤٣

أُخر ، وهي مطلقة ، خرج ما خرج بالدليل ، وبقي الباقي ، وكذلك سائر العمومات ، ولا دليل هنا يوجب الخروج عنه ، مع أنّ كون ظاهر صحيحة معاوية بن وهب إرادة اللزوم والحتم.

نعم بل مقتضى ترك الاستفصال ، فظاهر سياق الرواية إرادة وحدة حكم التقصير والإفطار مطلقاً ، فإن في آخرها قال : قلت : دخلت بلداً أوّل يوم من شهر رمضان ، ولست أُريد أن أُقيم عشراً ، قال : «قصّر وأفطر» قلت : فإن مكثت كذلك أقول غداً أو بعد غد فأفطر الشهر كلّه وأُقصّر؟ قال : «نعم ، هما واحد ، إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت» (١).

وكيف كان فالاحتياط أن لا يترك الصوم ولكن يقضيه وجوباً.

الثالث : من كثر سفره إذا أقام في بلده دون عشرة أيام والمشهور وجوب الإتمام ما لم يقيموا العشر مطلقاً ، وقد مرّ الكلام في ذلك في كتاب الصلاة ، وضعف من خالفهم بالقول بوجوب القصر في صلاة النهار دون الليل ، ودون الصوم.

الرابع : في المسافر الوارد في أحد الأماكن الأربعة ، فإنّه يفطر جزماً ولكن الأفضل له التمام على المشهور ، بل المتحتم كما عن السيد رضي‌الله‌عنه (٢). وقد مرّ الكلام فيه في كتاب الصلاة ، ولا منافاة بين قول السيد بلزوم الإتمام والمشهور بجوازه ، مع دعواه الإجماع في الانتصار (٣) ، فإن مورد دعوى الإجماع السفر الموجب للفطر ، وورود الأماكن المذكورة ليس بسفر.

الثالث : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام رأساً أو شقّ عليهما مشقّة شديدة يفطران ، ويتصدّقان بمدّ من الطعام ، ولا قضاء عليهما.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧٠ ، الوسائل ٥ : ٥٢٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧ ، وج ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

(٢) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٤٧.

(٣) الانتصار : ٥١.

١٤٤

والكلام هنا في مقامات :

الأول : الإفطار هو مما لا خلاف فيه ، سواء عجزا رأساً أو شق عليهما ، بل هو إجماعي كما صرح به بعضهم (١) ، وتدلّ عليه الأخبار الاتية ، مضافاً إلى نفي العُسر والحرج (٢) وتكليف ما لا يطاق (٣).

الثاني : وجوب التصدّق وهو أيضاً فيما يشقّ عليهما مما لا خلاف فيه.

وأما فيما عجزا رأساً ، فعن المفيد (٤) والسيد (٥) وسلار (٦) وابن زهرة (٧) وابن إدريس (٨) بل وربّما نسب إلى الأكثر عدم الوجوب (٩) ، واختاره العلامة في المختلف (١٠) والشهيد الثاني في الروضة (١١).

وعن الصدوقين وابن أبي عقيل وابن الجنيد (١٢) وابن البراج (١٣) ويحيى بن سعيد (١٤) الوجوب ، وهو مختار المحقّق (١٥) والعلامة في جملة من كتبه (١٦) والشهيد في اللمعة (١٧) ، وصاحب المدارك (١٨) ؛ احتجاجاً بإطلاق الأخبار.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦١٨ ، التذكرة ٦ : ٢١٣.

(٢) الحجّ : ٧٨.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

(٤) المقنعة : ٣٥١.

(٥) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.

(٦) المراسم : ٩٧.

(٧) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٧١.

(٨) السرائر ١ : ٤٠٠.

(٩) نسبه إلى الأكثر في المنتهي ٢ : ٦١٨.

(١٠) المختلف ٣ : ٥٤٢.

(١١) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٨.

(١٢) حكاه عنهم في المختلف ٣ : ٥٤٢.

(١٣) المهذّب ١ : ١٩٦.

(١٤) الجامع للشرائع : ١٦٤.

(١٥) الشرائع ١ : ١٩١ ، المختصر النافع : ٧٢.

(١٦) المنتهي ٢ : ٦١٨ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤.

(١٧) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٢٧.

(١٨) المدارك ٦ : ٢٩٣.

١٤٥

مثل ما رواه الصدوق والشيخ والكليني في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ منهما في كلّ يوم بمدّ من الطعام ، ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا ، فلا شي‌ء عليهما» (١).

والشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم رمضان ، فقال : «يتصدّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم» (٢) وبمضمونه روى الكليني في الموثّق عن عبد الله بن سنان مضمراً (٣).

ورويا أيضاً في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : «الشيخ الكبير ، والذي يأخذه العطاش» وعن قوله (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) قال : «من مرضٍ أو عطاش» (٤).

وفي الصحيح عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان ، قال : «تصدق عن كلّ يوم بمد من حنطة» ورواه الصدوق أيضاً بسنده عن عبد الملك عنه عليه‌السلام بدون لفظ رمضان (٥).

والكليني في الموثق ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : «معناه وعلى الذين كانوا

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ح ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ ح ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٧ ح ٦٩٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ ح ٣٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٥١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٩.

(٣) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ١٥١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ ح ١ ، الوسائل ٧ : ١٥٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٣ ، البقرة : ١٨٤ ، المجادلة : ٤.

(٥) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٥ ح ٣٧٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ح ٦٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ ح ٣٣٧ ، الوسائل ٧ : ١٥٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٤.

١٤٦

يطيقون الصوم ، ثمّ أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك ، فعليهم لكلّ يوم مدّ» ورواه الصدوق عنه مسنداً إليه (١).

وعن العياشي في تفسيره ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن قول الله عزوجل (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع والمريض (٢).

واحتجّ الآخرون بالأصل ، والإجماع المحكي عن السيد (٣) وابن زهرة (٤) ، وصحيحة محمّد بن مسلم الثانية ، فإنّ ظاهرها اختصاص الفدية بالمطيقين للصوم ، لا العاجزين رأساً.

ويشكل بملاحظة موثّقة ابن بكير المتقدّمة ، وبما نقله في مجمع البيان ، عن عليّ بن إبراهيم بإسناده ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «وعلى الذين يطيقونه فدية من مرض في شهر رمضان فأفطر ثمّ صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر ، فعليه أن يقضي ويتصدّق لكلّ يوم بمد من طعام» (٥) ، ولكن الإشكال الأخر مشترك الإلزام ، فالآية إذن مجملة.

فالأظهر مما ورد في تفسير أهل الذكر الذين هم حَمَلَة القرآن هو ما ورد في أكثر الأخبار ، لكنها في إفادة ما بقي فيهما الطاقة في الجملة أو ما انقضت عنهما الطاقة أيضاً مجملة ، والأصل مع النافي.

نعم موثّقة ابن بكير أصرح دلالة ، فلا يبعد أن يقال : هي المبيّنة لهذه الصحيحة ، وكذا رواية أبي بصير ، فإنها ظاهرة في العاجز رأساً.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٧ ، الوسائل ٧ : ١٥١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٦ ، البقرة : ١٨٤.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٧٨ ح ١٧٧ ، الوسائل ٧ : ١٥١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٧ ، البقرة ٢ : ١٨٤.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٥) مجمع البيان ١ : ٢٧٤.

١٤٧

وأما صحيحة الحلبي ؛ فظاهر الضعف فيها هو المشقّة ، لا التعذّر ، وكذا صحيحة عبد الملك ، بل وكذلك صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى ، فإنّ ظاهر نفي الحرج هو إمكان حصول الصوم.

فلم يبقَ لهم إلا الروايتان الأخيرتان ، وهما لا تقاومان الأصل مع الإجماعين المنقولين.

وأما ما احتجّ به السيد لهذا التفصيل بقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (١) والشيخ العاجز رأساً خارج عن التكليف ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الفدية إنّما تكون عن تقصير (٢).

ففيه أوّلاً : منع كون الفدية مبتنية على التقصير ، ولعلّه حسبها كفّارة ، مع أنّ لزوم التقصير في الكفّارة أيضاً ممنوع ، كما في بعض أفراد الخطأ المحض.

وثانياً : أنّ الكتاب والسنة دالان على أنّ العسر والحرج أيضاً مسقطان للتكليف ، فيلزم السقوط عمن تعسّر عليه أيضاً.

وكيف كان فالأحوط الفدية مطلقاً ، وإن كان الأظهر التفصيل.

الثالث : مقدار التصدّق هو مُدّ من طعام ، كما هو مقتضى الأخبار المتقدّمة ، وذهب الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط إلى أنّه مُدّان ، فإن لم يقدر فمُدّ (٣) ؛ جمعاً بين تلك الأخبار ، وبين صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى المروية بسند آخر صحيح أيضاً ، وفيها : «ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدين من طعام» (٤).

والأولى حملها على الاستحباب ؛ لعدم المقاومة ، وعدم ما يدلّ على هذا الجمع في الأخبار وغيرها ، سيّما بملاحظة الأصل ، وعدم اقتضاء ظاهر الآية أيضاً إلا ذلك ،

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٨ و ٢٣٩ ، النهاية : ١٥٩ ، المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ح ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ ح ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

١٤٨

فإن طعام مسكين لا يكون أزيد من مُدّ في الغالب.

والأولى الاقتصار على الحنطة بملاحظة صحيحة عبد الملك ، (١) وتفسير بعض أهل اللغة (٢).

الرابع : لا ريب في سقوط القضاء إذا استمر المانع كما هو الغالب في العجز الحاصل من الكبر ، فإنّه لا يزال متزايداً.

ولو اتّفقت القدرة على خلاف العادة وجب ، على ما ذكره الفاضلان (٣) والشهيدان (٤).

واستشكله في المدارك (٥) ، وهو في موقعه من جهة إطلاق صحيحة محمّد ابن مسلم الأُولى ، وعدم ما يدلّ على وجوب القضاء عموماً بحيث يشمل ما نحن فيه ، والقضاء بفرض جديد ، والأصل براءة الذمة.

ولو قلنا بوجوب القضاء ، فهل تجب الفدية حينئذٍ أيضاً أم لا؟ اختار الشهيدان في الدروس والروضة الوجوب ؛ لدلالة الأخبار الصحيحة على وجوبها بالإفطار أوّلاً ، فيستصحب (٦).

ولا تنافيه صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى بناءً على حملها على الغالب على القول بإيجاب القضاء لو تمكّن منه ، فإنّا وإن سلّمنا حملها على الغالب ، فإنّما نحملها عليه في القضاء ؛ لكون التمكن منه من الأُمور النادرة ، ولا داعي على هذا الحمل في الفدية حتى تقول : إنّ وجوب الفدية أيضاً إنّما هو في الغالب من عدم التمكن من القضاء ، فلا منافاة بينهما ؛ إذ الفدية من جهة الإفطار ، والقضاء لأجل تجدّد القدرة ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٥ ح ٣٩٧ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ح ٦٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ ح ٣٣٧ ، الوسائل ٧ : ١٥٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٤.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٤٥ ، المصباح المنير ١ : ٣٧٣ ، لسان العرب ١٢ : ٣٦٤.

(٣) الشرائع ١ : ١٩١ ، المنتهي ٢ : ٦١٨.

(٤) الدروس ١ : ٢٩١ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٨.

(٥) المدارك ٦ : ٢٩٦.

(٦) الدروس ١ : ٢٩١ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٨.

١٤٩

وأما ما نحن فيه فبمعزل عن هذا الإشكال ؛ إذ لا يوجب القضاء ، فتبقى الفدية باقية على حالها في صورة التمكّن من القضاء أيضاً.

الرابع : ذو العطاش كالشيخين وهو بضم العين داء لا يروى صاحبه ، وقال في الروضة : والمراد هنا من لا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار (١) ، يعني هذا القسم من العطاش ، والأولى من تعسّر عليه.

وتفصيل المقام : أنّ ذا العطاش الذي يشق عليه الصوم إن كان آيساً من البرء فيفطر ويسقط عنه القضاء ويفدي ؛ لصحيحتي محمّد بن مسلم ، ومرسلة ابن بكير المتقدّمات.

ويدلّ عليه في حكم سقوط القضاء فيما لم يتفق البرء حتى دخل رمضان آخر أنّه مريض استمرّ به المرض إلى رمضان آخر.

ويظهر من المفيد اعتبار حصول المرض في جواز الإفطار ، فإنّه قال : والشاب إذا كان به العطاش وكان الصيام بمرضه أفطر وكفّر عن كلّ يوم بمُدّ من طعام (٢).

وهو تقييد للأخبار لا دليل عليه ، بل الأولى الاكتفاء بالمشقّة (٣) ، ولعله نظر إلى رواية عمار (٤) ومفضّل بن عمر (٥) الآتيتين ، وسيجي‌ء الكلام فيهما.

وعن سلار : أنّه لا يوجب الفدية (٦) ، ولم نقف على دليله ؛ إذ الأصل لا يعارض الأخبار.

ثمّ لو اتفق البرء على خلاف العادة ، فالظاهر من الأكثر وجوب القضاء ؛ لأنّه

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٨.

(٢) المقنعة : ٣٥٠.

(٣) في «ح» زيادة : ولعلّه نظر إلى مثل رواية عمّار الآتية ، وفيه : أنّ القيد في كلام السائل ، ولا يوجب التقييد.

(٤) الكافي ٤ : ١١٧ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٢ ، الوسائل ٧ : ١٥٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١١٧ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٣ ، الوسائل ٧ : ١٥٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ٢.

(٦) المراسم : ٩٧.

١٥٠

مرض ، والمريض يجب عليه القضاء ، ولعلّهم حملوا الصحيحة المتقدّمة على الغالب من عدم التمكن (١).

ويشكل بأنّ لفظ العطاش في الروايات أعمّ من المأيوس من برئه ، وكون كلّ هذا المرض مما يحصل فيه اليأس من البرء عادة محلّ كلام.

ولعلّه لذلك ذهب المقداد في التنقيح (٢) ، والمحقق الشيخ عليّ (٣) إلى سقوط القضاء وإن برئ ، ويظهر من المدارك أيضاً الميل إليه (٤).

ولكنه مع قوة دليل لزوم القضاء على المريض ، خصوصاً ظاهر الآية ، مع الإشكال في انصراف الصحيحة إليه ، خصوصاً بانضمام الشيخ الكبير معه ، فإنّه لا يتمكن غالباً ، فيُعلم أنّ المراد من ذي العطاش فيه أيضاً من حصل اليأس من تمكّنه ولا يتمكن غالباً ، وعمل الأكثر يرجّح الوجوب.

وهل تجب حينئذٍ الفدية أيضاً مع القضاء أم لا؟ الأظهر نعم ، وفاقاً للفاضلين (٥) والشهيدين (٦) وغيرهما (٧) ؛ لدلالة الأخبار عليه ، وعدم منافاته مع القضاء.

وعن العلامة في التلخيص : عدم وجوب الفدية ، ونقله في الروضة عن المرتضى رحمه‌الله وهو محتمل كلام اللمعة (٨).

وربما يقوّى ذلك بأنّ صحيحة محمّد بن مسلم مشتملة على نفي القضاء الدال على أنّه فيمن لا يبرأ.

أقول : وهو بعد تسليمه لا ينافي إطلاق سائر الأخبار الموجبة للفدية بالإفطار حتى

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٠٠ ، المختلف ٣ : ٥٤٨.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٣٩٦.

(٣) جامع المقاصد ٣ : ٨٠.

(٤) المدارك ٦ : ٢٩٧.

(٥) المعتبر ٢ : ٧١٨ ، المنتهي ٢ : ٦١٨.

(٦) الدروس ١ : ٢٩١ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٩.

(٧) كصاحب المدارك ٦ : ٢٩٧.

(٨) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٩.

١٥١

تقيّدها بصورة عدم البرء ، هذا كلّه إذا حصل اليأس من البرء.

وأما لو كان مرجوّ الزوال فيفطر ، ويجب القضاء مع التمكّن من غير فدية كالمريض عند جماعة ؛ للأصل ، وعدم تبادره من الأخبار ، ولكونه مريضاً أُبيح له الإفطار ، ولا يوجب كفّارة كسائر الأمراض.

ومع وجوب الفدية عند آخرين ؛ لإطلاق الأخبار ، وهو أحوط ، وإن كان لا يبعد ترجيح الأوّل ؛ لإمكان ادعاء إرادة المأيوس من الأخبار ، خصوصاً بملاحظة ذكره مع الشيخ الكبير ، وإذا لم يتّفق التمكّن بعد رجاء الزوال فيسقط القضاء ، والكلام في الفدية ما مرّ من أنّ الأحوط وجوبه ، والأظهر عدمه.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني قال : الأقوى أنّ حكم ذي العطاش كالشيخين من أنّ الفدية إنّما تجب مع المشقّة ، لا مع العجز رأساً (١) ، وليس ببعيد ؛ للأصل ، وظهور صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى في المتمكن ، وتطرق الإجمال في الباقي.

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : أنّ الكلام في المُدّ والمُدّين هو ما تقدّم من أنّ الأظهر كفاية المُدّ ، لما تقدّم.

الثاني : أنّ المرجع في اليأس من البرء وعدمه إلى أهل الخبرة وعن المحقّق الثاني : أنّه يثبت بقول طبيبين عارفين ، قال : ويمكن ثبوته بقول الواحد ، ولا تشترط العدالة ، نعم حذقه في الطب.

أقول : ولا يبعد الاكتفاء بالواحد ، لكن مع الوثوق بقوله كما في نظائره ، وقد حققناه في القوانين (٢).

الثالث : ظاهر الأكثر وإطلاق الأخبار جواز التملّي من الشراب.

وقيل : يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما تندفع به الضرورة ؛

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٩.

(٢) القوانين ١ : ٤٦٩.

١٥٢

لما رواه المشايخ الثلاثة في الموثّق ، عن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه ، قال : «يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، ولا يشرب حتّى يروى» (١).

وهو ظاهر المعتبر حيث قال : لا يتملّى هذا من الشراب ؛ مستدلاً برواية عمار (٢).

قال في التذكرة : لا ينبغي أن يتملّى (٣).

وروى الكليني والشيخ عنه ، عن المفضل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبد الله : إنّ لنا فتيات وشباباً لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ، قال : «فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما يحذرون» (٤).

وفيه : بعد الإغماض عن السند ، وعدم مقاومتهما للإطلاقات ، أنّ الظاهر منهما أنّ العطش فيهما غير ما حصل من العطاش ، ولا ريب أنّ العمل بهما أحوط.

الخامس : الحامل المُقرب والمرضعة القليلة اللبن إن خافتا على ولدهما تفطران وتفديان بما تقدّم ، وتقضيان مع زوال العذر.

وأمّا الإفطار والقضاء فلا يعرف فيه خلافاً ، بل يظهر من التذكرة الإجماع (٥) ، وتدلّ عليه الصحيحة الاتية.

وربّما يستدلّ عليه بالآية ، فإن أُريد بمنطوقها ، فهما ليستا مريضتين ، وإن أُريد بمفهومها الموافق كما يظهر من العلامة (٦) بتقريب أنّ المرض أبلغ عذراً في الإفطار ، فإذا ثبت القضاء بسببه من الآية ، فيثبت فيهما بطريق الأولى فهو أيضاً ممنوع ؛ لأنّ

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٢ ، وص ٣٢٦ ح ١٠١١ ، الوسائل ٧ : ١٥٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٨.

(٣) التذكرة ٦ : ٢١٦.

(٤) الكافي ٤ : ١١٧ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٣ ، الوسائل ٧ : ١٥٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ٢.

(٥) التذكرة ٦ : ٢١٦.

(٦) التذكرة ٦ : ٢١٩.

١٥٣

القضاء إنّما هو بفرض جديد ، وليس بتابع للعذر وكيفيته ، ولمنع كون المرض أبلغ عذراً إذا خيف على تلف الولد.

وأما الصدقة فهو المشهور بين أصحابنا ، بل قال في التذكرة : ذهب إليه علماؤنا (١)

ولكن نقل عن عليّ بن بابويه (٢) وسلار (٣) عدمه ، والذي نقله في التذكرة عن سلار وجوب الكفّارة دون القضاء (٤).

وعن ابن الجنيد : أنّ الأحوط أن يقضي ويتصدّق عن كل يوم بمُدّ (٥).

وتدلّ على المشهور : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ؛ لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمُدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد» (٦) رواها المشايخ الثلاثة.

ولم أقف لنفي الصدقة على دليل سوى الأصل ، وهو لا يعارض الخبر الصحيح المعمول عند الأصحاب.

وأما إن خافتا على أنفسهما ، فظاهر الأكثر حيث قيّدوا الحكم بالخوف على الولد ، بل نسبه في المسالك إلى المشهور (٧) ، بل قال في الدروس : لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ، ففي وجوب الفدية وجهان ، والرواية مطلقة ، ولكن الأصحاب قيّدوا بالولد (٨) ، وهو أيضاً قيّده بذلك في أوّل كلامه أنّهما كالمريض حينئذٍ في سقوط الفدية

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢١٧.

(٢) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٥٠.

(٣) المراسم : ٩٧.

(٤) التذكرة ٦ : ٢١٩ ، وانظر المراسم : ٩٧.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٥٠.

(٦) الكافي ٤ : ١١٧ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ ح ٧٠١ ، الوسائل ٧ : ١٥٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ١.

(٧) المسالك ٢ : ٨٦.

(٨) الدروس ١ : ٢٩٢.

١٥٤

وإن جاز الإفطار ووجب القضاء.

وممن صرّح بالتفصيل المذكور فخر المحققين في الإيضاح (١) ، ونقل عنه في شرحه على الإرشاد أيضاً.

وصرّح بالتعميم المحقّق في المعتبر (٢) وفاقاً للشيخ (٣).

وأُسند التفصيل إلى الشافعي (٤) ، وهو ظاهر التذكرة ، بل الصريح من آخر كلامه (٥) ، وهو المحكي عن الصدوقين (٦) وابن حمزة (٧) والمنتهى والتحرير (٨).

وعن الشيخ في الخلاف (٩) أنّه أطلق ، كالمحقّق في مختصريه (١٠) ، والعلامة في جملة من كتبه (١١) ، والشهيد في اللمعة (١٢) ، واستشكل ، في القواعد (١٣).

ويمكن تقوية التفصيل ؛ للأصل ، وظهور الرواية في الخوف على الولد ، سيّما بملاحظة المرضعة القليلة اللبن ، فيكون في صورة الخوف على النفس بمنزلة من يخاف حصول المرض ، وليس عليه إلا القضاء.

وما قد يتوهم أن قوله عليه‌السلام : «لأنهما لا يطيقان الصوم» (١٤) ، يدل على خصوص

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٣٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٩.

(٣) الخلاف ٢ : ١٩٦.

(٤) انظر الامّ ٢ : ١٠٣ ، والمهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، والمجموع ٦ : ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، والوجيز ١ : ١٠٥ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، والمغني ٣ : ٨٠.

(٥) التذكرة ٦ : ٢١٧.

(٦) نقله عن والد الصدوق في المختلف ٣ : ٥٤٨.

(٧) الوسيلة : ١٥١.

(٨) المنتهي ٢ : ٦١٩ ، التحرير ١ : ٨٥.

(٩) الخلاف ٢ : ١٩٦.

(١٠) المختصر النافع : ٧٢ ، الشرائع ١ : ١٩١.

(١١) المنتهي ٢ : ٦١٩ ، تبصرة المتعلّمين : ٥٧.

(١٢) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٢٩.

(١٣) القواعد ١ : ٣٧٩.

(١٤) الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ ح ٧٠١ ، الوسائل ٧ : ١٥٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ١.

١٥٥

الخوف على النفس ، فليس كذلك ؛ لأنّ دراية المقام قرينة على إرادة عدم الطاقة من جهة الولد من الرواية.

وأمّا ما يستدلّ على لحوقهما بالمريض حينئذٍ بمشاركتهما في خوف الضرر على النفس ، مع كون المقتضي في المريض هو الخوف والمرض مظنته ، ولذا لو علم عدم التضرر وجب الصوم.

ففيه : أنّا وإن فهمنا من قول الشارع «المرض الذي يحصل معه الظن بالضرر يوجب الإفطار» أنّ علّة الإفطار ظنّ الضرر فيلزم ثبوته في كلّ ما هو كذلك ، ومنه صوم الحامل والمرضع الظانتين للضرر بالنفس ، بل ويدخل ذلك في عموم ما دلّ على أنّ خوف حصول المرض بالصوم يوجب الإفطار ، وإن لم يكن المرض حاصلاً بالفعل ولكن غاية ذلك جواز الإفطار ، وأما لزوم الفدية والقضاء أو عدمهما فكلا ، ومرادنا إثبات عدم الفدية كما في المريض.

وبما ذكرنا من تقرير الدليل في طيّ قولنا : وإنّا وإن فهمناه إلى أخره يندفع ما أورده فخر المحققين على هذا الاستدلال من قوله : ويرد عليه انتفاء ما نصّ الشارع على كونه علّة ؛ إذ الحكمة التي تشتمل عليها أوصاف نَصّ الشارع على عليتها لا يصحّ تعدية الحكم بها ؛ لأنّها تشبه العلّة ، والتحقيق أنّ الحكمة إذا اعتبرت في علّة الوصف وعدمها في عدمه كانت هي العلّة في الحقيقة ، وكان الوصف معرّفاً ، فلا يضرّ تخلّفه مع وجودها ، بخلاف ما لو جعل الشارع الوصف علّة ؛ لكونه مظنّة الحكمة ، فالحكمة علّة غائية لا يضرّ تخلّفها ، بخلاف الوصف (١) ، انتهى كلامه.

ووجه الاندفاع : أنّ مراد المستدلّ ليس أنّ المرض مظنّة للخوف ، بمعنى أنّه قد يحصل معه ، كالاحتراز عن نتن رياح الآباط ، مع أنّه قد لا يحصل الاحتراز من جهة عدم النتن جزماً حتى يقال : إنه لا يوجب التعدي عن محلّ الوصف الذي هو كونه غسل

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥٣٥.

١٥٦

جمعة ، إلى غير ما هو غسل جمعة ، وإن تعدّى إلى غسل جمعة لا يوجب دفع النتن ، بل مراده أنّ المرض الذي يحصل معه ظن الضرر بالفعل هو علّة للحكم باعتبار أنّه موجب لظنّ الضرر.

وبالجملة : أنّه لم يستدلّ بمجرّد إطلاق الآية ، بل بضميمة ما ثبت من اشتراط ظنّ الضرر من سائر الأدلّة.

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية كما أشرنا هو الخوف على الولد ، ولا فرق بين الخوف على جوعه أو عطشه.

وأما الخوف عليه من جهة حصول الضرر بحصول مرض له بسبب تغيّر اللبن بسبب الصوم الموجب للضرر مثلاً فهو غير ظاهر من الرواية ، ولا اختصاص له بقليلة اللبن ، فهو داخل في عموم خوف حصول الضرر ، ويلحق بحكم المرض ولا يوجب فدية.

ولا فرق بين أن يكون الخوف لأجل نفس شدّة الجوع والعطش التي لا يتحمّلها الولد غالباً ، أو الضرر الحاصل بسبب الجوع والعطش في دخولهما تحت عموم الرواية ؛ لإطلاق الرواية.

وكذا بين الولد الحلال وغيره.

وكذا بين ما كان ولداً نَسَبياً أو رضاعيا.

ولا في المرضعة بين الام والمستأجرة والمتبرّعة ؛ لإطلاق النص والفتوى.

نعم لو قام غيرها مقامها مع رفع الضرر عن الطفل سواء كانت متبرّعة أو من تأخذ الأُجرة مساوية للمستأجرة أو أنقص إن كانت هي المستأجرة للغير وجاز لها ذلك ورضي المستأجر باستئجار غيرها ولو بأزيد لم يجز الإفطار ؛ لانتفاء الضرورة ، صرّح بأكثر ذلك الشهيد الثاني (١) رحمه‌الله وغيره (٢).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٨٦ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٩.

(٢) الروضة ٦ : ٣٠٠ ، الحدائق ١٣ : ٤٣١ ، الكفاية : ٥٤.

١٥٧

وصرّح هو (١) وغيره (٢) أنّ الفدية من مال المرأة وإن كان لها زوج ، وزاد في الروضة : وكان الولد له (٣).

واستدلّ على ذلك : بأنّ ذلك هو الأصل فيما يجب من الصدقات من غير معارض ، بل يعاضده ظاهر النص والفتوى.

وقال في المسالك : والمراد بالطعام في جميع هذه المسائل هو الواجب في الكفّارات ، ومصرفه مصرفها ، ولا يجب فيه التعدّد (٤) ، وكذا في المدارك (٥).

وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في كفّارة قضاء شهر رمضان لمن أخّره إلى رمضان آخر ، وقال في الروضة : والحكم بإفطارهما خبر معناه الأمر لدفعه الضرر ، وهو كذلك ، فلو صامت مع ذلك لم يجز (٦).

السادس : كلّ من يجوز له الإفطار يُكره له التملّي من الطعام والشراب مريضاً كان أو مسافراً ، حائضاً أو غيرها مما مر ؛ تشبهاً بالصائمين وامتناعاً عن الملاذّ طاعةً لله ، ولصحيحة عبد الله بن سنان الاتية (٧).

ولا نعرف خلافاً في ذلك ، إلا ما مرّ في ذي العطاش ، فإنّ فيه قولاً بالتحريم.

وكذلك لا خلاف في جواز ارتكابهم كلّ المفطرات ، إلا في الجماع ، فذهب الشيخ إلى حرمته إلا مع الضرورة (٨) ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة (٩) ، والأقوى الأشهر خلافه

__________________

(١) الروضة ٢ : ١٣٠ ، المسالك ٢ : ٨٦.

(٢) المدارك ٦ : ٣٠٠.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٠.

(٤) المسالك ٢ : ٨٧.

(٥) المدارك ٦ : ٣٠٠.

(٦) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٠.

(٧) الكافي ٤ : ١٣٤ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ح ٤١٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ح ٣٤٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥.

(٨) النهاية : ١٦٢ ، المبسوط ١ : ٢٨٥.

(٩) المقنعة : ٣٥٢.

١٥٨

مع الكراهة.

لنا : الأصل ، والأخبار الكثيرة ، مثل ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمّد ابن سهل ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وهو مسافر ، قال : «لا بأس» (١).

وفي الصحيح عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام يعني موسى عليه‌السلام عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان ، قال : «لا بأس به» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

والذي يدلّ على الكراهة مضافاً إلى ما مرّ الأخبار الدالّة على رجحان توقير شهر رمضان ، مثل ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، ومعه جارية له ، فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال : «سبحان الله ، أما يعرف حرمة شهر رمضان؟! إنّ له في الليل سبحاً طويلاً» قلت له : أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى قد رخّص للمسافر في الإفطار والتقصير رحمةً وتخفيفاً ؛ لموضع التعب والنصب ووعث السفر ، ولم يرخّص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان ، وأوجب عليه قضاء الصيام ؛ ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا أب من سفره» ثمّ قال : «والسنة لا تقاس ، وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما أكل إلا القوت ، وما أشرب كلّ الري» (٣).

ورويا أيضاً عن ابن سنان ، قال : سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر ، فقال : «ما عرف هذا حقّ شهر رمضان ، إنّ له في الليل

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٣ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٤ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٤ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ح ٣٤٢ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ح ٤١٦ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥.

١٥٩

سبحاً طويلاً» (١).

واستدلّ الشيخ بما رواه ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء في النهار في رمضان ، فإن ذلك محرّم عليه» (٢) ووصفها في المدارك بالصحة (٣).

وهو مشكل ؛ لأنّ سندها على ما في نسختي التهذيب والاستبصار الموجودتين عندي هكذا : أخبرني الحسين بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، وفي التهذيب : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين إلى آخر السند ، ومحمّد بن العلاء مهمل (٤).

وربّما يُقال : الصواب عن محمّد عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، بأن يكون المراد من محمّد إما ابن أبي عمير ، أو محمّد بن عبد الله بن هلال ، والثاني أقرب. وهذا أيضاً لا ينفع في شي‌ء ؛ لجهالة محمَّد بن عبد الله بن هلال (٥) ، ولو سلّمت الصحّة ، فلا ريب أنّها لا تقاوم أدلّة المشهور ، فنحملها على الكراهة.

واستدلّ أيضاً بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة.

وفيه : مع عدم المقاومة أنّ سياقها ظاهر في الكراهة واستحباب الترك كما لا يخفى.

وجمع الشيخ بين الأخبار بحمل رواية سهل على الجاهل بالحرمة في الاستبصار (٦) ، وحمل فيه وفي التهذيب ما دلّ على الجواز على من غلبته الشهوة ، ولم يتمكّن من الصبر عليها ، ويخاف على نفسه الدخول في محظور ، أو أنّ المراد الجواز في الليل (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٤ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ ح ٧٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ح ٣٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٠ ح ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ح ٣٤١ ، الوسائل ٧ : ١٤٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٨.

(٣) المدارك ٦ : ٣٠٢.

(٤) انظر معجم رجال الحديث الرقم ١١٢٤١

(٥) انظر معجم رجال الحديث الرقم ١١١٢٦.

(٦) الاستبصار ٢ : ١٠٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٤٠.

١٦٠